فقه المصارف و النقود

اشارة

نام کتاب: فقه المصارف و النقود

موضوع: فقه استدلالی

نویسنده: بحرانی، محمد سند

تاریخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربی

قطع: وزیری

تعداد جلد: 1

ناشر: مکتبة فدک

تاریخ نشر: 1428 ه ق

نوبت چاپ: اول

مکان چاپ: قم- ایران

شابک: 8- 30- 8991- 964

مقرر: اسکندری، مصطفی

ص :1

اشارة

ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

فقه المصارف و النقود

محمد سند

ص :4

ص:5

ص:6

الفهرس الاجمالی

المدخل21 - 32

الإشکالات العامّة علی الحیل التخلّصیّة 33 - 58

الجواب عن الإشکالات 59 - 99

الحیل التخلّصیّة عن الربا 101 - 330

أعمال البنوک 433

عقد التأمین 441

السرقفلیّة 479

التضخّم النقدی 529

الفهارس الفنیّة 593

ص:7

ص:8

کلمة الاستاذ

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد للّه ذی الآلاء و الإفضال ، المنعم علی عباده بالبرکات ، و الصلاة و السلام علی النذیر بحرمة مظالم العباد ، و علی آله الهداة إلی موارد الحلّ عن الحرام ، و بعد :

فقد قال تعالی فی محکم کتابه الخالد : (الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا) و ظاهر الآیة الإخبار عن نحو صراع نفسانی فی هذه النشأة الدنیاویّة یبتلی به آکل الربا بسبب استحلاله تحت ذریعة أنّ الربا نحو اتّجار بالمال و قد صرّحت بذلک بعض الروایات (1).

و قال : (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) (2) أی أنّ قناة مبادلة الأموال صالحة للبیئة المالیّة الاقتصادیّة فی المجتمع البشری بخلاف طریق الکلّ و التطفّل علی أموال و جهد الآخرین ، فإنّه ضارّ بعموم الحیاة المالیّة و الاقتصادیّة .

و قال :(فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن ربِّهِ فَانْتَهَی فَلَهُ مَا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَ مَنْ عَادَ فَأُولئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ) (3) فجعل حرمة الربا من الکبائر المتوعّد علیها النّار .

ص:9


1- 1) ب 1 / أبواب الربا / 23 .
2- 2) سورة البقرة 2 : 275 .
3- 3) سورة البقرة 2 : 275 .

و قال : (یَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ یُرْبِی الصَّدَقاتِ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ کُلَّ کَفّارٍ أَثِیمٍ) (1)أخبر بسلب البرکة و النمو عن الأموال الربویّة و بنموّ الأموال بالصدقة و التکافل الاجتماعی .

و قال : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ) (2) فجعل التعامل الربوی فی سوق الأموال حالة تهدّد الأمن الاجتماعی ، و تستوجب المواجهة باستنفار کافّة القوی ، فجعل الربا و ارتکابه من قبیل الاُمور التی تهدّد بیضة الدین و حمی الإسلام ، تبیاناً لخطورة هذه الحرمة من بین المحرّمات الکبیرة الاُخری .

و قال : (وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) (3) فبیّن تعالی أنّ الفائدة الربویّة ظلم مالی من الأخذ علی المأخوذ منه .

و قال تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ * وَ اتَّقُوا النّارَ الَّتِی أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ) (4) و فی هذه الآیة دلالة علی أنّ الربا مطلق الفائدة و إن لم تتضاعف و تتصاعد ، لا أنّ الحرمة فی الأدلّة خاصّة بالمتضاعفة تصاعدیّاً .

و قال تعالی : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ طَیِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ کَثِیراً * وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَکْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ أَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً) (5) فبیّن عزّ اسمه أنّ تحریم الربا من التشریعات الثابتة فی الشرائع السماویّة ، لا سیّما إذا التفت إلی أنّ الشریعة الموسویّة هی بدایة التشریع الإلهی بصورة شاملة فی ما یختصّ بالاجتماع البشری .

ص:10


1- 1) سورة البقرة 2 : 276 .
2- 2) سورة البقرة 2 : 278 و 279 .
3- 3) سورة البقرة 2 : 279 .
4- 4) سورة آل عمران 3 : 130 و 131 .
5- 5) سورة النساء 4 : 160 و 161 .

و قال تعالی : (وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النّاسِ فَلا یَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ زَکاةٍ تُرِیدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (1)و هی نظیر الآیة المتقدّمة من الإخبار الإلهی بمصیر الأموال الربویّة إلی الجمود و الفناء بخلاف الأموال التی ینفق منها ، فإنّها یکتب لها النموّ و الکثرة (2) ، کیف لا و الرابی لا یستأصل القدرة المالیة للمدیون فقط ، بل أنّ الحرکة الربویّة تقضی علی الحرکة و النشاط المالی لدی الأفراد عموماً ، و بالتالی تستأصل قدرة نشاط الرابی نفسه ، بینما التکافل الاجتماعی عبر الزکاة و الخمس و مطلق الصدقات یثری حرکة و توزیع السیولة و القدرة المالیّة ، و بالتالی سیعود الاقتدار علی الکافل نفسه بالقوّة و فتح أبواب النشاط فی الخدمات و الصناعات و الزراعة و غیرها من منابع القدرة المالیّة .

و روی الصدوق بسنده عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی وصیّته لعلیّ علیه السلام ، قال : « یا علیّ ، الربا سبعون جزء ، فأیسرها مثل أن ینکح الرجل باُمّه فی بیت اللّه الحرام . یا علیّ ، درهم ربا أعظم عند اللّه من سبعین زنیة کلّها بذات محرم فی بیت اللّه الحرام » (3) .

و روی عنه صلی الله علیه و آله : « شرّ المکاسب کسب الربا » (4) .و روی عنه صلی الله علیه و آله قال : « و من أکل الربا ملأ اللّه بطنه من نار جهنّم بقدر ما أکل ، و إن اکتسب منه مالاً لم یقبل اللّه منه شیئاً من عمله ، و لم یزل فی لعنة اللّه و الملائکة ما کان عنده قیراط » (5) .

ص:11


1- 1) سورة الروم 30 : 39 .
2- 2) نعم ، فی بعض الروایات الواردة عنهم علیهم السلام أنّ الآیة فی صدد الربا الذی یؤکل المحلّل کهدیتک إلی الرجل ترید منه الثواب أفضل ، منها : ب 3 / أبواب الربا / 2 .
3- 3) ب 1 / أبواب الربا / 12 .
4- 4) ب 1 / أبواب الربا / 13 .
5- 5) ب 1 / أبواب الربا / 15 .

و روی هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : « درهم ربا أشدّ من سبعین زنیة کلّها بذات محرم » (1).

و عنه علیه السلام : « إنّما حرّم اللّه عزّ و جلّ الربا لکیلا یمتنع النّاس من اصطناع المعروف » (2) .

و روی هشام بن الحکم عنه علیه السلام عن علّة تحریم الربا ، فقال : « إنّه لو کان الربا حلالاً لترک النّاس التجارات و ما یحتاجون إلیه ، فحرّم اللّه الربا لتنفر النّاس من الحرام إلی الحلال و إلی التجارات من البیع و الشراء ، فیبقی (3) ذلک بینهم فی القرض » (4) .

و روی الصدوق بسنده عن محمّد بن سنان : إنّ الرضا علیه السلام کتب إلیه فی ما کتب من جواب مسائله : « و علّة تحریم الربا لما نهی اللّه عزّ و جلّ عنه ، و لما فیه من فساد الأموال ؛ لأنّ الإنسان إذا اشتری الدرهم بالدرهمین کان ثمن الدرهم درهماً و ثمن الآخر باطلاً ، فبیع الربا و شراؤه وکس علی کلّ حال ، علی المشتری و علی البائع ، فحرّم اللّه عزّ و جلّ علی العباد الربا لعلّة فساد الأموال ، کما حظر علی السفیه أن یدفع إلیه ماله ، لما یتخوّف علیه من فساده حتّی یؤنس منه رشد ، فلهذه العلّة حرّم اللّه عزّ و جلّ الربا ، و بیع الدرهم بالدرهمین ، و علّة تحریم الربا بعد البیّنة لما فیه من الاستخفاف بالحرام المحرّم ، و هی کبیرة بعد البیان و تحریم اللّه عزّ و جلّ لها ، لم یکن إلّا استخفافاً منه بالمحرّم الحرام ، و الاستخفاف بذلک دخول فی الکفر ، و علّة تحریم الربا بالنسیئة لعلّة ذهاب المعروف ، و تلف الأموال ، و رغبة النّاس فی الربح ، و ترکهم القرض ، و القرض صنائع المعروف ، و لما فی ذلک من الفساد و الظلم و فناء الأموال » (5) .

ص:12


1- 1) ب 1 / أبواب الربا / 1 .
2- 2) ب 1 / أبواب الربا / 4 .
3- 3) فی المطبوع من کتاب العلل للصدوق : « فیفضل » ، و فی هامش المخطوط من الوسائل نقلاً عن العلل : « فیتصل » .
4- 4) ب 1 / أبواب الربا / 8 .
5- 5) ب 1 / أبواب الربا / 11 .

فیظهر من الآیات و الروایات الصحیحة عدّة علل لتحریم الربا .

الاُولی : ترک اصطناع المعروف ، و هو القرض الذی هو نوع إعانة و تکافل اجتماعی .

الثانیة : الفساد و بوار التجارات و الأنشطة المالیّة تواکلاً علی قناة الربا و نزوعاً إلیه ، فیعزف عن الحرکة المالیّة التی هی الشریان الدموی التی بها حیاة الاجتماع البشری ، حیث إنّ الإنسان مدنی اجتماعی بالطبع ، محتاج إلی مداولة الخدمات بینه و بین بنی جنسه .

الثالثة : الظلم و تلف و فناء الأموال ، فإنّ الدین إذا کان استهلاکیّاً أو استثماریّاً و لم یکتب للمدیون النجاح و الربح و عجز مدداً زمنیّة عن الدفع ، فإنّ تضاعف الربا یؤدّی إلی استئصال الوجود المالی للمدیون من رأس .

و روی الصدوق بسنده عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام فی مناهی النبیّ صلی الله علیه و آله : « أنّه نهی عن أکل الربا ، و شهادة الزور ، و کتابة الربا ، و قال : إنّ اللّه لعن آکل الربا و مؤکله و کاتبه و شاهدیه » (1).

و فی صحیح محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : آکل الربا و مؤکله و کاتبه و شاهداه فیه سواء » (2) .

فیظهر من هذه الروایات أنّ موظّفی البنوک الربویّة ممّن یرتکب کتابة الفوائد أو محاسبتها أو أخذها و استلامها من الزبائن ، و کذلک موثّقی سندات القروض الربویّة و فوائدها کلّ اولئک ممّن یشترک فی ارتکاب حرمة الربا المغلظة ، سواء کالآکل للربا ، و سواء کان اولئک موظّفی المصارف أو المؤسّسات مالیّة أو تجاریّة اخری تتعاطی أخذ الربا علی الدیون .

و مع هذا النداء القرآنی المدوّی ، و الوعید المغلظ الدالّ علی ثبات الحکم و تأبیده ،

ص:13


1- 1) ب 4 / أبواب الربا / 3 .
2- 2) ب 4 / أبواب الربا / 1 .

فضلاً عن اشتراک الشرائع السماویّة فیه ، یتساور عدّة - ممّن یصبو إلی تصویر نظام اقتصادی أو مالی للإسلام فی وسط البیئة المالیّة و الاقتصادیّة الحالیّة ، حیث یجد النظام المصرفی العالمی و الإقلیمی و المؤسّسات المالیّة الاُخری کأخطبوط لا یمکن الانفصال عنه إلّا فی واحة برّیة لا نبت فیها و لا زرع ، منعزلة عن حیاة السوق و التعامل البشری ، و هو بتمامه قائم علی النظام الربوی - أنّه لو منع الربا لانشلّ مثل هذا النظام ، و لو منعت بعض الدول أو المصارف عن التعامل الربوی لانعزلت عن الحرکة المالیّة و الاقتصادیّة ، فیحاول مراجعة الحکم و قراءة النصّ بنزعة ذاتیّة و یبدی احتمالات :

منها : أنّ الربا المحرّم هو خصوص الفائدة فی الدیون الاستهلاکیّة دون الاستثماریّة ؛ لأنّها لیست بظلم للمدیون و إجحاف بحاله ، بل مدد لأبواب النماء ، فیکون کالمضاربة و الشرکة .

و منها : أنّ الربا المحرّم هو خصوص الجاری بین تعامل الأفراد فیما بین بعضهم دون ما یجری بین الدولة و الأفراد ؛ لأنّ القاعدة ستعود للصالح العامّ و الخزینة الوطنیّة و بیت مال المسلمین ، و بالتالی فهو لا یخرج عن نطاق البلد .

و منها : أنّ الربا المحرّم هو خصوص الجاری بین الشخصیّات الحقیقیّة دون الشخصیّة الحقوقیّة ، لا سیّما مثل الربا الجاری فیما بین الدول .

و منها : أنّ الربا المحرّم هو خصوص الجاری فی ساحة المال و الاقتصاد المفتوح ، کما فی عهد النصّ و التشریع دون الاقتصاد و الحرکة المالیّة المغلقة کما فی وضعیّة الدول فی العصر الراهن ، فالحرمة للربا هی للبیئة فی عهد النصّ دون البیئة المالیّة المعصارة ، أو أنّه تدبیر نبویّ خاصّ بذلک العصر .

و هذه التخرّصات و التهجّسات استخفاف بهذه الحرمة المشدّدة فی القرآن و السنّة ،و المتوعّد علیها الحرب من اللّه و رسوله ، مع تأکید إطلاق العنوان المأخوذ موضوعاً للحرمة فی الأدلّة ، مع أنّ أوّل ربا أبطله النبیّ صلی الله علیه و آله هو ربا العبّاس عمّه ، کما هو عادته صلی الله علیه و آله فی البدء بتطبیق التشریع علی أهله و عشیرته الأقربین ، و کانت قروضه علی النّاس قروضاً

ص:14

استثماریّة لا استهلاکیّة .

هذا مع أنّ العلل المذکورة فی الکتاب و السنّة لتحریمه تتأتّی فی کلّ صور الربا ، کتعامل الدولة مع الأفراد ، فإنّه یؤدّی أیضاً إلی الإجحاف بالأفراد ، و فناء أموالهم ، و عزوف الدولة عن الأنشطة التجاریّة و الاستثماریّة الحقیقیّة المنعشة لاقتصاد البلاد إلی التطفّل علی القدرات المالیّة للأفراد و إلی ترک الدولة الإعانة لرعایاها مع أنّها مخاطبة فی الدرجة الاُولی بکفالة الأفراد .

إنّ تحریم القرآن و السنّة للربا تحریماً أبدیّاً یعدّ ملحمة قانونیّة تنبّأ بها القرآن فی الحقل التشریعی ، و ها نحن نری صدق هذا التنبّؤ فی العصر الحاضر مع کلّ ما فی الحرکة المالیّة من تعقیدات جدیدة و سرعة هائلة فی التعامل .

إنّ العلل المتقدّمة جاریة فی التعامل الربوی فیما بین الدول ، فإنّ الدول الغنیة فی العالم لا زالت تستضعف دول العالم الثالث بتوسّط غیر قساوة الفوائد الربویّة ، و ترکعها سیاسیاً و ثقافیاً بضغط عامل الضعف المالی المکبّد من الدیون الربویّة ، و تضاعف معدّل الربا بالعجز عن الوفاء ، و تأخیر التسدید ، بل قد شاهدنا فی عصرنا بعض الدول القویّة کالدول الخمس الآسیویّة فی الشرق الأقصی ، قد تضعضع اقتصادها و قوّتها المالیّة ، و کان أحد أهمّ الأسباب فی ذلک هو الدیون الربویّة التی تکبّلت به تجاه صندوق النقد الدولی ، و لیست الدولة إلّا حوزة مالیّة لمجموع الأفراد ، فإذا نکبت قوّتها المالیة بالضعف و العجز فإنّ ذلک یعود بالاستضعاف و الفقر للأفراد .

هذا ، و کون اقتصاد و حرکة المال فی کلّ بلد مغلقة بخلاف البیئة المالیّة فی عهد النصّ و الأعصار السابقة لا یوجب عدم شمول علل التحریم له ، و لا قصور فی إطلاق الأدلّة ، بل مضارّ الربا بعینها مشاهدة فی العصر الحاضر بنحو أشدّ قساوة ، مع أنّ دعوی الاغلاق فی حرکة المال و الاقتصاد ممنوعة ، فإنّ قنوات المبادلة المالیّة و التجاریّة و غیرها جاریة بین الدول و الشعوب المختلفة ، و إن قنّنت المبادلات بقوانین جمرکیّة و سیاسات مالیّة و اقتصادیّة خاصّة بکلّ دولة ، کما هو الحال علیه فی سابق العصور ، حیث نظام العشّارین

ص:15

الذی هو عبارة الدوائر الجمرکیّة ، و لم تکن الحرکة منفتحة بأزید ممّا هی علیه الآن نتیجة لصعوبة النقل و التحویل .

و کیف یکون التشریع العامّ القرآنی و السنّة الثابتة النبویّة تدبیر حکومی مؤقّت ، بل هو التفات علی أبدیّة الشرع و بقاء الدین .

بل حلّ المأزق یکمن فی أمر آخر ، لا فی رفع الید عن تشریع الحرمة ، و هو أنّ النظام المالی ، سواء عبر المصارف و المؤسّسات المالیّة التجاریة و غیرها ، لیس قائماً علی اسس و بنیة الأحکام الاقتصادیّة للشریعة الإسلامیّة ، بل علی اسس المذهب الاقتصادی الرأسمالی . و لا یمکن معالجة هذا البناء الاقتصادی المریض الموجب لزیادة تخلّف دول العالم الثالث ، و لزیادة و تفاحش الفارق الطبقی فی الدول الغنیّة (1)، و غیر ذلک من أعراض النظام الرأسمالی الاقتصادی ، لا یمکن معالجتها عبر إصلاح البنیة من زاویة واحدة و أساس واحد ، بل لا بدّ من إرساء کافّة الاُسس التی یدعو إلیها الدین الإسلامی کی یتمّ ذلک الإصلاح و العلاج و تصحو البیئة و النظام المالی ، و من تلک الاُسس العادلة و تکافؤ الفرص و نظام الشرکة و المضاربة ، و منع التعامل الرهانی و غیره من الممنوعات فی باب التعامل و المبادلة و نظام الأبواب الخیریّة و التکافل کالأوقاف و الوصایا و الصدقات العامّة ، و نظام الضریبة من الزکاة و الخمس و تدبیر موارد الصرف لها ، إلی غیر ذلک من بنی و اسس الاقتصاد الإسلامی ، حینها سیری الباحث المتخصّص أنّ حظر الربا فی التعامل المالی أمر ضروری و مؤثّر للغایة ، لکن ما لا یدرک کلّه لا یترک کلّه ، فإنّ إقامة هذه البنیة کفیله بالإصلاح النسبی فی حیاة المال و التعامل المبادلی .

و ما هذا البحث و الکتاب بین یدی القارئ إلّا محاولة لبیان الاُطر القانونیّة الواقیة عن

ص:16


1- 1) لقد أذاعت وکالة الأنباء الألمانیّة تقریراً و إحصاءً مذهلاً قبل کتابة هذه السطور یفید بأنّ معظم الثروات فی ألمانیا هی بید عشرة بالمائة من الشعب ، و إنّ أکثر من نصف الشعب یعیش مستوی الدرجة المتدنّیة من المعیشة .

عملیّة الربا و الترکیز علی بیان جملة وافرة من القواعد و الضوابط التی یلزم مراعاتها فی الاُطروحات و الحلول و الصیاغات للتعامل فی المال و دورانه ، فلیس هدف الکتاب عرض صیغ الحلّ و البرنامج المصرفی اللاربوی ، فإنّ هذه غایة تقع علی عاتق أصحاب التخصّص المالی و المصرفی ، بل وظیفة البحث الفقهی و التقنینی الشرعی هو بیان القوالب و الحدود و الضوابط التی من خلالها یضع الباحث المالی و المتخصّص النقدی و الخبیر المصرفی و المتضلّع الاقتصادی ، یضع مادة البرنامج المالی و التعاملی المناسب لمناخ وبیئة المال المعاصرة ، و لکیفیّة دوران المال فی أسواق المبادلات المختلفة ، کما تضمّن البحث التقییم الفقهی للعدید من الحلول و الاُطروحات المثارة فی الساحة المالیة فی الوسط الإسلامی کعملیّة شرح لکیفیّة تطبیق الضوابط الشرعیّة المالیّة علی تلک الحلول ، لا أنّه تعیین للحلّ النموذجی الصالح لعالم المال ، فإنّ ذلک من شأن المتخصّصین المالیّین و المصرفیّین و الاقتصادیّین ، کما تضمّن استعراض الآراء و النظریّات المختلفة حول الحیل الشرعیّة ، کما اشتمل علی بحث السرقفلیّة و عقد التأمین ، و کانا بمثابة بوّابة لبحث القاعدة الفقهیّة حول مطلق الحقوق المستجدّة ، و قد اشتمل البحث فی عامّة فصوله علی إثارات جدیدة حول القواعد العامّة فی باب المعاملات .

و هذا الکتاب حصیلة للبحوث التی ألقیتها فی الحوزة العلمیّة بقم علی جمع من الأفاضل یومی الخمیس و الجمعة من کلّ اسبوع طوال أربع سنین من عام 1414 إلی 1418 هجریّة ، و قد انبری لضبطها ، و تألیف مطالبها ، و عقد حلقاتها الباحث الفطن ، و السابر الجزل ، العلّامة الفهم ، الشیخ مصطفی الاسکندری ، - أدام اللّه تعالی رقیّه فی مدارج العلم و العمل - و ذلک بعد أن أبلی جهداً مضنیاً ، فأرجو من العلیّ القدیر أن یکتب له المستقبل المشرق فی معالجة مستجدّات الموضوعات .

3 / صفر / 1422ه

مولد الوصی الخامس باقر العلوم علیه السلام

محمّد السند

ص:17

ص:18

المُقدّمةُ

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد للّه ربّ العالمین ، و الصلاة و السلام علی أشرف المرسلین ، الذی أرسله اللّه بمنهج کامل عالج کلّ صغیرة و کبیرة ، و بدستور لحیاة بعیدة عن الأهواء ، صالح لکلّ زمان و مکان ، و علی آله الأئمّة الهداة المعصومین ، الذین اصطفاهم اللّه امناء فی بلاده ، و حججاً علی عباده ، لئلا یکون للنّاس علی اللّه حجّة بعد الحجّة ، و لا یلتبس علیهم فی دینه المحجّة ، و لعنة اللّه علی أعدائهم إلی یوم الحسرة و الندامة . و بعد فالصحوة الإسلامیّة الیوم صحوة تبشّر بخیر عمیم ؛ إذ هی لم تقتصر علی توجّه البشر للناحیة العبادیّة فقط ، بل امتدّت لأبعاد اخری لا یصلح المجتمع إلّا بها .

و من هذه الأبعاد تطبیق شرع اللّه فی مجال الاقتصاد ، و الاقتصاد عصب حیاة الاُمم ، و به سیطر الغرب علی دول عدیدة ، و علی رأسها الدول الإسلامیّة .

و أهمّ المؤسّسات التی لعبت دوراً بارزاً فی مجال الاقتصاد هی تلک المؤسّسات التی تسمّی البنوک ، فالجانب الفقهی - من مسائل البنوک و النقود و السیولة المالیّة و لوازمها کبعض الحقوق - هو الذی قد أتعب فقهائنا المعاصرین فی البحث و التدقیق حول تطبیق الفقه الإسلامی فی هذا المجال - شکر اللّه مساعیهم - .

و هذا الکتاب هو مجموعة محاضرات حول تلک المهمّة و سائر المسائل المستحدثة ألقاها سماحة شیخنا الاُستاذ آیة اللّه محمّد السند البحرانی - حفظه اللّه

ص:19

تعالی - فی یومی الخمیس و الجمعة من کلّ اسبوع خلال أربع سنین متواصلة من عام (1414 - 1418ه)وفّقت لتحریرها و تنسیقها - و للّه الحمد - و أسأل اللّه تعالی أن یتقبّل منّی و یغفر لی .

و أخیراً أتقدّم بوافر الشکر و الامتنان إلی سماحة الفاضل الجلیل العلّامة السیّد محمّد علیّ بحر العلوم علی تفضّله بما کتب من أبحاث السنة الاُولی فی أوان لم أتوفّق للحضور فی مجلس الدرس ، و أسأل اللّه جلّ جلاله أن یمنّ علیه بالمزید من التوفیق .

و أدرجنا فی هذه الطبعة الجدیدة مبحث التضخّم النقدی و ضمانه ، مع طرف من أحوال النقد ، الذی قام بتحریره و تهذیبه الأخ الوفیّ و النبیه الألمعی ، العلّامة السیّد محمّد حسن الرضوی ، عسی أن تکون إسهاماً فی بیان الموقف الفقهی تجاه أطوار الحیاة المعاصرة .

و الحمد للّه أوّلاً و آخراً ، و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطیّبین الطاهرین

قم المقدّسة مصطفی الاسکندری

ص:20

المدخل

اشارة

ص:21

ص:22

1 من الاُمور المهمّة کیفیّة الملائمة بین ما أمره الباری - جلّ شأنه - باتّباعه و بین ما هو حاصل فی الواقع الخارجی

من الاُمور المهمّة التی یواجهها الفرد المسلم فی حیاته الیومیّة هی کیفیّة الملائمة بین ما أمره الباری - جلّ شأنه - باتّباعه و بین ما هو حاصل فی الواقع الخارجی .

فإمّا أن یسعی لأن یکیّف الحکم الشرعی بما یجعله متلائماً مع الواقع المعاش - الذی یکون متأثّراً بعوامل خارجیّة و داخلیّة متعدّدة - و بالطبع یکون ذلک بما أتاحه له الباری تعالی من وسائل مشروعة .

و إمّا أن یکیّف الواقع و معایشته مع الحکم الشرعی فیتحفّظ علی بقاء الأحکام الأوّلیّة علی حالها من دون التذرّع بالعناوین الثانیة ، بحیث یسلبها عن ثانویّتها ، و یؤوّل بها إلی وضعیّة العنوان الأوّلی الثابت الدائم .

و إمّا أن یجنح إلی الواقع الخارجی من دون مراعاة الضوابط الشرعیّة ، فیبتعد عن دینه و عقیدته ، و یکون ذلک هو الهلاک و السقوط فی الهاویة .

و إمّا أن یبتعد عن واقعه و یجمد علی ما وصل إلیه البحث الفقهی ، فینعزل عن المجتمع ، فیقع فی المشاکل و المصاعب غیر المتناهیة ، بل تکاد تکون الحیاة حینئذٍ مستحیلة ، و العدید یقف یائساً عن تطبیق و قولبة الواقع علی نظام الاقتصاد الإسلامی ، فیختار الشقّ الثالث ، و یتوهّم استحالة الشقّ الأوّل ، فضلاً عن الثانی .

و أمّا الذی یتحرّج فی دینه فیراعی قدر ما استطاع فی الشقّ الأوّل ، و إلّا فینکفئ علی الشقّ الرابع ، و لکن الذی یبدی معالم النظام المالی الإسلامی و بقیّة أنظمته فی مجالات الحیاة هو الشقّ الثانی ؛ إذ هو یحافظ علی مقاصد الشریعة ، و به یظهر خیریّة الأنظمة الفقهیّة عن الأنظمة القانونیّة الوضعیّة ، و هذا أیضاً لا یتأتّی إلّا بتلاحم

ص:23

و معاضدة هیاکل النظم الفقهیّة بعضها مع البعض الآخر .

ففی ظلّ ذلک المناخ المجموعی یلمس حقیقة النظام الاقتصادی الإسلامی ، فمثلاً : نظام تحریم الربا - سواء فی القطاع المصرفی البنکی أم غیره - لا یعطی اکُله الجمّة إلّا مع تحقیق نظام الشرکة و المضاربة و نظام العدالة فی التوزیع و استواء الفرص ، و غیرها من أعمدة النظم الاقتصادیّة للفقه الإسلامی ، و إن کان إقامة أبعاضها غیر خال عن دفع المفاسد العظیمة ، و عن تولید البیئة المالیّة السلیمة .

و من تلک الاُمور التی یواجهها عالمنا الیوم هو التعامل مع مجموعة من المؤسّسات المسمّاة بالمصارف و البنوک .

و ینشأ الإشکال من أنّ هذه المؤسّسات قد دأبت علی استخدام الربا ، بل المحور الذی تقوم علی أساسه فی الواقع هو الربا ، فیقع البحث فی کیفیّة عملها و نشاطها المالی ، و عن التعامل مع هذه المؤسّسات مع أنّ العمود الفقری فی معاملاتها ربویّ ، و الربا محرّم فی الشرع الإسلامی بشکل قاطع ، فهل توجد طرق معیّنة یمکن أن تسلکها تلک المؤسّسات و یسلکها المؤمن للتخلّص من هذه المشکلة أم لا ؟

2

قد انتهینا فی بحث ملکیّة الدول الوضعیّة إلی أنّ العنوان یمکن أن یکون مالکاً ،

و نضیف هاهنا أنّ البعض یعتبر العنوان مالکاً فی الظاهر ، و أنّ المالک الواقعی هم أصحاب العنوان ، و وظیفة العنوان هی کونه مشیراً إلی مالکیّتهم ، و یمکن تشبیه هذه الملکیة الطولیّة بملکیّة العبد للأموال ، و ملکیّة السیّد للعبد و أمواله .

و ما یقال : من أنّه کیف یکون العنوان مالکاً و هو لا یستطیع التصرّف ؛ إذ هو لا یملک الحسّ و لا العقل .

مدفوع : بأنّه لیس أسوأ حالاً من الصبی الذی لیست له أهلیّة التصرّف و لا یملک

ص:24

و یقوم ولیّه مقامه فی التصرّف فی الأموال ، فکذلک الحال فی العنوان ؛ إذ العنوان لا یتصرّف متفرّداً ، بل لا بدّ أن یکون له ولیّ متصرّف ، و هذا الولیّ المتصرّف فی البنک - مثلاً - یکون ولیّاً مفوّضاً عن المُلّاک الطولیّین ، و هو الذی یوکّل جمیع العاملین .

3

(المال)ذکروا فی تعریفه عبارات عدیدة

- سواء فی الفقه أم فی علم الاقتصاد الحدیث - و آخر ما توصّلوا إلیه أنّه مشتقّ من نفس الوضع اللغوی ، فأیّ شیء یمیل إلیه نوع العقلاء یکون مالاً ، فالرغبة فی تحصیل شیء و التنافس علیه من قِبل العقلاء یدفعهم إلی البذل من أجل استحصاله ، فیکون عندئذٍ مالاً .

فقوام المالیّة هی تلک الرغبة و التنافس ، و هذا تقریباً مورد اتّفاق الفقهاء فی تعریف المال .

و قد قسّم الفقهاء مالیّة الأشیاء علی قسمین : مالیّة ذاتیّة و مالیّة جعلیّة .

و الأوّل یکون فی الأشیاء التی ترغب إلیها العقلاء بطبیعتهم ، کالمأکول و المشروب و الملبوس ، فالمیل و الرغبة الحاصلة لدی الإنسان لاستحصال هذه الأشیاء ذاتیان من دون حاجة إلی جعل جاعل ، بل یجد کلّ إنسان نفسه یندفع تلقائیّاً من أجل الحصول علیها .

و أمّا الثانی فهو فی الاُمور التی تکون مالیّتها ناشئة من جعل جاعل ، و ینقسم إلی أقسام :

1 - أن تکون المالیّة ناشئة من قبل اعتبار و جعل الدولة ، کالطوابع نشأت مالیّتها باعتبار أنّ الدولة تعهّدت لمن یقوم بلصق هذا الطابع أن تقوم بإیصال الرسالة أو المحمولة إلی المحلّ الذی أراده المرسل ، و هکذا تذاکر السفر ، و کثیر من الأوراق

ص:25

التی تتعهّد الدولة فی مقابلها بالقیام بخدمات خاصّة ، فإنّ المالیّة فی مثل هذه الأشیاء لیست ذاتیّة ، بل تکون جعلیّة ، و بسبب ذلک التعهّد من قِبل الدولة یبذل الفرد بازائها مالاً و تحصل لدیه الرغبة فی الحصول علیه .

2 - تحصل لبعض الأشیاء مالیّة جعلیّة بتعهّد شخص ما ، أو جهة خاصّة ، بأن یکون مدیناً بازاء من یحمل ذلک الشیء ، و یمثّلونه فی الزمن القدیم أن یقوم تاجر معروف مقبول عند الأکثر بإصدار أوراق خاصّة تحمل إمضائه ، فیتعامل بها و تکون مورد قبول الآخرین ، و یتعهّد التاجر بأنّ من یحمل ذلک الورق یدفع له نفس المبلغ المرقوم فیه ، فهذا الورق تصبح له مالیّة جعلیّة لأنّه وثیقة دین .

3 - ما لا یکون وثیقة علی شیء آخر ، بل اعتبر بنفسه مالاً ، فالمعتبر قد اعتبر أنّ هذا الشیء بنفسه یکون مالاً .

و الفرق بین هذا و ما قبله : أنّ ما قبله شیء عرضت له صفة المالیّة ، فتسمّی ورقة ذات صفة مالیّة ، و أمّا هذا فیکون عین المال لا حاکیاً عن المال .

و إذا أردنا أن نبیّن کیفیّة نشأة مثل هذه المالیّة الاعتباریّة فنقول : إنّ العقلاء احتاجوا منذ قدیم الأیّام إلی معاوضة السلع بعضها ببعض ، نتیجة اختلاف احتیاجاتهم ، و حیث أنّ مسألة تبادل السلع بالسلع تصادمت بموانع مختلفة و مرّت به مراحل صعبة فاحتاجوا إلی جعل شیء ما یکون هو المیزان الذی تقیّم الصفات الموجودة فی کلّ سلعة علی أساس ذلک المیزان و المعیار .

و اختیار هذا المیزان کان یرجع إلی ظروف کلّ مجتمع ، فقد یکون حصیلاً زراعیّاً أو ما شابهه ، و هم عند ما یجعلون ذلک میزاناً لا تکون ذاته هو المیزان ، بل درجة المالیّة التی فیه هی الأساس ، و مع تطوّر الاحتیاج و ازدیاد الحاجة ، و کثرة المبادلات لجأ الإنسان إلی طریقة مستحدثة ، و هی جعل النقود التی تحمل ذات المالیّة ، و تکون وحدة قیاسیّة مالیّة ، و هذه الوحدة - سواء کانت من نحاس أو ذهب أو فضّة أو ورق - فإنّها تحمل ذات الصفة ، مع فرق أنّ الذهب و الفضّة لهما مالیّة غیر تلک

ص:26

القیاسیّة ، أمّا الورقة فلیست فیها إلّا تلک القیاسیّة .

فالدینار الذی وزنه مثقال ذهب فیه رغبتان ؛ رغبة بما أنّه ذهب ، و رغبة باعتبار أنّه وحدة قیاسیّة فی المعاوضات ، و لکن فی الأوراق رغبة واحدة باعتبار أنّه وحدة قیاسیّة .

و مع مرور الزمان قد اتّجهوا إلی استعمال الأوراق النقدیّة بدلاً عن الذهب و الفضّة المسکوکین ، و لکن غطاؤها هو الذهب الموجود فی خزانة الدولة ، فبإزاء المقدار الموجود من الذهب فی کلّ مملکة کانت تطبع الأوراق النقدیّة ، ثمّ فی السبعینات جعل الدعم و الغطاء هو کلّ ما تمتلکه الدولة من ثروات موجودة فی أراضیها ، و الاحتیاطی المخزون من الموارد الطبیعیّة و المصنّعة و قدرة الإنتاج .

و علی کلّ حال ، فالبحث نشأ من أنّ هذه الأوراق النقدیّة هل تکون مالیّتها نفس مالیّة الذهب و الفضّة ، فتشملها الأدلّة الواردة فی أبواب الربا و الزکاة ، أم لا ؟

و بعبارة اخری : إنّ الروایات الواردة فی زمان کان فیه النقد هو الذهب و الفضّة ، هل جعلت فیها نقطة الارتکاز هو النقد أم خصوص الذهب و الفضّة ؟

استظهرت العامّة أنّ محور الروایات هو النقد ، ففی أی زمان کان هناک نقد ففی هذا النقد ترد أحکام الزکاة و الربا .

و هذا الاستظهار ناشئ من نصوص معیّنة عندهم وردت فی باب الزکاة . نعم ، لو کان هذا التعمیم الموضوعی خاضعاً للقیاس و الاستحسان بأن یقال : إنّ تشریع الزکاة فی الأموال ناشئ من باب سدّ حاجة الفقراء ، و هذا المهمّ فی کلّ عصر یوصل إلیه عبر استخدام النقود العصریّة ، فیکون هذا بحثاً آخر غیر داخل فی مقامنا ، و بحثنا - الآن - لیس فی أنّ العلّة هل تعمّم أم لا ؟ بل البحث فی أنّ عنوان الذهب و الفضّة أو الدینار و الدرهم ، هل یستظهر منه عنوان النقد أم لا ؟

استظهر البعض أنّه حیث أنّ مالیّة الأوراق مستمدّة من مالیّة الذهب و الفضّة ، و لذا کلّما نقصت کمّیة الذهب و الفضّة نقصت قیمة هذه الأوراق ، فللأوراق نفس

ص:27

مالیّة الذهب و الفضّة ، فتجری فیها أحکام الذهب و الفضّة کالربا .

و البعض الآخر استبعد ذلک ؛ لأنّه فی الزمن القدیم کان التعامل بنفس الذهب و الفضّة ، و الدلیل قام علی نفس النقد المصنوع من الذهب و الفضّة فقط ، و أمّا الآن فلیس کذلک .

و أیضاً إنّ النقد - کصفة قیاسیّة - کان عارضاً علی الذهب و الفضّة اللذین من المکیل و الموزون ، فیجری فیهما الربا بلا إشکال ، و أمّا النقد الورقی الموجود فلیس مکیلاً و لا موزوناً ، إلّا أن نستظهر من الأدلّة أنّ المعیار فی ربا الصرف هو کونه نقداً لا مکیلاً موزوناً ، و هو بعید جدّاً .

فالخلاصة أنّ الأوراق النقدیّة لها مالیّة اعتباریّة لا بمعنی الوثیقة ، بل اعتبرت نفس الورق هو المال ، و سیأتی تفصیل هذا البحث فی البحوث القادمة إن شاء اللّه تعالی .

4

قد قسّم الفقهاء البنوک علی ثلاثة أصناف :

1 - أهلی : و هو ما یتکوّن رأس ماله من شخص واحد أو أشخاص مشترکین .

2 - حکومی : و هو الذی تقوم الدولة بتمویله .

3 - مشترک : و تموّله الدولة و أفراد الشعب .

و یجب التنبیه إلی أنّ الغرض من التقسیم مبنیّ علی أنّ الدولة لا تملک ما تحت یدها من الأموال ، و أمّا بناءً علی ما ذهبنا إلیه من مالکیّة الدولة فلا فائدة فی التقسیم ؛ لأنّه لا فرق حینئذٍ فی المالکیّة بینها و بین الأشخاص ، إلّا أنّ فی البنوک المالک هو عنوان الخزینة الوطنیّة(البنک المرکزی)، و الحکومة هو ولیّ التصرّف ، و هذا أسمیناه فی بحث ملکیّة الدول بترامی العناوین ، و لکن سنبحث علی کلا المبنیین ،

ص:28

و سنبیّن فی ما بعد أنّ هذا التقسیم غیر صحیح حتّی علی کون أموال الدولة مجهولة المالک .

و نشرع فی البحث علی حسب تقسیم السیّد الخوئی قدس سره عن البنک الأهلی الإسلام .

قال قدس سره : « لا یجوز الاقتراض منه بشرط الفائض و الزیادة لأنّه رباً محرّم » (1)، انتهی .

و هذا الأصل ممّا لا إشکال فیه بنصّ القرآن ، و قد وردت فیه روایات مستفیضة فی باب القرض و فی أبواب اخری ، سوف نستعرضها مفصّلاً فی البحوث القادمة .

ثمّ تعرّض السیّد الخوئی قدس سره إلی بعض الطرق للتخلّص من الربا فی معاملات البنک ، و نتعرّض إلیها و إلی طرق اخری - لم یذکرها السیّد قدس سره - مفصّلاً إن شاء اللّه تعالی .

و لکن قبل الخوض فی طرح هذه الطرق المسمّاة بالحیل التخلّصیّة ، یجب الالتفات إلی أمر بالغ الأهمّیة تحصل الغفلة عنه فی البحث الفقهی ، کما تحصل الغفلة عنه عند متخصّصی و خبراء الموضوعات المختلفة ، تلک الموضوعات التی تقع فی الأبواب الفقهیّة للمحمولات الشرعیّة ، فإنّ فی کثیر من البحوث المستجدّة یطالب الفقیه فیها بإیجاد الحلول فی ذلک الباب و أحکام ذلک الموضوع ، سواء کان الموضوع مالیّاً نقدیّاً أم قرضاً مصرفیّاً أم معاملة یقوم بها البنک أم موضوعاً طبیّاً أم جنائیّاً ، إلی غیر ذلک من موضوعات الأبواب التی طرأ علیها کثیر من المستجدّات .

و بعد ما یطرح الفقهاء مجموعة من الحلول و الوجوه تبدأ الانتقادات من متخصّصی علوم تلک الموضوعات بأنّها عقیمة أو فاشلة ، لیست فیها حیویة آلیّة ، و لا دینامیکیّة نشطة یتطلّبها العصر الحدیث ، إلی غیر ذلک من الانتقادات ، فتری المتخصّصین کبقیّة المکلّفین وضعوا أنفسهم فی مقام التفرّج و الترقّب إلی ما یصنعه الفقیه .

ص:29


1- 1) المسائل المستحدثة : 406 .

و تارة اخری تری أنّ المتخصّص یتقحّم فی البحث عن أحکام موضوع ذلک الباب ، و یحاول أن یتفرّد و یستبدّ فی استنطاق أدلّة حکم ذلک الموضوع بغیة منه فی التوصّل إلی العلاج .

و هذین النحوین یشاهدان کثیراً ، و لکن الذی نراه صحیحاً هو مسار ثالث مع تخطئة کلا المسارین السابقین ، حیث أنّ فیهما خوضاً من الفقیه أو المتخصّص فی ما یخرج عن الدائرة المقرّرة له ، فإنّ وظیفة الفقیه هی تحدید الحکم المحمول القانونی للمسألة و الباب المعیّن ، و تحدید عنوان موضوع ذلک الحکم .

و بعبارة اخری : أنّ المعالجة القانونیّة و استنطاق الأدلّة هی بید الفقیه ، فهو یحدّد الخطوط العامّة القانونیّة و القوالب المتعدّدة ، و أمّا وظیفة المتخصّص فهو بعد أن یستعین بالفقیه فی تحدید الجهة القانونیّة و الخطوط العامّة ، علیه أن یتحرّک فی صیاغة الموضوع و موادّه بأن یدرجها فی تلک القوالب التی عیّنها له الفقیه ، فمثلاً : بعد أن یحدّد البحث الفقهی الخطوط العامّة فی حکم المال و النقد و القرض و الحوالة و الشرکة و المضاربة و غیرها یتحتّم علی المتخصّص المصرفی و الخبیر المالی النقدی بخلق أنشطة مصرفیّة أو مالیّة ، معقّدة أو بسیطة ، تندرج و تنطبق علیها تلک الخطوط العامّة ، فآلیّة الحلّ الموضوعی و صیاغتها و شکلها إنّما هی من تخصّص المتخصّص الموضوعی و لیس من تخصّص الفقیه ؛ إذ المتخصّص الموضوعی هو الذی یحیط بحاجیات الظرف الاقتصادی - مثلاً - و کیفیّة إشباعه و تحریکه عن الخمود فی ظلّ ما یرسمه له الفقیه من حدود .

نعم ، لأجل سلامة النتائج لا بدّ من عمل مزدوج و مشترک بأن یتعاطی کلّ من الفریقین أنظار الآخر لکی لا یقع لبس لدی المتخصّصین فی الموضوعات - مثلاً - فی کیفیّة درج حلولهم و ابتکاراتهم فی أشکال الموضوع تحت الحدود الفقهیة . و هذا لیس شأن الفقه الإسلامی فقط ، بل حال فقه القانون الوضعی أیضاً کذلک ، حیث أنّه لا بدّ من انضمام التخصّص القانونی مع التخصّصات الموضوعیّة لأجل إقامة القانون

ص:30

فی الأشکال و الموضوعات المستجدّة لکی لا یجمد القانون علی التطبیق ، و کی لا یکون هناک إعاقة من الطرفین علی الآخر ، بل تحریک عجلة المستجدّات الموضوعیّة فی عین حرکتها و نموّها و تطوّرها فی القنوات القانونیّة ، و هی الحالة الوسط التی یکون فیها الکمال .

و إنّ من فوائد هذا المسار هو تحریک عقول أهل التخصّص لکلّ موضوع لأجل تکییف الواقع الموضوع و تشکیله بنحو مرن فی الهیکل الخارجی بنحو یتکیّف هو مع القالب القانونی الشرعی ، بحیث یقطع الطریق عن الاستفادة الکثیرة من استثنائیات القانون الشرعی المسمّاة بالعناوین الثانویة ، أی أنّه یقطع الطریق عن تکییف و تمییع و تنطیط القانون الشرعی بنحو یلائم الواقع الخارجی للموضوع کیفما تقتضیه الظروف المعاشة من دون تدبیر إجرائی حکیم . فهذا المسار مدعاة لعدم خمول أهلیّة التخصّص و تواکلهم علی الحلّ القانونی تحت ذریعة التسلیم للأمر الواقع المعاش ، فهو دافع لهم للبحث المضنی عن الحلول الموضوعیّة المشکلة لا الحلول القانونیّة الحکمیّة ، و أمثلة ذلک کثیرة ، فالمشاکل التی یزعم أنّها تحدّیات للفقه الشرعی :

مثل الربا فی البنوک و التعاملات المالیّة ، و مثل حرکة المرأة فی المجتمع الخارجی مع حفظ جدار الحجاب العازل بین الوسط الرجالی و الوسط النسوی فی مطلق مواقع تنقّلات المرأة و حرکتها ، و مثل دعوی قیام الإذاعة و الشاشة البصریّة(التلفاز)علی الموسیقی و الغناء ، بینما هناک من الأصوات المحلّلة العذبة و صوت البلابل و الطیور و خریر الماء و صفیف الأوراق و نسیم الهواء إلی غیر ذلک من الأصوات المحلّلة الطبیعیّة ، و مثل تلف المجموعات الکبیرة من الهدی فی الحجّ لعدم إعداد آلیّة تصریف تلک اللحوم بوسائل التبرید الحدیثة ، و النقل السریع إلی المناطق البعیدة أو البلدان الاُخری ، هی تحدّیات لأهل التخصّص فی موضوعات تلک الأبواب فی قدرتهم و خلّاقیّتهم لتکییف الموضوعات الخارجیّة بنحو مرن یتطابق مع

ص:31

قولبته الفقهیّة .

ففی الموضوع الأوّل هذا التحدّی یواجه أصحاب التخصّص المالی و النقدی و خبراء التنمیة و المصارف .

و فی المثال الثانی هذا التحدّی یواجه مهندسی العمران و وسائل النقل و خبراء علم الإدارة و الأعمال و نحوهم .

و فی المثال الثالث هذا التحدّی یواجه متخصّصی الصوت و الفنون التشکیلیّة و خبراء البرامج ، فی نفس الوقت الذی یرکّز هذا المسار علی مزاوجة کلّ من العمل و البحث الفقهی ، و العمل و البحث التخصّصی الموضوعی للهیمنة و السیطرة علی کلّ المستجدات بنحو یکفل ثبات القوالب الفقهیّة ، و تکییف الموضوعات علی وفقها ، و یکفل استمرار حیویّة التجدید فی حرکة الموضوعات و نموّها .

و فی المثال الرابع هذا التحدّی یواجه مهندسی التبرید و خبراء النقل و متخصّصی علم الإدارة و التجارة .

کما أنّه یجب التعرّض إلی الإشکالات العامّة الواردة علی تلک الحیل بشکل عامّ فی مورد البنوک و غیرها ، فإنّ بعض الفقهاء یذهب إلی تحریم مطلق الحیل ، کما یذکره الوحید البهبهانی ، حیث صرّح بحرمتها بضرورة الشرع ، و کذلک المقدّس الأردبیلی و صاحب الحدائق و بعض المعاصرین .

ثمّ إنّ الإشکالات التی تواجهها الحیل نوعان :

1 - إشکالات عامّة ترد علی مطلق الحیل التخلّصیّة .

2 - إشکالات خاصّة ترد علی خصوص بعض الحیل .

و الآن نتعرّض إلی الإشکالات العامّة و الجواب عنها ، ثمّ فی أصل طرح الحیل نتعرّض إلی الإشکالات الخاصّة فی کلّ واحدة من الحیل التخلّصیّة .

ص:32

الإشکالات العامّة : علی الحیل التخلّصیة

اشارة

ص:33

ص:34

الإشکال الأوّل

إنّ المتأمّل فی الآیات و الروایات الواردة فی أبواب الربا یری شدّة اللحن و کثرة

التأکید علی حرمة تلک الزیادة ،

و یجزم بأنّه لا یمکن أن یسوّغ الشارع طرقاً یصل الإنسان معها إلی نفس الواقع المالی الاقتصادی الحاصل من الربا ، فلیس الإشکال فی الکلمة حتّی یمکن أن نستبدلها بکلمة اخری و تُحدث نفس الأثر ، بل الإشکال هو فی ذلک الأثر المالی الاقتصادی الذی یحصل من الربا .

لسان الآیات الکریمة فی الربا فی نهایة الشدّة و الغلظة ، کالحرب مع اللّه و رسوله (1)، و الوعید بالعذاب الألیم (2) ، و الخلود فی الجحیم (3) ، و أنّه ظلم (4) ، و تخبّط من الشیطان (5) .

و الأخبار أیضاً تحکی عن قبح الربا بأشدّ التعابیر ، کنکاح الرجل امّه فی بیت اللّه

ص:35


1- 1) قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ) البقرة 2 : 278 و 279 .
2- 2) قوله تعالی : (وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ کَثِیراً * وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَکْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ أَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً) النساء 4 : 160 و 161 .
3- 3) قوله تعالی : (فَأُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ) البقرة 2 : 275 .
4- 4) قوله تعالی : (فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) البقرة 2 : 279 .
5- 5) قوله تعالی : (الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة 2 : 275 .

الحرام (1)، و أنّ درهم ربا أشدّ من عشرین (2) ، أو ثلاثین (3) ، أو سبعین (4) زنیة کلّها بذات محرم ، و أنّه أخبث المکاسب (5) ، و أنّه یمحق الدین (6) ، و شرّ المکاسب (7) ، و موجب لهلاک النّاس (8) ، و أنّ آکل الربا و مُوَکِّلَه و کاتبه و شاهدیه ملعونون علی لسان اللّه (9) و رسوله (10) .

فمع هذا العدد الضخم من التأکیدات ، و هذا اللسان الغلیظ فی الآیات و الروایات کیف یمکن أن نفرض تسویغ الشارع نفس ذلک الأمر و التوصّل إلیه بتغییر کلمة مثلاً ؟

و کیف یمکن رفع الید عن تشبیه الربا بأشدّ القبائح و المنکرات المستوجب للقتل عن طریق تغییر لفظة : « أقرضتک ألفاً بألفین » بلفظة « هبنی ألفاً بشرط أن أقرضک

ص:36


1- 1) عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی وصیّته لعلیّ علیه السلام : « یا علیّ ، الربا سبعون جزء ، فأیسرها مثل أن ینکح الرجل امّه فی بیت اللّه الحرام » . ب 1 / أبواب الربا / 12 .
2- 2) قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « درهم ربا أشدّ من ثلاثین زنیة کلّها بذات محرم » . ب 1 / أبواب الربا / 6 .
3- 3) عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : «درهم ربا أشدّ من ثلاثین زنیة کلّها بذات محرم ، مثل عمّة و خالة » . ب 1 / أبواب الربا / 5 .
4- 4) عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « درهم ربا أشدّ من سبعین زنیة کلّها بذات محرم » . ب 1 / أبواب الربا/ 1 .
5- 5) عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « أخبث المکاسب کسب الربا » . ب 1 / أبواب الربا / 2 .
6- 6) عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قلت له : إنّی سمعت اللّه یقول : (یَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ یُرْبِی الصَّدَقاتِ) (البقرة 2 : 276)، و قد أری من یأکل الربا یربو ماله . فقال : أی محق أمحق من درهم ربا یمحق الدین ، و إن تاب منه ذهب ماله و افتقر » . ب 1 / أبواب الربا / 7 .
7- 7) قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : « شرّ المکاسب کسب الربا » ب 1 / أبواب الربا / 13 .
8- 8) عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « إذا أراد اللّه بقوم هلاکاً ظهر فیهم الربا » . ب 1 / أبواب الربا / 17 .
9- 9) عن الصادق علیه السلام : « إنّ اللّه لعن آکل الربا و موکله و کاتبه و شاهدیه » . ب 4 / أبواب الربا / 3 .
10- 10) عن علیّ علیه السلام ، قال : « لعن رسول اللّه الربا و آکله و بائعه و مشتریه و کاتبه و شاهدیه » . ب4 / أبواب الربا / 2 .

ألفاً بألف » مثلاً ؟ فهذا التشدید لا یتناسب بشکل من الأشکال مع الوصول إلی نفس الواقع المالی الاقتصادی .

الإشکال الثانی

اشارة

إنّه قد وردت فی الآیات و الأخبار علل لتحریم الربا ،

و أنّ هذه العلل موجودة فی تلک الحیل ، فالحرمة موجودة فیها أیضاً ، فمن العلل المذکورة فی الآیات ما ورد فی سورة البقرة فی آیة 279 من أنّه ظلم .

و الآیات التی قبلها تحثّ علی الإنفاق و الکسب الحلال ، و تبیّن الفرق بین وعد اللّه سبحانه و تعالی و وعد الشیطان ، و أنّ الإنفاق و الصدقات التی یبذلها الإنسان المؤمن للفقراء لا تخفی علی الباری سبحانه ، بل أنّ صدقة السرّ أفضل عند اللّه من صدقة العلن .

ثمّ تذکر فی الآیات المتتالیة حرمة الربا و شدّة العذاب و أنّه حرب مع اللّه و رسوله .

ثمّ تعلّل حرمة الربا بالظلم ، و هو حرام (وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) (1)فإنّ الشارع یعتبر أنّ الزیادة علی رءوس الأموال - و لو بإعطائها للتأجیل - ربا ، و أنّها من الظلم المحرّم .

و یمکن أن یقرب هذا المعنی بالتعبیر المالی الاقتصادی ؛ و ذلک أنّ المقرض عند ما یعطی(100)دینار للمقترض علی أن یسترجعها بزیادة بعد شهر - مثلاً - فهذه الزیادة حقّ المقترض الذی اکتسبها بجهده فی تحصیل المال و المعاش ، فأخذ المقرض تلک الزیادة یکون من دون مقابل ، و هو ظلم علی المقترض .

و فی صحیحة محمّد بن قیس الواردة فی باب المضاربة ما یدلّ علی هذا المعنی :

ص:37


1- 1) سورة البقرة 2 : 279 .

عن أبی جعفر علیه السلام : « إنّ علیّاً علیه السلام قال : من ضمن تاجراً فلیس له إلّا رأس ماله ، و لیس له من الربح شیء » (1).

و هو قریب من التعلیل الوارد فی الآیة الشریفة ، حیث أنّک إن ضمّنته فیکون هذا أشبه بالقرض ، و لن یمتلک المالک العین الخارجیّة ، بل تکون العین الخارجیّة ملکاً للعامل ، و المالک له کلّی فی الذمّة ، و فی مثل تلک الحالة یکون الربح للعامل ؛ لأنّه نماء لتلک العین الشخصیّة و مشارکة المالک للعامل فی الربح و النماء مع محفوظیّة أصل المال فی ذمّة العامل یکون ظلماً .

نعم ، لو لم یکن القرض تملیک شخص العین ، فیکون النماء علی السواء بینهما ، و لا ظلم فی البین .

و هذه العلّة - أی حصول الظلم علی المقترض - موجودة فی هذه الحیل التخلّصیّة ، فإنّک إذا اشترطت القرض فی الهبة فسوف یستوفی مقداراً زائداً علی ما أعطاه ، و هذا فی واقعه ظلم .

و من العلل المذکورة فی الآیات قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ) (2) .

فالآیة الکریمة تحرّم الربا المؤدّی إلی أکل أموال النّاس ، و استئصال أموالهم ، و هذا حاصل بنفس الحیل الشرعیّة أیضاً .

أمّا العلل الواردة فی الروایات :

ففی صحیحة هشام بن سالم ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « إنّما حرّم اللّه عزّ و جلّ

ص:38


1- 1) کتاب المضاربة ، ب 4 / 1 . رواه الکلینی ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمّد بن قیس .
2- 2) سورة آل عمران 3 : 130 .

الربا لکیلا یمتنع النّاس من اصطناع المعروف » (1).

إنّ الروایة تعبّر عن القرض أنّه معروف یصطنعه النّاس من أجل تیسیر مصالح الآخرین ، و لو أنّ المقرض وجد من یردّ ماله مع زیادة ، فلن یقبل أن یقرض ؛ لأنّ تحصیل الزیادة مطلوب لدی کلّ إنسان . و هکذا فی الحیل ؛ إذ أنّها توصل إلی نفس الزیادة ، فالمقرض عن طریق هذه الحیل یحصل علی زیادة ، فلن یقرض ماله حینئذٍ .

فصار الحال کما کان علیه مع الربا . و هذا أمر محسوس فی عالمنا الیوم ؛ إذ لمّا برزت الحیل فی البلدان الإسلامیّة لاستحصال الفائدة امتنع النّاس عن الاقراض .

و هکذا نقول فی موثّقة سماعة : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّی رأیت اللّه تعالی قد ذکر الربا فی غیر آیة و کرّره .

قال علیه السلام : أ وَ تدری لِمَ ذاک ؟ قلت : لا .

قال علیه السلام : لئلّا یمتنع النّاس من اصطناع المعروف » (2) .

و فی صحیحة هشام بن الحکم : « أنّه سأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن علّة تحریم الربا ؟

فقال علیه السلام : إنّه لو کان الربا حلالاً لترک النّاس التجارات ما یحتاجون إلیه ، فحرّم اللّه الربا لتنفر النّاس من الحرام إلی الحلال ، و إلی التجارات من البیع و الشراء ، فیبقی ذلک بینهم فی القرض » (3) .

و إنّ حبّ استنماء المال و الحصول علی المال الأکثر أمر غریزی فی الإنسان ،

ص:39


1- 1) ب 1 / أبواب الربا / 4 . رواه الکلینی ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم .
2- 2) ب 1 / أبواب الربا / 3 . رواه الکلینی ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبی عبد اللّه ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة .
3- 3) ب 1 / أبواب الربا / 8 . رواه الصدوق بإسناده عن هشام بن الحکم .

و لا یکاد یخلو منه فرد ، فلذلک یسعی إلی التجارة .

فالاستزادة الحاصلة من البیع و الشراء تکون نتیجة ذلک الجهد و التعب البدنی و الفکری الذی یبذله التاجر کوسیط بین المولّد و المستهلک فی قطاع التولید و التوزیع و المصرف فی اختیار أحسن السلع و أرخصها ، و فی نفس ذلک الوقت یکون مساهماً فی تحریک عجلة الحیاة ، و إشباع حاجات المجتمع الأساسیّة ، فتکون هذه الزیادة مقابل ذلک الجهد و تلک الخدمات .

و أمّا فی الربا ، فإنّ الزیادة تحصل من دون تعب و جهد ، و الإنسان یمیل إلیه أکثر من المیل إلی تحصیل النفع عن طریق التعب و بذل الجهد ، فالربا یؤدّی إلی ترک التجارات ، و هکذا تلک الحیل فإنّها تؤدّی إلی ترک التجارات و اللجوء إلی هذه الحیل لاستزادة و استنماء المال ، فسلوک طریق الحیل یؤدّی إلی نفس سلبیّات سلوک طریق الربا ، فیجمّد اقتصاد المجتمع .

و منها ما ورد فی مصحّحة محمّد بن سنان : « أنّ علیّ بن موسی الرضا علیه السلام کتب إلیه فی ما کتب من جواب مسائله : و علّة تحریم الربا لما نهی اللّه عزّ و جلّ عنه ، و لما فیه من فساد الأموال ؛ لأنّ الإنسان إذا اشتری الدرهم بالدرهمین کان ثمن الدرهم درهماً و ثمن الآخر باطلاً ، فبیع الربا و شراؤه وکس علی کلّ حال علی المشتری و علی البائع ، فحرّم اللّه عزّ و جلّ علی العباد الربا لعلّة فساد الأموال ، کما حظر علی السفیه أن یدفع إلیه ماله لما یتخوّف علیه من فساده حتّی یؤنس منه رشد ، فلهذه العلّة حرّم اللّه عزّ و جلّ الربا و بیع الدرهم بالدرهمین . . . و علّة تحریم الربا بالنسیة لعلّة ذهاب المعروف ، و تلف الأموال ، و رغبة النّاس فی الربح ، و ترکهم القرض ، و القرض صنائع المعروف ، و لما فی ذلک من الفساد و الظلم و فناء الأموال » (1).

ص:40


1- 1) ب 1 / أبواب الربا / 11 . رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن سنان .

و یرد اصطلاح « ربا النسیئة » فی الروایة بمعنی « ربا القرض » ، و أیضاً اصطلاح « ربا الفضل » ورد فی فقه العامّة بمعنی « ربا المعاوضة » عندنا .

و أمّا ما یؤدّیه الربا إلی تلف الأموال فذلک لأنّ المقترض عند ما یدفع الفضل و الزیادة یدفعها من ربحه و ما یقوم به من جهد فی تحصیل المعاش ، و هذا المبلغ قابل للازدیاد ، خصوصاً إذا تخلّف فی الدفع و تأخّر ، و تزداد حتّی تستأصل جمیع أمواله .

و بالجملة : فإنّ علل تحریم الربا موجودة حتّی فی تلک الحیل ؛ لأنّ فی هذه الحیل تؤخذ أیضاً الزیادة ، و هو موجب لتلف الأموال و فسادها و ترک التجارات و الاقراض .

إن قلت : إنّ هذه الاُمور لیست عللاً حتّی یدور الحکم مدارها ، بل هی حکمة ، و من المعلوم أنّ الحکمة لا یجب مراعاتها .

قلت : أوّلاً : ما قیل بأنّ الحکمة لا تراعی معناه أنّه لیس من اللازم تحقّقها فی جمیع الموارد ، و لکن فی المورد الذی تحقّقت لا بدّ من مراعاتها ، الفارق بین العلّة و الحکمة هو أنّ الحکم یدور مدار العلّة دائماً ، نفیاً و إثباتاً ، و أمّا الحکمة ففی المورد الذی تتحقّق تراعی ، و فی المورد الذی لا تتحقّق فلا یعنی أنّ العلّة فی تأثیرها دائمیّة و الحکمة مشروطة .

فإذا حرّم الشارع الربا لحکمة التحفّظ عن تلف الأموال ، فلا یجب أن یکون فی جمیع أقسام الربا تلف الأموال ، و لکن إذا کان هذا التلف موجوداً فی مورد فلا مفرّ عن الحکم بحرمته ، و إلّا تصیر الحکمة لغواً ، فإنّ العلّة إذا وجدت یوجد الحکم ، و إذا انتفت انتفی الحکم مطلقاً ، أمّا الحکمة فهی إذا انتفت لا ینتفی الحکم ، و لکن إذا وجدت یوجد الحکم .

ثانیاً : إنّما لا تراعی الحکمة إذا لم یستلزم لغویّة التحریم من رأس ، و هاهنا تلزم لغویّة التحریم من رأس ؛ لأنّه إذا کان الحال أنّنا نتوصّل إلی نفس الربا بتمام حذافیره و دائرته الاقتصادیّة و المالیّة فهذه الحرمة تصیر لغواً .

ثالثاً : إنّ التشریع فی أبواب المعاملات لیس تعبّدیاً محضاً کأبواب العبادات ،

ص:41

و إنّما هی تشریعات فی ضمن الحِکَم و الاُفق العقلائی ، غایة الأمر بتنبیه من الشارع و تهذیب و ترصیف ، فلذا إذا کانت العلل المبیّنة مستندة إلیه و مصرّح بها من قِبل الشارع ، ففی کلّ مورد توجد هذه الحِکَم توجد الحرمة أیضاً .

فالحِکَم فی الربا لیست من قبیل الحِکم فی العبادات التی لا تراعی أصلاً ، بل تکون مرعیّة فی المعاملات بالنسبة .

الإشکال الثالث

إنّ تلک الحیل تبتنی علی تغییر فی صورة المعاملة ،

فبدلاً عن أن تکون المعاملة بصورة القرض فتکون رباً محرّماً ، تصبح بصورة البیع أو بصورة الهبة أو ما شابه ذلک ، و هذا التغییر الصوری لا یؤثّر فی الإرادة الجدّیة لدی المتعاقدین فی شیء ، و بالتالی یکون البیع أو الهبة غیر مقصود .

توضیح ذلک : أنّنا عند ما نعبّر عن الإرادة الجدّیة نعنی بها الداعی الحقیقی الذی دفع المتعاقدین إلی هذه المعاملة ، فأحد الطرفین یحتاج إلی رأس مال و الآخر یقرضه ذلک مع فائدة فی هذا القرض ، و هذا هو الدافع و الداعی و الإرادة الجدّیة لکلا المتعاقدَین .

و إذا حاول المتعاقدان إلباس هذا الواقع فی صورة اخری حتّی لا یدخل فی قناة الربا المحرّم بتوسیط تغییر العنوان ، فلا یوجب دخول المسألة فی قناة غیر قناة الداعی الحقیقی لها .

إن قلت : إنّه یوطّن نفسه علی الالتزام بأحکام البیع أو الهبة .

قلت : إنّ هذا التوطین لیس إلّا تلقین النفس بألفاظ معیّنة ، لا تحدث له إرادة جدّیة ، بل الإرادة الجدّیة الاُولی علی حالها لم تتبدّل ، و نفس هذا الإشکال وارد فی ربا القرض و ربا المعاوضة .

أمّا الأوّل فواضح ، و أمّا الثانی فغرض المتعاقد أن یبیع(100)کیلو من حنطة

ص:42

ب(150)کیلو منها ، فللتخلّص من الربا یضع مع الأوّل ضمیمة - کمندیل مثلاً - و واضح وضوح الشمس فی رابعة النهار أنّ هذه الصورة صورة هزلیّة ؛ إذ لم تتّجه الإرادة الجدیّة إلی بیع المندیل ، و ما حصل إلّا تغییر فی صورة البیع فقط ، و لم یؤثّر ذلک علی الواقع شیئاً .

و یمکن التوسّع فی هذا ببیان اقتصادی ، و ذلک بأنّ الربا عادة یولّد غدداً اجتماعیّة تستنزف الطاقات المالیّة فی المجتمع ، و یقوم باستغلال شرائح المجتمع المختلفة ، فیکون المرابون مستنزفین لکلّ طاقات المجتمع بلا جهد و لا عمل و لا مشقّة .

فإنّ قطّاع التولید - سواء الزراعی منه أم الصناعی - یحتاج إلی رأس مال کبیر لکی یبدأ ببناء المشروع ، و ذلک یؤخذ من البنوک ، و البنک یأخذ نسبة ربویّة معیّنة ، فینصب قسطاً کبیراً من الأرباح إلی أصحاب الرسامیل فی تلک البنوک ، فالأرباح التی یستحصل علیها ذلک المولّد سوف یدفع جزء منها إلی البنک - هذا إذا استطاع سداد ذلک باستمرار - و أمّا إذا تراکمت علیه الدیون فسوف یقع تحت هیمنة البنک و سلطانه ، و یمکن أن یذهب کلّ أرباحه و جزء من رأس ماله .

و فی قطاع التوزیع الذی یقوم التاجر فیه کوسیط بین المولّد و المستهلک (صاحب المصرف)، فإنّ التاجر یحتاج عادة إلی قرض من البنک لإنشاء مؤسّسة توزیعیّة و تنمیتها ، و حتّی علی فرض عدم احتیاجه إلیه فی بدایة نشأته ، فإنّه سوف یحتاج فی ما بعد إلی البنک لتسهیل عملیّة البیع و الشراء ، و فتح الاعتمادات ، و توفیر السیولة ، و هذا یکون فی صورة قروض بنکیّة مع فائدة بنسبة معیّنة ، و یکون البنک شریکاً له فی الربح .

و فی قطاع المصرف و الاستهلاک ، فالمستهلک یحتاج فی بعض مراحل حیاته إلی سیولة مالیّة من أجل بناء منزل أو ما شابهه ، فیحصل علیها عن طریق قرض من البنک ، فتکون المحصّلة النهائیّة سیطرة البنوک عن طریق المعاملات الربویّة علی المجتمع بقطّاعاته الثلاثة ، و نفس هذه العملیّة لو تصوّرناها بین البلدان الفقیرة و الغنیّة و البنوک

ص:43

العالمیة ، فإنّ الصورة النهائیّة سوف تکون سیطرة غدد عالمیّة علی اقتصاد الدول المحتاجة ، و وضع الید علی ثرواتها الوطنیّة (1).

فهذا الواقع الاقتصادی السیّئ إنّما نشأ نتیجة تجمیع الثروات من دون بذل جهد أو مشقّة ، و العناوین المباحة التی قد توضع علی مثل هذه المعاملات لا تولّد قصداً جدّیاً ؛ لأنّ هذه العناوین تؤدّی إلی نفس نتائج ذلک العنوان المحرّم ، فما الفائدة إذن فی تغییر العنوان ؟ فالمستهلک الذی یحتاج إلی قرض لبناء منزله مهما ألبست تلک المعاملات ثوباً جدیداً فهو لا یغیّر من واقعها شیئاً .

و بتعبیر آخر أنّه لدینا مسارات مالیّة معیّنة هی التی تصنّف المعاملات ، و لیس القصد المنشأ باللفظ هو الذی یصنّفها ، فالهبة بشرط القرض لا تدخل فی مسار و قناة الهبة ، بل تدخل فی عنوان القرض المحرّم ؛ لأنّ لها نفس النتائج و الآثار ، بل أنّ الدافع لها هو نفسه ، و هذا بخلاف الداعی العقلائی الذی من أجله شرّعت الهبة التی محورها التوادّ و التحابّ و ربط أفراد المجتمع مع بعضهم البعض ، و آثارها لا تخفی ، و أین هذا من ذاک ؟ فلا یمکن إدخال تلک المعاملة فی مسار و قناة الهبة .

الإشکال الرابع

اشارة

إنّ موضوع الربا المحرّم فی الشریعة لم یضیّق فی معاملة معیّنة و دائرة خاصّة ،

و هی دائرة ربا القرض و ربا المعاملی ، بل هو معنی معاملی عام ، سواء وقع علی نفس

ص:44


1- 1) و قد شاهدنا فی عصرنا هذا تصدّع اقتصاد الدول الخمسة الشرق الآسیویّة ، و قد أعزی ذلک فی لسان الخبراء المالیّین إلی أسباب ، أهمّها الفوائد الربویّة التی یتقاضاها البنک الدولی من تلک الدول . و أمّا دول التنمیة من العالم الثالث فهی ترزح تحت نیر فوائد الدیون للدول السبعة و الثمانیة الاقتصادیّة العظمی ، و الأخیرة تفرض مختلف سیاساتها و سیطرتها عبر ذلک علی تلک الدول .

ماهیّة معاملة أو علی أثرها و نتیجتها ، فهو عنوان عامّ یقع بتحقّق ضابطة معناه ، و هذا العنوان إنّما هو عنوان الزیادة فی المال فی مقابل الأجل ، و هذا العنوان أینما وجد یکون محرّماً للمعاملة التی جری فیها .

و الشاهد علی ذلک امور :

الشاهد الأوّل : تعدّد موارد الربا المحرّم :

1 - ربا القرض : و هو متّفق علیه و ضابطته وقوع الزیادة مقابل الأجل .

2 - ربا المعاوضة : فی المکیل و الموزون .

و نفس هذه الضابطة موجودة فیه أیضاً ، حیث أنّک تعطی(100)کیلو من السکر - مثلاً - و تأخذ(150)کیلو منه نسیئة ، فیقع(50)کیلو من السکر مقابل الأجل ، و الشارع سدّ هذا الباب و جعله متساوی التقدیر من دون نسیئة ، فنری أنّ الشارع منع عن ربا المعاملی لنفس النقطة فی ربا القرض ، فهذا شاهد آخر علی التعمیم .

3 - ربا الصرف : أنّ الشارع اشترط التقابض فی المجلس فی بیع الصرف فی حالة عدم التماثل ، کبیع الدینار بالدرهم ، لئلا ینجرّ إلی وقوع الزیادة مقابل الأجل ، فلو وقع التقابض فی المجلس فالزیادة لا تقع فی مقابل الأجل ، بل تقع مقابل الرغبة الشخصیّة فی الشراء و نحوها ، فنری أنّ نفس موضوع حرمة الربا أیضاً متحقّقة ، و هذا شاهد آخر علی التعمیم الموضوعی .

4 - ربا النسیئة : بأن یبیع عیناً مع اشتراط تأجیل العوض ، فإذا حلّ الأجل و ارید تأجیل الثمن مع زیادة ، فإنّه لا یجوز .

و ذلک لشبهة الربا ، و تعنون هذه المسألة بقولهم : و لا یجوز تأجیل الحال بالزیادة ، و یجوز تعجیله بإسقاط بعضه ، فإنّ عدم الجواز هو لعلّة الربا ، حیث تقع هذه الزیادة فی مقابل الأجل فقط ، ففی أی معاوضة حصل فیها اشتراط تأجیل العوض - سواء کانت بیعاً أم صلحاً أم إجارة - ثمّ ارید تأجیل نفس الدین الناتج من المعاوضة فی مقابل زیادة ، فهذا بلا شکّ محرّم .

ص:45

فتلک الشواهد الأربعة تعیننا لأن ندّعی أنّ موضوع الربا أعمّ ، و هو معنی عامّ بمعنی « الزیادة مقابل الأجل » ، فیعلم أنّ الربا المحرّم لیس هو الربا القرضی و المعاملی فقط ، کما ذکره الأعلام ، و إنّما المحرّم هو هذا المعنی ، أی الزیادة مقابل الأجل ، و هذا المعنی بنفسه موجود فی الطرق التخلّصیّة ، فکلّ ما یتوصّل به إلی هذا المعنی - و لو عبر قنوات جدیدة من الحیل التخلّصیّة - فهو حرام لنفس النقطة التی أشرنا إلیها .

فالإشکال الرابع مدّعاه هکذا : أنّ معنی الربا معنی عامّ ، و هو المحرّم ، سواء کان عین ماهیّة عقد أم نتیجته ، و ذکرنا الشاهد الأوّل علی هذا المدّعی .

و أمّا الشاهد الثانی : فهو ما ورد فی قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً)

(1)فیظهر منها أنّ حقیقة الربا لیست مخصوصة بالقرض و لا بالربا المعاملی ، بل مطلق أخذ الزیادة التصاعدیّة مقابل الأجل حرام .

الشاهد الثالث : الربا فی اللغة بمعنی الزیادة ،

فیشمل کلّ زیادة و لو حصلت عبر طرق جدیدة . نعم ، أنّها منصرفة إلی الزیادة فی مقابل الأجل .

الشاهد الرابع : قوله تعالی :(وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا)

(2) ، ففی الآیة الکریمة ورد تحریم الربا مطلقاً ، و لم یختصّ بمعاملة معیّنة ، و إن کان مورد نزول الآیة الشریفة هو أنّه کانت تقع بیوع ، و یتولّد منها دین علی أحد الطرفین ، فیرید إنساء الأجل المضروب فی نفس المعاوضة ، فیتقاضی الطرف الآخر الربا التصاعدی مقابل تصاعد الأجل ، بینما الروایات المفسّرة عمّمت تحریم الربا فی القرآن إلی ربا القرض أیضاً ، فتفسیر الروایات لها بذلک مع کون مورد نزول الآیة الکریمة هو الموارد الاُخری ، شاهد علی أنّ معنی الربا معنی وحدانی لاحظه الشارع و طبّقه فی عدّة قنوات معاملیّة .

ص:46


1- 1) سورة آل عمران 3 : 130 .
2- 2) سورة البقرة 2 : 275 .

و لک أن تقول : إنّ مورد نزول الآیة - و هو تقاضی الدائن الربا التصاعدی فی مقابل الأجل - یتصوّر علی نحوین : تارة تتصوّر الزیادة فی العوض مقابل الإنساء ، و اخری تتصوّر الهبة بشرط التأجیل .

فإذا صارت الهبة مقابل التأجیل من نفس موضوع الربا - و قد ذکره بعض المفسّرین - فیتّضح أنّ الربا لا یختصّ بمعاملة معیّنة ، و هذا تأیید لأعمّیة موضوع الربا أیضاً .

الشاهد الخامس : إنّ مناط حرمة الربا موجود فی موارد متعدّدة ،

و وجود المناط یوجب عدم انصراف « العنوان » ، فکلّما دار المناط فیدور العنوان مداره ، و المناط هی المفاسد التی اشیر إلیها فی النصوص الشرعیّة .

فإذا کان معنی الربا - بهذه الشواهد - عامّاً ، فالحیل التخلّصیّة هی فی واقعها ینطبق علیها ذاک المعنی ، و هذا المعنی هو المحرّم ، سواء وقع علی نفس المعاملة أم علی أثرها ، أی وقع علی نفس السبب أم علی المسبّب من المعاملة .

ففی الحقیقة أنّ الطرق التخلّصیّة و سلوکها یرجع إلی فتح أبواب الربا علی مصراعیه بتوسّط الاستفادة من قنوات معاملیّة اخری ، و هذا - بلا ریب - لا یمکن و لا یرضی به الشارع المقدّس .

الإشکال الخامس

إنّ العقل یحکم بتّاً بأنّه لا بدّ من مراعاة أغراض و أهداف کلّ مقنّن فی تقنیناته

من قبل العاملین بذاک القانون ،فکلّ مشرّع - سواء الإلهی أم البشری - یسعی إلی تحقیق أغراض تسمّی بروح القانون أو الضوابط المتحرّکة أو بمقاصد الشریعة ، بها ینتظم المجتمع و یصل إلی المصالح ، و یجتنب عن المفاسد . فکلّ حکم یخالف و یصادم روح القانون و ذلک الغرض فهو بلا ریب ممنوع لدی المقنّن . و هذا حکم عقلائی أیضاً یراعی فی القوانین الوضعیّة البشریّة و سنذکر له شاهداً .

ص:47

فالعقلاء فی مواضعاتهم و تقنیناتهم - غالباً - یسجّلون فلسفة ذاک القانون ، و یذکرون أنّ امنیتهم الوصول إلی ذاک الغرض و الهدف(روح القانون)عبر تلک التقنینات ، فیمنعون العقلاء عن کلّ ما هو معارض و مصادم لتلک الأهداف المقصودة التی یبتغونها ، حتّی لا تنقض تلک الأغراض عبر نفس القانون بواسطة الاستفادة السیّئة منه .

و الشاهد علی ذلک فی عرف العقلاء هو المجلس المراقب علی تقنینات المجلس النیابی الوطنی .

و التشریع بخطواته العامّة موجود فی القانون الأساسی لکلّ قوم ، و المجلس النیابی الوطنی وظیفته التشریعات الجزئیّة و التطبیقات القانونیّة للقوّة التنفیذیّة ، فالمجلس غالباً یبیّن مصادیق القانون الکلّی الاُمّ ، و الواجب علیه أن یراعی فی التشریعات الجزئیّة الملاکات التی تکون فی قانون الاُمّ ، و لا یتخلّف عن روح القوانین الأساسیّة ، و لذلک یُشرف علی هذا المجلس مجلس آخر یسمّی بمجلس الرقابة القانونیّة(صیانة الدستور)، و فلسفة ذلک المجلس هی المحافظة علی روح القوانین و ملاکات التشریعات .

و لهذا الحکم العقلی و العقلائی نذکر شاهداً من الفقه ، و هو أنّه ذکر الفقهاء أنّ الوالی الشرعی موظّف لإقامة شرائع الدین و أحکامه ، و تطبیق الکلّیات علی مواردها ، فبعض الأحیان یری أنّ الجعول الأوّلیّة یتصادم بعضها مع بعض فی کیفیّة تطبیقها ، فیتوخّی الوالی حین التطبیق تدبیراً معیّناً یقلّل بقدر المستطاع من تصادمها بغیة تحقیق أغراض القانون مهما أمکن ، و هذا هو معنی السیاسة القانونیّة فهی بمعنی تطبیق القوانین الکلّیة علی الموضوعات الجزئیّة بلا تصادم فی روح القانون .

و بالجملة : فکلّ مشرّع و مقنّن یحاول دائماً المحافظة علی روح قانونه و ملاکات تقنیناته ، فکذلک الشارع المقدّس فی باب الربا ، فإنّ تشریع الحیل التخلّصیّة یخالف روح القانون ، فإنّه یؤدّی إلی نفس المشاکل و الآفات التی من أجلها حرّم الربا .

ص:48

الإشکال السادس

إنّه لو کانت هذه الطرق التخلّصیّة سائغة و جائزة ، فما الوجه فی عدم بیانها من قِبل

الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله

فی نفس الأیّام التی نزلت فیها آیات تحریم الربا ؟ إذ کان یسدّ علیهم طریقاً و یفتح علیهم طرقاً اخری ، و ینبّههم علیه باعتبار أنّهم یریدون أن یصلوا إلی نفس الغرض المالی و الاقتصادی الموجود ، و الحاصل من الربا بذهابهم إلی قنوات معاملیّة اخری .

فکان من رأفة الشارع ، و من سهولة الشریعة ، أن یبیّن قنوات اخری معاملیّة ، و هذا أفضل من أن یرتطموا بالحرام ، و یقعوا فی حرب مع اللّه و رسوله ، فعدم تبیانه من قِبل الشارع شاهد واضح علی أنّ الحیل التخلّصیة غیر سائغة لدی الشارع ، و إلّا لبیّنها للوصول إلی نفس الغرض المالی الموجود فی الربا .

الإشکال السابع

و هو أنّه قد وردت روایتان تدلّان علی عدم جواز الحیل التخلّصیّة :

الاُولی : ما عن یونس الشیبانی ، قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الرجل یبیع البیع و البائع یعلم أنّه لا یسوی و المشتری یعلم أنّه لا یسوی ، إلّا أنّه یعلم أنّه سیرجع فیه فیشتریه منه .

قال : فقال : یا یونس ، إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال لجابر بن عبد اللّه : کیف أنت إذا ظهر الجور و أورثهم الذلّ ؟

قال : فقال له جابر : لا بقیت إلی ذلک الزمان ، و متی یکون ذلک بأبی أنت و امّی ؟

قال : إذا ظهر الربا یا یونس ، و هذا الربا فإن لم تشتره ردّه علیک ؟

قال : قلت : نعم .

ص:49

قال : فلا تقربنّه ، فلا تقربنّه » (1).

و یونس الشیبانی من أصحاب الصادق علیه السلام معنون فی کتب الرجال ، و لم یرد فیه توثیق و لا تضعیف ، و باقی رجال السند ثقات .

و مضمون هذا الخبر نفس مضمون أخبار العیّنة و فکرة العیّنة من الطرق التخلّصیّة عن الربا ، و ملخّصه أنّه یمکن التوصّل إلی نفس الفائدة الربویّة بتوسّط بیعین .

مثلاً : أراد « زید » أن یستقرض من « خالد »(100)دینار علی أن یربحه کذا ، فیتوصّل إلی ذلک بطریق أن یشتری « زید » من « خالد » بضاعة قیمتها(100)دینار ، بمائتین(200)دینار مؤجّلة ، فالمشتری فی هذا البیع هو المقترض(زید)، و البائع هو المقرض(خالد).

ثمّ یبیع « زید » ما اشتراه من « خالد » علیه مرّة اخری بمائة(100)دینار و نتیجته تحصیل(100)دینار بعنوان الفائدة لزید المقرض ، فهو توصّل إلی نفس المراد من الربا عن طریق بیعین .

و واضح أنّ خبر یونس یمنع عن هذه الحیلة .

الثانیة : ما ورد فی نهج البلاغة : « أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال : یا علیّ ، إنّ القوم سیفتنون بأموالهم - إلی أن قال : - و یستحلّون حرامه بالشبهات الکاذبة ، و الأهواء الساهیة ، فیستحلّون الخمر بالنبیذ ، و السحت بالهدیة ، و الربا بالبیع » (2) .

و هذا مؤیّد لما قد قلنا سابقاً من أنّ وراء التقنین فی الشریعة أغراض موجودة یجب أن یحافظ علیها .

ص:50


1- 1) ب 5 / أبواب أحکام العقود / 5 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسین بن أبی الخطّاب ، عن محمّد بن إسماعیل بن بزیع ، عن صالح بن عقبة ، عن یونس الشیبانی .
2- 2) ب 20 / أبواب الربا / 4 .

الإشکال الثامن

اشارة

إنّ الشارع حرّم الربا فی موارد مع أنّه لیس بربا حقیقی ،

أو إنّه ربا حقیقی و یمکن الالتفاف علیه ، و لکنّ الشارع سدّ الأبواب أمام ذلک ، و هذه الموارد أربعة :

1 - الربا المعاوضی غیر الحقیقی(التعبّدی)

مثلاً : أن یبیع(100)کیلو من الرُّزّ الجیّد ب(150)کیلو من الرُّزّ الردی - سواء بإنساء أم بالحال - فإنّه لا ربا حقیقی بینهما ، مع ذلک الشارع منعه .

و کذلک(100)کیلو من الحنطة ب(150)کیلو منها نقداً من جنس واحد ، فإنّ الشارع حرّم ذلک أیضاً ، و غالب ربا المعاوضة هو ربا تعبّدی ، و الوجه فی تحریم الشارع له هو أن لا یتوصّل منه إلی ربا القرض ، فحیث کان طریقاً للوصول إلی ربا القرض ، و حیلة للتوصّل إلی ربا المحض ، سدّ الشارع هذا الباب من أساسه کی لا یحتال منه إلی الربا الحقیقی - و هو ربا القرض - .

و أحد التفاسیر فی قوله تعالی : (قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا) (1)هو أنّ الیهود قالوا : ما الفرق بین بیع النسیئة - الذی هو جائز - و بین الربا ؟ إذ نستطیع أن نصل إلی نفس الزیادة الربویّة فی بیع النسیئة فکیف الأوّل جائز و الربا ممنوع ؟ و فسّر قوله تعالی : (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) 2 بأنّ الربا ماهیّته نفس ماهیّة البیع ، فهو صنف من أصناف البیوع ، و أحلّ اللّه البیع الذی لا ربا فیه و حرّم الربا ، أی البیع الذی فیه الربا ، فالربا و بیع النسیئة طریقان یتوصّل بهما لاستزادة الربح . فهذا الربا المعاملی و المعاوضی حرّمه الشارع لسدّ باب الوصول إلی الربا الحقیقی .

2 - الربا فی المعدود

المشهور أنّ الربا یجوز فی المعدود ، إلّا أنّ السیّد البروجردی قدس سره و بعض تلامیذه

ص:51


1- 1 و 2) سورة البقرة 2 : 275 .

ذهبوا إلی تحریم الربا حتّی فی المعدود ، وفاقاً لجماعة من القدماء ، کالمفید و سلّار و القاضی و الشیخ فی بعض کتبه ؛ لأنّه یمکن التوصّل إلی ربا القرض بتوسّط استقراض (100)بیضة ب(150)بیضة اخری ، أو بتوسّط بیع المعدود بالمعدود نقداً مع التفاضل فی العدد ، أو نسیئة مع التساوی فی العدد .

فالشارع سدّ هذا الباب - بناءً علی حرمته - لسدّ باب ربا القرض .

3 - فی معاوضة المکیل و الموزون مع اختلاف الجنس

فإنّ المشهور یبنون علی جوازه ، مثل أن یبیع(100)کیلو من التمر - الذی قیمته تساوی واقعاً مع(50)کیلو من الرُّزّ - ب(100)کیلو من الرُّزّ إلی شهر - مثلاً - فإنّ البائع قد حصلت له فائدة فی تلک المعاملة .

لکن غیر المشهور - کبعض القدماء - یبنون علی الحرمة ، فبناءً علی الحرمة فتلک الحرمة تکون سدّاً لباب ربا القرض .

4 - فی مورد تردید البائع الثمن بین النقد و النسیئة وردت روایات

منها : ما عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام : « إنّ علیّاً علیه السلام قضی فی رجل باع بیعاً و اشترط شرطین ، بالنقد کذا و بالنسیئة کذا ، فأخذ المتاع علی ذلک الشرط . فقال : هو بأقلّ الثمنین و أبعد الأجلین ، یقول : لیس له إلّا أقلّ النقدین إلی الأجل الذی أجّله بنسیئة » (1).

أی عند تصریح البائع بأنّه نقداً کذا و نسیئة کذا یتّضح أنّ الزیادة وقعت مقابل الإنساء ، فالسعر الحقیقی إذن هو النقد و إنّما اریدت الزیادة للإنساء ، فأدمج البائع ماهیّة البیع بماهیّة الربا ، فصحّح الشارع الماهیّة البیعیّة و أبطل الماهیّة الربویّة ، فتقع ماهیّة البیع و تبطل ماهیّة الربا .

ص:52


1- 1) ب 2 / أبواب أحکام العقود / 2 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن البرقی ، عن النوفلی ، عن السکونی .

و هناک روایات ظاهرها بطلان ذلک العقد من رأس ، فیجب إعادته و إنشاؤه مرّة اخری .

و منها : ما عن عمّار ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام - فی حدیث - : « إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله بعث رجلاً إلی أهل مکّة و أمره أن ینهاهم عن شرطین فی بیع » (1).

الإشکال التاسع

إنّ فی آیات تحریم الربا إشارة إلی ذمّ أهل الکتاب

(2) ؛ لأنّهم أجازوا التعامل الربوی و بنوا اقتصادهم و معاشهم علیه ، بعد أن کانوا قد نهوا عنه ، و إذا تصفّحنا التاریخ فإنّنا نری أنّهم تدرّجوا فی تحلیل الربا ، فبدءوا فی أوّل الأمر باتّخاذ الحیل التخلّصیّة التفافاً علی القانون ، ثمّ بعد ذلک بتجویز الربا صریحاً بنحو جزئی ، ثمّ أجازوه مطلقاً و قالوا :

ذاک فی عهد ما کانت للمال قوّة استثماریّة ، و الآن فی عهد للمال قوّة استثماریّة ، فإذا کانت الآیات ناظرة إلی هذه الظاهرة ، فیجب سدّ هذا الباب من أساسه حتّی لا تسوّل نفس أحد أن یتوصّل إلی نفس الربا بصورة اخری . و هذا الإشکال أمّا أن نعتبره وجهاً مستقلّاً ، أو مؤیّداً لبعض الوجوه المتقدّمة .

هذا تمام الوجوه التی تقال علی الحیل التخلّصیّة فی الربا بعنوان عامّ . و سیأتی إشکال آخر نذکره فی طیّ أحد الأجوبة (3) .

ص:53


1- 1) ب 2 / أبواب أحکام العقود / 3 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن فضّال ، عن عمرو ابن سعید ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار .
2- 2) قوله تعالی : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ طَیِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ کَثِیراً * وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ) سورة النساء 4 : 160 و 161 .
3- 3) راجع الصفحة 85 .

أقوال العامّة فی الحیل

اشارة

أمّا فقهاء العامّة فنراهم قد انقسموا فی مشروعیّة الحیل ، فحرّمها الحنابلة و المالکیّة تحریماً بتّاً باعتبار أنّها نوع من الالتفاف علی الحکم الشرعی الواضح ، و استدلّوا ببعض الروایات النبویّة الواردة فی تحریم التحایل للوصول إلی القمار عبر غیر القمار .

و بما ورد من قصّة أصحاب السبت حیث أنّه قد ورد تحایلهم فی صید السمک یوم السبت ، فنزل فیهم العذاب مع أنّهم لم یصیدوا یوم السبت مباشرة ، و استندوا أیضاً ببعض الوجوه العقلیّة .

و أمّا الحنفیّة و الشافعیّة فسوّغوا الحیل الشرعیّة الثابت ورودها عن الشارع بشرط أن لا یشترط فی العقد .

أمّا المتأخّرون منهم کلجنة الإفتاء المشرفة علی البنوک الإسلامیّة فی دول الخلیج أو فی مصر ، فالظاهر منهم تسویغ بعض الحیل الشرعیّة (1).

ص:54


1- 1) قد ظهر منذ البدایة فی السنن الاُولی من الصدر الأوّل من الإسلام تیّاران متعارضان فی أمر الربا عند أهل السنّة : المتشدّدون فیه ، یوسّعون من دائرة الحرمة حتّی یطغی علی کثیر من ضروب التعامل . و المضیّقون له یحصرونه فی دائرة محدودة لا یجاوزها . و علی رأس من یمثّلون هذا التیّار الثانی عبد اللّه بن عبّاس ،(کما یعدّون قوله من أقوالهم ، و إن کان هو شیعیّاً بالمعنی الأعمّ)، و معه طائفة من الصحابة یقصرون الربا علی الذی کان معروفاً منه فی الجاهلیّة و نزل فیه القرآن ، فهم یتلطّفون فی الربا و یحصرونه فی دائرة ضیّقة . و لکن ما لبث التیّار الأوّل أن جرف التیار المعارض و قامت الکثرة الغالبة من فقهاء العامّة یساندونه و یؤیّدونه حتّی کانت له الغلبة فی فقه العامّة . علی أنّ فریقاً من فقهاء العامّة - و علی رأسهم ابن القیّم و ابن رشد - حاولوا أن یکسروا

ص:55

ص:56

ص:57

ص:58

الجواب عن الإشکالات

اشارة

ص:59

ص:60

قبل الإجابة عن تلک الإشکالات نذکر نقاطاً ستّة کمقدّمة تعیننا علی الإجابة

اشارة

عن بعض الإشکالات :

النقطة الاُولی

إنّ المستفاد من الروایات أنّ الربا لیست مراتبه علی وتیرة واحدة ، فلدینا نوعان من الربا : ربا خفیّ و ربا جلیّ . أمّا الربا الجلیّ و الصریح ، فورد فی صحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه علیه السلام ، قال : « و سألته عن رجل أعطی رجلاً مائة درهم یعمل بها علی أن یعطیه خمسة دراهم أو أقلّ أو أکثر ، هل یحلّ ذلک ؟ قال : لا ، هذا الربا محضاً » (1).

« رجل أعطی رجلاً » هو قرض .

« علی أن یعطیه » هی الزیادة الربویّة ، فهذا هو الربا الجلیّ .

و أمّا الربا الخفیّ ، فقد ورد فی موثّقة إبراهیم بن عمر الیمانی ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « الربا رباءان : ربا یؤکل و ربا لا یؤکل ، فأمّا الذی یؤکل فهدیّتک إلی الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها ، فذلک الربا الذی یؤکل ، و هو قول اللّه عزّ و جلّ : (وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النّاسِ فَلا یَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ) (2) و أمّا الذی لا یؤکل فهو الذی نهی

ص:61


1- 1) ب 7 / أبواب الربا / 7 .
2- 2) سورة الروم 30 : 39 .

اللّه عزّ و جلّ عنه ، و أوعد علیه النّار » (1).

النقطة الثانیة

إنّ الربا علی نحوین :

أحدهما : أن ینشأ المتعاقدان الربا بأن ینصّ العقد بینهما علی الزیادة التصاعدیّة فی مقابل الأجل .

و الآخر : أن یکون الربا غیر منشأ صراحة ، بل هو أثر لمعاملة اخری ، فتلک المعاملة لا تدخل فی قناة الربا ، لکن نتیجتها تکون هی نفس نتیجة المعاملة الربویّة ، فواقع ماهیّة الربا قد تکون موجودة .

النقطة الثالثة

یعتبر بعض الاقتصادیّین أنّ الظلم کما هو متصوّر فی جانب المقترض ، کذلک عدم أخذ الربا یکون ظلماً فی جانب المقرض .

بیان ذلک : أنّهم بیّنوا أنّه فی حالة أخذ الربا سوف یکون ظلماً علی المقترض ؛ و ذلک لأنّ المقرض یملّک العین الشخصیّة للمقترض و یمتلک ما فی ذمّته ، فیکون نماء تلک العین الشخصیّة لمالکها - و هو المقترض - فاستیفاء المقرض لنمائها عن طریق الربا یکون ظلماً علی المقترض فی صورة الربا ، و أنّ القرض بدون الربا اصطناع بالمعروف و أخذ الربا یکون ظلماً .

أمّا من الجهة الاُخری : و هی حالة عدم أخذ الربا ، فإنّ المقرض یمتلک قدرة مالیّة یخرجها من ملکه و یقوم بتجمیدها ، و سوف یفقد بذلک فرص الاستثمار ، و إذا أضفنا إلی ذلک أنّ القوّة الشرائیّة للنقد فی حالة تغیّر و العادة أنّها فی معرض النقصان ،

ص:62


1- 1) ب 3 / أبواب الربا / 1 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حمّاد بن عیسی ، عن إبراهیم بن عمر الیمانی .

فإنّ المقرض یقوم بمجازفة اقتصادیّة فی صورة القرض ، فیقع فی الواقع ظلم علیه .

فهذا اصطناع بالمعروف و فیه ظلم علی المقرض ، و أنّ فرص الاستثمار التی کانت للمقرض بلحاظ ماله تنعدم بینما یعطیها للمقترض ، فلو کنّا نحن و الواقع التجریدی الاقتصادی بلحاظ الأغراض المالیّة لیس یحکم علی الربا بنحو مطلق أنّه ظلم .

نعم ، الربا الفاحش الذی یستأصل المقترض هو ظلم محض ، و أمّا الفائدة القائمة علی أساس مدروس طبقاً لفرص النجاح و الاستثمار و مقارنة رأس المال مع الأرباح بنحو لا تستأصل أموال المقترض ، فهذا أمر معقول ، و التعدّی عنه ظلم . و بذلک یجمع بین أنّ الإقراض اصطناع بالمعروف ، و بین أنّ أخذ النماء لملک الغیر ظلم .

فالمراد من الإقراض المعروف هو الإقراض مع فائدة متناسبة ، و المراد من الربا الظالم ، هو الربا التصاعدی الفاحش الذی یستأصل أموال المقترض فضلاً عن نمائها .

و فیه : أنّ فی تلک الحال أیضاً المقترض فی معرض الخطر و الظلم ، و أنّ المقرض دائماً فی أمان ، فإنّ أصل ماله مؤمّن ، و کذلک أصل الفائدة مؤمّنة . بینما ذاک المقترض یقدم علی عمل استثماری - تولیدی أو استهلاکی أو توزیعی - قد تنتفی الفائدة من رأس ، بل قد ینتفی رأس ماله ، فإذن المقترض دائماً فی معرض الخطر و المخاطرة ، بینما المقرض دائماً فی أمان ، و هذا نوع من الظلم علی المقترض بلا ریب .

و یلاحظ علیه

أوّلاً : إنّ المقترض الکبیر - کالشرکة العالمیّة أو الدول إذا استقرضت - ما یقدم علی مشروع إلّا و تکون فرص نجاحه فی یده ، فهو ضامن للنجاح و لیس المال فی معرض الزوال و الفشل .

ثانیاً : إنّ المقرض أیضاً فی معرض الخطر ، فإنّ المقترض قد لا یسدّد و لا یسترجع رأس المال ، و هذا ظلم علی المقرض .

و ستأتی لذلک تتمّة إن شاء اللّه تعالی .

ص:63

النقطة الرابعة

مفارقة مسار الحیل مع الربا ، و یتّضح ذلک بالتساؤل : لما ذا رفضت البنوک الربویّة تلک الطرق و الحیل مع أنّها توصل إلی نفس النتائج الربویّة ؟

و الجواب : هو أنّ تلک الحیل و القنوات التعاملیّة لا توصل إلی نفس النتائج التی یبتغون ، فإنّ کلّ معاملة لها آثار و قوانین خاصّة تختلف عن المعاملة الاُخری ، مثلاً :

أنّ البیع له قوانین و آثار خاصّة تختلف عن الإجارة و الهبة فی آثارها .

و فی النتائج لا یقصر نظر الباحث فی المذهب الاقتصادی علی فرد المعاملة و فرد المتعاقدین ، بل ینظر إلی نوع المعاملات مع نوع المتعاملین ، و هذا - بلا ریب - لا یقدر أن یؤدّی إلی نفس النتیجة الربویة ؛ لأنّ المعاملات من حیث الطبیعة و القوانین و الآثار مختلفة و تتداخل ، و هذا حاجز قویّ عن الوصول إلی نفس النتائج المتوخّاة فی الربا ، بخلاف الربا الصریح .

فهذه القنوات التخلّصیّة ترتطم بسیل من القوانین و العقبات ، و یحتاج إلی دراسات اقتصادیّة و مالیّة حتّی نعرف أنّ کلّ عقبة من المعاملات التخلّصیة قد یخلق لها واقع سوقی مضادّ . فکلّ معاملة لها دراسة خاصّة ، مضافاً إلی أنّ حیویّة و حرکة کلّ ماهیّة معاملیّة فی الوسط المالی و الرغبات تختلف عن حیویّة و حرکة الاُخری ، و لیست طبیعةً هما متّفقة ، و من ثمّ تری أنّ تلک البنوک أو الشرکات التی تمیل شیئاً ما إلی أسلمة و أرشدة أنشطتها تحجم عن الإقدام علی الحیل التخلّصیّة لافتراق المسار المالی المشار إلیه آنفاً ، و قد أشار إلی ذلک بعض خبراء المال و المصرف .

النقطة الخامسة

قیل : إنّ الحیل التخلّصیّة لا تتفادی الواقع الاقتصادی الربوی ، بل تؤدّی إلی نفس النتائج ، و تبقی نفس واقع الاقتصادی الربوی و سلبیّاته الرأسمالیّة ، و من الواضح أنّ

ص:64

القانون الاقتصادی الإسلامی الحیوی ینافیه تشریعاً و غایة .

و الجواب عنه : أنّ الاقتصاد الرأسمالی و آفاته و سلبیّاته لیس سببها الربا وحده ، بل أنّه واحد من عوامل خمسة أو ستّة أو عشرة یذکرونها .

ثمّ إنّ نظرة فاحصة و مقارنة بین البنوک الإسلامیّة الموجودة و بین بقیّة البنوک ، نلاحظ أنّها لا تخلق نفس الواقع الاقتصادی الربوی ، مع أنّهم یقومون فی أنشطتهم باستعمال الحیل التخلّصیّة و یستخدمونها ، و قد فرض علیهم ذلک استخدام خبرات خاصّة فی مجالات الزراعة و الصناعة و التسویق . فاستخدامهم لتلک الحیل لم یحجّم تلک البنوک ، بل وسّع فی دائرة نشاطاتها ، فهم فی نفس الوقت الذی ینظرون فیه إلی الربح - و هو هدف رئیسی - یحقّقون أهدافاً أساسیّة اخری ، کسدّ حاجة المستهلک من القروض ، و إحیاء دور التوزیع و التسویق ، و بذل الرسامیل فی الموارد التنمویة .

و العامل الرئیسی فی کلّ ذلک أنّهم عند ما یتخلّصون من الربا بحیلة ما ، أی بالاستفادة من معاملة و عقد شرعی آخر ، فإنّه لا یتمّ تغییر الصورة فحسب ، بل نزجّ البنک فی قنوات اخری ، کالبیع و الإجارة ، أی فی واقع و تقلّبات مالیّة مغایرة ، و هذا یحتاج إلی خبرات خاصّة فیؤدّی إلی إحیائها و تطویرها ، و هذا ممّا یعترفون به فی منشوراتهم و إصداراتهم الدوریّة .

النقطة السادسة

إنّ کثیراً من الباحثین تخیّلوا أنّ معنی الربا هو صرف الزیادة ، و لا یخفی ما فی هذا المعنی من إشکال ؛ و ذلک لأنّ فی کثیر من البیوع ربحاً و زیادة فاحشة مع عدم حرمته ، و أیضاً « التجارة » بمعنی « المرابحة » ، و لذا قالوا فی الفرق بین البیع و التجارة أنّها أخصّ مطلقاً ، أو من وجه من البیع ، ففی البیع یراد التبادل و التعاوض ، و فی التجارة الهمّ الأوّل هو تحصیل الربح . و علی هذا فتعریف الربا هی الزیادة مقابل الأجل و الإنساء ، و هذا هو المعنی الصحیح للربا ، فالربا الحقیقی هو الربا القرضی الذی فیه

ص:65

الزیادة مقابل الإنساء ، و أمّا الربا المعاملی فهو رباً تعبّدی ملحق بالربا الحقیقی سدّاً لباب الوصول إلی الربا القرضی .

و قد عرفت سابقاً أنّ الربا علی درجات ، منه ربا صریح محض ، و منه ربا خفیّ متستّر یقع عبر وسائط خفیّة ، فیجب أن نری أنّ موضوع أدلّة التحریم هل هو الربا بکلّ درجاته أو هو الدرجة الاُولی الصریحة منه ؟

ص:66

الجواب التفصیلی عن الإشکالات العامّة

الإشکال الأوّل

و هو أنّ شدّة التعبیر کإعلان الحرب کیف یتناسب مع الوصول إلی نفس النتائج

بتغییر صوری ؟

فیمکن الجواب عنه :

بأنّا لا ننظر إلی فرد المعاملة و فرد المتعامل ، بل فی التقنینات ینظر إلی نوع المعاملات و نوع المتعاملین ، و فی هذا النظر لیس التغییر صوریّاً ، بل هذا التغییر یخلق واقعاً اقتصادیّاً آخر بشهادة التجربة الموجودة ، و هذا الواقع الاقتصادی لا یخلق سلبیّات الاقتصاد الربوی .

فتلک القنوات التخلّصیّة بآثارها و خواصّها تحقّق أغراضاً اقتصادیّة اخری ، ففی الواقع ذلک الإشکال ناشئ من النظرة الجزئیّة إلی معاملة جزئیّة و متعامل واحد ، و الحال أنّ التشریع لا ینظر فی حِکَمه و مصالحه إلی الجزئیّات ، بل ینظر إلی نوع المعاملة ، فیصدر حکمه علی نحو القضیّة الحقیقیّة لا الخارجیّة الجزئیّة ، فإنّ ترکیز النظر علی فرد المعاملة الجزئیّة یوجب هذا الإشکال . فإنّ ترکیز النظر علی فرد المعاملة الجزئیّة یوجب هذا الإشکال ، فإنّ التغییر فی تلک القنوات لیس بصوری ، بل هو من باب تبدیل الموضوع من قِبل المتخصّصین ، فالتشدید و التغلیظ الموجود فی أدلّة الحرمة یکون بلحاظ الواقع الاقتصادی الناشئ عن الربا ، و مع انتفائه یزول التغلیظ .

ص:67

الإشکال الثانی

و هو وجود علل تحریم الربا فی الحیل ،

فقد ذکر فی الروایات من العلل أو الحِکم :

الظلم ، و فناء الأموال ، و ترک اصطناع المعروف ، و ترک التجارات .

أمّا الظلم فلا یرد فی الحیل التخلّصیّة ، بل هو منحصر بالربا المحض الصریح ؛ لأنّ المقرض المرابی یأخذ نماء العین الشخصیّة التی مالکها و مالک نمائها هو المقترض ، و الظلم فی القرض الاستهلاکی - الذی یرید المقترض فیه قضاء حاجته لا تحصیل فائدة - واضح ، و فی القرض الانتاجی أیضاً موجود ، فإنّ المقترض فی معرض المخاطرة بالنسبة لأصل المال و ربحه ، بینما المرابی فی أمان .

و کلّ هذا لا یتأتّی فی الحیل ؛ لأنّ فی البیع المحاباتی أو الهبة أو الإجارة لا بدّ أن یقدم علیه بداعٍ جدّی ، و ذلک الربح یکون عبر معاوضة و یوطّن نفسه علی الالتزام بآثارها القانونیّة الخاصّة .

نعم ، هنا بحث آخر ، و هو أنّ مقتضی الحکمة فی جعل العقود هو التساوی بین المالین . العوض یساوی المعوّض من حیث المالیّة . البدیل یساوی بدیله الآخر بلحاظ جهد الانتاج أو جهد التوزیع . و زوال هذا التساوی خلاف الانصاف . و فی تلک الحیل نری عدم التوازن و التساوی بین العوضین فهو خلاف الإنصاف .

و لکن مجرّد ذلک لا یجعل المعاملة محرّمة . نعم ، هو مکروه و لا بدّ أن یکون المؤمن همّه الأوّل تحصیل الربح ، بل قضاء حاجة مؤمن آخر و إنعاش حاجات سوق المسلمین ، و بملاحظة هذه النقطة یزول الظلم .

و أمّا فناء الأموال و استئصالها ، فغیر حاصل أیضاً ؛ و ذلک لأنّه عند ما یحدث نقل بدائل و أعواض فلن یحصل فناء للأموال . نعم ، قد یحصل فی بعض الحالات ، و لکنّه غیر ناشئ عن المعاملة ، بل نتیجة عدم ذکاء المتعامل .

ص:68

و أمّا ترک اصطناع المعروف و ترک التجارات فلیس کذلک ؛ لأنّها عند ما تتدخّل فیها معاملات اخری تحدث رغبة تجاریّة أو استقراضیّة أو ربحیّة ، و هذا عامل مساعد لتولید القرض .

و لذلک فإنّ البنوک اللاربویّة یرون أنّ الحاجة ملجئة إلی استخدام خبراء فی شتّی المجالات - تسویق المنتجات الزراعیّة ، أو الصناعیّة و التجاریّة - فتصیر حرکة التوزیع و التسویق بمشارکة تلک البنوک أکثر نشاطاً و فعالیّة .

و لعلّ المنتجات لدی کثیر من الشرکات کانت راکدة خامدة بسبب أنّها تذهب و تتعامل مع البنوک الربویّة ، فتزداد علیها الأقساط ، بینما نری أنّهم فی المعاملة مع البنوک الإسلامیّة تصیر حرکتهم الاقتصادیّة أکثر فأکثر .

الإشکال الثالث
اشارة

و هو أنّ الحیل التخلّصیّة تبتنی علی تغییر صوری لا یؤثّر فی الإرادة الجدّیة لدی

المتعاقدین فی شیء ،

و بالتالی یکون البیع غیر مقصود ، فهو مبتنٍ علی قاعدة تبعیّة العقود للقصود .

قاعدة العقود تابعة للقصود

بیانه : أنّ القنوات التخلّصیّة - کالهبة بشرط القرض ، أو البیع المحاباتی بشرط القرض ، أو الإجارة المحاباتیّة - فهی معاملة بیعیّة صورةً ، و لکن قرض حقیقة ، فإنّ العرف یعترف ارتکازاً أنّ هذه فی الواقع قرض ، و إن کان بیعاً صورةً ، و حینئذٍ الزیادة فیه باطلة ؛ لأنّ العقود تابعة للقصود .

فإذا قلت : بعت کذا بکذا بشرط القرض ، کان قصدک فی الواقع : أقرضت کذا بکذا بشرط الفائدة الربویّة ، و لذلک یقدّرون المحاباة فی القیمة بقدر الفائدة الربویّة ،

ص:69

فواضح أنّ نفس الفائدة الربویّة ملحوظة فیها ، فإذن استعمال لفظ البیع مجازی فی هذا المقام ؛ لأنّهم یریدون و یقصدون منه القرض .

و العرف أیضاً یطبّق علی تلک القنوات عنوان القرض ، و یقول إنّ لُبّه قرض ، و إن کانت صورته شیئاً آخر .

و عنوان العقد و حکمه الشرعی و العقلائی یتبع قصد العاقد لا لفظه ، فذلک التغییر اللفظی الصوری مع بقاء قصد القرض لا یغیّر شیئاً و لا ینفع .

و بعبارة اخری : أنّ المستفاد من قاعدة « العقود تابعة للقصود » أنّ العقد یجب ألّا یکون صوریّاً ، بل لا بدّ أن یکون لبّیّاً ، بمعنی أنّ المدار فی تأثیر العقود هو اللبّ و الواقع لا اللفظ بدون القصد الجدّی .

و لذلک نرکّز البحث - للجواب عن ذلک الإشکال - علی تلک القاعدة ، فتلک القاعدة فی معناها ذات مراحل :

الاُولی : أنّ المدار فی إنشاء المعاملات هو تطابق لفظ الإنشاء مع الماهیّة المنشأة المقصودة فی قصد المتعامل ، فإن اشترطنا وجود الألفاظ الصریحة فی العقود ، فلا بدّ من الاستعمال الحقیقی فی الدلالة ، و إن لم نشترط ذلک ، فیکفی الدلالة علی المقصود و لو مجازاً .

فلُبّ هذه القاعدة هو تطابق الألفاظ مع المعنی المقصود ، أی: یجب أن یکون اللفظ مطابقاً للقصد ، و إلّا لم یقع العقد ؛ لأنّ ما قصد لم یقع ، و ما وقع لم یقصد .

و لذا یقال فی الإیداعات التی فی البنوک أنّها قروض لا ودائع ، و إن أصرّت البنوک علی أنّها ودیعة ؛ لأنّ هذا الاستعمال لیس مطابقاً مع المعنی المقصود ، فإنّ المعنی المقصود فی ذلک الإیداع المزعوم هو تملیک الشخص ، الماَل النقدی المودع ،و تملّک شیء فی ذمّة البنک ، و هذا هو حقیقة القرض ، بینما فی الودیعة یجب أن تسلّم و لا یتصرّف فی رقبتها ، و الحال أنّ فی الودیعة البنکیّة لیس الأمر کذلک ، فالمعنی المقصود هو القرض لا الودیعة .

ص:70

و حینئذٍ فیقال فیما نحن فیه أیضاً أنّ المعنی المقصود الأصلی الحقیقی فی بعض القنوات التخلّصیّة هو القرض لا البیع .

الثانیة : المطابقة بین قصد المنشئ و بین الماهیّة العرفیّة العقلائیّة ، فکثیراً ما یقصد المنشئ ماهیّة معاملیّة و یتصوّر أنّها بیع - مثلاً - بینما العقلاء لا یعتبرونها ماهیّة بیعیّة .

و ذکروا فی تعریف البیع أنّه مبادلة مال بمال ، و قالوا : إنّ البیع متقوّم بأن یکون المبیع مقصوداً بذاته و صفاته الشخصیّة ، و الثمن و البدل و العوض مقصوداً بمالیّته .

و علی هذا ، فمبادلة عین بعین لیست بیعاً حقیقة إذا کان المقصود فی کلا الطرفین هو شخص العین بصفاتها الخاصّة لا بمالیّتها .

ففی تلک المبادلة یمکن أن یتصوّر المنشئ أنّها بیع و یقصدها بیعاً مع أنّ العقلاء لا یعتبرونها ماهیّة بیعیّة ، فیجب المطابقة بین الماهیّة المنشأة عند المنشئ و بین الماهیّة المقصودة عند العقلاء ، و هذه مرحلة أدقّ و أعمق فی تلک القاعدة . الثالثة : من مباحث تلک القاعدة هو أنّ تکون المعاملة مقصودة بقصد جدّی ، فلو کان هازلاً فإنّ العقد لا یقع .

و فی تلک القاعدة أبحاث و جهات اخری من البحث ، تعرّض الفقهاء إلیها فی بحث المعاطاة و تخلّف الشروط و الوصف و بحث الشرط الفاسد .

لکن الزاویة التی نرید أن نبحث عنها فی بحثنا هذا ، هی المرحلة الثانیة ، فالإشکال نشأ من أنّ الماهیّة المقصودة فی الحیل التخلّصیّة هل هی ماهیّة قرضیّة - عند العقلاء - أو ماهیّة بیعیّة ؟ فإنّ المنشئ قصد أن ینشئ الماهیّة البیعیّة ، لکنّ العقلاء یرتّبون علی تلک المعاملة آثار الماهیّة القرضیّة .

و قد ذکر الفقهاء فی بحث البیع أنّ الشروط العقلائیّة فی العقد أو فی المتعاقدین أو فی العوضین - سیّما شروط العقد - فی الحقیقة أرکان لا شروط ، فتسمیتها بالشروط مسامحة ؛ لأنّ معنی أنّ العقلاء اشترطوا فی هذه الماهیّة ذاک الشرط یرجع إلی أنّهم لا یعتبرون هذه الماهیّة إذا لم یتحقّق ذاک الشرط ، فإذا لم یعتبروا فلم تتحقّق عندهم

ص:71

هذه الماهیّة أیضاً ، و إذا لم تتحقّق الماهیّة الکذائیّة عند العقلاء فأدلّة الإمضاء - التی موضوعها هو الماهیّة العرفیّة المعاملیّة کالبیع العرفی - لا تشملها ، ففی الواقع لا یوجد موضوع لدلیل الإمضاء ، فمآل الشروط العقلائیّة إلی أرکان وجود الماهیة .

هذا فی الشروط العقلائیّة ، و أمّا الشروط الشرعیّة فی العقد - کعدم الغرر - فتختلف عن الشروط العقلائیّة ، فإنّ انخرام الشروط الشرعیّة لا یؤدّی إلی انتفاء الماهیّة و عدم تحقّقها عند العقلاء ، بل تتحقّق الماهیّة و لکن غرریاً ، فالماهیّة متحقّقة لدی العرف حتّی مع الغرر بخلاف الشرط العقلائی ، فإذا لم یتحقّق فنفس الماهیّة لا تتحقّق أصلاً .

نعم ، تنوجد الماهیّة البیعیّة لدی المتبایعین و المنشئین .

هذا ، و المستشکل إن کان یرید أن یستشهد بانتفاء الشروط الشرعیّة المأخوذة فی البیع - مثلاً - فی قناة البیع المحاباتی التخلّصیّة فنقول : إنّ الماهیة البیعیّة لا تنتفی حینئذٍ فی اعتبار العقلاء . نعم ، هی تبطل فی اعتبار الشارع .

و إن کان یرید أن یستشهد بانتفاء الشروط العقلائیّة المأخوذة فی البیع - مثلاً - فی تلک القناة التخلّصیة ، فلا بدّ أن یدّعی انخرامها فی شروط العقد أو شروط العوضین ، و لا یتصوّر انتفاء شروط المتعاقدین فی بحثنا هذا .

و قد قرّر أنّ من شروط العقد البیعی هو أن یکون علی وجه المبادلة لا التملیک علی وجه الضمان ، فلو قصد التملیک علی وجه الضمان فهو قرض و إن سمّی بیعاً .

و کذلک أخذ فی البیع تساوی القیمة السوقیّة فی العوضین ، أی یکون الثمن لائقاً بالمبیع و لیس المقصود التساوی الدقّی ، بل بحسب مقدار الرغبة و الجهد المبذول و الربح الذی یحصل علیه البائع ، و فی البیع المحاباتی لا تکون هناک مساواة ، بل یبیع المبیع بأکثر من قیمته السوقیّة ، أو بأقلّ بکثیر ، إذن فهذا من الشروط العقلائیّة المنخرمة فی الحیلة .

و أیضاً فإنّ من شرائط العقد أن یلتزم المتبایعان بآثار ما قصد ، بینما نجد أنّ المتعاملین لا یلتزمان واقعاً بآثار البیع ، بل یلتزمان بآثار القرض .

ص:72

إذن الإشکال یدور علی أحد محورین : محور عدم تساوی المالیّة و محور عدم الالتزام بالآثار .

و قالوا : إنّ من شروط العوضین فی البیع أن یکون المعوّض عیناً لا منفعة ، فإن کان المعوّض منفعة فهی إجارة لا بیع ؛ و لذا حملوا « بعتک منفعة الدار » علی المجاز .

و کذلک من شروط العوضین أن یکون الثمن مقصوداً فیه المالیّة لا الصفات الخاصّة .

أمّا الإشکال فی محور عدم تساوی المالیّة

فنقول : إنّ التساوی بین العوضین فی القیمة السوقیّة لیس شرطاً عقلائیّاً للعقد بمعنی أنّ مع فقدانه لا تنتفی الماهیّة المعاملیّة عند العقلاء .

بیانه : أنّ مسألة « تساوی العوضین فی القیمة » غیر مختصّة بالبیع ، بل تدخل فی جمیع المعاوضات ، بیعاً کانت أم إجارة أم غیرهما ، و لکن حیث أنّ الفقهاء ذکروا هذا البحث فی خیار الغبن و تناسباً مع أحد الطرف التخلّصیّة نخصّها بالبیع فی بحثنا هذا .

فقد ذکروا أنّ الغبن یکون نتیجة تفاوت فی القیمة بین المبیع و بین الثمن ، و هنا یتبادر سؤال حول صحّة تلک المعاملة و بطلانها ، و فی حالة البطلان هل هو من جهة العقل أو من جهة الشرع ؟

ذهب بعض من الفقهاء إلی البطلان الشرعی من جهة حصول الغرر و الضرر ، و قد نهی عن البیع الغرری و عن الضرر ، فیثبت بطلان تلک المعاملة .

و ذهب بعض آخر إلی البطلان من جهة العقل ؛ و ذلک لأنّ من الشروط العقلائیّة و ارتکازات العقلاء اعتبار تساوی العوضین فی المالیّة بحسب العادة ، و هذا یعتبر من مقوّمات العقد ، فالإقدام علی المعاملة التی یکون فیها تفاوت لا یتسامح به موجب لبطلان تلک المعاملة ؛ لأنّها فی صورة العلم بالغبن و التفاوت الفاحش ، أمّا معاملة سفیه أو معاملة سفهیّة ، و کلا الشقّین باطل .

ص:73

أمّا الأوّل ، فواضح ، و یتّفق علیه الجمیع ، و أمّا الثانی فلانتفاء الشرط العقلائی ، و مع انتفائه ینتفی اعتبار العقلاء لوجود تلک الماهیّة المعاملیّة ، فالماهیّة غیر متحقّقة .

أمّا البطلان الشرعی ففیه : أنّ الغرر مفروض مع الجهل و یفترض فی مورد البحث علم الطرف المغبون بالتفاوت ، فلا غرر فی البین .

و أمّا البطلان العقلی ، ففیه :

أوّلاً : إنّ المعاملة لیست سفهیّة أو معاملة سفیه ، و ذلک لتوفّر غرض عقلائی فیها ، فلم یقدم المغبون علیها اعتباطاً .

ثانیاً : أنّ العقلاء اعتبروا فی ماهیّة البیع أمراً کلّیاً ، و هو وجود عین یرغب فیها لأجل صفاتها و یبذل بإزائها ثمن ، و لم یقیّد ذلک بثمن خاصّ ، فحدّدت تلک الماهیّة بأن تکون عیناً ، و أن تکون معاوضة ، لا ضماناً بالقیمة الواقعیّة ، بل بقیمة جعلیّة طبقاً لرغبة الطرفین .

نعم ، غایة الأمر یکون اعتبار تساوی المالیّة شرطاً ضمنیّاً فی العقد ، طبقاً لمرتکزات العقلاء ، و انتفاء الشرط الضمنی و تخلّفه یوجب الخیار ، لا بطلان المعاملة من أساسها .

فالحاصل : أنّ التساوی فی المالیّة لیس شرطاً عقلائیّاً علی نحو ینتفی العقد بانتفائه ؛ لأنّ الإجماع قائم علی عدم بطلانه و ثبوت الخیار فیه .

و من الشواهد علی ذلک :

إنّه إذا ورد سائح أو زائر فی بلد و اکتری سیّارة بأکثر من قیمتها الواقعیّة بکثیر ، فلا یقولون إنّ الإجارة لم تقع ، بل یقولون إنّ هذه إجارة و لکنّها غبنیّة ، و یقومون بأخذ التفاوت ، و له حقّ خیار الفسخ ، فما یُری فی المعاملات الغبنیّة أنّ المغبون یلاحق الغابن کأنّما الغابن سارق - لا السرقة بمعناها المعروف ، بل هو سرقة خفیّة - معناه أنّ للمغبون حقّاً لفسخ المعاملة ، فإذا فسخ تنفسخ المعاملة و ترجع الأموال إلیه ، و هذا شاهد صدق علی أنّ المعاملة فی موارد عدم تساوی مالیّة العوضین متحقّقة ، فلیس

ص:74

التساوی شرطاً عقلائیّاً للعقد و لم یقیّدوا خیار الغبن بالتفاوت الیسیر ، بل هو یجری حتّی فی المعاملات الغبنیة مع التفاوت الفاحش بین العوضین ، فحینئذٍ ما ذکره المستشکل من هذه الجهة و فی هذا المحور مردود .

و أمّا الإشکال فی محور عدم الالتزام بالآثار فهو :

إنّ المتعامل و سالک طریق الحیل لا یلتزم بآثار البیع واقعاً ، بل هو ملتزم بآثار القرض ، و هذا ینافی قاعدة أنّ العقود تابعة للقصود ، فإنّ المعاملة المقصودة یجب أن یلتزم بآثارها .

و هذه الجهة نحن نسلّم شرطیّتها ککبری فی العقود ، لکن نتساءل أنّها هل هی منخرمة فی الحیل التخلّصیّة أو لا ؟

و الجواب : أنّ الحیل التخلّصیّة مبنیّة علی أساس وجود بیع حقیقی یلتزم به المتعاملان بآثار البیع ، فیجوز للمشتری بعد البیع الأوّل أن لا یبیعه مرّة اخری علی البائع .

و بعبارة اخری : لا یوجد ملزم قانونی شرعی یجبره علی البیع الثانی ، و علیه یحمل ما ورد فی روایة یونس الشیبانی ، قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الرجل یبیع البیع و البائع یعلم أنّه لا یسوی ، و المشتری یعلم أنّه لا یسوی ، إلّا أنّه یعلم أنّه سیرجع فیه فیشتریه منه .

قال : فقال : یا یونس ، إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال لجابر بن عبد اللّه : کیف أنت إذا ظهر الجور و أورثهم الذلّ ؟

قال : فقال له جابر : لا بقیت إلی ذلک الزمان ، و متی یکون ذلک بأبی أنت و امّی ؟

قال : إذا ظهر الربا یا یونس ، و هذا الربا ، فإن لم تشتره ردّه علیک ؟ قال : قلت : نعم .

قال : فلا تقربنّه ، فلا تقربنّه » (1).

ص:75


1- 1) ب 5 / أبواب أحکام العقود / 5 .

فواضح من هذه الروایة أنّه من البدء لا یرید أن یلتزم بآثار البیع ، بل هما لم یلتزما بالبیع ، و لم یقصداه ، و هذه الروایة و أمثالها لا تعارض أخبار العینة (1)و لا تنافیها ، و إنّما تحدّد صحّتها بأن یتبانی الأطراف علی الالتزام بآثار البیع .

فالحیل التخلّصیة حیث أنّ فیها لا توجد حبک قانونیّة تجاه نفس الغرض الربوی ، فالمرابون لا یتّخذونها بدیلة عن الربا ، فإنّ فی تلک الطرق تخلّفات و فُرجاً یستطیع أحد المتعاقدین أن یفرّ بها من غرض المرابی أو یفرّ المرابی نفسه .

و علیه فإشکال أنّه لیس هناک قصد جدّی لعدم الالتزام و البناء العملی علی ترتّب الآثار ، نلتزم به إذا لم یکن فی البین بناء جدّی ، و لکن الشرط الأساسی هو الالتزام العملی بما عقداه و أنشئاه .

و بعبارة اخری : الغرض المباشر فی إنشاء طریق تخلّصی هو نفس الماهیّة المعاملیّة المنشأة ، و هی محلّلة ، و إن کان الغرض الأعلی هو ماهیّة اخری محرّمة ، فإنّ المناط هو الإنشاء المباشر ، و الغرض الأدنی لا الغرض النهائی لقاعدة « إنّما یحلّل الکلام و یحرّم » ، و لهذه القاعدة وردت تطبیقات من الشارع ، بعضها فی الباب الثامن من أبواب المزارعة .

منها : صحیحة الحلبی بإسناد الکلینی ، قال : « سُئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یزرع الأرض فیشترط للبذر ثلثاً و للبقر ثلثاً . قال : لا ینبغی أن یسمّی شیئاً ، فإنّما یحرّم

ص:76


1- 1) أشهر تفسیر للعینة هو أنّ یبیع سلعة بثمن إلی رجل معلوم ، ثمّ یشتریها نفسه نقداً بثمن أقلّ ،و فی نهایة الأجل یدفع المشتری الثمن الأوّل ، و الفرق بین الثمنین فضل. العینة فی اللغة: السلف ، یقال: اعتان الرجل: إذا اشتری الشیء بالشیء نسیئة أو اشتری بنسیة.(المصباح المنیر / عین).

الکلام » (1).

و فی المزارعة و المساقاة تکون شرکة بین العمل و بین العین ، عمل العامل من جانب ، و الأرض و البذر و الآلات من جانب آخر . فللعامل أن یقول : 40% من الناتج لی و ما سواه للمالک ، و أمّا إذا خصّص فی نفس الإنشاء المعاملی و یقول : ثلث من الناتج للبذر و ثلث للبقر و ثلث لی ، فتبطل المزارعة ؛ لأنّ منفعة الآلات تقابل النماء و الناتج ، و هذا فی الحقیقة إجارة مجهولة الثمن ، فبتغییر کلمة مع الالتزام بآثارها تتبدّل ماهیّة بماهیّة اخری ، إنّما یحلّل الکلام و یحرّم .

و منها : صحیحة عبد اللّه بن سنان : « أنّه قال فی الرجل یزارع فیزرع أرض غیره فیقول : ثلث للبقر و ثلث للبذر و ثلث للأرض .

قال : لا یسمّی شیئاً من الحبّ و البقر ، و لکن یقول : ازرع فیها کذا و کذا ، إن شئت نصفاً و إن شئت ثلثاً » (2) .

و منها : معتبرة سلیمان بن خالد ، قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یزارع فیزرع أرض آخر ، فیشترط للبذر ثلثاً و للبقر ثلثاً .

قال : لا ینبغی أن یسمّی بذراً و لا بقراً ، فإنّما یحرّم الکلام » (3) .

و منها : عن أبی الربیع الشامی ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « أنّه سئل عن الرجل یزرع أرض رجل آخر فیشترط علیه ثلثاً للبذر و ثلثاً للبقر .

ص:77


1- 1) ب8 / أبواب المزارعة / 4 .
2- 2) ب8 / أبواب المزارعة / 5 . رواه الکلینی ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن عبد اللّه بن سنان .
3- 3) الباب المتقدّم / ح6 . رواه الکلینی ، عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن علیّ بن النعمان ، عن ابن مسکان ، عن سلیمان بن خالد .

فقال : لا ینبغی أن یسمّی بذراً و لا بقراً ، و لکن یقول لصاحب الأرض أزرع فی أرضک و لک منها کذا و کذا ، نصف أو ثلث أو ما کان من شرط ، و لا یسمّی بذراً و لا بقراً ، فإنّما یحرّم الکلام » (1).

و الحاصل : إذا قصد المتعامل ماهیّة خاصّة یمکن له أن یتوصّل إلیها بإنشاء نفس الماهیّة أو بإنشاء ماهیّة اخری متوسّطة توصله إلی نفس النتائج .

و أثره یظهر فی ماهیّات محرّمة یمکن التوصّل إلی النتائج الحاصلة منها عبر عقود متوسّطة اخری محلّلة ، و هذا مفتوح فی الشریعة لاستبدال کثیر من الماهیّات الباطلة إلی الصحیحة ، و لیس معناه تحلیل الماهیّات الفاسدة ، بل هو تبدیل الماهیّات الفاسدة إلی الصحیحة .

هذا بالنسبة إلی الإشکال الثالث من الإشکالات العامّة .

الإشکال الرابع

و هو أنّ الربا معنیً عاماً - و هو الزیادة مقابل الأجل ، و هذا المعنی بنفسه موجود فی

الطرق التخلّصیّة

فمعناه أنّ مطلق المقابلة بین الزیادة و بین الإنساء هو ربا محرّم ، و إن لم تُنشأ مباشرة ، نظیر انطباق عناوین محرّمة تجتمع مع عناوین معاملیّة فیسبّب النهی ، و یقتضی الفساد ، مثل عنوان(الإعانة علی الإثم).

و الجواب :

- مضافاً إلی ما ذکرنا سابقاً من أنّ الربا علی درجات : الربا المحض و الربا المتستّر و مفاسد الربا المحض شدیدة و منتشرة بخلاف الربا المتستّر ، و الربا فی الحیل هو من

ص:78


1- 1) ب8 / أبواب المزارعة / ح10 . و رواه الشیخ بإسناده ، عن الحسن بن محبوب ، عن خالد بن جریر ، عن أبی الربیع الشامی .

الربا المتستّر لا یوجد أرضیّة اقتصادیّة فاسدة -

هو أنّ العنوان المحرّم من الربا هو الربا الإنشائی ، أی المعاملة التی تکون فیها زیادة تصاعدیّة مقابل الأجل و الإنساء من حین إنشاء العقد ، و هذا هو العنوان المحرّم .

فماهیّة الربا یمکن إنشاؤها علی نمطین : نمط متعلّق للإنشاء و نمط تنطبق علی نتائج و آثار إنشاءات اخری ، فماهیّة الربا تارة تکون منوجدة مباشرة ، و اخری بالوسائط بلحاظ نتیجة المعاملة . و المحرّم منه هو الأوّل ، فلا عموم لحرمة الربا فی جمیع أقسامه .

و الشواهد علی ذلک متعدّدة :

1 - قوله تعالی : (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) (1)

الحلّیة هاهنا إمّا وضعیّة أو أعمّ منها ، و من الحلّیة التکلیفیّة ، و علی أی حال ، ففی المفاد معنی « الوضعیّة » و« إمضاء » للماهیّة البیعیّة ، و المراد من البیع هو الإنشاء ، أی إنشاء التملیک ، و فی مقابله یکون الربا الإنشائی حراماً ، للانصراف و مقتضی السیاق ، فمصبّ الحرمة الوضعیّة هو الماهیّة الإنشائیّة ، و هذه قرینة علی أنّ المحرّم من الربا إنّما هو خصوص الماهیّة الإنشائیّة منه .

2 - إنّ الآیات قبل آیة تحریم الربا فی سورة البقرة کلّها واردة فی الحثّ علی الصدقة و الإنفاق من المال الطیّب الحلال ، ثمّ یورد الحقّ سبحانه و تعالی تحلیل البیع و تحریم الربا ، فهو مختصّ بربا النسیئة ، و قریب منه قوله تعالی فی سورة آل عمران :

(لا تَأْکُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (2) ، فالعملیّة الربویّة الإنشائیّة هی عملیّة تصاعدیّة ، بخلاف الحیل التخلّصیّة .

3 - إنّ الفقهاء فی تحریم الربا القرضی و المعاملی لا یتمسّکون بعموم الآیات ،

ص:79


1- 1) سورة البقرة 2 : 275 .
2- 2) سورة آل عمران 3 : 130 .

بل یتمسّکون بأدلّة خاصّة واردة فی ذلک المورد ممّا یعنی أنّه لا یوجد فی هذه العمومات عموم واقعی لکلّ أنواع الربا ، حتّی إنّ البعض یصرّح أنّه لو لا تلک الأدلّة لما حرّم الربا المعاملی ، و قد ورد أنّ ابن عبّاس کان یخصم بذلک حتّی وصل إلیه أدلّة تحریم الربا المعاملی .

4 - إنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر عن الکفّار و المشرکین أنّهم قاسوا الربا بالبیع ، و قالوا :

إنّما البیع مثل الربا ، فجعلوا الربا هو الأصل ، فزعموا أنّه هو الأصل فی الحلّیة و شبّهوا البیع به ؛ لأنّ الغرض الأصلی فی التجارات هو الزیادة و الاستزادة ، و هذا هو الغرض الأصلی و الأوّل فی الربا ، و حیث أنّ البیع متضمّن لربا متستّر فیصیر البیع مثل الربا .

و بعبارة اخری : أنّهم قالوا إنّ البیع الذی فیه ربا خفیّ مثل البیع الذی فیه ربا صریح ، أو أنّ البیع الذی لا ربا فیه مثل البیع الذی فیه ربا ، فأجاب اللّه تعالی عنه بوجود الفرق بینهما فی الحلّیة و الحرمة ، و قال : (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) ، یعنی أحلّ اللّه البیع الذی لا ربا فیه ، و حرّم البیع الذی فیه ربا .

فالآیة الشریفة ترید تحریم الربا الجلیّ غیر المتستّر و تثبت حلّیة الربا المتستّر .

و علی هذا التفسیر یکون الربا من ماهیّة البیع ، و حیث أنّ البیع هو الإنشاء ، فالمراد من الربا أیضاً هو الربا الإنشائی بمقتضی کونه بیعاً .

و هناک تفسیر آخر للآیة الکریمة ، و هو أنّ الکفّار یقولون : لا فرق بین ماهیّة الربا و بین ماهیّة بیع النسیئة ؛ لأنّ الربا هو إنشاء الزیادة مقابل الإنشاء ، و فی بیع النسیئة أیضاً یتوصّل إلی الربح و الزیادة ، فالبیع مثل الربا فی تحصیل الفائدة مع الإنساء ، فعلی هذا التفسیر تکون ماهیّة الربا غیر داخلة فی ماهیّة البیع ، بل هما متشابهتان ، فلا بدّ من حلّیة کلیهما .

فأجاب اللّه تعالی عنه أنّ فی بیع النسیئة ماهیّة بیعیّة و الربا الحاصل فیه ربا متستّر ، و أمّا ربا النسیئة فماهیّته ماهیّة الربا ، أی الربا الصریح ، و هو حرام ، فیکون المحرّم هو الربا الإنشائی لا جمیع أنواع الربا .

ص:80

فعلی کلا التفسیرین یظهر أنّ الربا المتستّر حلال ، و کأنّما صریح الآیة الشریفة یقول : إنّه لا إشکال فی الربا المتستّر .

هذا تمام الکلام فی الجواب عن الإشکال الرابع .

الإشکال الخامس

و هو أنّ تشریع الحیل التخلّصیّة یخالف روح القانون ،

فإنّه یؤدّی إلی نفس الآفات التی من أجلها حرّم الربا .

فالجواب عنه :

هو أنّه وجدنا بوضوح أنّ هذا لیس التفافاً علی القانون ، بل هو فی الواقع استفادة من بنود و قنوات اخری من القانون ، و لا تؤدّی إلی نفس النتائج الربویّة .

إن قلت : إنّ الفرق بین القانون البشری و القانون السماوی هو أنّ القانون البشری یعتمد دائماً فی تطوّره و تکامله علی التجربة ، فنشأ القانون غیر کامل و یطوّر طبقاً للتجربة ، فإذا رأوا زاویة سلبیّة فی القانون یصحّحونها و ینسخونها ، بخلاف القانون الإلهی ، فهو متکامل و صحیح من أساسه ، و التجربة لا تؤثّر فی تطویره و تکامله ، فحینئذٍ کیف یمکن لنا أن نفرض أنّ القانون الإلهی فیه ثغرات یمکن الالتفاف علیها ؟ لا سیّما و أنّ الالتفاف هنا فی الحکم الکلّی ، أی الاستعاضة عن هذا الحکم الکلّی الذی حرّمه الشارع بتقنینات اخری ، و هذا عجز فی التقنین .

نعم ، تارة یکون الالتفاف علی القانون الإلهی فی الشبهة المصداقیّة ، أی فی الموضوع ، کما فی نصاب الزکاة ، فقبل حلول الحلول یعدم النصاب بالهبة إلی زوجته ، أو فی الاستطاعة ، فقیل الموسم یعدمها ، و هذا الالتفاف الموضوعی علی القانون و إن کان مذموماً عند الشارع و لکن لم یحرّمه ، و أمّا الالتفاف التقنینی فی التشریعات الکلّیة فمشکل .

ص:81

قلت : إنّ الاستفادة من قنوات تعاملیّة اخری لیست التفافاً علی القانون الإلهی ، بل هو فی الواقع انتفاع من بنود اخری من نفس القانون ، و لیس فیه أمر یخالف القانون و روحه ، و لذا لا تؤدّی إلی نفس سلبیّات الاقتصاد الربوی ، و التجربة المیدانیّة فی البنوک الإسلامیّة من الشواهد علی ذلک .

و أمّا ما ذکره بعض العامّة من قصّة أصحاب السبت فواضح فساده ؛ و ذلک لأنّ أصحاب السبت قاموا بالصید واقعاً یوم السبت و لکن بواسطة ، فإنّ نصب الشباک نوع اصطیاد ، غایة الأمر لیس صیداً فوریّاً ، و هذا انتقال من فرد محرّم إلی فرد محرّم آخر من نفس ذاک الموضوع فی هذا الحکم التحریمی .

و کذلک ما ذکروه من الروایات المنسوبة إلی النبیّ صلی الله علیه و آله من المنع من بیع المعدود الربوی ، فإنّنا نقول : إنّ مقدار ما حرّمه الشارع و سدّ الأبواب فیه ، فإنّا نعتبره و ما أجازه فَنُجیزه .

فتحصّل أنّ التحایل علی صعید الموضوع لا إشکال فیه ، و التحایل علی صعید الحکم لا یمکن ، و لکن الاستفادة من الحیل التخلّصیة لیست التفافاً و تحایلاً فی الصعید الحکمی ، بل هی الانتفاع من البنود القانونیّة فی نفس التشریع .

نعم ، هناک موردان یراعی فیهما عدم التحایل :

الأوّل : أنّ الفقهاء عند استنباطهم الحکم الشرعی و استکشافهم للتقنین الکلّی - کبحث إثباتی علی الموقف الحکمی - یراعون قرائن الغرض ، فیجعلون التقنین مقیّداً بنکتة الغرض أو المصلحة أو یوسّعون لنفس نکتة الغرض أو المصلحة ، و هذا یسمّونه مراعاة الأغراض و المصالح فی صعید الإثبات و الدلالة لا صعید المدلول الکلّی ، و لکنّ ذلک استثناء تخصّصی لا تخصیص .

الثانی : أنّ المعصوم علیه السلام قد یری فی بعض الأحیان أنّ هناک تزاحماً بین بعض المصالح التی یری اهتمام الشارع بها مع بعض الواجبات الاجتماعیّة الکفائیّة الخاصّة ، فالتحایل فی الناحیة الاُولی یؤدّی إلی تفویت الملاک الأهمّ فی الناحیة

ص:82

الثانیة ، فحینئذٍ یکون ممنوعاً .

ثمّ إنّ هذا التزاحم یفترق عن التزاحم الاصطلاحی فی الاُصول ، فإنّ هذا التزاحم یکون بین الواجبات الاجتماعیّة مع واجبات اجتماعیّة اخری أو فردیّة ، بینما التزاحم الاصطلاحی هو تزاحم واجبین فردیّین ، أعنی الفرد الواحد - کالصلاة - تزاحم فرداً آخر - کإزالة النجاسة - .

أمّا إذا فرضنا التزاحم من قبیل آخر - کدفع العدوّ الهاجم علی الثغور - مع مصلحة اخری ، فیصیر التزاحم بین الواجب الکفائی المجموعی مع واجب آخر فالتحایل الموضوعی فی تلک الموارد یؤدّی إلی تفویت ملاک کفائی أهمّ فینجرّ - مثلاً - إلی تسلّط عدوّ علی المسلمین ، و هذا ممنوع بلا ریب .

الإشکال السادس
اشارة

و هو أنّه لو کانت هذه الطرق التخلّصیّة جائزة ، فما الوجه فی عدم بیانها من قِبل

الشارع ؟

فکان من سهولة الشریعة أن یبیّن قنوات اخری معاملیّة ، و هذا أفضل من أن یرتطموا بالحرام ، و یقعوا فی حرب مع اللّه و رسوله ، فعدم تبیانه من قِبل الشارع شاهد واضح علی أنّ تلک الحیل غیر سائغة و إلّا لبیّنها .

فأُجیب عنه :

بوجود الروایات و الأخبار فی بیان الحیل التخلّصیّة فی الربا المعاملی و القرضی ، ففی الربا القرضی لدینا أخبار العیّنة و البیع بشرط القرض ، و فی الربا المعاملی لدینا أخبار الضمیمة ، و هذه الروایات مفتی بها من قِبل الفقهاء ، و سنوافیک بنصّ بعضها ، و قبل ذلک لا بدّ من توضیح فکرة العیّنة و فکرة الضمیمة .

أمّا فکرة العیّنة فهی ترتکز علی أنّ الربا یتوصّل إلیه ببیعین ، مثلاً : أراد زید أن یستقرض من سعید(100)دینار علی أن یربحه کذا ، فیتوصّل إلی ذلک بأن یشتری

ص:83

زید من سعید بضاعة تساوی(100)دینار ب(200)دینار مؤجّلة .

ثمّ یبیع زید علی سعید ما اشتراه ب(100)دینار نقداً ، فتکون النتیجة أنّ زیداً حصل علی المال الذی یرید اقتراضه و هو(100)دینار ، و البضاعة عادت إلی صاحبها ، و المقدار الواجب دفعه علی زید لسعید هو مقدار القرض(100 دینار)مع فائدة (100 دینار)، فهو توصّل إلی نفس المراد من الربا عن طریق بیعین من دون اشتراط أحدهما بالآخر .

و أمّا فکرة الضمیمة فهی تحلیل الربا المعاملی بالضمیمة ؛ إذ من غیر السائغ أن یتعامل الدراهم بدراهم أزید ، لا نقداً و لا نسیئة ؛ لنکتة التفاضل ، و لا یجوز بیع (100)کیلو من الحنطة ب(150)کیلو من نفس الحنطة نسیئة لنکتة التفاضل و التأجیل ، بل و لا یجوز بیع(100)کیلو من الرُّزّ الردیء ب(100)کیلو من الرُّزّ الجیّد نسیئة ؛ لأنّ نفس الإنساء نوع من الفائدة الربویّة الحکمیّة ، و قد احتیل علی هذا الربا بجعل ضمیمة مع الناقص لیقع التفاضل فی مقابل تلک الضمیمة .

و أمّا فکرة البیع بشرط القرض أو البیع المحاباتی بشرط تأجیل الدین فهی - مثلاً - أنا(المقترض)أشتری من الدائن شیئاً - یسوی(100)دینار - ب(500)دینار بشرط أن یؤجّل دینه .

و إلیک نصّ بعض الروایات التخلّصیّة فی الربا القرضی :

1 - عن محمّد بن إسحاق بن عمّار ، قال : « قلت لأبی الحسن علیه السلام : إنّ سلسبیل طلبت منّی مائة ألف درهم علی أن تربحنی عشرة آلاف فأقرضها تسعین ألفاً و أبیعها ثوب و شیء [ ثوب وشی] تقوّم بألف درهم بعشرة آلاف درهم ، قال : لا بأس » (1).

فهو بیع بشرط القرض .

ص:84


1- 1) ب9 / أبواب أحکام العقود / 1 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن علیّ بن حدید ، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار .

2 - عن محمّد بن إسحاق بن عمّار ، قال : « قلت لأبی الحسن علیه السلام : یکون لی علی الرجل دراهم فیقول : اخّرنی بها و أنا اربحک فأبیعه جبّة تقوم علَیَّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم ، أو قال : بعشرین ألفاً ، و أؤخرّه بالمال ، قال : لا بأس » (1).

3 - عن محمّد بن إسحاق بن عمّار ، قال : « قلت للرضا علیه السلام : الرجل یکون له المال فیدخل علی صاحبه یبیعه لؤلؤة تسوی مائة درهم بألف درهم ، و یؤخّر عنه المال إلی وقت ، قال : لا بأس به ، قد أمرنی أبی ففعلت ذلک .

و زعم أنّه سأل أبا الحسن علیه السلام عنها فقال مثل ذلک » (2) .

4 - عن مسعدة بن صدقة ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « سأل عن رجل له مال علی رجل من قبل عینة عیّنها إیّاه ، فلمّا حلّ علیه المال لم یکن عنده ما یعطیه ، فأراد أن یقلب علیه و یربح ، أ یبیعه لؤلؤاً أو غیر ذلک ما یسوی مائة درهم بألف درهم و یؤخّره .

قال : لا بأس بذلک ، قد فعل ذلک أبی رضی الله عنه و أمرنی أن أفعل ذلک فی شیء کان علیه » (3) .

فالحیلة نفس حیلة العیّنة ، فإنّ المدین یشتری من الدائن شیئاً - یسوی مائة درهم - بألف درهم ، فقد فوّت تسعمائة درهم بشرط الإنساء و التأجیل .

و لکن الاستشهاد بذیل الروایة ، لا بالعینة ، حیث أنّ فی ذیل الروایة دَیناً یؤخّر بتوسّط بیع محاباتی بشرط تأجیل الدین ، فالمدین یشتری محاباة من الدائن شیئاً یسوی مائة درهم بألف درهم بشرط أن یؤجّل دینه ، و هذا ربا خفیّ سوّغته الروایة .

ص:85


1- 1) ب9 / أبواب أحکام العقود / 4 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبی عمیر ، عن محمّد بن إسحاق .
2- 2) ب9 / أبواب أحکام العقود / 6 . رواه الشیخ بإسناده عن أبی علیّ الأشعری ، عن الحسن بن علیّ بن عبد اللّه ، عن عمّه محمّد بن أبی عبد اللّه ، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار .
3- 3) الباب المتقدّم / 3 . رواه الکلینی ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة .
و أمّا الروایات التخلّصیّة فی الربا المعاملی

(أخبار الضمیمة)فهی :

1 - عن الحسن بن صدقة ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : « قلت له : جعلت فداک ، إنّی أدخل المعادن و أبیع الجوهر بترابه بالدنانیر و الدراهم ؟ قال : لا بأس به .

قلت له : و أنا أصرف الدراهم بالدراهم ، و اصیّر الغلّة وضحاً ، و اصیّر الوضح غلّة ؟

قال : إذا کان فیها ذهب فلا بأس .

قال : فحکیت ذلک لعمّار بن موسی الساباطی فقال لی : کذا قال لی أبوه ، ثمّ قال لی :

الدنانیر أین تکون ؟ قلت : لا أدری ، قال عمّار : قال لی أبو عبد اللّه علیه السلام : یکون مع الذی ینقص » (1).

2 - عن أبی بصیر ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « سألته عن الدرهم و عن فضل ما بینهما ، فقال : إذا کان بینهما نحاس أو ذهب فلا بأس » (2) .

3 - عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : « سألته عن الصرف ، فقلت له : الرفقة ربّما عجّلت فخرجت فلم نقدر علی الدمشقیّة و البصریّة و إنّما یجوز نیسابور الدمشقیّة و البصریّة .

فقال : و ما الرفقة ؟ قلت : القوم یترافقون و یجتمعون للخروج ، فإذا عجّلوا فربّما لم یقدروا علی الدمشقیّة و البصریّة ، فبعثنا بالغلّة فصرفوا ألفاً و خمسین منها بألف من الدمشقیّة و البصریّة ؟

فقال : لا خیر فی هذا ، أ فلا یجعلون فیها ذهباً لمکان زیادتها . فقلت له : أشتری ألف درهم و دینار بألفی درهم ؟

ص:86


1- 1) ب 20 / أبواب الربا / 1 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن السندی بن الربیع ، عن محمّد بن سعید المدائنی ، عن الحسن بن صدقة .
2- 2) الباب المتقدّم / 2 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن القاسم بن محمّد ، عن علیّ ، عن أبی بصیر .

فقال : لا بأس ، إنّ أبی کان أجرأ علی أهل المدینة منّی ، فکان یقول هذا فیقولون :

إنّما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدینار لم یعط ألف درهم ، و لو جاء بألف درهم لم یعط ألف دینار ، و کان یقول لهم : نِعْم الشیء الفرار من الحرام إلی الحرام » (1).

4 - عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « کان محمّد بن المنکدر یقول لأبی علیه السلام : یا أبا جعفر - رحمک اللّه - و اللّه إنّا لنعلم أنّک لو أخذت دیناراً و الصرف بثمانیة عشر فدرت المدینة علی أن تجد من یعطیک عشرین ، ما وجدته ، و ما هذا إلّا فرار ، فکان أبی یقول : صدقت و اللّه ، لکنّه فرار من باطل إلی حقّ » (2) .

5 - عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : « سألته عن الرجل یأتی بالدراهم إلی الصیرفی ، فیقول له : آخذ منک المائة بالمائة و عشرین ، أو بمائة و خمسة حتّی یراوضه علی الذی یرید ، فإذا فرغ جعل مکان الدراهم الزیادة دیناراً أو ذهباً ، ثمّ قال له : قد زاددتک [ راددتک] البیع ، و إنّما ابایعک علی هذا ، لأنّ الأوّل لا یصلح ، أ وَ لم یقل ذلک و جعل ذهباً مکان الدراهم ، فقال : إذا کان آخر البیع علی الحلال فلا بأس بذلک .

قلت : فإن جعل مکان الذهب فلوساً ؟

قال : ما أدری ما الفلوس » (3) .

و کذلک باقی أخبار هذا الباب ، فراجع .

هذا کلّه هو الجواب عن الإشکال السادس ، و ملخّصه :

ص:87


1- 1) ب 6 / أبواب الصرف / 1 . رواه الکلینی ، عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن ابن الحجّاج .
2- 2) الباب المتقدّم / 2 . رواه الکلینی ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .
3- 3) ب 6 / أبواب الصرف / 3 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .

وجود الروایات التخلّصیّة فی الربا القرضی و الربا المعاملی ، کما مرّ مفصّلاً .

و قد أورد علیه فی کلتا الناحیتین (1)أعنی : ناحیة الروایات التخلّصیّة فی الربا القرضی و ناحیة الروایات فی الربا المعاملی .

أمّا الروایات فی الربا القرضی فهی مخدوشة سنداً و دلالةً .

أمّا سنداً : فلأنّ ثلاثة منها تنتهی إلی « محمّد بن إسحاق بن عمّار » و هو واقفی ضعیف .

و أیضاً « علیّ بن حدید » فی الروایة الاُولی لم یوثّق ، و قیل : إنّه واقفی أیضاً .

و سائر الروایات ضعیفة أیضاً .

و أمّا دلالةً : فلأنّ « ابن إسحاق » صرّاف یحاول دائماً تصحیح و تحلیل العمل الذی یقوم به ، فکان فی موضع التهمة . هذا أوّلاً .

و ثانیاً : إنّ فی تلک الأخبار ما یدلّ علی عدم صدورها من المعصوم علیه السلام و ذلک فإنّ « ابن إسحاق » یروی أنّه سأل الرضا علیه السلام فقال : « قد أمرنی بذلک أبی ففعلت » ، و قد سئل تارة اخری الکاظم علیه السلام عین ذلک ، و فی روایة مسعدة عن الصادق علیه السلام أنّ الباقر علیه السلام علّمه ذلک ، فهذا یعنی أنّ الأئمّة علیهم السلام کانوا یقومون بمثل تلک الحیل ، و من غیر المعقول أنّ الإمام المعصوم العارف بآفات الربا أن یقوم هو بنفسه بحیلة توصله إلی نفس الغرض ، فهذه الحیلة خلاف اصطناع المعروف قطعاً ، فکیف یأمر بها و یفعلها ؟

و غیر بعید أن تکون تلک الروایات من دسّ المخالفین لتشویه سمعة الأئمّة الطاهرین علیهم السلام کما لا یستبعد ذلک فی الروایات الواردة فی باب بیع العنب أو التمر ممّن یعلم أنّه یصنعه خمراً ، حیث ورد فیها عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « ألسنا نبیع تمرنا ممّن یجعله شراباً خبیثاً » (2) .

ص:88


1- 1) و هو یعدّ إشکالاً عاشراً للتسعة المتقدّمة .
2- 2) ب 59 / أبواب ما یکتسب به / 8 .

و فی روایة اخری عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « نحن نبیع تمرنا ممّن نعلم أنّه یصنعه خمراً » (1)مع ما ورد من التشدید فی أمر الخمر و اللعن علی أصنافه ، حتّی غارس العنب ، و الحارس ، و الحامل ؛ لکونهم أعواناً علی هذا الحرام الخبیث ، أ فلا یکون البیع ممّن یعلم أنّه یجعله خمراً إعانة علی ذلک ؟ !

إنّ هذا لا یعقل صدوره من المعصومین علیهم السلام ، و لو فرضنا أنّ هذه هی حیلة للفرار عن الربا ، فلا أقلّ من أنّها خلاف فرض العلوّ الأخلاقی فیهم علیهم السلام کیف یمکن ممارستها من قِبل الإمام علیه السلام ؟ باعتبار أنّ الإمام علیه السلام یمهل فی الأجل مقابل البیع المحاباتی ؟ کما فی روایة مسعدة .

هذا کلّه فی الربا القرضی .

و أمّا الروایات فی التخلّص عن الربا المعاملی ، فهی و إن کان یوجد فیها صحاح ، إلّا أنّ الخدشة فیها دلالیّة .

أوّلاً : إنّها واردة فی بیع الصرف فقط ، لا فی مطلق البیوع ، و إنّما خصّت بالصرف ؛ لأنّ النقود کانت - قدیماً - من المکیل و الموزون .

ثانیاً : إنّها لم ترد فی مطلق بیع الصرف ، بل فی نوع خاصّ منه ، و هو البیع الذی لا یکون فیه ربا حقیقی من الناحیة الاقتصادیّة ، بل الشارع جعله رباً فهو رباً تعبّدی ، و هذا الربا التعبّدی یتحایل علیه بأخبار الضمیمة ، فتلک الأخبار لیست حیلة لجمیع الربا المعاملی .

فإنّ الروایات وردت فی بیع دراهم وضحیّة - و هی الصحیحة - بدراهم مغلولة - أی مغشوشة - فیبیع - مثلاً - عشرة دراهم وضحیّة بعشرین درهماً غلّة ، و هذا فی الواقع لیس رباً حقیقیاً ؛ لأنّ قیمتها الاقتصادیّة هی کذلک ، للفرق بین الصحیح و المغشوش ، لکنّ الشارع جعل هذا النوع من البیع رباً أیضاً ، و جعل أیضاً بجانبه حیلة للتخلّص

ص:89


1- 1) ب 59 / أبواب ما یکتسب به / 6 .

منه ، و ذلک بجعل الضمیمة .

و بعبارة اخری : أنّ هذه الحیلة لیست - فی الواقع - تخلّصیّة ؛ لأنّها واردة فی مورد لیس هو فی الواقع رباً حقیقیّاً ، فإنّ الدراهم الدمشقیّة و الشامیة کانت دراهم خالصة غیرها کانت مغشوشة ، و هذا لیس رباً حقیقیاً ؛ لأنّ المغشوش خمسة عشر منها یقابل عشرة خالصة ، فالشارع تعبّدنا بأنّ التفاضل فی المکیل و الموزون - مطلقاً - رباً أیضاً ، کالمعاوضة بین الحنطة الخالصة و الحنطة الممزوجة بالتراب ، فهو رباً تعبّدی و یمکن أن یخصّصه الشارع .

أقول : و فی الجمیع نظر .

1 - أنّه لیس کلّ الروایات تنتهی إلی محمّد بن إسحاق بن عمّار ، بل توجد فی نفس الباب روایة عبد الملک بن عتبة و روایة مسعدة بن صدقة و روایة سلیمان الدیلمی (1).

و روایة « سلیمان » و إن کان مرسلة ، و لکن روایة مسعدة موثّقة ، و روایة عبد الملک أیضاً موثّقة ؛ لأنّ الظاهر أنّ عبد الملک هذا هو النخعی الصرّاف الموثّق ، لا الهاشمی غیر الموثّق - و إن کان حاله علی أیّة حال حسناً - بمناسبة أنّ الروایة فی مورد الصرف ، و هذا هو مهنة النخعی .

مضافاً إلی أنّ الإطلاق ینصرف إلی النخعی الصرّاف الثقة ، الذی هو صاحب کتاب .

2 - أنّ الرجالیّین لم یذکروا أنّ « محمّد بن إسحاق » واقفی ، بل وثّقه النجاشی و ذکر أنّ له کتاباً ، فی الروایة مشهور ، و عدّه من أصحاب الإجماع کصفوان و ابن أبی عمیر یروون عنه .

و أمّا شبهة الوقف فی حقّه فنشأت من کلام الصدوق رحمه الله فی عیون أخبار الرضا علیه السلام ، فإنّ أبا جعفر بن بابویه روی عن علیّ بن أحمد بن محمّد بن عمران

ص:90


1- 1) الأحادیث 5 و 3 و 7 .

الدقّاق ، عن محمّد بن أبی عبد اللّه الکوفی ، عن جریر بن حازم ، عن أبی مسروق ، قال : « دخل علی الرضا علیه السلام جماعة من الواقفة فیهم علیّ بن أبی حمزة البطائنی و محمّد ابن إسحاق بن عمّار ، و الحسین بن مهران ، و الحسن بن أبی سعید المکاری . . . » الحدیث (1).

و فیه : أوّلاً : إنّ الروایة ضعیفة لا یمکن الاستدلال بها علی شیء ، فإنّ فی سندها « جریر بن حازم » ، و هو مجهول .

ثانیاً : أنّ الصدوق لم یرمه بالوقف ، و احتُمل أنّ لسان(فیهم)غیر لسان(منهم).

فإنّ الثانی یدلّ علی أنّه من الواقفیّة ، و لکن الأوّل - و هو المذکور فی متن الروایة - قد یکون بمعنی الثانی ، و قد یکون بمعنی « أنّه دخل معهم » ، فیکون من جملة الداخلین علی الإمام علیه السلام .

ثالثاً : إنّ « محمّد بن إسحاق » روی عن الإمام الکاظم و الإمام الرضا علیهما السلام ، و روی عنه محمّد بن أبی عمیر کثیراً .

و عدّه المفید ممّن روی النصّ علی الإمام الرضا علیه السلام ، و أنّه من خاصّة الإمام الکاظم علیه السلام و ثقاته و أهل الورع و العلم و الفقه من شیعته (2) .

و کذا عدّه ابن شهرآشوب من رواة النصّ علی الإمام الرضا علیه السلام (3) .

3 - کیف یمکن أن یکون « علیّ بن حدید » واقفیّاً ، مع أنّه روی عن الإمام الرضا علیه السلام (4) ، و عن الإمام أبی جعفر الثانی علیه السلام ؟ (5)

ص:91


1- 1) العیون 2 / ب47 / دلالات الرضا علیه السلام / ح20 .
2- 2) الإرشاد / باب ذکر الإمام القائم بعد أبی الحسن الثالث علیهما السلام / فصل فی من روی النصّ عن الرضا علیه السلام .
3- 3) المناقب 4 / باب إمامة أبی الحسن علیّ بن موسی الرضا علیه السلام فی فصل « فی المفردات » .
4- 4) التهذیب 5 / ح1483 و الاستبصار 2 / ح1179 .
5- 5) الکافی 4 / ک 3 / ب208 / ح2 .

و روی عنه « ابن أبی عمیر » أیضاً (1).

4 - إنّ أخبار العینة لا تنحصر بما ورد فی الباب(9)من أبواب أحکام العقود ، بل هی موجودة فی الباب(5)إلی(8)من تلک الأبواب و هی مستفیضة ، نذکر بعضها فیما یلی : فإنّ فکرة العیّنة هی عملیّة اقتصادیّة رائجة أقرّها الأئمّة علیهم السلام ، و لیست هی نفس الربا القرضی .

و إلیک نصّ بعض تلک الأخبار :

منها : ما رواه عبد اللّه بن جعفر فی قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن ، عن جدّه علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام : قال : « سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم ، ثمّ اشتراه بخمسة دراهم ، أ یحلّ ؟ قال : إذا لم یشترط و رضیا فلا بأس .

و رواه علیّ بن جعفر فی کتابه ، إلّا أنّه قال : « بعشرة دراهم إلی أجل ثمّ اشتراه بخمسة دراهم بنقد » (2) .

و منها : ما رواه بکار بن أبی بکر ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی رجل یکون له علی الرجل المال ، فإذا جاء الأجل قال له : بعنی متاعاً حتّی أبیعه فأقضی الذی لک علَیَّ ، قال : لا بأس » (3) .

و منها : ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : « الرجل یجیئنی یطلب المتاع فاُقاوله علی الربح ، ثمّ أشتریه فأبیعه منه ، فقال : أ لیس إن شاء أخذ و إن شاء ترک ؟ قلت : بلی ، قال : فلا بأس به » ، الحدیث (4) .

ص:92


1- 1) التهذیب 7 / ح1171 و الاستبصار 3 / ح575 .
2- 2) ب 5 / أبواب أحکام العقود / 6 .
3- 3) ب 6 / الأبواب المتقدّمة / 6 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن بکّار بن أبی بکر .
4- 4) ب 7 / الأبواب المتقدّمة / 3 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .

و أخبار العیّنة موجودة لدی العامّة ، فبعضهم یقرّ بها و بعضهم یبطلها (1).

فی فکرة العیّنة و توسّط البیعین ، ذهب المشهور إلی أنّه فی البیع الأوّل لا یصحّ اشتراط البیع الثانی ؛ للنصّ الصحیح - و هی صحیحة علیّ بن جعفر (2) - و لوجوه اعتباریّة عقلیّة معاملیّة ، کالدور و عدم القصد ، و لکنّ المتأخّرین لم یرتضوا بتلک الوجوه و استندوا فی ذلک إلی النصّ فقط .

ص:93


1- 1) اختلف العامّة فی حکمها ، فقد ذهب أبو حنیفة و مالک و أحمد إلی عدم جواز هذا البیع(القوانین الفقهیّة / 171)، و نقل الشافعی جواز ذلک(المغنی : 256/4). العیّنة بیع السلعة بثمن إلی أجل ثمّ شراؤها من المشتری بأقلّ من ذلک الثمن .(الموسوعة الفقهیة 72/22 ، إصدار وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامیّة / الکویت). العیّنة فی اللغة : السلف ، یقال : اعتان الرجل : إذا اشتری الشیء بالشیء نسیئة أو اشتری بنسیئة ، و قیل لهذا البیع « عینة »؛ لأنّ مشتری السلعة إلی أجل یأخذ بدلها(من البائع)عیناً ، أی نقداً حاضراً . و قیل : سمّی بیع العیّنة؛ لأنّه من العین المسترجعة أو لإعانة أهلها للمضطرّ علی تحصیل مطلوبه علی وجه التحیّل بدفع قلیل فی کثیر(الموسوعة الفقهیّة 95/9). و فی الاصطلاح الفقهی عرّفت بتعاریف : 1 - هی بیع العین بثمن زائد نسیئة لیبیعها المستقرض بثمن حاضر أقلّ لیقضی دینه .(ردّ المحتار 279/4). 2 - أن یبیع شیئاً من غیره بثمن مؤجّل و یسلّمه إلی المشتری ، ثمّ یشتریه بائعه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقلّ من ذلک القدر .(نیل الأوطار 207/5)، و قریب منه تعریف الحنابلة . 3 - عرّفها المالکیّة بأنّها بیع من طلبت منه سلعة قبل ملکه إیّاها لطلبها بعد أن یشتریها . 4 - و یمکن تعریفها بأنّها قرض فی صورة بیع لاستحلال الفضل . و أشهر تفسیر للعینة هی أن یبیع سلعة بثمن إلی أجل معلوم ثمّ یشتریها نفسه نقداً بثمن أقلّ ، و فی نهایة الأجل یدفع المشتری الثمن الأوّل و الفرق بین الثمنین فضل هو ربا للبائع الأوّل و تؤول العملیّة إلی قرض عشرة لردّة خمسة عشر و البیع وسیلة صوریّة إلی الربا .(الموسوعة الفقهیة : 96/9).
2- 2) ب 5 / أبواب أحکام العقود / 6 .

و فائدة هذا القید أنّه لا یکون البیع صوریاً ، بل هو أقرب إلی البیع الحقیقی ، فهو بعید عن الربا .

و أمّا غیر المشهور ، فیجوز عنده اشتراط ذلک فی البیع الأوّل ، و علی هذا تکون صورة البیع هزلیّة واضحة ، و علی هذا القول تکون الصورة حیلةً تخلّصیّة صریحة ، و أمّا علی مبنی المشهور فلا تکون حیلة صریحة ، حیث أنّ إیقاع البیع الثانی متزلزل ، فلا اطمئنان فی هذا الطریق للوصول إلی الفائدة ، فهو أبعد عن الربا .

5 - و أمّا الخدشة فی الأخبار التخلّصیّة عن الربا القرضی - بأنّه کیف یمکن ارتکاب تلک الحیلة من الإمام العارف بآفات الربا ؟ فهو خلاف اصطناع المعروف و علوّه الأخلاقی - . فمدفوعة : بأنّ الإشکال یأتی لو کان الإمام علیه السلام هو المقرض و المستفید من الإنساء ، و لا یحکی المعصوم علیه السلام عن والده المعصوم علیه السلام أنّه هو أنسی المقترض مقابل البیع المحاباتی لنفه المعصوم علیه السلام ، بل إنّما هو طلب النسیئة من الدائن مقابل أن یبیع بیعاً محاباتیّاً ، فالدائن یأخذ الفائدة لا الإمام المدین ، و إرجاع الفائدة إلی الطرف الآخر أمر مستحبّ ، و هاهنا شبیه به .

و الشاهد علی أنّ الإمام علیه السلام فی مفروض الروایة هو المدین أمران :

أ- مورد سؤال السائل هکذا : « فلما حلّ علیه المال لم یکن عنده ما یعطیه أن یقلب علیه و یربح » (1).

و جواب الإمام علیه السلام کان فی قبال هذا السؤال : « قال : لا بأس بذلک » .

ب - قوله علیه السلام فی ذیل نفس الروایة : « قد فعل ذلک أبی و أمرنی أن أفعل ذلک فی شیء کان علیه » .

فإنّ کلمة « علیه » قرینة واضحة علی أنّ الإمام علیه السلام هو المدین لا الدائن .

نعم ، یمکن إثارة الخدشة فی الهبة بشرط الإنساء ، فإنّ البیع المحاباتی و تأجیل

ص:94


1- 1) ب 9 / أبواب أحکام العقود / 3 .

الدین - الثابت بواسطة بیع محاباتی یشترط فیه الإنساء - لا إشکال فیه ، و لکن لا یمکن تصوّر ذلک فی الهبة بشرط الإنساء بمعنی أن یهب عیناً بشرط الإنساء .

و منشأ الإشکال أنّ مورد ربا النسیئة هو دفع الزیادة مقابل الإنساء بحیث یصیر التعاوض بین الزیادة و نفس الإنساء ، و هذا هو مورد نزول الآیة أیضاً ، فإنّ الإنساء فی الجاهلیّة کان إمّا بنحو أن یؤخّر مباشرة بفائدة ، بقوله : أ تربی أم تقضی ؟ و إمّا أن یعطیه هدیة فی مقابل الإنساء ، فإنّ الهبة هی إعطاء مجّانی ، فإذا کانت بشرط الإنساء فکأنّما تقع المعاوضة بینها و بین الإنساء ، و حیث أنّ الإیهاب و الهبة لا مالیّة له إلّا بلحاظ الموهوب ، فالمعاوضة فی الحقیقة وقعت بین المال الموهوب و بین الإنساء ، و هو مورد ربا النسیئة .

و أمّا فی البیع بشرط الإنساء ، فلا یرد الإشکال ؛ لأنّه یوجد مبیع و ثمن و إنساء معهما ، و کذلک فی الإجارة المحاباتیّة بشرط الإنساء ، فإنّ طرف الإنساء هو نفس عقد الإجارة لا مال الإجارة ، و کذلک فی الهبة بشرط القرض ، فإنّ فیه یقع التعاوض بین عقدین کمعاملة فوقانیّة .

6 - و أمّا ما ذکره فی أخبار الضمیمة - من أنّها مختصّة بموارد الربا التعبّدی لا الحقیقی - فمدفوع بما ورد فی ذیل صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة :

« إنّ أبی کان أجرأ علی أهل المدینة منّی ، فکان یقول هذا فیقولون : إنّما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدینار لم یعط ألف درهم ، و لو جاء بألف درهم لم یعط ألف دینار ، و کان یقول لهم : نِعْم الشیء الفرار من الحرام إلی الحرام » (1).

و بما ورد فی صحیحته الاُخری - المتقدّمة - أیضاً : « و اللّه إنّا لنعلم أنّک لو أخذت دیناراً و الصرف بثمانیة عشر فدرت المدینة علی أن تجد من یعطیک عشرین ، ما وجدته ، و ما هذا إلّا فرار ، فکان أبی یقول : صدقت و اللّه ، لکنّه فرار من باطل

ص:95


1- 1) ب 6 / أبواب الصرف / 1 .

إلی حقّ » (1).

فإنّه واضح أنّ موردهما لیس الربا التعبّدی فقط ، أی لیس بین الدراهم الصحیحة و المغشوشة ، بل یعمّ الربا الحقیقی أیضاً . و من الواضح أنّ الدینار لا یقابل ألف درهم غلّة حتّی یصیر من موارد الربا التعبّدی ، فهو حیلة و لیس بمعاوضة مبتدئة ، و لذا قال علیه السلام : « هذا فرار » .

تنبیه : لا شکّ أنّ بیع العیّنة أو البیع بشرط القرض لیس ربویّاً صریحاً ؛ لأنّ المعاملة المزبورة تکون جدّیة لا هزلیّة ، فتلک المعاملة حیث أنّها تؤدّی إلی الفائدة المتوخّاة فی الربا ، فالربا فیها متستّر و خفیّ ، و هذا شاهد علی أنّ المحرّم هو الربا الصریح لا المتستّر .

ثمّ إنّه وقع البحث فی أنّ تلک الحیلة هل هی علی مقتضی القاعدة أم هی تعبّدیّة ؟

فالقائل بأنّها تکون علی القاعدة یقول : فی بیع « ألفین » من الدرهم ب « ألف » درهم و« دینار واحد » یقابل « ألف » درهم ب « ألف » درهم ، و کذا یقابل « ألف » درهم آخر ب « دینار واحد » فکأنّما بیعان فی بیع واحد .

فکلّ عوض یذهب إلی عوض مقابل وفقاً لمقتضی القاعدة .

و فیه : أوّلاً : إنّه فی التناسب المالی کیف یقابل دینار واحد بألف درهم ؟ غایة الأمر یقابل بعشرین درهماً لا بألف درهم ، فإذن تصیر المعاملة سفهیّة .

و یلاحظ علیه : أنّ المعاملة من تلک الجهة تکون سفهیّة و لکن فیها أغراض اخر عقلائیّة ، مضافاً إلی أنّ معاملة السفیه باطلة لا المعاملة السفهائیّة .

ثانیاً : لازم تلک الدعوی أنّ المشتری یقصد تلک المقابلة : « الألف » ب « الألف » و« الدینار » ب « الألف » مع أنّ القصد لیس بموجود و لا فی الروایات منه أثر .

ثالثاً : فی البیوع المنحلّة إلی بیعین - مثلاً - کلّ طرف مشروط بطرفه المقابل ،

ص:96


1- 1) ب 6 / أبواب الصرف / 2 .

و هذا الاشتراط بالقیاس إلی بیع « الألف » ب « الدینار » - بحیث یکون هذا هو البیع الأوّل اشترط فیه البیع الثانی ، و هو بیع « الألف » ب « الألف » - لیس فیه إشکال ، و أمّا بالقیاس إلی بیع « الألف » ب « الألف » - بحیث یکون هذا البیع اشترط فیه بیع آخر ، و هو بیع « الألف » ب « الدینار » - ففیه إشکال الربا ؛ لأنّ هذا شرط زائد علی البیع الأوّل ، فیصیر منفعة حکمیّة ربویّة ، فتتبعّض الصفقة فیجیء خیار الشرط .

و قد یقال : إنّ التقابل لیس انحلالیّاً ، بل یقابل المجموع بالمجموع . « الدینار مع الألف » بمجموعه یقابل « الألف مع الألف » بمجموعه ، و فی تلک الإشاعة المجموعیّة لیست هناک زیادة متصوّرة .

و فیه : أنّه مع ذلک إشکال عدم التناسب المالی ، و إشکال الربا باقٍ علی حاله ؛ لأنّ کلّ جزء درهمی - لا محالة - یقابل بجزء درهمی آخر و جزء دیناری ، و الربا یتصوّر إمّا فی الجزء الدرهمی أو فی الجزء الدیناری أو فی کلیهما .

و هذا هو محطّ إشکال العامّة علی تلک الحیلة .

فحینئذٍ لا یمکن القول بأنّ هذه الحیلة تکون علی وفق القاعدة ، بل هی - علی فرض صحّتها - تعبّدیّة محضة .

الإشکال السابع

و هو وجود روایتین علی عدم جواز الحیل التخلّصیّة

فالجواب عنه :

أنّ الروایة الاُولی ، مضافاً إلی ضعف السند ، أنّ دلالتها صریحة فی غیر طریقة العیّنة ؛ إذ هی فی مورد اشتراط البیع الثانی فی الأوّل ؛ و ذلک لقوله علیه السلام : « و هذا الربا ، فإن لم تشتره ردّه علیک » ، و أقرّه السائل علی ذلک ، و قد تقدّم أنّ العیّنة إنّما تصحّ مع عدم الاشتراط ، فلا تعارض أخبار العیّنة کما أنّ دلالتها - أیضاً - تخصّص الإشکال

ص:97

فی الحیلة فی صورة الاشتراط لا مطلقاً .

و أمّا ما فی نهج البلاغة فدلالتها مجملة ، فکیف یعارض بها مدلول الروایات المستفیضة المفصّلة ، و سیأتی أنّ قسماً من البیوع محرّمة ، المصطلح علیها بالبیع الربوی ، و علیه یحمل مفاد الروایة الثانیة .

الإشکال الثامن

و هو أنّ الشارع حرّم الربا فی موارد مع أنّه لیس بربا حقیقی ،

و لکنّ الشارع سدّ هذا الباب من أساسه کی لا یحتال منه إلی الربا الحقیقی(أی ربا القرض)، و هذا شاهد قویّ علی اهتمام الشارع فی التجنّب عن تلک المفسدة ، فکیف نتوصّل إلیها بواسطة الحیل ؟

ففیه أوّلاً : إنّ تلک الموارد قد جعلها الشارع ممنوعة للنصّ الخاصّ ، و أمّا بقیّة الموارد ، فما المانع فیها ؟

ثانیاً : سیأتی فی ربا المعدود أنّ الأصحّ عندنا - تبعاً للمشهور - عدم جریان الربا فیه ، و کذلک فی مختلف الجنسین .

و أمّا مورد البیع بثمنین ، فهو محمول عند المشهور علی أنّه قصد بالبیع الثمن الأوّل ، و قصد الزیادة للتأجیل ، و إلّا لو لم یکن یقصد بالبیع الثمن الأوّل ، بل کان مردّداً فالمشهور لا یفتون بالصحّة لأجل عدم تعیین الثمن .

الإشکال التاسع

و هو أنّ الآیات التحریمیّة ناظرة إلی الحیل التخلّصیّة ،

حیث أنّ أهل الکتاب کانوا فی بدء أمرهم یحتالون حیلاً غیر صریحة فی الالتفاف علی الربا ، ثمّ شیئاً فشیئاً أعلنوا مشروعیّة الربا الصریح ، و هذا أمر تاریخی تذکره التواریخ الاقتصادی .

ص:98

فجوابه :

أنّ هذا کتأیید لا بدرجة الاستدلال ، فإنّه لا إشکال فی أنّ أهل الکتاب قد تدرّجوا فی تحلیل الربا بدءاً من الحیل الضیّقة و المحدودة و وصولاً إلی تحلیله مطلقاً .

و لکن الکلام فی أنّ الذمّ الوارد فی الآیات ما هو محوره و محطّه ؟ فهل هو مطلق لجوئهم إلی الحیل أو هو تحلیل الربا الصریح ؟ الظاهر أنّ محور الذمّ هو الثانی ، و أمّا اللجوء إلی الحیل فَذَمُّه أوّل الکلام .

و ما ورد فی روایاتنا من مذمّة الربا الخفیّ فهو باعتبار أنّه نوع من عدم التخلّق بالآداب و السماحة و الإحسان و العطاء(ربح المؤمن علی المؤمن حرام).

فهذه التعبیرات لیست دالّة علی مذمة تحریمیّة و غایتها المذمّة الأخلاقیّة .

و إلی هنا تمّ الکلام فی الإشکالات العامّة

و خلاصة القول فیها : أنّها مردودة و لا تؤدّی إلی نتائج الربا الصریح و سلبیّاته ، بل قد تؤدّی إلی نشاط اقتصادی و منافسة شریفة بین المتعاملین .

و العجیب أنّ بعض الأعلام المعاصرین مع استشکاله فی مطلق الحیل التخلّصیّة یصرّح بأنّها لا توفّی بأغراض البنوک الربویّة ، و لیست لها نفس مؤدّی الربا علی الصعید الاقتصادی ، فکیف یستشکل بأنّها و لو کانت صورتها صورة المعاملات الاُخری و لکن حقیقتها هی الربا ؟

و نقول : إنّ هذه المفسدة بإطلاقها لیست موجودة فی البین ، و علی فرض وجود إطلاقها لیست ملاک الشارع ، و إنّما الصریح منه هو مقصود الشارع و حِکَمُ الشارع فی الأحکام لیست بلحاظ کلّ فرد من المعاملات ، بل بلحاظ نوع المعاملة ، و نوع المتعاملین ، و نوع لحاظ الاقتصاد الاجتماعی ککلّ مجموعی .

ثمّ بعد ذکر الإشکالات العامّة نشرع فی ذکر أصل الحیل التخلّصیّة و إشکالاتها الخاصّة .

ص:99

ص:100

الحیل التخلّصیّة من الربا

اشارة

ص:101

ص:102

أما عند الخاصة

الحیلة الاُولی البیع أو الشراء أو الهبة بشرط القرض

قال السیّد الخوئی رحمه الله فی المنهاج :

و للتخلّص من ذلک(أعنی : الربا المحرّم فی الاقتراض من البنک الأهلی الإسلامی بشرط الزیادة)الطریق الآتی و هو : أن یشتری المقترض من صاحب البنک أو من وکیله المفوَّض بضاعة بأکثر من قیمتها الواقعیّة 10% أو 20% - مثلاً - علی أن یقرضه مبلغاً معیّناً من النقد .

أو بیعه متاعاً بأقلّ من قیمته السوقیّة و یشترط علیه فی ضمن المعاملة أن یقرضه مبلغاً معیّناً لمدّة معلومة یتّفقان علیها . و عندئذٍ یجوز الاقتراض ، و لا ربا فیه ، و مثل البیع ، الهبة بشرط القرض .

ذکر السیّد رحمه الله - أوّلاً - الشراء بشرط القرض ، ثمّ البیع بشرط القرض ، ثمّ الهبة بشرط القرض .

و الأوّلان مناطهما واحد ، و هو عقد بیع بشرط الاقتراض ، و یکون المقترض فی کلیهما هو العمیل(الزبون)، و المقرض هو البنک و الفائدة التی تؤخذ علی القرض تکون نفس مقدار الزیادة علی القیمة الواقعیّة فی الأوّل ، و مقدار النقصان من قیمته السوقیّة فی الثانی .

و الثالث صورته : أن یهب المقترض إلی البنک شیئاً معیّناً بشرط أن یقوم البنک بإقراضه مبلغاً معیّناً لمدّة معلومة ، یتّفقان علیها ، و یکون الشیء الموهوب بمقدار الفائدة التی یرید البنک أن یأخذ منه .

ص:103

الحیلة الثانیة : الضمیمة

اشارة

قال السیّد الخوئی رحمه الله فی المنهاج :

و لا یمکن التخلّص من الربا ببیع مبلغ معیّن مع الضمیمة بمبلغ أکثر ، کأن یبیع مائة دینار بضمیمة کبریت بمائة و عشرة دنانیر لمدّة شهرین مثلاً ، فإنّه قرض ربوی حقیقة ، و إن کان بیعاً صورة .

أصل الفکرة هی فکرة الضمیمة التی قد أشرنا إلیها سابقاً عند التعرّض لأخبار الضمیمة .

و فی هذه الحیلة خصوصیّات ثلاث :

1 - وجود الضمیمة .

2 - اتّحاد العوضین و العملتین فی الجنس .

و ینبّه بعض تلامذة السیّد أنّ أقلّ اختلاف فی العملتین یؤدّی إلی اختلاف الحکم ، و لو علی نحو أن یکون المبیع(100)دینار بوحدة عملة العشرة ، و یکون العوض (110)دنانیر بوحدة عملة الخمسة .

3 - کون البیع نسیئة لا حالاً .

و السیّد رحمه الله لا یرتضی هذه الفکرة لما سیأتی .

و اعلم أنّ تلک الحیلة اعترض علیها بإشکالات عدیدة من قِبل الأعلام .

ص:104

الإشکال الأوّل الذی ذکره السیّد الخوئی رحمه الله

هو

إنّ هذا العمل صورته صورة البیع ، و لکن حقیقته هو القرض ، فیرجع إلی القرض بشرط الزیادة - حقیقة - فیحرم .

لأنّ قوام کلّ معاوضة - و منها : البیع - بتغایر العوضین و تمایزهما ، بخلاف القرض ، فإنّک تستطیع أن تقرض شیئاً ثمّ تعید و تسدّد الدین بنفس الذی اقترضته ، و أمّا فی البیع فلا بدّ أن یکون المثمن غیر الثمن ، و إلّا لما کان بیعاً ، و فی ما نحن فیه لا مغایرة بینهما ، فإنّ باستطاعة المشتری أن یسدّد للبائع الثمن بعین المثمن(أی نفس المائة التی أخذها مثلاً)فیصیر قرضاً حقیقة ، و یعود المحذور .

هذا و قد تصدّی لدفع هذا الإشکال عدّة من تلامیذ السیّد ، بوجوه :

1 - إنّا نشترط أن یکون الدینار المدفوع بعنوان الثمن غیر الدینار المأخوذ بعنوان المثمن ، لکی یحصل التغایر ، فیصدق البیع .

و فیه : أنّ مراد السیّد الخوئی رحمه الله من أنّ الثمن ینطبق علی نفس المثمن مع زیادة ، هو أنّه یجوز لک أن ترجع نفس المثمن مع زیادة ، لا أن یقع رجوعه بالفعل لکی یدفع بالشرط ، بل صرف أنّه یجوز لک أن ترجعه - بمقتضی ماهیّة هذا التعاقد - فهذا الجواز من خاصیّة القرض و لیست من خاصیّة البیع ، و الشرط لا یغیّر ماهیّة المعاملة .

فمراده أنّ حقیقة القرض - لو خلّی و طبعه - هکذا فلا ینافیه الاشتراط الکذائی ، مثل ما لو اشترطنا فی القرض بأنّک لا تسدّد لی بهذه الدنانیر التی أقرضت لک بل بدنانیر اخری .

فهذا الشرط لا یغیّر حقیقة القرضیّة ، فالمراد أنّه لو لا هذا الشرط لکان بالإمکان - فی ما نحن فیه - أن تدفع نفس الشیء ، و هذه خاصیّة القرض .

2 - أنّه یکفی فی التمایز بین العوضین - فی البیع و سائر المعاوضات - التمایز فی افق الإنشاء ، و إن لم یکن تغایر و تمایز فی افق الدفع و التقابض ، فإنّ الصور الذهنیّة

ص:105

فی افق الذهن - حین الإنشاء - تتعدّد بتعدّد اللحاظ ، فیمکن فرض صورتین من ماهیّة واحدة بواسطة لحاظین . و هاهنا مع افتراض أنّ الماهیّة التی یجری علیها التعامل واحدة - و هی المائة دینار مثلاً - فهی تلحظ بلحاظین ، أحدهما من طرف البائع ، فیسمّی بالتملیک ، و الآخر من طرف المشتری ، و یسمّی بالتملّک ، فبلحاظ الإضافة یحصل التعدّد و التمایز بین العوضین فی صعید الإنشاء .

و فیه : أنّ هذا المقدار من التمایز موجود فی القرض أیضاً ؛ لأنّ القرض هو تملیک مال علی وجه ضمان مثله ، و من البدیهی أنّ ضمان الشیء بمثله متغایر عن ضمان الشیء نفسه ، فإذن یوجد التغایر فی القرض أیضاً علی صعید الذهن ، و لذا یعدّون القرض من المعاوضات أیضاً ، فخاصیّة المعاوضات - و هی التمایز بین العوضین - موجودة فی القرض لنفس هذه النقطة ، أی التغایر فی افق الإنشاء .

و الشاهد علی وجود ذلک التمایز فی القرض هو أنّهم ذکروا أنّ المقرض یستطیع المطالبة بالعوض فی أی وقت شاء ، و یستطیع المقترض أن یسدّد الدین بغیر العین المقترضة ، فإذا ملّک المقرِض المقترض الدنانیر العشرة ، فلا یستطیع المقرض مطالبة نفس العشرة التی أعطاها و دفعها للمقترض ، بل غایة حقّه أن یطالب بتسدید العشرة - کلّیّاً - فی ضمن أی مصداق یرید ، فلو لم یکن الضمان بشیء کلّی لما صدق التسدید علی استیفاء الدین بغیر العین المقترضة . فالعوض فی القرض لیس نفس العین المقترضة ، بل یشمل مثله أیضاً ، و هذا معنی تمایز الطرفین فی باب القرض .

و هذا المعنی لا ینافی لزوم عقد القرض ، فإنّ استطاعة المقرض المطالبة بالعوض فی أی وقت شاء لیس معناه جواز عقد القرض . فإنّ اللزوم فی القرض فسّر بأنّ نفس العین المقترضة لیس من حقّ الدائن أن یطالب بها .

نعم ، له أن یطالب بالعوض ، و هو سداد الدین فی أی مصداق ، فجواز المطالبة من طرف المقرض لا یعنی الرجوع فی العقد علی نحو الرجوع فی العقود الجائزة التی تستوجب إرجاع نفس العین - کما فی الودیعة - بل یفید المطالبة بالعوض و تبرأ ذمّة

ص:106

المقترض الذی له أن یرجع نفس العین أو غیرها ، و لذا لا یعتبر هذا الرجوع فسخاً لعقد القرض .

و تظهر ثمرته فی ما إذا کان فی عقد القرض شروط معیّنة ، فإنّه یجب الوفاء بها حتّی بعد تسدید الدین بنفس العین المقترضة ؛ لأنّ القرض لم ینفسخ و إرجاع العین لیس من باب فسخ العقد ، بل إنّما هو من باب سداد الدین أو الوفاء بغیر الجنس من باب المصالحة فی مقام الإبراء .

فإذن فی القرض التمایز فی افق الإنشاء موجود أیضاً ، فصرف هذا التغایر لا یوجب بیعیّة العمل المعاملی ، فبهذا المقدار لا تنتفی حقیقة القرض فی المقام .

إن قلت : إنّ امتیاز القرض عند البیع هو أنّ القرض و إن کان الضمان فیه بشیء کلّی - لا بنفس العین المقترضة - إلّا أنّ کلّیّة المال الضمانی تکون بنحو تشمل نفس العین المقترضة أیضاً ، بخلاف البیع ، فإنّ کلّیّة العوض لیست بنحو تشمل نفس العین المبیعة .

قلت : و مع ذلک کلّه ، لا یُنفی التغایر فی صعید الذهن فی القرض ؛ لأنّ الکلّی و إن کان یشمل أحیاناً نفس العین المقترضة ، إلّا أنّه من البدیهی وجود التغایر بین الضمان بالمثل بنحو کلّی و الضمان بنفس الشیء و إلّا لم یعدّ القرض من المعاوضة ، بل هو دوران مال و رجوعه ، و الحال أنّ البینونة فی افق الإنشاء موجودة بین نفس العین المقترضة و بین المال المضمون .

3 - ما ذکر من النقض علیه بجواز بیع الدین بأقلّ منه أو بأکثر ، حیث یسمّی بیعاً مع عدم وجود التغایر فی البین (1)، فإنّه ورد فی الروایات جواز بیع فرس بفرسین فی الذمّة ، أعنی بیع القیمی بالقیمی مع الزیادة ، و یجوز أن تدفع نفس الفرس الأوّل مع زیادة - أی الفرس الثانی - من دون أن یغیّر عنوان البیع ، و أن یغیّر الجواز بالحرمة .

ص:107


1- 1) هذا أیضاً للسیّد الصدر رحمه الله فی البنک اللاربوی / 175 .

إذ لو افترض أنّ البیع بالتغایر فلو دفعنا نفس الفرس الأوّل فحینئذٍ لا تغایر فی البین ، فیصیر قرضاً ربویّاً ، و لا بدّ أن یحرّم مع أنّه لم یقل به أحد إلّا العامّة القائلون بحرمة التفاضل حتّی فی المعدودات و الفرس معدود .

و فیه : أنّ بیع الدین بأقلّ منه علی نفس المدین فی الحقیقة إبراء عن القرض (1)،

ص:108


1- 1) إذا بیع الدین بأقلّ منه فهل یرجع المشتری إلی المدین بأکثر ممّا دفع إلی الدائن أم لم یلزم المدین أن یدفع أکثر ممّا بذله المشتری ، ذهب المشهور إلی الأوّل ، و ذهب الشیخ و ابن البرّاج و ظاهر الدروس إلی الثانی ، و یظهر من الفاضلین فی الشرائع و القواعد التوقّف استناداً إلی صحیحة محمّد بن الفضیل ، قال : « قلت للرضا علیه السلام : رجل اشتری دیناً علی رجل ، ثمّ ذهب إلی صاحب الدین فقال له : ادفع(إلیَّ)ما لفلان علیک ، فقد اشتریته منه ، قال : یدفع إلیه قیمة ما دفع إلی صاحب الدین، و برئ الذی علیه المال من جمیع ما بقی علیه » . (ب 15 / أبواب الدین و القرض / 3) و موثّق أبی حمزة ، قال : « سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل کان له علی رجل دین ، فجاءه رجل فاشتراه منه بعوض ، ثمّ انطلق إلی الذی علیه الدین ، فقال له : أعطنی ما لفلان علیک ، فإنّی قد اشتریته منه ، کیف یکون القضاء فی ذلک ؟ فقال أبو جعفر علیه السلام : یردّ الرجل الذی علیه الدین ماله الذی اشتری به من الرجل الذی له الدین » .(ب 15 / أبواب الدین و القرض / 2) و الاُولی الأصرح من الثانیة؛ إذ قد یظهر من الثانیة عدم صحّة بیع الدین علی غیر من علیه ، کما ذهب إلی ذلک ابن إدریس و المشهور لم یعملوا بهما استضعافاً للطریق أو لمخالفة مضمونهما للاُصول و القواعد المقرّرة ، و من ثمّ حملوا مضمونها - کما فی المختلف - علی الضمان ، فلا یرجع الضامن المعبّر عنه بالمشتری إلّا بما غرم و الزائد قد أبرأه الدائن ، أو علی حوالة الدائن المشتری علی المدیون لاستعادة الثمن بعد کون البیع فاسداً ، و یبرئ المدیون ممّا علیه بقدر الحوالة ، و یدفع الباقی من الدین للدائن . هذا و لو ارید الجمود علی الظهور الأوّلی للروایتین لم یستقم المفاد؛ و ذلک لأنّ البیع للدین إن کان صحیحاً ، فالمشتری قد ملک تمام الدین الذی للدائن علی المدیون ، فعدم استحقاقه لتمامه إمّا لأجل الربا القرضی أو الربا المعاوضی ، و أمّا الثانی فغیر مطّرد فی کلّ الدیون و هو الذی أشکل به ابن إدریس علی الشیخ ، و أمّا الأوّل فلم یفرض فی مورد السؤال باستئذان

و أمّا بأکثر منه علیه ، فالکثیر یستشکلون فیه باعتبار أنّه قرض ربوی حقیقة ، و إن کان بیعاً صورة .

مضافاً إلی أنّ القیمی لا یشخّص إلّا بالصفات و الخصوصیّات ؛ لأنّ کلّ قیمی له

ص:109

قیمة خاصّة ، و فی القیمی إذا لم یتشخّص فبیعه باطل . فلا بدّ من التعیین فی بیع القیمیّات .

و تعیین کلّ فرد بصفاته الخاصّة یوجب التغایر بین الأفراد ، فصحّة بیع القیمیّات متوقّفة علی التغایر و التمایز بین الثمن و المثمن و لو علی صعید الإنشاء و إن لم یتغایرا فی مقام التقابض من جهة الصلح أو غیره ، و حینئذٍ دفع الفرس الأوّل بعنوان الثمن ، و إن کان صحیحاً فی مقام التقابض ، إلّا أنّه غیر صحیح فی مرحلة الإنشاء ، و لا بدّ فی الإنشاء أن یتغایر العنوانان .

4 - النقض علیه ببطلان الربا المعاوضی نظیر بیع کیلو من الحنطة بکیلو منها نسیئة ؛ إذ لو کان هو قرضاً حقیقة من جهة إمکان دفع نفس الحنطة الاُولی ، فلا بدّ أن یکون جائزاً ، لا باطلاً لعدم الزیادة فی البین ، و لا بأس بالنسیئة فی القرض .

مع أنّ السیّد الخوئی رحمه الله - نفسه - و المشهور أفتوا بالحرمة ؛ لأنّه بیع ربوی ، و التفاوت الحکمی موجود هاهنا فی بیع المکیل بالمکیل .

و أمّا الالتزام بصحّته - لإرجاعه إلی القرض - کما التزم به بعض أعلام العصر من تلامذة السیّد ، فمخالف لفتوی الکلّ .

و فیه : أنّ القول بالحرمة لیس نقضاً علی السیّد رحمه الله ، بل هو مؤیّد له ، حیث أنّ سرّ تحریم الربا فی بیع المکیل أو الموزون هو منع إمکان الوصول إلی ربا النسیئة من هذا الطریق ، فإنّهم کانوا یتوصّلون إلی ربا النسیئة بالمکیل و الموزون فی صورة البیع ، و لکن کانت حقیقته الاستزادة فی الدین التی یتوصّل إلیها عبر العملة الرائجة - تارة - و عبر المکیل و الموزون - اخری - فحرّمه الشارع لأنّه فی الباطن و الواقع قرض ، فعدم التزام السیّد رحمه الله بالصحّة فی محلّه ، و هذا مؤیّد لنظریّته لا مناقض .

و أمّا علی القول بأنّ الزیادة الممنوعة فی الربا المعاوضی إنّما هی الزیادة العینیة و الإنساء من قبیل الزیادة الحکمیّة ، و حینئذٍ لو لم نُرجع هذه المعاملة إلی القرض ، بل نُقرّ بأنّها بیع ، فهی مع ذلک صحیحة لعدم حرمة الزیادة الحکمیّة فی البیع

ص:110

و سائر المعاوضات .

5 - النقض ببیع العرایا و المزابنة و المحاقلة .

بیع العرایا هو أن یبیع رطب النخلة بتمر معیّن من نفس الرطب ، و هو بیع صحیح عند الأکثر (1)مع أنّه لا تمایز فیه بین العوضین ، و بیع المزابنة هو بیع ثمرة النخل بتمر -

(1)العریّة - لغةً - : النخلة یعریها صاحبها غیره لیأکل ثمرتها فیعروها - أی یأتیها - أو هی النخلة التی أکل ما علیها . یقال : استعری النّاس ، أی: أکلوا الرطب .(المصباح المنیر و القاموس المحیط).

هی فی الأصل عطیّة ثمر النخل دون الرقبة . کانت العرب فی الجدب تتطوّع بذلک علی من لا ثمر له .(نیل الأوطار 200/5).

عرّف الشافعیّة بیع العرایا بأنّه : بیع الرطب علی النخل بتمر فی الأرض أو العنب فی الشجر بزبیب فی ما دون خمسة أوسق بتقدیر الجفاف بمثله .(شرح المنهاج للمحلّی 238/2)و عرّفه الحنابلة بأنّه : بیع الرطب فی رءوس النخل خرصاً بما له یابساً بمثله من التمر کیلاً معلوماً لا جزافاً(الشرح الکبیر فی ذیل المغنی 152/4).

فهذا البیع جائز فی الجملة عند جمهور العامّة : مالک و الشافعی و أحمد و إسحاق و ابن المنذر .

(الشرح الکبیر 152/4)، و لکنّ الحنفیّة - و کذا مالک فی التحقیق - لم یستجیزوا بیع العرایا .

(رسائل ابن عابدین : 109/4).

1 - « المزابنة » مأخوذ من الزَّبن ، و هو فی اللغة : « الدفع » لأنّها تؤدّی إلی النزاع و المدافعة بسبب الغبن(الموسوعة الفقهیّة 39/9 ، إصدار وزارة الأوقاف الکویتیّة)و هو بیع الرطب علی النخل بتمر(الموسوعة الفقهیّة 72/22).

بیع المزابنة : عرّفه الجمهور بأنّه بیع الرطب علی النخیل بتمر مجذوذ مثل کیله خرصاً و تقدیراً؛ و ذلک بأنّ یقدّر الرطب الذی علی النخل بمقدار مائة صاع مثلاً بطریق الظنّ و الخرص ، فیبیع بقدره من التمر .(رسائل ابن عابدین 109/4).

و عرّفه بعض المالکیّة بأنّه بیع مجهول بمعلوم - ربوی أو غیره - أو بیع مجهول بمجهول من جنسه .(الشرح الکبیر 60/3)، أو بیع شیء رطب بیابس من جنسه ، سواء أ کان ربویّاً أم غیر ربوی .(القوانین الفقهیّة : 168)و بیع العرایا من المزابنة .(الموسوعة الفقهیّة 51/22)، و اتّفق الفقهاء علی أنّ المزابنة فاسدة .(الموسوعة الفقهیّة 140/9).ل

ص:111


1- 1)

مجذوذ مثل کیله خرصاً ، و بیع المحاقلة هو بیع الحنطة فی سنبلها بحنطة مثل کیلها خرصاً . و هذان البیعان و إن کانا فاسدین و باطلین شرعاً 1 ، إلّا أنّه لا کلام فی صحّة إطلاق لفظ البیع علیهما 2 ، و هذا یعنی أنّ التمایز بین العوضین غیر مأخوذ فی حقیقة البیع . (1)

نعم ، أجاب بعض مشایخنا عنه بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة و المجاز ، فهو بیع صورة و مجازاً و نوع معاملة صحّحها الشارع فی العرایا دون البواقی .

و لکن لا نری وجداناً أثراً من مئونة المجاز فی إطلاق لفظ البیع علیه ، فهو استعمال حقیقی .

و تحقیق الکلام فی هذا الإشکال النقضی یستدعی الرجوع إلی معرفة حقیقة البیع ، فهل هی مبادلة مال بمال ، و تملیک بتملیک ؟ أو هی مطلق المقابلة بین المالین و أن یکون هذا بإزاء ذلک ؟

و الذی یظهر من السیّد الیزدی و المحقّق الأصفهانی رحمهما الله هو أنّ البیع یستعمل فی موارد لا یمکن أن یراد منه معنی المبادلة ، بل یراد منه مطلق المقابلة ، کبیع العین الموقوفة ، فإنّ المسجد لا یمتلک الثمن ، بل یصبح وقفاً أو تحریراً علی المسجد ، من دون أن یحتاج إلی صیغة وقف جدیدة ، فنفس البیع و الشراء موجب لتحریر ذلک الشیء المشتری ، و کذلک فی بیع الدین علی من هو علیه ، فهو بیع حقیقة ، مع أنّه یفید فائدة الإبراء ، فکیف هو تملیک ؟

و إذا کان البیع مطلق المقابلة فیمکن حینئذٍ مقابلة الکلّی بفرده أو بجزئه أو بنفسه ،

ص:112


1- 1) لا أمّا « المحاقلة » ففی اللغة : بیع الزرع فی سنبله بالبرّ أو بحنطة .(المصباح المنیر)، و فی الاصطلاح : بیع الحنطة فی سنبلها بحنطة صافیة من التبن ، مثل کیلها خرصاً .(الموسوعة الفقهیّة 72/22). 2 - نهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن بیع المزابنة و المحاقلة .

و التمایز بهذا المقدار یکفی فی البیع ، فاتّضح أنّ هذا الإشکال النقضی وارد علی السیّد الخوئی رحمه الله .

6 - و هو المختار ، أنّ القرض من المعاوضات ، کالبیع و المعاوضة ، لا بدّ فیها من التمایز بین العوضین ، فهذا التمایز خاصیّة المعاوضات و تلک الخصوصیّة ، کما هی موجودة فی البیع موجودة فی القرض أیضاً ، و لکن فی القرض یمکن دفع نفس المال المقترض ، و هذا لا ینافی المعاوضیّة ؛ لأنّه حقّق فی محلّه أنّ الاقباض هو معاوضة ساذجة جدیدة .

فحین ما أخذ المقترض عشرة دنانیر قرضاً ، ثبت فی ذمّته کلّی عشرة دنانیر ، مع أنّ الدائن ملّکه عشرة دنانیر شخصیّة ، فهما متغایران ، أحدهما شخصی و الآخر کلّی ، و لکن حین ما یسدّد المدین للدائن ربّما یدفع نفس العشرة دنانیر التی اقترضها ، و هذا المدفوع لیس نفس العوض ، و إنّما هو إقباض الکلّی بالشخصی ، و هو معاوضة اخری ، لا أنّه عین العوض فی المعاوضة الاُولی ، فظهر أنّه لیست خاصیّة القرض اتّحاد العوضین ، بل هو من حیث أنّه معاوضة لا بدّ فیه من التمایز . غایة الأمر فی مقام التقابض تجری معاوضة اخری عکس المعاوضة الاُولی .

فتحصّل أنّ إشکال السیّد الخوئی رحمه الله علی حیلة الضمیمة غیر صحیح .

الإشکال الثانی الذی طرحه الشهید الصدر

هو :

إنّ بیع مائة دینار - بضمیمة کبریت - بمائة و عشرة دنانیر لمدّة شهرین مثلاً ، فی الحقیقة و بحسب الارتکاز العرفی قرض قد البس ثوب البیع ، فیکون من القرض الربوی المحرّم ؛ لأنّ المائز بین القرض و البیع هو أنّ فی القرض ینظر المتعاقدان إلی مالیّة الشیء ؛ لأنّ القرض هو تبدیل المال الخارجی بمثله فی الذمّة ، و أمّا فی البیع فالنظر متوجّه إلی الصفات و الخصوصیّات الشخصیّة للشیء ، و لذا یقال : البیع مبادلة عین بمال ، و حینئذٍ فإذا وقعت معاملة و کان توجّهها إلی مالیّة الشیء فهو قرض

ص:113

- و إن کانت صورتها بیعاً - و أمّا إذا توجّهت إلی الصفات الشخصیّة فهو بیع ، و حیث أنّ فی بیع العملة بالعملة لا ینظر إلی شخص الورقة النقدیّة و إنّما المعاملة رکزت علی جهة المالیّة من النقود ، لا دیناریّة الدینار مثلاً ، فالمقصود فیه هو المیزان المالی ، فهو قرض عرفاً .

فإنّ لبّ هذا الإشکال توسعة دائرة القرض بحسب الارتکاز العرفی بحیث تشمل تلک المعاملة ، و إن ارید بها البیع - عند المتعاملین - جدّاً و ذلک بادّعاء أنّ العرف لا یرید من کلمة « القرض » إلّا المعاملة التی تؤدّی إلی ذلک النحو من التبدیل الذی قلناه ، و معه فالحیلة حقیقتها القرض العرفی الربوی .

فهذا الإشکال یؤدّی إلی نفس نتیجة إشکال السیّد الخوئی رحمه الله - الذی أشرنا إلیه تحت عنوان الإشکال الأوّل - إلّا أنّ الشهید الصدر رحمه الله یذهب إلیه بادّعاء وجود الارتکاز العقلائی علی أنّ فی القرض النظر و الاهتمام منصبّ علی مالیّة العین ، بینما فی البیع منصبّ علی شخص العین ، و لذلک قالوا بوقوع البیع علی الأعیان لا المنافع ، و فی ما نحن فیه مرکز النظر لیست العملة الورقیّة بذاتها ، بل هی جهة المالیّة المعتبرة فیها .

و هذا الإشکال یصلح أیضاً لمنع بعض الحیل الاُخری .

و فیه : أوّلاً : إنّ بعض الفقهاء عمّم البیع إلی صورة ما إذا کان المقصود هو مالیّة الطرفین ، کما فی بیع العملات ، فحینئذٍ یکون الفرق بین الثمن و المثمّن بأنّ من یبتدئ بطرح ماله هو البائع ، و یکون ماله هو المبیع و المقابل هو المشتری .

ثانیاً : لو سلّمنا أنّ المعاملة التی یکون النظر فیها إلی مالیّة الطرفین لیست بیعاً ، إلّا أنّها غیر داخلة تحت عنوان القرض أیضاً ، بل هی مبادلة خاصّة داخلة فی أوفوا بالعقود - کما ذهب إلیه المحقّق الایروانی فی حاشیته علی المکاسب - و الفارق بینها و بین القرض : أنّ القرض لیس بمبادلة ، بل هو تملیک الشیء علی وجه الضمان بالقیمة الواقعیّة ، فیکون العوض غیر معیّن ، و لذا اختلفوا فی أنّه هل یضمن المقترض

ص:114

العین المقترضة فی یوم القبض أو یوم الدفع أو یوم التلف أو أعلی القیم ؟ بخلاف تلک المبادلة ، فإنّ العوض فیها معیّن مسمّی .

ثالثاً : إنّ هذا الإشکال یورد علی بیع العملة بعملة اخری - أی مع اختلاف الجنس - مع أنّ من الواضح أنّ نظر المتعاقدین لیس إلی المالیّة فقط ، بل یکون نظرهما إلی نفس العملة و خصوصیّاتها من حیث حفظ العملة الخاصّة للمالیّة و القدرة الشرائیّة ،فتحصّل الرغبة فیها ، حیث یأمن من التضخّم الحاصل فی العملات الاُخری ، فیأمن بذلک من سقوط قیمتها ، فهی مرادة بنفسها ؛ لأنّ بعض العملات أحفظ لمالیّة المال ، فإنّ أحد أهداف العملات النقدیّة حفظ المالیّة ، و هذه الخصوصیّة فی بعض العملات منضبطة ، فهی أحفظ و أکثر احتفاظاً فی حفظ المالیّة و بعضها الآخر فیه هبوط دائم و انخفاض مفاجئ ، فالعملات النقدیّة لیست فی حفظ المالیّة علی استواء . فإذن القصد فی المعاوضات کثیراً ما یتوجّه إلی خصوصیّة العملة .

و نظیر ذلک : الزارع الذی یحوّل منتجاته الزراعیّة السریعة التلف إلی منتجات اخری غیر قابلة للتلف ، فیحفظ بذلک مالیّة منتجاته ، و هنا کذلک ، فإنّ تحویل العملات السریعة التغیّر و التی تتعرّض لهبوط مفاجئ إلی عملات تتّصف بالاتّزان و الثبات و قلّة التغیّر من هذا الباب .

فتحصّل أنّ هذا الإشکال - أیضاً - غیر وارد .

الإشکال الثالث

هو بطلان المعاملة بلحاظ غطاء العملة ،

و هو إمّا أن یکون الذهب ، و إمّا أن یکون غیر الذهب من الموارد الطبیعیّة و المنتوجات الوطنیّة ، کالنفط و المعادن مثلاً ، و هی من المکیل و الموزون ، فیکون بیع العملة طریقاً و حاکیاً عن الذهب أو المکیل المخزون ، فیردّ إشکال الربا .

و یؤیّد الإشکال فتوی السیّد الاصفهانی رحمه الله فی الوسیلة ببطلان بیع العملة بالعملة

ص:115

إذا کان بیعها کنقد لا کورق ، فإنّ مالیّة النقود لیست ذاتیّة للنقود ، بل بلحاظ الغطاء فی البنک المرکزی ، و هو الذهب و الفضّة الموجودة فی خزانة الدولة أو المنتوجات الوطنیّة ، فبمقدار مالیّتها تصدر الورقة النقدیّة ، فتکون حیثیّة الغطاء حیثیّة تقییدیّة - أی المالیّة للغطاء - و حینئذٍ تتحقّق مشکلة الربا .

و فیه : أوّلاً : إنّ الإشکال یرد لو کانت العملات تستخدم کوثیقة و لا تکون للأوراق النقدیّة مالیّة ذاتیّة ، و تکون حیثیّة الغطاء حیثیّة تقییدیّة ، و لکن قد بیّنا فی بدایة البحث أنّ الأوراق النقدیّة أصبحت لها مالیّة ذاتیّة و لیست کوثیقة ، و تکون حیثیّة الغطاء فیها حیثیّة تعلیلیة - أی المالیّة لنفس العملة ، و الغطاء علّة لعروض المالیّة علیها (1)- فلا یرجع إلی بیع الصرف - حتّی یجب فیه التقابض فی المجلس ، فتبطل النسیئة - و لا إلی بیع المکیل و الموزون - حتّی یجب فیه عدم التفاضل - .

نعم ، قد تکون العملة فی بعض الأحیان وثیقة ، و ذلک فی العلاقات الدولیّة ،فتملک دولة علی دولة اخری عملتها ، و تحتفظ بها کوثیقة لتطالب بما یقابلها من الغطاء من البنوک العالمیّة أو نفس الدولة المدینة .

و لکن هذا لا یعنی تمحّض العملة فی ذلک ، بل فی عین کونها وثیقة تعتبر لها مالیّة باعتبار آخر ، و لا مانع من اجتماعهما کما فی الرهن ، فهو وثیقة لدَین المرتهن من جهة ، فی عین وجود المالیّة له .

نعم ، الإشکال باقٍ فی تمحّض جانب الوثیقة فی الورقة ، کما فی بعض السندات التی یصدرها البنک ، و لا یکون لها أی مالیّة ، بل یکون وثیقة لأجل استحصال الذهب أو الورق المالی .

و لکن یمکن دفعه بأنّ السندات المزبورة أیضاً ، کوثیقة علی مقادیر من الأوراق

ص:116


1- 1) قد أوضحنا البحث فی مالیّة النقود بنحو أدقّ و مفصّل بحسب معطیات تخصّص علم المال فی الجزء الآخر من تکملة المسائل المستحدثة عند البحث عن ضمان المالیّة فی التضخّم .

النقدیّة لا علی الغطاء . نعم ، هناک سندات اخری بنکیّة متداولة بین الدول کوثیقة علی الغطاء .

ثانیاً : إنّ الوضع الاقتصادی - الآن - یختلف عمّا قبله ؛ و ذلک لأنّ الغطاء کان فی الستّینات و قبلها هو الذهب وحده ، فیرد الإشکال ، إلّا أنّه مع تطوّر علم النقد و المال صار الغطاء النقدی هو جملة من الموارد الطبیعیّة و المنتوجات الوطنیّة ، کالذهب و الفضّة و النفط و الخدمات المشترکة الوطنیّة و غیرها ممّا یبتنی علیها اقتصاد الدول ، فیکون بیع العملة بالعملة هو بیع جملة - من ذهب و نفط و غیرهما - بجملة اخری ، فینصرف کلّ إلی خلافه ، کما فی بیع ذهب و فضّة بذهب و فضّة ، فیجوز التفاضل علی أساس ذلک الانصراف .

نعم ، لو فرض أنّ دولتین کان الغطاء فیهما هو النفط وحده و لا غیر ، فقد یسلّم بالإشکال فی بیع عملتیهما ، حیث یکون من باب بیع المکیل و الموزون ، و لا یجوز التفاضل فیه ، و لکنّه فرض نادر فی زماننا .

هذا ، و لکن یشیر بعض الدراسات الاقتصادیّة إلی وجود نوعین من الغطاء ، أحدهما مباشر ، و الآخر غیر مباشر .

فالمباشر ما زال یتکوّن من الذهب - حتّی فی عصرنا هذا - و غیر المباشر - الذی هو کغطاء للغطاء المباشر - یکون المنتوجات الوطنیّة .

و الشاهد علی ذلک : إنّ الدول إذا أرادت أن تخفض قیمة نقدها أو ترفع قیمته ، فإنّها تقلّل من کمیّة الذهب الموجود فی الخزینة أو تزیده ، و هذا یعنی إنّ الغطاء المباشر للعملة التی تکون العملة حاکیة عنه هو الذهب ، فیبقی الإشکال علی حاله .

و فیه تأمّل ؛ لأنّ المشاهد - الآن - عند دراسة میزانیّة أی دولة أنّ الغطاء المباشر للنقود هو الذهب الموجود فی الخزانة ، و الأشیاء الثمینة الموجودة فیها ، و العملات الصعبة ، هذا کافٍ فی دفع الإشکال فی المقام لیکون ما یجری التعامل علیه من الغطاء مختلفاً ، فعند التبایع ینصرف کلّ إلی خلافه .

ص:117

بقی فی هذا الإشکال نقطة اخری ، و هی أنّه ما هو مقتضی القاعدة عند الشکّ فی أنّ العملة وثیقة أو نقد لها مالیّة ؟ و عند الشکّ فی أنّ الغطاء متمحّض فی الذهب أو تنضمّ إلیه أشیاء اخری ؟

قیل : إنّ مقتضی القاعدة هی الصحّة ؛ لأصالة الصحّة و استصحاب عدم المخصّص لعموم (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) (1)غیر الربا البیعی ، أی ثبت خروج الربا البیعی من هذا العموم بالدلیل فیبقی الباقی .

أقول : و فی کلا الدلیلین نظر : أمّا أصالة الصحّة ، فهی تجری بعد وقوع المعاملة و الشکّ فی الخلل ، لا حین إجراء العقد .

مضافاً إلی أنّ مجری أصالة الصحّة هو احتمال وجود خلل فی العمل ، کعدم الموالاة فی الصلاة ، و عدم صحّة اللفظ فی الإنشاء ، و لا تجری عند الشکّ فی موضوع المعاملة کالشکّ فی ماهیّة نفس المبیع ، هل له مالیّة أو لا ؟

و لا عند الشکّ فی کون العوضین أو المتعاقدین واجدین لشرائط الصحّة ؛ لأنّ دلیل هذا الأصل هو بناء العقلاء ، و ذلک البناء غیر موجود فی هذه الموارد .

و أمّا استصحاب عدم المخصّص فهو لا بدّ أن یکون من باب استصحاب العدم الأزلی ، لا عدم الحالة السابقة ؛ لأنّ العملة إمّا أن تکون وثیقة عند إنشائها و اعتبارها ، أو نقداً لها مالیّة بالذات ، فلیست لها حالة سابقة حتّی تستصحب ، فلا بدّ من استصحاب العدم الأزلی ، و فی جریانه خلاف ، و إن کان الصحیح عندنا جریانه ، و لکن مع ذلک لا یفید فی ما نحن فیه ؛ لأنّ الثابت فی محلّه أنّ جریانه متوقّف علی ما إذا کان المخصّص غیر منوّع للعام ، و أمّا إذا کان منوّعاً للعام فلا یجری .

توضیحه : إذا ورد دلیل مفاده : « یا أیّها الذین آمنوا کُتب علیکم کذا » ، و جاء دلیل مخصّص یُخرج النساء عن العموم ، فلا یکون هذا من باب عموم خرج منه النساء ؛

ص:118


1- 1) سورة البقرة 2 : 275 .

لأنّ هذا المخصّص ینوّع ، و مقتضاه : أنّ النساء وظیفتهنّ کذا ، و الرجال وظیفتهم هکذا ، فیکشف عن أنّ موضوع الدلیل العامّ هو عنوان « الرجال » لا « غیر النساء» ، و«الرجال» و«النساء» موضوعان متباینان و ضدّان ، و فی الضدّین لا یجری استصحاب العدم الأزلی ؛ لأنّ نفی أحد الضدّین لا یثبت وجود الضدّ الآخر .

مثال آخر : إذا ورد دلیل مفاده : « تجب فی کلّ نکاح النفقة ، إلّا فی المتعة » ، فهذا التخصیص یغیّر عنوان العام ، و یضیف له عنواناً وجودیّاً آخر ، و هو : « تجب النفقة فی النکاح الدائم » ، و هذا عنوان وجودی لیس علی حذو « کلّ نکاح لیس بمتعة » .

و أمّا إذا لم ینوّع المخصِّصُ العام ، بل أکسبه قیداً عدمیّاً ، فیجری ذلک الاستصحاب ، کما فی تحدید سنّ الیأس للمرأة ، خرجت منه « القرشیّة » ، فیصبح العام « المرأة غیر القرشیّة » ، و یبقی موضوع العام علی عنوانه مضافاً إلی قید عدمی .

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ المخصّص فی ما نحن فیه ینوِّع العامّ ؛ لأنّ المبیع إمّا أن یکون مکیلاً و موزوناً ، أو معدوداً ، أو مثلیّاً ، أو قیمیّاً ، فغیر المکیل له عنوان وجودی آخر ، فلا ینفع استصحاب العدم الأزلی ، فتأمّل .

فتحصّل : أنّ مقتضی القاعدة فی هذا الشکّ هو أصالة الفساد المقرّرة فی المعاملات فی الشبهة الحکمیّة التی هی عبارة عن استصحاب عدم الانتقال و عدم الأثر .

الإشکال الرابع
اشارة

هو شرطیّة التقابض فی المجلس فی بیع الصرف ،

و محطّ هذا الإشکال هو أنّ أحکام الصرف هل هی مخصوصة بالذهب و الفضّة المسکوکین ، أو أنّ موضوعها مطلق العملة ؟ غایة الأمر کانت العملة فی الزمن السابق الذهب و الفضّة بل إذا تبدّلت العملة من الذهب و الفضّة فالحکم جارٍ علیها أیضاً . فلو قلنا بأنّ أحکام الصرف مختصّة بالذهب و الفضّة المسکوکین فلا توجد شبهة الصرف فی بیع العملة بالعملة لأنّ غطاء الأوراق لیس الذهب و الفضّة فقط ، بل کلّ ما هو منتوج وطنی هو الغطاء ،

ص:119

فلا تجری فیه أحکام الصرف .

و أمّا لو قلنا بأنّ موضوع أحکام الصرف - کشرطیّة التقابض فی المجلس - هو مطلق العملة ، فشبهة الصرف قویّة ، فالنسیئة فیه ممنوعة ، و هناک شواهد علی الاحتمال الثانی ، فیشترط التقابض فی بیع النقود و العملات بما هو نقد ، لا بما هو ذهب .

شواهد التعمیم

1 - إنّه بلا ریب فی الذهب و الفضّة المسکوکین توجد مالیّة ذاتیّة ، و هی مالیّة نفس الذهب و الفضّة ، و مالیّة عرضیّة ، و هی مالیّة السکّة من جهة کونها نقداً ، فإذا کان الذهب موضوع الدلیل بلحاظ النقد ، فکأنّما تلک الصفة العرضیّة هی الموضوع ، لا نفس المعروض .

و هذا التعمیم جار أیضاً فی زکاة النقدین .

2 - إنّ اشتراط التقابض فی المجلس لم یکن بلحاظ کون النقد مکیلاً و موزوناً ، بل لأجل کونه نقداً .

فلذا لو بعت - مثلاً - مائة کیلو حنطة بمثلها کیلاً و جنساً ، و لم یکن نسیئة أو ذهب غیر مسکوک بذهب غیر مسکوک آخر ، و لم یحصل التقابض فی المجلس ، بل حصل بعد یومین ، فإنّه لا یبطل العقد بخلافه فی بیع النقدین - حتّی فی مثل سکّة الذهب بسکّة الفضّة - فإنّه یبطل العقد ، فهذا شاهد علی أنّ موضوع « اشتراط التقابض » هو « مطلق النقدیّة » لا عنوان الذهب .

3 - إنّ بعض الروایات فی هذا الباب أشارت إلی لفظ « النقدین » (1)و دعوی تقییده بخصوص مورده من الذهب و الفضّة لا دلیل علیه ، فإنّ الاستعمال فی مطلق النقد ، فیفهم منه تلک الصفة العارضة لا معروضها ، و إلّا لخصّها بالذِّکر فقط ، و تعبیر الفقهاء

ص:120


1- 1) ب 15 / أبواب الصرف / 6 و 7 و 8 ؛ ب20 / أبواب الصرف / 1 .

ب « النقد » أیضاً فی ذیل روایات الدرهم و الدینار یکون مؤیّداً لکون الموضوع هو « النقد » لا غیر .

مضافاً إلی ما یمکن أن یقال : من أنّ الدرهم و الدینار اسمان لوزن معدن مضروب بالسکّة بقدر المثقال ، فیکونان عنوانین عامّین للنقد المسکوک .

4 - التأیید بحرمة الربا الفضل فی المعدود نسیئة الشامل للنقد من غیر الذهب و الفضّة ، و قد ذهب إلیه الشیخ الطوسی رحمه الله ، و بعض آخر وردت به روایات (1)و قد ذهب إلیه العامّة (2) ؛ إذ قد وردت فی روایات العامّة اشتراط التقابض فی المجلس فی بیع المعدود مع التفاضل و لم یخصّوه بالصرف .

فتلک الشواهد غایة ما تفید هو استظهار التعمیم ، و لم أجد من عمّم شرطیّة التقابض إلی غیر الذهب و الفضّة ، إلّا الشهید الصدر - من باب الاحتیاط - و التزم فی باب الزکاة أیضاً .

و فیه : أوّلاً : إنّ النقود النحاسیّة کانت موجودة فی عصر صدور الروایات ، و لکن لیست فی الأخبار إشارة إلی جریان أحکام الصرف فیها ، فهذا شاهد علی اختصاص الصرف بالذهب و الفضّة دون مطلق العملة .

ثانیاً : إنّ العرف یفهم من الأدلّة الجمود علی الدینار و الدرهم و موضوعیّتهما ، و هذا الفهم موجب للشکّ فی تسریة الحکم لغیر الذهب و الفضّة ، فإنّ أخذ المادة المعیّنة و الهیئة المعیّنة ظاهر فی اشتراطهما معاً ، و لا یمکن رفع الید عنه إلّا بقرینة قویّة و صِرف ادّعاء القرینة الحالیّة لا تکون ملزمة للطرف الآخر .

و ثالثاً : إنّ شرطیّة التقابض مختصّة بالدینار و الدرهم عند المشهور ، و أمّا متأخّری هذا العصر فیعمّمون تلک الشرطیّة لمطلق التعاوض البیعی بین الذهب و الفضّة ،

ص:121


1- 1) ب 17 / أبواب الربا .
2- 2) المغنی لابن قدامة / کتاب البیع / باب الربا و الصرف : 131/4 .

و إن لم یکونا نقدین مسکوکین .

فعلی القول الثانی یکون جلیّاً أنّ التقابض خاصّ بهاتین المادّتین لا بالهیئة من حیث هی هیئة مالیّة نقدیّة .

فتحصّل أنّ الإشکال الرابع أیضاً مندفع .

الإشکال الخامس

قد تعرّضنا له سابقاً فی الإشکالات العامّة من أنّ فکرة الضمیمة وردت فی موارد

الربا التعبّدی لا الربا الحقیقی .

حیث أنّ بیع الدراهم الغلّة المغشوشة بالدراهم الصافیة الوضحة(100 درهم وضح ب 150 درهماً غلولاً)لیس ربا حقیقیّاً ؛ لأنّ الفضّة الموجودة فی الغلول بقدر الفضّة الموجودة فی الوضح ، فحینئذٍ هذا الربا تعبّدی ، فتجویز هذه الموارد یکون علی القاعدة . فالربا تعبّدی و تجویزه أیضاً بالتعبّد ، فالحیل مختصّة بالربا التعبّدی لا الحقیقی .

بخلاف موردنا ، و هو بیع العملة بالعملة ، فإنّه ربا حقیقی لا التعبّدی ، نظیر معاوضة الوضح بالغلول .

و فیه : قد ذکرنا أنّ الروایات تفید بوضوح أنّ منشأ الإشکال لیس تعبّدیّة الربا ، فإنّ الروایات واردة و ناصّة علی الموارد التی لیس فیها تعادل مالی کما مرّ ، فراجع .

الإشکال السادس
اشارة

هو ما اختاره بعض القدماء ،

و تبعهم فی ذلک السیّد السیستانی(حفظه اللّه تعالی) من ثبوت الربا فی بیع المعدود نسیئة ، و أمّا نقداً فلا إشکال فیه .

و استند إلی روایاتٍ تقیّد الروایات المطلقة الدالّة علی جواز بیع المعدود بأکثر منه مطلقاً ، نقداً أو نسیئة .

أمّا الروایات المطلقة فهی کثیرة تنصّ علی أنّه لا ربا إلّا فی ما یکال أو یوزن .

ص:122

کموثّقة منصور ، قال : « سألته عن الشاة بالشاتین ، و البیضة بالبیضتین ، قال :

لا بأس ، ما لم یکن کیلاً أو وزناً » (1).

أمّا الروایات المقیّدة فهی کثیرة :

منها : صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « البعیر بالبعیرین ، و الدابّة بالدابّتین یداً بید لیس به بأس » (2) .

فمفهومه أنّه إذا لم یکن یداً بید(أی نقداً)، ففیه بأس .

و منها : صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه ، قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن العبد بالعبدین ، و العبد بالعبد و الدراهم ، قال : لا بأس بالحیوان کلّه یداً بید » (3) .

و منها : مرسلة علیّ بن إبراهیم ، قال : « و ما عدّ أو لم یکل و لم یوزن فلا بأس به اثنان بواحد ، یداً بید ، و تکره نسیئة » (4) .

و هذه الکراهة بمعنی الحرمة ، و استعمال الکراهة فی الحرمة فی أبواب الربا لیس بنادر ، نظیر ما روی : « إنّ علیّ بن أبی طالب علیه السلام کان یکره أن یستبدل وسقاً

ص:123


1- 1) ب 6 / أبواب الربا / ح5 ؛ ب16 / ح1 . رواه الکلینی ، عن محمّد بن یحیی ، و غیره ، عن محمّد بن أحمد ، عن أیّوب بن نوح ، عن العبّاس بن عامر ، عن داود بن الحصین ، عن منصور . و رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن ابن رباط ، عن منصور بن حازم ، مثله .
2- 2) ب 17 / الأبواب المتقدّمة / ح1 . رواه الصدوق بإسناده عن جمیل بن درّاج ، عن زرارة .
3- 3) ب 17 / أبواب الربا / ح6 . رواه الکلینی ، عن محمّد بن یحیی ، عن عبد اللّه بن محمّد ، عن علیّ بن الحکم ، عن أبان ، عن عبد الرحمن . و رواه الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه ، و رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبان ، مثله .
4- 4) ب 17 / أبواب الربا / ح12 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن رجاله ، عمّن ذکره .

من تمر المدینة بوسقین من تمر خیبر ؛ لأنّ تمر المدینة أدونهما ، و لم یکن علیّ علیه السلام یکره الحلال » (1).

فهذه الروایات صالحة لتقیید المطلقات ، فتکون المحصّلة النهائیّة أنّ بیع المعدود مع الزیادة نقداً لا إشکال فیه ، و أمّا نسیئة فلا یجوز .

أمّا المشهور ، فإنّه قام بالإجابة عن هذا الاستدلال بوجود أدلّة تعارض تلک المقیّدات ، فیتساقطان ، و تبقی الروایات المطلقة سالمة عن المعارض ، و هی :

1 - ما رواه الصدوق فی ذیل صحیحة زرارة (2) - المتقدّمة (3) - : و قال : « لا بأس بالثوب بالثوبین ، یداً بید ، و نسیئة إذا وصفتهما » (4) .

فإنّه سوّغ صریحاً بیع المعدود مع التفاضل نسیئة .

2 - صحیحة سعید بن یسار ، قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن البعیر بالبعیرین ، یداً بید ، و نسیئة ، فقال : نعم ، لا بأس إذا سمّیت الأسنان جذعین أو ثنیّین ، ثمّ أمرنی فخططت علی النسیئة » .

و رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن سعید بن یسار .

و رواه الصدوق بإسناده عن سعید بن یسار ، مثله ، و زاد : « لأنّ النّاس یقولون : لا ، فإنّما فعل ذلک للتقیّة » (5) .

و تقریب الاستدلال بها : أنّ ذکره للنسیئة کان طبقاً للمذهب ، ثمّ أمره بالخطّ علی

ص:124


1- 1) ب 15 / أبواب الربا / الأحادیث 4 و 3 و 2 و 1 .
2- 2) ب 17 / أبواب الربا / ح1 .
3- 3) تقدّمت بعنوان الروایة الاُولی من الروایات المقیّدة .
4- 4) ب 17 / أبواب الربا / ح1 ، صحیحة زرارة .
5- 5) ب 17 / أبواب الربا / ح 7 و 8 . رواه الکلینی ، عن أبی علیّ الأشعری ، عن الحسن بن علیّ الکوفی ، عن عثمان بن عیسی ، عن سعید بن یسار .

النسیئة ؛ لأنّ العامّة یرونه ربا ممنوعاً ، فالشطب علیه هو للتقیّة ، و الشاهد علی التقیّة قوله فی ذیله فی نقل الصدوق : « لأنّ النّاس یقولون : لا » .

و ما ذکر من الخدشة سنداً من أنّ « عثمان بن عیسی » واقفی لم یوثّق ، مردود بأمرین :

الأوّل : إنّه توجد شواهد علی أنّه أرجع المال المسروق فی أیّام وکالته عن الإمام الکاظم علیه السلام إلی الإمام الرضا علیه السلام ، کما أنّه ثبتت روایته عن الإمام الرضا علیه السلام فی باب الطهارة (1)و لو لم تثبت توبته و ردّ الأموال إلیه علیه السلام ، و لکن لا شکّ فی وثاقته بشهادة ابن قولویه و الشیخ و علیّ بن إبراهیم و ابن شهرآشوب المؤیّدة بدعوی بعضهم من أصحاب الإجماع .

الثانی : إنّ طریق الشیخ إلی « سعید » صحیح ، فتصحّ الروایة بهذا الطریق .

3 - صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه - المتقدّمة (2) - لکن بروایة الشیخ فی الاستبصار ، حیث أنّ الموجود فیها : « لا بأس بالحیوان کلّه یداً بید و نسیئة » (3) .

فتکون ناصّة فی جواز البیع نسیئة .

فهذه الروایات تعارض الروایات المقیّدة ، و یبقی الإطلاق سالماً عن التقیید .

و لکنّ السیّد(حفظه اللّه تعالی)أورد علیها بما یلی :

أمّا روایة « زرارة » بطریق الصدوق ففیها : إنّ دأبه فی نقل الروایات أن لا یذکر السند و یصدّرها بقوله : « قال » ، فمن القریب أن یکون هذا الذیل هی روایة اخری مرسلة ذکرها الصدوق ، و لا یدلّ ذلک علی أنّ السند و الطریق واحد ، و الشاهد علیه أنّ الذیل غیر موجود فی الکافی و لا فی التهذیب .

ص:125


1- 1) الکافی 4 / ک 3 / ب63 / ح2 ؛ التهذیب 5 / ح1449 .
2- 2) ب 17 / أبواب الربا / ح6 .
3- 3) الاستبصار 3 / 100 / ح348 .

مع أنّه من المستبعد أن یقول المعصوم علیه السلام فی صدر الروایة بکلام له معنی و مفهوم و یخالفه فی ذیلها . فإذن فهذه لا تصلح لمعارضة الصحاح .

و أمّا صحیحة « سعید بن یسار » ، فالظاهر أنّ الزیادة فی نقل الصدوق لیست من متن الروایة ، بل هی من کلام الصدوق ، و لذا لا توجد فی نقل الکافی و لا التهذیب .

و إذا لم تکن من متن الروایة و کلام الإمام علیه السلام فلیست بحجّة .

مضافاً إلی أنّه لو کانت من کلام الإمام علیه السلام فلعلّ معناها أنّ النّاس یقولون : لا ربا فی النسیئة ، فجواز الربا مطلقاً صدر عن تقیّة ، و إنّما الخطّ هو بناءً علی مذهب الخاصّة .

و أمّا صحیحة « عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه » ، فالاستدلال بها مبنیّ علی ثبوت نسخة الاستبصار ، مضافاً إلی أنّه - حسب تحقیق بعض المعاصرین - لیست بموجودة فی النسخ القدیمة المعتبرة من الاستبصار .

و لأجل هذا تتمّ عند السیّد(حفظه اللّه تعالی)الروایات الدالّة علی منع الربا فی المعدود نسیئة ، و لذلک یحتاط لزوماً فی الفتوی ، و یستشکل فی بیع العملة بالعملة من هذه الجهة .

أقول : أمّا ما ذکره فی ذیل روایة زرارة من أنّ ذیلها یمکن أن یکون روایة اخری مرسلة ، فلا دلیل علی أنّ الطریق واحد ، فمخدوش :

أوّلاً : بأنّ مجرّد الاحتمال لا یصلح لرفع الید عن ظاهر صورة المتن فی نقل الفقیه (1)من عطفها علی متن الروایة السابقة ، حیث أنّه فی هذا الباب میّز بین موارد الروایة المرسلة المبتدأة عن الروایة المسندة بمثل هذا التعبیر : « و قال الصادق علیه السلام » ، أو « و سأل رجل عن الصادق » أو بإرداف « قال علیه السلام » مکرّراً تلو بعضها البعض ، بینما الروایة التی فی المقام قبلها « و روی أبان » - و ذکر الروایة - ثمّ ذکر « و روی جمیل بن درّاج عن زرارة » ، و هی الروایة التی نحن فیها مع الذیل ، ثمّ ذکر روایة اخری « و سأل

ص:126


1- 1) من لا یحضره الفقیه 3 / 279 / ح4007 ، ط . قم .

سماعة أبا عبد اللّه علیه السلام » ، و لا یصلح عدم وجود الذیل فی التهذیب و الکافی قرینة علی تغایر الذیل مع الصدر فی الفقیه ؛ و ذلک لأنّنا من خلال التتبّع فی أبواب الکافی و التهذیب و الفقیه رأینا أنّ المحدّثین الثلاثة قدّس اللّه أسرارهم دأبوا علی تقطیع الروایات إلی أجزاء مختلفة ، و یستدلّون بکلّ جزء لمورد ما فی أبواب الفقه ، و قد وقفنا علی کثیر من ذلک فی باب الطهارة ، و بالخصوص فی باب انفعال الماء القلیل ، و فی قاعدة الطهارة و شمولها للشبهات الحکمیّة ، غیر أنّ میزة التهذیب أنّه فی کثیر من الموارد یورد الروایة کاملة غیر مقطّعة ، و من دون الإشارة إلی تقطیعها من قبل ، و مقامنا من هذا النحو کما سیتبیّن .

ثانیاً : إنّ هذا الذیل نقل فی التهذیب بنفس السند و الطریق ، ممّا یدلّ علی أنّه بنفس الروایة ، فقد روی الشیخ ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن ابن رباط ، عن جمیل ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس بالثوب بالثوبین » ، و قال الشیخ بعده : الحسین بن سعید ، عن ابن أبی نجران ، عن حمزة بن حمران عن محمّد بن مسلم ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام مثل ذلک ، و قال : « إذا وصفت الطول فیه و العرض » (1).

ثالثاً : علی فرض کون الذیل روایة ثانیة ، فإنّها فی التهذیب مسندة و صحیحة ، و مؤدّاها جواز بیع المعدود بتفاوت مع النسیئة .

و ما ذکره فی ذیل الروایة الثانیة فی غیر محلّه ، حیث إنّ الثابت عن العامّة هو عدم جواز ربا المعدود نسیئة . و لکن ما ذکره فی ذیل الروایة الثالثة متین .

و یمکن أن نضیف إلی الروایات الدالّة علی الجواز روایة علیّ بن جعفر فی کتابه عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : « سألته عن الحیوان بالحیوان بنسیئة و زیادة دراهم ینقد الدراهم و یؤخّر الحیوان ، قال : إذا تراضیا فلا بأس » (2) .

ص:127


1- 1) التهذیب 7 / 119 / ح518 و 519 / ط . طهران .
2- 2) ب 7 / أبواب الربا / ح17 .
تحقیق فی فقه تلک الروایات

یمکن أن یقال : إنّه لیس فی تلک الروایات - سواء المانعة أم المجوّزة - عنوان المعدود حتّی ندّعی أنّها واردة فی مقام بیان حکم ربا المعدود ، بل الموجود فیها موارد بعنوان الأمثلة ک « الشاة بالشاتین » و« البیضة بالبیضتین » و« الثوب بالثوبین » و« الفرس بالفرسین » و« الحلّة بالحلّتین » و« البعیر بالبعیرین » و« الدابة بالدابتین » و« العبد بالعبدین » و« الحیوان بالحیوان بنسیئة و زیادة دراهم » .

و هذه الموارد کلّها من القیمیّات (1)و« العدّ » وحدة قیاسیّة فی المثلیات ، کالکیل و الوزن و نکتتها واضحة ، و هو أنّ الحاجة إلی الوحدة القیاسیّة تکون فی الأشیاء المتماثلة باعتبار أنّه مکرّر ، و یراد جعلها منضبطة تحت معیار ثابت .

فالجزم بأنّ هذه الروایات واردة فی المعدود مشکل ، فتخرج عن موضوع بحثنا .

و منه یظهر إشکال آخر ، و هو أنّ هذه الموارد و الأمثلة من القیمیّات تقابل الروایات الدالّة علی حرمة الربا فی المکیل و الموزون . فبقرینة المقابلة نستظهر أنّ الربا حرام فی مطلق المثلیات بخلاف القیمیّات ، و إنّما الکیل و الوزن وحدات قیاسیّة لها کالعدّ ، و لا خصوصیّة فیهما . هذا خلاصة الإشکال ، و تنبّه إلیه الشیخ الطوسی رحمه الله و أشار إلیه صاحب الجواهر أیضاً (2) .

قال فی النهایة : « و أمّا ما لا یکال و لا یوزن ، فلا بأس بالتفاضل فیه و الجنس واحد نقداً ، و لا یجوز ذلک نسیئة ، مثل ثوب بثوبین ، و دابة بدابتین و دار بدارین و عبد بعبدین ، و ما أشبه ذلک ممّا لا یدخل تحت الکمیل و الموزون ، و الأحوط فی ذلک أن یقوّم ما یبتاعه بالدراهم أو الدنانیر أو غیرهما من السلع ، و یقوّم ما یبیعه بمثل ذلک و ان

ص:128


1- 1) حتّی « الثوب » حیث أنّه فی الزمن الأوّل لم تکن الأثواب عمل المصانع کی تکون مثلیّة . نعم القول بأنّ البیضة مثلیّة و من الموزونات غیر بعید .
2- 2) الجواهر 23 / 361 .

لم یفعل لم یکن به بأس » (1).

و ظاهر قوله : « و الأحوط فی ذلک . . . » راجع إلی التفاضل یداً بید الذی حکم بعدم البأس فیه ، من ثمّ ذکرنا أنّ الشیخ تنبّه إلی تعمیم الحرمة لمطلق المثلی .

و قال أیضاً : « و ما یباع بالعدد فلا بأس بالتفاضل فیه یداً بید و الجنس واحد ، و لا یجوز ذلک نسیئة مثل البیضة بالبیضتین ، و الجوزة بالجوزتین ، و الحلّة بالحلّتین ، و ما أشبه ذلک » (2) .

و قال أیضاً : « لا یکون ربا إلّا فی ما یکال أو یوزن ، فأمّا ما عداهما فلا ربا فیه.» (3)

و ظاهر ما نقلناه أوّلاً مع تعبیره اللاحق متدافع ، فکیف یجمع بینهما ؟

و قد جمع المحقّق رحمه الله بینهما ، تارة بحمل « لا یجوز نسیئة » علی الکراهة ، و اخری بحمل الحرمة علی باب غیر باب الربا ، کعدم التقابض فی الصرف (4) .

و عبارة الشیخ رحمه الله الاُولی قرینة علی أنّ الالتزام بعدم الجواز هو من باب الاحتیاط لا الفتوی ، حیث قال : « و الأحوط فی ذلک أن یقوّم . . . » بناءً علی رجوع قوله هذا إلی :

« لا یجوز النسیئة » .

و قوله : « و إن لم یفعل لم یکن به بأس » صریح فی الجواز ، فیحمل کلامه علی الکراهة .

و هناک جمع ثالث ، و هو الأظهر ، و هو أنّ عبارة الشیخ الأخیرة النافیة للربا فی غیر المکیل و الموزون موردها التعارض یداً بید مع التفاضل .

هذا و یمکن الاستدلال علی تعمیم حرمة الربا فی المکیل و الموزون إلی مطلق

ص:129


1- 1) النهایة و نکتها 2 / 120 - 121 .
2- 2) النهایة و نکتها 2 / 125 .
3- 3) النهایة و نکتها 2 / 118 .
4- 4) النهایة و نکتها 2 / 118 - 119 .

المثلی بوجوه :

الأوّل : إنّ روایات الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله حیث أنّها بمنزلة المتن القانونی و القواعد الکلّیة(جوامع الکلم)و روایات الأئمّة کشرح قانونی علیها ، فهی ناظرة إلی ذلک المتن ، فیکون هو(المنظور إلیه)قرینة لفهم الروایات .

و نشاهد فی الروایات النبویّة الواردة عن طرق العامّة المقابلة بین المثلی و القیمی ، فإنّ روایاتهم لیست بصیغة و تعبیر « المکیل و الموزون » ، بل ورد فیها النهی عن الربا المعاوضی فی موارد ستّة : الشعیر و التمر و البرّ و الملح و الذهب و الفضّة (1).

و لذلک اختلفت العامّة فی أنّه هل یقتصر فی الحرمة علی هذه الستّة أم یلتزم بالحرمة فی کلّ مکیل أو موزون أم فی کلّ مثلی ؟

و جعل أبو حنیفة الموضوع مطلق المثلی ، و رفع الید عن خصوصیّة المکیل و الموزون .

الثانی : المقابلة فی جملة من الروایات بین أمثلة القیمیّات و بین المکیل و الموزون ، فیفهم بقرینة المقابلة أنّ المراد من « المکیل و الموزون » هو مطلق المثلی .

1 - موثّقة منصور ، قال : « سألته عن الشاة بالشاتین ، و البیضة بالبیضتین ، قال :

لا بأس ، ما لم یکن کیلاً أو موزوناً » (2) .

ص:130


1- 1) الأصناف الستّة التی حرّم فیها الربا بما رواه أبو سعید الخدری عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، قال : « الذهب بالذهب ، و الفضّة بالفضّة ، و البرّ بالبرّ ، و الشعیر بالشعیر ، و التمر بالتمر ، و الملح بالملح مثلاً بمثل ، یداً بید ، فمن زاد أو استزاد فقد أربی ، الآخذ و المعطی فیه سواء » . صحیح مسلم 3 / 1211 .
2- 2) ب 6 / أبواب الربا / ح5 ؛ ب16 / ح1 . رواه الکلینی ، عن محمّد بن یحیی ، و غیره ، عن محمّد بن أحمد ، عن أیّوب بن نوح ، عن العبّاس بن عامر ، عن داود بن الحصین ، عن منصور . و رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن ابن رباط ، عن منصور بن حازم ، مثله .

2 - موثّقة منصور بن حازم ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « سألته عن البیضة بالبیضتین ؟ قال : لا بأس به .

و الثوب بالثوبین ؟ قال : لا بأس به .

و الفرس بالفرسین ؟ قال : لا بأس به .

ثمّ قال : کلّ شیء یکال أو یوزن فلا یصلح مثلین بمثل إذا کان من جنس واحد ، فإذا کان لا یکال و لا یوزن فلا بأس به اثنین بواحد » (1).

فالتعبیر ب « مثلین بمثل » فی ما یکال أو یوزن ، و التعبیر ب « اثنین بواحد » فی غیرهما ، ممّا یشعر بإرادة مطلق المثلی من المکیل و الموزون .

الثالث : التعبیر ب « مثلین بمثل » بدل « المکیل و الموزون » فی بعض الروایات الواردة :

1 - صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « ما کان من طعام مختلف أو متاع أو شیء من الأشیاء یتفاضل ، فلا بأس ببیعه مثلین بمثل یداً بید ، فأمّا نظرة فلا یصلح» (2) .

2 - موثّقة زیاد بن أبی غیاث ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « سمعته یقول : ما کان من طعام مختلف أو متاع أو شیء من الأشیاء متفاضلاً فلا بأس به مثلین بمثل یداً بید ، فأمّا نسیة فلا یصلح » (3) .

ص:131


1- 1) ب 16 / أبواب الربا / ح3 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن ابن رباط ، عن ابن مسکان ، عن منصور .
2- 2) ب 13 / أبواب الربا / ح2 ؛ ب17 / ح9 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن ابن مسکان ، عن الحلبی و فضالة ، عن أبان ، عن محمّد الحلبی و ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی جمیعاً .
3- 3) ب 17 / أبواب الربا / ح14 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن صالح بن خالد و عبیس بن هشام ، عن ثابت بن شریح ، عن زیاد بن أبی غیاث .

3 - موثّقة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، مثله (1). و المراد من « شیء من الأشیاء متفاضلاً » المثلی ، فإنّ التفاضل فی عین الشیء لا یکون إلّا فی المثلیات ، و أمّا فی القیمیّات فلا معنی للتفاضل إلّا بلحاظ المالیّة .

4 - صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا اختلف الشیئان فلا بأس به مثلین بمثل یداً بید » (2) .

5 - موثّقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « المختلف مثلان بمثل ، یداً بید ، لا بأس » (3) .

و تعبیر(المختلف)ناظر إلی المکیل و الموزون ، فیصیر خاصّة فی المکیل و الموزون مختلفی الجنس .

هذا غایة ما یقال فی تقریب هذه الدعوی ، و لکنّ المشهور استظهر خصوص المکیل و الموزون لا مطلق المثلیّة ، و مقتضی الجمود فی الصناعة الاُصولیّة علی ظاهر عنوان المکیل و الموزون هو أنّه یجب أن یقتصر علی العنوان المأخوذ .

نعم ، هو بمقدار الإشعار لا یخلو من وجه ، و لکن لیس وجهه بمقدار یعدّ من الظهور ؛ و ذلک لأنّ الوجه الأوّل المتقدّم - و هو أنّه لیس فی الروایات الواردة فی المعدود ، سواء المانعة أم المجوّزة ، عنوان المعدود حتّی ندّعی أنّها واردة فی مقام بیان حکم ربا المعدود ، بل الموجود فیها موارد بعنوان المثال ، و تلک الموارد من القیمیّات لا من المعدودات - فیمکن المناقشة فیه بأنّ کلّ الموارد التی ذکرت فی

ص:132


1- 1) ب 13 / أبواب الربا / ح2 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن جعفر و علیّ بن خالد ، عن عبد الکریم ، عن ابن مسکان ، عن الحلبی .
2- 2) ب 13 / أبواب الربا / ح1 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان و فضالة ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم .
3- 3) ب 13 / أبواب الربا / ح9 . رواه الکلینی ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد و أحمد بن محمّد جمیعاً ، عن ابن محبوب ، عن أبی أیّوب ، عن سماعة .

الروایات لیس من القیمیّات ، بل أکثرها من المعدودات - و إن لم یعنون بذلک العنوان - کالخبز و الجوز و البیضة و الثوب و الحلّة و حتّی الشاة و البعیر و الدابة .

فإنّ فی الخبز و الجوز وردت روایات ظاهرها أنّها من المعدودات .

مثل : صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « أنّه سئل عن الجوز لا نستطیع أن نعدّه فیکال بمکیال ثمّ یعدّ ما فیه ثمّ یکال ما بقی علی حساب ذلک العدد ، قال : لا بأس به» (1).

و مثل : حسنة الصباح بن سیّابة ، قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّ عبد اللّه بن أبی یعفور أمرنی أن أسألک ، قال : إنّا نستقرض الخبز من الجیران فنردّ أصغر منه أو أکبر ؟

فقال علیه السلام : نحن نستقرض الجوز الستّین و السبعین عدداً فیکون فیه الکبیرة و الصغیرة ، فلا بأس » (2) .

و مثل موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : استقرض الرغیف من الجیران و نأخذ کبیراً و نعطی صغیراً ، و نأخذ صغیراً و نعطی کبیراً . قال : لا بأس » (3) .

و ما ورد فی الثوب و الحلّة أیضاً شاهد علی أنّهما من المعدودات (4) .

و الدواب و الشاة و البعیر عند بیعها جمعاً بکمّیات کبیرة تقیّم بنحو العدّ ، تحسب بعدد الرءوس . نعم ، فی بیع المفرد منها تحسب قیمیّاً .

و أمّا الوجه الثانی - و هو تعمیم حرمة ربا النسیئة لمطلق المثلی مختلف الجنس ، حتّی تشمل المعدود مضافاً إلی المکیل و الموزون - فالجواب عنه :

إنّ تلک الأخبار محمولة علی الکراهة أو التقیّة ؛ لأنّ « لا یصلح » یحمل علی الحرمة

ص:133


1- 1) ب 7 / أبواب عقد البیع / ح1 . رواه الکلینی ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی .
2- 2) ب 21 / أبواب الدین و القرض / ح1 . رواه الصدوق بإسناده عن الصباح بن سیّابة .
3- 3) ب 21 / أبواب الدین و القرض / 2 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن الحکم بن مسکین ، عن إسحاق بن عمّار .
4- 4) کما تقدّم ذکره فی سیاق المعدودات ، کالبیضة و الدواب .

إذا لم یثبت الترخیص فی مورده ، و حیث أنّ بعض الروایات تسوّغ ربا النسیئة فی المعدود - کما مرّ (1)- فهی شاهد علی الکراهیة أو نقول بالتقیّة ؛ لأنّ العامّة ذهبوا إلی الحرمة و أنّ الربا لا یکون إلّا فی النسیئة .

مضافاً إلی وجود الحصر فی روایات کثیرة معتبرة من أنّه « لا ربا إلّا فی المکیل و الموزون » (2) ، و هذا الحصر مطلق یشمل النقد و النسیئة ، و هذه الروایات و إن کانت فی خصوص النسیئة إلّا أنّ الحصر آبٍ عن التخصیص .

و أمّا مصحّحة ابن سنان (3) فلحنها لحن الکراهة .

عن عبد اللّه بن سنان ، قال : « سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : لا ینبغی إسلاف السمن بالزیت ، و لا الزیت بالسمن » (4) .

فإنّ « لا ینبغی » تستعمل بمعنی « لا یستحسن » .

و روایة وهب - و إن کانت ضعیفة - تؤیّد القول بالجواز .

ص:134


1- 1) صحیحة زرارة و ابن یسار و عبد الرحمن ، ب 17 / أبواب الربا / ح1 و 7 و 6 .
2- 2) راجع ب 6 / أبواب الربا .
3- 3) رواه الکلینی ، عن الحسین بن محمّد ، عن معلّی بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبد اللّه بن سنان . معلّی بن محمّد البصری مطعون من قِبل النجاشی بأنّه مضطرب الحدیث و المذهب ، و لکن قول النجاشی لا یکون مانعاً عن وثاقته؛ لأنّ اضطرابه فی المذهب لم یثبت فی الروایات المودعة فی کتبنا . و علی تقدیر ثبوته لا ینافی الوثاقة؛ لأنّ اضطرابه فی الحدیث معناه أنّه قد یروی ما یعرف و قد یروی ما ینکر ، و هذا أیضاً لا ینافی الوثاقة . و یستفاد توثیقه من کثرة الرواة الراوین عنه ، و من الأجلّاء ، و هو أیضاً یروی عن کثیر ، و له کتب . و أمّا الوشاء فقیل إنّه لم یوثّق مع أنّه وجه من وجوه الطائفة ، و کیف لا یکون ذلک دلیلاً علی توثیقه ؟ !
4- 4) ب 13 / أبواب الربا / ح10 .

عن جعفر ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام ، قال : « لا بأس بالسلف ما یوزن فی ما یکال ، و ما یکال فی ما یوزن » (1).

لأنّ العامّة یذهبون إلی المنع ، و الراوی هنا عامّی ، فهو شاهد علی ضعف داعی الکذب ، فنستفید منها کتأیید .

و إلی هنا تمّ البحث عن الحیلة الثانیة ، و هی حیلة الضمیمة ، و لم یوقفنا فیها إشکال إلّا من باب الاحتیاط ندباً لأجل إشکال تعمیم الحرمة لمطلق المثلی .

ص:135


1- 1) ب 7 / أبواب السلف / ح1 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن أبی عبد اللّه ، عن أبیه ، عن وهب .

الحیلة الثالثة : أخذ الزیادة علی عملیة الإقراض

ذکر الشهید الصدر فی الملحق الأوّل من کتابه البنک اللاربوی أنّه فی القرض یتمثّل عنصران :

أحدهما : المال المقترض من الدائن للمدین .

و الآخر : نفس الإقراض بما هو عمل یصدر من المقرض .

و الربا هو وضع زیادة بإزاء المال المقترض ، فالفائدة حیث توضع فی مقابل المال المقترض تصبح رباً محرّماً ، و لکنّها إذا فرضت بازاء نفس الإقراض بما هو عمل یصدر من الدائن علی أساس الجعالة تخرج بذلک عن کونها رباً . فالشخص الذی یحاول أن یحصل علی قرض یقوم بإنشاء جعالة یعیّن فیها جعلاً معیّناً علی الإقراض فیقول : « من أقرضنی دیناراً فله درهم » .

و هذه الجعالة تغری مالک الدینار ، فیتقدّم إلیه و یقرضه دیناراً ، و حینئذٍ یستحقّ علیه الدرهم ، و هذا الاستحقاق لا یجعل القرض ربویّاً ؛ لأنّه لیس بموجب عقد القرض ، بل هو استحقاق بموجب الجعالة ، و لهذا لو فرض أنّ الجعالة انکشف بطلانها بوجه من الوجوه ینتفی بذلک استحقاق المقرض للدرهم ، و إن کان عقد القرض ثابتاً ؛ لأنّ استحقاق الدرهم نتج عن الجعالة لا عن عقد القرض ، و الدرهم فی الجعالة موضوع بإزاء الإقراض بما هو عمل ، لا بإزاء المبلغ المقترض بما هو مال .

فهذا نظیر من یجعل جعالة لمن یبیعه بیته ، فلو قال شخص : « مَن باعنی داره کان له

ص:136

درهم » کان البائع مستحقّاً للدرهم لا بموجب عقد البیع ، بل بموجب الجعالة ، و هو بازاء نفس البیع و التملیک بعوض بما هو عمل ، لا بازاء الدار المبیعة ، و لهذا لا یسری علی الدرهم حکم العوضین .

ثمّ ذکر رحمه الله إشکال هذا التقریب فی جهتین : الأُولی : من جهة الصغری .

الثانیة : من جهة الکبری .

أمّا من جهة الصغری : فقد فرض فی هذا التقریب أنّ الدرهم موضوع بازاء نفس عملیّة الإقراض لا علی المال المقترض ، و لکن یمکن أن یقال بهذا الصدد أنّ الارتکاز العقلائی قائم علی کون الدرهم فی مقابل المال المقترض لا فی مقابل نفس الإقراض ، و جعله بازاء عملیّة الإقراض مجرّد لفظ .

و علیه فلا نتصوّر الجعالة فی ذلک ؛ لأنّ الجعالة فرض شیء علی عمل لا علی مال ، و یعدّ إرجاع الدرهم فی محلّ الکلام بالارتکاز العقلائی إلی کونه مجعولاً فی مقابل المال ، لا تکون هناک جعالة ، بل یکون الدرهم ربویّاً ؛ لأنّه زیادة علی المال المقترض .

و أمّا من جهة الکبری : فلو افترضنا أنّ المتعاملَین(الدائن و المدین)تحرّرا من ذلک الارتکاز العقلائی ، و ابتعدا من الارتکازات العرفیّة ، و لم یمشیا علیه و قصدا بجدّ الجعالة فی مقابل الإقراض ، و رکّزا فی قصدهما ارتکازاً آخر غیر الارتکاز العقلائی ، فیبدو إشکال آخر فی تلک الجعالة ، و هو یحتاج إلی مقدّمة ، و هی فی ماهیّة الجعالة و حقیقتها .

و فی ملاک استحقاق الجعل المحدّد فی الجعالة .

فهناک قول بأنّ استحقاق الجعل المحدّد فیها لیس فی الحقیقة إلّا بملاک ضمان عمل الغیر بأمره به لا علی وجه التبرّع .

فأنت حین تأمر الخیّاط الخاصّ بأن یخیط لک الثوب فیمتثل لأمرک تضمن قیمة

ص:137

عمله ، و تشتغل ذمّتک بأُجرة المثل .

و هذا نحو من ضمان الغرامة فی الأعمال علی حدّ ضمان الغرامة فی الأموال ، و بإمکانک فی هذه الحالة أن تحوّل اجرة المثل منذ البدء إلی مقدار محدّد ، فتقول :

« من خاط الثوب فله درهم » ، أو : « إذا خطت الثوب فلک درهم » .

فیکون الضمان بمقدار ما حدّد فی هذا الجعل ، و یسمّی هذا جعالة . فالجعالة بحسب الارتکاز العقلائی تنحلّ إلی جزءین :

أحدهما : الأمر الخاصّ أو العامّ بالعمل ، أی بالخیاطة مثلاً .

الآخر : تعیین مبلغ معیّن بازاء ذلک .

و الجزء الأوّل من الجعالة هو ملاک الضمان (1)، و الضمان هنا من قبیل ضمان الغرامة لا الضمان المعاوضی .

و الجزء الثانی یحدّد قیمة العمل المضمونة بضمان الغرامة ، حیث إنّ اجرة المثل هی الأصل فی الضمان ما لم یحصل الاتّفاق علی الضمان بغیرها .

و إذا عرفت هذه المقدّمة فیترتّب علیها أنّ الجعالة لا تتصوّر إلّا علی عمل تکون له اجرة المثل فی نفسه و قابل للضمان بالأمر به ، کالخیاطة و الحلاقة .

و أمّا ما لا ضمان له فی نفسه و لا تشمله أدلّة ضمان الغرامة فلا تصحّ الجعالة بشأنه ؛

ص:138


1- 1) وجه تسمیته بالأمر الضمانی امور : الأوّل - الإتلاف : فإنّ الآمر أتلف بسبب أمره علی المأمور به عملاً عمل الحرّ ذو مالیّة ، و من أتلف مال الغیر فهو له ضامن . الثانی - الاستیفاء : فإنّ الأمر لا یتلف عمل الغیر و ماله ، بل یستوفی منفعة الغیر ، و ذلک الاستیفاء من دون إذن مجّانی موجب الضمان . الثالث - الإجارة : إنّ الأمر الضمانی فی الحقیقة إجارة ، و لکن بصیغة الأمر ، و فی الإجارة لا بدّ من اجرة .

لأنّ فرض الجعل فی الجعالة لیس هو الذی ینشئ أصل الضمان ، و إنّما یحدّد مقداره .

و علی هذا الأساس لا تصحّ الجعالة علی الإقراض بما هو عمل ؛ لأنّ مالیّة الإقراض فی نظر العقلاء إنّما هی مالیّة المال المقترض ، و لیس لنفس العمل بما هو مالیّة زائدة ، و مع فرض کون مالیّة المال المقترض مضمونة بالقرض ، فلا یتصوّر عقلائیّاً ضمان آخر لمالیّة نفس عملیّة الإقراض .

و بتعبیر واضح : لیس عندنا فی نظر العقلاء إلّا مالیّة واحدة و هی مالیّة المال المقترض ، و تضاف إلی نفس عملیّة الإقراض باعتبار ذلک المال ، فلیس هناک إلّا ضمان غرامة واحد ، و لا یتصوّر فی الارتکاز العقلائی ضمانان من ضمانات الغرامة : أحدهما للعمل ، و الآخر للمال المقترض .

و المفروض أنّ المال المقترض مضمون بعقد القرض ، و الضمان الحاصل بعقد القرض هو من نوع ضمان الغرامة ، و لیس ضماناً معاوضیّاً ، و معه فلا مجال لفرض ضمان غرامة آخر لنفس عملیّة الإقراض .

و بناءً علی ذلک لا تصحّ الجعالة علی الإقراض ؛ لأنّ الجعالة دائماً تقع فی طول شمول أدلّة ضمان الغرامة للعمل المفروض له الجعل . ففی مورد لا تشمله أدلّة ضمان الغرامة ، و لا یکون العمل فیه مضموناً بالأمر علی الآمر لا تصحّ فیه الجعالة (1).

و هنا إشکال ثالث و هو :

أنّ هذا الوجه نظیر ما ذکره الفقهاء فی بحث المیتة و العذرة ؛ للتخلّص من سحتیّة ثمن المیتة أو العذرة ، بأنّ العوض لا یبذل بازاء المیتة أو العذرة ؛ لأنّه سحت ، بل یبذل بازاء حقّ الاختصاص و رفع الید عنها .

و لکن المالیّة المبذولة بازاء حقّ الاختصاص هی عین المالیّة المبذولة بازاء المیتة

ص:139


1- 1) البنک اللاربوی / 164 - 168 ، ط . بیروت .

أو العذرة ، فکیف یتحایل و یلتفّ علی القانون مع أنّه فی الواقع فیه نفس محذور سحتیّة الثمن باعتبار أنّ المالیّة أتت من المنافع ، و الفرض أنّ مالیّة العین أیضاً تأتی بلحاظ منافعها ، فإذا کانت المالیّة الآتیة من المنافع بازاء العین هی أیضاً مالیّة حقّ الاختصاص ، ففی الواقع هو تغییر اسم و ألفاظ و لیس تغییراً واقعیّاً فی نفس مالیّة الشیء .

و التحقیق : أنّ تلک الإشکالات قابلة للدفع ، و إن کان بعضها سلیماً فی نفسه ، إلّا أنّه غیر مرتبط بالمقام .

أمّا الإشکال الصغروی :فیمکن أن یمنع أشدّ المنع فی الإقراض .

و الوجه فی ذلک أنّه یشاهد لدی العرف أنّ کثیراً ما لأجل أن یرغّب شخص شخصاً آخر فی الإقدام علی معاملة ، یبذل له هدیة مشروطة ، و ذلک الشرط هو إقدامه علی تلک المعاملة المقصودة ، فلأجل ترغیب الطرف المقابل فی الإقدام علی إنشاء معاملة خاصّة یبذل له مالاً .

فإنّ العرف یبذلون أموالاً لأجل أن ینشئ الطرف الآخر شیئاً أو یقدم علی إنشاء شیء .

و لذلک نری أنّ بعض الأحکام التکلیفیّة فی المعاملات وردت لتحریم أو تحلیل نفس الإنشاء لا المُنشأ .

و الشیخ الأنصاری رحمه الله ذکر فی تنبیهات المعاطاة أنّ طبیعة المعاملات هی جعل عوض قبال شیء آخر ، و هناک معاملات تسمّی معاملة فوقانیّة ، و فیها یکوّن الطرفان أو أحدهما معاملة ، کالمصالحة علی هبة مقابل هبة اخری .

و ما نحن فیه أیضاً من هذا القبیل ، هی جعالة فیها عوض مقابل إنشاء القرض و لا ضیر فیه .

أمّا الإشکال الکبروی، ففیه :أنّه لا شاهد علی أنّ الضمان فی الجعالة غرامیّ

ص:140

و بسبب الإتلاف ، بل یحتمل أن یکون من باب المعاوضة .

و عمدة المناقشة فی هذا الإشکال هی : أنّ مالیّة الأشیاء علی نمطین : طبعیّة و قانونیّة ؛ لأنّ بعض الأشیاء یبذل بازائه المال لاحتوائه علی صفات ذاتیّة و منافع تکوینیّة ، کالدار ، فإنّها بطبیعتها یرغب فیها العقلاء ، فمالیّتها طبعیّة ، و کذا مالیّة أکثر الأشیاء .

و بعض الأشیاء یتّصف بالمالیّة بسبب القانون ، کالوثائق و السجلّات ، فإنّ منافعها لیست تکوینیّة طبعیّة ، بل لا یُرغب فیها لو لا القانون و الجعل .

و کذلک الحقوق الشرعیّة ، فمالیّة بعضها طبیعیّة و اخری قانونیّة ، بمعنی أنّ مالیّتها قد جاءت من ناحیة طبیعة العین أو الشیء الذی تعلّق به الحقّ و المنافع التی تعلّق الحقّ بها ، و بعض الحقوق مالیّته لیست بطبیعیّة و إنّما هی بسبب القانون .

و هذه المالیّة القانونیّة أیضاً علی قسمین :

قسم منها مالیّته تنجیزیّة ، فإذا أتلفه متلف یکون ضامناً لمالیّته ، و قسم منها تعلیقیّة ، فلا یکون ضامناً لمالیّته إذا أتلف قبل التعاقد علیه .

فإنّ بعض الوثائق الموجودة إذا أتلفها متلف لا یکون ضامناً لمالیّتها ، و إن کان حرم صاحبها من فوائد قانونیّة ، مثل(الصکّ)، فإنّ مالیّته قانونیّة تقدیریّة ، و لا یکون الضمان لنفس الشیء ، و إنّما الضمان لأمر آخر ، و هو تلف أصل المال بسبب إتلاف الصکّ ، و أمّا إذا لم یسبّب إتلاف الصکّ تلف المال الأصلی ، فلا ضمان فی البین بسبب إتلاف نفس الصکّ .

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ الجعالة ماهیّتها تقع علی هذه الأقسام العدیدة من الأموال کلّها ، و هذا من خصائص الجعالة .

أمّا البیع و الإجارة فلا یقعان علی القسم الأخیر من الأموال التی مالیّتها تقدیریّة ، بخلاف الجعالة و الصلح .

ص:141

و السرّ فی ذلک أنّ الإجارة هی تملیک منفعة بعوض ، و المنفعة اشترطت فیها المالیّة الطبعیّة أو القانونیّة الفعلیّة ، و البیع أیضاً تملیک العین بعوض ، و اشترط فی العین أن تکون لها المالیّة الفعلیّة .

و الجعالة تقع علی کلّ واحد من تلک الأقسام ، و الإقراض عمل ذو مالیّة من القسم الأخیر ، فتقع علیه الجعالة ، و یندفع به الإشکال الکبروی .

و بعبارة اخری : أنّ العمل الذی تقع علیه الجعالة هل یجب أن یکون مالاً من القسم الأوّل أو الثانی فقط ، بحیث لو کان من القسم الثالث لا تقع علیه الجعالة ، أم لا ؟

الظاهر أنّه لیس یجب أن یکون منهما ، بل یجوز أن یکون من الثالث .

مثلاً : لو أراد شخص أن یتحوّل و ینتقل شخص آخر من داره التی استأجرها و ینتقل إلی مکان آخر ، لکی ینتفع هو نفسه بتلک الدار یجوز له أن یجعل جُعلاً للمستأجر ، بأن یتحوّل من البیت إلی مکان آخر مع أنّ التخلیة و التحوّل مالیّتها من قبیل القسم الثالث نشأت من القانون و لیست تضمن بدون التعاقد (1).

و یدلّ علی الجواز صحیحة محمّد بن مسلم ، قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یرشو الرجل الرشوة علی أن یتحوّل من منزله فیسکنه ؟ قال : لا بأس به » (2) .

ص:142


1- 1) إنّ کثیراً من المعاملات الواقعة فی هذا العصر لیست مالیّتها من قبیل القسم الأوّل و لا الثانی ، و لذا توقّف کثیر من الفقهاء فی الفتوی بصحّتها؛ لأنّهم لا یرون لها مالیّة من القسم الأوّل و الثانی . و لکن بالالتفات إلی أنّ المالیّة علی ثلاثة أقسام تظهر ثمرة مهمّة ، و هی العثور علی حلّ لطیف شرعی لتصحیح کثیر من المعاملات العصریّة . و لا نحتاج فی ذلک - أی فی وجود قسم ثالث للمالیّة - إلی دلیل شرعی؛ لأنّ المالیّة - کما حرّر فی البیع - لیست من مخترعات الشارع ، بل هی من الموضوعات المخترعة عقلائیّاً . غایة الأمر تکون موضوعاً لأحکام شرعیّة ، و لیست بنفسها مجعولة شرعاً حتّی بجعل إمضائی ، و إنّما هی موضوعة من الموضوعات العقلائیّة التی تکون موضوعة للآثار الشرعیّة . نعم ، یجب أن لا یکون الشیء منهیّاً عنه فی الشرع؛ لأنّ النهی یکون إعداماً لمالیّته .
2- 2) ب 85 / أبواب ما یکتسب به / ح2 . رواه الشیخ فی التهذیب بإسناده عن الحسین بن سعید ،

و أصل الرشوة هو بذل المال مقابل العمل .

و فی القاموس : الرشوة ؛ الجُعل .

فهی فی الواقع نوع من الجعالة ، لا سیّما فی المقام لوجود شرط(علی أن یتحوّل)، و لیس التملیک مطلقاً ، بل معلّق علی شرط و هو مقتضی ماهیّة الجعالة من تعلیق الجعل علی إتیانها .

و الفرض أنّ المستأجر لم ینشأ صیغة القبول ، و إنّما إذا أتی بعمل فیستحقّ المال فهی جعالة ، سواء قلنا بأنّ الرشوة حقیقة فی الجعالة الخاصّة ، أم أنّها فی هذا المقام استعملت فی الجعالة ، و هذا واضح .

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ الإقراض عمل نشأت مالیّته من ناحیة القانون ، فهذا الإنشاء مملّک ببناء العقلاء ، و الشارع أیضاً أمضی تلک المالیّة ، فإذن یصحّ جعل الجعالة علی الإقراض فیقول : « من یقرضنی فله کذا » .

فهذا الحلّ الثالث صحیح کبرویاً و لا غبار علیه صغرویّاً . غایة ما فی الباب أنّ هذا الحلّ غیر نافع للبنوک الربویّة ؛ لأنّ قانون الربا عند الربویّین هو ازدیاد نسبة الربح إذا ازدادت المدّة الزمنیّة لتسدید الدین من جانب المدین .

و الجعالة لا تؤدّی ذلک ، ففی الجعالة مقدار معیّن من المال لا یزید و لو ازداد التأخیر ، فزیادة المدّة الزمنیّة للتسدید لا تؤثّر فی زیادة المنفعة ، و البنوک الربویّة ترید حلولاً بدیلة عن الربا بحیث توصلهم إلی نتائج الربا من حیث الربح ، و هذا الحلّ لیس کذلک .

بقی الإشکال الثالث ، و هو الذی أورد علی القائلین بعدم صحّة بیع المیتة و الأعیان النجسة ، بل بصحّة بیع حقّ الاختصاص فیهما ، من أنّ مؤدّی البیعین متّحد . و تنقیح الحال فی ذلک یقع فی مقامین :

ص:143

الأوّل : فی بیان المقیس علیه .

الثانی : فی بیان أصل القیاس .

أمّا المقیس علیه - و هو بیع حقّ الاختصاص تحایلاً عن بیع المیتة و الأعیان النجسة - فالإشکال علیه متین و صحیح ؛ لأنّ الشارع لمّا یحرّم البیع - علی فرض تسلیم التحریم مطلقاً ، لا أنّه یحرّم بلحاظ المنافع المحرّمة کالأکل - فمعناه إسقاط الشارع مالیّة العین بلحاظ إسقاط مالیّة منافعها ، و حینئذٍ فلا یعقل أن یکون الشارع أسقط مالیّة تلک المنافع ، و أسقط منشئیّة تلک المنافع للمالیّة ، و مع هذا تفرض أن تلک المنافع هی سبب لمالیّة حقّ الاختصاص ، و هذا تدافع .

لا سیّما أنّ مالیّة حقّ الاختصاص التی تنشئها تلک المنافع المحلّلة - التی أسقط الشارع علی مبنی مَن یمنع عن بیع المیتة مطلقاً - مالیّتها بقدر مالیّة العین ، فیستلزم لغویّة تحریم الشارع .

و القول بأنّ عدم المالیّة ثابت للعین و المنافع فقط و لم یثبت للحقّ ، مجازفة و لغو ؛ لأنّه إذا کانت تلک المنافع تنشأ مالیّة بقدر المالیّة التی تنشئها للعین ، فما الفرق بین أن نقول بأنّ البیع وقع علی الحقّ أو علی العین ؟

و ما الفرق بین سنخ هذا الحقّ المتعلّق بالعین و ملکیّة العین ؟

إذ أنّ حقّ الاختصاص إنّما یعتبره العقلاء فی الموارد التی تکون فیها مالیّة الأعیان ضعیفة جدّاً - کالإناء المکسور أو السیّارة المصدومة شدیداً - فحقّ الاختصاص فی تلک الموارد فی الواقع ملکیّة ضعیفة ، و تعلّق ضعیف بالعین .

أمّا إذا کانت المالیّة بقدر مالیّة العین ، و التعلّق بالعین المعدومة المنفعة کالتعلّق بالعین ذات المنفعة الکثیرة ، فلا یقال حینئذٍ لهذا الحقّ : حقّ الاختصاص ، بل یقال :

الملکیة ، و لذا مثّلوا لمورد حقّ الاختصاص بالإناء المکسور .

فالإشکال فی المقیس علیه بتلک الوجوه متین .

و أمّا المقام الثانی - و هو أصل القیاس بأنّ الجعالة نوع تحایل علی الربا کما فی

ص:144

التحایل علی بیع المیتة - فلیس فی محلّه ؛ لأنّا ذکرنا فی الإشکالات العامّة أنّ هذه الجعالة لیست حقیقتها حقیقة الربا ، و لا تؤدّی إلی کلّ آثار الربا .

إذ الربح فی الربا یتصاعد بازدیاد المدّة ، و هذا لیس فی الجعالة مع أنّه من أهمّ أغراض الربا ، فهذا الحلّ فی نفسه صحیح قد اعتمد علیه کثیراً السیّد الخوئی رحمه الله فی مسائل البنوک .

ص:145

الحیلة الرابعة : تحویل العملیّة من قرض إلی أمر آخر

اشارة

ذکر السیّد الشهید الصدر رحمه الله : « أنّ الفائدة إنّما تحرّم بوصفها تؤدّی إلی ربویّة القرض ، و القرض الربوی حرام ، و أمّا إذا حوّلنا العملیّة من قرض إلی شیء آخر ، فلا تکون الفائدة رباً قرضیّاً و تصبح بالتالی جائزة .

و أمّا تحویل العملة من قرض إلی شیء آخر فیتمّ إذا استطعنا أن نمیّز بین الحالتین التالیتین :

الاُولی : إذا افترضنا أنّ زیداً مدین لخالد بعشرة دنانیر و مطالب بوفائها ، فیأتی إلی البنک و یقترض عشرة دنانیر و یسدّد بها دینه .

الثانیة : أنّ زیداً - فی الفرض السابق - یتّصل بالبنک و یأمره بتسدید دینه و دفع عشرة دنانیر إلی خالد وفاءً لماله فی ذمّته .

و النتیجة واحدة فی الحالتین ، و هی أنّ زیداً سوف تبرأ ذمّته من دین خالد علیه ، و سوف یصبح مدیناً للبنک بعشرة دنانیر .

و لکن الفارق الفقهی بین الحالتین أنّ زیداً فی الحالة الاُولی یمتلک من البنک عشرة دنانیر معیّنة علی أن یصبح مدیناً بقیمتها ، و هذا هو معنی القرض ، فإنّه تملیک علی وجه الضمان .

و أمّا فی الحالة الثانیة فزید لا یمتلک شیئاً ، و إنّما تشتغل ذمّته ابتداء بعشرة دنانیر البنک من حین قیام البنک بتسدید دینه . و اشتغال ذمّته بذلک قائم علی أساس أنّ البنک

ص:146

بوفائه من ماله الخاصّ لدین زید قد أتلف علی نفسه هذا العمال ، و لمّا کان هذا الاتلاف بأمر من زید فیضمن زید قیمة التالف . فالعشرة التی دفعها البنک إلی دائن زید لم تدخل فی ملکیّة زید ، و إنّما هی ملک البنک و دخلت فی ملکیّة دائن زید رأساً ؛ لأنّ وفاء دین شخص بمال شخص آخر أمر معقول (1).

و هذا معناه أنّه لم یقع قرض فی الحالة الثانیة ، و إنّما وقع أمر بإتلاف علی وجه الضمان ، فلو التزم زید للبنک حین إصدار الأمر له بالوفاء بأن یعطیه أکثر من قیمة الدین إذا امتثل الأمر لم تکن هذه الزیادة الملتزم بها موجبة لوقوع قرض ربوی ؛ لأنّ الضمان لیس ضماناً قرضیّاً ، و إنّما هو ضمان بسبب الأمر بالاتلاف .

و بتعبیر آخر : أنّ الربا المحرّم إنّما یکون فی المعاملة کعقد القرض أو البیع أو الصلح و نحو ذلک ، و أمّا ضمان الغرامة بقانون الأمر بالاتلاف فهو لا یستبطن تملیکاً معاملیاً ، فلا یجری فیه الربا المحرّم ، فلا یکون فی هذه الحالة فائدة البنک من الفائدة القرضیّة المحرّمة » (2) ، انتهی .

ثمّ أورد علی هذا الحلّ بإشکالین و سیأتی .

و قبل طرح الإشکال لنا کلام حول المقدّمة التی یتوقّف علیها هذا الحلّ ،

ص:147


1- 1) هاهنا خلاف بین الفقهاء - نذکره فی ذیل کلامه قدس سره - فی أنّه هل یمکن تسدید الدین بمال الغیر أو لا ؟ باعتبار أنّ الدین حقیقةً مبلغ کلّی فی ذمّة المدین مملوکاً للدائن و تسدیده أی إیجاده فی ضمن مصداق ، فهل یصدق التسدید علی إیجاد ذلک الکلّی فی ضمن مال الغیر . . . ؟ فبعض قالوا : لا بأس به . و بعض قالوا : لا یمکن؛ لأنّ هذا الکلّی لا ینطبق علی هذا المصداق ، فمن ثمّ ذهبوا إلی أنّ المتبرّع أو الثالث - کالبنک - إذا أراد تسدید دین الغیر ، فلا بدّ من تقدیر آنٍ قبل التسدید یملک الغیر هذا المال للمدین ، ثمّ بعد ما یکون هذا المال ملکاً للمدین یدفعه الدائن فسیکون التسدید بمال المدین لا بمال الغیر . فهذا الحلّ یتوقّف علی ذلک ، أی صحّة تسدید الدین بمال الغیر لا أنّه قبل التسدید آناً ما یملک المدین ثمّ یملکه الدائن .
2- 2) البنک اللاربوی / 168 - 169 .

و هی حقیقة التسدید و واقعه .

هل تکون حقیقة التسدید تطبیق الکلّی فی ذمّة المدین علی مصداق أو هی معاوضة ؟

و بعبارة اخری : هل التسدید انطباق الکلّی علی جزئی خاصّ أو هو من باب استبدال الکلّی بجزئی ؟

الظاهر أنّه لا معنی فی هذا الباب للتطبیق ، بل التسدید فی الواقع معاوضة سهلة المئونة یجرونها العقلاء ؛ لأنّه لو أراد المدین تسدید دینه بمال نفسه فلا معنی لأن نقول : هذا المصداق الخارجی هو مصداق الکلّی الذی یکون فی ذمّة المدین ملکاً للدائن ؛ لأنّه لو کان هذا إیجاد المصداق للکلّی فی الذمّة فلا بدّ أن تبرأ ذمّة المدین و لو لم یقبض الدائن ، مع أنّه لو لم یقبض لم یکن هذا تسدیداً ، فالصحیح حینئذٍ أنّ التسدید هو معاوضة ، یعنی یقوم البنک بدفع مال شخصی یملّکه للدائن(خالد)فی مقابل أنّ الدائن یملّک الکلّی - الذی یکون فی ذمّة المدین - للمدین(زید)، و بمقتضی قانون المعاوضة یخرج کلّ من العوضین حیث یدخل الآخر ، فلا یمکن لنا أن نقول :

یخرج المال من البنک إلی الدائن(خالد)و العوض - و هو ملکیّة الکلّی - یدخل فی کیس المدین(زید)، بل لا بدّ من تقدیر أنّ البنک یملّک المدین أوّلاً ثمّ یسدّد بملک المدین دینه ثانیاً . و فی هذا الأمر لا فرق بین أن یکون التسدید بالتبرّع أو بأمر من المدین ، فیعود المحذور و هو وقوع القرض الربوی و الضمان القرضی ، و حینئذٍ فلا جدوی فی هذا الوجه .

و ناقش السیّد الصدر رحمه الله فی هذا الحلّ بأمرین :
الأوّل :

إنّ الدلیل الدالّ علی حرمة إلزام الدائن مدینه بزیادة علی الدین الذی حصل بالقرض یدلّ - عرفاً و بإلغاء الخصوصیّة بالارتکاز العرفی - علی حرمة إلزام الدائن مدینه بالزیادة فیما إذا کان الدین حاصلاً لا بسبب القرض ، بل بسبب الأمر

ص:148

بالاتلاف - کما فی المقام بحسب الفرض - لأنّ التفرقة بین الحالتین تعنی أنّ المدین إذا أصبح مدیناً فی مقابل تملّک شیء بالقرض ، فلا یجوز إلزامه بالزیادة ، و إذا أصبح مدیناً لا فی مقابل تملّک شیء فیجوز إلزامه بالزیادة فکأنّ تملّک شیء له دخل فی الارفاق به و تحریم إلزامه بالزیادة ، و هذا علی خلاف الارتکاز العرفی ، و علیه فتثبت حرمة الإلزام بالزیادة فی الحالة الثانیة أیضاً » (1).

و الحاصل : أنّ العرف لا یری المال الزائد - الذی یأخذه البنک - مقابلاً لإنشاء تملّک البنک المال براءة لذمّة المدین ، بل إنّما الإنشاء یوجب حدوث الدین الجدید بین البنک و المدین باعتبار أنّ البنک سدّد دینه ، فالزیادة تؤخذ علی ذلک الدین الثانی فیصیر قرضاً ربویّاً .

و مرجع هذا الإشکال إلی عدم الفرق فی الحرمة بین أخذ الزیادة الربویّة فی الدیون الابتدائیّة .

الثانی :

أنّا إذا سلّمنا عدم حرمة الإلزام بالزیادة فی الحالة الثانیة لعدم کونها زیادة فی عقد القرض ، فلا بدّ من سبب معاملی یجعل المدین ملزماً بدفع الزیادة ، و المفروض عدم وجود عقد القرض لکی یشترط علی المدین فی ضمن ذلک العقد دفع الزیادة .

و قد یراد تصویر هذا السبب عن طریق جعالة یجعلها زید فیقول للبنک : إذا سدّدت دینی البالغ عشرة دنانیر فلک دینار ، فیستحقّ البنک حینئذٍ عشرة دنانیر بقانون ضمان الغرامة و دیناراً بقانون الجعالة بازاء عمله و هو تسدید الدین .

و هذه الجعالة تختلف عن الجعالة التی مرّت بنا فی الوجه السابق ؛ لأنّ تلک جعالة علی عملیّة الاقراض ، أی بازاء التملیک علی وجه الضمان . و أمّا هذه فلیست جعالة علی التملیک ؛ لأنّه لا یوجد تملیک من البنک لزید فی الحالة الثانیة التی ندرسها الآن ،

ص:149


1- 1) البنک اللاربوی / 169 - 170 .

و إنّما هی جعالة علی تسدید البنک لدین زید علی أساس أنّ هذا التسدید عمل محترم یمکن فرض جعالة له .

و لکن بالرغم من هذا ، فإنّ هذه الجعالة تواجه نفس الاعتراض الذی أثرناه علی الجعالة المتقدّمة فی التقریب السابق ؛ لأنّ تسدید البنک لدین زید لیس له مالیّة إضافیّة وراء مالیّة نفس المال الذی یسدّده لخالد بعنوان الوفاء ، و المفروض أنّ هذا المال المسدّد مضمون فلا یتحمّل المورد ضماناً آخر لنفس عملیّة التسدید .

و إذا لم یتصوّر الضمان لم تصحّ الجعالة لما تقدّم من أنّها لا تنشئ الضمان ، و إنّما تحدّده فی الجعل المعیّن .

نعم ، إذا افترضنا أنّ تسدید البنک لدین زید کانت له قیمة مالیّة زیادة علی القیمة المالیّة للمال المسدّد جاء فیه ضمان الغرامة ، و بالتالی صحّت الجعالة فیه . و ذلک کما إذا کان تسدید البنک لدین زید یتمثّل فی جهد زائد علی مجرّد دفع المال إلی دائن زید ، و ذلک حین یکون دائن زید فی بلد آخر - مثلاً - و یأمر زید البنک بإرسال مبلغ من المال إلی ذلک البلد و دفعه إلی الدائن ، فإنّ ممارسة البنک لهذه العملیّة لها قیمة مالیّة زائدة علی القیمة المالیّة لنفس المال المدفوع ، و هذه القیمة المالیّة الزائدة مضمونة علی زید بسبب أمره للبنک بتسدید دینه و تحویله إلی دائنه ، و فی مثل هذه الحالة یمکن لزید أن یقوم بجعالة معیّنة فیجعل البنک جعلاً خاصّاً علی علمیّة التحویل و التسدید » (1).

تقییم الإشکالین

أمّا الإشکال الأوّل فهو فی الحقیقة إشکال صغروی نظیر ما مرّ فی الإشکال علی الحلّ الثالث ، کأنّه یراه أنّ الزیادة تؤخذ فیه علی المنشأ لا علی الإنشاء .

ص:150


1- 1) البنک اللاربوی / 170 - 171 .

و ذکرنا فی الجواب أنّ المدار علی الإرادة الجدیّة و هی الالتزام بالآثار القانونیّة أو الشرعیّة لصورة المعاملة ، و لیست الإرادة الجدّیة بمعنی الدواعی الأصلیّة .

و الإشکال الثانی أیضاً قد مرّ جوابه ، و هو متوقّف علی فرض قسم ثالث للمالیّة و صحّة الجعالة علیه ، و هذا لا بحث فیه .

و المهمّ بسط الکلام حول نقطتین یمکن طرحهما فی الإشکال الأوّل ، و هما :

تمثیل المقام بالدیون الابتدائیّة .

و المستند فی تعمیم الحرمة إلی الدیون الابتدائیّة .

أمّا النقطة الاُولی فهناک بحث لدی الأعلام بأنّه هل الضمان غرامة و درک - لیکون درک الشیء إذا تلف فی عهدة الضامن - أو المعاوضة - لیکون تلف المال المضمون من مال الضامن - ؟

مثلاً : إذا اتلفت سیّارة قیمتها تعادل أربعة ملایین ، و لمّا اتلفت ساوت و تنزّلت قیمتها إلی مائة ألف .

فإن قلنا بأنّ الضمان هو غرامة و درک ، فتبقی هذه الباقیة(مائة ألف)فی ملکیّة المضمون له ، و الباقی فی عهدة الضامن .

و أمّا إذا قلنا بأنّ الضمان معاوضة ، فالضامن یملک العین و القیمة الباقیة(مائة ألف)و یدفع أربعة ملایین إلی صاحب السیّارة ، کأنّه آناً ما قبل التلف یدخل فی ملکیّة الضامن و یتلف من ماله ، لا من مال المضمون له ، و هذا التملّک لیس مجازاً ، بل فی مقابل ثبوت المثل فی عهدته ، فالمال المضمون یتلف من مال الضامن فی مقابل ثبوت المثل ، فیکون نوع معاوضة ، فتلک الأجزاء المتبقّیة تکون من ملک الضامن و یدفع المال کلّه للمضمون له ، و ذهب جماعة إلی هذا الرأی .

نعم ، هناک قول ثالث - و هو الصحیح لدینا - من کون الضمان معاوضة بعد دفع الضامن لما ضمن ، فبالدفع تتحقّق المعاوضة المزبورة .

ص:151

فالضمان الحاصل بسبب الإتلاف لیس من الدیون الابتدائیّة ، بل هو دین مقابل العوض . غایة الأمر هذه المعاوضات قهریّة فتختلف عن المعاوضات الاختیاریّة .

نعم ، فی مثل الدیات و ما شابه ذلک قد یقال بأنّها دیون ابتدائیّة ؛ لأنّه لا معنی للمعاوضة فی تلک الموارد .

و أمّا النقطة الثانیة ففی مستند تعمیم حرمة أخذ الزیادة إلی الدیون الابتدائیّة .

و قد ذکر السیّد الشهید الصدر رحمه الله أنّ أخذ الزیادة فی هذا الحلّ لیس مقابل الإقدام و التسدید ، و إنّما الزیادة علی الدین الثانی - و هو دین ابتدائی ینشأ من تسدید البنک دین المدین ، و لیس دیناً معاوضیاً ، بل دین بسبب الاتلاف - فهاهنا یقع البحث فی أنّ حرمة أخذ الزیادة هل تشمل الدیون الابتدائیّة کما تشمل الدیون العوضیّة أم لا ؟

قیل : بالشمول ؛ لأنّ فی الدیون غیر الابتدائیّة لم یجوّز الشارع أخذ الزیادة علی المدین ، مع أنّه استلم عوضاً ، فکیف فی الدیون الابتدائیّة التی لم یستلم فیها عوضاً ؟ ! فالشارع یرأف بهذا المدین بطریق أوْلی .

و لکن هذه النکتة صحیحة فی الجملة ، و لیست تامّة دائمة . مثلاً : المدین بدین ابتدائی کالغاصب أو المتلف عمداً ، کیف یقال یرأف به ؟ ! و المعروف أنّه یؤخذ بأشدّ الأحوال ، و الذی تثبت علیه الدیة فی باب شبه العمد لا یرأف به لأنّه مقصّر ، فنکتة الرأفة غیر عامّة فی کلّ الموارد . نعم ، فی الموارد التی لیس فیها تقصیر - من الدیون الغرامیة - الرأفة مناسبة .

فإذن الصحیح فی وجه التعمیم هو : ما ورد فی الروایات فی ذیل قوله تعالی :

(وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) (1)من تفسیره بتأجیل الدین فی مقابل الزیادة ، و لیس فیها تقیید بالدین الناتج من القرض أو البیع ، و إن کان سبب نزول الآیة الردّ علی الیهود ، حیث أنّهم یقولون : ما الفرق بین أن نبیع المبیع الآن إلی السنة بثمن عالٍ أعلی

ص:152


1- 1) سورة البقرة 2 : 275 .

من الثمن النقدی ، و بین أن نبیع بثمن نقدی فأمهله و آخذ الزیادة علیه ، فالربا مثل البیع لا فرق بینهما .

و لکن فی تفسیرها الروائی لیست فیها نکتة الدین الحاصل من القرض أو من غیره ، هذا وجه التعمیم .

و هذا تمام الکلام حول النقطتین الجدیدتین فی هذا الحلّ .

ثمّ إنّه استدرک مطلباً - و هو فی محلّه تامّ - یقول :

إنّ ما أشکلنا فی ما إذا لم یقم البنک بجهد و عمل زائد علی دفع المال ، أمّا إذا افترضنا أنّ دائن زید یکون فی بلد آخر ، و یأمر زید البنک بعملیّة الإرسال - و هو عمل مالی غیر التسدید - فلا مانع من أخذ الزیادة مقابل تلک الأعمال التی لیست مرتبطة بنفس الدین الأوّل ، و إنّما هی أعمال محترمة ؛ لأنّ تلک الأعمال لها مالیّة و لیست هی أخذ الزیادة علی نفس الدین .

و بعبارة اخری : الذی ثبتت حرمته هو الزیادة علی الدین مقابل التأجیل ، و أمّا الزیادة الاُخری بأسباب مالیّة اخری ، فلا مانع فیه .

ص:153

الحیلة الخامسة : أخذ الزیادة مقابل إسقاط حقّ الوفاء فی مکان خاصّ

اشارة

ذکرها الشهید الصدر رحمه الله أیضاً و هی : « تختصّ ببعض القروض ، و هو ما إذا کان من قبیل القروض التی تُدفع إلی المدین خارج البلاد . . . فمثلاً :

قد یتقدّم شخص إلی البنک فی بغداد طالباً منه أن یزوّده بخطاب إلی وکیله فی الهند یأمره فیه بإقراضه مبلغاً معیّناً من المال ، فیزوّده البنک ، بهذا الخطاب ، ثمّ یقدّمه الشخص إلی الوکیل فی الهند و یقترض بموجبه المبلغ المحدّد .

و عقد القرض هذا وقع فی هذا المثال فی الهند ، و من حقّ المقترض - بمقتضی إطلاق عقد القرض - إلزام المقترض بالوفاء فی نفس مکان القرض ؛ لأنّ مکان وقوع القرض هو الأصل فی مکان الوفاء بمقتضی الإطلاق ، و علیه فیکون من حقّ البنک أن یطالب مدینه بالوفاء فی نفس المکان الذی تمّ فیه إقراضه عن طریق وکیله فی الهند ، غیر أنّ المدین غیر مستعدّ لذلک ، فإنّه یرید الوفاء فی العراق حالة رجوعه من سفره لا فی الهند ، فیمکن للبنک فی هذه الحالة أن یطالب بمقدار الفائدة لا بازاء المال المقترض ، بل بازاء تنازله عن الوفاء فی ذلک المکان المعیّن ، و لیس هذا رباً ؛ لأنّ البنک فی الواقع قد أقدم علی الاقراض مستعدّاً لقبول نفس المبلغ إذا دفع له فی نفس المکان ، و إنّما یطالب بالزیادة لقاء تنزّله عن المکان ، فیکون المقترض بین أمرین :

فأمّا أن یقتصر علی دفع نفس المبلغ علی أن یدفعه فی نفس المکان الذی وقع فیه القرض .

و أمّا أن یدفع زیادة علیه لقاء إسقاط الدائن حقّه فی الوفاء فی المکان المعیّن ،

ص:154

و سوف یختار المقترض الأمر الثانی .

و فی الواقع أنّ هذا الوجه هو الذی جوّزنا للبنک علی أساسه أن یأخذ عمولة علی التحویل » (1).

و بالجملة لا مانع من أن نقول : إنّ الزیادة إنّما تؤخذ فی مقابل إسقاط حقّ المکان - الثابت للمقرض - و کلّ زیادة لا تؤخذ مقابل الدین أو التأجیل ، و إنّما هی مقابل شیء آخر له مالیّة ، لا مانع منه .

و قبل الدخول فی البحث عن دلیل تلک القاعدة الکلّیة ، نلفت إلی أنّ السیّد الشهید رحمه الله اعترف بأنّ لهذا الحقّ - و هو حقّ تقاضی أخذ الدین فی بلد الإقراض - مالیّة ، و من المعلوم أنّ مالیّته من القسم الثالث من المالیّات التی تقدّمت . فهذا اعتراف منه بهذا القسم مع أنّه أنکر وجود تلک المالیّة فی ما سبق فی الجعالة .

قاعدة فی أنواع الزیادة المحرّمة فی الربا

هل تکون حرمة أخذ الزیادة فی الدیون مطلقة أو مشروطة بأخذها علی التأجیل ؟ بمعنی أنّ الزیادة المأخوذة علی الأجل حرام فقط أو مطلق أخذ الزیادة فی الدیون ؟

قد یقال : علی مقتضی القاعدة إنّ أخذ الزیادة بسبب الشرط جائز ، لو لا أدلّة تحریم الربا ؛ لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2) ، و لکن وردت الأدلّة الاُخری و حرّمت الربا .

و الربا و إن کان فی اللغة هو مطلق الزیادة ، إلّا أنّه فی الاصطلاح الشرعی یستعمل فی خصوص الزیادة المأخوذة علی الأجل ، فحینئذٍ لا تشمل أدلّة الحرمة مطلق الزیادة .

و المعروف فی الفتاوی أنّ کلّ قرض یجرّ نفعاً بالاشتراط فهو حرام ، و لا یصحّ

ص:155


1- 1) البنک اللاربوی / 171 - 172 .
2- 2) سورة المائدة 5 : 1 .

اشتراط الزیادة فی القرض مطلقاً حتّی الزیادة الحکمیّة ، و لذلک ذکروا أنّه إذا کان القرض یشترط فی ضمنه بیع و نحوه لا یجوز ، فإنّ الثمن و إن وقع مقابل المبیع إلّا أنّ إیقاع تلک المعاملة البیعیّة منفعة حکمیّة فی القرض ، فلا یجوز اشتراطها فی القرض .

فهاهنا یقال : الدائن حین ما یشترط علی المدین أن تسدیدک لی الدین فی بلد غیر بلد التحویل و الإقراض ینافی الحقّ الثابت فی شأن الدائن ، و هو مطالبة دینه فی بلد الإقراض ، فیأخذ الزیادة مقابل إسقاط ذلک الحقّ ، فهذا اشتراط منفعة حکمیّة فی الحقیقة ، و هی غیر جائزة .

و إذا کان البنک یشترط علی المدین أنّی سوف اسدّد دینک لکن مقابل الخدمات آخذ الزیادة ، فهو قرض یشترط فیه إجارة باعتبار أنّ البنک یقرض المدین و یشترط علیه أن یدفع ثمن الأعمال ، و هو إجارة أو شبه إجارة ، و هذا منفعة حکمیّة للدائن ، و هذا هو الإشکال فی الحیلة الخامسة .

و علی أیّ حال ، لا بدّ من تحریر هذا الأمر المهمّ فنقول :

إنّ الزیادة فی القرض إذا لم تشترط فلا ریب فی جواز أخذها من باب الضمان بسبب الأمر بقیامه بخدمات اخری ؛ لأنّ تلک الزیادة غیر مشترطة فی القرض ، و یجیء الفساد من ناحیة الشرط کما نصّ علیه جمع من الروایات ، کقوله علیه السلام فی روایة خالد بن الحجّاج : « جاء الربا من قبل الشروط ، إما یفسده الشروط » (1).

و أمّا إذا جاءت الزیادة بسبب الشرط ، فالمسألة ذات صور و احتمالات :

الصورة الاُولی : اشتراط زیادة عینیّة ، مجانسة أو غیر مجانسة ، مثلاً : یُقرض (100)دینار بشرط أن یأخذ(120)دیناراً علی رأس الشهر مثلاً ، أو یأخذ(100) دینار و کتاب .

الثانیة : اشتراط منفعة عینٍ ، مثلاً : یقرض(100)دینار بشرط أن یأخذ نفس

ص:156


1- 1) ب 12 / أبواب الصرف / ح1 .

المقدار و یرکب سیّارته مدّة معیّنة .

الثالثة : اشتراط عقد محاباتی أو مجّانی فی ضمن القرض ، بأن یقرض(100) دینار و یشترط علیه أخذ نفس المقدار مع بیع محاباتی - کأن یبیع المقرض شیئاً بأغلی من قیمته السوقیّة أو یشتری من المقترض شیئاً بأخصّ من ثمن المثل - أو یشترط علیه قرضاً آخر ، بلحاظ أنّ الدائن محتاج إلی متاع یکون عند المقترض ، فیقرض الدائن بشرط أن یستقرض ذلک المتاع ، أو یشترط علیه هبة ، فإنّها تملیک مجّانی ، أو عاریة ، و هی منفعة مجّانیّة ، فهذه منفعة حکمیّة ، أی فی حکم المنفعة .

الرابعة : اشتراط عقد معاوضی فی ضمن القرض لا محاباتی ، بأن یقرض(100) دینار و یشترط علیه إرجاع نفس المبلغ و بیعاً معاوضیّاً أو إجارة بالمثل لا محاباتیّاً .

الخامسة : اشتراط عقد غیر معاوضی فی ضمن القرض ، بأن یقرض و یشترط علیه وکالة - بأن أکون وکیلاً لک - أو ضامناً - بأن تکون ضامناً لی - أو کفالة أو رهناً .

السادسة : اشتراط عمل لا مالیّة له ، بأن یقرض و یشترط علیه أن یصلّی أوّل الوقت أو یجدّ فی دراسته .

فهل یا تری أنّ الشرط فی الربا حرام ، یشمل کلّ هذه الصور الستّة ؟ ادّعی الإجماع فی کتاب القرض أنّ کلّ قرض یجرّ نفعاً بالاشتراط فهو حرام ، خرج منه العمل المجرّد (أعنی الصورة السادسة)لأنّه لیس بمنفعة مالیّة ، و أمّا بقیّة الصور ففیها منفعة فمحرّمة ، حتّی أنّ الوحید البهبهانی رحمه الله ألّف رسالة فی خصوص هذه المسألة ؛ لأنّ الربا عمدته فی القرض و بالشرط .

و الشیخ جعفر کاشف الغطاء رحمه الله أیضاً ادّعی حرمة کلّ هذه الصور الخمسة ، إلّا أنّ السیّد بحر العلوم رحمه الله خالف فی ذلک ، و ذکر بأنّ الزیادة العینیّة حرام ، و أمّا الزیادة فی المنفعة الحکمیّة فلا إشکال فیها ، و جملة من الفقهاء - کما حکی صاحب الجواهر (1)

ص:157


1- 1) جواهر الکلام 25 / 62 .

عن الشیخ و ابن إدریس و یحیی بن سعید و العلّامة الحلّی و المحقّق الکرکی - أفتوا بجواز الصورة الرابعة و الخامسة .

الفات إلی نقطتین

1 - إنّ الصورة الاُولی و الثانیة من قبیل القسم الأوّل من المالیّات المتقدّمة ، و الثالثة من قبیل القسم الثانی ، و الصورة الرابعة إلی السادسة من قبیل القسم الثالث من المالیّات .

2 - إنّ الزیادة التی تؤخذ مقابل التأجیل لا تسوّغ - حتّی و لو کانت بشرط ابتدائی - بعد عقد القرض ، بمعنی أنّ أخذ الزیادة بالشرط حرام مطلقاً - سواء کان فی عقد القرض أو بعده ابتداءً - .

نعم ، إذا دفع المدین الزیادة إلی الدائن من دون اشتراط مطلقاً من الدائن ، و إنّما دفعها لکی یمهله ، أی دفعها بداعی التأخیر و التأجیل فی الدین من دون أن یشترط الدائن ، فهذه جائزة و مکافأة ، و إن کان الأوْلی احتسابها من الدین علی ما ورد فی صحیحة غیاث بن إبراهیم (1).

و بالجملة : المشارطة فی التأخیر و إن لم تکن فی ضمن القرض هی کالمشارطة فی ضمن القرض ، فإنّ کلتیهما محرّمة . و الزیادة إن لم تکن بالمشارطة - و لو کان الداعی هو التأخیر - جائزة . هذا بیان فرض المسألة .

و العمدة فی البحث هو : الفحص عن الأدلّة و مقدار دلالتها .

یمکن الاستدلال علی حرمة مطلق الزیادة - و لو کانت بنحو المنفعة الحکمیّة -
اشارة

باُمور :

ص:158


1- 1) رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن یحیی ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « إنّ رجلاً أتی علیّاً علیه السلام فقال : إنّ لی علی رجل دیناً ، فأهدی إلیَّ هدیّة ، قال : أحسبه من دینک علیه »(ب19 / أبواب الدین / ح1).
الأمر الأوّل : إطلاق حرمة الربا فی بعض الآیات القرآنیّة :

1 - قوله تعالی : (الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهی فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ * یَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ یُرْبِی الصَّدَقاتِ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ کُلَّ کَفّارٍ أَثِیمٍ) (1).

2 - قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ * وَ إِنْ کانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَیْرٌ لَکُمْ) (2) .

3 - قوله تعالی : (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ * وَ اتَّقُوا النّارَ الَّتِی أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ) (3) .

4 - قوله تعالی : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ طَیِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ کَثِیراً * وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَکْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ أَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِیماً) (4) .

5 - قوله تعالی : (وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النّاسِ فَلا یَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ زَکاةٍ تُرِیدُونَ وَجْهَ اللّهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (5) .

قالوا : إنّ الربا معناه الزیادة ، و هذا العنوان - أی عنوان الربا - ورد فی الآیات الشریفة

ص:159


1- 1) البقرة 2 : 275 و 276 .
2- 2) البقرة 2 : 278 - 280 .
3- 3) آل عمران 3 : 130 و 131 .
4- 4) النساء 4 : 160 و 161 .
5- 5) الروم 30 : 39 .

علی نحو الاطلاق ، و لم یقیّد بشیء فیشمل اشتراط الزیادة من أی قسم کانت ، فالحرمة شاملة للجمیع .

و یلاحظ علیه : أنّ لفظ الربا و إن کان یستعمل فی اللغة فی مطلق النموّ و الزیادة ، إلّا أنّ الربا فی تلک الآیات الکریمة مع ملاحظة شأن نزولها ، ما استعمل فی ذلک ؛ لأنّ الربا المتعارف فی الجاهلیّة و عند الیهود کان فی الزیادة العینیّة ، لا سیّما مع القرائن الموجودة فی نفس الآیات ، و هی :

1 - تقابل البیع و الربا (إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا) ؛ لأنّ الزیادة فی البیع کانت من قبیل الزیادة العینیّة .

2 - إرباء الصدقات من حیث الثواب من قبیل الزیادة العینیّة ، إنّ من تصدّق بالدرهم کأنّه تصدّق بمائة درهم .

3 - ظهور (فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ) فی الزیادة العینیّة .

4 - و کذلک (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) .

5 - و کذلک (لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النّاسِ) و هو الاستنماء فی نفس الأموال .

و بالجملة لا یمکن التمسّک بإطلاق الآیات لإثبات حرمة مطلق الزیادة و لو سُلّم - مع غضّ النظر عمّا قلنا - سُلّم شمول الآیات للصورة الثانیة ، مضافاً إلی الصورة الاُولی دون البواقی .

الأمر الثانی : عدّة من الروایات فی أبواب مختلفة
اشارة

و قبل الورود فی هذا الأمر یجب أن ننبّه أنّ موضوع البحث لیس هو اشتراط الزیادة فی أثناء عقد القرض ، بل و لو اشترط الزیادة بعد وقوع القرض فی مقابل التأجیل ، یعنی بعد أن تنتهی مدّة القرض فیأتی المقرض و یطالب بدینه ، فالمقترض یستمهله أو المقرض یمهله مقابل الزیادة . و الحال فیه کالحال فی اشتراط الزیادة فی نفس عقد القرض .

1 - عن خالد بن الحجّاج ، قال : « سألته عن الرجل کانت لی علیه مائة درهم عدداً

ص:160

قضانیها مائة وزناً ؟

قال : لا بأس ما لم یشترط .

قال : و قال علیه السلام : جاء الربا من قبل الشروط ، إنّما یفسده الشروط » (1).

بتقریب : أنّ الدرهم الصحیح وزنه مثقال من الفضّة ، غایة الأمر الدراهم المتداولة - لعدم الدقّة فی ضربها - تزید أو تنقص . و الغالب نقصانه عن الوزن المعهود و هو المثقال . و علیه فلو أعطی مائة درهم - عدداً - فهذه المائة غالباً تنقص عن مائة مثقال .

فلو أخذ مائة مثقال من الفضّة کانت هذه زیادة علی ما أعطاه ، و هذه الزیادة محرّمة لو اشترطت .

و قوله علیه السلام : « لا بأس » و إن کان أعمّ من الحرمة و الکراهة ، إلّا أنّ قوله علیه السلام : « إنّما یفسده الشروط » یدلّ علی الحرمة

و فیه : أوّلاً : أنّها ضعیفة السند لجهالة خالد .

ثانیاً : لا یبعد إرادة الزیادة العینیّة من الزیادة فی جوابه علیه السلام ؛ لأنّه دفع أقلّ من مائة مثقال ، و یأخذ أکثر منها ، و هذه هی الزیادة العینیّة .

2 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « سألته عن الرجل یستقرض الدراهم البیض عدداً ثمّ یعطی سوداً وزناً ، و قد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ و تطیب بها نفسه أن یجعل له فضلها ؟

فقال : لا بأس به إذا لم یکن فیه شرط ، و لو وهبها له کلّها صلح » (2) .

و تدلّ بمفهومها علی أنّه إذا کان فیه شرط ففیه بأس ، و هی أیضاً مختصّة بالزیادة

ص:161


1- 1) ب 12 / أبواب الصرف / ح1 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن یحیی بن الحجّاج ، عن خالد بن الحجّاج(خالد مجهول).
2- 2) ب 12 / أبواب الصرف / ح2 . رواه محمّد بن یعقوب ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی .

العینیّة بقرینة قوله : « أثقل ممّا أخذ » .

3 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاک بخیر منها فلا بأس إذا لم یکن بینکما شرط » (1).

و فیه : أنّها و إن کانت فی الزیادة الحکمیّة بقرینة قوله علیه السلام : « بخیر منها » إلّا أنّ « البأس » الثابت بالمفهوم أعمّ من الکراهة و الحرمة ، فلیست نصّاً فی الحرمة . مضافاً إلی احتمالها الزیادة العینیّة بقرینة ما فی سائر الروایات من کون(الخیریّة)فی النقود هو بلحاظ عدم الغشّ فیها أو کون وزنها وافیاً .

و ربّما یستظهر من الروایة أنّها فی مقام تحدید الربا ، فتستفاد منها الحرمة .

4 - صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یقترض من الرجل الدرهم فیردّ علیه المثقال ، و یستقرض المثقال فیردّ علیه الدرهم ؟

فقال : إذا لم یکن شرط فلا بأس ، و ذلک هو الفضل ، إنّ أبی علیه السلام کان یستقرض الدراهم الفسولة فیدخل علیه الدراهم الجیاد فیقول : یا بنیّ ، ردّها علی الذی استقرضتها منه ، فأقول : یا أبة ، إنّ دراهمه کانت فسولة و هذه خیر منها ، فیقول :

یا بنیّ ، إنّ هذا هو الفضل ، فأعطه إیّاها » (2) .

و فیه : أنّ مفهومها ثبوت البأس فی الزیادة الحکمیّة ، و هو ظاهر فی الحرمة لا نصّ فیها ، علی أنّ الزیادة یمکن أن تکون من قبیل العینیّة ، کما تقدّم . 5 - موثّقة عبد الملک بن عتبة : عن عبد صالح علیه السلام قال : « قلت له : الرجل یأتینی یستقرض منّی الدراهم فاُوطّن نفسی علی أنّ اؤخّره بها شهراً للذی یتجاوز به عنّی ،

ص:162


1- 1) ب 12 / أبواب الصرف / ح3 . رواه محمّد بن یعقوب ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی .
2- 2) ب 12 / أبواب الصرف / ح7 . رواه الکلینی عن أبی علیّ الأشعری ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، و عن محمّد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .

فإنّه یأخذ منّی فضّة تبر علی أن یعطینی مضروبة ، إلّا أنّ ذلک وزناً بوزن سواء ، هل یستقیم هذا ؟ إلّا أنّی لا اسمّی له تأخیراً ، إنّما اشهد لها علیه فیرضی . قال : لا احبّه » (1).

و موردها الزیادة الحکمیّة ؛ لأنّ(فضّة تبر)هی غیر مسکوکة ، و(فضّة مضروبة) هی المسکوکة ، و هی أزید من التبر ، فتکون من قبیل الزیادة فی الصفة .

إلّا أنّ « لا احبّه » أعمّ من الحرمة و الکراهة ، و لیس نصّاً فی الحرمة .

6 - عن داود الأبزاری ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « لا یصلح أن تقرض ثمرة و تأخذ أجود منها بأرض اخری غیر التی أقرضت فیها » (2) .

بناءً علی ظهور قوله علیه السلام : « و تأخذ » فی الشرط الضمنی الارتکازی ، و هو أن یعلم کلا الطرفین و یوقّعان العقد مبنیّاً علیه .

و فیه : أنّ « لا یصلح » مردّد بین الحرمة و الکراهة .

7 - صحیحة غیاث بن إبراهیم : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « إنّ رجلاً أتی علیّاً علیه السلام فقال : إنّ لی علی رجل دیناً فأهدی إلیَّ هدیّة ، قال : احسبه من دینک علیه » (3) .

و هذه محمولة علی الاستحباب ، مع أنّ الفرض فیها الزیادة العینیّة .

8 - موثّقة إسحاق بن عمّار : عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « سألته عن الرجل یکون له مع رجل مال قرضاً فیعطیه الشیء من ربحه مخافة أن یقطع ذلک عنه فیأخذ ماله من غیر أن یکون شرط علیه ؟ قال : لا بأس بذلک ما لم یکن شرطاً » (4) .

ص:163


1- 1) ب 12 / أبواب الصرف / ح9 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن عبد اللّه ابن جبلة ، عن عبد الملک بن عتبة .
2- 2) ب 12 / أبواب الصرف / ح10 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن عبیس بن هشام ، عن ثابت بن شریح ، عن داود الأبزاری .(داود مجهول).
3- 3) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح1 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن یحیی ، عن غیاث .
4- 4) المصدر المتقدّم / ح3 . رواه الصدوق عن أبیه ، عن عبد اللّه بن جعفر الحمیری ، عن علیّ

و موردها الزیادة العینیّة ، و لا إشکال فی أنّها مع الشرط تحرم .

9 - صحیحة یعقوب بن شعیب : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « سألته عن الرجل یسلم فی بیع أو تمر عشرین دیناراً ، و یقرض صاحب السلم عشرة دنانیر أو عشرین دیناراً . قال : لا یصلح إذا کان قرضاً یجرّ شیئاً ، فلا یصلح .

قال : و سألته عن رجل یأتی حریفه و خلیطه فیستقرض منه الدنانیر فیقرضه ، و لو لا أن یخالطه و یحارفه و یصیب علیه لم یقرضه . فقال : إن کان معروفاً بینهما فلا بأس ، و إن کان إنّما یقرضه من أجل أنّه یصیب علیه فلا یصلح » (1).

و لیست صریحة فی الحرمة ، و سیأتی أنّها موافقة للعامّة و تعارضها أخبار مستفیضة ، مع أنّ الفرض الأوّل فی الروایة لم یکن فیه اشتراط ، بل لا تخلو عن إشعار بأنّ « لا یصلح » فی ما تقدّم من الروایات بمعنی الکراهة .

10 - صحیحة محمّد بن قیس : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من أقرض رجلاً ورقاً فلا یشترط إلّا مثلها ، فإن جوزی أجود منها فلیقبل ، و لا یأخذ أحد منکم رکوب دابة أو عاریة متاع یشترطه من أجل قرض ورقه » (2) .

و هی الروایة الوحیدة التی اعتمد علیها المحقّق الأردبیلی فی المنع عن الزیادة فی الصفة .

و الروایة من حیث الموضوع مختصّة بالزیادة الاُولی أو الثانیة ، و لیست متعرّضة لزیادات اخری .

ص:164


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح9 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان و علیّ بن النعمان ، عن یعقوب بن شعیب .
2- 2) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح11 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن یوسف بن عقیل ، عن محمّد بن قیس .

و من حیث المحمول لیست بصریحة فی الحرمة ؛ لأنّ « لا » الناهیة و إن کان له ظهور قوی فی التحریم ، إلّا أنّه یستعمل کثیراً فی الکراهة أیضاً ، إلّا أنّه إذا لم یحرز الترخیص تحمل علی الحرمة .

11 - موثّقة إسحاق بن عمّار : قال : «قلت لأبی إبراهیم : الرجل یکون له علی الرجل المال قرضاً فیطول مکثه عند الرجل لا یدخل علی صاحبه منه منفعة فینیله الرجل الشیء بعد الشیء کراهیة أن یأخذ ماله ، حیث لا یصیب منه منفعة ، أ یحلّ ذلک له ؟

قال : لا بأس إذا لم یکن بشرط » (1).

و فیه : أنّ « البأس » الثابت بالمفهوم أعمّ من الکراهة و الحرمة ، مضافاً إلی أنّ « النوال » یستعمل فی الهدایا العینیّة .

12 - صحیحة محمّد بن الحسن الصفّار : قال : « کتبت إلی الأخیر علیه السلام : رجل یکون له علی رجل مائة درهم فیلزمه فیقول له : انصرف إلیک إلی عشرة أیّام و اقضی حاجتک ، فإن لم أنصرف فلک علَیَّ ألف درهم حالّة من غیر شرط ، و أشهد بذلک علیه ، ثمّ دعاهم إلی الشهادة .

فوقّع علیه السلام : لا ینبغی لهم أن یشهدوا إلّا بالحقّ ، و لا ینبغی لصاحب الدین أن یأخذ إلّا الحقّ إن شاء اللّه » (2) .

قوله : « فإن لم أنصرف فلک علَیَّ ألف درهم » ظاهر فی الشرط ، و المورد من الزیادات العینیّة و حرمتها واضحة .

13 - صحیحة علیّ بن جعفر : عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : « سألته عن رجل أعطی رجلاً مائة درهم علی أن یعطیه خمسة دراهم أو أقلّ أو أکثر ؟

ص:165


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح13 . رواه الشیخ بإسناده عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، و بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، مثله .
2- 2) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح14 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار .

قال : هذا الربا المحض » (1).

یعنی الزیادة العینیّة هی الربا المحض ، و الزیادات الاُخری هی فی حکم الربا و شبیهة به ، أو أنّ ربا القرض هو الربا الأصلی ، و أمّا ربا المعاوضة و المکیل و الموزون فملحق به ، فالمعنی مردّد بینهما ، مضافاً إلی عدم تعرّضها لحکم الربا غیر المحض .

14 - صحیحة مسعدة بن صدقة : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « سئل عن رجل له مال علی رجل من قبل عینة عیّنها إیّاه ، فلمّا حلّ علیه المال لم یکن عنده ما یعطیه ، فأراد أن یقلب علیه و یربح ، أ یبیعه لؤلؤاً أو غیر ذلک ما یسوی مائة درهم بألف درهم و یؤخّره ؟ قال : لا بأس بذلک قد فعل ذلک أبی رضی الله عنه و أمرنی أن أفعل ذلک فی شیء کان علیه » (2) .

و سیأتی الکلام حول هذا البحث و نظائره .

15 - صحیحة محمّد بن إسحاق بن عمّار ، قال : « قلت للرضا علیه السلام : الرجل یکون له المال فیدخل علی صاحبه و یبیعه لؤلؤة تسوی مائة بألف درهم ، و یؤخّر عنه المال إلی وقت . قال : لا بأس به ، قد أمرنی أبی ففعلت ذلک .

و زعم أنّه سأل أبا الحسن علیه السلام عنها فقال مثل ذلک » (3) .

16 - عن رجل کتب إلی العبد الصالح علیه السلام : یسأله إنّی اعامل قوماً أبیعهم الدقیق أربح علیهم فی القفیز درهمین إلی أجل معلوم ، و أنّهم سألونی أن اعطیهم عن نصف الدقیق دراهم ، فهل من حیلة لا أدخل فی الحرام ؟

ص:166


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح18 . رواه عبد اللّه بن جعفر فی(قرب الإسناد)عن عبد اللّه بن الحسن ، عن جدّه علیّ بن جعفر ، و رواه علیّ بن جعفر فی کتابه أیضاً .
2- 2) ب 9 / أبواب أحکام العقود / ح3 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة .
3- 3) ب 9 / أبواب أحکام العقود / ح6 . رواه الشیخ بإسناده عن أبی علیّ الأشعری ، عن الحسن بن علیّ بن عبد اللّه ، عن عمّه محمّد بن أبی عبد اللّه ، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار .

فکتب إلیه : أقرضهم الدراهم قرضاً و ازدد علیهم فی نصف القفیز بقدر ما کنت تربح علیهم » (1).

مفاد تلک الروایات جواز البیع بشرط الإقراض أو بشرط التأجیل .

و یستدلّ بها تارة : لحلّیة الزیادة غیر العینیّة (2) .

و اخری : لحرمة الزیادة .

أمّا تقریب دلالتها علی الحلّیّة إجمالاً فهو :

أنّ حقیقة التأجیل هو نفس اشتراط المدّة الزائدة فی التسدید بعد حلول وقت الأداء . و بعبارة اخری : هو ضرب مدّة ثانیة لأداء الدین یُتّفق علیها ، فإذا کان هذا معنی التأجیل یظهر من الروایات جواز أخذ المنفعة الحکمیّة علی التأجیل ، فیکون من أخذ الزیادة عند اشتراط الامهال ثانیاً .

و لیعلم أنّ جماعة من الفقهاء فی التأجیل اللاحق علی عقد القرض لم یفرّقوا فی الحرمة بین أن یهب بشرط التأجیل أو أن یؤجّل بشرط الهبة (3) و هناک عدّة من الروایات تدلّ علی هذا التعمیم فی الحرمة ، فالزیادة المحرّمة الربویّة اللاحقة واقعاً فی مقابل التأجیل ، سواء جعل التأجیل أصلاً و شرط فیه الزیادة أم جعلت الهدیة أصلاً بشرط التأجیل ، أی بشرط إسقاط حقّ المطالبة إلی مدّة .

ص:167


1- 1) ب 9 / أبواب أحکام العقود / ح7 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن إبراهیم بن إسحاق ، عن محمّد بن سلیمان الدیلمی ، عن أبیه ، عن رجل .(إبراهیم بن إسحاق مجهول ، و محمّد بن سلیمان الدیلمی ضعیف).
2- 2) و المراد من الزیادة ، الزیادة من القسم الثالث فصاعداً .
3- 3) و سیأتی صیاغة وجه علی حدة علی حلّیّة الزیادة من الأقسام الأخیرة مفاده أنّ الإجارة بشرط القرض هی عین القرض بشرط الإجارة ، و أنّ ما یقال من أنّ أحدهما أصیل و الآخر تبع بخلاف العکس تفرقة صوریّة ، و کذا ما یقال من أنّ الإجارة تارة مشروط فیها و القرض شرط ، و اخری القرض مشروط فیه و الإجارة شرط ، فهو أیضاً مغایرة صوریّة فی مقام اللفظ .

فإذا اتّضحت هذه النکتة یظهر من هذه الروایات الدالّة علی جواز البیع المحاباتی بشرط التأجیل کون هذا النمط من الزیادة لیس من الفائدة الربویّة المحرّمة ، و هذا النوع من الزیادة و الفائدة هو من القسم الثالث من الأقسام الستّة المتقدّمة .

و أمّا التدلیل علی هذه النکتة فلسنا بصدد تفصیل الدلیل فی المقام .

نکتة معترضة

قد یستدلّ للحلّیة فی القسم الثالث فصاعداً أنّ هذه الزیادات لیست بمال قبل الاشتراط و المصالحة بها مقابل التأخیر ، أی أنّ مالیّتها من القسم الثالث من الأقسام الستّة المتقدّمة ، و إذا کان الحال کذلک فلا یبعد دعوی انصراف الربا المحرّم عن الزیادة المالیّة المتفرّعة علی الاشتراط ، أی أنّ ظاهر أدلّة حرمة الربا هو فی اشتراط الزیادة المالیّة التی هی مال قبل الاشتراط لا بعده .

هذا و مع وجود الروایات المجوّزة لا حاجة إلی الاعتماد علی هذا الوجه .

و أمّا تقریب دلالتها علی الحرمة فهو : أنّ تلک الروایات تفرض و تنشئ حیلة لأجل الفرار من الربا فی البیع المحاباتی بشرط التأخیر أو البیع المحاباتی بشرط القرض ، فتجعل البیع المحاباتی أصلاً و الآخر فرعاً ، و تدلّ علی أنّه لا بدّ من الاحتیاط فراراً عن الربا ، فلولا هذه الحیلة لوقع فی الربا ، فتدلّ علی أنّ القرض أو التأجیل بشرط البیع المحاباتی رباً محرّم ، و الفرار منه بتبدیل الأصل و الفرع .

و فیه : أنّ الاستدلال بتلک الروایات علی الحرمة متوقّف علی تمامیّة ثلاث نقاط :

الاُولی : الفرق بین البیع بشرط التأخیر و بین التأخیر بشرط البیع ، و أیضاً الفرق بین البیع بشرط القرض و بین القرض بشرط البیع .

الثانیة : إمکان أن یقع فی ضمن الإیقاع شرط ؛ لأنّ التأخیر إسقاط و هو إیقاع ، فإذا لم یمکن أن یشترط فی الإیقاع شرط فیرجع التأخیر بشرط البیع إلی البیع بشرط التأخیر .

ص:168

الثالثة : ثبوت المفهوم لتلک الروایات بمعنی أنّ تلک الروایات تدلّ علی أنّ البیع المحاباتی بشرط التأخیر لا بأس به ، و لا تدلّ علی أنّ التأخیر بشرط البیع المحاباتی فیه بأس . و أنّها تدلّ علی أنّ أخذ الزیادة مع التوصّل بالبیع المحاباتی جائز ، و لا تدلّ علی جواز العکس .

و لو سلّمنا تمامیّة النقطة الاُولی و الثانیة فتمامیّة الثالثة مشکلة (1). فهذه الروایات إن لم تجعل دلیلاً للحلّیة فلا تکون دلیلاً علی الحرمة ؛ لأنّها لیست فی صدد بیان الحلّیة إذا جعل البیع المحاباتی أصلاً و القرض فرعاً .

هذا ما یمکن الاستدلال به علی حرمة الزیادة .

و المتحصّل منه : أنّ الاستدلال بإطلاق الآیات الشریفة ممنوع .

و الروایات الصحیحة یدور أمرها بین خلل فی الموضوع و بین خلل فی المحمول .

أمّا الخلل فی الموضوع فکلّ ما کان صریحاً و نصّاً فی الحرمة فهو فی الزیادة العینیّة فقط دون غیرها .

و أمّا الخلل فی المحمول فکلّ ما کان صریحاً فی الزیادة الحکمیّة فلیس نصّاً فی الحرمة .

مضافاً إلی وجود المعارض لها ، کما سیأتی البحث عنه فی الذیل .

الأخبار المجوّزة لأخذ الزیادة الحکمیّة

و هنا روایات یمکن الاستدلال بها علی جواز أخذ الزیادة الحکمیّة فی الجملة ، أو توهّم دلالتها علی الجواز . و علی فرض تمامیّة روایات الطائفة المانعة - المتقدّمة - تعدّ هذه الروایات المجوّزة معارضة لتلک .

1 - معتبرة أبی الربیع الشامی ، قال : « سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن رجل أقرض رجلاً

ص:169


1- 1) و سیأتی فی ذیل الروایات الدالّة علی الجواز بیان عدم الفرق فی النقطة الاُولی .

دراهم فردّ علیه أجود منها بطیبة نفسه ، و قد علم المستقرض و القارض أنّه إنّما أقرضه لیعطیه أجود منها .

قال : لا بأس إذا طابت نفس المستقرض » (1).

و« أجود منها » زیادة حکمیّة .

« قد علم المستقرض و القارض » یمکن أن یکون بمعنی الداعی أو بمعنی الشرط الارتکازی .

و علی الثانی : تکون الروایة فی مورد اشتراط الزیادة الحکمیّة ؛ لأنّ معنی الشرط الارتکازی هو أن یعلم به کلا الطرفین و یوقّعان العقد مبنیّاً علیه ، و من المحتمل أن یکون بعنوان الداعی ، و حینئذٍ « لیعطیه » یحتمل أن یکون بمعنی الداعی ، فهذا الاحتمال یعارض استظهار ذاک . غایة الأمر ظهوره فی الشرط الارتکازی أقوی .

و لا یشکل بأنّ نفیه علیه السلام للبأس معلّق علی طیبة المستقرض ممّا یدلّ علی أنّ أخذ الدراهم الجیاد لیس سائغاً بالشرط فی القرض ، و هذا الاستعمال فی جوابه علیه السلام متعارف فی قبال المواجبة الشرطیّة و التعاقدیّة .

و فیه : أنّ الراوی قد فرض فی سؤاله طیبة نفسه ، إلّا أنّه ضمّ إلی ذلک علم المتعاقدین ببناء القرض علی إعطاء الدراهم الجیاد .

2 - صحیحة یعقوب بن شعیب : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یقرض الرجل الدراهم الغلّة فیأخذ منها (2) الدراهم الطازجة (3) طیّبة بها نفسه ؟ فقال :

لا بأس ، و ذکر ذلک عن علیّ علیه السلام » (4) .

ص:170


1- 1) ب 12 / أبواب الصرف / ح4 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد و أحمد بن محمّد جمیعاً ، عن ابن محبوب ، عن خالد بن جریر ، عن أبی الربیع .
2- 2) فی الفقیه و التهذیب : « منه » .
3- 3) درهم طازج : جیّد نقی .
4- 4) ب 12 / أبواب الصرف / ح5 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن صفوان ، عن یعقوب بن شعیب .

بناءً علی أنّ « فیأخذ » شرط ارتکازی ، و لکن یحتمل أن یکون بنحو الاتّفاق یعنی أخذ الزیادة من دون شرط ، أو تکون الروایة مطلقة تقیّد ب « جاء الربا من قبل الشروط » .

3 - موثّقة أبی مریم(عبد الغفّار بن القاسم): عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله کان یکون علیه الثنیّ فیعطی الرباع » (1).

و« الثنیّ » البعیر البکر .

و« الرباع » أغلی من الثنیّ ، لکن دلالتها إنّما هی علی جواز إعطاء الزیادة من دون اشتراط .

4 - صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : « سألت أبا الحسن علیه السلام من الرجل یجیئنی فأشتری له المتاع و أضمن عنه ، ثمّ یجیئنی بالدراهم فآخذها و أحبسها عن صاحبها و آخذ الدراهم الجیاد و اعطی دونها ؟

فقال : إن کان تضمّن فربّما اشتدّ علیه فعجّل قبل أن تأخذ و تحبس بعد ما تأخذ فلا بأس » (2) .

و لکن موردها أخذ الزیادة الحکمیّة من دون شرط و لا مانع منه .

5 - صحیحة یعقوب بن شعیب : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قلت : یسلف الرجل الورق علی أن ینقدها إیّاه بأرض اخری ، و یشترط علیه ذلک ، قال : لا بأس » (3) .

ص:171


1- 1) ب 12 / أبواب الصرف / ح6 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن یونس بن یعقوب ، عن أبی مریم .
2- 2) ب 12 / أبواب الصرف / ح8 . رواه الکلینی عن أبی علیّ الأشعری ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .
3- 3) ب 14 / أبواب الصرف / ح1 . رواه الکلینی عن أبی علیّ الأشعری ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن علیّ بن النعمان ، عن یعقوب بن شعیب .

بتقریب : أنّ القرض لیس فیه اقتضاء تسدید الدین فی أرض معیّنة ، و ماهیّته لا تقتضی أرضاً معیّنة . نعم ، تقتضی أرضاً ما ، و حینئذٍ فهل یمکن أن یعیّن فیه أرضاً ؟ الظاهر أنّه لا مانع منه ، بل لا بدّ من تعیینها ، و علی فرض الاطلاق ینصرف إلی بلد الإقراض .

و ما یقال من أنّ إطلاق الأرض ینصرف إلی کون بلد الأداء هو بلد الإقراض ، فهو فی الحقیقة نوع تعیین بقرینة الاطلاق - أی إرسال اللفظ من دون قرینة خاصّة - و هذا لیس من اقتضاء ماهیّة القرض ، بل من باب قرینة الإطلاق ، فحیث أنّ ماهیّة القرض تقتضی أرضاً ما لأداء الدین ، فحینئذٍ تعیین هذه الخصوصیّة لا مانع منه أو لا بدّ منه .

و هذا هو محلّ البحث فی باب الدین و الرهن .

فذهب جماعة من الفقهاء إلی جواز تعیین الأرض و إن صاحَبَ منفعة ، و هذا یدلّ علی جواز زیادة المنفعة .

و لقائل أن یقول : إنّ الروایة تدلّ علی جواز اشتراط أرض معیّنة و لا یرفع الید عن تلک الدلالة ، و لا تدلّ علی جواز اشتراط الزیادة الحکمیّة ، فإنّ دلالتها علی جواز اشتراط أرض معیّنة من ذاتیّ القرض فلا یقاس علی اشتراط شیء لیس من ذاتی القرض .

و الجواب عنه : بأنّه لو کان مطلق الزیادة محرّماً فی القرض لوجب أن یشترط المقرض علی المستقرض أرضاً لیست فیها منفعة حکمیّة إن کان بلد الإقراض فیجب أن یشترط بلد الإقراض ، لکی لا تشترط الزیادة . و علی کلّ حال ، یجب أن یشترط بلداً لا تکون فیه زیادة حکمیّة .

ضعیف ؛ لأنّ عقد القرض شرّع لأجل قضاء الحوائج و اشتراط أرض لیست فیها زیادة حکمیّة حرج یتنافی مع الأغراض و الحِکَم التی شرّع عقد القرض لها .

6 - صحیحة أبی الصباح : عن أبی عبد اللّه علیه السلام « فی الرجل یبعث بمال إلی أرض ، فقال للذی یرید أن یبعث به : أقرضنیه و أنا اوفیک إذا قدمت الأرض .

ص:172

قال : لا بأس » (1).

و تقریبها بالتقریب السابق .

7 - معتبرة السکونی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا بأس بأن یأخذ الرجل الدراهم بمکّة و یکتب لهم سفاتج أن یعطوها بالکوفة » (2) .

و السفاتج : جمع سُفتجة ، و هی أن یعطی مالاً لآخر و للآخر مال فی بلد المعطی فیوفیه إیّاه هناک فیستفید أمن الطریق .

8 - صحیحة أبان بن عثمان : « فی الرجل یسلف الرجل الدراهم ینقدها إیّاه بأرض اخری ، قال أبو عبد اللّه علیه السلام : لا بأس » (3) .

9 - صحیحة إسماعیل بن جابر : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قلت : یدفع إلی الرجل الدراهم فاشترط علیه أن یدفعها بأرض اخری سوداً بوزنها ، و اشترط علیه ذلک ؟

قال : لا بأس » (4) .

و هی نصّ فی الجواز من حیث تصریحها باشتراط دفع السود - و هی أثقل ممّا أخذ (5) - فی أرض اخری ، و هذه الصحیحة قرینة و حاکمة تفسیریّة علی کثیر من الروایات المانعة التی بلسان النهی عن مثل ذلک ، فضلاً عن الروایات التی تکون بلسان « لا یصلح » أو « لا احبّ » و أنّها محمولة علی الکراهة .

ص:173


1- 1) ب 14 / أبواب الصرف / ح2 . رواه الکلینی ، عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن علیّ بن النعمان ، عن أبی الصباح .
2- 2) ب 14 /أبواب الصرف / ح3 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی(الحسین بن یزید)، عن السکونی(إسماعیل بن أبی زیاد).
3- 3) ب 14 / أبواب الصرف / ح4 . رواه الصدوق بإسناده عن أبان بن عثمان .
4- 4) ب 14 / أبواب الصرف / ح5 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن علیّ بن النعمان ، عن ابن مسکان ، عن إسماعیل بن جابر .
5- 5) علی ما فی صحیحة الحلبی(ب 12 / أبواب الصرف / ح2).

و الغریب أنّ المحقّق الأردبیلی و جمع آخر من الذین جوّزوا اشتراط زیادة الصفة ، ذکروا أنّ المعتمد فی المنع هو صحیحة محمّد بن قیس (1)، و لم یذکروا فی قبالها صحیحة إسماعیل بن جابر ، مع أنّها نصّ فی الجواز ، و کذلک من مثل المحقّق المیرزا البجنوردی ، حیث لم یتعرّض لهذه الروایة فی قواعده الفقهیّة .

10 - صحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام : « فی الرجل یسلف الرجل الورق علی أن ینقدها إیّاه بأرض اخری ، و یشترط ذلک . قال : لا بأس » (2) .

11 - صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یسلف الرجل الدراهم ینقدها إیّاه بأرض اخری و الدراهم عدداً ؟ قال : لا بأس» (3) .

12 - عن هذیل بن حیّان : قال : « قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنّی دفعت إلی أخی جعفر مالاً فهو یعطینی ما أنفقه و أحجّ منه ، و أتصدّق ، و قد سألت من قِبلنا فذکروا أنّ ذلک فاسد لا یحلّ ، و أنا احبّ أن أنتهی إلی قولک ، فقال لی : أ کان یصلک قبل أن تدفع إلیه مالک ؟ قلت : نعم .

قال : خذ منه ما یعطیک ، فکلّ منه و اشرب ، و حجّ ، و تصدّق ، فإذا قدمت العراق فقل : جعفر بن محمّد أفتانی بهذا » (4) .

لکن دلالتها فی مورد عدم الاشتراط مع أنّها فی الزیادة العینیّة .

ص:174


1- 1) المتقدّمة تحت الرقم 10 من الأخبار المانعة(ب 19 / أبواب الدین / ح11).
2- 2) ب 14 / أبواب الصرف / ح6 . رواه الشیخ بإسناده ، عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن ابن مسکان ، عن زرارة .
3- 3) ب 14 / أبواب الصرف / ح7 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه .
4- 4) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح2 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد و سهل بن زیاد جمیعاً ، عن ابن محبوب ، عن هذیل بن حیّان أخی جعفر بن حیّان(أو حنّان)الصیرفی .(هذیل مجهول).

13 - صحیحة محمّد بن مسلم : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یستقرض عن الرجل قرضاً و یعطیه الرهن إمّا خادماً و إمّا آنیة ، و إمّا ثیاباً ، فیحتاج إلی شیء من منفعة فیستأذن فیه ، فیأذن له ؟ قال : إذا طابت نفسه لا بأس .

قلت : إنّ من عندنا یروون أنّ کلّ قرض یجرّ منفعة فهو فاسد ، فقال : أ وَ لیس خیر القرض ما جرّ منفعة » (1).

و هذا فی قبال العامّة ؛ لأنّ مبنی أکثرهم - حسب ما ینقل ابن قدامة الحنبلی (2) - « أنّ کلّ قرض یجرّ نفعاً ، إن کان بشرط فلا یجوز ، و إن لم یکن بشرط ، بل بداعی جلب المنفعة ، فهو أیضاً حرام ، و فی غیرهما جائز » .

و لا یخفی أنّ موارد التقیّة فی روایات أهل البیت علیهم السلام لیست منحصرة فی فتاوی المذاهب الأربعة ؛ لأنّه فی عهد الأئمّة علیهم السلام لم تکن المذاهب الأربعة هی المتنفّذة فقط ، بل کثیر من فقهاء العامّة کالنخعی و الأوزاعی و ابن سعد و غیرهم ممّن کانوا متنفّذین ، إلّا أنّه فی القرن الرابع وحّدت مذاهبهم فی الأربعة المعروفة ، و لیس مدار التقیّة فی الروایات ملاحظة تلک الأربعة فقط ، بل یلحظ المسالک و المذاهب الموجودة و المتنفّذة فی عصر کلّ معصوم علیه السلام .

و هذه الروایة و نظائرها ناظرة إلی مبنی العامّة ، و هل مفادها بطلان تلک القاعدة رأساً ، و أنّ کلّ قرض یجرّ نفعاً لا بأس به ، إلّا القرض الذی فیه زیادة عینیّة ، فتشمل ما نحن فیه - أعنی اشتراط الزیادة الحکمیّة - ؟

أو أنّ مفادها نفی قول العامّة بالنسبة إلی خصوص تعمیم الحرمة إلی الداعی ؟ فالروایات حینئذٍ ردّ علی العامّة فی ما إذا کان بداعی الزیادة من دون شرط ، فلا بأس

ص:175


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح4 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن أبی أیّوب(الخزّاز أو الخرّاز)الکوفی(إبراهیم بن عثمان بن زیاد).
2- 2) المغنی 4 / 360 .

فیه ، و إنّما البأس فی الشرط فقط لا فی مجرّد الداعی .

وجهان ، و الظاهر هو الأوّل .

و لا یمکن ارتکاب تخصیص ظهور موثّقة محمّد بن مسلم (1)بموثّقة إسحاق بن عمّار (2) ؛ لأنّ مورد موثّقة محمّد بن مسلم الزیادة الحکمیّة ، بینما مورد موثّقة إسحاق الزیادة العینیّة .

14 - عن محمّد بن عبده : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن القرض یجرّ المنفعة ؟

فقال : خیر القرض الذی یجرّ المنفعة » (3) .

و هی فی مورد عدم الاشتراط .

15 - عن بشیر بن مسلمة : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قال أبو جعفر علیه السلام : خیر القرض ما جرّ المنفعة » (4) .

و هی کالسابقة .

16 - عن علیّ بن محمّد - و قد سمعته من علیّ - : « قال : کتبت إلیه : القرض یجرّ منفعة ، هل یجوز أم لا ؟ فکتب : یجوز ذلک . . . » الحدیث (5) .

ص:176


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح4 . المتقدّمة تحت الرقم(13)من طائفة الأخبار المجوّزة .
2- 2) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح3 ، المتقدّمة تحت الرقم(8)من طائفة الأخبار المانعة .
3- 3) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح5 . رواه الکلینی ، عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن صفوان ، عن ابن بکیر ، عن محمّد بن عبده .(ابن عبده مجهول).
4- 4) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح8 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن علیّ بن محبوب ، عن أیّوب بن نوح ، عن الحسن بن علیّ بن فضّال ، عن بشیر بن مسلمة(أو بشر بن مسلمة ، أو بشیر بن مسلم ، أو بشیر بن سلمة ، و الثقة منهم إنّما هو بشر بن مسلمة الموجود فی هامش مخطوط الوسائل).
5- 5) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح16 . رواه الشیخ بإسناده عن الصفّار ، عن محمّد بن عیسی ، عن علیّ بن محمّد .

و هی کسابقتها .

17 - صحیحة أبی بصیر : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قلت له : الرجل یأتیه النبط بأحمالهم فیبیعها لهم بالأجر فیقولون له : أقرضنا دنانیر فإنّا نجد من یبیع لنا غیرک ، و لکنّا نخصّک بأحمالنا من أجل أنّک تقرضنا .

فقال : لا بأس به ، إنّما یأخذ دنانیر مثل دنانیره ، و لیس بثوب إن لبسه کسر ثمنه ، و لا دابة إن رکبها کسرها ، و إنّما هو معروف یصنعه إلیهم » (1).

و هو من الإجارة(التوکیل فی البیع بأُجرة)بشرط القرض ، و لا إشکال فیه .

و العامّة لا یفرّقون بین الإجارة و البیع بشرط القرض ، و القرض بشرط البیع و الإجارة ، کلاهما حرام عندهم .

18 - صحیحة جمیل بن درّاج : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قلت : أصلحک اللّه ، إنّا نخالط نفراً من أهل السواد فنقرضهم القرض و یصرفون إلینا غلّاتهم فنبیعها لهم بأجر و لنا فی ذلک منفعة ؟ قال : فقال : لا بأس ، و لا أعلمه إلّا قال : و لو لا ما یصرفون إلینا من غلّاتهم لم نقرضهم ؟ قال : لا بأس » (2) .

و هی کصحیحة أبی بصیر المتقدّمة (3) فی ظهورها فی مشارطة ذلک بنحو التبانی بخلاف موارد الداعی من دون مشارطة یکون إن شاء فعل و إن شاء لم یفعل .

19 - موثّقة إسحاق بن عمّار : عن العبد الصالح علیه السلام ، قال : « سألته عن الرجل یرهن العبد أو الثوب أو الحلیّ أو المتاع من متاع البیت فیقول صاحب الرهن للمرتهن :

ص:177


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح10 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر .
2- 2) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح12 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن أبی عمیر ، عن جمیل ابن درّاج .
3- 3) تحت الرقم(17).

أنت فی حلّ من لبس هذا الثوب ، فألبس الثوب ، و انتفع بالمتاع ، و استخدم الخادم ؟ قال : هو له حلال إذا أحلّه ، و ما احبّ له أن یفعل » (1). و قوله علیه السلام : « هو له حلال » لیس من باب الشرط .

20 - مرسلة جمیل : عن رجل ، قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أصلحک اللّه ، - إلی أن قال : - و سئل أبو جعفر علیه السلام عن الرجل یکون له علی الرجل الدراهم و المال فیدعوه إلی طعامه أو یهدی له الهدیّة ؟ قال : لا بأس » (2) .

و هی کالسابقة .

21 - صحیحة علیّ بن جعفر : عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : « سألته عن الرجل یقول للآخر : علّمنی عملک و اعطیک ستّة دراهم و شارکنی ، قال : إذا رضی فلا بأس » (3) .

هی إمّا فی غیر مورد القرض کالإجارة ، و إمّا هدیة - لأنّ التعلیم له مالیّة - بشرط الإقراض و لا إشکال فیه .

22 - معتبرة محمّد بن إسحاق بن عمّار : قال : « قلت لأبی الحسن علیه السلام : إنّ سلسبیل طلبت منّی مائة ألف درهم علی أن تربحنی عشرة آلاف فأقرضها تسعین ألفاً و أبیعها ثوب و شیء تقوّم بألف درهم بعشرة آلاف ، قال : لا بأس » (4) .

ص:178


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح15 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن صفوان و علیّ بن رباط ، عن إسحاق بن عمّار .
2- 2) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح17 . رواه الصدوق بإسناده عن جمیل بن درّاج ، عن رجل ، و رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن درّاج ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام . و صورة الطریق صحیحة بإسناد الشیخ إن لم نقل إنّ الطریق واحد .
3- 3) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح19 . رواه عبد اللّه بن جعفر فی قرب الإسناد ، عن عبد اللّه بن الحسن ، عن جدّه علیّ بن جعفر ، و رواه علیّ بن جعفر فی کتابه .
4- 4) ب9 / أبواب أحکام العقود / 1 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ،

23 - صحیحة محمّد بن إسحاق بن عمّار : قال : « قلت لأبی الحسن علیه السلام : یکون لی علی الرجل دراهم فیقول : أخّرنی بها و أنا اربحک فأبیعه جبّة تقوّم علَیَّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم - أو قال : بعشرین ألفاً - و اؤخّره بالمال ، قال : لا بأس » (1).

بناءً علی عدم الفرق بین جعل التأخیر أصلاً و الأرباح فرعاً و بین عکسه ، فإذا جاز التأخیر بشرط البیع المحاباتی فیجوز عکسه ، و کذا القرض بشرط البیع ، فتکون هاتان الروایتان دالّتین علی جواز الزیادة من الصورة الثالثة صریحاً .

24 - صحیحة عبد الملک بن عتبة : قال : « سألته عن الرجل ارید أن أعینه المال أو یکون لی علیه مال قبل ذلک ، فیطلب منّی مالاً أزیده علی مالی الذی لی علیه ، أ یستقیم أن أزیده مالاً و أبیعه لؤلؤة تسوی مائة درهم بألف درهم فأقول : أبیعک هذه اللؤلؤة بألف درهم علی أن أُؤخّرک بثمنها و بما لی علیک کذا و کذا شهر ؟ قال : لا بأس » (2) .

و موردها البیع المحاباتی بشرط التأجیل .

هذا کلّ ما یمکن إیراده ، و المعتمد منه روایات اشتراط أرض اخری (3) فی تسدید الدین ، لا سیّما صحیحة إسماعیل بن جابر 4 ، التی هی نصّ فی ما نحن فیه .

و کذلک ستّ روایات اخری ، و هی الثلاثة الأخیرة من طائفتی روایات الحرمة و روایات الجواز (4) .

ص:179


1- 1) ب 9 / أبواب أحکام العقود / ح4 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبی عمیر ، عن محمّد بن إسحاق بن عمّار .
2- 2) ب 9 / أبواب أحکام العقود / ح5 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن علیّ بن الحکم ، عن عبد الملک بن عتبة .
3- 3،4) ب 14 / أبواب الصرف .
4- 5) أی: صحیحتی مسعدة بن صدقة و محمّد بن إسحاق ، و مرسلة محمّد بن سلیمان ،

فتحصّل إلی هنا : أنّ الزیادة العینیّة حرام قطعاً ، و الزیادة التی من قبیل رکوب الدابة منصوصة کما فی صحیحة محمّد بن قیس (1).

أمّا الزیادة فی الصورة الثانیة فمقتضی الجمع بین صحیحة محمّد بن قیس - الظاهرة فی الحرمة - و بین صحیحة إسماعیل بن جابر (2) - الناصّة علی جواز زیادة الجودة - و غیرها ، التی یمکن أن یقرّب ظهورها فی ذلک أیضاً ، هو الحمل علی الکراهة ، فتصیر الزیادة الصورة الثانیة مکروهة ، و لکن إذا قیل إنّ زیادة الجودة من قبیل الصورة الثالثة ، فیبقی رکوب الدابّة داخلاً فی الحرمة التی هی مفاد صحیحة محمّد بن قیس .

أمّا الصورة الثالثة ، فقد تقدّم دلالة صحیحتی مسعدة بن صدقة (3) و محمّد بن إسحاق (4) ، و مرسلة محمّد بن سلیمان (5) - المذکورة فی آخر الروایات المانعة (6) - علی حلّیّة الزیادة من الصورة الثالثة صریحاً ، و غیرها ممّا تقدّم ممّا یمکن تقریبه فی الدلالة علی ذلک ، کصحیحة أبی بصیر (7) .

و أمّا الزیادة التی هی من قبیل القسم الرابع - فضلاً عمّا بعده - فلا إشکال فیها ؛ إذ قد ذکرنا جواز القسم الرابع لروایات اشتراط أرض اخری (8) ، و مضافاً إلی الروایات ،

ص:180


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح11 .
2- 2) ب 14 / أبواب الصرف / ح5 .
3- 3) ب9 / أبواب أحکام العقود / ح3 .
4- 4) ب9 / أبواب أحکام العقود / ح6 .
5- 5) ب9 / أبواب أحکام العقود / ح7 .
6- 6) تحت الأرقام(14)و(15)و(16).
7- 7) المذکورة تحت الرقم(17).
8- 8) ب 14 / أبواب الصرف .

المنفعة فی الصورة الرابعة و الخامسة لیست منفعة مالیّة طبعیّة ، بل لو تلفت لا تضمن ؛ إذ هی من القسم الثالث من المالیّات .

فمقتضی الجمع جواز اشتراط الزیادة الحکمیة فی الصورة الثانیة و ما بعدها من الصور ، مع کراهة فی الثانیة لصحیحة محمّد بن قیس (1).

و هنا وجه ثانٍ یمکن تقریبه ، و هو أنّه بعد المفروغیّة من جواز البیع بشرط القرض أو الإجارة بشرط القرض عند أکثر القائلین بعموم حرمة أنواع الزیادة فی الربا القرضی ، إن لم یکن کلّهم ، و بنوا علی حرمة العکس بتقریب : أنّ الإجارة بشرط القرض عبارة عن جعل الإجارة تعاقد أصیل ، و القرض تبع لها بخلاف العکس ، و أنّ الإجارة أو البیع فی الصورة الاُولی مشروط فیهما و القرض شرط ، و أمّا فی الصورة الثانیة الممنوعة ، فالقرض أصیل مشروط فیه و الإجارة و البیع تبعان و هما شرط فیه ، و أنّ خیار تخلّف الشرط یثمر فی المشروط فیه لا فی ذات الشرط ، و هذا أحد ثمرات کون الشیء أصیلاً أو تبعاً لأصیل آخر .

و لکن هذا التقریب موهون ؛ إذ قد یقال بعدم الفرق بین الصورتین (2) و المغایرة و المفارقة صوریّة ، نظیر تقدیم الایجاب علی القبول أو القبول علی الایجاب ، و الوجه فی ذلک : أنّ ما ینشأ أوّلاً و یجعل مشروطاً فیه حیث یعلّق الالتزام به علی الالتزام بالشرط و یکون الالتزام بکل منهما مرتبطاً بالآخر ، ففی الحقیقة کما أنّ الالتزام بالمشروط فیه معلّق علی الالتزام بالشرط ، الالتزام بالشرط أیضاً فرع لزوم الالتزام بالمشروط فیه ، و لا یتوهّم الدور ، نظیر ما قیل فی التقابض فی العوضین ، أی أنّه دور معی .

ص:181


1- 1) ب 19 / أبواب الدین و القرض / ح11 .
2- 2) کما حکی ذلک فی الجواهر عن المختلف عن بعض مَن عاصره التوقّف فی الجواز ، و استظهر إرادة المحقّق الحلّی من کلام المختلف و أنّ له کلاماً و احتجاجاً . جواهر الکلام 25 / 64 .

ففی الحقیقة إنشاء ماهیّة المشروط فیه و إنشاء ماهیّة ذات الشرط ، الالتزام بکلٍّ منهما مرتبط بالآخر ، فالشرط و المشارطة عبارة عن معاملة فوقانیّة ، یتقابل فیها بین ذات المشروط فیه و ذات الشرط ، فیؤول الشرط الضمنی دائماً إلی کون الاشتراط عبارة عن معاملة فوقانیّة .

إن قلت : یلزم علی ذلک أنّ الهبة بشرط القرض هی عین القرض بشرط الهبة فیجب أن تکون محرّمة .

قلت : إنّ الشرط الضمنی و الاشتراط حیث یرجع إلی معاملة فوقانیّة لا یعنی ذلک أنّ نحو التقابل بین الطرفین فی الأمثلة المختلفة هو علی استواء ، ففی الصورة الاُولی التقابل بین الهبة بالمعنی المسبّبی مع القرض بالمعنی السببی - أی فعل الایجاب و القبول - و هو الإقراض ، و أمّا فی الصورة الثانیة فالمقابلة هی بین القرض بالمعنی المسبّبی و الهبة بالمعنی السببی - أی الایهاب - و هذا المقدار من الفرق لا نرید أن نمنعه ، و من ثمّ اختلف الحکم ، إنّما نرید التسویة من حیث أصل المقابلة کما فی التأجیل بشرط البیع المحاباتی مع البیع المحاباتی بشرط التأجیل .

و علی ضوء ذلک ، لو کانت الإجارة أو البیع بشرط القرض بنحو الشرط النتیجة - أی اشتراط مسبّب القرض - لما اختلف عن القرض بشرط الإجارة أو البیع . و من ثمّ یستشکل فی الهبة بشرط القرض بنحو شرط النتیجة .

و بهذا الوجه یظهر لک کیفیّة دلالة العدید من الروایات المتقدّمة التی فیها البیع أو الإجارة بشرط التأجیل .

و هنا وجه ثالث و هو : أنّ أدلّة حرمة الزیادة - علی فرض إطلاقها - منصرفة عن الصورة الرابعة فما بعدها ؛ لأنّها بالاشتراط تکون مالاً فلا تشملها أدلّة الحرمة ؛ لأنّها زیادة بعد ما یبذل بازائها المال ، فتکون خارجة موضوعاً .

و لو احتاط محتاط و تأمّل فی جواز الزیادة فی الصورة الثانیة فلا اضطراب فی جواز الصورة الثالثة و ما بعدها من الصور الستّة .

ص:182

هذا کلّه فی الربا القرضی .

و أمّا الربا المعاوضی،فهل یجری فی کلّ الزیادات أم لا ؟

و لکشف حقیقة الحال یجب أن نبحث تارة بحسب القاعدة ، و اخری بحسب الأدلّة الخاصّة .

أمّا الأوّل فإنّه تارة نبنی علی أنّ الربا المحرّم هو مطلق الزیادة - بشهادة اللغة - فیحرم مطلق الزیادة إلّا أن یدلّ دلیل علی الاستثناء .

لکنّه قد ذکرنا سابقاً أنّ نمط الزیادة و شرائطها قد تعرّض لها الشارع ، فیجب أن نتابع النصوص فی القیود و الشروط ، فلا یمکن التمسّک بعموم الآیة .

نعم ، قد یقال : الربا هو الربا المالی ، فالزیادة لا بدّ و أن تکون مالیّة ، فغایة ما یستدلّ بعموم الآیة الشریفة - لو سلّم تقریر مفاد الآیة کقاعدة أوّلیة - هی حرمة الزیادة فی الصورة الاُولی و الثانیة و الثالثة ؛ لأنّ فیها الزیادة المالیّة ، أمّا الرابعة و ما بعدها فلیست هی بنفسها مالاً بالذات .

و أمّا إذا لم نبن علی هذا التقریر و قلنا بأنّ مورد الآیة الربا القرضی لا المعاوضی ، فلا بدّ من ملاحظة حدودها من النصوص .

أمّا بالنسبة إلی الأصل العملی فهو عموم حلّیة إنشاء المعاملات إلّا ما خرج بالدلیل .

و أمّا الحکم الوضعی فمقتضاه الفساد .

و کون الحکم التکلیفی الحلّیّة لا تثبت الصحّة الوضعیّة ؛ لأنّ الأصل الجاری فی الوضعیّات هو استصحاب عدم وقوع المسبّب ، فیقتضی الفساد .

و أمّا بالنسبة إلی الأدلّة الخاصّة
اشارة

فلا بدّ من البحث - أوّلاً - فی التعبیر الوارد فی الروایات ، و هو « لا تبع إلّا مثلاً

ص:183

بمثل » (1)هل المراد منه المثلیّة فی المقدار أو المثلیّة فی المالیّة ؟

و ثانیاً : فی صحیحة محمّد بن قیس (2) الواردة فی الحنطة و الشعیر ، و فیها : « لا تبع الحنطة و الشعیر إلّا یداً بید » ، فهل یدلّ علی أنّ التأجیل لا یجوز ، و لا خصوصیّة فی الحنطة و الشعیر ، فیدلّ علی أنّ الأجل له زیادة مالیّة ، فلا یسوغ ، فیدلّ علی حرمة الزیادة الثالثة فضلاً عن الثانیة .

و لکن هناک روایات فی قبالها و هی روایات تعلیل حرمة أو کراهة بیع الرطب بالتمر أو العنب بالزبیب یعنی کراهة بیع جنس رطب بجنس جاف ، بأنّه إذا بیع نسیئة أو مؤجّلاً سوف یجفّ فی الرطب فیکون أقلّ من الجافّ ، فیقع التفاوت الوزنی ، و مؤدّاه جواز التأجیل فی غیر ذلک خلافاً لما ذکره الأعلام .

کما لا بدّ من التعرّض لروایات الصرف التی تشترط التقابض و النقدیّة ، و أنّ النقدیّة هل هی خاصّة بالصرف کالتقابض ، أو هی شرط فی کلّ الربا المعاوضی إذ هم لا یسوّغون التأجیل ، غایة الأمر الأدلّة واردة فی الصرف و لم ترد فی کلّ الربا المعاوضی .

و حینئذٍ فیکون التأجیل من القسم الثالث ، فتحرم الزیادات الثلاثة الاُولی . و بهذا المقدار لم یقم دلیل علی حرمة الزیادة الرابعة فما بعدها .

ما المراد ب « مثلاً بمثل » فی الروایات ؟

فقد ورد هذا التعبیر فی روایات کثیرة ، و یحتمل المراد منه المثلیّة فی المقدار أو المثلیّة فی المالیّة .

1 - عمر بن یزید عن أبی عبد اللّه علیه السلام - فی حدیث - أنّه قال : « یا عمر ، قد أحلّ اللّه

ص:184


1- 1) هذا مضمون مقتنص ممّا سیأتی من الروایات الواردة فی أبواب الربا .
2- 2) التهذیب 7 / 95 / الرقم 408 ؛ و فی الوسائل / أبواب الربا / ب 8 و 14 و 15 .

البیع و حرّم الربا ، بعْ و اربحْ و لا تربه .

قلت : و ما الربا ؟ قال : دراهم بدراهم مثلین بمثل ، و حنطة بحنطة مثلین بمثل » (1).

2 - صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أ یجوز قفیز من حنطة بقفیزین من شعیر ؟ فقال : لا یجوز إلّا مثلاً بمثل .

ثمّ قال : إنّ الشعیر من الحنطة » (2) .

3 - صحیحة أبی بصیر : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « الحنطة و الشعیر رأساً برأس ، لا یزاد واحد منهما علی الآخر » (3) .

4 - معتبرة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : قال : « لا یباع مختومان من شعیر بمختوم من حنطة ، و لا یباع إلّا مثلاً بمثل ، و التمر مثل ذلک » (4) .

5 - و بهذا الإسناد عن أبی عبد اللّه علیه السلام - فی حدیث - : قال : « و لا یصلح الشعیر بالحنطة إلّا واحد بواحد » (5) .

6 - موثّقة سماعة : قال : « سألته عن الحنطة و الشعیر ؟ فقال : إذا کانا سواء فلا بأس .

قال : و سألته عن الحنطة و الدقیق ؟ فقال : إذا کانا سواء فلا بأس » (6) .

ص:185


1- 1) ب 6 / أبواب الربا / ح2 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن سلیمان ، عن علیّ بن أیّوب ، عن عمر بن یزید .(محمّد بن سلیمان مجهول).
2- 2) ب 8 / أبواب الربا / ح2 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل و عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد بن أبی نصر ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه .
3- 3) ب 8 / أبواب الربا / ح3 . رواه الکلینی عن أبی علیّ الأشعری ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبی بصیر و غیره .
4- 4) ب 8 / أبواب الربا / ح4 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحلبی .
5- 5) ب 8 / أبواب الربا / ح5 .
6- 6) ب 8 / أبواب الربا / ح6 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن

7 - صحیحة محمّد بن مسلم : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قلت له : ما تقول فی البرّ بالسویق ؟ فقال : مثلاً بمثل لا بأس .

قلت : إنّه یکون له ربع . إنّه یکون له فضل ، فقال : أ لیس له مئونة ؟ فقلت : بلی ، قال : هذا بذا ، و قال : إذا اختلف الشیئان فلا بأس مثلین بمثل ، یداً بید » (1).

8 - صحیحة زرارة و محمّد بن مسلم : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الحنطة بالدقیق مثلاً بمثل ، و السویق بالسویق مثلاً بمثل ، و الشعیر بالحنطة مثلاً بمثل ، لا بأس به » (2) .

9 - صحیحة زرارة : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الدقیق بالحنطة ، و السویق بالدقیق ، مثل بمثل ، لا بأس به » (3) .

10 - صحیحة محمّد بن مسلم : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا اختلف الشیئان فلا بأس به مثلین بمثل ، یداً بید » (4) .

11 - موثّقة سماعة : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « المختلف مثلان بمثل ، یداً بید ، لا بأس به » (5) .

ص:186


1- 1) ب 9 / أبواب الربا / ح1 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن علیّ بن الحکم ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم .
2- 2) ب 9 / أبواب الربا / ح2 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، عن جمیل ، عن محمّد بن مسلم و زرارة .
3- 3) ب 9 / أبواب الربا / ح4 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن جمیل ، عن زرارة .
4- 4) ب 13 / أبواب الربا / ح1 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان و فضالة ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم .
5- 5) ب 13 / أبواب الربا / ح9 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، و أحمد بن محمّد جمیعاً ، عن ابن محبوب ، عن أبی أیّوب ، عن سماعة .
و استدلّ علی حرمة اشتراط أخذ الزیادة - مطلقاً - بوجوه :
اشارة

الأوّل : إنّ المراد من « مثل بمثل » فی الروایات المشار إلیها هی المثلیّة فی المقدار .

و من المعلوم أنّ المثلیّة فی المقدار لا موضوعیّة لها ، إلّا من جهة أنّها موجبة للتماثل فی المالیّة ، فحینئذٍ مثلیّة المقدار المشترطة هی کنایة عن المثلیّة فی المالیّة ، و علی ذلک فلا یجوز اشتراط زیادات مالیّة ، سواء عینیّة أم حکمیّة .

غایة هذا التقریب - لو تمّ - حرمة الزیادات الثلاث الاُولی ، لا ما فوقها .

لا سیّما أنّ تحریم الربا المعاوضی لأجل تحریم الربا القرضی ، و الذی فیه جهة المالیّة ، محفوظة و ملحوظة . فکیف بالمعاوضی ؟ فحینئذٍ یقال : بأنّه لا یسوغ أخذ قفیز بقفیزین لأجل أن لا تزاد المالیّة ، و إلّا فإن زیدت المالیّة بشیء آخر یکون وصولاً إلی الربا . فالحرمة فی المعاوضی تحریم مقدّمی فی عالم الملاکات .

الثانی : صحیحة محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام :

لا تبع الحنطة بالشعیر ، إلّا یداً بید ، و لا تبع قفیزاً من حنطة بقفیزین من شعیر . . . » الحدیث (1).

و هی دالّة علی عدم جواز التأجیل ؛ إذ التأجیل إمّا من الزیادة الثانیة أو الثالثة ، فإذا کان محرّماً فتحرم الزیادات الحکمیّة الاُخری .

الثالث : ورد فی صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : « إنّ النّاس لم یختلفوا فی النسیء أنّه الربا ، و إنّما اختلفوا فی الید بالید » (2) .

ص:187


1- 1) ب 8 / أبواب الربا / ح8 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن عاصم بن حمید ، عن محمّد بن قیس .
2- 2) ب 15 / أبواب الصرف / ح1 . رواه الکلینی عن أبی علیّ الأشعری ، عن محمّد بن عبد الجبّار و عن محمّد بن إسماعیل و عن الفضل بن شاذان جمیعاً ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .

و التأجیل زیادة ، و اشترط فی تلک الروایة و روایات اخری (1)عدمه ؛ لأنّ فیه فتح باب الربا .

و المنع من التأجیل فی الصحیحة مع اختلاف الجنس لیس من جهة الربا المعاوضی ، بل من جهة خصوصیّة ربا الصرف ، و إلّا فالربا المعاوضی یشترط فیه اتّحاد الجنس .

و أمّا اشتراط النقدیّة - غیر المختصّ بالصرف - فهو مقابل النسیئة .

و الأدلّة الثلاثة مخدوشة :

أمّا الأوّل، فلأنّ الواضح من الروایات بملاحظة تعابیر ک « رأس برأس » ، « واحد بواحد » ، « کانا سواء » ، و« مثل بمثل » أنّ المراد هو المثلیّة فی المقدار لا فی کلّ شیء .

نعم ، حکمة المثلیّة فی المقدار هی عدم الزیادة المالیّة ، و قد ذکر السیّد الیزدی رحمه الله أیضاً أنّ غایة ما دلّ الدلیل علیه فی الربا المعاوضی هو حرمة عدم المماثلة فی المقدار لا غیر .

و أمّا الثانی، فلصحیحة محمّد بن قیس ذیل یدلّ علی خلاف الاستدلال بها علی حرمة مطلق الزیادة ذکرها کاملة فی التهذیب : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا تبع الحنطة بالشعیر إلّا یداً بید ، و لا تبع قفیزاً من حنطة بقفیزین من شعیر .

قال : و سمعت أبا جعفر علیه السلام یکره وسقاً من تمر المدینة بوسقین من تمر خیبر ؛ لأنّ تمر المدینة أجودهما .

قال : و کره أن یباع التمر بالرطب عاجلاً بمثل کیله إلی أجل من أجل أنّ التمر ییبس فینقص من کیله » (2) .

ص:188


1- 1) ب 15 / أبواب الصرف .
2- 2) التهذیب 7 / 95 / الرقم 408 .

و« یکره » بمعنی « یحرم » .

و« إلّا یداً بید » ظاهر فی عدم التأجیل .

و الفقرة الثالثة نصّ فی عدم جواز التأجیل .

و لکن التعلیل الموجود فی الذیل(من أجل أنّ التمر ییبس فینقص من کیله . . .) یدلّ علی أنّ السبب فی عدم الجواز لیس وجود زیادة حکمیّة - و هو الأجل - بل لأنّه سیصبح تفاوت مقداری .

فإذن الزیادة الحکمیّة - فی نفسها - لیست محلّ إشکال ، و إلّا لما علّل بالجفاف و نقص الکیل ، و لمّا خصّص المنع فیه بالرطب و الجافّ ، بل لا یجوز فی کلّ المبادلات جافّ بجافّ ، أو رطب برطب إلی أجل ؛ لکون الزیادة الحکمیّة فیها موجودة ، و الروایة لا تفید ذلک ، بل تخصّ المنع بغیر الأجل .

و لو کان المنع بسبب الأجل فما هو وجه التخصیص بالجافّ و الرطب ؟ فالتخصیص دالّ علی أنّ الزیادة الحکمیّة فی نفسها لا ضیر فیها .

فحینئذٍ إمّا أن یحمل النهی عن التأجیل فی صدر الروایة علی حکم خاصّ فی الحنطة و الشعیر ، کما التزم بهذا الاحتمال بعض ، أو علی الکراهة ؛ لأنّ مقتضی القاعدة أنّ الوحدة المقداریّة معتبرة حین البیع ، و أمّا تلک الوحدة فیما بعد البیع ، فلیست شرطاً فی صحّة البیع ، فلذا حملوها علی الکراهة .

و أمّا الدلیل الثالث ، فکون النسیئة رباً لیس لأنّ النسیئة هی الزیادة ، بل الروایات

ص:189

ناظرة إلی أنّ مورد الربا هو النسیئة ، و أنّه تؤخذ الزیادة مقابل الإنساء ، لا أنّ نفس الإنساء هی الزیادة المالیّة .

مضافاً إلی وجود روایات تدلّ علی أنّ الزیادة الثالثة جائزة (1)، لا سیّما التأجیل الذی اشتهر بأنّه لا یجوز فی الربا المعاوضی .

فالمحصّل إنّ بهذا المقدار من الفحص نستنتج أنّ المحرّم إنّما هی الزیادة من القسم الأوّل و الثانی ، کما فی الربا القرضی ، و أمّا القسم الثالث فلا دلیل علی حرمته .

مضافاً إلی أنّ الربا القرضی أشدّ من المعاوضی ؛ لأنّ الربا المعاوضی حرّم لأجل لأنْ لا یتوصّل به إلی الربا القرضی ، فإنّه ربا صریح ، و الربا المعاوضی وسیلة له ، و مع ذلک لم تحرم مطلق الزیادة فی الربا القرضی ، فکیف بالمعاوضی ؟

هذا ، مع أنّ الأعلام اعتبروا نفس التأجیل زیادة حکمیّة ، و أنّ التأجیل له قسط من الثمن .

و لکن التأجیل لمن یجعل علی نفسه لیس زیادة و رباً ؛ إذ غالباً یأخذ الأجل من یکون محتاجاً - کالمستقرض - و نفس التأجیل فی الربا القرضی لا إشکال فیه ، فکیف بالأخفّ محذوراً ؟

ص:190


1- 1) ب 7 / أبواب السلف / ح1 ؛ ب 6 و 14 / أبواب بیع الثمار .

الحیلة السادسة : تحویل القرض إلی بیع

فیخرج بذلک عن کونه ربویّاً ما دام النقد من الأوراق النقدیّة التی لا تمثّل ذهباً و لا فضّة ، و لا تدخل فی المکیل و الموزون .

و قد ذکرها أیضاً الشهید الصدر رحمه الله فی ملحقات کتابه .

« فبدلاً عن أن یقرض البنک ثمانیة دنانیر بعشرة فیکون قرضاً ربویّاً ، یبیع البنک ثمانیة دنانیر بعشرة مؤجّلة إلی شهرین .

و الثمن هنا و إن زاد علی المثمّن مع وحدة الجنس ، و لکنّ ذلک لا یحقّق الربا المحرّم فی البیع ما لم یکن العوضان من المکیل و الموزون .

و الدینار الورقی لیس مکیلاً و لا موزوناً ، فیتوصّل البنک بهذا الطریق إلی نتیجة القرض الربوی عن طریق البیع .

و قد یقال : إنّ هذا لا یحقّق کلّ مکاسب القرض الربوی المحرّم ؛ لأنّ الشخص الذی أخذ ثمانیة دنانیر مع تأجیل الوفاء إلی شهرین - مثلاً - لو کان أخذها علی أساس القرض الربوی فبإمکان البنک المقرض - علی هذا الأساس - أن یلزمه بفائدة جدیدة فیما إذا تأخّر عن الدفع بعد شهرین ، و أمّا إذا کان قد أخذها علی أساس الشراء - بمعنی أنّه اشتری ثمانیة دنانیر بعشرة مؤجّلة إلی شهرین - فلیس للبنک أن یطالبه إلّا بالثمن المحدّد فی عقد البیع و الشراء ، و هو عشرة ، حتّی لو تأخّر عن الدفع بعد الشهرین ، و لو طالبه بفائدة علی التأخّر کان ذلک فائدة علی إبقاء الدین ، و یعود حینئذٍ محذور الربا المحرّم .

ص:191

و لکن بالإمکان التخلّص من ذلک بأن یشترط بائع الثمانیة بعشرة علی المشتری فی عقد البیع أن یدفع درهماً - مثلاً - فی کلّ شهر یتأخّر فیه المشتری عن دفع الثمن المقرّر من حین حلول أجله ، و لا یکون هذا رباً ، فإنّ إلزام المدین هنا بدفع الدرهم یکون بحکم البیع لا بحکم عقد القرض ، و لیس فی مقابل الأجل ، فکما کان یمکن للبائع أن یشترط علی المشتری أن یهب له درهماً فی کلّ شهر إلی سنة و یکون المشتری ملزماً حینئذٍ بذلک ، کذلک له أن یشترط علیه أن یدفع له درهماً فی کلّ شهر یتأخّر فیه عن دفع الثمن ، فلیس الشرط هو شرط أن یکون له درهم فی مقابل التأجیل ، فیکون من اشتراط الربا ، بل شرط أن یدفع المشتری درهماً فی جمیع الشهور التی تسبق دفع الثمن من حین حلول الأجل ، و حیث أنّه شرط فی عقد البیع فیکون لازماً .

و الحاصل : أنّ اشتراط دفع شیء فی عقد القرض غیر جائز ؛ لأنّه یُصیّر القرض ربویّاً ، کما أنّ اشتراط کون شیء فی مقابل الأجل بنحو شرط النتیجة غیر جائز - و لو وقع ضمن عقد بیع - لأنّه من اشتراط الربا .

و فی المقام : الشرط المدّعی لا هو واقع فی عقد القرض لیؤدّی إلی وجود قرض ربوی ، و لا هو من اشتراط کون شیء فی مقابل الأجل لیکون من اشتراط الربا المحرّم ، فلا مانع من نفوذه ، و بذلک یحصل البنک المقرض علی تمام مکاسب الربا » (1).

هذا ، و تلک الحیلة مشترکة مع الحیلة الثانیة - أعنی الضمیمة - فی ورود الإشکالات العدیدة علیها ، و قد مرّت تلک الإشکالات و أجوبتها فی ذیل الحیلة الثانیة ، فراجع .

أمّا ما ذکره من التذییل للحیلة بأن یشترط دفع درهم لکلّ تأخیر بعد حلول الأجل ، و أنّ ذلک بحکم البیع لا بحکم القرض ، فمحلّ إشکال ؛ إذ کون هذا الشرط فی ضمن

ص:192


1- 1) البنک اللاربوی / 173 - 175 .

البیع لا یخرجه عن کونه رباً ؛ إذ لیس الربا القرضی مخصوصاً بعقد القرض ، بل هو الزیادة فی أیّ دینٍ متولّد من أی عقد ، کما أنّ مقابلة الزیادة للتأجیل یکفی فیها بتقیید اشتراط الزیادة بظرف التأجیل أو بقید التأجیل .

ص:193

الحیلة السابعة : بیع عملة بعملة اخری

ذکرها أیضاً السیّد الصدر رحمه الله ، و هی مبتنیة علی تبدیل عملة بعملة من جنس آخر کالدولار بالدینار .

« فإنّ الدنانیر الثمانیة - فی المثال السابق - لا تباع بعشرة دنانیر فی الذمّة ، بل تباع بعملة اخری تزید قیمتها علی الدنانیر الثمانیة بحسب أسعار الصرف بمقدار ما تزید العشرة علی الثمانیة . مثلاً : تباع ثمانیة دنانیر ب(200)توماناً فی الذمّة ، و حیث إنّ النقود الورقیّة من هذا القبیل لا تجری علیها أحکام بیع الصرف ، فلا یجب فیها التقابض فی المجلس ، بل یجوز أن یکون الثمن مؤجّلاً إلی شهرین ، و فی نهایة شهرین یمکن للبائع أن یتقاضی من المشتری(200)توماناً أو ما یساوی ذلک من الدنانیر العراقیّة من باب وفاء الدین بغیر الجنس ، و هکذا تحصل نفس النتیجة المقصودة لمن یرید أن یقرض قرضاً ربویّاً دون قرض .

و لئن قیل فی بیع ثمانیة دنانیر بعشرة أنّه قرض لکونه تبدیلاً للشیء بمثله فی الذمّة ، فلا یقال هذا فی بیع ثمانیة دنانیر ب(200)توماناً ؛ لعدم المماثلة ، فیکون طابع البیع هو الطابع الوحید لهذه المعاملة » (1).

و بهذه الطریقة یندفع إشکال أنّ حقیقتها قرض لتغایر العملتین ، و أمّا الإشکال الذی قد ذکرنا من أنّه قد تعمّم أحکام الصرف فی النقد ، فباقٍ علی حاله .

ص:194


1- 1) البنک اللاربوی / 177 - 178 .

و قد ذکر السیّد الصدر رحمه الله إشکالاً آخر علی تلک الحیلة ، و هو إنّ هذا التقریب :

« إنّما یتمّ فی ما إذا لم ندّع قرضیّة هذه المعاملة أیضاً بحسب النظر العرفی بضمّ ارتکاز إلی الارتکاز السابق الذی کان فحواه أنّ کلّ معاملة مؤدّاها تبدیل الشیء بمثله فی الذمّة تعتبر قرضاً عرفاً و الارتکاز الجدید الذی لا بدّ من ضمّه هو ارتکاز النظر فی باب النقود إلی مالیتها دون خصوصیّاتها ، و هذا الارتکاز معناه أنّ المنظور إلیه عرفاً من بیع ثمانیة دنانیر بکذا توماناً هو تبدیل مالیة بمالیّة ، و حینئذٍ یشمله عنوان القرض بالنحو المقرّر فی الارتکاز السابق ؛ إذ یصدق علیه أنّه تبدیل الشیء إلی مثله فی الذمّة ؛ إذ بعد أن کان المرکوز فی النظر العرفی ملاحظة المالیّة فقط فی الدنانیر و التوامین التی وقعت مثمناً و ثمناً ، فلا یبقی التغایر بین الثمن و المثمن إلّا فی کون أحدهما خارجیّاً ، و الآخر ذمّیاً ، و هذا معنی تبدیل الشیء إلی مثله فی الذمّة الذی هو معنی القرض بمعناه الارتکازی الأوسع الذی یشمل بعض البیوع أیضاً » (1).

فهذه الحیلة لا تتمّ أیضاً إذا تمّت الارتکازات المشار إلیها .

و محصّله : أنّ حقیقة هذا البیع قرض بملاحظة أنّ الغایة من النقود لیست دیناریّة الدینار و دولاریّة الدولار ، بل الغایة فیها مالیّتها ، و فی الواقع جهة الدیناریّة و الدولاریّة - أعنی خصوصیّة النقود و أسامیها الخاصّة - ملغاة ، و إنّما النقود تمثّل مقدار المالیّة فقط ، و مع هذه الملاحظة تصیر المعاملة قرضاً حقیقة ؛ لأنّ قوام القرضیّة التوجّه إلی المالیّة و قوام البیع التوجه إلی الصفات و المنافع الشخصیّة ، کما مرّ .

و لکنّ هذا الاشکال ضعیف ؛ لأنّ النقود و إن کانت تمثّل مقدار المالیّة ، إلّا أنّها تختلف فی المحافظة علی المالیّة ، و به تختلف رغبات الناس إلیها .

کما أنّ غیر النقود - کالحنطة مثلاً - تمثّل مقداراً من المال ، و لکنّها تختلف عن السیّارة فی التحفّظ علی المالیّة ؛ لأنّ اختلاف القیمة السوقیّة فی أحدهما أکثر من

ص:195


1- 1) البنک اللاربوی / 178 و 179 .

الآخر ، و لأجله کانت رغبة النّاس فی انحفاظ أموالهم فی أحدهما أکثر من الآخر ، کذلک فی النقود ، بل و هذا منشأ ربح الصرّاف فی عمله ، فمن ذکاء الصرّاف أن یبادل نقوده بنقود یعلم بأنّها ستزداد .

فإنّا لا نستطیع أن ندّعی أنّ النقود عبر اختلاف أسماء أجناسها متمحّضة فی المالیّة و لا میز لها و لا تختلف رغبات النّاس إلیها .

فتحصّل : أنّ تلک الحیلة لا تعود إلی القرض حقیقة .

و لکنّ وجه الاحتیاط فی تلک الحیلة هو مسألة تعمیم أحکام الصرف إلی النقود ، فإنّ الربا فی القرض بابه وسیع ، قد یتوصّل إلیه بأبواب اخری - و إن لم تکن تلک الطرق کالقرض فی تحصیل الربا - و الشارع قد یسدّها و قد لا یسدّها ، و فی الصرف سدّ الشارع الباب .

فإذا کانت عمدة أحکام الصرف غیر مختصّة بالذهب ، بل تجری فی مطلق النقد ، فحینئذٍ فیه أحکام الصرف حتّی مع تغایر العملتین ، و إلّا فلو أغضی عن هذا الإشکال لکانت الحیلة السابقة أیضاً خالیة عن الإشکال ؛ لأنّ ربا المعدود لا مانع منه علی ما تقدّم .

ص:196

الحیلة الثامنة : الوکالة عن المودعین

اشارة

ذکرها أیضاً فی البنک اللاربوی ، و بیانها یحتاج إلی مقدّمة ، و هی :

إنّ الأموال المودعة فی البنک لا تعتبر ودیعة ؛ لأنّ الودیعة یجب فیها بقاء العین بشخصها و عدم التصرّف فیها ، بینما النقد المدفوع إلی البنک لا یبقی عینه و یتصرّف فیه ، فحینئذٍ المال الذی یدفع إلی البنک لیس بودیعة ، بل إنّما هو قرض ؛ إذ لو کانت الأموال ودیعة لانحلّ کثیر من عُقد المسائل فی أنشطة البنوک ؛ إذ الزیادة فی الودائع لا مانع منها من أی طرف کانت .

ثمّ قال : « یمکن للبنک أن یعتبر نفسه وکیلاً عن المودعین فی الإقراض من أموالهم ، فهو حین یقرض من الودائع التی لدیه یحتفظ لهذه الودائع بملکیّة أصحابها الأوّلین لها ، و یقرض منها باعتبار کونه مخوّلاً فی ذلک من قِبل أصحابها ، فیکون الدائن و المقرض حقیقة هو المودع لا البنک ، و إنّما یکون البنک وکیلاً عن المقرض و مفوّضاً من قِبله فی إقراض ماله بالشکل الذی یرتئیه ، و فی هذه الحالة یمکن للبنک أن یشترط علی المقترض - ضمن عقد القرض - أن یدفع زیادة علی المبلغ المقترض لدی الوفاء ، لکن لا للدائن الذی هو المودع بحسب القرض ، بل للبنک نفسه ، و لیس هذا رباً ؛ لأنّ الربا هو الزیادة التی یشترطها صاحب المال المقرض لنفسه علی المقترض .

و فی هذا الفرض لم یجعل للمقرض أی حقّ فی الزیادة ، و إنّما فرض علی المقترض أن یدفع الزیادة إلی شخص آخر غیر الدائن الحقیقی ، فهو من قبیل أنّ زیداً

ص:197

یقرض خالداً دیناراً و یشترط علیه أن یدفع درهماً لدی الوفاء للفقیر » (1).

ثمّ أشکل علی نفسه بأن : « هذا التقریب إنّما یجوز إذا لم نستفد من أدلّة حرمة القرض الربوی ، إلّا ترتّب الحرمة فی ما إذا اشترط المالک ما یکون منفعة له .

و أمّا إذا استفدنا من مثل قوله فی بعض الروایات : « فلا یشترط إلّا مثلها » و نحوه ، أنّ أی شرط لا یجوز إلّا شرط استرجاع مثل المال المقترض ، فلا یصحّ اشتراط المنفعة لغیر المالک فی عقد القرض أیضاً » (2) .

بمعنی أنّ الحرمة فی الربا حرمة أخذه مطلقاً ، سواء للمقرض أو للأجنبی ، فلا یجوز أخذ الزیادة مطلقاً فلا تنفع الحیلة .

و یقع البحث فی مقامین :
الأوّل : عمل البنک فی أخذ الأموال ، هل یعدّ ودیعة أو قرضاً ؟

الثانی : هل تکون الحرمة فی أخذ الزیادة ثابتة إذا کانت الزیادة للمقرض أو مطلقاً . . . ؟

أمّا المقام الأوّل فنقول : الودیعة هی الاستنابة فی الحفظ ، و فیها خواصّ ثلاثة :

بقاء العین ، و بقاء مالکیّة المالک علی عینه ، و جواز العقد ، بمعنی أنّ المالک فی أی وقت أراد استرجاع عینه فله أن یأخذها ، فهی من العقود الإذنیّة .

و القرض هو تملیک العین مع الضمان ، و فیه خواص ثلاثة : تملیک العین ، و المعاوضة بقیمة المثل ، و لزوم تسدیده بالعوض .

و بالنظرة الاُولی یحسب أنّ ما یقع فی البنوک و إن سمّی ودیعة و لکن لیس بودیعة ، لعدم وجود خواصّ الودیعة فیه ؛ فإنّ الإنسان إذا أودع مالاً فی البنک ، یتصرّف البنک فی عینه بلا شک و یعطیه الآخر فلا تبقی عینه ، و أیضاً لیس للمودع حقّ فی جبر البنک

ص:198


1- 1) البنک اللاربوی / 179 و 180 .
2- 2) البنک اللاربوی / 180 .

علی ردّ عین ماله و لا یمکن للمودع أن یأخذ ماله قبل الوقت المقرّر ، و أیضاً فإنّ الفوائد التی یأخذها البنک من المقترضین لا یدفعها بتمامها إلی المودع ، بل یدفع بنسبة معیّنة ، و معناه عدم بقاء العین علی ملکیّة صاحبها و لیس هذا من خواصّ الودیعة ، بل هو قرض .

و قالوا فی حلّ هذه المشکلة : إنّ الودیعة هی الاستنابة فی الحفظ ، و الحفظ فی کلّ شیء بحسبه ، تارةً ترید أن یُحفظ مالک بشخصه و خصوصیّاته و صفاته ، و تارة غرضک لیس حفظ المال بخصوصیّاته و تشخّصاته ، و إنّما غرضک حفظ مالیّة المال و لو فی ضمن عین اخری .

و حیث إنّ المهمّ عند العقلاء فی النقود لیس حفظ شخص الورقة - إلّا نادراً - بل المهمّ عندهم بقاء مالیّتها ، فالحفظ فیها بمعنی حفظ مالیّتها و لو فی ضمن ورق آخر .

و حیث إنّ البنوک تحفظ مالیّة الأوراق بهذا المعنی ، فیصدق علی عملهم الودیعة ، لا سیّما أنّ الحفظ فی البنک یکون أکثر اعتماداً و وثوقاً من الحفظ فی البیت ، و القدرة علی التحصیل لدیه قویّة جدّاً .

و هذا فی الحقیقة توسعة فی مورد الودیعة لا فی ماهیّتها ، یعنی استیداع الأعیان فی کلّ شیء بحسبه ، فالشیء الذی لیس الهدف منه إلّا مالیّته ، فاستیداعه بأن تحفظ مالیّته .

و نظیره المثلیّات ، فالمهمّ فیها هو جنس المال لا عینه ، فالودیعة فیها تتحقّق و لو بحفظ جنسه .

و یؤیّد ذلک ما یُذکر من أنّه إذا أعطی شخص مالاً لآخر بعنوان الخمس لیوصله إلی فقیه معیّن ، فإنّه یستطیع أن یتصرّف فی النقود بالاستبدال بورق آخر - إذا کان المال المعطی من جنس النقود و لم تکن النقود عین مال المخمّس - لأنّ الغرض قائم بمالیّة المال لا بشخص الورق .

و هاهنا إشکال : و هو أنّه لو کان قوام المالیّة فی النقود بمالیّتها لا بشخص الورق ،

ص:199

و أنّ الملکیّة قائمة بالمالیّة لا بالورق ، فیلزم عدم حرمة التصرّف فی شخص الورق المتعلّق بالغیر ، کما لو أخذ من کیس شخص ورقاً و وضع مکانه ورقاً آخر ، أنّه جائز مع أنّه لا ریب فی حرمته ، و هذا شاهد علی أنّ الورقة لها ملکیّة خاصّة .

و الجواب : إنّ ملکیّة الورق شیء و ملکیّة النقد الذی فی الورق شیء آخر .

قال المیرزا النائینی فی بحث الضمان من البیع : « الشیء المملوک قد یجمع فیه ثلاث درجات من الملکیّة : المالیّة ، النوع ، الصفات الشخصیّة ، فالفرش المحبوک بالید له صفات خاصّة لیست فی فرش آخر أبداً ، فهو مملوک لصاحبه و نوعه و مالیّته .

و فی الودیعة یجب الحفاظ علی الصفات و النوع و المالیّة ، و أمّا إذا کان نفس الشیء المودع قوامه بالمالیّة و النوع لا بالصفة ، فحینئذٍ بقاؤه ببقاء مالیّته و نوعه کما فی بقیّة المثلیّات ، حیث إنّ محطّ النظر هو الصفات النوعیّة ، و فی القیمیّات الصفات الشخصیّة .

و تنقیح الحال فی هذه الدعوی یحتاج إلی مزید من الکلام ، فنحیله إلی مجال آخر سیأتی فی ذیل الحیلة الثانیة عشرة .

المقام الثانی : اشتراط الزیادة یتصوّر علی عدّة أقسام:

1 - للمقرض علی المقترض . 2 - للأجنبی علی المقترض .

3 - للمقترض علی المقرض . 4 - للأجنبی علی المقرض .

و لا شکّ فی عدم حرمة القسمین الأخیرین ، کما لا شکّ فی حرمة القسم الأوّل ، و إنّما الکلام فی أنّ ملاک الحرمة هل هو عود النفع إلی المقرض فقط أو عود الضرر إلی المقترض ؟ فعلی الأوّل تختصّ الحرمة بالقسم الأوّل ، و علی الثانی تشمل القسم الثانی أیضاً .

الظاهر من الأدلّة هو الأوّل .

و البحث یقع فی تحدید دائرة النفع فی الزیادة الاُولی و الثانیة - من أقسام الزیادات

ص:200

الستّ التی تقدّمت - العائدة إلی المقرض ، و أنّ مطلق وجود النفع و اشتراطه فی القرض هل هو محرّم - و لو کان للأجنبی - أو لا ؟

الظاهر أنّ هذا البحث لم یعنون فی کتب القدماء و المتأخّرین ، إلّا فی العروة (1)، و فی منهاج السیّد الحکیم ، ثمّ السیّد الخوئی (2) ، ثمّ السیّد السبزواری (3) .

فهذه المسألة استحدثت أخیراً ، فلا إجماع فی البین .

و أمّا الأدلّة التی أقاموها علی حرمة شرط الزیادة مطلقاً - و لو کانت للأجنبی - فهی إطلاقات باب الربا ، کقوله تعالی : (فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) (4) و قوله علیه السلام : « کلّ قرض جرّ منفعة فهو حرام » و « إنّما جاء الربا من الشروط » و غیرها من الأدلّة .

و فیه : إنّ الإطلاقات منصرفة إلی حرمة الزیادة التی یأخذها المقرض لا الأجنبی .

(فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) یعنی لکم أیّها المقرضون ، و أمّا الأجانب فلا دلیل علی دخولهم تحت مفاد الآیة الشریفة .

ص:201


1- 1) ذکر السیّد الیزدی رحمه الله فی المسألة الثالثة فی أحکام الربا من ملحقات العروة / ص4 فی سیاق بیان موارد الزیادة المحتمل شمول الحرمة لها ، قال رحمه الله : « أو ممّا فیه غرض ل لا عقلائی ، کاشتراط کنس المسجد ، أو إعطاء شیء للفقیر ، أو قراءة القرآن ، أو إتیان الصلاة أوّل الوقت ، أو المواظبة علی صلاة اللیل ، أو الإتیان بالواجبات الشرعیّة علیه ، أو نحو ذلک » ، ثمّ استظهر عدم شمول الأدلّة لذلک .
2- 2) قال رحمه الله : « لا فرق فی حرمة اشتراط الزیادة بین أن تکون الزیادة راجعة إلی المقرض و غیره ، فلو قال : أقرضتک دیناراً بشرط أن تهب زیداً ، أو تصرف فی المسجد ، أو نحو ذلک ممّا لوحظ فیه المال فإنّه یحرم » . منهاج الصالحین ج2 / کتاب الدین / م 797 .
3- 3) « یحرم أخذ الزیادة . . . بلا فرق بین أن ترجع الزیادة إلی المقرض أو غیره ، فلو قال : أقرضتک بشرط أن تهب لزید کتاباً کان من الربا ، أو قال : بشرط أن تصرف فی المسجد کذا و کذا ، کان أیضاً من الربا المحرّم » . جامع الأحکام الشرعیّة / 38 / م 12 .
4- 4) سورة البقرة 2 : 279 .

« لا تأخذ إلّا مثل ما أقرضت » ، یعنی : لا تأخذ أیّها المقرض . فإذن عندنا کبری مسلّمة و هی : حرمة أخذ الزیادة الراجعة الی المقرض .

غایة الأمر یمکن تصویر عود الزیادة إلی المقرض فی ما نحن فیه بشکل آخر حتّی یدخل تحت الکبری المسلّمة ، و هو : إنّ من له الزیادة هو الأجنبی ، لکنّ الشارط هو المقرض ، و المشروط علیه هو المقترض ، فیتحقّق اشتراط المقرض علی المقترض ، و معناه أنّه من حقّ المقرض أن یُلزم المقترض بأن یدفع المال للأجنبی ، فدَفْع المال للأجنبی ملک حقّی للمقرض علی المقترض ، فلو أمره بصدقة کأنّما الدافع هو المقرض ، و إلیه یعود الثواب ، فذات المشروط إحسان یقوم به المقرض بتوسّط الاشتراط . فلمّا یشترط المقرض علی المقترض - و لو بالدفع إلی الأجنبی - أنّما یتمّ الدفع منه ، و إن لم یدخل فی ملکه لکنّه بمنزلة دخوله فی ملکه ، فذات المشروط زیادة عینیّة عائد نفعها للمقرض .

و نظیره ما إذا اشترط أن یکون الخیار للأجنبی ، فحینئذٍ مَن یستطیع أن یسقط الخیار هو نفس من له شرط الخیار لا الأجنبی ، و إن اشترط أنّ الأجنبی هو یُعمل الخیار و لکن إسقاط الخیار بید الشارط و إن لم یتملّک الشارط الفسخ أو الإمضاء .

فإنّ بعض الأحکام یترتّب علی ملکیّة العمل ، و بعضها یترتّب علی نتیجة ملکیّة العمل ، فإعمال الخیار کنتیجة ملکیّة الخیار ، و لکن نفس بقاء الخیار - أعنی ملکیّة حقّ الخیار - هو للشارط .

و فی ما نحن فیه لمّا کانت ملکیّة الشرط للمقرض ، فالنفع یعود إلیه حقیقة . نعم لیس هذا نفعاً مالیّاً ، بل یکون حکمیّاً ؛ لأنّ الإحساس للغیر أو عمل البرّ - ککنس المسجد - نفع حکمی لا مالی . فبناءً علی حرمة جمیع الزیادات فهذا أیضاً حرام ، لکن کون ذلک منفعة حکمیّة لا مالیّة یتمّ علی القول بکون مقتضی الشرط مفاداً تکلیفاً بحتاً ، و هو وجوب الوفاء بالشرط ، و أمّا بناءً علی أنّه یفید حکماً وضعیّاً - و هو ثبوت حقّ للشارط ، و أنّ هذا الحقّ یکون مضموناً علی المشروط علیه لو فرّط فی أدائه ،

ص:202

أی أنّ الشارط یملک مالیّة ذات الشرط علی المشروط علیه - فیکون حینئذٍ شرط الزیادة للأجنبی من الزیادة و المنفعة المالیّة .

و هذا جلیّ و واضح فی ما إذا کان الشرط بنحو شرط النتیجة بأن تکون الزیادة العینیّة النقدیّة مملوکة للأجنبی ، أو بنحو شرط الفعل الذی هو ذو مالیّة فی نفسه ، کخیاطة الثوب و نحوها ، و أمّا فی شرط الزیادة نحو شرط الفعل ، فقد یتأمّل فی کونه من الزیادة المالیّة ، و لکنّه بالتدبّر یظهر منه أنّه من الزیادة المالیّة .

و قد یشکل بأنّ علی هذا التقریب تکون بقیّة أقسام الزیادات - الثالثة و ما فوقها إلی السادسة - من الزیادة المالیّة ؛ لأنّ الاشتراط یولّد مفاداً وضعیّاً و ضماناً مالیّاً .

و فیه : إنّ الاشتراط و إن أفاد معنیً وضعیاً - و هو الحقّ - إلّا أنّ ذلک الحقّ لا یکون ذا مالیّة دائماً ، و إن صحّ التعاوض علیه بالمال ، کما قدّمنا فی أقسام مالیّة المال و المالیّة القانونیّة .

ص:203

الحیلة التاسعة : التأمین علی القروض

اشارة

أیضاً مذکورة فی البنک اللاربوی ،

و تتوقّف علی مقدّمات :
المقدّمة الاُولی : الضمان

عند الخاصّة هو انتقال الدین من ذمّة إلی ذمّة اخری ، فیسقط الدین من الذمّة الاُولی إلی الثانیة .

و عند العامّة هو ضمّ ذمّة إلی ذمّة اخری ، فتجعل الذمّة الثانیة أیضاً مشغولة بالدین کالذمّة الاُولی ، فتکون إحدی الذمّتین مشغولة بالدین . و فی کلا الفرضین الدین موجود ، و هو إمّا ینتقل أو تضمّ إلیه ذمّة اخری .

و هناک ضمان ثالث لیس کسابقیه ، و هو ضمان التعهّد ، و هو جارٍ بین العقلاء کثیراً ، و هو متوسّط بین سابقیه ، و صورته مثل أن یقول : « بع هذا الشیء و الثمن علَیَّ إن لم یدفعه إلیک » ، فهذا لیس من الضمان المصطلح ؛ لأنّ البیع لم یقع إلی الآن ، و ذمّة المشتری لم تشتغل بعد بالدین .

نعم ، بعد ما یقع البیع و تشتغل ذمّة المشتری بالثمن فإنشاء الضمان حینئذٍ یکون من الضمان المصطلح ، و هذا بخلاف الضمان الثالث .

فینشئ التعهّد معلّقاً و لا تشتغل ذمّة هذا الضامن بشیء من الدین ، بل هی مشغولة بالتعهّد لا بالدین ، فیتعهّد بدفع المال إن لم یدفعه المضمون عنه(أی المشتری) فیغایر ضمان العامّة أیضاً ؛ لأنّ فی ضمان العامّة اشتغال الذمّة فعلاً بالدین ضمّاً إلی اشتغال الذمّة الاُولی ، و فی هذا الضمان لیست ذمّته مدیونة فعلاً ، بل یتعهّد بالدفع

ص:204

علی تقدیر ، فالتعهّد معلّق علی عدم دفع المضمون عنه المال . و هذا هو ضمان التعهّد .

المقدّمة الثانیة : التأمین عقد واقع بین المؤمّن و المستأمن ،
اشارة

بأن یلتزم المؤمّن جبر خسارة کذائیّة إذا وردت علی المستأمن ، فی مقابل أن یدفع المستأمن مبلغاً أو یتعهّد بدفع مبلغ یتّفق علیه الطرفان .

و فی تخریج وجه شرعی للتأمین عدّة أقوال :

الأوّل : إنّ التأمین هو عقد جدید و ماهیّة حدیثة و یتناولها (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ؛ إذ هی قضیّة حقیقة تشمل کلّ ما ینوجد من أفراد جدیدة .

فإنّ « ال » فی « العقود » لیست عهدیّة ، بل استغراقیّة أو جنسیّة ، و لیس المراد منها العقود المعهودة فی زمن التشریع ، و إنّما المراد منها کلّ ما یتعاهد و یتعاقد علیه ، فإذا استجدّ عقد جدید یجب الوفاء به . غایة الأمر یجب أن یخضع للشروط العامّة الشرعیّة ، کعدم الغرر ، و عدم صحّة معاملة الصبی و غیرهما .

الثانی : إنّ التأمین لیس عقداً جدیداً و لا ماهیّة حدیثة ، و إنّما هو ضمان العهدة ، فشرکة التأمین مقابل التعهّد تتقاضی أجراً و عوضاً . فالمعاوضة تکون بین ضمان التعهّد و عوض معیّن ، فهو یدفع شهریّاً مبلغاً معیّناً کعوض عن ضمان التعهّد .

الثالث : إنّ التأمین هبة معوّضة ، فإنّ کلّ شخص یهب کلّ شهر مالاً إلی شرکة التأمین بشرط أن تهب له شرکة التأمین ثمن سیّارته إذا اتلفت ، أو ثمن بیته إذا خربت ، و هذه هبة معوّضة .

الرابع : إنّه إجارة ؛ لأنّ بعض أقسام التأمین لیس مؤدّاها تسدید الدین ، و إنّما هی خدمات تُسدیها البیمة ، مثلاً : لدی بعض مؤسّسات التأمین من مستشفیات أو مراکز تعمیر السیارات ، فهو یدفع الاُجرة شهریّاً مقابل إصلاح الشرکة سیّارته إذا خربت .

الخامس : إنّه جعالة ، و هی شبیهة بالإجارة ، عمل مالی مقابل جعل یتقاضاه .

المقدّمة الثالثة : لا إشکال فی أن یشترط المقرض علی المقترض أن یؤمّن دینه أو یأتی بضامن لتسدید دینه ؛

ص:205

لأنّ هذا لیس من باب اشتراط الفائدة ، بل اشتراط الضامن .

المقدّمة الرابعة : تسمّی بعض الدیون بالدیون المیّتة ،

و هی القروض التی لا تستوفی .

فإنّ بعض المقترضین لا یسدّد دینه ، و لا یمکن إرجاع الدین ، إمّا لعدم ملزم قانونی قویّ أو لکونه هارباً أو فارّاً . فهذه الدیون المیّتة أو المعدومة هی خسارة للبنوک بلا ریب ، فما هو الطریق لتدارک الخسارة ؟

و عادةً لا یقدّم البنک علی الإقراض - سواء کان البنک وکیلاً أم أصیلاً - إلّا بعد أن یثق بالمقترض ، فیأخذ سجّلاته التجاریة و مدارک اخری ، و لکن مع تلک التدابیر نری أنّه یتخلّف أداء الدین فی بعض الموارد ، فلأجل ذلک یقوم البنک عن طریق معیّن بأخذ فائدة معیّنة من مجموع المقترضین لأجل تلافی الدیون المیّتة ، و هو حلّ جزئی یتناول بعض الأعمال الربویّة للبنک ، و المطلوب تخریجه علی الوجه الشرعی .

و إذا اتّضحت تلک المقدّمات نأتی إلی الحلّ الذی ذکره السیّد الصدر رحمه الله بقوله : « إنّ کلّ بنک یدرک أنّ جملة من القروض سوف لا تستوفی(الدیون المیّتة)، و لهذا تقدّر البنوک الربویّة جزءاً من الفائدة التی تتقاضاها فی مقابل تلک الدیون المیّتة - أی إنّها تکلّف مجموع المقترضین بالتعویض عن الدیون المیّتة المحتملة - و من المعلوم أنّ هذا رباً .

و فی هذه الحالة یمکن للبنک أن یلجأ - للفرار عن الربا - إلی التأمین علی کلّ قروضه عند بعض شرکات التأمین لکی یضمن استرجاع تمام المبالغ المقترضة ، غیر أنّ شرکة التأمین تتقاضی أجراً علی التأمین ، فهل یمکن تحمیل هذا الأجر علی المقترض أم لا ؟

و تفصیل الکلام فی ذلک

إنّ البنک تارة یشترط علی المقترض أن یملّکه مقداراً مساویاً لاُجرة التأمین ،و البنک بنفسه یؤمّن علی القرض ، و یسدّد اجرة التأمین من ذلک المقدار ، فهذا قرض ربوی محرّم بلا إشکال .

ص:206

و اخری یشترط البنک علی المقترض أن یؤمّن الأخیر علی القرض لمصلحة البنک بحیث یکون المؤمّن هو المقترض غیر أنّ التأمین لمصلحة المقرض .

و علی هذا فأُجرة التأمین لا تدخل فی ملک البنک ، بل تدخل فی ملک شرکة التأمین رأساً من المقترض .

و لو فرض أنّ المقترض یدفعها إلی البنک فهو یدفعها إلیه بوصفه وکیلاً عن المقترض فی الاتّفاق مع شرکة التأمین و دفع الاُجرة إلیها .

و علی هذا فلا یکون البنک قد اشترط علی المقترض مالاً لنفسه زیادة علی المبلغ المقترض ، و إنّما اشترط علیه ضمان القرض من قِبل شرکة التأمین ، فهل یکون مجرّد اشتراط هذا الضمان مؤدّیاً إلی ربویّة القرض أم لا » (1).

و الحاصل : أنّ البنک یشترط علی کلّ مقترض أن یؤمّن دینه أو یأتی بضامن لتسدید دینه ، و هذا لا إشکال فیه ، فإنّه لیس من اشتراط الفائدة ، بل هو اشتراط الضامن .

و من حقّ الدائن أن یشترط الکفیل أو الضامن أو الرهن . غایة الامر الضمان فی العصر الحدیث لیس هو الضمان بالمعنی المعروف - أی انتقال الدین من ذمّة إلی ذمّة اخری - و إنّما الضمان الموجود علی صعید المؤسّسات و الأفراد هو التأمین ، فحینئذٍ البنک یشترط علی المقترض أن یؤمّن دینه ، فللبنک الحیطة علی المال الذی اقترضه ، فإذا لم یدفعه یأخذه البنک من شرکة التأمین .

و من الواضح أنّ هذا الحلّ بهذا المقدار لا إشکال فیه من حیث إنّ للمقرض أن یستوثق من المقترض علی دینه إمّا بالرهن أو الضمان أو غیرهما .

غایة الأمر حیث إنّ الضامن فی ما نحن فیه - و هو شرکة التأمین - لا تقبل التأمین إلّا إذا دفع إلیها مال ، فهذا التأمین لیس مجانیاً و یکون دفع المال من المقترض ، فهو مضافاً إلی أصل الدین یدفع مالاً زائداً ، فیقع الشکّ فی أنّها فائدة ربویّة أم لا ؟

ص:207


1- 1) البنک اللاربوی / 180 - 181 .

و قد ذکر الشهید الصدر أنّ البنک یُقرض و یشترط علی المقترض تأمین دینه ، و التأمین إمّا ضمان التعهّد ، أو هبة معوّضة (1).

فإذا کان ضمان التعهّد فلا إشکال فی أن یدفع المقترض مالاً للضامن - و هو شرکة التأمین - لأنّه لم یدفعه للمقرض ، بل یدفعه للشرکة ، لا لأجل الزیادة و الفائدة ، بل لأجل الاستیثاق ، و لا إشکال فی هذا المقدار من شرط المال الزائد ، فإنّ شرط الزیادة - و لو للأجنبی - ممنوع مطلقاً عند متأخّری هذا العصر ، کما تقدّم فی الحیلة السابقة ، إلّا إذا کان بعنوان الوثیقة .

نعم ، نبّه علی أنّ فی ضمان التعهّد المقترض لا یدفع المال أوّلاً للمقرض ؛ لأنّه یکون زیادة ربویّة ، بل یجب أن یدفع المقترض إلی شرکة التأمین ، لکی لا تکون الزیادة تملیکاً للمقرض ، بل هو تملیک لثالث لأجل الضمان و الاستیثاق .

و إذا کان من باب الهبة المعوّضة فصورة منها باطلة ، و اخری جائزة .

أمّا الصورة الممنوعة ، فهی ما إذا اشترط البنک المقرض علی المقترض أن یؤمّن دینه بأن یدفع هبة الثالث(و هی مؤسّسة التأمین)بشرط أن تهب هی مقدار الدین إلی البنک فی صورة عدم تسدید الدین من جانب المقترض .

فإنّ البنک المقرض یتملّک الدین و یتملّک أیضاً الهبة التی تهبها المؤسّسة ، فهو قد حصل علی زیادة(الدین و المال الموهوب)، و هی لا تجوز .

و أمّا إذا قلنا إنّ شرکة التأمین لا تدفع المال إلی المقرض ، بل إنّما تدفعه إلی نفس المقترض لیسدّد به دینه ، فهذه جائزة ؛ لأنّ الدائن لم یأخذ الزیادة علی مقدار الدین .

نعم ، یستطیع أن یشترط الوکالة من المقترض للمقرض ، فی أن یستلم الهبة عنه ، ثمّ یحتسبها تسدیداً للدین ، فالهبة دفعت لتملّک المقترض ، غایة الأمر المقرض نائب عن المقترض فی الأخذ ، ففی الواقع یتملّک المقترض ثمّ یسدّد بها الدین ،

ص:208


1- 1) البنک اللاربوی / 181 .

و هذا جائز . هذا محصّل ما ذکره السیّد الصدر رحمه الله .

و فی تفریقه بین الصورة التی تدفع شرکة التأمین المال إلی المقرض(أی البنک) و بین التی تدفع إلی المقترض تأمّل ؛ لأنّ فی الصورة الاُولی لا تدفع المال مجّاناً - حتّی یقال إنّه زیادة ربویّة - بل تدفعه مقابل أن یسقط البنک دینه أو یصالح المقرض علی تملیک الهبة مقابل إسقاط الدین ، و کذلک لا فرق فی إعطاء الوثیقة بین أن یدفع المقترض إلی الأجنبی(شرکة التأمین)، و بین أن یدفع إلی نفس المقرض (البنک)؛ لأنّ البنک لم یتملّکه مجّاناً ، بل إنّما هی فائدة استیثاقیّة ، فلا مانع منها .

ثمّ إنّه قد مرّ أنّ التأمین یفسّر علی وجوه شرعیّة متعدّدة و لم ینحصر تفسیره بضمان التعهّد و الهبة المعوّضة ، و إلیک حکمها :

فإن قلنا إنّ التأمین هو عقد جدید و ماهیّة حدیثة فلا إشکال فیه ؛ لدخوله تحت عمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و« المؤمنون عند شروطهم » ، و إن لم یدخل تحت أدلّة الضمانات لادّعاء أنّ موردها و مفادها هو الضمان المعروف و المصطلح - الذی هو دین سابق ثمّ ینتقل إلی ذمّة اخری - و التأمین من قبیل ضمان التعهّد و هو ضمان جدید .

و اشتراطه فی عقد القرض لیس فائدة ربویّة ، بل هو فائدة استیثاقیّة .

و إن فسّرنا بأنّه إجارة ، فالأجیر هو شرکة التأمین ، و مالک المنفعة إمّا هو المقترض أو المقرض .

فإن کان هو المقترض فلا إشکال فیه قطعاً ؛ لأنّ القرض ینعقد بشرط أنّ المقترض یستأجر شخصاً ثالثاً و تعود فائدتها إلی المقترض ، و الفائدة هاهنا التوثیق .

و فی الحقیقة المقترض یستأجر الثالث علی الإعطاء - بناءً علی تعلّق الإجارة علی الأعمال - و إن کان هو المقرض فلا إشکال فیه أیضاً ؛ لأنّ ملکیّته للزیادة لیست مجّانیّة حتّی تصیر زیادة ربویّة ، بل هو ملک عمل فی مقابل إسقاط الدین .

و إن فسّرناه بالجعالة فکذلک ؛ فإنّ الزیادة الاستیثاقیّة لا إشکال فیها .

ص:209

الحیلة العاشرة : الوکالة فی ایقاع المضاربة

اشارة

ذکرها السیّد الشهید الصدر رحمه الله کوجه أساسی للتخلّص عن الربا ، و هی عمدة اطروحته فی کتابه (1)، و ملخّصها : أنّه یقوم البنک بالوساطة و الوکالة بین أصحاب الأموال(وَ هُم التجّار)و بین أصحاب الأعمال(و هم المستثمرون)، فلا یکون هو المقترض من أصحاب الأموال ، بل وکیلاً عنهم فی إیقاع عقد المضاربة مع أصحاب الأعمال ، فیأخذ الأموال من أصحابها و یوقّع - وکالة عنهم - عقد المضاربة مع أصحاب الأعمال .

و من المعلوم أنّ عمله لا یکون مجانیّاً ، و إنّما وکالته مقابل جعالة . و الجعالة مجعولة من قِبل أصحاب الأموال المودعین ، و هم التجّار ، فیتعاقدون مع البنک مقابل عمله - الذی هو معلّق و مورد الوکالة - مع أصحاب الأعمال(و هم المقترضون)أی مقابل الإشراف منه علی المضاربة یجعلون جُعلاً هو نسبة مئویّة من الربح .

إذ الربح مقسّم بین العامل و المالک فی المضاربة بالنسبة المئویّة ، و یجوز أن یقتطع جزء من الربح و یشترط الأجنبی ، فهاهنا جزء من ربح المضاربة یعطی إلی البنک - و هو الوکیل عن صاحب الأموال و المشرف علی المضاربة - یعطی له کالجُعل و الاُجرة علی إشرافه . فلدینا عقود ثلاثة فی هذا الحال : الوکالة و الجعالة و المضاربة .

و هنا أیضاً عقد رابع ، و هو عقد ضمان التعهّد أو جعل الضمان ، حیث یکون البنک

ص:210


1- 1) البنک اللاربوی / 20 - 52 .

ضامناً لرأس المال لصاحب الأموال بضمان التعهّد ، فیشترط فی ضمن الوکالة أو الجعالة ، و یکون قد ضمنت الأموال لأصحابها ، و تتجدّد لهم الأرباح علی هذا التقدیر . فهل هذه الحیلة جائزة أم لا ؟

یبنی السیّد الصدر رحمه الله علی جوازها بهذا التصویر (1).

و هذه الحیلة تارة یبحث فیها عن النظرة الشرعیّة حولها(المحمول الشرعی)، و أنّها تصحّحها أو لا ؟

و اخری یبحث فیها عن الجهة الموضوعیّة - و هو لیس بحثاً فقهیّاً شرعیّاً ، بل هو

ص:211


1- 1) و هنا حیلة اخری(و هی الحیلة الحادیة عشر الآتیة)تدّعی أنّها متداولة فی ایران شبیهة بتلک الحیلة ، و لکن تختلف عنها ، و ربّما اسّست علی ضوء تلک الحیلة ، و هذه کما یقال هی : أنّ البنک یکون عامل المضاربة ، و یأخذ الأموال من أصحابها ، ثمّ هو أیضاً وکیل من قِبل أصحاب الأموال فی إیقاع عقد صلح ، حیث أنّ عامل المضاربة له نسبة من الربح(أربعین بالمائة له و ستّین بالمائة لصاحب المال مثلاً)، و هو بعد ذلک یتوکّل عن أصحاب الأموال فی إیقاع عقد صلح بینه و بینهم عن النسبة المئویّة التی لهم فی الأرباح مقابل عوض معیّن . فیقول هذه الأربعین بالمائة اصالحکم بکذا مقدار معیّن عنها . فتترکّب هذه الحیلة من ثلاثة عقود : عقد مضاربة ، و وکالة ، و صلح ، و لکن تختلف عناصرها عن الحیلة العاشرة فی طرفی المعاملة ، ففی هذه الحیلة یکون البنک و أصحاب الأموال طرفی التعاقد ، بینما فی الحیلة العاشرة یکون البنک و أصحاب الأموال و أصحاب الأعمال أطراف المعاملة ، و تختلف أیضاً فی الجعالة و الصلح ، و فی أنّ الحیلة السابقة تتناول المشکلة التی تقع بین البنوک و بین المقترضین ، بینما فی هذه الحیلة لیس فیها التفادی إلّا بین أصحاب الأموال و البنک ، و أمّا بین البنوک و أصحاب الأعمال فلا تعرّض فیها لذلک النظام المصرفی أو غیر المصرفی یجب أن یتوصّل إلیه عبر لجان مشترکة بین الفقهاء و أخصّائی علم المصرف و البحوث المالیّة لإیجاد الاُطروحة المناسبة لمناخ ل لا المال و التعامل العصری ، و هو طرف الموضوع مع سلامة الصحّة الشرعیّة له - و هو الحکم الفقهی - الذی هو طرف المحمول ، إلّا أن یقال إنّ عقد المضاربة فی تلک الحیلة هو أعمّ من أن یتّجر البنک بنفسه أو بالتسبیب ، و سیأتی البحث عنها مفصّلاً .

بحث عن مدی جدوائیّة هذه الحیلة کنظام آلی متحرّک یستعیذ به البنک عن الربا - فیکون بدیلاً عن البنک الربوی ؛ إذ قد أشرنا فی المقدّمة أنّ الحیلة التی یتوصّل إلیها الفقهاء یجب أن تکون مستوفیة للحاجات المالیّة فی السوق العصری فی حین أنّها تکون شرعیّة .

هذه خلاصة الفکرة ، و حیث أنّ البحث حولها طویل الذیل ، فلا بدّ من التوضیح و التبیین الصافی (1)الذی أورده رحمه الله فی المقام : « تتکوّن الموارد المالیّة للبنک عادة من رأس المال الممتلک للبنک(أی رأس المال المدفوع ، مضافاً إلیه الأرباح المتراکمة غیر الموزّعة)و من الودائع التی یحصل علیها ، و یتمثّل فیها الجزء الأکبر من موارده .

و تنصبّ أهمّ نشاطات البنک الربوی علی الاقتراض بفائدة أو بدون فائدة - فإنّ قبوله للودائع الثابتة اقتراض بفائدة ، و قبوله للودائع المتحرّکة اقتراض بدون فائدة - ثمّ الإقراض بفائدة أکبر .

و یتکوّن دخله الربوی من الفائدة التی یتقاضاها - فی حالة اقتراضه بدون فائدة - أو من الفارق بین الفائدتین فی الحالة الثانیة .

و یستمدّ البنک الربوی أهمّیته فی الحیاة الاقتصادیّة من کونه قوّة قادرة علی تجمیع رءوس الأموال العاطلة بإغراء الفائدة التی یعطیها للمودعین ، و دفعها إلی مجال الاستثمار باسم قروض لرجال الأعمال و مختلف المشاریع التی تحتاج إلی تمویل .

و علی هذا الضوء نعرف أنّ العلاقة التی یمارسها البنک مع المودعین من ناحیة ، و مع المستثمرین من ناحیة اخری ، هی علاقة وسیط بین رأس المال و العمل إذا نظرنا إلی طبیعتها الاقتصادیّة .

و أمّا إذا نظرنا إلی طبیعتها القانونیّة - أی إلی الصیاغة القانونیّة لتلک العلاقة فی

ص:212


1- 1) نظراً لأهمّیة هذه الحیلة التی ذکر أنّها معتمدة لدی البنوک فی ایران ، و بسطنا الکلام فیها کی یتمّ تحقیق حالها بعمق و وضوح .

المجتمع الرأسمالی - نری أنّ القانون صاغها عن طریق تجزئتها إلی علاقتین قانونیّتین مستقلّتین :

إحداهما : علاقة البنک بالمودعین بوصفه مدیناً و بوصفهم دائنین .

و الاُخری : علاقة البنک مع رجال الأعمال المستثمرین الذین یلجئون إلی البنک للحصول علی المبالغ التی یحتاجونها من النقود ، و فی هذه العلاقة یحتلّ البنک مرکز الدائن ، و رجال الأعمال مرکز المدین .

و معنی هذا أنّ البنک لم یعد فی الاطار القانونی مجرّد وسیط بین رأس المال و العمل ، أی بین المودعین و المستثمرین ، بل أصبح طرفاً أصیلاً فی علاقتین قانونیّتین و انعدمت بحکم ذلک ، أی علاقة قانونیّة بین رأس المال و العمل ، بین المودعین و المستثمرین - فأصحاب الودائع لیس لهم أی ارتباط دائن بمدین ، کما أنّ رجال الأعمال المستثمرین غیر مرتبطین بأحد سوی البنک بالذات الذی یدخلون معه فی علاقة مدین بدائن - و البنک بوصفه مدیناً للمودعین یدفع إلیهم الفائدة إذا لم تکون ودائعهم تحت الطلب ، و باعتباره دائماً للمستثمرین یتسلّم منهم فائدة أکبر .

و بذلک یرتبط نظام الإیداع و الإقراض بالربا المحرّم فی الإسلام .

و الفکرة الأساسیّة لتطویر البنک علی أساس إسلامی یصونه من التعاطی بالربا ، ترتکز علی رفض الصیاغة القانونیّة الآنفة الذکر بعلاقة البنک بالمودعین و المستثمرین ، و تعطی بدلاً عنها صیاغة قانونیّة اخری ، تنشأ بموجبها علاقة قانونیّة مباشرة بین المودعین و المستثمرین ، و یمارس البنک ضمنها دوره کوسیط بین الطرفین ، و بذلک تصبح الصیاغة القانونیّة لعلاقة البنک بالمودعین و المستثمرین أکثر انطباقاً علی واقع تلک العلاقة .

فکما إذا نظرنا إلی واقع هذه العلاقة بصورة مجرّدة عن أی طابع قانونی ، نجد أنّها لا تخرج عن معنی الوساطة یقوم بها البنک لإیصال رءوس الأموال التی تتطلّب مستثمراً إلی المستثمرین الذین یطلبون رأس مال یستثمرونه ، کذلک حین ننظر إلی

ص:213

علاقة البنک بالطرفین فی إطار الصیاغة القانونیّة المقترحة التی تنشأ فیها الصلة بین المودعین و المستثمرین مباشرة ، فإنّها لا تبتعد ضمن هذه الصیاغة عن وضعها الطبیعی کوساطة یمارسها البنک بین رأس المال و العمل (1).

و یمکن تنظیم علاقات البنک بهذه الصیاغة تحت عنوان المضاربة ، فهی فی الفقه الإسلامی : عقد خاصّ بین مالک رأس المال و المستثمر علی إنشاء تجارة یکون رأسمالها من الأوّل ، و العمل علی الآخر . و یحدّدان حصّة کلّ منهما من الربح بنسبة مئویّة ، فإنّ ربح المشروع تقاسما الربح وفقاً للنسبة المتّفق علیها ، و إن ظلّ رأس المال کما هو لم یزد و لم ینقص ، لم یکن لصاحب المال إلّا رأس ماله ، و لیس للعامل شیء ، و إن خسر المشروع وضاع جزء من رأس المال أو کلّه تحمّل صاحب المال الخسارة ،

ص:214


1- 1) هذا فی مجال الودائع الثابتة - و تسمّی أیضاً بالودائع لأمد - و هی عبارة عن المبالغ التی یودعها أصحابها فی البنک بقصد الحصول علی دخل عن هذا الطریق یتمثّل فیما یتقاضونه من الفوائد ، و هؤلاء قد یستهدفون استثمار أموالهم عن هذا الطریق باستمرار ، و قد یقدمون علی هذا الاستثمار مؤقّتاً بانتظار فرصة مناسبة للتشغیل . و أمّا الودائع المتحرّکة - أی الودائع تحت الطلب التی تکوّن الحساب الجاری - فلها بحث آخر . و هی عبارة عن المبالغ التی یودعها أصحاب الأموال فی البنوک بقصد أن تکون حاضرة التداول و السحب علیها لحظة الحاجة وفق متطلّبات العمل التجاری أو حاجات المودع کمستهلک ، و لا یتقاضی هؤلاء عادة فائدة من البنوک علی هذه الودائع ، کما أنّها تکون تحت الطلب دائماً بمعنی أنّ البنک یلتزم بدفعها متی ما طولب بذلک خلافاً للودائع الثابتة ، فإنّ أصحابها یتقاضون فوائد علیها و لا یلتزم البنک بدفعها فوراً متی طولب بذلک . و هناک قسم ثالث من الودائع تلتقی فیه خصائص القسمین السابقین ، و هو ودائع التوفیر التی یودعها الموفّرون فی البنک و ینشئون بذلک حساباً فی دفتر خاصّ واجب الترقیم عند کلّ سحب أو إیداع ، و تلتقی ودائع التوفیر مع الودائع المتحرّکة فی إمکان السحب منها متی شاء المودع خلافاً للودائع الثابتة التی لا یلتزم البنک بوضعها تحت الطلب دائماً ، کما أنّ ودائع التوفیر تلتقی مع الودائع الثابتة فیما تفرضه البنوک الربویّة من فوائد للموفّرین ، کما تفرضها لأصحاب الودائع الثابتة .

و لا یجوز تحمیل العامل المستثمر و جعله ضامناً لرأس المال ، إلّا بأن تتحوّل العملیّة إلی إقراض من صاحب رأس المال للعامل ، و حینئذٍ لا یستحقّ صاحب رأس المال شیئاً من الربح .

هذه هی الصورة العامّة للمضاربة فی الفقه الإسلامی ،

و لإقامة علاقات البنک
اشارة

الإسلامی علی أساس المضاربة تجب معرفة(الأعضاء)و(حقوقهم).

الأوّل : أعضاء المضاربة المقترحة

إنّ الأعضاء المشترکین فی المضاربة ثلاثة :

1 - المودع : بوصفه صاحب المال ، و نطلق علیه اسم المضارِب .

2 - المستثمر : بوصفه عاملاً ، و نطلق علیه اسم العامل أو المضارب .

3 - البنک : بوصفه وسیطاً بین الطرفین و وکیلاً عن صاحب المال فی الاتّفاق مع العامل .

الثانی : حقوق الأعضاء
حقوق المودع

العضو الأوّل یتمثّل فی أصحاب الودائع ، أی المجموع الکلّی للمودعین لتلک الودائع ، بمعنی أنّ کلّ ودیعة تظلّ محتفظة بملکیّة صاحبها لها و لا تنتقل ملکیّتها إلی البنک عن طریق القرض ، کما یقع فی البنوک الربویّة ، غیر أنّ الودائع لا یبقی بعضها منعزلاً عن بعض ، بل یستعمل البنک بإذن أصحاب الودائع الإجراء الشرعی الذی یجعل مجموع الودائع ملکاً مشاعاً لمجموع المودعین ، و یکون لکلّ مودع من هذا المجموع بمقدار نسبة ودیعته إلی مجموع الودائع . و بذلک یصبح صاحب المال فی عقد المضاربة هو المجموع لکلّی للمودعین ، الذی یمثّل البنک إرادته بوصفه وکیلاً عنهم ، و أیّ ودیعة ثابتة تردّ إلی البنک تدخل فی بحر الودائع الثابتة الذی یشتمل علی

ص:215

المجموع الکلّی لتلک الودائع .

و من الاُمور اللازمة رعایتها فی البنک الإسلامی هی المحافظة علی الدوافع التی تدفع أصحاب الودائع فعلاً إلی إیداع أموالهم ؛ لأنّنا إذا لم نحتفظ بهذه الدوافع فسوف ینصرف أصحاب الودائع عن الایداع لدی البنک اللاربوی و یتّجهون إلی البنوک الربویّة .

و الدوافع تتشکّل من عناصر ثلاثة :

1 - کون الودیعة مضمونة ، فإنّ البنوک الربویّة تضمن الودیعة لصاحبها بوصفها قرضاً .

2 - الدخل الذی یدفعه البنک الربوی لصاحب الودیعة الثابتة باسم الفائدة .

3 - قدرة المودع علی استرجاع الودیعة أو السحب علیها فی نهایة الأجل الذی یحدّد .

أمّا ضمان الودیعة فیمکننا أن نحتفظ به لصاحب الودیعة بضمان ماله ، لا عن طریقة اقتراض البنک للودیعة ، کما یقع فی البنوک الربویّة ، و لا عن طریق فرض الضمان علی المستثمر ؛ لأنّه یقع دور العامل فی عقد المضاربة ، و لا یجوز شرعاً فرض الضمان علیه . . .

بل یقوم البنک بنفسه بضمان الودیعة و التعهّد بقیمتها الکاملة للمودع فی حالة خسارة المشروع ، و لیس فی ذلک مانع شرعی ؛ لأنّ ما لا یجوز هو أن یضمن العامل رأس المال ، و هنا نفترض أنّ البنک هو الذی یضمن لأصحاب الودائع نقودهم ، و هو لم یدخل العملیّة بوصفه عاملاً فی عقد المضاربة لکی یحرم فرض الضمان علیه ، بل بوصفه وسیطاً بین العامل و رأس المال ، فهو إذن جهة ثالثة یمکنها أن تتبرّع لصاحب المال بضمان ماله و یقرّر البنک هذا الضمان علی نفسه بطریقة تلزمه شرعاً بذلک (1)،

ص:216


1- 1) إمّا بإنشاء الضمان بعقد خاصّ ، أو باشتراطه بنحو شرط النتیجة فی عقد آخر ، أو بنحو

فیتوفّر بذلک للمودعین العنصر الأوّل من عناصر الدافع الذی یدفعهم إلی الایداع .

و أمّا العنصر الثانی ، و هو الدخل الثابت الذی یتقاضاه المودعون من البنک الربوی باسم الفائدة ، فنعوّض عنه فی اطروحة البنک اللاربوی بوضع نسبة مئویّة معیّنة من الربح للمودعین بوصفهم أصحاب المال فی عقد المضاربة ، فإنّ لصاحب المال فی عقود المضاربة نسبة مئویّة من الربح ، یتّفق علیها فی العقد بینه و بین العامل .

و یرتبط دخل المودعین - علی هذا الأساس - بنتائج المشروع الذی یمارسه عامل المضاربة ، فإنّ ربح المشروع کانت لهم نسبتهم المقرّرة من الربح و إن لم یربح لم یکن لهم شیء ، خلافاً للفائدة التی تدفعها البنوک الربویّة إلی المودعین ، بقطع النظر عن نتائج المشروع التی استغلّت الأموال المودعة فیه ، غیر أنّ احتمال عدم الربح بشکل مطلق یعتبر فی أکثر الظروف احتمالاً ضعیفاً ، و قد یصبح مجرّد احتمال نظری ؛ لأنّ ودیعة کلّ فرد لن ترتبط بمفردها بمضاربة مستقلّة لکی یتوقّف ربح صاحبها علی نتائج تلک المضاربة المحدودة بل إنّها سوف تمتزج بغیرها من الأموال النقدیّة فی بحر الودائع الثابتة ، و یدخل المودع کمضارب فی جمیع المضاربات التی یعقدها البنک علی مجامیع مختلفة من ذلک البحر ، و تکون حصّته من المضاربة فی کلّ عقد بنسبة ودیعته إلی مجموع الودائع الثابتة .

و علی هذا فیتوقّف احتمال عدم الربح علی أن لا تربح جمیع المضاربات التی أنشأها البنک و المشاریع التی ارتبط بها علی أساس المضاربة ؛ إذ فی حالة ربح بعضها یوزّع ذلک الربح علی الجمیع بالنسب بعد تغطیة ما قد یتّفق من خسائر .

و أمّا قدرة المودع علی سحب الودیعة ، فمن الواضح أنّ المودع للودیعة فی البنک الربوی قادر علی سحبها فی آجال معیّنة ، و یجب أن تعطی فرصة من هذا القبیل بشکل

ص:217

من الأشکال فی البنک اللاربوی بالرغم من أنّ هذا البنک یواجه صعوبة کبیرة بهذا الصدد علی أساس أنّ ودائعه تتحوّل إلی مشاریع تجاریّة و صناعیّة لا إلی مجرّد قروض قصیرة الأجل .

و لکن یمکن أن یحدّد نهایة کلّ ستّة أشهر من بدایة استثمار الودیعة کأجل یمکن للمودع عند حلوله سحب ودیعته و فسخ عقد المضاربة ، و یشترط علیه القبول بدفع قیمة ودیعته نقداً ، لا بشکلها المادی المستثمر فعلاً فی المشروع التجاری مثلاً .

حقوق البنک

هو فی الواقع لیس عضواً أساسیّاً فی عقد المضاربة ؛ لأنّه لیس هو صاحب المال لا صاحب العمل ، و إنّما یترکّز دوره فی الوساطة بین الطرفین ، فبدلاً عن أن یذهب رجال الأعمال إلی المودعین یفتّشون عنهم واحداً بعد آخر ، و یحاولون الاتّفاق معهم ، یقوم البنک بتجمیع أموال هؤلاء المودعین و یتیح لرجال الأعمال أن یراجعوه و یتّفقوا معه مباشرة علی استثمار أی مبلغ تتوفّر القرائن علی إمکان استثماره بشکل ناجح . و هذه الوساطة التی یمارسها البنک تعتبر خدمة محترمة یقدّمها البنک لرجال الأعمال ، و من حقّه أن یطلب مکافأة علیها .

و بعبارة اخری : حیث أنّ هذه الفکرة تبتنی علی أساس کون البنک وسیطاً و وکیلاً بین أصحاب الأموال و بین أصحاب الأعمال فی إیقاع عقد المضاربة و اختیار العامل الأمین الخبیر ، فلا یکون عمله هذا مجّانیّاً ، فلا بدّ له من حصّة محدّدة بنسبة مئویّة من الربح .

و یمکن أن ندرس التخریج الفقهی لهذه الحصّة التی تفرض للبنک بالرغم من عدم کونه العامل و لا المالک بأحد وجهین :

1 - الجعالة ، بأن تکون تلک الحصّة جُعلاً یجعله المودع للبنک إذا أنجز المضاربة و واصل الإشراف علیها إلی حین انتهاء مدّتها .

ص:218

2 - الشرط فی ضمن العقد .

و الشرط إمّا أن نتصوّره بنحو شرط النتیجة ، بأن یشترط البنک علی المودع فی عقدٍ ما أن یکون مالکاً لحصّة معیّنة من الربح علی تقدیر ظهوره ، و لا مانع من التعلیق فی الشرط ، کما أنّ کون المودع غیر مالک بالفعل للربح غیر مانع عن نفوذ تملیکه المنشأ شرطاً ؛ لأنّ تملیکه معلّق علی ظهور الربح و دخوله فی ملکه و المعتبر فی نفوذ التملیک من شخص أن یکون مالکاً لما یملکه بلحاظ ظرف التملیک المجعول ، و لا دلیل علی اشتراط کونه مالکاً لما یملکه بلحاظ ظرف الجعل و إنشاء الملکیّة .

و أمّا أن نتصوّر الشرط بنحو شرط الفعل ، أی شرط التملیک لا شرط أن یکون مالکاً و لا إشکال فیه .

ثمّ إنّ عامل المضاربة قد یتلاعب علی البنک فیدّعی تلف المال أو عدم الربح کذباً ، لکی یلقی التبعة علی البنک و یتهرّب من دفع حقوق الوساطة و حقوق المودع .

و یمکن للبنک أن یحدّد - ضدّ هذا التلاعب - منذ البدء قرائن موضوعیّة معیّنة و یحصر وسائل إثبات الربح و الخسارة بها ، و علی رأس تلک القرائن السجلات المضبوطة التی یلزم البنک عملیّة المستثمر المضارب باتّخاذها و التقیّد بها ، فکلّ مضاربة لم تثبت عن طریق تلک القرائن المعیّنة أنّها خسرت أو أنّها لم تربح ، فالأصل فیها أن تکون قد احتفظت برأس مالها مع زیادة حدّ أدنی من الربح بمقدار تمثّل النسبة المئویّة للمودع منه کمیّة مقاربة للفائدة الربویّة .

و لکن هذا الأصل علی خلاف قاعدة قبول قول الأمین فی ما جعله المالک تحت یده من مال و أذن له بالاتّجار به .

و علی هذا الأساس لا بدّ أن نخرّج هذا الأصل إمّا بنحو شرط الفعل (1)فی ضمن

ص:219


1- 1) إنّ شرط الفعل لیس فیه حکم وضعی ، و إنّما هو وجوب تکلیفی فقط ، و لذا لو عصی لیس بمدین ، أمّا فی ضمان العهدة فبعد فرض التلف یکون مدیناً ، و هذا حکم وضعی و فی

عقد یشترط فیه البنک علی العامل أن یدفع من المال ما یعادل المقدار الذی یدّعی خسارته فی حالة عدم إقامة القرائن المحدّدة من قبل البنک علی الخسارة . و إمّا بنحو الجعالة ؛ و ذلک بأن یجعل العامل للبنک جعلاً علی تحصیل رأس ماله له للمضاربة علیه ، و الجُعل عبارة عن مقدار یساوی قیمة رأس المال مع الحدّ الأدنی من ربحه المفروض ، و مع زیادة تمثّل الأجر الثابت ناقصاً قیمة ما سوف یعترف العامل بوجوده من رأس المال و ربحه الأدنی ، أو یقیم القرائن المحدّدة علی خسارته .

حقوق العامل المستثمر

و العضو الثالث فی عقد المضاربة یتمثّل فی المستثمر الذی یقوم بدور العامل فی هذا العقد ، و یتّفق البنک معه بوصفه وکیلاً عن المودعین علی شروط العقد . و العامل المستثمر علی أساس المضاربة یعتبر هو صاحب الحقّ المطلق فی الربح بعد اقتطاع حقوق البنک و المودع ، کما یعتبر المقترض الذی یتعامل مع البنک الربوی هو صاحب الحقّ المطلق فی الربح بعد اقتطاع الفائدة التی یتقاضاها البنک الربوی منه » ، انتهی بتلخیص منّا .

هذا تمام الفکرة و تتلخّص فی أن یکون البنک وکیلاً من قِبل أصحاب الأموال فی انعقاد عقد المضاربة مع العامل، و یأخذ قسطاً من الربح تحت عنوان الجُعل .

و لتحقیق هذه الفکرة لا بدّ من البحث فی الجعالة و المضاربة و بعض الإشکالات المتعلّقة بهما فی تلک الفکرة .

ص:220

و أمّا قبل البحث الفقهی فی هذا الموضوع ، فنطرح إشکالاً فنّیاً علی تلک الحیلة ، الذی یُهدم الفکرة من أساسها ، و هو أنّ التعامل فی الأسواق التجاریّة لیس التعامل علی صعید الأوراق النقدیّة و السیولة و العملات ، بل الموجود فیها التعامل علی اعتبار الصک ، أعنی التعامل علی الذمم ، لا سیّما فی أصحاب التجارة المتوسّطین أو الکبار .

فقد ورد فی علم النقد الحدیث أنّ النقد للبیوع الیسیرة ، و أمّا فی الکبیرة فالوسیط - و هو الصک - وثیقة علی الذمّة ، فالسوق المالیّة قائمة بالذمم لا بالسیولة .

فالبنک یتملّک فی ذمّته (1)المالیّة الاعتباریّة من أموال المودع لا السیولة النقدیّة منها ، ثمّ یقوم هو بهذا الاعتبار بالتعامل مع أصحاب العمل التجاری و الزراعی و الصناعی ، فی معاملاتهم مع الآخرین یحیلون تسدید دیونهم علی ذمّة البنک بتوسّط الصکوک ، و هذا المعنی یرجع إلی القرض ؛ لأنّ البنک یتملّک فی الذمّة و یُملّک ذمّته للآخرین و لیس فی الوکالة تملیک ، بل المال یبقی علی ملک صاحبه الأوّل ، فما یجری فی السوق المالیّة و بورص المعاملات هو القرض بسبب التملیک و التملّک فی الذمم .

و بعبارة اخری : أنّ أصحاب الأموال لیست أموالهم نقدیّة ، بل ذمّیّة ، و اعتبار رأس مال البنک یتکوّن من ذمم اخری ، و بذلک یتحقّق للبنک ذمّة معتبرة یتعامل البنک علیها مع أصحاب الأعمال ، فذمّته مملوکة له لا مملوکة لأصحاب الأموال ، و هو قد تعامل علی أمواله الاعتباریّة(الذمّة)و هم لم یسلّموه الأوراق ، فما یتملّک هو أیضاً ذمّة اعتباریّة لصاحب المال ، و تلک الذمّة الاعتباریّة هی مال معیّن علی ذمّة بنک آخر ، و هلم جرّاً تترامی الاعتبارات ، و هو ما یقال عنه فی العلم الحدیث بترامی الاعتبارات المالیّة الذی قد یؤدّی إلی التضخّم فی الاعتبارات زائداً علی الغطاء الحقیقی للذمم ، مثلاً : یقال : دخل فی حساب هذا التاجر کذا مبلغاً ، و یراد به أنّه جعل البنک یتملّک

ص:221


1- 1) أی فی رصیده الاعتباری .

مالیّة اعتباریّة معیّنة لا نقدیّة ، و من ثمّ یتملّک هو فی ذمّة البنک مبلغاً معیّناً ، و هذا هو حقیقة القرض ، فحیث أنّ غالب التعامل التجاری لیس بالنقد و إنّما بالذمم فملکیّة أصحاب الأموال فی البنک هی فی ذمّة البنک فهو قرض ، و کذلک التعامل التجاری الجاری بین البنک و أصحاب الأعمال لیس بالنقد و إنّما بالذمم توجد القرض لا المضاربة .

فما هو جار فی السوق المالیّة کثیراً بکثرة غالبة جدّاً هو بالذمم ، و الذمم توجد القرض بین الطرفین ، فینتفی مورد المضاربة ؛ لأنّ کلّه اعتبار فی الذمم ، و هو مورد القرض و لیس مورد الوکالة ، فهذه الحیلة هی فی الواقع لا تتخلّص من الربا ، بل هی عین الارتطام فیه ، و بالنتیجة هی أیضاً باطلة .

و الشاهد علی ذلک امور :

1 - من مسلّمات علم المال و الاقتصاد الحدیث أنّ رقم قدر المال الاعتباری الذی یتعامل به فی الذمم أضعاف رقم قدر المال الذی یطبع کنقد ورقی ، فَهُم یقارنون بین الحرکة المالیّة فی البنک - التی فی الذمّة - و الحرکة المالیّة فی السیولة النقدیّة ، فیرون أنّ عمدة تعامل البنک تکون فی الأموال التی تدخل اعتباراً و تخرج اعتباراً .

2 - إنّه قد بحثوا فی علم النقد عن تنظیم عالم الذمّة و فوائدها و آثارها السلبیّة ، و یذکرون أنّه إذا تضخّم(تورّم)و تصاعد العمل بالذمم بشکل لا یؤمن بالعائد الوطنی فتکون الدیون علی الدولة ، و هذا مضرّ . و لذا یجعلون للذمّة غطاء کما یجعلون للنقد الورقی غطاء ، و إلّا فیسبّب الضعف الخطیر فی الاقتصاد ، کما ذکروا أنّ الواجب علی الدولة أن تُوفّر الاعتبار القوی للبنوک کی لا یلجأ المواطنون إلی التعامل بالورق النقدی ، فإنّ قوام الذمّة بالاطمئنان و الاعتبار ، فإذا سلبت الذمّة للبنوک سیلتجئ النّاس إلی الورق النقدی .

3 - إنّ السیولة فی البنوک - سواء الحکومیّة منها أم الأهلیّة - لو زادت علی مقدار معیّن فترجع إلی البنک المرکزی ، أو نقصت فتُجبَر من البنک المرکزی ، فنسبة البنک

ص:222

المرکزی مع سائر البنوک نسبة العین مع القنوات ، یرجع إلیه الفائض و یکمل به الناقص . و هذا الأخذ و الإعطاء نوع استقراض بین البنوک ، و یتحقّق غالباً فی الذمّة و الاعتبار .

4 - أصل فکرة وجود البنک فی القرون الأخیرة هو لتبدیل السیولة بالذمّة ، و انعقاد التجارات الضخمة و الطائلة علی صعید الاعتبارات لسهولتها .

فتحصّل من جمیع ذلک أنّ هذه الفکرة و إن بنیتْ علی أساس الوکالة ، و لکن ترجع فی الحقیقة - بناءً علی واقع الحرکة المصرفیّة - إلی القرض فترتطم فی الربا .

و أمّا عملیّة الجعالة فی هذا الحلّ فأورد علیها بإیرادات

الأوّل : إنّ الحصّة المأخوذة بعنوان الجُعل مجهولة من حیث القدر ، لعدم العلم بمقدار الربح حتّی نعلم عُشره - مثلاً - أو نسبة اخری منه ، فتبطل .

و أجاب السیّد الصدر عنه بأنّ الجهل بالمقدار - مع ضبط النسبة - لا یضرّ فی الجعالة ؛ لأنّ الضابط فی صحّة الجعالة هو أن لا یؤدّی إلی النزاع ، و هذا کافٍ لوجود ضابط لرفع النزاع ، و هو النسبة المئویّة .

الثانی : قالوا فی الإجارة : إنّ الأجیر یملک الاُجرة بنفس عقد الإجارة ، فلا بدّ أن تکون قابلة لذلک حین العقد ، إمّا بأن تکون شیئاً خارجیّاً مملوکاً للمستأجر بالفعل ، فیملکه الأجیر بالعقد ، و إمّا بأن تکون شیئاً ثابتاً فی ذمّة المستأجر للأجیر ، و هذا یجری فی باب الجعالة أیضاً ، و علیه فلا تعقل الجعالة فی النسبة المئویّة من الربح ؛ لأنّ المفروض أنّها توجد فی المستقبل ، لا هی شیء خارجی مملوک بالفعل للمودع حتّی یملّکه للبنک بعقد الجعالة ، و لا هی شیء یفرض فی ذمّته ، بل هی شیء سوف یملکه فی المستقبل ، فلا تعقل الجعالة بها .

و أجاب الصدر رحمه الله عنه : بأنّ باب الجعالة غیر باب الإجارة فی هذه الجهة ، فإنّ المجعول له لا یملک الجُعل بنفس إنشاء الجعالة من الجاعل ، بل بعد إنجاز العمل

ص:223

المفروض لا بدّ أن یکون الجعل قابلاً للتملیک من الجاعل فی ذلک الظرف ، و المفروض فی المقام أنّ المودع یجعل للبنک حصّة من الربح إذا أنجز المضاربة و واصل الإشراف علیها إلی نهایتها ، و فی هذا الظرف تکون تلک الحصّة من الربح مالاً خارجیّاً مثلاً مملوکاً للجاعل ، و قابلاً للتملیک من ناحیته ، و یکفی هذا فی صحّة الجعالة .

و قد جاء نظیر ذلک فی الأخبار ، ففی صحیحة محمّد بن مسلم ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال « فی رجل قال لرجل : بع ثوبی هذا بعشرة دراهم ، فما فضل هو لک ، فقال : لیس به بأس » (1).

و صحیحة زرارة ، قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : ما تقول فی رجل یعطی المتاع فیقول : ما ازددت علَیَّ کذا و کذا فهو لک ؟ فقال علیه السلام : لا بأس » (2) .

و مثلهما غیرهما من الروایات (3) التی فرض فیها الجعل جزءاً من الثمن علی تقدیر

ص:224


1- 1) ب 10 / أبواب أحکام العقود / ح1 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن العلاء بن رزین ، و حمّاد بن عیسی ، عن حریز جمیعاً ، عن محمّد بن مسلم .
2- 2) ب 10 / أبواب أحکام العقود / ح2 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن درّاج ، عن زرارة .
3- 3) کموثّقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « أنّه سئل عن الرجل یحمل المتاع لأهل السوق و قد قوّموا علیه قیمة و یقولون : بع فما ازددت فلک، فقال : لا بأس بذلک، و لکن لا یبیعهم مرابحة » . ب 10 / ح3 . و صحیحة زرارة - علی أن یکون الراوی عنه : محمّد بن حمران لا محمّد بن عمران - عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « سألته عن الرجل یعطی المتاع فیقال له : ما ازددت علَیَّ کذا و کذا فهو لک، قال علیه السلام : لا بأس به . » ب 10 / ح4 . و هذا متعارف فی السوق ، فالدلّال یذهب و یجیء بالزیادة ، فتکون له ، فإنّ مقتضی القاعدة دخول العوض حیث خرج منه المعوّض علی مبنی الشیخ و النائینی رحمهما الله ، فالقیمة المذکورة و الزائدة هی لمالک العین ، و لکن بعد هذا یُعطی الزائد إلی الدلّال وفاء بالجعل .

زیادته ، و هو شیء غیر مملوک بالفعل للجاعل ، و إنّما یکون مملوکاً له فی ظرف إنجاز العمل کالخصّة التی یجعلها المودع للبنک فی المقام ، و لا یشترط أن یکون الجُعل مملوکاً للجاعل حین الجعالة ، بل یکفی أن یکون مملوکاً للجاعل بعد العمل المجعول له ، فأصحاب الأموال لا یشترطون فی جُعلهم تملّکهم بالفعل حین إنشاء الجعالة ، بل یجوز فی إنشاء الجعالة أن یکون الجعل مملوکاً للجاعلین بعد عمل البنک الذی هو عامل الجعالة .

الثالث : یشترط فی الجعل أن یکون موجوداً و لو بعد العمل ، بأن یکون وجوده مضموناً ، فإذا کانت المضاربة غیر مربحة فأین یذهب الجُعل ؟ فلا بدّ من الاطمئنان بحصول الربح و هو مفقود فی تلک المضاربات فلا تسوغ الجعالة .

و اجیب عنه :

أوّلاً : بأنّ احتمال عدم الربح بشکل مطلق یعتبر فی أکثر الظروف احتمالاً ضعیفاً ، و قد یصبح مجرّد احتمال نظری ؛ لأنّ ودیعة کلّ فرد لن ترتبط بمفردها بمضاربة مستقلّة لکی یتوقّف ربح صاحبها علی نتائج تلک المضاربة المحدودة ، بل إنّها سوف تمتزج بغیرها من الأموال النقدیّة فی بحر الودائع الثابتة ، و یدخل المودع کمضارب فی جمیع المضاربات التی یعقدها البنک علی مجامیع مختلفة من ذلک البحر ، و تکون حصّته من المضاربة فی کلّ عقد بنسبة ودیعته إلی مجموع الودائع الثابتة .

و علی هذا فیتوقّف احتمال عدم الربح علی أن لا تربح جمیع المضاربات التی أنشأها البنک و المشاریع التی ارتبط بها علی أساس المضاربة ؛ إذ فی حالة ربح بعضها یوزّع ذلک الربح علی الجمیع بالنسب بعد تغطیة ما قد یتّفق من خسائر .

و ثانیاً : بالنقض بمضمون الروایات المذکورة أیضاً ، فإنّ الدلّال قبل البیع لا یعلم أنّه یبیع بالقیمة المذکورة أو بأکثر ؟ فإذا باعه بالقیمة فلیس له الجعل ، و إذا باعه بأکثر فله الجعل ، فما یقال فی الروایات یقال هاهنا .

و لکن یمکن لنا أن نجیب عن النقض بوجود الفارق بین مورد الروایات و بین مورد

ص:225

المضاربات ، فإنّ الدلّال یرید ببیعه أن یحصّل الفائدة ، فلا یبیع المتاع إلّا بما زاد علی السعر ، فمن هذه الجهة یطمئنّ بالربح ، و لکن فی المضاربات یشکل هذا .

نعم ، لو ضیّقنا عمل البنک بأن یقیّد صاحب المال عمل البنک بالوکالة فی مضاربة رابحة ، هذا لم یرد فی کلام صاحب الاُطروحة .

و فیه تأمّل من جهة أنّه فیه تقیید لعامل الجعالة بتقیید آخر ، و إن کان یمکن تصویره بنحو لا یقیّد عمل عامل الجعالة بعمل آخر ، لکن سوف یصبح للبنک حصّة الربح فقط فی موارد الضمانات التی فیها الربح لا فی مطلق المضاربات .

و أمّا الضمان الذی یقال فی تلک الاُطروحة - و هو ضمان التعهّد - فیثار فیه تساؤل و هو : أنّ هذا الضمان یکون فی الموارد التی یکون الشیء فی عهدة الطرف المعیّن و یخاف مالک تلک العین أنّ الطرف یفرّط أو لا یسلّمها ، فحینئذٍ یطالب بالتعهّد من شخص آخر ، و أمّا فی الموارد التی تتلف فیها العین من دون تفریط ، بل من جهة الخسارة الاتّفاقیّة ، فهل ذلک الضمان التعهّدی أیضاً یتّسع لتلک الموارد ؟ إذ ضمان التعهّد دلیل إمّا الروایات الخاصّة ، و إمّا السیرة العقلائیّة الممضاة .

فإذا کان دلیله الروایات الخاصّة فی باب الضمان فمؤدّاها هو فی الموارد التی تکون العین مورداً للتعهّد العقدی السابق علی ضمان التعهّد ، و تکون العین فی عهدة الطرف ، ثمّ یأتی آخر و یؤکّد عهدة ذاک الطرف بعهدته ، فموجبٌ ما سابق للضمان موجود فی البین ، و أمّا هاهنا فلیس دَین و موجب للضمان فی البین ، فکیف یطالب بالتعهّد من أجنبی لیتحفّظ علی مالیّة العین غیر الموجودة .

و هذا بخلاف ما لو کان مدرکه السیرة العقلائیّة ، فقد تقرّر بأنّها علی الأعمّ من ذلک .

و أمّا عملیّة المضاربة فوقعت فیها تساؤلات :
الأوّل : إنّ الفرق بین المضاربة و القرض هو

أنّ فی المضاربة لا یکون عامل المضاربة ضامناً لرأس المال ؛ لأنّ المال لا یصیر ملکاً له ، بل یبقی علی ملک المالک ،

ص:226

و لذلک یکون رأس المال فی مخاطرة قد یتلف و قد یتضاعف ، ففی الحقیقة یشارک صاحب المال العاملَ فی تعبه ؛ إذ للمالک جهد مخزون ، و للعامل الجهد المتحرّک فیتشارکان و إن کان کلّ الربح للمالک - بقاعدة أنّ النماء تابع للأصل - لکنّ الشارع أجاز بأنّ مقداراً کسریّاً مئویّاً من الأرباح یکون کأُجرة للعامل .

و أمّا فی القرض فلم یخاطر المالک بماله ؛ لأنّ ماله محفوظ فی ذمّة المقترض ، فالمقترض یتّجر بمال فی الخارج متعیّن هو ملکه ، فتکون الأرباح کلّها للمقترض و لصاحب المال رأس ماله فقط ، ففی القرض تبدّل مال صاحب المال من النقدی إلی الذمّی ، فیکون ماله محفوظاً فی الذمّة .

و هذا هو مضمون صحیحة محمّد بن قیس ، عن أبی جعفر علیه السلام - فی حدیث - : « أنّ علیّاً علیه السلام قال : من ضمن تاجراً فلیس له إلّا رأس ماله ، و لیس له من الربح شیء » (1).

و عندئذٍ نأتی إلی التساؤل ، و هو أنّه قد ذکر فی الاُطروحة أنّ البنک یقوم بضمان الودیعة و التعهّد بقیمتها الکاملة للمودع فی حالة خسارة المشروع ، و قد تقدّم أنّه إذا ضمن رأس المال فیصبح قرضاً ، فیعود المحذور .

و الجواب : أنّ ذلک فی ما إذا ضمن العامل رأس المال ، و هنا نفترض أنّ البنک - و هو طرف ثالث - هو الذی یضمن لأصحاب الودائع نقودهم ، و هو لم یدخل العملیّة بوصفه عاملاً فی عقد المضاربة لکی یُمنع فرض الضمان علیه ، بل بوصفه وسیطاً بین العامل و رأس المال ، فهو إذن جهة ثالثة یمکنها أن تتبرّع لصاحب المال بضمان ماله و یقرّر البنک هذا الضمان علی نفسه بطریقة تلزمه شرعاً بذلک ، إمّا بإنشاء الضمان بعقد خاصّ أو باشتراطه بنحو شرط النتیجة فی عقد آخر أو بنحو شرط الفعل فی ضمن عقد بأن یشترط المودع علی البنک فی ضمن عقد أن یدفع إلیه مقداراً من المال

ص:227


1- 1) ب 4 / کتاب المضاربة / ح1 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمّد بن قیس .

مساویاً للخسارة التی تقع فی ودیعته عند المضاربة بها . هذا من جانب .

و من جانب آخر ، قد یتلاعب عامل المضاربة علی البنک فیدّعی تلف المال أو عدم الربح کذباً ، لکی یلقی التبعة علی البنک و یتهرّب من دفع رأس المال أو الربح ، فللبنک الاحتیاط فی ذلک باشتراط الضمان علی عامل المضاربة ، و حیث أنّ الضمان علی عامل المضاربة بعقد المضاربة غیر جائز ، فلا بدّ للوصول إلیه من التمسّک بالجعالة أو شرط الفعل .

و لأنّ عامل المضاربة أمین ، و فی موارد التنازع لیس علی الأمین إلّا الیمین ، فالقول قوله مع یمینه ، إلّا أن تکون هناک قرائن علی خلاف ذلک .

و یمکن للبنک - لدفع احتمال تلاعب العامل - أن یشترط فی بدء الأمر مع عامل المضاربة بأن یوقّع معه جُعلاً فی جعالة فینشئ عامل المضاربة جُعلاً علی إقدام البنک للمعاملة معه . و الجُعل هو رأس المال من حیث المقدار لا مطلقاً ، بل عند ادّعاء التلف من جانب عامل المضاربة ، فالجُعل هو تدارک رأس المال ، إن سلّم نصف رأس المال ، فالجعل بمقدار نصف رأس المال ، و إن سلّم ثلثه فالجعل أیضاً ثلثیه و مقدار الربح أیضاً .

أو بنحو شرط الفعل بأن یشترط البنک علی نفس العامل أنّ العین إذا تلفت یجب علیه دفع قیمتها و شرط الفعل - من حیث ذات الشرط - لیس مؤدّاه حکماً وضعیّاً ، و إنّما هو وجوب تکلیفی فقط ، و لذا لو عصی فلیس بمدین ، و أمّا فی الضمان الاصطلاحی فیصبح مدیناً منذ زمن الضمان ، و فی ضمان العهدة لا یصبح مدیناً بإنشاء الضمان ، بل عند التلف ، و فی شرط الفعل لا یصبح مدیناً ، لا عند انشاء الضمان و لا عند التلف ، و إنّما هو وجوب تکلیفی کاشتراط أی فعل آخر فی ضمن العقد ؛ إذ هذه الأفعال لا تکون دیناً ، فما نحن فیه کذلک . و أیّ شرط فی ضمن أی فرد لا یفید أمراً وضعیّاً بذاته ، و إنّما یفید حکماً تکلیفیّاً فیمکن للبنک أن یشترط علی عامل المضاربة بنحو شرط الفعل ، الضمان عند التلف .

ص:228

هذا بناءً علی أنّ الاشتراط لا یفید إلّا حکماً تکلیفیّاً ، فمع کون ذات الشرط فعلاً مجرّداً لا معنیً وضعیّاً یکون المحصّل من الاشتراط و الشرط التکلیف فقط ، و أمّا بناءً علی ما تقدّم من أنّ الاشتراط یفید حقّاً وضعیّاً - و إن کان ذات الشرط فعلاً مجرّداً لا معنیً وضعیّاً - فحیث أنّ له مالیّةً ما فبمقتضی الحقّ الوضعی یتملّک المشروط له تلک المالیّة و یکون المشروط علیه مدیناً .

و علی ذلک فیکون العامل قد ضمن مال المضاربة ، و یکون صاحب المال مسبّباً لذلک بوسیطه - و هو البنک - فیمکن التمسّک حینئذٍ بعموم صحیح محمّد بن قیس و یعود المحذور . و لا یخفی أنّ ذلک بعینه یتأتّی علی اشتراط ضمان التعهّد أیضاً .

فالمحذور قائم علی کلا الضمانین .

الثانی : إنّ أطراف الضمان ثلاث :

الضامن و هو البنک ، و المضمون له و هو أصحاب الأموال ، و المضمون عنه و هو صاحب العمل .

فإذا کان المضمون عنه هو صاحب العمل(عامل المضاربة)فکأنّه هو قد ضمن .

غایة الأمر ما ضمن مباشرة ، بل ضمن عنه غیره ، لکن هو فی نفع المضمون له نیابة عن المضمون عنه ، و إن لم یکن بین الضامن و المضمون عنه نیابة ، إلّا أنّ هناک تدارکاً بالنیابة ، فتدارک الضامن بمنزلة تدارک المضمون عنه ، فیأتی الإشکال الذی قد فرّ منه السیّد صاحب الاُطروحة المقترحة ؛ لأنّ الضمان من قِبل الوکیل(البنک)فی الحقیقة تدارک عن عامل المضاربة ، فیدخل العامل فی عملیّة الضمان ، فتصبح المضاربة قرضاً ربویّاً .

و هذا الإشکال مبنیّ علی أنّ ماهیّة ضمان العهدة عین ماهیّة الضمان الاصطلاحی ، فی أنّ التدارک من الضامن تدارک من المضمون عنه ، أو یقال بعموم صحیح محمّد بن قیس لمطلق الضمان و لو بنحو شرط الفعل .

ص:229

فی أحکام المضاربة کبدیل عن الفائدة الربویّة
اشارة

لمّا کانت هذه الاُطروحة مبنیّة علی جواز اشتراط جزء من ربح المضاربة للأجنبی (الطرف الثالث)کسریّاً أو معیّناً ، و علی عدم جواز اشتراط قدر معیّن لأحد طرفی المضاربة ، و علی عدم جواز تضمین العامل مال المضاربة ، فلا بدّ من تنقیح الحال فی ذلک ، و إلّا لما احتیج إلی هذا التکلّف فی هذه الاُطروحة لو فرضنا سلامة الاُطروحة فی نفسها عن الإشکالات المتقدّمة . و هذه الاُمور الثلاثة متکرّرة فی عدّة من الحیل و الاُطروحات البدیلة عن الربا . فمن اللازم تنقیح الحال فیها بنحو مستقلّ ، و عقد البحث فی عقد المضاربة و أخویه فی ثلاث مسائل :

الاُولی : هل یجوز فی عقد المضاربة أو المزارعة و المساقاة اشتراط قدر معیّن لأحد الطرفین و الباقی کلّه للآخر أو الباقی بنحو المشارع للآخر .

الثانیة : هل یجوز فی عقد المضاربة اشتراط الضمان علی العامل أو لا ؟

الثالثة : هل یجوز فی عقد المضاربة اشتراط قسم من الربح للأجنبی أو لا یجوز ؟

المسألة الاُولی هل یجوز فی عقد المضاربة أو المزارعة و المساقاة اشتراط قدر معیّن لأحد الطرفین
اشارة

و الباقی کلّه للآخر أو الباقی بنحو المشاع للآخر؟

قد عنونها السیّد الیزدی رحمه الله فی شروط المضاربة ، و قال : من شرائط عقد المضاربة أن لا یشترط قدراً معیّناً لأحد المتعاقدین فی عقد المضاربة .

إلّا أنّه فی عقد المساقاة و المزارعة - اللذین هما من حیث الماهیّة عین ماهیّة المضاربة ، و کثیر من أحکامها هی أحکام المضاربة - صرّح بالجواز ، مع أنّه لم یرد

ص:230

نصّ خاصّ فی کلّ منها ، فما الفارق ؟

بینما جوّز السیّد الخوئی رحمه الله فی المستند فی مقابل المشهور (1).

و أمّا سائر محشّی العروة : فجماعة منهم ذهبوا إلی عدم صحّة المضاربة إذا کان القدر المعیّن لأحد الطرفین و الباقی کلّه للطرف الآخر ، بخلاف ما إذا کان القدر المعیّن لأحد الطرفین مع الوثوق بکون الربح زائداً علی ذلک و الباقی بینهما ، فیجوز .

و جماعة منهم - کالسیّد الگلپایگانی رحمه الله - قال : لا یجوز مطلقاً ، بل لا بدّ من إشاعة الکلّ .

و لا یحضرنی کلام أحد من المحشّین صحّح أن یکون مقدار معیّن لأحدهما و الباقی کلّه للآخر .

و أمّا بالنسبة إلی القدماء : فالشیخ و ابن إدریس و ابن البرّاج و جماعة ذکروا فی باب المزارعة أنّه یجوز أن یستثنی صاحب البذر مقدار البذر و الباقی بینهما ، و هذا الاستثناء لم یسوّغه المشهور ، فضلاً عن الصورة المزبورة التی ذکرها السیّد الیزدی و سوّغها فی المزارعة .

و قیل : أنّ هذا الاستثناء لا ینافی الإجماع ، و المشهور القائل بأنّ فی العقود الثلاثة یجب أن یکون کلّ الربح فیه مشاعاً بنسبة کسریّة ، فإنّ ما أفتی به الشیخ الطوسی رحمه الله فی باب المزارعة لیس خلاف ما اشترطوه فی الأبواب الثلاثة ، حیث أنّ هذا الاستثناء - أی استثناء البذر - لا یعدّ من الربح ، و إنّما هو من المؤن ، فکأنّما هو خارج تخصّصاً ؛ إذ فی الأبواب الثلاثة لا بدّ أن یستصفی الربح و یحسب بعد إخراج الدیون و المئون ؟ فاستثناء البذر من استثناء المؤن .

و أشکل علی ذلک بأنّه إذا استثنی البذر فحینئذٍ انعدمت مشارکة صاحب البذر فی المزارعة .

ص:231


1- 1) مستند العروة الوثقی / کتاب المضاربة / ص26 .

و أمّا السیّد الخوئی رحمه الله فذهب فی حاشیة العروة إلی عدم جواز کلا الفرضین ، و جوّز صورة القدر المعیّن لأحدهما و الباقی بینهما ، و استدلّ علی ذلک بأنّ « الربح بینهما » صادق إذا کان القدر المعیّن لأحدهما و الباقی بینهما ، و لازم استدلاله السابق صدق ذلک العنوان « الربح بینهما » علی صورة تقدیر الأرباح بینهما بنسب معیّنة غیر کسریّة .

فإنّ دعواه رحمه الله أنّ غایة ما تدلّ علیه الروایات هو لزوم الاشتراک فی الربح لا لزوم الإشاعة فیه . ففی صورة اشتراط القدر المعیّن لأحدهما و الباقی للآخر لا إشاعة فی الربح ، بل اشتراک فیه ، و فی صورة إشاعة الباقی فالربح مشاع .

و أیّد ذلک بجوازه فی المزارعة و المساقاة (1).

و استشکل رحمه الله علی صاحب العروة رحمه الله بأنّه کیف جوّز فی باب المساقاة بأن یستثنی مقداراً معیّناً لأحدهما و الباقی بینهما أو الباقی للآخر ، و لم یجوّز ذلک فی باب المضاربة ؟ مع أنّهما من باب واحد .

فقد ذکر صاحب العروة رحمه الله فی باب المساقاة أنّه لو اشترط أن تکون الأشجار خمسة شرقیّة منها ، ثمرها لک و الباقی بیننا ، أو الباقی لی ، هذا نوع تقدیر و تعیین و قد جوّزه .

لکن الغریب أنّ السیّد الخوئی الذی یصحّح ذلک فی باب المضاربة ، لا یصحّحه فی باب المزارعة و المساقاة حسب ما هو الموجود فی المستند و الحاشیة ، فکیف یصحّح هنا و لا یصحّح هناک ؟

استدلّ المشهور بوجوه ثلاثة

1 - إنّ القدر المعیّن غیر موثوق التحقّق ، فإنّه قد یکون الربح أقلّ و قد یکون أزید ، فهذا شرط لشیء مجهول ، فلا یسوّغ للجهالة و الغرر .

ص:232


1- 1) مستند العروة الوثقی / کتاب المضاربة / ص26 .

2 - إنّ روایات باب المضاربة دالّة علی أنّ الربح یجب أن یکون مشاعاً بینهما ، و هو مقتضی المعنی الوضعی اللغوی و الوضع الشرعی لعقد المضاربة .

3 - المعروف بین الفقهاء أنّ عقد المضاربة لیس عقداً علی مقتضی القاعدة ، فحینئذٍ یقتصر فی تصحیح عقد المضاربة علی مقدار ما دلّ علیه الشرع .

و بعبارة اخری : أنّ عقد المضاربة خلاف العمومات و القواعد العامّة ، فإذا أتانا مخصّص منفصل یصحّح عقد المضاربة ، و کان هذا المخصّص مجملاً ، فیقتصر علی القدر المتیقّن ، أمّا القدر المشکوک فلا مستمسک له ، و المفروض أنّه قد وقع فی المضاربة شکّ من أنّ الربح تمامه مشاع بینهما أو یجب أن یکون الربح فی الجملة مشاعاً أو یکون مشترکاً ؟ و المفروض إجمال المعنی الوضعی و عدم إمکان التمسّک بالروایات ، فیوجب الإجمال فی ماهیّة المضاربة ، و حیث أنّها علی خلاف مقتضی القواعد - کما سیأتی بیانه - ففی المخصّص المنفصل یقتصر علی القدر المتیقّن ، و هو أن یکون کلّ الربح مشاعاً .

أمّا الأوّل - أعنی أنّه شرط غیر مضمون و غیر موثوق التحقّق - فأُجیب عنه :أوّلاً : بأن یُشترط ذلک الشرط فی المورد الذی یوثّق بأنّ الربح سیظهر ، فالدلیل أخصّ من المدّعی .

أقول : إنّ المراد من الغرر و الجهالة هو أنّه لیس فی البین مؤمّن قانونی یحافظ علی سلامة العوض ، لا المؤمن بحسب طبیعة السوق و التجارة .

إذ فی بحث الغرر یجب أن یُحصّل - دائماً - علی مؤمّن قانونی ، مؤمّن فی مقتضی التعارض و شروطه لا یتخلّف ، أمّا أن یجعل مصیر العوض بلحاظ طبیعة السوق و إن کان یطمئنّ بطبیعة السوق ، فهذا لیس بدافع للغرر .

و قد نبّهوا علی هذا المطلب فی باب البیع و قالوا : إنّه لا بدّ فیه من ضابطة العوضین ، یعنی لیس قابلاً للزیادة و النقصان فی الواقع ، و إن کان یطمئنّ خارجاً بعدم التغییر .

فالوثوق و الاطمئنان بعدم التخلّف بحسب طبیعة السوق لیس هو الاطمئنان بحسب

ص:233

التعاقد ، الذی ینفی الغرر فی المعاملات هو الوثوق الناتج من مقتضی العقد أو من شرائطه ، لا الوثوق بطبیعة السوق ، بل الوثوق المزبور عین الغرر المعاملی و إن کان الاحتمال نادراً .

فمرادهم من أنّه « لا یؤمّن » أنّ ما یشترط من شرط قانونی فی ضمن المعاملة ، لا بدّ أن یؤمّن سلامة العوض ، و هذا لیس بموجود ، و الإشکال لیس فی أصل الاطمئنان ، بل من جهة الاطمئنان و المؤمّن الحاصل من الشرط القانونی بتحقّق الربح بحیث یکون وجود المعاملة مرهوناً به و إن کانت سلامة العوض مرهونة بجوّ الأسواق لا بجوّ نفس المعاملة ؛ إذ لو لا ذلک لأمکن أن تبقی المعاملة و لم یکن من دون أن یکون لأحدهما عوض ، مع أنّ اللازم فی حقیقة المضاربة أن یکون الربح للاثنین ، و الحال أنّ فی الفرض المبحوث یمکن أن تکون المضاربة باقیة ، و یظهر الربح لأحدهما خاصّة و ذلک بسبب عدم مؤمّن قانونی فی المضاربة یؤمّن توزیع الربح بینهما .

و ثانیاً : بأنّ الشرط فی المضاربة هو تعلیقی ، کما هو الحال فی النسبة المشاعة ، و هذا الشرط تعلیقی أیضاً یعنی معلّقاً علی ظهور الربح ، فإذن یکون مشاعاً .

و أمّا الثانی - و هو أنّ الروایات تدلّ علی أنّ الربح کلّه مشاع - فالجواب عنه : أن هذه الروایات فی صدد بیان مقتضی عقد المضاربة أن یکون مشاعاً ، بحسب مقتضی طبیعتها ، و اللازم من ذلک کون الإشاعة فی الجملة لا بالجملة ، کما إذا کان هناک شرط مانع عن مقتضی الطبیعة ، نظیر مقتضیات کثیر من العقود کاقتضاء الهبة للجواز و تلزم بالشرط و اقتضاء الودیعة لعدم الضمان ، و لکن یصحّ الضمان بالشرط ، فمفادها أنّه لا بدّ من الإشاعة فی الربح ، لا فی کلّ الربح .

فعنوان(الربح مشاع بینهما)أو(الربح بینهما)صادق حین ما یجعل مقداراً معیّناً لأحدهما و الباقی لآخر أو الباقی أیضاً بینهما . فیصدق أنّ الربح بینهما ، حیث أنّ مجموع الربح لم یکن لأحدهما و إنّما هو لکلیهما . غایة الأمر بنحو التقدیر و التعیین .

و تنقیح الحال باستعراض الروایات :

ص:234

1 - صحیحة محمّد بن مسلم : عن أحدهما علیهما السلام ، قال : « سألته عن الرجل یعطی المال مضاربة و ینهی أن یخرج به فخرج ؟ قال : یضمن المال و الربح بینهما » (1).

2 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « فی الرجل یعطی المال فیقول له : ائت أرض کذا و کذا و لا تجاوزها ، و اشتر منها ، قال : فإن جاوزها و هلک المال فهو ضامن ، و إن اشتری متاعاً فوضع فیه فهو علیه ، و إن ربح فهو بینهما » (2) .

3 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی الرجل یعطی الرجل مالاً مضاربة فیخالف ما شرط علیه ، قال : هو ضامن و الربح بینهما » (3) .

4 - صحیحة أبی الصباح الکنانی : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن المضاربة یعطی الرجل المال یخرج به إلی الأرض و ینهی أن یخرج به إلی غیرها ، فعصی فخرج به إلی أرض اخری فعطب المال ؟ فقال : هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بینهما » (4) .

5 - صحیحة جمیل : عن أبی عبد اللّه علیه السلام « فی رجل دفع إلی رجل مالاً یشتری به ضرباً من المتاع مضاربة فذهب فاشتری به غیر الذی أمره . قال : هو ضامن ، و الربح بینهما علی ما شرط » (5) .

ص:235


1- 1) ب 1 / أبواب المضاربة / ح1 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن علیّ بن الحکم ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم .
2- 2) ب 1 / أبواب المضاربة / ح2 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی .
3- 3) ب 1 / أبواب المضاربة/ ح5 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی .
4- 4) ب 1 / أبواب المتقدّمة / ح6 . رواه الشیخ عن الحسین بن سعید ، عن محمّد بن الفضیل ، عن الکنانی .
5- 5) ب 1 / أبواب المتقدّمة / ح9 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن معاویة بن حکیم ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن جمیل .

6 - موثّقة أبی بصیر : عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی الرجل یعطی الرجل مالاً مضاربة و ینهاه أن یخرج إلی أرض اخری فعصاه . فقال : هو له ضامن ، و الربح بینهما إذا خالف شرطه و عصاه » (1).

7 - صحیحة زید الشحّام : عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی المضاربة إذا أعطی الرجل المال و نهی أن یخرج بالمال إلی أرض اخری فعصاه فخرج به . قال : هو ضامن ، و الربح بینهما » (2) .

8 - صحیحة محمّد بن قیس : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام :

من اتّجر مالاً و اشترط نصف الربح فلیس علیه ضمان » (3) .

و قال : « قضی علیّ علیه السلام فی تاجر اتّجر بمال و اشترط نصف الربح فلیس علی المضاربة ضمان » (4) .

و قال : « إنّ علیّاً علیه السلام قال : من ضمّن تاجراً فلیس له إلّا رأس ماله ، و لیس له من الربح شیء » (5) .

و سیأتی بیان مفاد هذه الروایة بعد استعراض روایات المزارعة .

فهذه الروایات تدلّ علی أنّه لا بدّ من اشتراک و إشاعة فی الربح بطبع عقد المضاربة و روایات المزارعة أصرح فی الاشتراک . و المزارعة صنو المضاربة و کذلک المساقاة ،

ص:236


1- 1) ب 1 / الأبواب المتقدّمة / ح10 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن وهیب ، عن أبی بصیر .
2- 2) ب 1 / الأبواب المتقدّمة / ح11 . رواه الشیخ عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن أبی جعفر و أبی شعیب ، عن أبی جمیلة ، عن زید الشحّام .
3- 3) ب 3 / أبواب المضاربة / ح2 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمّد بن قیس .
4- 4) ب 3 / الأبواب المتقدّمة / ح4 ، الإسناد المتقدّم .
5- 5) ب 4 / الأبواب المتقدّمة / ح1 ، بالإسناد المتقدّم .

بل هی ماهیّة واحدة تختلف باختلاف موردها ، و لذا وحّد بینهما فی کثیر من الأحکام .

و یعضده التعلیل الوارد فی المساقاة من أنّها حاجة أهل الحجاز .

و یعضد ذلک ما اعتمدناه علیه فی تعمیم المضاربة لغیر التجارة ، من کون حقیقة المضاربة هی الشرکة بین العمل و المال ، و هی و إن کانت علی خلاف مقتضی القاعدة (1)و لکن حیث سوّغت ، فیستفاد منه أنّ الشارع یسوّغ الشرکة بین العمل و المال ، و لذلک فالمضاربة لا تخصّ بالتجارة ، و مقتضی کون جنس المضاربة هی الشرکة هو الشرکة فی النماء ، و هذا الاقتضاء کاللازم الذاتی لا ینفکّ عن ماهیّة الشرکة .

نعم ، یمکن بعد الاشتراک فی النماء أن یملّک أحدهما الآخر ، لا أن یختصّ النماء المعیّن بأحدهما ابتداءً من تولّده من الشرکة لا سیّما و أنّ هنا لیست نسبة الربح إلی الأصل نسبة النماء إلی الأصل ، بل هو بمقتضی قانون المعاوضة ، فإنّ الربح الحادث فی عوض تجارة المضاربة هو فی مقابل المعوّض المشترک و ذاتیّ المعاوضة کما حرّرناه فی البیع وفاقاً للشیخ رحمه الله دخول العوض من حیث خرج المعوض و إلّا لانسلخت المعاوضة عن ماهیّتها .

امّا روایات باب المزارعة فهی :

1 - صحیحة أبی الصباح : قال : « سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لمّا افتتح خیبر ترکها فی أیدیهم علی النصف . . . » الحدیث (2) .

2 - صحیحة الحلبی : قال : « أخبرنی أبو عبد اللّه علیه السلام : أنّ أباه علیه السلام حدّثه أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله أعطی خیبر بالنصف أرضها و نخلها . . . » الحدیث (3) .

ص:237


1- 1) و سیأتی بیانه فی الصفحة 277 .
2- 2) ب 8 / أبواب المزارعة / ح1 . رواه الکلینی ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد و سهل بن زیاد جمیعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی الصباح .
3- 3) ب 8 / أبواب المزارعة / ح2 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی .

3 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة و لکن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به .

قال : لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس » (1).

4 - صحیحة عبد اللّه بن سنان : أنّه قال : « فی الرجل یزارع فیزرع أرض غیره ، فیقول : ثلث للبقر و ثلث للبذر و ثلث للأرض ، قال : لا یسمّی شیئاً من الحبّ و البقر و لکن یقول : ازرع فیها کذا و کذا إن شئت نصفاً و إن شئت ثلثاً » (2) .

5 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس » (3) .

6 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام - فی حدیث - « أنّه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربح و النصف و الثلث . قال : نعم لا بأس به ، قد قبّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله خیبر أعطاها الیهود حین فتحت علیه بالخبر ، و الخبر هو النصف » (4) .

بیان الاحتمالات فی مفاد تلک الروایات

قد احتمل فی الروایات الدالّة علی أنّ « الربح بینهما » عدّة احتمالات :

ص:238


1- 1) ب 8 / أبواب المزارعة / ح3 ، بالإسناد المتقدّم .
2- 2) ب 8 / الأبواب المتقدّمة / ح5 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن عبد اللّه بن سنان .
3- 3) ب 8 / أبواب المتقدّمة / ح7 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن ابن مسکان و فضالة ، عن أبان جمیعاً ، عن محمّد الحلبی و ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن عبید اللّه بن علیّ الحلبی .
4- 4) ب 8 / الأبواب المتقدّمة / ح8 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحلبی ،(المخابرة : أن یزارع علی النصف أو غیره کالخبر)القاموس - خبر - 17/2 .

الأوّل : هو مطلق الشرکة ، حتّی الشرکة بنحو الفَرز(فَرَّزَ مَیَّزَ)یعنی نصیب أحدهما مفروز عن نصیب الآخر فی القدر ، مثلاً : لو کانت البضاعة الموجودة ربحها « مائة ألف » ، فلو کان « أربعون ألفاً » بنحو القدر المعیّن لأحدهما ، و« ستّون » للآخر بنحو التقدیر ، لا بنحو النسبة الکسریّة المشاعة(أی: أربعین بالمائة أو ستّین بالمائة) فیصدق فی ذلک المورد أنّ الربح بینهما باعتبار أنّ « بینهما » یعنی کلّ منهما یملک الربح . و هما اللذان یتملّکان الربح . فهو بینهما مشترک و لو بنحو التمییز . فمعنی « بینهما » أی: موزّع بینهما ، فمجموع الربح یملکه کلاهما ، فلذا یجاب عند السؤال عمّن تملّک هذا الربح : العامل و المالک ، فإنّ الربح سارٍ بینهما ، فهاهنا منشأ الاستظهار فی کلمة « بینهما » ، لا فی کلمة « الرب » ، فالشرکة اللغویّة هاهنا بمعنی « التقسیم » و« التوزیع » .

الثانی : ما اختاره عدّة من المحشّین علی العروة و هو أنّ « بینهما » بمعنی الشرکة الاشاعیّة لا بنحو الفَرز ، إلّا أنّ منشأ الاستظهار کلمة « الربح » ، فهو بمعنی جنس الربح ، و لیس المراد کلّه بتمامه . و المعنی أنّ الربح یجب أن یکون بنحو الإشاعة و لو بعض الربح ، فلو اشترط لأحدهما مقدار معیّن و یکون الباقی بینهما فحینئذٍ یصدق أنّ الربح بینهما .

و استدلّ السیّد الخوئی رحمه الله بهذا الوجه ، و لکن هذا الاستظهار لا یصحّح کلّ فروض المسألة ؛ لأنّ بعضها هو أنّ مقداراً معیّناً لأحدهما و الباقی کلّه للآخر ، و بعض الفروض أنّ مقداراً معیّناً لأحدهما و الباقی بینهما . فهذا الوجه یصحّح الثانی ؛ لأنّه یصدق بلحاظ الباقی أنّ الربح بینهما ، یعنی مشترک إشاعی بینهما فی الجملة ، و لیس من اللازم أن یکون کلّ الربح مشترکاً إشاعیّاً بینهما ، فالربح « بینهما » یعنی جنس الربح بینهما و لو بعضاً ، فهذا تصرّف فی کلمة « الربح » .

الثالث : و هو الاحتمال الذی ذهب إلیه المشهور ، کما فی الجواهر أنّ الربح بینهما بمعنی مجموع الربح بنحو الاستغراق بینهما ، بنحو الشرکة الإشاعیّة ، فعلی هذا

ص:239

الاحتمال یبطل استثناء القدر المعیّن ، سواء کان الباقی بینهما أو کلّ الباقی للآخر ، فاستثناء التقدیر فی الربح لا یسوّغ .

هذا من حیث الموضوع .

و أمّا من حیث المحمول : فالروایات هل هی بصدد بیان المضاربة بالتنبیه علی معناها اللغوی و العرفی ، أو تفید معنیً شرعیّاً خاصّاً ؟

فهنا ثلاثة احتمالات :

1 - کونها فی مقام بیان حقیقتها العرفیّة .

2 - کونها فی مقام بیان حقیقتها الشرعیّة .

3 - کونها فی مقام بیان حکم المضاربة لا ماهیّتها .

فعلی الاحتمال الأوّل لا یمکن استثناء القدر المعیّن ؛ لأنّ الفرض أنّ حقیقتها العرفیّة هی السنبة الکسریّة فی الربح ، فلا یمکن هذا الاستثناء ، و کذلک علی الاحتمال الثانی من کونها فی بیان الحقیقة الشرعیّة .

و أمّا علی الاحتمال الثالث من کونها فی مقام بیان حکم المضاربة ، فهذا الحکم - کما ذکروا فی الخیارات فی بحث الشرط المخالف للکتاب و السنّة - تارة طبعی اقتضائی شأنی و تارة فعلی .

و یقصدون من الأوّل الحکم الذی یمکن أن یشترط خلافه و یرتفع ذلک الحکم ، مثل جواز الهدیّة فهو حکم للهدیّة ، و لکن إذا اشترط لزومها تکون لازمة ، فعلی ذلک جواز استرداد الهدیة حکم اقتضائی ، یعنی أنّ طبع العقد یقتضیه و لکن لا یقتضیه بنحو الحتم ، و إنّما طبعه هکذا لو لا الموانع و الطوارئ ، بخلاف الحکم الفعلی المطلق الذی لا یمکن أن یتخلّف ، کاللزوم فی النکاح الذی لا یمکن أن ینفکّ عنه ، إلّا ما استثناه الشارع بدلیل ، فلا یستطیع المتعاقدان فی النکاح أن یشترطا الخیار فی الفسخ ؛ لأنّ اللزوم حکم فعلی مطلق .

ص:240

و لذا قال السیّد الیزدی رحمه الله : الإشاعة فی کلّ الربح هو حکم إطلاق المضاربة لا مطلق المضاربة .

و إطلاق المضاربة بمعنی أنّه لو کان حکماً شرعیّاً فإنّما هو حکم شرعی عند ما یطلق عقد المضاربة ، یعنی لا تشترط شرطاً بخلاف مقتضاها ، بل تجعلها غیر مشروطة ، أمّا إذا اشترط شرطاً خلاف إطلاقها ، فهذا الشرط یرفع الحکم الطبعی الاقتضائی . فإذن علی الاحتمال الثالث اشتراط القدر المعیّن ممکن ؛ إذ هو شرط خلاف إطلاق المضاربة ، و أمّا علی الاحتمال الأوّل و الثانی فلا یمکن استثناء قدر معیّن لأنّه ذاتی المضاربة .

و لا بدّ من التلفیق و ملاحظة النسبة بین الاحتمالات الثلاثة فی الموضوع و الاحتمالات الثلاثة فی المحمول ، فالاحتمال الأوّل فی الموضوع یتلائم مع الاحتمالات الثلاثة فی المحمول ، فیصحّح کلّ فروض تقسیم اشتراط الربح .

و الاحتمال الثانی فی الموضوع أیضاً یتلائم مع الاحتمالات الثلاثة فی المحمول ، لکنّه مع الاحتمال الأوّل و الثانی فی المحمول یصحّح فقط صورة أنّ الربح کلّه بینهما أو الربح بعضه بینهما بشرکة إشاعیّة و یستثنی المقدار المعیّن .

و أمّا إذا کان قدر معیّن لأحدهما و الباقی کلّه للآخر ، فلا یصحّحه الاحتمال الثانی .

و أمّا فی الاحتمال الثانی من الموضوع مع الثالث من المحمول فیمکن اشتراط خلاف طبع المضاربة ، و الربح بینهما شرکة إشاعیّة و لو بعضه ، و علیه تکون الإشاعة لیست حقیقة عرفیّة و لا شرعیّة للمضاربة ، و إنّما هو حکم طبعی لها قابل للرفع بالطوارئ .

أمّا الاحتمال الثالث فی الموضوع - یعنی کون الربح کلّه بینهما شرکة إشاعیّة - فهو مع الاحتمال الأوّل و الثانی فی المحمول یبطل الصورة الثانیة فی الفروض المتقدّمة ، و یبطل الصورة الثالثة - أعنی استثناء القدر المعیّن مطلقاً فی الربح ، و إن کان الباقی بینهما أو الباقی للآخر - لأنّ مقتضاه أنّ کلّ الربح بینهما مشاع ، و فی الصورة المزبورة

ص:241

لیس بمشاع کلّه ، و الإشاعة علیه حقیقة لغویّة أو شرعیّة ، فهی غیر قابلة للانفکاک عن الماهیّة .

نعم ، علی الاحتمال الثالث فی المحمول تکون الإشاعة حکماً طبعیّاً فی المضاربة ، فیمکن أن یشترط خلافه .

بعض الأعلام رکّز علی البحث فی الموضوع ، و بعض آخر رکّز علی البحث فی المحمول لکی یتمّ استدلال المشهور بالروایات علی أنّ الربح کلّه بینهما ، و لا یتمّ الاستدلال بها إلّا أن تبیّن أنّ الإشاعة حقیقة عرفیّة أو شرعیّة ، لا أنّها حکم المضاربة ؛ لأنّ الحکم قابل للارتفاع و لا یتمّ إلّا أن یکون(ال)فی(الربح)عهدیّة أو استغراقیّة لا جنسیّة .

و البعض استظهر أنّ( )الجنسیّة .

و بعض آخر تصرّف فی کلمة « بینهما » و جعل معناه الفرز و التقسیم ، و لذا أفتی بصحّة هذه الصور المتعدّدة .

و بعض ثالث أشکل من جهة المحمول من جهة أنّه حکم المضاربة ، لا أنّه حقیقتها الشرعیّة أو اللغویّة ، و الحکم قابل لاشتراط خلافه ؛ لأنّ غالب أحکام العقود طبعیّة ، یعنی بطبعها لو لا الطوارئ حکمها کذا . أمّا إذا اشترط شیء آخر فلا مانع من ذلک ، و إلّا لما کان شرط عندنا فی المعاملات غیر مخالف للکتاب ؛ لأنّ الشرط دائماً یواجه حکماً طبعیّاً ؛ لأنّه یأتی بشیء جدید .

و أمّا الاحتمال الأوّل فی الموضوع و إن ذکره بعض الأعلام فضعفه واضح ؛ لأنّ الروایات تنصّ علی الکسر کالنصف و الثلث ، فکیف یمکن حملها علی الفَرز و التمییز ؟ فهو بعید عن محتمل الروایات و تصریحها .

و أمّا الاحتمال الثانی فی الموضوع فهو أیضاً ضعیف ، فإنّ کون(ال)جنسیّة إنّما یکون فی الحدود و التعاریف المنطقیّة أو فی بقیّة الفنون ، و أمّا فی القضایا التی فی العلوم بلحاظ الوجود الخارجی لا بلحاظ شرح الماهیّة و لا بلحاظ الحدّ و التعریف

ص:242

أو شرح الألفاظ ، فتحمل(ال)دائماً علی العهدیّة أو الاستغراقیّة ؛ لأنّ الفرض فی تلک القضایا ترتّب المحمول بلحاظ الوجود الخارجی ، فإنّ فی(ال)الجنسیّة التفاتاً مرکّباً للجنس و تمیّزه من بین بقیّة الأجناس ، فهو فی الواقع تصوّر ذهنی غیر آلی موضوعی للجنس فی الذهن ، و هذا إنّما یکون فی الموارد التی یکون المتکلّم فی صدد شرح الماهیّة و شرح الجنس ، و أمّا فی تلک الموارد التی هو فی صدد ترتیب الأثر و المحمول علی الوجود الخارجی فلا یمکن لحاظ معنی الجنسیّة فی(ال)؛ لأنّ لحاظ اسم الجنس لحاظاً آلیاً بإفراده لا یتلائم مع(ال)الجنسیّة ، و من هنا قال البلاغیّون إنّما تکون(ال)الجنسیّة فی الحدود ، فیبطل الاحتمال الثانی بهذه النکتة ، فیجب أن یکون الربح کلّه مشترکاً بینهما ، و هو الاحتمال الثالث . هذا کلّه فی الموضوع .

أمّا بالنسبة إلی المحمول فالشهید الثانی و المحقّق الأردبیلی و صاحب الحدائق ادّعوا بأنّ هذه الروایات هی لبیان الحقیقة اللغویّة للمضاربة لا أنّه حکم المضاربة .

و یستشهد له بأنّ سؤال الرواة هو عن ماهیّة المضاربة ، و بتطابق جوابه علیه السلام مع السؤال یکون الجواب سرداً لأجزاء الماهیّة ، و قد ذکر فیها أنّ الربح بینهما ، و ظاهر السرد أنّه من أجزاء الماهیّة ، و ظاهر الجواب أنّه من باب الحقیقة اللغویّة و العرفیّة للمضاربة .

و فی أخبار المزارعة التعبیر ب « لا تقبل الأرض » (1)و إن کان لسانه لسان الحکم بقرینة « لا » ، إلّا أنّ(الباء)فی « بالنصف » للمعاوضة ، و هو تحدید العوض ، و لیس من الأحکام المترتّبة علی المزارعة ، بل لبیان قیود الماهیّة ، مضافاً إلی أنّ بعض أخبار الباب فی مقام شرح فعل الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله ، و هو بیان الأجزاء الماهیّة .

و أخبار المضاربة و إن کانت ذات وجهین إلّا أنّها تحمل علی مفاد أخبار المزارعة ؛

ص:243


1- 1) صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة، و لکن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به » ، و قال : « لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس » .(ب 8 / أبواب المزارعة / ح3).

لأنّ ماهیّتهما واحدة و إن اختلف موردهما ، فکلمة « الربح » دالّة علی الاحتمال الثالث فی الموضوع ، و من جهة المحمول دالّ علی الماهیّة الإشاعیّة لغةً فیتمّ مدّعی المشهور .

و أمّا الجواب عن الدلیل الثالث الذی أقامه المشهور لمدّعاهم - و هو الاقتصار علی القدر المتیقّن(أعنی کون الربح مشاعاً)؛ لأنّ المضاربة علی خلاف مقتضی القاعدة - فبمنع الإجمال فی عقد المضاربة ، بل مفهومه واضح ، فإنّ المضاربة هو الاشتراک فی الربح أو الإشاعة فی الجملة فی الربح ، فکما یکون المفهوم و المعنی فی المزارعة و المساقاة واضحاً ، فکذلک فی المضاربة .

أمّا بیان أنّ المضاربة و أخویها علی خلاف مقتضی القاعدة فهو

أوّلاً : إنّ النماء یجب أن یکون تابعاً للأصل و یملک الفرع من یملک الأصل ، بینما الحال فی هذه العقود الثلاثة لیس کذلک ، حیث أنّ مالک مال التجارة لا تکون الأرباح کلّها له ، بل تکون بینه و بین عامل المضاربة ، و هذا علی خلاف مقتضی القاعدة .

ثانیاً : إنّ المضاربة لیس معاملة واحدة غالباً ، بل معاملات یرد بعضها علی بعض یجریها عامل المضاربة ، فإذا کان رأس مال مائة دینار - مثلاً - و کان للعامل نصف الربح ، فاتّجر العامل به و اشتری سلعة بمائة دینار ، ثمّ باعها بمأتی دینار ، کان مقتضی العقد اختصاص المالک بمائة و خمسین دیناراً ، و اختصاص العامل بخمسین دیناراً فقط ، فلو اشتری بعد ذلک شیئاً بمأتی دینار ثمّ باعه بأربعمائة دینار ، فمقتضی العقد أن یکون للعامل مائة و خمسون دیناراً ، و للمالک مائتان و خمسون دیناراً ، و هو مخالف للقاعدة من حیث أنّ مأتی الدینار الحاصلة من التجارة الثانیة إنّما هی ربح لمجموع خمسین دیناراً - أی حصّة العامل - و مائة و خمسین دیناراً - أی حصّة المالک - و مقتضی القاعدة أن یکون رُبع هذا المبلغ و ثلاثة الأرباع الباقیة بینه و بین الملک ، و هذا یعنی أن یکون العامل - من مجموع الأربعمائة - مائة و خمسة و سبعون دیناراً ، و للمالک منه مائتان

ص:244

و خمسة و عشرون دیناراً فقط ، و الحال أنّه لا یأخذ إلّا مائة و خمسین دیناراً ، و لازمه أن یکون ربح العامل أیضاً مناصفة بینه و بین المالک ، و هو علی خلاف القاعدة ، حیث أنّ المالک لم یعمل فیه شیئاً ، بل ذلک المال حصّة العامل بتمامه فی العمل فیه من العامل ، فلا وجه لأن یکون للمالک نصف ربحه فی ما إذا بُنی علی أنّ النماء منذ أوّل ظهوره لا یدخل فی ملک مالک الأصل ، فتکون المضاربة مخالفة للقاعدة من جهتین : جهة مالک المال ، وجهة العامل .

و أمّا إذا بُنی علی أنّ النماء لا یملّک إلی غیر مالک الأصل - منذ أوّل آن الظهور ، و إنّما بعد الظهور ، أی: أنّ النماء أوّل ما یظهر یدخل فی ملک المالک ، و من ثَمّ یملّک للأجنبی لکی لا یکون خلاف مقتضی القاعدة - فهو خلاف آخر سنذکره فی الأمر التالی .

ثالثاً : إنّ فی عقد المضاربة تملیکاً لشیء معدوم علی نحو التعلیق ، أی: تملیک تعلیقی لمعدوم لم یظهر ، بنحو شرط النتیجة لا بنحو شرط الفعل .

فتارة یقول صاحب المال : اذهب و اتّجر بمالی ، فإذا ظهر الربح سأُملّکک کذا ، فهذا من شرط الفعل و هو بخلاف عقد المضاربة ، فإنّه یتمّ التملیک بنحو شرط النتیجة بنفس عقد المضاربة ، فمن الآن الأوّل الملکیّة انشئت معلّقة للمملوک معدوم ، و هو خلاف القاعدة . فالتملیک بعد الوجود و بعد الدخول فی ملک صاحب الأصل تملیک لشیء معدوم بنحو شرط النتیجة .

رابعاً : یظهر من کلمات الشهید الأوّل و المحقّق الکرکی أنّ مخالفة القاعدة فی عقد المضاربة و أخویها من جهة الغرر الکائن فیها ؛ لأنّ عامل المضاربة قد یعمل و یذهب عمله سُدی ؛ إذ قد لا یکون ربح فی البین فهو نوع إقدام علی الجهالة ، و کذلک بالنسبة إلی صاحب المال أو الأرض عند عدم الربح ، ففیه جهالة و غرر ، فیقتصر فی رفع الید عن دلیل بطلان الغرر علی القدر المتیقّن ، و هو ما کان الربح مشاعاً ، و یبقی الباقی مشمولاً لأدلّة الغرر الحاکمة ببطلان تلک الصور .

ص:245

فائدة : إنّ لازم مخالفة عقد المضاربة للقاعدة هو :

أوّلاً : عدم إمکان التمسّک بالعمومات و الإطلاقات الواردة فیها ، و إن کانت نسبتها مع عمومات القواعد نسبة الدلیل الخاصّ إلی العامّ - و إن کان إطلاق الخاصّ مقدّماً علی إطلاق العامّ - و وجه ذلک : أنّ عمومات القواعد الأوّلیّة اصول مقرّرة فی الأبواب العدیدة ، فعمومها کالآبی عن التخصیص ، لا یرفع الید عنه إلّا مقدار القدر المتیقّن الأقوی دلالةً منه ، لا بمجرّد درجة ظهور الخاصّ ، فضلاً عن إطلاق الخاصّ . فتلتزم بالقدر المتیقّن بخلاف ما لو کانت مطابقة لمقتضی القواعد ، فیمکن التمسّک بالعمومات .

ثانیاً : إنّ المضاربة نوع مشارکة بین العمل و رأس المال ، و الشرکة فیهما غیر صحیحة ، إلّا فی ضمن تلک العقود الثلاثة ، فمع کون تلک الثلاثة علی خلاف القاعدة أیضاً ، یقتصر فی تصحیح شرکة الأعمال مع الأموال علی تلک العقود بخلاف ما لو کانت العقود الثلاثة مطابقة للقاعدة ، فإنّه یمکن التعدّی و القول بأنّه لا خصوصیّة فی المضاربة و أخویها ، فتصحّح مطلق شرکة العمل و المال .

و یستظهر التعمیم ممّا ورد فی أخبار المساقاة ، بأنّ أهل الحجاز یصعب علیهم مباشرة البساتین بأنفسهم ؛ إذ یسقون من الآبار ، فیحتاجون إلی المساقاة ، و هذا التعلیل یؤیّد تعمیم صحّة شرکة الأعمال و الأموال لموارد الحاجة ، و لهذا البحث محلّ آخر .

و ذهب صاحب المهذّب السیّد السبزواری رحمه الله إلی کون العقود الثلاثة علی مقتضی القاعدة ، و لذلک خالف المشهور فی کثیر من أبحاث المضاربة ، و قرّر ذلک بأنّ :

أوّلاً : إنّها معاملة عقلائیّة لم یخترعها الشارع فیتوسّع فیها قدر الإطلاق العرفی ، إلّا أن یردع الشارع عنها ، فما ورد من الأدلّة الشرعیّة إمضاء لا تأسیس ، بخلاف ما لو کانت هی معاملة مخترعة من قِبل الشارع فیجب أن یقتصر علی القدر المتیقّن ، أو قدر ما دلّ علیه الشارع . و یشهد لعقلائیّتها أنّها بحاجة معاشیّة فی النظام الاقتصادی ؛

ص:246

إذ قد یکون صاحب المال لا یحسن الاتّجار ، و قد لا یکون مال عند من یحسن الاتّجار ، فلأجل ذلک تتولّد الحاجة إلی معاملة عقلائیّة فی البین ، فالمضاربة معاملة إمضائیّة و لیست بتعبّدیّة ، فیمکن أن نتمسّک بالإطلاق فیها .

ثانیاً : إنّ مقتضی « النّاس مسلّطون علی أموالهم » أنّ لصاحب المال أن یملّک النماء لغیره ، أو یجعل النماء غیر تابع للأصل ؛ إذ هو مِلکه و تحت سلطنته ، فیستطیع أن یجعل النماء ملکاً لآخر ، کما فی منافع الدار تجعل ملکاً لغیر مالک الدار بالإجارة - مثلاً - مع أنّ منافع الدار معدومة تنوجد طوال عشر سنین - مثلاً - فی عقد الإجارة ، و قد مُلّکت تلک المنافع المعدومة فی ذلک الظرف .

ثالثاً : إنّ تملیک المعدوم لیس ممنوعاً مطلقاً ؛ إذ فی ما ترتّبت علیه ثمرات فلا بأس به .

و أمّا أقوال العامّة :

ففی المساقاة ذهبوا إلی أنّها من مخترعات الشارع و لیست لها سابقة عقلائیّة عَقَدها النبیّ الأکرم صلی الله علیه و آله مع یهود خیبر ؛ إذ لو بنی علی کونها تأسیسیّة فیقتصر علی مقدار دلالة الأدلّة ، و إذا بنی علی أنّها ماهیّة عقلائیّة إمضائیّة فلا بدّ من معرفة ماهیّتها عندهم .

ففی بدایة المجتهد لابن رشد یذکر أنّه : « لا خلاف بین المسلمین فی جوار القراض (1)، و أنّه ممّا کان فی الجاهلیّة فأقرّه الإسلام ، و أجمعوا علی أنّ صفته أن یعطی الرجل الرجل المال علی أن یتّجر به علی جزء معلوم یأخذه العامل من ربح المال ، أی جزء کان ممّا یتّفقان علیه ، ثلثاً أو ربعاً أو نصفاً ، و أنّ هذا مستثنی من الإجارة المجهولة (2) ، و أنّ الرخصة فی ذلک إنّما هی لموضع الرفق بالناس ، و أنّه لا ضمان

ص:247


1- 1) القراض هی المضاربة ، من القرض بمعنی القطع؛ لقطع المالک حصّة من ماله و دفعه الی العامل لیتّجر به .
2- 2) بعض من فسّر ماهیّة المضاربة قال إنّها إجارة ، غایة أمر فی الإجارة العوض معیّن معلوم ،

علی العامل فی ما تلف عن رأس المال اذا لم یتعدّ ، و کذلک أجمعوا بالجملة علی أنّه لا یقترن به شرط یزید فی مجهلة الربح أو فی الغرر الذی فیه » (1)، انتهی کلامه .

و قال عبد الرحمن الجزیری فی الفقه علی المذاهب الأربعة أنّ : « المضاربة فی اللغة عبارة عن أن یدفع شخص مالاً آخر یتّجر فیه علی أن یکون الربح بینهما علی ما شرط أو الخسارة علی صاحب المال ، و عند الفقهاء عبارة عن عقد بین اثنین یتضمّن أن یدفع أحدهما للآخر مالاً یملکه لیتّجر فیه بجزء شائع معلوم من الربح ، کالنصف أو الثلث أو نحوهما بشرائط مخصوصة » (2) .

« الحنفیّة قالوا : عقد المضاربة بالنظر لغرض المتعاقدین یکون شرکة فی الربح ؛ لأنّه دفع من جانب المالک ، و بذل عمل من جانب المضارب بأن یتّجر فی المال لیشترک مع صاحبه فی ربحه . فالغرض من ذلک العقد هو الاشتراک فی الربح ، و من أجل ذلک عرّفوه : بأنّه عقد علی الشرکة فی الربح بمال من أحد الجانبین و عمل من الآخر » (3) .

« المالکیّة قالوا : المضاربة فی الشرع عقد توکیل صادر من ربّ المال لغیره علی أن یتّجر بخصوص النقدین(الذهب و الفضّة)المضروبین ضرباً یتعادل به ، و لا بدّ أن یدفع ربّ المال للعامل القدر الذی یرید أن یتّجر فیه عاجلاً » (4) .

« الحنابلة قالوا : المضاربة عبارة عن أن یدفع صاحب المال قدراً معیّناً من ماله إلی من یتّجر فیه بجزء مشاع معلوم من ربحه ، و لا بدّ فی ذلک المال من أن یکون نقداً مضروباً و یقوم مقام دفع المال ، و أن یکون قد أودع عند شخص مالاً ثمّ قال له : اعمل

ص:248


1- 1) بدایة المجتهد و نهایة المقتصد 2 / 239 .
2- 2) الفقه علی المذاهب الأربعة 3 / 34 .
3- 3) الفقه علی المذاهب الأربعة 3 / 35 .
4- 4) المصدر المتقدّم / 38 .

فی ذلک المال المودع مضاربة ، فتصبح المضاربة عندهم بالودیعة » (1).

« الشافعیّة قالوا : المضاربة عقد یقتضی أن یدفع شخص لآخر مالاً یتّجر فیه علی أن یکون لکلّ منهما نصیب فی الربح بشروط مخصوصة » (2) .

« دلیل المضاربة الإجماع ، فقد أجمع المسلمون علی جواز ذلک النوع من المعاملة ، و لم یخالف فیه أحد ، و قد کان معروفاً فی الجاهلیّة فأقرّه الإسلام ؛ لما فیه من المصلحة ، فالمضاربة عقد قد یکون فیه مصلحة ضروریّة للنّاس ، و عند ذلک یکون داخلاً فی القاعدة العامّة ، و هی الحثّ علی عمل ما فیه المصلحة ، و یکون له حکم الفائدة المترتّبة علیه ، فکلّما عظمت فائدة المضاربة کان طلبها مؤکّداً فی نظر الشارع » (3) .

فیتبیّن ممّا ذکره فی المهذّب و البدایة و کتاب الجزیری أنّها قاعدة عقلائیّة أمضاها الشارع ، فبعض منهم یرونها شرکة ، و بعض آخر إجارة أو ودیعة ، لکنّ هذا الإمضاء یجب أن لا یتنافی مع القاعدة المحکّمة و هی النهی عن الغرر و التعامل علی الشیء المجهول .

ثمّ إنّه لا بدّ من تنقیح الحال فی أنّ المضاربة و إن کانت عقلائیّة ، فهل تجب أن تکون علی وفق القواعد و العمومات أم لا ؟ إذ مع کون المعاملة عقلائیّة أمضاها الشارع ، فلا تجب أن تکون علی وفق العمومات ؛ لأنّ إمضاء الشارع لتلک العقود مع کونها خلاف القاعدة المحکّمة - التی لدی الشارع ، و هی : بیع ما لم یُخلَق ، أی: تملیک ما لا یملک و تملیک المعدوم - دالّ علی أنّ الإمضاء بملاک آخر ، فیؤخذ بإطلاقه .

فتلک القواعد العامّة تکون محکّمة فی جمیع المعاملات ، و أرجع الشارع المتشابه

ص:249


1- 1) الفقه علی المذاهب الأربعة / 42 .
2- 2) المصدر المتقدّم / 44 .
3- 3) المصدر المتقدّم / 48 .

و المستجدّ منها إلیها بخلاف المضاربة و أخویها ، و لکن قد یقال : إنّها حیث کانت علی خلاف مقتضی القواعد الشرعیّة فإنّ بنی علی أنّها إجارة مجهولة أو جعالة أو شرکة کذلک ، فالشرکة تقتضی الاشتراک فی کلّ الربح بنحو الشیوع بالنسبة المقرّرة ، و فی الإجارة تکون النسبة مجهولة بهذا المقدار الجائز لا الأزید من ذلک و کذلک الجعالة .

فماهیّة تلک العقود الثلاثة ترجع إمّا إلی الإجارة ، أو الجعالة ، أو الشرکة ، فلیست بماهیّة جدیدة تأسیسیّة ، و مع کونها تنافی قاعدة الغرر و عدم جواز تملیک ما لا یملک ، فلا إطلاق فیها فی ماهیّتها العقلائیّة و لا إمضاؤها تعبّد صرف بملاک معاملی مستقلّ ، بل برزخ بینهما .

ففی ما نحن فیه یجب أن تکون الإشاعة فی الربح ، بعد کون الأکثر ذهبوا إلی أنّها شرکة و مقتضاها الإشاعة فی کلّ الربح لا فی بعضه دون بعض ، و أمّا إذا کانت جعالة أو إجارة ففیهما أیضاً یجری لزوم کون العوض معلوماً فیهما ، و لا یکون غرریاً و لا عن الجهالة .

غایة الأمر هو رفع الید عن الغرر فی فرد ، و هو النسبة الشائعة بأدلّة إمضائها ، و أمّا الزائد علی هذا فیدخل فی دلیل النهی عن الغرر ، فلو کنّا نحن و مقتضی القاعدة ، فاللازم عدم تسویغ بقیّة الصور .

و ممّا یؤیّد ذلک : نفس تعریفات المضاربة ، کالضرب بسهم فی الربح ، أو تعریفها بأنّ القراض مع الموازنة(و الموازنة هی المساهمة ، أی الشرکة).

فالمضاربة إن کانت شرکة بین العمل و المال فهی تقتضی الإشاعة لا التمیّز ، و إن کانت إجارة و جعالة فلا بدّ فیهما من اشتراط جزء معلوم . غایة الأمر رفع الشارع یده عن تعیین العلم أو اشتراط العلم بعوض الإجارة و الجعالة ، بلحاظ وجود نسبة کسریّة فی المضاربة ، و لا یخفی أنّ النسبة الکسریّة أفضل الطرق للاطمئنان بالاُجرة ؛ لأنّه إن اشترط قدراً معیّناً لمالک المال فیحتمل أن لا یکون لعامل المضاربة أی عوض ، فهو نوع تغریر زائد علی أصل التغریر الأوّل فی أصل عقد المضاربة .

ص:250

و إن کان القدر المعیّن شرطاً لعامل المضاربة لا لمالک المال ، فهو علی وفاق مع الإجارة ، إلّا أنّه خلاف مقتضی قاعدة تبعیّة النماء للملک .

فهاهنا إمّا تخصّص قاعدة أنّ النماء تابع للأصل فی ما إذا کان التملیک بنحو شرط النتیجة ، أی أنّه یدخل فی ملک العامل ابتداءً من دون دخوله فی ملک مالک المال ، أو أنّ المعدوم لا یملک فی ما إذا کان بنحو شرط الفعل أو الشرط المعلّق علی تملّک مالک المال للنماء ثمّ تملیکه للعامل ، فهاهنا عمومان تخالفهما المضاربة .

فلو فرض أنّ المضاربة إجارة ، فلا بدّ أن تفرض إجارة و شیء آخر ، و لیست بإجارة فقط ؛ لأنّ مقتضاها لیس مجدّد تملیک للعامل ، بل تملیک للمالک أیضاً ، فلا بدّ أن تفترض شرکة و إجارة ، و أنّ بین مالیّة عمل العامل و مال المالک شرکة ، فعمل العامل مورد للإجارة فهو لحاظ لمالیّة اخری .

أمّا إذا لم نرد إرجاع المضاربة إلی عقود اخری ، فلا أقلّ هی شبیهة بماهیّة الشرکة ، فمقتضی عقد المضاربة فی نفسه مخالف لاشتراط القدر المعیّن .

هذا تمام الکلام فی الدلیل الثالث ، و قد ذهب إلیه جلّ العامّة کما مرّ .

و من الاُمور المؤیّدة للدلیل الثالث هو ما ذکره فی المغنی من أنّه :

« لو اشترط أنّ هذه البضاعة ربحها للعامل و تلک ربحها لمالک المال ، فلا ریب فی مخالفته لماهیّة المضاربة ؛ لأنّ معناها أنّ ربح هذه البضاعة کلّه لأحدهما ، فلا مضاربة فی البین ، فإنّ أحدهما إبضاع ، و هی الوکالة المجانیّة التی یقوم فیها الوکیل بترویج بضاعة المالک بلا اجرة ، و البضاعة الثانیة التی کلّ ربحها للعامل ، إمّا قرض - لأنّ فی القرض یکون ملک النماء المستقرض - أو هو علی خلاف القاعدة فی ما لو لم یتملّک العامل رأس المال ، و لا دلیل علی أنّ النماء یملک لغیر مالک المال ، فالصحیح لو کنّا نحن و مقتضی القواعد أنّ ما عدا النسبة المشاعة الکسریّة من الصور المتقدّمة هی علی خلاف القواعد .

ص:251

المسألة الثانیة
اشارة

هل یجوز فی عقد المضاربة اشتراط الضمان علی العامل أو لا ؟

استدلّ المشهور علی عدم جواز اشتراط الضمان علی عامل المضاربة بثلاثة أدلّة :
الأوّل : إنّه یخالف مقتضی العمومات ،

کعموم « لیس علی الأمین إلّا الیمین » .

و فیه : إنّ هذا الحکم طبعی ، فالقاعدة جاریة لو کانت بدون شرط ، و الأمین لا یضمن ، سواء فی مقام النزاع الظاهری أم فی مقام الواقع . و أمّا مع الشرط فوردت روایات خاصّة فی ضمان الأمین (1).

الثانی : ما ورد فی صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام ،

قال : « المال الذی یعمل به مضاربة له من الربح و لیس علیه من الوضیعة شیء ، إلّا أن یخالف أمر صاحب المال » (2) .

و مفادها نفی تحمّل عامل المضاربة الوضیعة ، و هذا النفی مطلق ، استثنیت منه صورة مخالفة أمر صاحب المال فقط .

و ورد أیضاً فی صحیحة أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی الرجل یعمل بالمال مضاربة ، قال : له الربح و لیس علیه من الوضیعة شیء ، إلّا أن یخالف عن شیء ممّا أمر صاحب المال » (3) .

فتدلّ علی العموم بوجهین :

ص:252


1- 1) ب 1 و 3 / أبواب العاریة ؛ ب 27 و 30 / أبواب الإجارة .
2- 2) ب 1 / أبواب المضاربة / ح4 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عیسی ، عن ابن أبی عمیر ، عن أبان و یحیی ، عن أبی المغراء ، عن الحلبی .
3- 3) ب 1 / أبواب المضاربة / ح3 . رواه الکلینی عن أبی علیّ الأشعری ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن محمّد بن إسماعیل ، عن علیّ بن النعمان ، عن أبی الصباح الکنانی .

وقوع النکرة فی سیاق النفی و الاستثناء(لیس علیه من الوضعیّة شیء إلّا. . .).

أمّا بقیّة روایات الباب فتدلّ بالإطلاق علی أنّ الوضعیّة علی المالک لا علی العامل بخلاف هاتین الصحیحتین ، فإنّهما دالّتان علی ذلک بالعموم المؤکّد .

و أشکل علیها صاحب الجواهر بأنّها فی صدد بیان حکم من أحکام المضاربة و وجود أدوات العموم فی بیان الأحکام الشرعیّة لمعاملات معیّنة أو موضوعات معیّنة لا یدلّ علی أنّ ذلک الحکم فعلیّ مطلق غیر قابل للارتفاع حتّی بالشرط ، مثل اللزوم فی باب النکاح ، فإنّه غیر قابل للرفع حتّی بالشرط ؛ لأنّ ملاکه فعلیّ مطلق . و هذا حکم للمضاربة المطلقة ، و یراد منه : أنّه لو شرط فیها خلافه فحکمها لا یکون ذلک ، و إنّما ذلک حکم إطلاق المضاربة ، أی من دون شرط ، لا حکم مطلق المضاربة ، أی: مطلق أقسامها حتّی فی الصورة التی اشترط فیها الخلاف ، و یسمّی مثل هذا الحکم ب الحکم الطبعی أو الاقتضائی فی قبال الحکم الفعلی المطلق .

الثالث : ما ورد فی صحیحة محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام ،

قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : من اتّجر مالاً و اشترط نصف الربح فلیس علیه ضمان » (1).

و قال : « قضی علیّ علیه السلام فی تاجر اتّجر بمال و اشترط نصف الربح فلیس علی المضاربة ضمان » (2) .

و قال : « إنّ علیّاً علیه السلام قال : من ضمّن تاجراً فلیس له إلّا رأس ماله ، و لیس له من الربح شیء » (3) .

و الظاهر من هذه الروایة هو أنّ فرض شیء من الربح لمالک المال مع فرض الضمان

ص:253


1- 1) ب 3 / أبواب المضاربة / ح2 .
2- 2) ب 3 / أبواب المضاربة / ح4 .
3- 3) ب 4 / أبواب المضاربة / ح1 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمّد بن قیس .

علی العامل لا یجتمعان ، فهی متعرّضة لموارد الاشتراط لا الحکم الأوّلی الطبعی .

و السیّد الخوئی رحمه الله شدّد فی الردّ علی الاستدلال بهذه الروایة ، و قال : إنّها لیست مرتبطة بما نحن فیه ، و أنّها واردة فی القرض لا فی المضاربة ، فموردها حقیقة قرض و إن سمّی بالمضاربة تسامحاً ، حیث أنّ الإقراض یوجب عدم استحقاق المقرض لشیء من أرباح المال ، بل یکون أخذه الزائد علی الشیء رباً محضاً ، فلیس مفادها أنّ أخذ مطلق الضمان من أی نوع من أنواعه یوجب ذلک .

و لکنّ هذا الحمل و إن کان ممکناً فی نفسه ، إلّا أنّه خلاف ظاهر الروایة ، فإنّ مقتضی إطلاق مادّة الضمان فی الروایة أنّ کلّ ما یصدق علیه أنّه تضمین للمال عرفاً لا یجتمع مع استحقاق المالک لشیء من الربح شرعاً ، فیشمل التضمین بغیر الإقراض ، أی التضمین المغایر للتضمین المأخوذ فی ماهیّة القرض ، کالتضمین بالشرط .

بل قد یدّعی شموله لموارد اشتراط التدارک بنحو شرط الفعل فضلاً عن شرط النتیجة ؛ لأنّه و إن لم یکن تضمیناً کماهیّة وضعیّة ، إلّا أنّه ممّا یشمله العنوان عرفاً فیقال عن المالک الذی اشترط علی عامل المضاربة أن یدفع من ماله ما یساوی الخسارة إذا وقعت : أنّه ضمّنه .

کما أنّ الروایة قد تحمل علی أنّها فی مقام بیان المراد الحقیقی للمتعاملَین(المالک و العامل)، و استکشاف أنّ مرادهما فی الواقع هو الإقراض فی فرض التضمین بخلاف مرادهما فی الواقع فی فرض اشتراط نصف الربح للتاجر فقط أنّها المضاربة ، و لهذا حکم علی کلّ من الفرضین الحکم المناسب لواقع مرادهما المستکشف بالنحو المزبور .

و لکن هذا الحمل و إن کان ممکناً أیضاً ، و لکن لا ینسجم مع ظاهر النصّ المتبادر إلی الذهن من کون التضمین بعنوانه منشأً شرعاً لعدم استحقاق المالک لشیء من الربح ، و کون استحقاقه من الربح بعنوانه منشأً شرعاً لعدم الضمان علی العامل ،

ص:254

و معناه التنافی بین الأمرین شرعاً .

الرابع : حصر الروایات الآتیة طریق حفظ رأس المال و ضمان العامل بإنشاء

القرض فی بعض المال مع إنشاء المضاربة فی البعض الآخر ،

و لم تذکر اشتراط الضمان علی العامل کطریق لتدارک الخسارة ، فلو کان جائزاً فلا بدّ أن یذکر فیها کحیلة شرعیّة .

و الطریق المذکور فی الروایات لحفظ رأس المال هو أن یعطی أکثر المال قرضاً إلی عامل المضاربة ، و یعطی قلیلاً منه مضاربة لیعمل به ، فیکون مجموع رأس مال المضاربة شرکة بین عامل المضاربة و مالک المال . غایة الأمر مالک المال له حصّة قلیلة فی رأس المال ، و عامل المضاربة له حصّة کبیرة ، و لکن الربح بالمناصفة - مثلاً - بحسب ما یتّفقان علیه . و الحیلة المزبورة کانت متداولة ، و قد أمضوها علیهم السلام .

و إلیک الروایات :

1 - موثّقة عبد الملک بن عتبة : « قال : قلت : « لا أزال أعطی الرجل المال فیقول :

قد هلک أو ذهب ، فما عندک حیلة تحتالها لی ؟

فقال : أعطِ الرجل ألف درهم أقرضها إیّاه و أعطه عشرین درهماً یعمل بالمال کلّه ، و یقول هذا رأس مالی و هذا رأس مالک ، فما أصبت منهما جمیعاً فهو بینی و بینک .

فسأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن ذلک ؟ فقال : لا بأس به » (1).

و الحیلة متداولة عند العامّة - بقرینة الروایة الثانیة فی هذا الباب - ثمّ عرضت علی الإمام علیه السلام فأقرّها .

2 - الموثّقة الثانیة لعبد الملک بن عتبة (2) : قال : « سألت بعض هؤلاء - یعنی

ص:255


1- 1) ب 2 / أبواب المضاربة / ح1 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن میمون ، عن عبد الملک بن عتبة .
2- 2) )و الظاهر أنّها هی الروایة الاُولی ، غایة الأمر حدّثها بصورة اخری .

أبا یوسف و أبا حنیفة - فقلت : إنّی لا أزال أدفع المال مضاربة إلی الرجل ، فیقول :

قد ضاع أو قد ذهب ، قال : فادفع إلیه أکثره قرضاً و الباقی مضاربة .

فسألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن ذلک ، فقال علیه السلام : یجوز » (1).

3 - موثّقة عبد الملک بن عتبة : قال : « سألت أبا الحسن موسی علیه السلام : هل یستقیم لصاحب المال إذا أراد الاستیثاق لنفسه أن یجعل بعضه شرکة لیکون أوثق له فی ماله ؟

قال علیه السلام : لا بأس به » (2) .

4 - موثّقته الاُخری : عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : « سألته عن رجل أدفع إلیه مالاً فأقول له : إذا دفعتُ المال و هو خمسون ألفاً ، علیک من هذا المال عشرة آلاف درهم قرض و الباقی معک تشتری لی بها ما رأیت ، هل یستقیم هذا ؟ هو أحبّ إلیک أم أستأجره فی مال بأجر معلوم ؟

قال : لا بأس به » (3) .

فإنّ الراوی الواحد - و هو عبد الملک بن عتبة - عرض المسألة علی الإمامین الصادق و الکاظم علیهما السلام مرّتین ، و ردّد بین أن یجعلها مضاربة ساذجة أو یجعلها بصورة هذه الحیلة ، و قد أمضیا علیهما السلام تلک الحیلة من دون تعرّض إلی حیلة اخری ، مع أنّ شرط الضمان - لو کان سائغاً - لکان أحری بالبیان ؛ لأنّه أخفّ مئونة فی الإنشاء من الإقراض و أبعد عن الإشکال ؛ لأنّ فی القرض شبهة أنّه بشرط النفع بخلاف شرط ضمان العهدة أو شرط الفعل ، فلا تقلّ دلالتها عن الإشعار علی عدم جواز شرط الضمان .

ص:256


1- 1) ب 2 / أبواب المضاربة / ح2 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن الحسن بن جهم ، عن ثعلبة ، عن عبد الملک بن عتبة .
2- 2) ب 2 / أبواب المضاربة / ح3 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن علیّ بن الحکم ، عن عبد الملک بن عتبة الهاشمی .
3- 3) ب 2 / أبواب المضاربة / ح4 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن علیّ بن الحکم ، عن عبد الملک بن عتبة ، و الظاهر أنّها متّحدة مع السابقة علیها .
ادلّة الجواز

ثمّ إنّ هناک روایات یستظهر منها جواز شرط الضمان

1 - ورد فی صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی رجلین اشترکا فی مال فربحا فیه ، و کان من المال دین و علیهما دین ، فقال أحدهما لصاحبه : أعطنی رأس المال و لک الربح و علیک التوی ، فقال : لا بأس إذا اشترطا ، فإذا کان شرط یخالف کتاب اللّه فهو ردّ إلی کتاب اللّه عزّ و جلّ » (1).

و قد أناط علیه السلام نفی البأس بالاشتراط .

و سواء کان المراد بالاشتراط منهما(التوافق بین الطرفین علی المضمون المذکور فی عقد)کعقد الصلح المنشأ ثانیاً - مثلاً - کما ادّعی جماعة من الفقهاء ، أو کان المراد بالاشتراط(جعل ذلک المضمون شرطاً فی عقد الشرکة القائم بین الشخصین)، فإنّه علی کلا التقدیرین یدلّ علی مشروعیّة المفاد فی نفسه ، و یکون حینئذٍ قابلاً للاشتراط بنحو شرط النتیجة .

و إنّما بقی أن نحلّل ذلک المفاد المذکور لیتبیّن أنّه هل ینطبق علی الضمان أم لا ؟

و توضیح ذلک أنّ محتملات مفاد الروایة متعدّدة ، ذکرها الشهید الصدر رحمه الله (2) :

« منها : أن یکون معنی اختصاص أحدهما برأس المال و الآخر له الربح و علیه التوی(الخسارة)إنّ الأوّل قد صالح فی عقد مستقلّ أو فی شرط عمّا یستحقّه فی الأعیان المشترکة بالمقدار المساوی لرأس ماله فی ذمّة الشریک الآخر ، و حینئذٍ یخرج المال عن الشرکة و یختصّ بالآخر ذاتاً و ربحاً و خسارة ، و یکون العوض فی ذمّته .

ص:257


1- 1) ب 4 / کتاب الصلح / ح1 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حمّاد ، عن الحلبی .
2- 2) البنک اللاربوی / 197 - 201 .

و هذا مضمون صحیح بلا إشکال بمقتضی القواعد و العمومات ، و هو أجنبی عن المقصود فی المقام ؛ إذ لا نرید أن تنتقل ملکیّة المال الخارجی إلی غیر المالک ، و إنّما نرید تصویر ضمان غیر المالک لمالیّة المال الخارجی مع بقائه علی ملک صاحبه ، إلّا أنّ حمل الروایة علی هذا المعنی خلاف الظاهر ، فإنّ ظاهر قوله : أعطنی رأس المال ، أنّ حقّه لا یزال متعلّقاً بأعیان الشرکة ، و أنّه لا یزال یستحقّ رأس ماله منها .

و منها : ما أفاده صاحب الجواهر رحمه الله فی تصویر القرار المذکور فی الروایة علی نحو یکون استحقاق أحدهما فی المال رأس ماله تامّاً و للآخر الباقی ربح أو خسر ، و المال باقٍ علی الشرکة ، و قد ذکر أنّ مرجع ذلک إلی الکلّی المضمون فی المال ، و أنّه لا یستحقّ سواه ، سواء بقی المال و زادت قیم أعیانه أم لا .

حاصل هذا الوجه : أنّ أحد الشریکین یملک بسبب ذلک القرار تمام أعیان الشرکة ، بلحاظ خصوصیّاتها الشخصیّة ، و الشریک الآخر یملک قیمة رأس ماله فی مجموع تلک الأعیان بنحو الکلّی فی المعیّن ، و هذا المضمون و إن کانت المصالحة علیه صحیحة بمقتضی القواعد و العمومات ، إلّا أنّ الکلام فی أنّه کیف یستأثر الشریک الأوّل حینئذٍ بتمام الربح مع أنّ الشریک الآخر یملک الکلّی فی المعیّن من ذلک المال ، مع أنّ مقتضی قانون المعاوضة فی البیع أنّ مال الشرکة إذا بیع بثمن ، فظهر فیه الربح کان للشریک الأوّل فی الثمن کلّی نسبة إلیه نسبته الکلّی الذی کان یملکه بالنسبة إلی مال الشرکة ، و هذا معناه اشتراکه فی الربح .

و منها : ما هو المقصود فی المقام ، و هو أن یکون محصّل القرار المذکور فی الروایة تصدّی أحد الشریکین لضمان قیمة مال شریکه و تعهّده بخسارته ، فمال الشرکة باقٍ علی ملکیّة الشریکین معاً ، دون أن ینتقل ملک أحدهما إلی الذمّة أو إلی الکلّی ، غیر أنّ أحد الشریکین یضمن للآخر مالیّة ماله و یجعل علی نفسه تدارک الخسارة ، و فی مقابل ذلک یملّکه الآخر بنحو شرط النتیجة ما ینتقل إلیه من الربح ، فینحلّ القرار بحسب الحقیقة إلی ضمان من قِبل أحد الشریکین لمالیّة حصّة شریکه ،

ص:258

و اشتراط من قبله علی الآخر بنحو شرط النتیجة ، بأن یکون مالکاً لما زاد من ثمن مال الشرکة علی أصل المال ، لا بأن تنتقل إلیه الزیادة ابتداءً ، فإنّه خلاف قانون المعاوضة ، بل فی طول الانتقال إلی شریکه .

و هذا التصویر یحقّق معنی العبارة فی الروایة تماماً ؛ إذ یصدق حینئذٍ أنّ لهذا رأس المال و ذلک له الربح و علیه التوی خلافاً للوجهین السابقین .

و بذلک تکون هذه الروایة دالّة علی مشرعیّة ضمان مال الغیر من الخسارة - أی ضمان مالیّته - فیصحّ إنشاؤه فی عقد صلح أو بشرط فی ضمن العقد » ، انتهی . 2 - معتبرة رفاعة : قال : « سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل شارک فی جاریة له و قال :

إن ربحنا فیها فلک نصف الربح ، و إن کان وضیعة فلیس علیک شیء .

فقال علیه السلام : لا أری بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجاریة » (1).

فإنّ الظاهر منها أنّ أحد الشریکین ضمن مالیّة شریکه ، و جعل خسارته فی عهدته مع بقاء الشرکة و ملکیّة الشریکین علی حالها ، و لهذا فرض المناصفة فی الربح کما هو مقتضی ملکیّة الشریکین ، فالربح مشترک و لکنّ الخسارة علی أحدهما ، فیدلّ علی جواز شرط الضمان .

3 - عن أبی الربیع عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « فی رجل شارک رجلاً فی جاریة فقال : إن ربحت فلک ، و إنْ وضعت فلیس علیک شیء ، قال : لا بأس بذلک إن کانت الجاریة للقائل » (2) .

4 - صحیحة عبد الملک بن عتبة : قال : « سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن الرجل

ص:259


1- 1) ب 14 / أبواب بیع الحیوان / ح1 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن رفاعة .
2- 2) ب 14 / أبواب بیع الحیوان / ح2 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن ابن محبوب ، عن خالد بن جریر ، عن أبی الربیع .

ابتاع منه طعاماً أو ابتاع منه متاعاً ، علی أن لیس علَیَّ منه وضیعة ، هل یستقیم هذا ؟ و کیف یستقیم ؟ و حدّ ذلک ؟ قال علیه السلام : لا ینبغی » (1).

و « لا ینبغی » تناسب الکراهة لا الحرمة .

5 - موثّقة إسحاق بن عمّار : قال : « قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : رجل یدلّ الرجل علی السلعة و یقول اشترها ولی نصفها فیشتریها الرجل و ینقد من ماله ، قال : له نصف الربح . قلت : فإن وضع لحقّه من الوضیعة شیء ؟

قال : نعم علیه الوضیعة کما یأخذ الربح » (2) .

و مفادها أنّ الرجل یأمر رجلاً آخر بأن یشتری سلعة علی أن یکون بینهما ملکاً ،و هذه شرکة بالشراء لا بالعقد ، غایة الأمر یسدّد الثمن من عنده ، ثمّ یصفّی الدین بأن یسدّد له دینه .

فاتّضح من کلّ ما تقدّم أنّ جعل الضمان علی عامل المضاربة جائز ، سواء کان ذلک بعقد مستقلّ أو بشرط فی ضمن عقد بنحو شرط النتیجة ، و کذلک الحال فی سائر أصناف الأمین .

و قد ذکر المحقّق المیرزا النائینی رحمه الله الأقوال فی تلک المسألة ، قال : « فی اشتراط عدم الخسران فی عقد الشرکة ، فإنّه محلّ خلاف و إشکال ، و علی جوازه وردت روایة صحیحة عن رفاعة » (3) .

و لکن منعه ابن إدریس مطلقاً (4) ؛ لمنافاته مع الشرکة ، و الروایة خبر واحد لیس حجّة عنده .

ص:260


1- 1) ب 14 / أبواب بیع الحیوان / ح3 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن علیّ بن الحکم ، عن عبد الملک بن عتبة .
2- 2) ب 14 / أبواب بیع الحیوان / ح4 . رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمّار .
3- 3) المذکورة فی الصفحة 295 ، تحت الرقم 2 .
4- 4) السرائر 2 / 349 .

و عن التنقیح (1)الاقتصار علی مورد النصّ تعبّداً .

و عن المحقّق فی الشرائع (2) جوازه فی مطلق الحیوان و لا یعلم له وجه .

و عن الدروس - کما نقل عنه - التعدّی إلی مطلق المبیع ، معلّلاً بأنّ تبعیّة المال من لوازم الشرکة المطلقة لا مطلق الشرکة ، فلا ینافی اشتراط خلافها ، و الروایة علی القاعدة فیتعدّی عن موردها إلی سائر الموارد أیضاً . هذا ما أفاده قدس سره فی بیع الحیوان (3) .

و فی الشرکة الابتدائیّة استظهر البطلان (4) .

و فی الصلح تسلّم الصحّة بلا إشکال (5) .

و لذا أورد علیه صاحب الجواهر (6) بالتهافت بین کلماته ، و لکن سیتّضح لک عدم التهافت بینها و أنّ کلّ واحد وقع فی محلّه .

و بالجملة ، کلمات الأکابر - علی ما نقل - مختلفة فی الأبواب الثلاثة ، فالظاهر فی باب الصلح تسالمهم علی الصحّة لمکان غیر واحد من الأخبار ، کما أنّ الظاهر أیضاً تسالمهم علی البطلان فی ما إذا کان الشرط فی ضمن عقد الشرکة معلّلاً بعدم وقوع الزیادة لأحدهما فی مقابل عوض و لا وقع اشتراطها فی ضمن عقد معاوضة لیضمّ إلی أحد العوضین ، و لا اقتضی تملّکها عقد هبة ، و الأسباب المقرّرة للملک معدودة و لیس هذا منها » (7) .

ص:261


1- 1) التنقیح 2 / 120 .
2- 2) الشرائع 2 / 57 .
3- 3) الدروس 3 / 224 .
4- 4) الدروس 3 / 333 .
5- 5) الدروس 3 / 333 .
6- 6) الجواهر 24 / 268 و 26 و 220 .
7- 7) منیة الطالب فی شرح المکاسب / تقریرات المحقّق النائینی للشیخ موسی الخوانساری / 3 / 219 - 220 .

أقول : إنّ الروایات الواردة فی الباب 14 من أبواب بیع الحیوان لیست لها صلة ببحث المضاربة ، و الوجه فی ذلک أنّ المشهور لم یعملوا بظاهرها - و هو اشتراط أحد الشریکین علی الآخر بأنّ الربح یکون بینهما و الخسران علی الآخر - .

و قالوا : إنّ هذا الاشتراط مخالف للکتاب و السنّة ؛ لأنّ مقتضی الکتاب و السنّة أنّ کلّ نماء یتبع المال ، فإذا اشترط النماء لغیر المالک فیکون فاسداً ؛ لأنّه إمّا یرجع إلی کون النماء عن أوّل ظهوره و وجوده لغیر المالک ، و هذا خلاف القواعد ، أو بعد ظهوره یملّک للآخر فیکون تعلیقاً ، و التعلیق فی التملیک باطل ، و لذا لم یعملوا بظاهرها .

و الوجه فی کون ذلک الشرط اشتراطاً للنماء لغیر المالک مع أنّ صورة الشرط کون الربح بینهما - لا لأحدهما خاصّة - هو جعل الخسران علی أحدهما خاصّة ، فإنّ ذلک یقلّل نسبة الربح لمن علیه الخسران ، و بالتالی یزید نسبة الربح للشارط زائداً علی رأس ماله . نعم ، یمکن فی بعض أقسام الشرکة تفاوت نسبة الربح فی ما إذا کان لأحدهما عمل دون الآخر ، فحینئذٍ ما یأخذ أحدهما من الزیادة یکون بإزاء العمل ، فتکون مضاربة فی ضمن الشرکة ، فیکون ذلک شرطاً صحیحاً باعتبار رجوعه إلی المضاربة ، و أمّا فی غیر ذلک فهو فاسد .

و المیرزا النائینی دعم کلام الشهید الأوّل رحمه الله بما ذکره صاحب الجواهر رحمه الله فی باب الشرکة .

و صاحب الجواهر رحمه الله فی باب بیع الحیوان أیّد کلام المشهور بعدم عملهم بظاهرها .

و قال فی باب الشرکة بانّ هذه الروایات یمکن تخریجها علی طبق القاعدة ، و لذلک تأمّل فی کلام المشهور . و فی باب الصلح أیضاً ادّعی تخریجها علی طبق القاعدة أیضاً .

و المحقّق النائینی وافق ما قاله صاحب الجواهر فی باب الشرکة (1)من أنّ المشهور

ص:262


1- 1) جواهر الکلام 26 / 301 - 303 .

صحّحوا اشتراط زیادة الربح لأحد الشریکین علی مقدار نسبة ماله فی المال المشترک - إذا کان له عمل - لأنّ الشرکة حینئذٍ تکون منضمّة إلی المضاربة ، و هذا بخلاف ما إذا لم یکن له عمل ، فأشکل علیهم بأنّ تملیکاً للزائد إذا صحّ مقابلةً للعمل فیصحّ التملیک مجّاناً علی مقتضی القاعدة أیضاً ؛ لرجوع إمّا إلی الهبة - التملیک بنحو شرط النتیجة - أو إلی شرط الفعل ، مع أنّ الشریکین إذا عمل کلّ منهما عملاً متساویاً ، یمکن فرض الزیادة مع ذلک لأحدهما لرجوعه إلی تبرّع الآخر بعمله ، و من ثمّ ذکر أنّ تلک الروایات علی مقتضی القاعدة ، و ذهب إلی التوسّع فی الشرکة العقدیّة خلافاً للمشهور ، و صحّتها فی الشقوق الکثیرة التی منعوا صحّتها بناءً منهم علی عدم صحّة شرط الزیادة فی الربح .

و وافق المیرزا النائینی رحمه الله علی ذلک ، و ذهب إلی أنّ الشرط إن کان بمعنی ملک النماء لغیر المالک من أوّل ظهوره فهو مخالف لقاعدة تبعیّة النماء للأصل ، و أمّا إن کان بعد ظهوره و تملّک مالک الأصل له ، فیملّکه للآخر فهو صحیح ، غایة الأمر أنّ الاشتراط لا بدّ أن یکون فی عقد لازم کی یکون لازماً ، و إلّا فإن کان اشتراطاً ابتدائیّاً أو اشتراطاً فی الشرکة الإذنیّة فهو غیر نافذ لکون الشرط فیها یؤول إلی الشرط الابتدائی ؛ لأنّها لیست عقداً ، بل هو إذن محض و إیقاع فلا یقبل الاشتراط . نعم ، یرجع الشرط فی الإذن إلی تقییده لا إلی لزوم العمل بالشرط .

ثمّ ذکر رحمه الله أنّ غایة التصویر کون الروایات علی مقتضی القاعدة هو حملها علی التملیک التعلیقی ، تملیک النماء معلّقاً علی ظهوره و وجوده و کونه مملوکاً للمالک ثمّ یملّک للآخر .

و أضاف أنّه لا یمکن العمل بإطلاق هذه الروایات فی مورد تلف کلّ المال ؛ لأنّ اشتراط عدم الخسران للآخر یکون من قبیل الضمان ، و شرط هذا الضمان مخالف للکتاب و السنّة ؛ لأنّ التلف علی ملک مالکه فکیف یکون جبرانه علی الآخر ؟ فاستثنی هذه الصورة من إطلاق هذه الروایات ، و أنّها فی مورد الخسارة ، أی الوضیعة

ص:263

المالیّة ، یعنی قلّة القیمة المادیّة ، لا فی مورد تلف کلّ المال ؛ إذ اشتراط عدم الخسارة عبارة اخری عن الضمان ، و هو غیر سائغ .

فمحصّل استظهار المیرزا رحمه الله من الروایات أنّ مفادها لیس من باب الضمان ، و إنّما من باب التعویض بعنوان الخسارة أو الملکیّة المجانیّة بعنوان الخسارة ، و لیست هی من الضمان فی شیء . نعم ، فی صورة تلف کلّ المال الشرط المزبور غیر سائغ .

و فیه : أوّلاً : إنّ هذه الروایات لیست فی مورد المضاربة ؛ لأنّه قد فرض فیها وجود الجاریة و استدعاء المالک مشارکة الغیر فیها ، و أنّ تقسیم الربح للشرکة فی المال فی کلا الطرفین لا بازاء العمل ، و هذا غیر المضاربة ؛ إذ لا بدّ فیها من نقد أو مال ثمّ تکون تجارة ، و أمّا المشارکة فی العین الموجودة و الاسترباح بهذه العین المشترکة ، فلیست ماهیّتها مضاربة .

نعم ، هی شبیهة بالمضاربة بلحاظ وجود الشرکة ، لکن لا تنطبق علی المضاربة فی کلّ حالاتها ، و ما تقدّم من أنّ الشرکة من ثمرات المضاربة لا یعنی أنّ کلّ شرکة هی مضاربة ، بل بمعنی أنّها قد تنطبق علی المضاربة .

ثانیاً : الإشکال فی التملیک التعلیقی لیس من جهة تعلیقیّة التملیک فقط ، بل من جهة أنّ تعلیقیّة التملیک تؤدّی إلی تملیک المعدوم ، و إلی اندراجه فی عموم « لا تبع ما لیس عندک » ، أو « لا تملّک ما لیس عندک » ؛ إذ تارة التملیک لکلّی فی الذمّة ، فهذا تملیک فعلی ، إلّا أن یکون غیر مقدور علیه ، فیکون باطلاً لا من باب اندراجه فی « لا تبع ما لیس عندک » ، بل من باب أنّ اعتبار الذمّة مقصور علی المقدور و لا یتناول غیر المقدور کی یمکن تملیکه للغیر ، بخلاف ما إذا ملّک شیئاً خارجیاً غیر موجود فیندرج فی عموم « لا تبع ما لیس عندک » ، فمن هذه الجهة یکون هذا الشرط علی خلاف مقتضی القاعدة .

و ما یجری فی المضاربة لیس هو التملیک التعلیقی ، و إنّما تملیک من أوّل وجود الربح ، و لذلک کانت المضاربة علی خلاف مقتضی القاعدة کما نبّه علیه عدّة من

ص:264

الأعلام ، فلیست تملیکاً بعد ظهور الربح .

فملخّص الإشکال هو أنّ التوجیه الذی ذکره صاحب الجواهر و المیرزا یعارض قاعدة تملیک ما لیس عندک ، فلا یکون هذا المعنی الذی حملوها علیه علی مقتضی القاعدة ، کی یتعدّی من باب الشرکة إلی المضاربة .

ثالثاً : إنّ ما ذکراه من التوجیه خلاف ظاهر الروایات ؛ إذ لیس ظاهرها أنّ الربح تابع للنماء ثمّ یملّک الآخر ، بل ظاهرها تملّک الآخر من أوّل وجود الربح بخلاف نسبة مقدار ماله . فتعبیر روایة رفاعة : « إن ربحنا فیها فلک نصف الربح » لا أنّه املّکک بعد ذلک ، و کذلک التعبیر « له نصف الربح » .

و أیضاً التعبیر : « إن کان فیه الوضیعة فلیس علیک شیء » ظاهره لا یتّفق مع توجیه صاحب الجواهر ، من أنّه إذا وضعت قیمتها فیملّکه من ماله مقداراً زائداً ، بل ظاهره أنّ الخسارة لا تقع علیه من رأس ، غایة الأمر لیست هی خسارة لتلف کلّ المال ، و إنّما لتلف بعض قیمة المال .

و رابعاً : إنّ المشهور لم یعمل بهذه الروایات أو عملوا بها فی خصوص باب بیع الحیوان ، مع أنّ تلک الروایات لیس مفادها ما ذهب إلیه القائلون بأنه اشتراط لعدم الخسارة علی أحدهما و بضمان الآخر له ؛ لأنّ ظاهر روایة رفاعة : « إن ربحنا فلک نصف الربح » أنّ ذلک مصالحة ، و لذلک ذکرها الفقهاء فی باب الصلح ، لا شرطاً فی الشرکة أو فی عقد آخر لازم بلحاظ الشرکة ، و لا تکون مضاربة و إنّما هی من باب الصلح ، فتکون علی مقتضی القاعدة ، فلیست من باب الشرط لیکون زیادة النماء غیر مطابق لمقدار نسبة المال و لا من باب جبران الخسارة .

أمّا بیان کونه علی مقتضی القاعدة لو کان مصالحة ، فلأنّ الشریکین إذا أرادا أن یقتسما مالهما المشترک و یفرزاه فلهما أن یتصالحا ، فیقول أحد الشریکین : أعطنی رأس مالی و لک کلّ المال المشترک إن کان فیه ربح أو کانت فیه خسارة ، و هو نوع من الصلح و معاوضة جدیدة لا ربط لها بالشرکة و لا بالمضاربة التی فی ضمن الشرکة ،

ص:265

و لیس فیه اشتراط ضمان ، بل تملیک من أحد الشریکین للآخر ربحه مقابل أن یأخذ رأس ماله .

و أمّا الشاهد علی أنّها لیس من باب الاشتراط بلحاظ الشرکة فقوله علیه السلام : « لا أری بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجاریة » ؛ إذ لو کانت بلحاظ الاشتراط فی الشرکة لا وجه لتقییده بطیب نفس صاحب الجاریة ، بل کان المناسب التعبیر ب « إذا اشترطا علی نفسهما فلا بأس ، فقوله : « إذا طابت . . . » دالّ علی نوع من التراضی و التصالح لا شرطاً فی أصل الشرکة ؛ إذ مقتضی الاشتراط النفوذ و اللزوم ، سواء رضی بعد ذلک أم لا ، طابت به نفس صاحبها فیما بعد ذلک أم لم تطب .

مضافاً إلی إمکان دعوی ظهور الروایة فی غیر الشرکة ؛ إذ التعبیر بصاحب الجاریة فی جوابه علیه السلام یومی إلی بقاءها بتمامها علی ملک صاحبها ، و لذلک استظهر فی بعض الکلمات أنّ مورد الروایات من باب إعانة أحدهما للآخر بمال علی شراء الجاریة أو تسدید دین الجاریة ، و من ثمّ عبّر فی بعضها بوفاء دینه و زیادة ربح ، فهو نمط من الاستقراض لأجل تسدید دین الجاریة ، و کذا التعبیر « فی جاریة له » دالّ علی أنّ الجاریة لأحدهما .

أمّا بالنسبة إلی روایة أبی الربیع - مع کون السند علی مشهور المتأخّرین لیس صحیحاً ، بل حسن - فقوله علیه السلام : « إن کانت الجاریة للقائل » تقیید لا حاجة له ، لو کان هذا الشرط(و هو أنّ الربح بینهما و الوضیعة علی أحدهما فقط)علی مقتضی القاعدة و بحسب الاشتراط فی الشرکة و أنّها نوع من المضاربة ؛ إذ هو مقتضی الشرکة ، و سواء کانت الجاریة للقائل الشارط أو کان الشارط شخصاً آخر .

فعلی توجیه صاحب الجواهر رحمه الله من کونها علی مقتضی القاعدة لا فرق فی المشترط ، کان صاحب الجاریة أم غیره .

هذا مع أنّ التدبّر فی الروایة یعطی أنّها من المصالحة بعد الشرکة ، حیث أنّ الراوی بعد ما فرض مشارکة الرجل للآخر فی الجاریة ، عبّر ب « فقال : إن ربحت فلک . . . »

ص:266

الظاهر فی تراخی هذه المشارطة عن الشرکة ، أی أنّها مصالحة بعد الشرکة ، أو تحمل الروایة علی استعانة صاحب الجاریة بالغیر فی تسدید دین ثمن الجاریة ، فلذا لا یکون علی الغیر من الوضیعة شیء ، و إن کان ربح فیزیده من عنده علی ما سدّد به الدین و تکون الزیادة لا من باب المشارطة ، بل تکون من باب المواعدة .

و قریب من المعنی الأوّل حمل المحقّق المجلسی رحمه الله فی ملاذ الأخبار ، قال :

« لأنّ هذا تبرّع من ماله ، و یمکن أن یکون المراد بمشارکته فی الجاریة ، مشارکته فی الدلالة علیها و تولیته له فی البیع و الشراء ، لا المشارکة فی المال ، و یؤیّده ما روی عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی الرجل یشارکه الرجل فی السلعة یدلّ علیها ، قال :

إن ربح فله ، و إن وضع فعلیه » (1).

و عن الدروس : « لو قال : الربح لنا و لا خسران علیک ، ففی صحیحة رفاعة - فی الشرکة فی جاریة - یصحّ ، و رواه أبو الربیع ، و منعه ابن إدریس (2) ؛ لأنّه مخالف لقضیّة الشرکة . قلنا : لا نسلّم أنّ تبعیّة المال لازم لمطلق الشرکة ، بل للشرکة المطلقة .

و الأقرب تعدّی الحکم إلی غیر الجاریة من المبیعات » (3) .

أمّا الروایة الرابعة فهی أدلّ علی المنع من أن تدلّ علی الجواز ؛ لأنّ « لا ینبغی » لیس نصّاً فی الکراهة و إن کانت دلالته علی التحریم أیضاً ضعیفة .

أمّا الروایة الخامسة : فهی علی مقتضی القاعدة(علیه الوضیعة کما یأخذ الربح) و العمل بإطلاقها معارض لما تقدّم ، أو مفسّر له ، فالعمدة من الروایات المتقدّمة هی الاُولی و الثانیة .

و الصحیح أنّ هذه الروایات لیست من باب الشرط فی الشرکة أو المضاربة ،

ص:267


1- 1) التهذیب 7 / 187 / ح825 . ملاذ الأخبار 11 / 62 .
2- 2) السرائر 2 / 349 .
3- 3) الدروس الشرعیّة 3 / 223 - 224 .

و إنّما هی من باب المصالحة فی نهایة الشرکة لأجل فرز الأسهم أو من باب تعیین الاُجرة بنسبة من الربح فی قبال عمل الدلالة ، و یکون المخاطب بعدم الضمان هو الدلّال ، و لک أن تقول : هو عامل المضاربة و صاحب المال هو صاحب الجاریة ، و هو معنیً قریب من روایة رفاعة و أبی الربیع ، کما فی قوله علیه السلام : « إن کانت الجاریة للقائل » ، أو « إذا طابت نفسه » ، أی أنّه صاحب المال الذی ینفی الضمان عن عامل المضاربة ، و بذلک لا تدلّ علی خلاف ما تقدم من الروایات ، فلیس هناک ما یدلّ علی خلاف ما تقدّم من أنّ المضاربة لا ضمان فیها ذاتاً .

فظهر الخلل فی استدلال المرحوم الصدر بروایة رفاعة علی ضمان القسم الرابع ؛ لأنّه من باب الصلح و لیس من باب الاشتراط فی الشرکة ، أو أنّ القائل المشترط علی نفسه هو صاحب المال فی المضاربة أو غیر ذلک من الوجوه التی تقدّمت .

المسألة الثالثة :

هل یجوز فی عقد المضاربة اشتراط قسم من الربح للأجنبی؟

نسب إلی المشهور عدم الصحّة ، و یقرّب بأنّ تملیک الأجنبی إمّا بنحو شرط النتیجة أو بنحو شرط الفعل .

فإن کان الأوّل فقد عرفت ممّا سبق أنّه مخالف لقاعدة تبعیّة النماء للملک ، و إن کان بنحو الثانی ، فقد عرفت أنّه یکون إمّا بنحو التعلیق فی التملیک - أی معلّقاً علی وجوده و ملک صاحب المال له - أو أنّه تملیک فعلیّ للمعدوم ، و کلاهما فاسد .

و سیأتی أنّ التعلیق فی التملیک مع غضّ النظر عن الإجماع القائم فاسد بمقتضی القاعدة . و أمّا تملیک المعدوم فهو مخالف لعموم « لا تملّک ما لیس عندک » .

نعم ، قد یظهر من الشهید الأوّل رحمه الله فی ما حکیناه من قوله المتقدّم (1)صحّة ذلک ،

ص:268


1- 1) فی الصفحة 304 .

لکنّ التدبّر فی کلامه یعطی اقتصاره فی مخالفة القاعدة علی نوع مورد النصّ من اشتراط ذلک لأحد الشریکین ، لا غیرها من الموارد .

و قال فی الشرائع : « و فیه وجه آخر » و فسّر العبّارة فی الجواهر (1)بما جزم به فی المسالک من إرادة العامل غیر المقارض ، أی الذی یشترط علیه الأعمال الجزئیّة المضبوطة ، لا مَن یکون إلیه التصرّف فی جمیع ما یقتضیه العقد لعموم « المؤمنون »و « أوفوا » أو أنّ الحصّة المشروطة تکون للمالک حیث لم یعمل ، رجوع إلی أصله .

و لکن أشکل علیه فی الجواهر بمخالفته لنصوص المضاربة ، أو أنّ مثل هذا الأجنبی عامل فی الحقیقة و إن اختصّ بأعمال معیّنة .

ص:269


1- 1) 396/26 .

الحیلة الحادیة عشرة : الوکالة فی عقود اخری

بعد اتّضاح الأمر فی الحیلة السابقة یتّضح الحکم فی هذه الحیلة ، و لنستعرض صورتها و هی تبتنی علی الوکالة أیضاً .

و هی : أنّ البنک یکون وکیلاً للتعامل مع أصحاب الأعمال لا فی خصوص المضاربة - کما فی الحیلة السابقة - بل یکون وکیلاً فی التعامل معهم بعدّة معاملات ، کالإجارة بشرط التملیک و النسیئة و السلف و الجعالة و المزارعة و المساقاة و الشرکة .

و الإشکال العمدة فی هذه الحیلة هو الإشکال المتقدّم فی الحیلة السابقة ، فلا تتمّ من الأساس .

و لکن من بعض الجوانب الاُخری ینبغی البحث عن بعض جهاتها .

و قد تقدّم إشکال آخر فی تلک الحیلة أنّهم صرّحوا أنّه یشترط فی صاحب الأعمال أن یتعامل فی معاملاته بفتح حساب فی البنک نفسه لا فی بنک آخر ، و هذا تنصیص علی أنّ التعامل علی ذمّة البنک(نفس الوکیل)، فإذن هو قرض لکون التعامل فی الذمّة ، فذلک الاشتراط تنصیص علی الإشکال الذی تقدّم .

و کذلک صرّحوا بأنّ البنک یشترط علی أصحاب الأعمال أن یؤمّنوا المال الذی یُعطی إلیهم فی شرکة التأمین ، و التأمین فی القرض و اشتراطه من المقرض علی المستقرض ، و کذلک فی الرهن لا إشکال فیه ، إلّا أنّ حیث أنّه ضمان و ذکرنا أنّه إذا ضمّن صاحب المال عاملَ المضاربة فتنقلب إلی القرض .

فالإشکال فی مادّة بنود العقد البنکی یبتنی علی مقدّمة ، و هی : أنّ اشتراط الضمان

ص:270

علی عامل المضاربة الموجب لانقلابها إلی القرض هل یعمّ ضمان العهدة أو ضمان شرط الفعل أو الضمان الاصطلاحی أم لا ؟

و الإشکال کما تقدّم مبنیّ علی أنّ مفاد صحیحة محمّد بن قیس کون مطلق التضمین و لو بنحو شرط الفعل یقلب المضاربة إلی القرض . فحقیقة التأمین إذا کانت ضمان التعهّد فهو من الضمان . نعم ، لو بنی التأمین علی أقوال اخر فی حقیقة ماهیّته غیر ضمان التعهّد کشرط الفعل فللصحّة وجه ، إلّا أن یدّعی انطباق مؤدّی الضمان عرفاً علیها أیضاً فتنقلب المضاربة إلی القرض .

و هنا أمر آخر و هو أنّه فی تلک الحیلة قد صوّروا أنّ المضاربة إذا تمّت و ظهرت الأرباح فهی ملک لأصحاب الأموال ، و یکون البنک وکیلاً عن أصحاب الأموال فی أن یجری عقد الصلح بین نفسه و أصحاب الأموال فیصالحهم عن ربحهم بقدر معیّن ، و هذا القدر المعیّن لیس توزیعاً لأرباح المضاربة ، و إنّما هو صلح بین البنک و أصحاب الأموال . فرأس المال یبقی علی ملک أصحاب الأموال و أصل الربح یملّکه صاحب المال بالصلح إلی البنک فی مقابل القدر المعیّن ، و یسمّی باشتراط عقد الصلح علی الأرباح مقابل القدر المعیّن ، و هو إن کان بنحو شرط النتیجة - أی: إنشاء الصلح بنفس الاشتراط - ففیه إشکال .

و أمّا إذا کان بنحو شرط الفعل فأقلّ إشکالاً ، فیوکّل صاحب المال البنک فی إجراء عقد الصلح بعد عملیّة المضاربة و یستطیع صاحب المال أن یعزل البنک فی أی وقت شاء ، و هذا أحد العوائق التی تواجه حیویّة هذه الحیلة ؛ لأنّ العملیّة تحتاج إلی التوثیق بأنّ صاحب المال یمانع عن الرجوع ، فلو رجع صاحب المال بمطالبة ماله قبل تمامیّة المضاربة فالربح لصاحب المال لا للبنک ، و هذا لا یتوافق مع العملیّات البنکیّة السائدة .

فإذا کان بنحو شرط الفعل فمقتضاه أنّه برجوع صاحب المال فی أثناء المضاربة یجب أن تکون الأرباح لصاحب المال لا للبنک ؛ لأنّه لمّا یوجد عقد الصلح ، و أمّا إذا

ص:271

کان بنحو شرط النتیجة فسوف یکون إمّا صلحاً علی أمر معدوم أو أمر مجهول .

و قد یجاب علی الإشکال علی تقدیر شرط النتیجة ، بأنّ الصلح إنّما شرّع فی موارد الجهل ، فإذن لا یضرّ الجهل بصحّته ، هذا من جهة . و من جهة اخری أنّ الصلح - کما أنّه شرّع فی موارد الجهل - یتسامح فیه بما لا یتسامح فی بقیّة العقود ، فلا بأس فی الصلح علی شیء معدوم مقدّر ، فشرط الصلح بنحو شرط النتیجة من أوّل العقد صحیح .

أقول : و لکن الإشکال علی حاله ؛ لأنّ الصلح و إن اختلف عن بقیّة العقود من حیث أنّ ماهیّته الأصلیّة هو التراضی ، و لکنّ التراضی هو بمفاد عقد من العقود و ینتج نتیجة ذلک العقد ، فالتراضی بتملیک الأعیان نتیجته نتیجة البیع ، و إن لم یکن بیعاً ، فوقع البحث بین الأعلام فی أنّ الصلح هل یرجع إلی بقیّة العقود أو هو عقد مستقلّ و یفید آثار عقود اخری ؟ و الأکثر علی الثانی .

و حینئذٍ فلا یمکن الصلح علی المعدوم ؛ لأنّه کالبیع من حیث الأثر ، فکما لا یمکن البیع علی المعدوم فکذلک الصلح ؛ إذ نتیجة الصلح هی نتیجة البیع و هی تملیک شیء ، و تملیک المعدوم لا یصح ؛ إذ هو تملیک فعلیّ لمملوک معدوم لا فی الذمّة ، فالمملّک یملّک ما لا یملکه فی الاعتبار العرفی فکیف یملّکه الآخرین ؟ فهذا الصلح بنحو شرط النتیجة علی المعدوم لا یصحّ .

و القول بأنّ الصلح مبنیّ علی الجهالة صحیح فی الموارد التی لا یمکن استعلام العوضین فیها ، یعنی أنّ الصلح لأجل الإبراء و رفع التنازع و التراضی شرّع فی موارد الجهل ، أی فی الموارد التی تکون نتیجته الإبراء کإیقاع متقابل ، و هذا بخلاف الموارد التی یراد من الصلح معاوضة مالیّة کبقیّة المعاوضات التی یتحفّظ فیها عن الغرر . مع أنّه یمکن أن یقال : إنّ الصلح فی موارد النزاع و الابراء لا یوقع عند العقلاء علی المقدار المجهول بالمرّة ، بل یقیّد مورد الصلح فی الارتکاز المتبانی علیه بحدّ أعلی و أدنی إجمالی و إن لم یکن معلوماً تفصیلاً ، و لذا لو انکشف الواقع بغیر ذلک الحدّین فإنّ

ص:272

المتعاقد یری لنفسه المطالبة بحقّه .

نعم ، لا یشترط فی الصلح المعاوضی العلم بنحو المداقّة لکن لا بدّ فیه من وجود العلم فی الجملة ، و إلّا ففی موارد الجهل المطلق لا یقرّ العقلاء ماهیّة الصلح و لا یقدمون علیه .

و هذا نظیر ما یقال : بأنّ(لا ضرر)یشمل کلّ حکم ضرری و لا یشمل مثل الجهاد الذی هو بنفسه ضرریاً ؛ لأنّ الملحوظ فی القاعدة الضرر الزائد علی الطبیعة ، و لا باب الزکاة و لا الخمس ، فإنّهما بنفسهما ضرر مالی .

نعم ، إذا سبّبت هذه الأبواب الثلاث ضرراً زائداً علی الطبیعة ف(لا ضرر)تشملها أیضاً .

و بعبارة اخری : الجهل و الغرر المنفی فی العقود ، هو فی کلّ عقد بحسبه ، فإذا کان عقد مبنیّاً علی الغرر فلا یشترط نفیه بقدر طبع الغرر الذی فیه لا بقدر الزائد علیه .

فتحصّل أنّ الصلح بنحو شرط النتیجة فی بدء التوکیل ، لا یخلو من تأمّل واضح من کون الصلح إمّا علی المعدوم ، أو علی المجهول بدرجة لا تغتفر فی الصلح . و أمّا إذا کان بنحو شرط الفعل فلا یرد هذا الإشکال ، بل فیه نقض الغرض بحسب عالَم سوق المال و خلف فرض حرکة الأموال و التعامل الجاری .

لأنّ الغرض هو الوثوق بوصول الربح المشاع إلی البنک و إعطاء قدر معیّن منه إلی أصحاب الأموال ، بینما فی هذه الحیلة - علی شرط الفعل - یمکن رجوع صاحب المال فی أثناء المضاربة ، و تکون الأرباح المشاعة کلّها ملکاً له .

و قد یتخلّص من هذا المحذور بإلزام أصحاب الأموال بعدم الرجوع فی فترة معیّنة بتوسّط عقد آخر و تکون الأرباح المشاعة باقیة بین عامل المضاربة و بین المالک ، و ذلک باشتراط الوکالة فی ضمن عقد آخر لازم ، و تکون وکالة البنک مفوّضة من أصحاب الأموال بعد فرض أنّ المالک لا یحدّد له قدر معیّن فی الصلح و القدر من الأرباح المشاعة غیر محدّد فی بدء التعامل .

ص:273

لکن هذا الترمیم لا یخلو من إشکال أیضاً علی القول بأنّ اشتراط الوکالة فی ضمن عقد لازم لا یوجب لزومها ؛ إذ اللزوم یعنی التولیة و إعطاء الولایة ، و هو یغایر حقیقة الوکالة ، نظیر ما اشکل فی اشتراط الوکالة للزوجة للطلاق ، مع أنّ لزوم الوکالة لا یتفادی قدرة مالک المال علی الرجوع أثناء المضاربة ؛ إذ برجوعه یُعدم موضوع الوکالة اللازمة .

ثمّ إنّه یضاف إلی ما تقدّم من الإشکالات علی أصل الحیلة المزبورة ، أنّ هذه الحیلة ما دامت هی مضاربة فلا تکون لازمة ملزِمة لمالک المال علی عدم الرجوع فی المدّة المقرّرة ، و أنّ اشتراط عقد الصلح بعد اشتراط أصل ضمان المال یکون شرطاً ربویّاً ، بناءً علی انقلاب المضاربة قرضاً .

ص:274

الحیلة الثانیة عشرة : استبدال المضاربة بالجعالة

اشارة

ذکرها السیّد الگلپایگانی قدس سره فی باب المضاربة من مجمع المسائل ، قال :

کلّما کان العقد الذی یراد إنشاؤه مضاربة فاقداً لبعض الشرائط الشرعیّة فی المضاربة ، فبالإمکان أن نستبدل المضاربة بالجعالة ، مثلاً : فی اشتراط قدر معیّن من الربح فی المضاربة ، حیث لا یجوز علی قول الأکثر ، فیمکن تبدیلها بالجعالة ، و کذلک بالنسبة إلی شرط الضمان فی المضاربة ، و تکون صیغة الإیجاب کالتالی : من اتّجر بمالی فله کذا ، أو أنت یا زید إذا اتّجرت بمالی فلک کذا مقداراً معیّناً ، و الباقی لی أو فالربح بیننا ، و اشترط علیک الضمان .

و السبب فی إبداع السیّد رحمه الله لهذه الحیلة هو أنّه تبعاً لبعض القدماء ذهب إلی أنّ المضاربة تجری فی خصوص الذهب و الفضّة ، و مدرک هذا القول هو الإجماع المدّعی .

و علیه فتکون المضاربة الجاریة علی الأوراق النقدیّة فی هذه الأزمنة فاقدة لهذا الشرط ، فیتوسّل حینئذٍ بالجعالة ، بل یعمّم إلی غیر الأوراق النقدیّة کالمصانع .

و منع السیّد الخوئی رحمه الله صحّة هذه الجعالة .

و قد مرّ أنّ السیّد الصدر رحمه الله استدلّ علی صحّة هذه الجعالة بروایات (1)، حیث ورد فیها نحو من الجعالة حیث یقول مالک المال للدلّال : بع مالی بعشرة ، فما زاد فهو لک ،

ص:275


1- 1) ب 10 / أبواب أحکام العقود

و صحّح رحمه الله الجُعل المزبور ، و هذا المضمون قریب بالجعالة التی هی عوض المضاربة ، حیث یقول فیها مالک المال : اتّجر بمالی و الربح لک منه خمسون دیناراً و الباقی لی .

و ذکر رحمه الله وجهاً آخر غیر الروایات و هو : أنّ الفقهاء أقرّوا فی الجعالة بعدم اشتراط کون المال المجعول مملوکاً للجاعل حین إنشاء الجعالة ، بل اشترطوا ملک الجعل له حین تحقّق العمل ؛ إذ لا بدّ أن یکون مالکاً له کی یملّکه العامل .

و النکتة فی ذلک : أنّ التملیک فی الجعالة یفترق عن البیع و الإجارة و غیرهما ، حیث أنّ فی تلک الماهیّات المعاملیّة التملیک فعلیّ ، أمّا التملیک فی الجعالة فتعلیقی ، فلا یشترط أن یکون جُعل الجعالة ملکاً فعلیّاً للجاعل و إنّما یشترط أن یکون ملکاً حین تحقّق العمل ، و هذا وجه لصحّة الجعالة فی ما نحن فیه .

أقول : قد ذکرنا سابقاً الخدشة فی الاستدلال بالروایات ، و فی مقتضی القاعدة التی استدلّ بهما السیّد الصدر رحمه الله و تلک الخدشة بعینها تتأتّی علی تصویر السیّد الگلپایگانی رحمه الله .

و الخدشة هی أنّ دلالة تلک الروایات و إن کانت تامّة لکنّها لیست ممّا نحن فیه ، فإنّ الفقهاء اختلفوا فی تفسیر تلک الروایات :

فبعضهم یفسّرها بأنّ الجعالة أنشأت علی عمل و هو « البیع بزیادة عن العشرة » و حینئذٍ إذا لم یبع بأزید من عشرة أو باع بعشرة فلم یأتِ بمورد الجعالة ، و لا یستحقّ الجُعل و الخدشة فی الجعالة هی أنّه ربّما یأتی بعمل الجعالة ، و الجُعل لیس مملوکاً للجاعل ، فیصیر نوعاً من الغرر فی ما إذا لم یظهر ربحاً ، و الجعالة و إن کانت مبنیّة علی الغرر و الجهل إلّا أنّ الغرر فی کلّ عقد بحسبه ، أی لیس علی نحو إذا تحقّق عمل الجعالة لا یکون الجعل مضموناً لعامل الجعالة ؛ إذ الفرض أنّه إذا عُیّن الجُعل من الربح لا یکون مضموناً لعامل الجعالة الذی هو بدیل عن عامل المضاربة ، فلا یمکن الاستشهاد بالروایات للجعالة البدیلة عن المضاربة ؛ إذ فی الدلّال الذی هو مورد

ص:276

الروایات مورد عمل الجعالة هو البیع الزائد عن العشرة ، و الجعل حینئذٍ مضمون بخلاف المقام . و علی التفسیر المزبور للروایات فالجاعل و إن کان لا یتملّک الجعل فعلاً ، بل یتملّکه فی ظرف العمل ، إلّا أنّ تملّکه للجُعل مفروض بالضرورة فی ظرف عمل الجعالة ، و هذا بخلاف الجعالة بدل المضاربة التی تقدّم تصویرها ، فإنّها قد یتحقّق العمل من دون تملّک الجاعل للجُعل - و هو ربح التجارة - فلا تلازم بین تملّک الجاعل للجعل و عمل الجعالة .

فاتّضح أنّ الجعالة بالنحو المزبور تملیک لما لا یضمن ملکه .

و قد یقال : لِمَ لا نسوّغ الجعالة البدیلة عن المضاربة بنحو الجعالة التی صیغت فی الدلّال التی هی مورد الروایات ؟ فیقول صاحب المال : اتّجر بمالی تجارة مربحة زائدة عن الخمسین فلک الخمسون و الزائد لی ، فإذا أتی بمورد عمل الجعالة فلا محالة سوف یکون هناک ربح و یتملّک الجاعل الجُعل ، و إذا لم یظهر الربح فلم یأت بمورد عمل الجعالة ، فلأجل دفع الخدشة السابقة نتمحّل تبدیل الحیلة کی تندرج تحت الروایات .

و فیه : أنّ هذا التغییر و إن صحّح الجعالة إلّا أنّها لا تکون بدیلة عن المضاربة بسعتها ؛ إذ لا یشارک العامل المالک الربح فی کلّ الاحتمالات - قلّ الربح أو زاد - فالروایات غیر دالّة علی مطلق الجعالة التی تکون بدیلة عن المضاربة بسعتها .

و بعض فسّر الروایات بالإجارة لا بالجعالة کما هو ظاهر السیّد الاصفهانی رحمه الله .

هذا کلّه بالنسبة إلی التمسّک بالروایات ، و کذا الحال إذا فرض السیّد رحمه الله إنشاء الجعالة بنسبة کسریّة بأن یقول الموجب : « إذا اتّجرت بمالی فلک نصف الربح » ، فیرد علیه إشکال کون الجعل غیر مضمون فی ظرف تحقّق عمل الجعالة ، إلّا أنّ تخصّص بقوله : « إذا اتّجرت تجارة مربحة فلک کذا » ، فإذا اتّجر بربح فقد أتی بمورد الجعالة و یکون الجعل حینئذٍ مضموناً ، و إذا لم یربح فلم یتحقّق عمل الجعالة ، إلّا أنّ هذا التغییر - کما تقدّم - لا یقرّر الجعالة بدیلة تامّة عن المضاربة فی کلّ الفروض

ص:277

و الحالات ، بل فی فرض خاصّ و هو العمل المُربح .

و أمّا الوجه الثانی الذی ذکره الصدر رحمه الله ، و هو أنّ التملیک فی الجعالة تعلیقی ، و المقدار اللازم فیها ملک الجعل من الجاعل حین تحقّق العمل لا حین إنشاء الجعل ، فهو تامّ ، إلّا أنّ الجعالة البدیلة عن المضاربة لا ضمان للجعل فیها حین تحقّق العمل إلّا أن تقیّد بالتجارة المربحة .

و قد ذکرنا سابقاً أنّ الملزم القانونی یجب أن یکون من داخل العقد و فی ضمن متن العقد فلا یغنی العلم بتحقّق العوض بلحاظ السوق بأن یقال : الجعالة تنشأ علی مورد العمل ، و هو مطلق التجارة لا خصوص التجارة المربحة ، و لدینا علم بأنّها مربحة فی ذلک المورد ، فلدینا علم بأنّ الجعل یکون مضموناً لأنّ ضمان الجعل و العوض فی الجعالة و المعاوضات لا یکفی فیه التخمین و التقدیر .

و استشکل السیّد الخوئی رحمه الله فی المستند فی الجعالة البدیلة عن المضاربة مطلقاً ، سواء کانت بالنحو المطلق الذی فرضه السیّد الگلپایگانی رحمه الله أو بالنحو المضیّق الذی فرضناه بأنّ تملیک المعدوم لا یسوغ . و لذلک ذکروا فی باب المضاربة أنّها لیست علی مقتضی القاعدة ، و إنّما الدلیل دلّ علی جوازها ؛ إذ مقتضی القاعدة أنّ تملیک المعدوم لا یصحّ ، و حیث أنّ هذه الجعالة مفادها تملیک المعدوم فلا تصحّ ، و الظاهر أنّ مراده أنّ الجعالة لا بدّ فیها من کون الجعل مملوکاً فعلاً للجاعل حین إنشاء الجعالة ؛ لأنّ التملیک إمّا متعلّقه کلّی مقدور فی الذمّة ، فهو موجود ، و إمّا هو شیء شخصی موجود فلا إشکال أیضاً ، و إمّا أن کان معدوماً فلا یصحّ لما تقدّم ، و کذا الحال فی تملیک الکلّی غیر المقدور . فالجعالة و لو کان التملیک فیها تعلیقیّاً إلّا أنّه لا بدّ من کون الجعل موجوداً ، بخلافه فی المضاربة .

و اجیب بأنّه لا یبعد القول بأنّ المضاربة و الجعالة علی النحو المزبور هما علی مقتضی القاعدة - کما مرّ عن السیّد السبزواری رحمه الله - حیث لا یبنی علی عدم صحّة تملیک المعدوم مطلقاً ، فإنّ الشیء الجزئی المعدوم إذا کان متوقّع الحصول بنحو

ص:278

معتدّ به عقلائیّاً یقرّ العقلاء أنّ القدرة علیه موجودة فلا یبطل تملیکهم ، فتکون المضاربة علی مقتضی القاعدة .

و ربّما یؤیّد هذا التقریب بما ذکروه فی بحث إسقاط الخیارات من صحّة إسقاط الخیار قبل فعلیّته ، علی القول بثبوت الخیار بظهور العیب لا بوجوده ، و کذلک فی بقیّة الخیارات ؛ إذ لا خیار فعلیّ حین الإنشاء ؛ لأنّ تحقّق البیع بعد تمامیّة الإنشاء و وجود المنشأ ، ثمّ تتحقّق الخیارات فی رتبة متأخّرة عنه لکنّهم جوّزوا إسقاط الخیار حین الإنشاء .

و قالوا بکفایة تحقّق الموجب له و إن لم یکن الموجب - و هو الخیار - فعلیّاً ؛ إذ بوجود الموجب یکون للشیء الموجب نحو تقرّر ، نظیر ما قالوا من أنّ للمعلول کینونة و نحو تقرّر فی المقتضی ، فالذی أسقط غیر فعلی لکنّه فی صراط التحقّق ، فبنفس التقریب یقرّب ذلک فی التملیک . هذا ، فالعمدة لتنقیح الحال فی المقام هو تقریر مفاد قاعدة لا تبع ما لیس عندک التی فسّرت ب لا تملّک ما لا تملک .

و محصّل إشکال السیّد الخوئی رحمه الله بتقریب آخر : أنّ المضاربة بعد کونها علی خلاف مقتضی القاعدة فلا یمکن استبدالها بالجعالة ؛ لأنّ العمومات الأوّلیّة محکمة لا یرفع الید عنها بسهولة لندرة التخصیص فیها و کثرة التمسّک بها ، بخلاف العمومات التی ورد التخصیص فیها ، و إنّما ارتکب التخصیص فی المضاربة للضرورة الفقهیّة علی صحّتها ، و هذا بخلاف الحال فی الجعالة علی النحو المزبور ؛ إذ لیست نسبة أدلّة الصحّة للجعالة مع تلک القواعد الأوّلیّة نسبة العموم المطلق ، بل هی العموم من وجه ؛ لشمول الجعالة لموارد المضاربة و غیرها ، فوجه مخالفة المضاربة لمقتضی القاعدة عنده رحمه الله أحد أمرین :

إمّا مخالفة قاعدة لا تبع ما لیس عندک یعنی عدم جواز تملیک ما لا یملک ، أو کونها من التملیک التعلیقی ، أی: إمّا تعلیق فی المملّک أو تعلیق فی التملیک ، و إنّما بنی علی صحّتها للضرورة .

ص:279

و ظاهر التعبیر الوارد فی الکلمات : « أنّ عامل المضاربة یملک الربح عند ظهوره » أنّ التملیک تعلیقی .

هذا و قد ذهب السیّد الحکیم رحمه الله أیضاً إلی عدم صحّة الجعالة المزبورة - بعد بنائه علی مخالفة المضاربة لمقتضی القواعد - من جهة اخری و هی أنّ النماء تابع للأصل ، و فی المضاربة یفرض أنّ النماء عند ظهوره یکون ملکاً للعامل ، فالربح الذی هو نماء الأصل لا یکون ملکاً للمالک الأصل ، بل للعامل و لیس فی المضاربة تعلیق لتملّکه زائداً علی أصل ظهور الربح ، أی لیس فیه تعلیق علی تملّک المالک للربح ، و من ثَمّ للعامل ، فیدخل النماء فی ملک مالک الأصل ثمّ فی ملک الغیر ، فالجعالة المزبورة علی خلاف القاعدة ، و إنّما التزم بصحّة المضاربة لضرورة الفقه .

و التعلیق فی الجعالة إنّما هو علی العمل لا علی ظهور الربح و لا علی ملکیّة المالک الجاعل لنمائه ، فلا تکون الجعالة علی مقتضی القواعد .

و اجیب عن الإشکالات المزبورة

أمّا عن الأوّل - و هو أنّه تملیک فعلیّ للمعدوم - بأنّه لیس ممتنعاً ؛ لأنّ الممتنع هو تملیک المعدوم المطلق الذی لا تَوَقُّعَ لانوجاده قریباً . و أمّا إذا کان متوقّعاً قریباً فلا مانع عقلائیّاً من التملیک الفعلی له ؛ إذ هو موجود بالقوّة ، و قاعدة(لا تبع ما لیس عندک) محمولة علی المعدوم المطلق أو تخصّص بالبیع .

و اجیب عن الأوّل أیضاً بالنقض بالإجارة ، فإنّ فیها تملیک المنفعة و هی تدریجیّة الوجود ، فلیست موجودة بالفعل ، بل موجودة بالقوّة بوجود العین ، و ببیع الثمار قبل وجودها فی موارد خاصّة .

و بإسقاط الخیار أیضاً ، سواء انوجد الخیار المترتّب علی وجود البیع معه زماناً أم تأخّر بالفاصل الزمانی عن إنشاء البیع ؛ إذ علی کلا التقدیرین الاسقاط هو قبل تحقّق البیع المسبّب عن الإیجاب و القبول بینما الاسقاط للخیار حین الإیجاب .

ص:280

و أجیب عن الثانی : أنّ التعلیق فی الإنشاء مستند بطلانه الإجماع و هو لبّی لا إطلاق فیه .

و التعلیق یقسّم إلی ثلاث صور
اشارة

1 - إمّا تعلیق فی أصل الإنشاء ، و هذا لا یمکن القول بصحّته ؛ لأنّ الاستعمال فعل تکوینی یوجد بأسبابه التکوینیّة و لا یناط بأمر اعتباری ، فالتعلیق علیه ممتنع عقلاً .

2 - و إمّا تعلیق فی المنشأ وجوده اعتباری ، و هو خیف المئونة فلا یمتنع عقلاً ، و إن أمکنه منعه تعبّداً فیقتصر علی مقدار التعبّد .

3 - و إمّا تعلیق فی مورد المنشأ ، کقوله : « أنت وکیلی یوم الجمعة فی بیع داری » و لیس التعلیق هاهنا فی إنشاء الوکالة و لا فی المنشأ - أی: الوکالة - بل فی مورد الوکالة و متعلّقها ، فلا مانع منه أصلاً ، بل صحیح إجماعاً .

و أجیب عن الثالث و هو کون النماء غیر تابع للأصل :

أوّلاً : بالنقض بالإجارة ، حیث أنّ النماء غیر تابع للأصل فیها .

ثانیاً : بالحلّ بأنّ اعتبار ملکیّة النماء للمالک یکفی فیه وجود النماء بالقوّة ، کما هو الحال فی الإجارة للعین سنة ، فإنّ المنفعة السنویّة موجودة بالقوّة ، فیصحّ اعتبار ملکیّتها بالفعل لمالک العین ، فهذا النحو من الملکیّة من شعب السلطنة علی العین ، فلو لم تکن للمالک ملکیّة للعین لما استطاع أن یملّک النماء ، فمالک الأصل فی مال المضاربة و مورد الجعالة یملّک النماء الموجود بالقوّة للعامل ، و لو کان متعلّق الملکیّة تعلیقیّاً معلّقاً علی وجود الربح .

ثالثاً : إنّ هذه القاعدة إمضائیّة و لیست تأسیسیّة و مفادها عند العقلاء اقتضائیّ ، أی أنّ النماء تابع للأصل إذا لم یکن مانعاً فی البین ، و إلّا فالنماء لا یتبع ملکیّة الأصل کما فی من یبیع عیناً و یستثنی منفعة العین إلی عشرین سنة فلم تتبع ملکیّة النماء لملکیّة العین ؛ لأنّ الشرط قد فارق بینهما و مانع عن التبعیّة ، و الشرط صحیح و لیس بمخالف

ص:281

للکتاب و السنّة ، لما تقدّم من أنّ التبعیّة حکم اقتضائی لا فعلیّ مطلقاً . و الحکم الاقتضائی یمکن رفع الشارع یده عنه بخلاف الفعلی المطلق .

أقول : و فی الأجوبة المزبورة عدّة تأمّلات
التأمّل علی الأوّل

و هو تملیک المعدوم و النقض بالإجارة ، ففیه البحث المعروف فی بابها من أنّ الإجارة هل هی تملیک المنفعة فیلزم منه تملیک المعدوم ، أو أنّ الإجارة تملیک العین فی جهة خاصّة ، أی بلحاظ جهة المنفعة ؛ إذ لا یقول الموجب : « آجرتک المنفعة » بل « آجرتک الدار » . نعم ، ورد فی الروایات : « بعتک منفعة داری » ، فعلی أیّة حال النقض بالإجارة نقض مبنائی یبتنی علی القول بأنّ ماهیّة الإجارة تملیک المنفعة ، و أمّا إذا قلنا إنّ حقیقتها تملیک العین علی وجه مخصوص ، یعنی لأجل الانتفاع بها ، فالعین موجودة غیر معدومة ، بل لو قلنا بأنّ الإجارة هی تملیک المنفعة ، فالنقض أیضاً غیر وارد ؛ لأنّ النظر العرفی یری المنفعة وجوداً بوجود العین ؛ لأنّها قابلة لأن ینتفع بها .

و لذلک قال البعض بأنّ التملیک فی الإجارة هو للقابلیّة لا للمنفعة و لا للعین ، و قابلیّة العین لمنفعة سنة موجودة الآن .

و علی أیة حال ، فالمنفعة لها نحو وجود متقرّر ، و هذا بخلاف ما نحن فیه ، فإنّ النماء(الربح)بالإضافة إلی الأصل - یعنی رأس المال - لیس له هذا التقرّر التکوینی ، بل هو أشبه أن یکون من قبیل العوض و المعوّض ، و لیس للعوض وجود قابلی أو وجود بالقوّة فی المعوّض . و من ثمّ لا یتعلّق به الخمس ، و لا یعتبر الربح موجوداً . و أمّا الربح المعتبر فی زیادة القیمة السوقیّة للعین ، فالزیادة لها وجود بالفعل کصفة للعین المالیّة و إن لم تقع علیها معاوضة بخلاف المقام .

التأمّل علی الثانی - و هو التعلیق -

فی مسألة التعلیق قولان :

ص:282

الأوّل : إنّ المنع من التعلیق تعبّدی ، و مدرکه الإجماع ، و هو لبّیّ یقتصر علی القدر المتیقّن . أمّا الموارد التی نشکّ فی شمول الإجماع لها فالتعلیق فیه جائز .

و الثانی : إنّ امتناع التعلیق عقلیّ ، بخلاف التعلیق فی متعلّق المُنشأ - أی متعلّق متعلّق الإنشاء - کقول الموجب : « آجرتک داری فی الشهر القادم » ، و علی ذلک فما تقدّم من الجواب الثانی بأنّ التعلیق امتناعه لبّیّ ، هو مبنائیّ کما أنّ نفس الإشکال کذلک ، و سیأتی أنّ الأصحّ أنّ الامتناع عقلائی ، و هو قول ثالث فی المسألة .

التأمّل علی الثالث

إنّ ما نحن فیه لیس من قبیل النماء و الأصل کما تقدّم ، بل من قبیل العوض و المعوّض ، و الربح و إن کان تابعاً للأصل عرفاً ، إلّا أنّه بلحاظ مقارنة المعوّض مع العوض لا حقیقة ؛ لأنّ الزیادة فی العوض لیست نماءً متولّدة من المعوّض ، بل هی تابعة للعوض حقیقة ، فهذه التبعیّة مقایسة بلحاظ عنوان الربح التجاری . و أمّا بحسب قانون ملکیّة الأعیان و المنافع فلیس نماءً . نعم ، الأحری تبدیل إشکال السیّد الحکیم رحمه الله بأن یقال : إنّ فی موارد المضاربة خلافاً لقانون المعاوضة بالتقریب التالی ، و هو أنّ المعاوضة تقتضی دخول العوض فی ملک من خرج منه المعوّض ، و کذا العکس ، و هو ما یعبّر عنه بتقابل العوضین فی إضافة الملکیّة و تبدیل فیها ، و هذا المعنی فی المعاوضة ذاتی لا یتخلّف عنه ، کما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری رحمه الله ، بخلاف من یری أنّ مقتضی المعاوضة مجرّد التقابل بین العوضین فی التملیک و إن لم یحلّ أحدهما محلّ الآخر .

فعلی المعنی الأوّل لا یدخل الربح فی ملک العامل عند ظهوره ، بل لا بدّ أن یدخل فی ملک مالک المال أوّلاً ثمّ ینتقل إلی العامل ، فدخول الربح فی ملک العامل ابتداءً خلاف قانون المعاوضة ، و أمّا لو بنی علی دخوله بعد الظهور ، فإمّا بنحو التعلیق أو بنحو الفعلیّة ، و الثانی من تملیک المعدوم و الأوّل فیه محذور التعلیق . هذا کلّه علی القول فی ماهیّة المعاوضات ، کما هو الصحیح المحرّر فی محلّه .

ص:283

و أمّا علی القول الثانی ، فلا یتمّ هذا الإشکال ، کما لا یخفی .

فهذه تأمّلات فی الحیلة المزبورة ، و اتّضح أنّ حکمها مبتن علی تنقیح الحال فی مفاد قاعدة لا تبع ما لیس عندک ، و شمولها لموارد المضاربة و نحوها ، و کذا تنقیح الحال فی قاعدة بطلان التعلیق فی المعاملات ، و أنّ فی الجعالة البدیلة عن المضاربة تعلیقاً أم لا ؟ فإنّ فی تملیک الشیء الجزئی الذی لم یوجد قضیّة منفصلة مانعة الخلوّ ، حیث أنّه إمّا أن یکون تملیکاً فعلیّاً فینطبق علیه قاعدة لا تبع ما لیس عندک أو تملیکاً تعلیقیّاً علی الوجود فینطبق علیه قاعدة بطلان التعلیق ، و حیث انتهی البحث إلی هاتین القاعدتین ، فمن الحریّ تحریر الکلام فیهما ، و قبل ذلک لا بدّ من الإشارة إلی ابتناء إحدی الحیل - البالغة الأهمّیة ، و الأوسع فائدة من غالب الحیل المطروحة فی کلمات الأعلام - علی تنقیح مفاد هاتین القاعدتین أیضاً ، و هذه الحیلة - و قد تقدّمت (1)- هی : تصویر الودائع البنکیّة أنّها ودیعة حقیقة لا قروض ، و قد مال إلیه السیّد الصدر رحمه الله ، و بنی علی إمکان تصویر ذلک خلافاً لما ذهب إلیه مشهور متأخّری هذه الأعصار ، و لما ذکره الشیخ الحلّی (2) حیث بنی علی أنّها قروض لا ودائع بشواهد ثلاثة ، و کلام الصدر رحمه الله ناظر إلی ما استدلّ به من الشواهد :

الشاهد الأوّل : إنّ الزبون أو الذی یتعامل مع البنک لا یحتفظ له البنک بشخص ماله ، و هذا خلاف الودیعة .

الشاهد الثانی : إنّه لو کانت ودیعة و تلفت عند البنک من دون تفریط ، فلا یکون ضامناً ، مع أنّ الارتکاز المعاملی البنکی الجاری علی الضمان ، و هو موافق مع القرض .

الشاهد الثالث : إنّ البنک یأخذ الأرباح و یدفع قلیلاً منها إلی المتعامل .

ص:284


1- 1) فی الحیلة الثامنة .
2- 2) فی بحوث فقهیّة .

و أجاب الصدر رحمه الله عن تلک الشواهد بصیاغتین :

الاُولی : أن یقال : إنّ الودعیّ یعطی ماله للبنک کودیعة ، و یأذن له فی الاتّجار به کمضاربة ، فهی ودیعة مع الإذن فی الاتّجار ، فهما کشریکین . غایة الأمر یشترط الودعی علیه الضمان ، و الضمان لیس من القسم الأوّل و الثانی ، بل هو من القسم الثالث أو الرابع - المتقدّمة - أعنی ضمان شرط الفعل أو تنزّل القیمة ، و هذا لا یخالف المضاربة ، و فی الشرکة أیضاً لا تنحفظ خصوصیّة المال للمالک مع أنّ الشرکة لیست قرضاً ، بل هی نوع إیداع من أحد الشریکین عند الآخر ، و الضمان المشترط فیها بعد عدم کونه من القسم الأوّل و الثانی - بل ضمان شرط الفعل - فیغایر القرض ، حیث أنّ الضمان فیه من قبیل القسم الأوّل وضعی من حین إعطاء القرض .

و عن الشاهد الثالث بإمکان جعل البنک الحصّة الکبیرة لعامل المضاربة ، و یأخذ لنفسه الحصّة القلیلة .

الثانیة : و هی فی الواقع من ابتکارات صاحب الجواهر و بَلوَرها السیّد الصدر رحمه الله (1)و بیانها : إنّ إعطاء الأموال إلی البنک لیس من الضرورة أن یکون قرضاً ، بل شرکة بنحو الکلّی فی المعیّن لا بنحو المعهود من الکلّی الإشاعی ، فصاحب الحساب المتعامل مع البنک یتعاقد معه بصیغة : اجعل مالی عندک ، ککلّی معیّن فی الأموال التی لدیک لا إشاعی .

و الفرق بین الکلّی المعیّن و الکلّی المشاع یظهر فی باب الخمس و الزکاة و البیع و الضمان و التلف و غیرها . و حقیقة الکلّی المعیّن و الإشاعی علی أشهر الأقوال : إنّ کلّاً منهما خارجیّان و لیسا ذمیّین . غایة الأمر فی الکلّی المشاع فی کلّ جزء جزء من المال یشترکان فی الملکیّة ، و أمّا المعیّن فماهیّته ملکیّة کلّی بدلی فی مال معیّن خارجی کملکیّة صاع من الصبرة علی البدل ، کعموم بدلی لا عموم استغراقی کما فی المشاع .

ص:285


1- 1) البنک اللاربوی / 210 .

و الجدید فی کلام الجواهر إنّما هو إنشاء الشرکة بنحو الکلّی فی المعیّن ابتداءً ، لا أنّه بتبع شیء آخر ، فعلی صحّة ذلک یصوّر السیّد الصدر رحمه الله الصیاغة الثانیة بأن یأذن هذا المودع للبنک فی المضاربة و التعامل بمجموع المال المشترک بهذا النحو من الشرکة . و یشترط المودع علیه أن لو أقدم البنک علی تجارة خاسرة یجب أن یقابل الکلّی المعیّن فی رأس المال مع العوض فی التجارة الخاسرة بنفسه و الخسارة تکون فی غیر الکلّی .

مثال ذلک : البنک له مائة دینار ، و المودع له عشرة دنانیر ، فیقع من البنک فی معاملاته خسارة ، کمأة دینار بثمانین ، و یکون المودع قد اشترط فی بدء الشرکة مع البنک أنّه إذا أقدم علی تجارة خاسرة فالخسارة لا تقسّط ، بل تکون کلّها علی العامل ، و هو البنک ، و إن کان هناک ربح فبالنسبة ، و یهب الباقی له ، و بالتالی لن یکون هناک خسران یتحمّله المودع ، و سوف یشترک فی الربح ، و هذا طریق و حیلة لبقاء الودائع علی حالها .

و الفارق بین الکلّی فی المعیّن و الکلّی الإشاعی هو أنّ الثانی لو لم یجرِ علیه التعاوض و تلف منه شیء یکون التلف بالنسبة من کلا الطرفین - أعنی أصحاب الشرکة - و لو نمی یکون بالنسبة إلی کلا الطرفین أیضاً . و أمّا الأوّل ، فإذا تلف منه شیء لا تسری الخسارة إلی صاحب الکلّی فی المعیّن ، و إنّما تختصّ بصاحب المجموع و إذا نمی یکون النماء لصاحب المجموع ، و لذلک قالوا : إذا تلفت الصبرة و بقی منها صاع ، فالصاع یسلّم لصاحب الکلّی فی المعین .

و أمّا فی التعاوض فقالوا بأنّه یشترک الکلّی الإشاعی مع الکلّی فی المعیّن فی الربح و الخسارة ، أمّا فی الکلّی الإشاعی فواضح ، و أمّا فی الکلّی فی المعیّن فالربح یکون بنسبة الکلّی إلی المجموع ، و کذلک الخسارة .

و لکن قد یقال : ما الفرق بین التعاوض و غیره ، و لِمَ لا یقال فی الکلّی فی المعیّن کالکلّی الإشاعی ، غایة الأمر نماؤه فی الربح بدلیّ ، کما أنّ مقتضی القاعدة فی

ص:286

التعاوض فی الکلّی فی المعیّن أن یکون الربح لصاحب الکلّی بحسب نسبته الکسریّة ، غایة الأمر لیست إشاعیّة ، و هذا غیر ما یریده الصدر رحمه الله ، فلولا الشرط تکون الخسارة علیهما بحسب مقتضی القاعدة ، و بالاشتراط تکون الخسارة علی صاحب المجموع لا علی صاحب الکلّی ، و صیغة الاشتراط أن یقول : إنّ عشرة الدنانیر فی المائة لیس لک أن تعاوضها بغیر العشرة ، بل بها فما زاد .

ففی المعاملة التی یقع فیها خسارة لیس لک أن تعاوضها بأقلّ ، و تکون الخسارة فی مالک لا فی مالی و هذا شرط غیر مخالف للکتاب و السنّة ؛ إذ مآله عدم الإذن فی المعاوضة بنحو معیّن . و أمّا کون أکثر الأرباح للبنک فیمکن تصویرها بتملیک صاحب الکلّی أرباحه بعد تملّکه لها باشتراط کونها ملکاً للبنک مآلاً ، و التعلیق هاهنا فی الشرط لا إشکال فیه ؛ إذ لا إجماع قائم علی بطلانه ، کما ذهب إلی ذلک المحقّق النائینی رحمه الله ، فالشرط هاهنا تملیک صاحب الکلّی مقداراً من الأرباح للبنک معلّقاً علی تملّکه .

و فی هذین الوجهین عدّة من الإشکالات ، بعضها صغروی و الآخر کبروی

أمّا الصغروی منها ، فهو ما ذکرناه فی الحیلة التی ذکرها المرحوم الصدر - فی کتابه کوجه أساسی للتخلّص عن الربا ، حیث قال : « إنّ البنک یکون وکیلاً عن قِبل أصحاب الأموال لإیقاع المضاربة مع أصحاب الأعمال ، فلیس فی البین قرض ، و إنّما هی وکالة فی الأخذ من أصحاب الأموال لإیقاع المضاربة مع أصحاب الأعمال - من أنّه لیس من وکالة متحقّقة فی البین ؛ لأنّ المال المتداول لیس نقدیّاً ، بل الغالب الأکثر فیه هو فی الذمّة و صاحب الأموال لا یعطی النقد للبنک ، فغالب الأموال ذمم مثل الصکّ و الحوالة ، فیتملّک فی ذمّة البنک هذا المقدار ، و علی هذا البنک لا یکون وکیلاً ، بل یکون مدیناً .

هذا فی العلاقة التی بین البنک و أصحاب الأموال أنّها دین لا وکالة فی أعیان الأموال .

و کذلک العلاقة بین البنک و أصحاب الأعمال لیست وکالة فی المضاربة أو عقود

ص:287

جائزة اخری ، و إنّما هی دیون أیضاً ؛ لأنّ أصحاب الأعمال إنّما یتداولون فی أعمالهم بالتعامل علی ذمّة البنک ، و یستوفی البنک لکلّ منهم ممّا له فی حسابه من ذمّة البنک .

و هذه خاصیّة الدین لا الوکالة فی أعیان الأموال ، فالتعامل بعوض فی الذمم لا محالة یکون ذلک العوض وجوده السابق علی المعاملة فی الذمّة من باب الدین و القرض ، فتصویر الودیعة فی کلا الحلّین ممتنع صغرویّاً .

أمّا الإشکالات الکبرویّة فبعضها مبنائی و بعضها بنائی .

1 - إنّه فی الحیلة الاُولی صحّة شرط الضمان فیها مختلفة ، و قد ذکرنا أنّه فی المضاربة یشکل اشتراط الضمان من المالک علی العامل ، و لو بالقسم الثالث أو الرابع من الضمان ، و من المحتمل التزام المشهور بذلک .

2 - إنّ الحیلة الثانیة مبتنیة علی التعلیق ، و سیأتی أنّ مقتضی دلیل بطلان التعلیق شامل للعقود و الشروط .

3 - إنّ فی الحیلة الاُولی تملیک المعدوم ؛ لأنّ البنک فیها لیس عامل المضاربة بل و دعی وسیط بین صاحب المال و عامل المضاربة ، فاشتراط تملیک صاحب المال نمائه للبنک - تملیکاً فعلیّاً - تملیک للمعدوم ؛ لأنّ الأرباح لم تظهر حین التعاقد مع البنک ، مضافاً إلی مخالفتها لقانون ماهیّة المعاوضات - الذی تقدّم ذکره - فتبیّن أنّ الحیلتین نظیر الحیلة الثانیة عشرة یعیق صحّتهما قاعدتا التعلیق و لا تبع ما لیس عندک ، فلا بدّ من البحث عنهما مختصراً .

ص:288

بحث فی التعلیق

و الأقوال فیه مختلفة :

الأوّل : إنّ التعلیق ممتنع عقلاً مطلقاً حتّی فی الوکالة الإذنیّة التی لیست عقداً لعموم المانع العقلی .

الثانی : إنّه ممتنع شرعاً ، و یفصّل بین الشرط و العقد ، فیجوز فی الأوّل دون الثانی ، أو یفصّل بین ما ثبت منعه شرعاً فغیر صحیح و ما لم یثبت فصحیح .

و استدلّ الشیخ الأنصاری رحمه الله علی بطلان التعلیق بوجوه خمسة فی بحث شرائط صحّة العقد(بحث التنجیز)عمدتها الإجماع التعبّدی و الباقیة إمّا غیر تامّة أو تامّة غیر مثبتة للمدّعی مطلقاً ، بل بنحو القضیّة الجزئیّة .

لا بدّ من تحریر محلّ البحث ، هل هو التعلیق فی اللفظ أو هو التعلیق فی المعنی و اللبّ . . . ؟ و التعلیق فی اللبّ هو إناطة الشیء بشیء آخر واقعاً ، و إن لم یبرز باللفظ ، کقوله : « بعتک ما أرِثه من أبی » ، فهاهنا لا تعلیق فی اللفظ بل فی المعنی ؛ إذ لا یتملّک الإرث إلّا بعد موت أبیه ، أمّا التعلیق فی اللفظ فکقوله : « بعتک هذا الکتاب إن کان ملکاً لی » - و هو ملکه واقعاً - أو یقول : « بعتک إن کان الیوم هو یوم الجمعة » - و هذا هو یوم الجمعة - فلیس تعلیق فی المعنی . و مثال اجتماع التعلقین واضح .

و هناک شقوق اخری للتعلیق أیضاً : التعلیق إمّا علی أمر حالی أو استقبالی ، و کلّ منهما إمّا معلوم الحصول أو مجهول الحصول ، کما أنّ التعلیق إمّا فی الإنشاء أو المنشأ - أی المسبّب - أو فی متعلّق المُنشأ ، أی فی مورد الوکالة مثلاً .

ص:289

کما أنّ التعلیق إمّا علی شروط شرطیّتها شرعیّة أو لا ، مثل : « إن کانت هذه زوجتی فهی طالق » ، و الطلاق متوقّف علی الزوجیّة شرعاً بخلاف مثل : « إن کان هذا یوم الجمعة فبعتک ذا بذا » ؛ إذ شرطیّة الیوم لیست من القیود الشرعیّة .

و الوجوه الخمسة من کلام الشیخ رحمه الله هی :

الوجه الأوّل : ما نقله عن الشهید الأوّل و هو منافاة التعلیق مع الجزم .

و تأمّل فیه : بأنّه لا یدلّ علی تمام المدّعی ؛ لأنّه یختصّ بالتعلیق علی أمر مجهول کی یکون غیر مجزوم به ، و أمّا ما کان علی أمر معلوم ، سواء حالیاً کان أم استقبالیّاً ، فلا مجال للتردّد عدم الجزم ، فهو أخصّ من المدّعی .

و فیه إشکال آخر : و هو أنّه مبتنٍ علی اعتبار الجزم فی العقود بقول مطلق ، مع أنّه قد یقال : إنّ الموجب - مثلاً - إذا أوجب البیع ، و علّق إیجابه علی قبول المشتری ، فلا یبعد صحّته مع أنّ فیه نوعاً من التردّد . و کذا لو طلّق امرأته علی أنّها زوجته فهو متردّد أیضاً بهذا المقدار ، بل لو لم یعلّق فی اللفظ و قال هی طالق ، فهو بنفس الدرجة من التردّد و الإذعان .

مع أنّه یمکن أن یقال : إنّ الجزم فی ما نحن فیه موجود ، غایة الأمر جزم معلّق علی شیء ما ، فالبیع من جهة فعلیّته محلّ تردّد ، و أمّا علی تقدیر التعلیق فهو ملتزم به التزام جزمی .

لکنّ الظاهر أنّ الإشکالات الأخیرة لیست فی محلّها . أمّا الإشکال الأوّل فهو و إن کان تامّاً إلّا أنّه لا یضعّف الوجه المزبور ؛ لأنّه مثبت للمدّعی و لو فی الجملة و مقتضٍ للتفصیل . و أمّا الإشکال الثانی بشقوقه فلأنّ الناظر فی التقنین العقلائی و ارتکاز المتشرّعة یجد أنّهم لا یسوّغون الإنشاء مع التردید و الشکّ ، و لا بدّ لدیهم من الجزم ، و النکتة فی شرطیّة الجزم فی العقود امور :

منها : إنّ العقد فعل من أفعال الفاعل المختار و ما لم تصل الإرادة إلی حدّ البتّ و الجزم ، فلا یصدر منه الفعل ، فالأفعال التکوینیّة لا تکون إلّا عن إرادة حتمیّة ،

ص:290

و کذلک الأفعال الاعتباریّة بمقتضی تطابق الاعتبار مع التکوین و المقصود من الفعل الاعتباری لیس هو التلفّظ و الاستعمال ، فإنّه فعل تکوینی لا یقبل التعلیق ، و من ثمّ تطابقت کلماتهم علی استحالة التعلیق فی الإنشاء ، بل المراد من الفعل الاعتباری هو المنشأ ، فإذا لم یکن المتکلّم المنشئ مریداً له بنحو البتّ فلا یصدر منه ، بمعنی أنّ العقلاء لا یعتبرون أنّ الفعل قد أوجد من قبله ، و هذا الوجه لا بأس به فی الجملة ، و سیأتی تتمّة له ترمیماً ، و هو قریب لما ذکره السنهوری فی مصادر الحقّ .

و منها : إنّ التردّد لا یجتمع مع الالتزام و التعهّد المفروض فی العقود و المعاملات ؛ إذ العقود مرکّبة من أمرین :(الصحّة و اللزوم)، و الصحّة هی وجود ماهیّة المعاملة ، و أمّا اللزوم فهو بقاؤها من دون قابلیّتها للانتقاض ، و من البیّن مضادّة التردید - سواء حصل من التعلیق أم غیره - للجزم المأخوذ فی ماهیّة التعهّد و الالتزام ، فالجزم فی العقد ذاتی ، غایة الأمر الجزم معلّق علی شرائط العقد .

أمّا الإشکال الأخیر ، و هو أنّ التعلیق لا ینافی الجزم ، فهو تامّ ، حیث أنّ الموجب یرید جدّاً و بتّاً ماهیّة البیع التی تتقوّم بأرکان منها المعلّق علیه . و الوجه فی ذلک أنّ الموجِب یلتزم بالبیع مع حصول المعلّق علیه فی قوله : « إن جاء زید فبعت هذا بهذا » فهو إنشاء للالتزام ، و لکن مقدّر لا مطلق ، و لذلک تری العرف یلومون الموجِب لو لم یلتزم بما أنشأه کما لو قال : « إن جاء زید فکتابی هذا - الموجود عندک - هدیّة لک » ، ثمّ لم یلتزم الموجِب بذلک ، فإنّه یقال له : « أ لم تعد و تتعهّد بهدیّة الکتاب إذا جاء زید ؟ » و هذا القول منه کاشف عن کون الإنشاء المزبور التزام معلّق و إن کان غیر فعلی محقّق ، کما فی الجعالة(من ردّ عبدی فله کذا)حیث یعلّق التزامه الجدّی علی العمل .

فهذا الإشکال و إن کان تامّاً علی الوجه المزبور ، لکنّه لا یخدش فی الکبری شرطیّة الجزم فی العقود . و علی أی حال ، هذا الوجه بمفرده لا یثبت تمام المدّعی إلّا مع تمامیّة الوجوه الآتیة .

الوجه الثانی : فی بطلان التعلیق هو الإجماع ، و کثیر ممّن ناقش فی الوجوه

ص:291

ارتضی الإجماع التعبّدی ، و أصرّ علیه الشیخ رحمه الله ، و حیث أنّ الإجماع لبّیّ ، فالقدر المتیقّن منه فی غیر الشروط ، و فی الشروط یجوز التعلیق .

و استشکل البعض فی تحقّق الإجماع بعد ما ذکر الفتاوی فی الوکالة - ممّا یظهر منها جواز التعلیق فیها - و بأنّه مدرکی لذِکرهم وجوهاً عقلیّة أو عرفیّة فی بطلانه ، فکونه تعبّدیاً مشکل مع عدم تمامیّة تلک الوجوه .

و لا بدّ من التنبیه علی نکتة لطیفة فی الإجماع ، لا سیّما عند القدماء ، و هی أنّ الإجماع إمّا أن یکون کاشفاً عن السیرة فهو التعبّدی ، و إن لم یکن کاشفاً عن السیرة ، فهو موجب للفحص و التوقّف عن العمل بمقتضی القاعدة أو العمومات إلی أن یستتمّ التتبّع فی أطراف المسألة ؛ لأنّه موجب لمظنّة وجود وجه تامّ قد اعتمدوا علیه ، لا سیّما المنعقد عند الطبقة الاُولی و الثانیة لأنّه یکون منبّهاً علی وجود نکتة و دلیل ، و إن لم یستظهره المتأخّرون ، لا أنّه لم یصل إلی المتأخّرین ففائدته أنّه یلزم بالفحص بنحو أوسع لاستخراج تلک النکتة ؛ لأنّ اتّفاقهم علی شیء بعید جدّاً أن یکون بمحض الصدفة أو متابعة بعضهم لبعض ، و لیس مرادنا من تلک الفائدة أنّه یکون حجّة ، بل المراد کونه منبّهاً و موجباً لحدوث الظنّ و عدم الیأس من العثور علی دلیل فی المسألة ، و بالتالی یکون مانعاً من التمسّک بمقتضی القاعدة أو العمومات ؛ لأنّ حجّیتها مشروطة - کما هو محرّر فی محلّه - باستتمام الفحص و الیأس عن دلیل مقدّم علی العمومات . فتحصّل أنّ الإجماع فی الشقّ الثانی منبّه علی وجود الاستظهار الخاصّ من الدلیل الموجود فی أیدیهم و أیدینا و لو فی مبانٍ اخری .

الوجه الثالث : إنّ الإنشاء المعلّق محال عقلاً ؛ لأنّ الإنشاء إیجاد و لا یمکن فیه التعلیق ، فإنّ الشیء إمّا أن یوجد فعلاً أو لا یوجد .

و أجاب عنه الشیخ رحمه الله بأنّ هذا توهّم بارد ؛ لأنّ الذی نرید أن نعلّقه لیس الإنشاء بمعنی استعمال اللفظ فإنّه تکوینی لا یمکن فیه التعلیق ، فإمّا أن یوجد أو لا یوجد ، بل المراد تعلیق المُنَشإ - کالبیع مثلاً - و کم له من نظیر کما فی الجعالة و الوصیّة .

ص:292

و قیل : إنّ التعلیق فی الإنشاء لیس بمحال نظیر الحرمة المعلّقة فی مثل قوله :

« العصیر العنبی إذا غلی یحرم » ، و نظیر الواجب المشروط حیث تقیّد الهیئة لا المادة .

و لیس من اللازم فی التعلیق ذکره فی اللفظ مثل : « إن جاء یوم الجمعة بعتک » ، بل قوله : « بعتک یوم الجمعة » و إن لم یکن فیه صورة التعلیق لکنّه لبّاً کذلک .

و فیه : أنّه غفلة واضحة ؛ إذ الإنشاء بمعنی استعمال اللفظ لم یقع فیه التعلیق ، بل هو فی المنشأ ، و قولهم : إنّ القید یرجع فی المشروط إلی الهیئة لا یریدون منه نفس التلفّظ بالهیئة ، بل یعنون بذلک المنشأ و مفاد الهیئة کالوجوب ، أمّا المادة فلیست هی المنشأ ، بل متعلّق المنشأ کشرب العصیر .

الوجه الرابع : إنّ ظاهر (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) اللزوم و وجوب الوفاء المنجّز بمجرّد العقد ، و فی موارد التعلیق لا یکون الوجوب منجّزاً ؛ إذ المفروض أنّ البیع لا یلتزم به إلّا بعد حصول المعلّق علیه ، فهناک فاصلة بین العقد و هو الإیجاب و القبول اللفظیّین - و بین وجوب الالتزام ، مع أنّ ظاهر الآیة الشریفة أنّه بمجرّد العقد یجب الوفاء .

و أجاب الشیخ رحمه الله عنه بأنّه إن سلّم ذلک فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا یسلّم فی (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) (1)؛ لأنّ(أَحَلَّ)معناه أنّ البیع سائغ یمضیه الشارع کیف ما انشئ ، منجّزاً أو معلّقاً ، فبعد حصول المعلّق علیه یمضیه الشارع بوجوده المنجّز أو بوجوده المعلّق ، فإن کان یرد هذا الإشکال فی أدلّة اللزوم فلا یرد فی أدلّة الصحّة فی الإنشائیّات ، فإنّ أدلّة الصحّة موضوعها البیع العرفی و الماهیّة العرفیّة لا الوجود الشرعی ؛ إذ لا یمکن أن یصحّح الشارع الوجود الشرعی للماهیّة ، فإنّه تحصیل للحاصل ، بل الشارع یصحّح الوجود العرفی . و هذا بخلاف أدلّة اللزوم ، فإنّ موضوعها الوجود الشرعی للماهیّة ؛ لأنّ الشارع لا یلزم بالماهیّة الموجودة بمجرّد

ص:293


1- 1) سورة البقرة 2 : 275 .

الوجود العرفی من دون أن یعتبرها موجودة لدیه ، و قد نقّح ذلک فی تحقیقات المحقّق الاصفهانی فی حاشیته علی المکاسب ، و إجابة الشیخ رحمه الله ناظرة إلی ذلک ، و من ثمّ قال : بتسلیم الاشکال فی أدلّة اللزوم ، حیث لا بدّ من وجود اللزوم بمجرّد العقد ، فمع عدم وجود الماهیّة عرفاً فی موارد التعلیق لا یتحقّق اللزوم ، هذا بخلاف أدلّة الصحّة ؛ لأنّ الشارع اعتبر و أمضی الماهیّة العرفیّة الموجودة أین ما توجد و لو معلّقاً ، فبعد تحقّق المعلّق علیه یشملها عموم (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) .

و محصّل هذا الوجه أنّ ظاهر الأدلّة تنجّز مفاد العقد و آثاره المترتّبة بمجرّد العقد من دون انفکاک . هذا ملخّص الوجه الرابع ، و ارتضاه الشیخ رحمه الله فی أدلّة اللزوم دون أدلّة الصحّة . و هناک تتمّة ستأتی .

الوجه الخامس : ربّما یکون عبارة اخری عن الوجه الرابع ، و هو أنّ الأدلّة الشرعیّة منصرفة عن العقود التعلیقیّة ، و هذا نظیر الدعوی فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بأنّها تشیر إلی العقود المعهودة ، فإذا استجدّ عقداً جدیداً فلا تشمله .

و ضعّفه الشیخ رحمه الله بأنّ(ال)فی العقود لیست عهدیّة ، بل هی حقیقیّة ، و لذا لو أتی عقد و لم یندرج تحت العقود المعروفة فتشملها (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، و فیه مجال واسع للبحث یأتی .

و هناک بیان آخر للوجه الرابع عن المحقّق النائینی ، و هو أنّ فی العرف و الشرع لیس المعود لدیهم إنشاء العقود معلّقاً ، فالتعلیق علی خلاف المتعارف لدیهم ، و أدلّة اللزوم موضوعها البیع الشرعی ، و موضوع أدلّة الصحّة هو المعاملة العرفیّة بوجودها العقلائی ، کما تقدّم ، و المعاملة العرفیّة و المسبّب عندهم سببه هو المسبّب عند المتعاقدین ، أی أنّ اعتبار ماهیّة المعاملة مثل مبادلة مال بمال - کمسبّب - سببه اعتبار هذا المعنی عند المتعاقدَین ، أی المسبّب فی افق اعتبار المتعاقدَین ، و المسبّب عندهما سببه الإیجاب و القبول ، فهذه مراتب من الأسباب و المسبّبات متوالیة ، فما هو السبب للبیع العرفی هو المسبّب عند المتعاقدَین ، المتولّد من الإیجاب و القبول

ص:294

لا من التعلیق ، و هذا هو مراد النائینی رحمه الله من أنّ العرف لا یعتبر البیع التعلیقی و لا یقنّنه بخلافه فی الجعالة .

و ملخّص الوجوه السابقة أنّه من جهة عقلیّة لا امتناع فی التعلیق ، فالتعلیق ممکن عقلاً و قابل للتصوّر . نعم ، هناک وجه لبطلانه مفاده أنّه خلاف البناء العقلائی و الأدلّة الإمضائیّة(أدلّة الصحّة)، و أنّ موضوع الأدلّة الإمضائیّة هی العقود التنجیزیّة .

و لعلّ ذلک هو مراد القائل فی الوجه الرابع و الخامس من أنّ التعلیق لیس فی نفسه ممتنع ، حیث أنّ التعلیق فی الإنشاء بمعنی المنشأ لا بمعنی استعمال اللفظ غیر ممتنع ، و لکنّه غیر صحیح من جهة اخری ، و هی أنّ العقلاء أو الشارع حیث یضعون الشروط(السبب)الموجدة إلی ماهیّة معاملیّة بحسب الحِکم و المصالح فی الشرائط و فی أرکان العقد ، مثلاً : یقنّنون أنّ العقد لا بدّ أن یشتمل علی الإیجاب و القبول و رضی المتعاقدَین و العلم بالعوضین ، أی أنّ صحّة المعاملة منوطة بتلک الشرائط ، فهاهنا تعلیق فی القانون العقلائی للصحّة علی الشرائط ، و کذلک الحلّ معلّق علی الشرائط الشرعیّة ، و لا یخفی أنّ بین الشرائط الشرعیّة و العرفیّة وجه اشتراک و وجه اختلاف .

فوجه الاشتراک أنّ اعتبار الشرائط عند العرف و الشرع إنّما هی شرائط لاعتبار المعاملة عند کلّ منهما ، لا بمعنی إلغاء العقلاء أو الشرع اعتبار المتعاقدَین حقیقة إذا لم یتوفّر علی الشرائط ؛ إذ اعتبار کلّ معتبر بیده لا بید غیره ، بل مآل هذه الشرائط إلی أنّ العرف و العقلاء لا یعتبرون بیع المتعاقدین و اعتبارهما إلّا بعد توفّره علی الشرائط ، فحینئذٍ یعتبر العقلاء ما اعتبره المتعاقدان ، و معنی اعتبار العقلاء لذلک البیع وجوده فی عالم الاعتبار العقلائی بعد ما وجد فی عالم اعتبار المتعاقدَین الخاصّ ، و کذلک الحال فی اعتبار الشارع بعد توفّر الشرائط الشرعیّة الزائدة علی الشرائط العقلائیّة ، فمآله إلی اعتبار الشارع ما اعتبره العقلاء عند توفّر الشرائط التی اشترطها الشارع ، فهو تصرّف فی اعتباره و تحدید له و اعتبار کلّ معتبِر هو وجود المعتبَر لدیه ،

ص:295

فهو یتصرّف و یقیّد اعتبار المعتبِر لدیه لا الذی لدی غیره ، و بذلک یتّضح أنّ وجود البیع العقلائی مرهون بتوفّر البیع فی افق اعتبار المتعاقدین علی الشرائط العرفیّة ، کما أنّ البیع الشرعی مرهون بتوفّر البیع العرفی علی الشرائط الشرعیّة ، فهی سلسلة اعتبارات و معتبرات متتالیة مترامیة .

و قد قرّر فی بحث الصحیح و الأعمّ أنّ الصحّة فی المعاملات لیست بمعنی التمام ، بل بمعنی الوجود ، و أمّا الفساد فهو بمعنی العدم فی المسبّبات ؛ لأنّ الماهیّة المسبّبیة إمّا تنوجد أولا تنوجد . نعم ، الصحّة فی المعاملات فی الأسباب قابلة للتمام و النقص ، فیقال : الإیجاب و القبول تامّان أو ناقصان ، فالشرائط الشرعیّة أو العرفیّة دخیلة فی وجود تلک الماهیّة لدی الشرع أو العرف .

و بذلک یتّضح أنّ التعلیق و الاناطة علی امور لدیهم لیست اقتراحیّة ، سواء عند الشارع أم عند العقلاء ، و من ثَمَّ إذا تخلّف المتعاقدان عن تلک الشرائط لا یعتبر العرف العقد موجوداً و لا الشرع . فلا بدّ للمتعاقدَین أن یتقیّدا بالطریقة المقنّنة المشرّعة لدی العقلاء کی یعتبره العقلاء بیعاً - مثلاً - و کذلک عند الشرع لکی یعتبره الشرع موجوداً ، و التقنین المزبور لدیهم کما تحتوی علی الشرائط المقرّرة یحتوی علی نفی ما زاد ، أی أنّ شرائط الصحّة هی المعیّنة المقرّرة و لا تناط بشیء وراء ذلک .

فالشرائط المزبورة تامّة السببیّة لإیجاد المسبّب ، فإذا انیط المسبّب بأمر وراء تلک الشرائط - مقترح من المتعاقدین ، مثل مجیء زید - کان ذلک إلغاءً للقانون المقرّر و من قبیل التقنین الجدید غیر المعتبر لدیهم ، فلا یندرج فی اعتبارهم القانونی و لا یعتبرون البیع موجوداً بحسب ما قرّروه من قانون فی المعاملة لا أنّه ممتنع عقلاً ، بل لا یعتبره العقلاء أو الشارع ، و شرائط الصحّة تعنی شرائط الوجود ، فإذا افترض المتعاقدان إناطة وجود البیع بمجیء زید و نحوه فهذا خروج عن التقنین ، و کلمات الأعلام المتقدّمة تکاد تفوح بهذا المعنی إلّا أنّه لم یضبط بعبارة صناعیّة .

فمثلاً عبّر النائینی بأنّه خلاف المألوف ، کذلک من قال إنّه خلاف ظاهر الأدلّة ، و أنّ

ص:296

الأدلّة مفادها العقد المنجّز ، فکلّ هذه العبائر یشیر إلی ما قلناه . و من ثمّ ذهبوا إلی جواز التعلیق علی الشرائط الشرعیّة ؛ لأنّ العقد فی نفسه منوط بها دون الشرائط الشرعیّة أو العرفیّة ؛ لأنّه إناطة للبیع بشیء غیر منوط به فی قانونهم ، فهو تقنین جدید ، و هذا الأمر المعلّق علیه المقترح من المتعاقدین لیس موجداً للبیع العرفی ، مثل : « إن خرجت امرأتی إلی السوق فهی طالق » ؛ إذ لیس منوطاً بخروج المرأة ، بل منوط بکونها زوجة فی طُهر ، و غیرها من الشرائط .

و هذا بخلاف ما لو قال : « إن کانت هند زوجتی فهی طالق » ؛ لأنّ الطلاق منوط بکون المطلّقة زوجة للمطلِّق ، و أمّا الاُمور الاُخری المعلّق علیها المقترحة فإنشاء العقد أو الایقاع بالتعلیق علیها هو جعل لسببیّتها لإیجاد البیع أو الطلاق ، و نفی لتمامیّة سببیّة الإیجاب و القبول . و الحال أنّ الأمر المقترح لیس بموجب للبیع عندهم ، فبذلک یتّضح انّ لا فرق فی البطلان بین التعلیق علی أمر مقترح معلوم التحقّق أو مجهول التحقّق . فیوم الجمعة - مثلاً - لیس سبباً و موجداً للبیع ، و من ثمّ احتیج لصحّة النکاح - المُنشَإ لدی الملل الاُخری - إلی إمضاء زائد من قِبل الشارع بقوله : « لکلّ قوم نکاحاً » ، و معناه : أنّ عندهم للقِران بین الرجل و المرأة أسباباً ینوجد بها النکاح و لا ینوجد بها عندنا لکنّه أمضاها ، و هذا ممّا یدلّل علی اختلاف التقنینات فی أجزاء و شرائط السبب الموجد للمسبَّب ، فالتعلیق علی أمر مقترح کإیجاد النکاح بطریق غیر مقرّر عندنا .

فالنکتة فی بطلان التعلیق لیست فی محذوریّة التعلیق من حیث التعلیقیّة ، و لذلک جوّزوا التعلیق علی الشرائط الشرعیّة الدالّ علی عدم امتناع التعلیق فی نفسه . فلیس مفاد إنّ الشرطیّة مخلّ بالإنشاء ، و کذا سائر أدوات الشرط ، بل المحذور مطویّ فی التعلیق علی أمر لیست المعاملة معلّقة علیه . نعم ، لا بدّ من الإشارة هاهنا إلی أنّ اشتراط الخیار - مثلاً - معلّقاً علی مجیء زید ، فلا إشکال فیه ؛ لأنّ العرف و الشرع جعل المتعاقدین فی فسحة من اشتراط الخیار فی أی فرض شاءا .

ص:297

هذا کلّه فی ما إذا کان الإنشاء بصورة التعلیق لفظاً أو لبّاً ، سواء کان التعلیق علی أمر معلوم التحقّق أو مجهوله ، حالی أو استقبالی .

بقی تقریر آخر : و هو أن لا یأتی بصورة التعلیق ، بل یقول : « بعتک الدار یوم مجیء زید أو یوم الجمعة » ، أی إتیان الشیء المعلّق علیه بصورة الظرف أو القید لا التعلیق .

و قد بحث فیه الأعلام و ذهب النائینی رحمه الله إلی أنّ حکمه کالتعلیق ، و علّل ذلک بأنّ القیود طُرّاً شروط و الشروط طرّاً قیود ، و الجملة الحملیّة ترجع إلی الشرطیّة و بالعکس ، فهذا التقدیر(أی التقیید الظرفی غیر التعلیقی)یرجع إلی التقدیر الأوّل مطلقاً ، و لکنّه لیس بتامّ ، و الوجه فیه أنّ التقیید فی الحملیّة یختلف عن التقیید التعلیقی فی الشرطیّة ، و أنّ الجملة الحملیّة لا ترجع إلی الجملة الشرطیّة التعلیقیّة .

نعم ، الجملة الحملیّة ترجع إلی الشرطیّة التی بصورة الشرط ، و لیست شرطیّة ، و یطلق علیها عند الاُصولیّین بالفرض عند الفرض کالمصدّرة ب(إذا)- الظرفیّة - فهی حقیقة ظرفیّة یعنی فی ظرف مجیء زید یتحقّق الجزاء .

و ذهب غیر النائینی إلی المغایرة بین التقییدین ، و هذا هو الصحیح لاختلافه لبّاً عنه ، إلّا إذا کانت هناک قرائن معیّنة دالّة علی أنّ القید غیر التعلیقی یراد منه القید التعلیقی ، و لکنّه خروج عن البحث و الفرض . و محلّ الکلام فی القید غیر التعلیقی صورة و لبّاً ، فلنا دعویان :

الاُولی : إنّه لیس تعلیقاً ، فلا یُبطل من هذه الجهة .

و الثانیة : إنّ بعض صوره باطل لجهات اخری ، و لا بدّ بیان ضابطة تلک الجهات .

أمّا الدعوی الاُولی : فلأنّ القرض لبّاً لیس تعلیقاً و إناطة للمنشأ ، بل المُنَشإ قد أنشئ بنحو یکون فعلیّاً و إن کان متعلّقه أمراً استقبالیّاً ، فقول الموجب : « أنت وکیلی یوم الجمعة » وکالة فعلیّة متعلّقها مورد فعلٍ یوم الجمعة ، و کذا قول الموجِب : « بعتک الدار یوم الجمعة » نظیر تصریحه « بعتک الآن الدار یوم الجمعة » ، فهو بیع فعلی للدار المحصَّصة بذلک القید .

ص:298

الدعوی الثانیة : إذا لم یکن التقیید المزبور تعلیقیّاً کما أنّه لیس قیداً للماهیّة المعاملیّة و لا لإیقاع المعاملة فلا بدّ أن یکون قیداً لأمر ما ، فالمحقّق النائینی رحمه الله یدّعی أنّه قید لها ، و یرجعه إلی السابق ، و أمّا - بناءً علی ما تقدّم من أنّ الصحیح عدم رجوع الحملیّة إلی الشرطیّة - فهو قید لمتعلّق الماهیّة المعاملیّة لا لنفس الماهیّة الإنشائیّة ، فالقید لا یرجع إلی نفس(آجرت)أو(طلّقت)، بل یرجع إلی متعلّقاته الاُخری .

ففی الموارد التی لیس القید تعلیقیّاً ، أی لیس راجعاً إلی ماهیّة معاملیّة ، بل راجع إلی متعلّق الماهیّة و موردها و موضوعها یتبیّن ثبوت الدعوی الاُولی ، أی أنّ المحذور لیس فی التعلیق ، بل البطلان علی القول به فی بعض الصور هو لمانع آخر ، و هو عدم قابلیّة المتعلّق للتقیید بخلاف ما إذا کان قابلاً لذلک . و هذا محذور آخر غیر التعلیق .

أمّا الضابطة فی بیان قابلیّة المتعلّق للتقیید و التحصیص و عدم قابلیّته فنقول : إنّ الملکیّة لا بدّ أن تنشأ مطلقة غیر مقیّدة بزمان ، فقول الموجب : « هذا ملکک یوم الجمعة » إن عنی ملکیّته لها مضیّقة بیوم الجمعة ، فهذا لا محصّل له ، إلاّ بتضییق السبب للملکیّة بیوم الجمعة و انعدامه یوم السبت ، و أمّا مع فرض وجود السبب بنحو مطلق فلا یُعقل وجود المسبّب بنحو مقیّد ، فالملکیّة تبدأ فی الوجود بوجود سببها لا بقید أو حدّ زمانی وراء وجود السبب .

و الوجه فی ذلک أنّ الأعیان لا تتحصّص فی وجودها الجوهری بالزمان من حیث وجودها الجوهری ، و إن تحصّصت من حیث العوارض ، فلا تتعدّد فی أصل ذاتها بلحاظ الزمان ، و إن تعدّدت فی أوصافها بلحاظه ، و هذا بخلاف باب الإجارة ، فإنّ منفعة العین تتعدّد بتعدّد الظرف الزمانی و بتبعها تکون ملکیّة المنفعة قابلة للتقیید .

ففی إیجاب الإجارة یقول : « آجرتک داری الآن بکذا لسکنی الشهر القادم » ، و کذلک الحال فی الوکالة ، یقول الموجب : « وکّلتک الآن فی فعل کذا یوم الجمعة » ، و أمّا فی نقل الأعیان فالملکیّة مطلقة بإطلاق السبب ، و بإطلاق وجود العین و ملکیّة الأعیان غیر الزمانیّة فلا یمکن تقییدها به بنحو الظرف الزمانی إلاّ بتقیید سببها کما فی التعلیق ،

ص:299

و إلّا فمع وجود السبب بنحو مطلق ، و هو البیع عند المتعاقدین المترتّب علیه البیع العرفی ، و المترتّب علیه الآخر هو البیع الشرعی بنحو مطلق تترتّب علیه ملکیّة الأعیان بنحو مطلق أیضاً ، و کذلک الحال فی بعض الإیقاعات کالطلاق ، کقول الموجب : « زوجتی طالق الآن بطلاق فعلی یوم الجمعة » ؛ لأنّ البینونة غیر قابلة للتقیید بزمان ، بل تنوجد مطلقاً بوجود سببها ، و هو صیغة الطلاق .

فتحصّل : أنّ التقیید فی غیر موارد التعلیق و إن لم یکن باطلاً فی جهة محذور التعلیق - لفرض عدمه - إلّا أنّه قد یشتمل علی محذور آخر ، و تبیّن أنّ محذور بطلان التعلیق لیس عقلیّاً و لا تعبّدیّاً تأسیسیّاً ، و إنّما هو بسبب مخالفة التقنین العقلائی الممضی .

ص:300

قاعدة لا تبع ما لیس عندک
اشارة

و الحدیث النبوی الوارد بذلک ربّما یشکل فی سنده بأنّه من طرق العامّة ، و أسانیده ضعیفة ، و فی روایات الأئمّة علیهم السلام ما یشعر بتخطئة نسبة هذا الحدیث إلی النبیّ صلی الله علیه و آله .

لکن التحقیق أنّ تلک الروایات لیست تخطئة للعامّة فی انتساب هذه الروایة إلی النبیّ صلی الله علیه و آله ، و إنّما هی تخطئة للعامّة فی فهمهم للحدیث ؛ إذ یظهر من العامّة التوسّع فی مفاد الحدیث و الخطئة لهم فی هذه الناحیة .

و أمّا بالنسبة إلی سنده فلم یصحّ الإسناد المتّصل للنبیّ صلی الله علیه و آله لکن یوجد فی الروایات عن الأئمّة علیهم السلام نظیره فی الأبواب المختلفة .

1 - عن محمّد بن القاسم : قال : « سألت أبا الحسن الأوّل علیه السلام عن رجل اشتری من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم ، و کتب علیها کتاباً بأنّها قد قبضت المال و لم تقبضه ، فیعطیها المال أم یمنعها ؟ قال : قل له : لیمنعها أشدّ المنع ، فإنّها باعته ما لم تملکه » (1).

ص:301


1- 1) ب1 / أبواب عقد البیع / ح2 . رواه الشیخ فی التهذیب فی ثلاثة مواضع : 339/6 ، الحدیث 945 و : 351/6 ، الحدیث 996 و : 181/7 ، الحدیث 795 . و السند فی الأوّل مطابق للأصل . و فی الموضع الثانی : أحمد بن محمّد بن عیسی ، عن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن محمّد ، عن محمّد بن القاسم . و فی الثالث : أحمد بن محمّد ، عن البرقی ، عن محمّد بن القاسم ، عن فضیل . و فی الاستبصار 123/3 ، الحدیث 439 هکذا : أحمد بن محمّد ، عن البرقی ، عن القاسم بن محمّد ، عن فضیل .

و هذه لا تدلّ علی القاعدة ؛ لأنّ موردها بیع الفضولی ، و أنّ الشراء من غیر المالک لا یکون صحیحاً لا أنّ بیع المعدوم و ما لا یملکه - و إن لم یکن ملکاً للغیر - باطل :

2 - موثّقة إسحاق بن عمّار : عن عبد صالح علیه السلام ، قال : « سألته عن رجل فی یده دار لیست له ، و لم تزل فی یده و ید آبائه من قبله قد أعلمه من مضی من آبائه أنّها لیست لهم ، و لا یدرون لمن هی فیبیعها و یأخذ ثمنها ؟ قال : ما احبّ أن یبیع ما لیس له .

قلت : فإنّه لیس یعرف صاحبها و لا یدری لمن هی ، و لا أظنّه یجیء لها ربّ أبداً ، قال : ما احبّ أن یبیع ما لیس له .

قلت : فیبیع سکناها أو مکانها فی یده ، فیقول : أبیعک سکنای و تکون فی یدک کما هی فی یدی ، قال : نعم ، یبیعها علی هذا » (1). و هی لا تدلّ علی مضمون زائد علی الروایة المتقدّمة ، و لفظ « ما احبّ » لأنّه لم یملکها ، فالبطلان علی القاعدة .

3 - مکاتبة الصفّار : « رواه الشیخ بإسناده عنه أنّه کتب إلی أبی محمّد الحسن بن علیّ العسکری علیه السلام فی رجل باع قطاع أرضین فیحضره الخروج إلی مکّة و القریة علی مراحل من منزله ، و لم یکن له من المقام ما یأتی بحدود أرضه و عرف حدود القریة الأربعة ، فقال للشهود : اشهدوا أنّی قد بعت فلاناً - یعنی المشتری - جمیع القریة التی حدّ منها کذا و الثانی و الثالث و الرابع ، و إنّما له فی هذه القریة قطاع أرضین ، فهل یصلح للمشتری ذلک ، و إنّما له بعض هذه القریة و أقرّ له بکلّها .

ص:302


1- 1) ب 1 / أبواب عقد البیع / ح5 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن علیّ بن رئاب و عبد اللّه بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار .

فوقّع علیه السلام : لا یجوز بیع ما لیس یملک ، و قد وجب الشراء من البائع علی ما یملک » (1).

4 - صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یشتری الطعام من الرجل لیس عنده فیشتری منه حالاً ، قال : لیس به بأس .

قلت : إنّهم یفسدونه عندنا ، قال : و أی شیء یقولون فی السّلم ؟ قلت : لا یرون به بأساً . یقولون : هذا إلی أجل ، فإذا کان إلی غیر أجل و لیس عند صاحبه فلا یصلح ، فقال : فإذا لم یکن إلی أجل کان أجود .

ثمّ قال : لا بأس بأن یشتری الطعام و لیس هو عند صاحبه و إلی أجل ، فقال :

لا یسمّی له أجلاً إلّا أن یکون بیعاً لا یوجد مثل العنب و البطیخ و شبهه فی غیر زمانه ، فلا ینبغی شراء ذلک حالاً » (2) .

و موردها الشراء الکلّی فی الذمّة الذی لیس له مصداق حالی ، و قد عمّم علیه السلام ما لیس عنده إلی الکلّی الذی لا یوجد ، و هذا هو القدر المتیقّن من مفاد الحدیث ، و أمّا تعمیم مفاده إلی الکلّی غیر المقدور بالإضافة إلی الشخص نفسه فمحلّ تأمّل . فالأوّل کما إذا باع الکلّی حالاً نقداً و لا یوجد فی الخارج ، و الثانی کما فی مطلق بیع الکلّی فی الذمّة .

و القول بعدم الصحّة فی مورد عدم القدرة تعبّدی ؛ إذ ربّما یعتبره العقلاء من باب الدین و قد لا یعتبرونه بیعاً فی موارد عدم وجود الذمّة فی الشخص الضعیف .

5 - روایة سلیمان بن صالح : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن سلف و بیع ، و عن بیعین فی بیع ، و عن بیع ما لیس عندک ، و عن ربح ما لم یضمن » (3) .

ص:303


1- 1) ب 2 / أبواب عقد البیع / ح1 .
2- 2) ب 7 / أبواب أحکام العقود / ح1 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار و عبد الرحمن جمیعاً .
3- 3) ب 7 / أبواب أحکام العقود / ح2 . رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد(فی التهذیب عن محمّد بن أحمد بن یحیی)، عن محمّد بن الحسین ، عن علیّ بن أسباط ، عن سلیمان(الظاهر أنّه المرادی و لم یرد فیه توثیق).

قال صاحب الوسائل : إنّ المراد أنّه لا یجوز أن یبیع شیئاً معیّناً لیس عنده قبل أن یملکه ، و یجوز أن یبیع أمراً کلّیاً موصوفاً فی الذمّة ، و یحتمل الکراهة و النسخ و التقیّة فی الروایة .

أقول : لا تقیّة فیها ، بل إنّما هی تخطئة العامّة فی توسّع مفاد الحدیث مع أنّ کلّ ما کان عن النبیّ صلی الله علیه و آله هو من جوامع الکلم کتشریع أساسی ، فافهم .

و العمدة أنّه لا شاهد علی التقیّة فی البین سوی المعارضة للروایات المجوّزة و المعارضة لیست مستقرّة ؛ لأنّ النسبة عموم و خصوص مطلقاً ، فهذا العموم مطلق و تلک المجوّزة خاصّة .

و« ما لیس عندک » یعنی ما لیس تقدر بالقدرة الجامعة بین الشرعیّة و العرفیّة ، و قد اختاره الشیخ رحمه الله ، و هذا هو الاحتمال الأوّل ، و هذا الصحیح .

و قیل بأنّ « ما لیس عندک » یعنی ما لا یکون حاضراً لدیک ، و هذا قول العامّة ، و هو الاحتمال الثانی فی تفسیر العبارة .

و احتمل فی معناه ثالثاً أنّه ما لا تملک ، و أمّا إذا ملّکته فبعه ، و إن لم تقدر علی التسلیم ، و ردّ الشیخ هذا الاحتمال بصحیحة عبد الرحمن الدالّة علی أنّه لا ینبغی أن یبیعه حالاً مع أنّه مالک ، إلّا أنّه لا یقدر علی تسلیمه ، و قد عبّر فیها ب « ما لیس عنده » لا ب « ما لیس له » ، و إلّا لکان الأوْلی التعبیر بالثانی ، و الأوّل تعبیر عن غیر الملک .

و احتمل رابعاً فی معناه بما لا یقدر علیه عرفاً ، أی لا بدّ من القدرة العرفیّة و إن لم یملکه شرعاً ، و هذا أیضاً لا یمکن الالتزام به ؛ لثبوت صحّة البیع فی موارد عدیدة منصوصة مع عدم القدرة علیه عرفاً کالعبد الآبق و مع الضمیمة و غیرها . و المحقّق النائینی رحمه الله ادّعی أنّ الموجود فی الروایات بیع العین الشخصیّة التی لا یملکها الدلّال فیبیعها ، ثمّ یذهب إلی صاحبها و یشتریها منه ثمّ یعطیها المشتری ، و الظاهر أنّ نظره إلی الروایات الموجودة فی الباب الثامن من أبواب أحکام العقود التی ستأتی ، فإنّ موردها العین الشخصیّة التی لیست علی ملک البائع - الدلّال - یبیعها ،

ص:304

ثمّ یذهب و یشتریها من صاحبها .

و أمّا بالنظر إلی صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج فی الباب السابع من تلک الأبواب ، فالظاهر أنّ الکبری طبّقت فی مورد الکلّی ، فلا حاجة للنقض و الإبرام عن کیفیّة استحصال الاطلاق فی الروایات .

و الروایة الاُولی فی الباب السابع تعرّضت لنفی تفسیر « عندک » بمعنی الحضور الذی بنی علیه العامّة ، و أنّ هذا المعنی و المعنی الثالث - أی تفسیر(عندک)بالملکیّة فقط - غیر صحیح . و کذلک المعنی الرابع - و هو تفسیر للزوم العندیّة بمعنی القدرة و السلطنة العرفیّة و إن لم تکن ملکیّة شرعاً .

6 - صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الرجل یجیئنی یطلب المتاع فاُقاوله علی الربح ، ثمّ اشتریه فأبیعه منه ، فقال : أ لیس إن شاء أخذ و إن شاء ترک ؟

قلت : بلی ، قال : فلا بأس .

قلت : فإنّ من عندنا یفسده ، قال : و لِمَ ؟

قلت : قد باع ما لیس عنده ، قال : فما یقول فی السلم قد باع صاحبه ما لیس عنده ؟

قلت : بلی ، قال : فإنّما صلح من أجل أنّهم یسمّونه سلماً إنّ أبی کان یقول : لا بأس ببیع کلّ متاع کنت تجده فی الوقت الذی بعته فیه » (1).

« فاُقاوله » أی هی مقاولة فقط و لیس هو الإیجاب و القبول علی البیع . و المقصود منه أنّ فی بیع العین الشخصیّة قبل تملّک الدلّال لها لا یصحّ أن یبیعها من المشتری ، فحینئذٍ إذا تقاول علی تلک العین الشخصیّة لا یواجبه البیع - أی تکون مقاولة مجرّدة - فیبقی فی تلک المقاولة للمشتری حقّ الاختیار و الانتخاب فی ما إذا اشتری الدلّال

ص:305


1- 1) ب 7 / أبواب أحکام العقود / ح3 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .

تلک العین ، فیشتریها أو لا یشتریها . و البیع فی ما بعد الشراء یعنی بعد تملّک البائع ، و هذا واضح فی التطبیق علی العین الشخصیّة .

أمّا قوله : « فإنّ من عندنا یفسده » لعلّ فیه نوع تدافع مع فرض السائل ؛ لأنّ صدر الروایة فی العین الشخصیّة ، و لم تکن فی المقاولة مواجبة البیع کی یقول الراوی « عندنا یفسده » ، و ظاهر الذیل غیر مرتبط بالصدر ؛ لأنّه من باب بیع الکلّی ، فیحتمل فیه التقطیع و نوع من التلصیق بین الروایتین . و أمّا قوله فی الذیل : « لا بأس ببیع . . . » ، فیستفاد منه تقریر صدور النبوی لا نفیه ؛ لأنّ ما ذکره علیه السلام تفسیر لتضییق قاعدة ما لیس عندک فهو علیه السلام لا ینفی صدورها ، بل ینفی توسعتها ، و أنّ المدار فی صحّة البیع علی وجدان المبیع و وجدان کلّ شیء بحسبه و العندیّة لیس بمعنی الحضور ، بل بمعنی الوجدان ، و« لا تبع ما لیس عندک » أی ما لا تجده و ما لا تقدر علی تسلیمه .

7 - صحیحة أبی الصباح الکنانی : عن الصادق علیه السلام فی رجل اشتری من رجل مائة مَنّ صفراً بکذا و کذا ، و لیس عنده ما اشتری منه ، قال : لا بأس به إذا وفّاه الذی اشترط علیه » (1).

« صفراً بکذا و کذا » ، أی بیع الکلّی .

و« لیس عنده » ، أی لیس المبیع حاضراً .

و« لا بأس به » إذا قدر علی الوفاء بنفس الکلّی ؛ إذ لیس المدار علی الحضور ، بل المدار علی القدرة علی التسلیم .

« و الذی اشترط علیه » هو البیع ؛ لأنّه مشارطة یشترط البائع علی نفسه تسلیم المبیع ، و یشترط المشتری علی نفسه تسلیم الثمن .

و لذلک استدلّ السیّد الیزدی رحمه الله علی لزوم البیع بقوله صلی الله علیه و آله : « المؤمنون عند شروطهم » ؛ لأنّ المشارطة لیست فی خصوص الشرط دون العقد . نعم ، الشروط

ص:306


1- 1) ب 7 / أبواب أحکام العقود / ح4 . رواه الصدوق بإسناده عن أبی الصباح الکنانی .

الابتدائیّة غیر مشمولة بمعنی الشرط الواحد المجرّد بخلاف الشرط الذی یرتبط بشرط آخر کالعقود ، و الشرط هو بمعنی العهد و الالتزام و العقد ربطة و عقدة الالتزامین فیشمله قوله صلی الله علیه و آله : « المؤمنون عند شروطهم » ، و قد ورد التعبیر عن العقود بالشروط کثیراً فی الروایات ، و عنوانها لا یشمل الشروط الابتدائیّة .

و فی هذه الروایة تصریح بأنّ العندیّة بمعنی القدرة علی الوفاء لا بمعنی الحضور و تصریح بأنّ القاعدة لا تختصّ بالعین الشخصیّة بل تشمل العین الکلّیة أیضاً ، و أنّ المدار علی الوجدان لا علی الحضور ، حیث أنّ الفرض فیها « مائة مَنّ » کلّی ، و لو کانت القاعدة مختصّة بالعین الشخصیّة - دون الکلّیة - لعلّل علیه السلام بالاختصاص بینما إجابته علیه السلام بالصحّة لتوفّر القدرة علی الوفاء .

و من الغریب أنّ عدّة من أعلام محقّقی محشّی المکاسب استشکلوا بعدم عموم القاعدة للعین الکلّیة مع أنّ هذه الروایات واضحة الدلالة فی التعمیم ، و لعلّ نظرهم إلی الباب الثامن الآتی ، و استدلّ بعضهم علی التعمیم بروایة عامّیة وقع فی طریقها حکیم بن حزام و غیره ، و لا حاجة إلیها بعد وجود مضمونها فی روایاتنا .

8 - حدیث المناهی : رواه الصدوق بإسناده عن شعیب بن واقد و الحسین بن زید عن الصادق علیه السلام ، عن آبائه فی مناهی النبیّ صلی الله علیه و آله ، قال : « و نهی عن بیع ما لیس عندک ، و نهی عن بیع و سلف » (1).

و بهذا المقدار من الروایات ثبت أنّ القاعدة شاملة للکلّی و الشخصی ، و أنّ المدار علی القدرة - أی المعنی الأوّل - کما فی صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج الثانیة (2)و روایات الباب الثامن الآتیة أیضاً کلّها نافیة للمعنی الرابع ، و أنّ المدار لیس علی القدرة العرفیّة .

ص:307


1- 1) ب 7 / أبواب أحکام العقود / ح5 . ضعیفة لشعیب بن واقد و الحسین بن زید .
2- 2) ب 7 / أبواب أحکام العقود / ح3 .

9 - صحیحة عبد اللّه بن سنان : « عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن تبیع الرجل المتاع لیس عندک تساومه ثمّ تشتری له نحو الذی طلب ثمّ توجبه علی نفسک ثمّ تبیعه منه بعد » (1).

و« تساومه » کمورد للروایة تعریض بالعامّة ؛ إذ المساومة لیست هی مبایعة و مواجبة ، فهی تفسّر کلمة « تبیع » فی صدر الروایة .

و« المتاع » یستعمل فی العین الشخصیّة لا الکلّیّة .

و یظهر منها أنّ المتاع الذی لیس فی ملک البائع الخاصّ الشخصی لا یصحّ بیعه ، حیث أنّه علیه السلام فی مقام التحدید لا فی مقام بیان صحّة خصوص هذا المصداق و السکوت عن المصادیق الاُخری ، بل إنّ ذکر هذا المصداق هو لأجل نفی الطرق الاُخری ، أی إنّه إذا اشتری ثمّ باعه فلا بأس به بخلاف ما لو باعه ثمّ اشتراه ، فلا بدّ من الشراء و التملّک أوّلاً ثمّ البیع ، و إن کانت هناک قدرة عرفیّة علی الشیء قبل شرائه ، فحیث أنّه غیر مملوک شرعاً فلا یصحّ بیعه ، و بهذه الصحیحة ینفی المعنی الرابع فی مفاد القاعدة .

إن قیل : هل هناک مغایرة بین الکلّی و الشخصی ؟ و أنّ الشخصی لا بدّ من تملّکه أوّلاً ثمّ یجوز بیعه و إن کانت قدرة عرفیّة علیه موجودة قبل التملّک فتشترط الملکیّة شرعاً فی بیع الشخصی بخلاف الکلّی ، حیث یجوز بیعه فی الذمّة ثمّ یشتری مصداقه فیوفّی بیعه .

فیقال فی الجواب

إنّه لا مغایرة بینهما ، بل فی الکلّی أیضاً لا بدّ من الملکیّة الشرعیّة و القدرة العرفیّة ، غایة الأمر أنّ فی الکلّی لم یقع البیع علی المصداق ، و الحادث بعد الشراء هو الملکیّة

ص:308


1- 1) باب 8 / أبواب أحکام العقود / ح1 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن عبد اللّه بن سنان .

شرعاً للمصداق لا حدوث الملکیّة للکلّی ؛ إذ کلّ شخص مالک لذمّته فی الکلّیات ، و البائع ملّک ما فی ذمّة المشتری ، أی ملّک ما یملکه . غایة الأمر لا بدّ من القدرة علی ما فی الذمّة و هی متحقّقة بإمکان تحصیل المصادیق .

فمفاد القاعدة متّحد فی الکلّی و الشخصی و مأخوذ فیه کلّ من الملکیّة شرعاً و القدرة العرفیّة .

غایة الأمر فی الکلّی الملکیّة شرعاً باعتبار الذمّة التی هی تحت سلطنته تکویناً ، فهی مملوکة له ، و من ثمّ نبّه فی صحیحة أبی الصباح و ابن الحجّاج اللّتین موردهما بیع الکلّی علی لابدیّة القدرة العرفیّة ، و أمّا فی روایات العین الشخصیّة فالقدرة حیث کانت مفروضة لوجود العین خارجاً نبّه علیه السلام علی قیدیّة الملکیّة شرعاً .

10 - صحیحة عبد اللّه بن سنان : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یأتینی یرید منّی طعاماً أو بیعاً نسیئاً و لیس عندی أ یصلح أن أبیعه إیّاه و أقطع له سعره ، ثمّ اشتریه من مکان آخر فأدفعه الیه ؟ قال : لا بأس به » (1).

و هذا فی الکلّی ، و ما دام الکلّی یقتدر علی تحصیل مصادیقه فلا بأس به ، تعریضاً للمعنی المتوهّم عند العامّة من لزوم الحضور و أنّ الحضور لیس شرطاً .

11 - صحیحة حدید بن حکیم : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : یجیء الرجل یطلب منّی المتاع بعشرة آلاف درهم أو أقلّ أو أکثر و لیس عندی إلّا ألف درهم ، فاستعیره من جاری ، فآخذ من ذا و من ذا ، فأبیعه ثمّ اشتریه منه أو آمر من یشتریه فأردّه علی أصحابه ، قال : لا بأس به » (2) .

ص:309


1- 1) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح2 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن ابن سنان .
2- 2) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح3 . رواه الشیخ عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن موسی بن بکر ، عن حدید بن حکیم والد علیّ بن حدید .

12 - عن خالد بن الحجّاج : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الرجل یجیء فیقول :

اشتر هذا الثوب و اربحک کذا و کذا ، قال : أ لیس إن شاء ترک و إن شاء أخذ ؟

قلت : بلی . قال : لا بأس به إنّما یحلّ الکلام و یحرّم الکلام » (1).

و مفاده یردّ المعنی الرابع لأنّه قیّد وقوع البیع بما بعد تملیک العین الشخصیّة ، و لم تتمّ مواجهة قبل وجدان البائع العین الشخصیّة .

13 - معتبرة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یأتینی و یطلب منّی بیعاً و لیس عندی ما یرید أن ابایعه به إلی السنة ، أ یصلح لی أن اعدّه حتّی اشتری متاعاً فأبیعه منه ؟ قال : نعم » (2) .

و هذه و إن کان موردها الکلّی و لکن إثبات الشیء لا ینفی ما عداه لکون السائل قد اقتصر علی خصوص هذا السؤال .

14 - صحیحة منصور بن حازم : عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی رجل أمر رجلاً یشتری له متاعاً فیشتریه منه ، قال : لا بأس بذلک ، إنّما البیع بعد ما یشتریه » (3) .

15 - صحیحة معاویة بن عمّار : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : یجیئنی الرجل یطلب بیع الحریر و لیس عندی منه شیء ، فیقاولنی علیه و اقاوله فی الربح و الأجل حتّی نجتمع علی شیء ثمّ أذهب فاشتری له الحریر فأدعوه إلیه .

فقال : أ رأیت إن وجد بیعاً هو أحبّ إلیه ممّا عندک أ یستطیع أن ینصرف إلیه و یدعک

ص:310


1- 1) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح4 . رواه الشیخ عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن یحیی بن الحجّاج ، عن خالد بن الحجّاج ، « و فی الکافی : خالد بن نجیح » ، و کلاهما مهملان .
2- 2) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح5 . رواه الشیخ عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه .
3- 3) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح6 . رواه الشیخ عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم .

أو وجدت أنت ذلک أ تستطیع أن تنصرف إلیه و تدعه ؟ قلت : نعم ، قال : فلا بأس » (1).

16 - صحیحة محمّد بن مسلم : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « سألته عن رجل أتاه رجل فقال : ابتع لی متاعاً لعلّی أشتریه منک بنقد أو نسیئة ، فابتاعه الرجل من أجله .

قال : لیس به بأس إنّما یشتریه منه بعد ما یملکه » (2) .

17 - صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن العینة فقلت : یأتینی الرجل فیقول : اشتر المتاع و اربح فیه کذا و کذا ، فأُراوضه علی الشیء من الربح فنتراضی به ، ثمّ انطلق فأشتری المتاع من أجله لو لا مکانه لم أرده ، ثمّ آتیه به فأبیعه فقال : ما أری بهذا بأساً لو هلک منه المتاع قبل أن تبیعه إیّاه کان من مالک ، و هذا علیک بالخیار إن شاء اشتراه منک بعد ما تأتیه و إن شاء ردّه ، فلست أری به بأساً » (3) .

18 - عن عبد الحمید بن سعد : قال : « قلت لأبی الحسن علیه السلام : إنّا نعالج هذه العینة ، و ربّما جاءنا الرجل یطلب البیع و لیس هو عندنا ، فنساومه و نقاطعه علی سعره قبل أن نشتریه ، ثمّ نشتری المتاع فنبیعه إیّاه بذلک السعر الذی نقاطعه علیه لا نزید شیئاً و لا ننقصه ، قال : لا بأس » (4) .

و هذه الروایات الخمس الأخیرة قد تقدّم بیان مفادها فی ذیل الروایات السابقة علیها .

ص:311


1- 1) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح7 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن معاویة بن عمّار .
2- 2) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح8 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن حمّاد ، عن حریز و صفوان ، عن العلاء جمیعاً ، عن محمّد بن مسلم .
3- 3) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح9 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .
4- 4) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح10 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن عبد الحمید بن سعد .

فتحصّل من کلّ هذه الروایات أنّ القاعدة ثابتة سنداً ، و أنّ مفادها هو الاحتمال الأوّل الذی اختاره الشیخ الأنصاری - لا المعنی الثالث الذی تمایل إلیه المحقّق الایروانی رحمه الله - و ذلک لدلالة نفس الروایات ، و أنّ التعبیر بالعندیّة فیها کنایة عن القدرة .

فائدة : لیس المراد فی کثیر من الروایات المصداق المنسبق من المعنی اللغوی ، بل یراد منها مصداقه الأوسع أو الخفی أو الکنائی . ف(العندیّة)فی التصوّر الحسّی هو الحضور المکانی ، و أمّا فی عالم الاعتبار فهی بمعنی مطلق القدرة و الوجدان ، کما أنّ فی قوله صلی الله علیه و آله : « عند ربّی » لیس المراد منه المکان ، و(العندیّة)هی مطلق الحضور .

و نظیره ما ورد فی الباکر حیث یشترط فی صحّة العقد علیها رضی أبیها ، و أکثر الفقهاء لا یذهبون فی معنی الباکر بأنّها « مَن لها بکارة » و إن کان هو المنسبق من معناه اللغوی ، و إنّما الباکرة هی التی لم تتزوّج .

فإذا تزوّجت و إن لم یفضّها الزوج فتکون ثیّبة ، فإن طلّقت ففی الزواج الثانی لا تحتاج إلی الإجازة ، فالتی تری الزوج لا یقال لها(باکرة)، و کذلک العکس لو افتضّت بکارتها لمرض قبل الزواج ، فإنّه یقال لها :(بکر)، و نظیره کثیر فی عناوین الموضوعات فی الأحکام الواردة فی الروایات ، فإنّه لا یراد بها المعنی المنسبق من اللغة ، بل المراد بها المعنی الکنائی .

ثمّ إنّه بعد ثبوت هذه القاعدة قد استدلّ الفقهاء بها علی لزوم القدرة علی التسلیم فی البیع فی ظرف الاشتراط ، و قد تقدّم أنّ هذه القاعدة لیست مختصّة بالعین الشخصیّة ، بل تعمّ العین الکلّیة .

و إنّ هذه المفاسد لیست إرشاداً محضاً إلی البناء العقلائی ، بل متضمّنة لتعبّد زائد ، و الوجه فی ذلک أنّ بین هذه القاعدة الشرعیّة و البناء العقلائی موارد اشتراک و افتراق .

فمن موارد الاشتراک و التطابق أنّ من لیس عنده بعض المبیع کمن لا یقتدر علیه أبداً عندهم ، و أمّا موارد الافتراق فمنها من یستطیع تحصیل المبیع فی ما بعد مدّة و لا یستطیع علیه الآن ، کأن یبیع عشرة أکیال من البطیخ - الذی لا یوجد فی الشتاء -

ص:312

ففی البناء العقلائی یعتبرونه مدیناً و بحسب القاعدة یعتبر البیع باطلاً ، کما هو مفاد الروایات : « لا تبع ما لیس عندک » حالاً ، و أمّا بیعه مؤجّلاً و نسیئة فلا بأس به ؛ لأنّه قادر علی التسلیم ، فالقاعدة مزیج من التأسیس التعبّدی و الإمضاء .

و قد تقدّم أنّ المضاربة عند جماعة ، منهم السیّد الخوئی رحمه الله ، لیست علی مقتضی القاعدة لأنّها إمّا من باب تملیک ما لیس عنده أو التعلیق فی التملیک ، و قد أشکل علیه بأنّ قاعدة لا تبع ما لیس عندک إشارة إلی البناء العقلائی و لیست زائدة علیه ، و لیس فیها تأسیس جدید ، و لکن بیّناه فی مفاد الروایات ظهر أنّ هذا الإشکال لیس فی محلّه ، بعد فرض عموم القاعدة و شمولها لغیر البیع ، و أنّ مضمون القاعدة لیس إرشادیّاً .

و قد أنجز الکلام فی الجهات التالیة : الاُولی : فی سند الروایة . الثانیة : فی مفادها . الثالثة : فی عموم القاعدة للکلّی و الشخصی . الرابعة : فی أنّها تعبّدیّة بمعنی التعدیل للبناء العقلائی لا أنّها تأسیس من رأس .

و کلّ ذلک کان مقدّمة للبحث عن الجهة الخامسة ، و هی تعمیم القاعدة إلی غیر البیع ، و أنّها تختصّ بالبیع أو تعمّ کلّ ما فیه التملیک ؟ فالتعبیر ب « لا تبع » یراد به خصوص البیع أو مطلق التملیک ؟ و نظیر هذا البحث عُقد فی قاعدة الغرر ، حیث أنّ مدرکها : نهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن بیع الغرر ، و أنّ النهی عن الغرر هل هو یعمّ کلّ العقود أو یخصّ البیع ؟

قد یستظهر التعمیم کما تمایل إلیه السیّد الخوئی رحمه الله ، و نسب إلی کثیر من کلمات الفقهاء - و قد ذکرها الشیخ رحمه الله فی المکاسب - أنّها فی البیع ، بل و فی کلّ المعاوضات ، و إنّما بحثوها فی البیع و بنوا علیها فی غیره و ذلک لوجوه :

1 - کون البیع بمعنی التملیک ، و قد عرّف بذلک فی اللغة ، غایة الأمر قیّد بتملیک الأعیان ، فالبیع فی الحقیقة تملیک خاصّ ، و هو الواقع علی العین ، فمن هذه الجهة تشترک معه عدّة ماهیّات معاملیّة متضمّنة للتملیک الواقع علی العین .

نعم ، الصلح قد یقع علی عین یتضمّن التملیک ، و لکنّه بالذات لیس تملیک

ص:313

العین ، بل هو تسالم علی ملکیّة العین ، فإذن البیع لیس شیئاً غیر التملیک ، فالعبور عن النوع إلی الجنس لیس مستبعداً ، فإذا کان البیع تملیک العین فهذا المعنی متحقّق فی بقیّة العقود و إن لم تکن بیعاً فالهبة تملیک عین بلا عوض ، و لا بُعد فی إلغاء خصوصیّة کون التملیک بالعوض ؛ لأنّ الوصف فی القاعدة یشعر بالعلّیّة و هو لزوم العندیّة ، و هو مناسب لحیثیّة التملیک فی البیع الذی هو بمثابة الجنس لا الصورة النوعیّة لمجموع البیع ، لا سیّما أنّ البیع فی مقابل الشراء یعرّف بتملیک العین من طرف و الشراء بتملّک العین بعوض ، فشرطیّة(العندیّة)مناسبة للتملیک المأخوذ فی البیع بمثابة الجنس .

2 - إنّه قد استعمل فی الروایات کثیراً لفظ(البیع)فی الإجارة ، و ذهب جماعة من الفقهاء ، کالآخوند رحمه الله إلی أنّ الإجارة أیضاً تملیک عین علی وجه مخصوص ، أی لینتفع بها فقط لا لینقلها أو لیبقیها کالبیع فی قبال التعریف الآخر فی الإجارة بأنّها تملیک المنفعة ، و الاستشهاد یتمّ علی کلا القولین ، فالإجارة إمّا بیع خاصّ أو تملیک المنفعة ، و قد استعمل لفظ البیع فیها ، فإنّ البیع یکون کنایة عن التملیک فی الثانی و استعماله حقیقی علی الأوّل .

3 - عموم عنوان الموضوع(ما لیس عندک)الذی هو إمّا بمعنی ما لیس بمالک شرعاً ، أو ما هو غیر قادر علی تسلیمه ، و لیس فی ذلک نفی کون البیع هو أبرز طرق التملیک و أقواها ، فإنّه قطع رقبة العین کاملاً ، بل المراد أنّ البیع و إن کانت له خصوصیّة و أهمّیة بالنسبة إلی غیره ، و لکنّ الظاهر من الروایات أنّ مدار النهی عن البیع لکونه غیر مالک شرعاً أو غیر قادر علی تسلیمه ، و أنّ حکمة النهی لا علّته هی قطع النزاع بالضمان القانونی من نفس شرائط المعاوضة لتأمین الوفاء بالعوض ؛ إذ القواعد الشرعیّة الواردة فی المعاملات لیست تعبّدیّة محضة (1)، و إنّما هی قواعد

ص:314


1- 1) للتعبّد اصطلاحات : تارة بمعنی ما لم یعلم ملاکه ، و تارة بمعنی ما یلزم به الشرع ، ل لا و اخری بمعنی ما یؤسّسه الشرع ، و اخری بمعنی ما یمضیه الشرع .

مزیجة بالإمضاء ، فهی معلومة الحکمة و الملاک فی الجملة . و نفس الحکمة قد تکون قرینة حالیّة لنفس الدلیل الوارد بشکل معتدّ به ، فلیس من القیاس أو المجازفة و لا التخرّص دعوی التعمیم ، و یدلّل علی هذه القرینة فی الروایات ما ورد : « إذا وفّاه الذی اشترط علیه » أو « إذا قدر علی الذی وفّاه » یعنی القدرة ، و کذا « لا ینبغی أن تبیع ما لا تجد » ، و کلّ هذه التعابیر مشعرة بالتعلیل و التعمیم ، فدعواه غیر بعیدة .

4 - کون هذه القاعدة فی الجملة عقلائیّة فی حدود عدم القدرة العرفیّة ، فإنّهم لا یعتدّون بتملیک ما لا قدرة علیه أو علی الوفاء به ، فلا یعتبرون المعاوضة موجودة حینئذٍ و وجود المعاملة فی اعتبار العقلاء موضوع أدلّة الصحّة .

الجهة السادسة : هل مفاد القاعدة الشرطیّة فی الصحّة التأهّلیّة للبیع و المعاملات أو فی الصحّة الفعلیّة ؟

قد استدلّ بهذه القاعدة و أدلّة اخری علی اشتراط القدرة علی التسلیم فی ظرفه لا فی ظرف البیع ، و من عمدة ما استدلّ به علی ذلک قاعدة نفی الغرر عن البیع . و ذکروا أنّ من شرائط صحّة العقد نفی الغرر و الشرط المزبور نفی للغرر ، و مقتضی ذلک أنّ الشرط المزبور لیس شرطاً للصحّة الفعلیّة فقط ، بل هو مفسد للبیع ؛ إذ البیع الغروی لا یمکن تصحیحه .

إذ فی البیوع و المعاملات نمطان من الشروط : شروط لا بدّ أن تقع کی یصحّ البیع ، فلو أوقع من دونها یکون فیه تأهّل الصحّة دون الصحّة الفعلیّة ، فیقال عن تلک الشروط شروط الصحّة الفعلیّة ، أی شروط فعلیّة صحّة البیع لا شروط أصل ماهیّة البیع ، مثلاً : القبض فی الهبة أو الرهن أو القرض ، لو انشئ العقد فیها من دون قبض لا یکون صحیحاً فعلاً ، و لکنّه قابل للتصحیح إذا انضمّ إلیه القبض بخلاف ما لو أوقع البیع علی عین مجهولة لا یمکن تصحیحه و لو حصل العلم بمواصفات العین بعد ذلک .

ص:315

فبعض الشروط یقال هی شروط لتأهّلیّة البیع ، فضلاً عن الصحّة الفعلیّة(أی شروط الماهیّة)، و بعض الشروط شروط وجود البیع ، و الشروط المأخوذة فی تأهّلیّة البیع لا یمکن فیها فرض تبدّل الحال إذا لم یقع البیع واجداً لها خالیاً عن الموانع من ذلک النمط ، فلا بدّ من إنشاء بیع آخر جدید و بیع الغرر من هذا القبیل .

نعم ، قیل : إنّ الغرر لیس من موانع أصل الصحّة التأهّلیّة للبیع ، بل عدمه من شرائط الوجود الفعلی ، لکنّ القائل به شاذّ ، و حینئذٍ نقول : إنّ فی مفاد « لا تبع ما لیس عندک » قولین :

الأوّل إنّها من شروط الوجود ، و الآخر إنّها من شروط الصحّة التأهّلیّة ، فلو باع ما لیس عنده فلا یصحّ البیع ، و لو ذهب و اشتراه و صار عنده فلا بدّ من تجدید البیع بخلاف من یقول إنّها من شرائط الوجود نظیر القبض فی الهبة لو لم یتحقّق ثمّ وجد ، فحینئذٍ لا مانع من الصحّة الفعلیّة . و الظاهر أنّ « لا تبع » من الشروط التأهّلیّة لا من الشروط الوجودیّة ، و إن ذهب الشیخ ؟ ؟ إلی کونه من الشروط الوجودیّة ، و استشهد بموارد متعدّدة صحّح البیع فیها مع کون البیع حین الإنشاء غیر متوفّر علی هذا الشرط ، و لم یکن عند البائع ثمّ بعد ذلک وجد فصحّح البیع ، و لکنّ الصحیح أنّه من الشروط التأهّلیّة وجهه أنّه لو کان من قبیل شروط الوجود لکان علی مقتضی القاعدة أن یصحّ إذا وجد ، فکان من اللازم تنبیهه علیه السلام علی ذلک بینما إطلاق النهی فی الروایات مفاده خلاف ذلک نظیر ما فی صحیحة عبد اللّه بن سنان : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال :

« لا بأس بأن تبیع الرجل المتاع لیس عندک تساومه ثمّ تشتری له نحو الذی طلب ثمّ توجبه علی نفسک ثمّ تبیعه منه بعد » (1).

فلو کان من الشروط التأهّلیّة لتعیّن أن یقول علیه السلام : « لو بعته قبل أن تشتری ثمّ اشتریته

ص:316


1- 1) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح1 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن النضر ، عن عبد اللّه بن سنان .

فقد وجب البیع » ، و لا یحصر علیه السلام وقوع البیع بما إذا أنشأه بعد الحصول علی المبیع ، فقصر وقوع البیع و إنشاؤه علی ما بعد حصوله علی الشراء ظاهر فی أنّ الإنشاء السابق لا اعتبار به .

و صحیحة منصور بن حازم : عن أبی عبد اللّه علیه السلام « فی رجل أمر رجلاً یشتری له متاعاً فیشتریه منه .

قال : لا بأس بذلک ، إنّما البیع بعد ما یشتریه » (1).

و ربّما یستظهر منها إرادة البیع الفعلی ، و لکن تقیید وقوع البیع بذلک لا أصل ماهیّة البیع خلاف الظاهر ، و المنساق الأوّلی هو أنّ ماهیّة البیع لا تُنشأ و لا توجب إلاّ بعد ما یشتری ، و لو رفعنا الید عن ذلک فهی مردّدة بین وجهین ، فتکون مجملة .

و صحیحة محمّد بن مسلم : عن أبی جعفر ، قال : « سألته عن رجل أتاه رجل فقال :

اتبع لی متاعاً لعلّی أشتریه منک بنقد أو نسیئة ، فابتاعه الرجل من أجله .

قال : لیس به بأس ، إنّما یشتریه منه بعد ما یملکه » (2) .

أی ینشئ الشراء بعد ما یملکه لا أنّ وقوع البیع الفعلی و تمامه بعد ما یملکه ، و لا هی فی صدد تصحیح التملّک البَعدی .

و صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن العینة ، فقلت :

یأتینی الرجل فیقول : اشتر المتاع و اربح فیه کذا و کذا ، فأُراوضه علی الشیء من الربح ، فنتراضی به ، ثمّ انطلق فأشتری المتاع من أجله لو لا مکانه لم أرده ، ثمّ آتیه به فأبیعه .

فقال : ما أری بهذا بأساً لو هلک منه المتاع قبل أن تبیعه إیّاه کان من مالک ، و هذا

ص:317


1- 1) ب 8 / أبواب أحکام العقود ، ح6 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم .
2- 2) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح8 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن حمّاد ، عن حریز و صفوان ، عن العلاء جمیعاً ، عن محمّد بن مسلم .

علیک بالخیار إن شاء اشتراه منک بعد ما تأتیه و إن شاء ردّه ، فلست أری به بأساً » (1).

و لفظ « اشتراه » صریح فی إنشاء الشراء و البیع بعد التملّک ، و لیس هو تصحیح للبیع السابق ، فلو کان البیع صحیحاً تأهّلیاً و بمجرّد تحقّق الشرط یصحّ فعلاً لقال علیه السلام :

وجب البیع بعد تحقّق الشرط و هو العندیّة ، بینما مفاد الروایة تأکیده علیه السلام علی الإنشاء مرّة اخری ، و أنّ الإنشاء السابق بعد تحقّق العندیّة لا یواجب البیع ، و الحاصل أنّ هذه الروایات صریحة فی أنّه من قبیل الشروط التأهّلیّة ، و لیس من قبیل شروط الوجود .

و استدلّ الشیخ رحمه الله لما اختاره فی المکاسب بموارد و قال : و من البعید أن یکون خروج تلک الموارد بالتخصیص ، فإنّها عدیدة ، فمن الأوْلی تفسیر القاعدة بأنّها من قبیل شروط الوجود و الوقوع لا أصل الماهیّة .

و أجاب عنه الایروانی بأنّ خروج بعض الموارد لا یکون دالّاً علی کونه من قبیل التخصیص أو التخصّص ؟ إذ علی تقدیر کون الشرط بمعنی شرط الوجود فتکون صحّة تلک الموارد التی حصل الشرط(العندیّة)بعد الإنشاء علی طبق القاعدة ، و إذا کان من شروط الماهیّة فیکون خروجاً عن القاعدة و تخصیصاً و لا دلالة للعموم علی أحدهما لما هو مقرّر من أنّ خروج الخاصّ عن العام لا یکون قرینة علی تعیین مفاد العامّ ، فالاستشهاد بهذه الموارد علی کون الشرط شرط الوقوع و الوجود لیس فی محلّه ، بل یجب تحریر ظهور روایات القاعدة فی نفسه ، فإن کانت ظاهرة فی الشرط التأهّلی فتلک الموارد من باب التخصیص ، و إن لم تکن ظاهرة فقد تکون تلک الموارد قرینة علی أصل المفاد . هذا لو کنّا نحن و مجرّد العموم النبوی ، فتلک الموارد إمّا قرینة أو تخصیص ، فلیست متعیّنة فی القرینیّة ، فضلاً عن وجود الروایات الآتیة و المتقدّمة الدالّة علی الثانی فلا مجال للتردید .

ص:318


1- 1) ب 8 / أبواب أحکام العقود / ح9 . رواه الشیخ بإسناده عن الحسین بن سعید ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج .

مضافاً إلی ما یقال من أنّ ظهور الموانع یغایر ظهور الشرائط الوجودیّة ، حیث أنّ الشرائط محتملة لأن تکون لأصل الماهیّة التأهّلیّة أو لشرائط الوجود بخلاف الموانع ، فإنّ المنسبق منها أنّها من الشرائط التأهّلیة . إذ معنی المانعیّة هو الإبطال ، و کونه مبطلاً لا أنّه حاجز عن وجود البیع فقط ، بل عادم للصحّة التأهّلیّة .

الرجوع إلی الأخبار

ففی أبواب مقدّمات الطلاق نهی عن نوع من الطلاق ، و هو إیقاع الفُرقة قبل موضوعه ، و هو الزوجیّة ، فإذا طلّق امرأة قبل نکاحها ثمّ نکحها فلا ینفذ طلاقه السابق کما ورد فی الأخبار ، سواء علّق علی النکاح أم لم یعلّق ، و فی ذیلها أیضاً حکم العتق :

لا عتق إلّا بعد الملک ، باعتبار أنّ العتق أحد التصرّفات فی الملک

فلا یصحّ إذا أعتق عبداً لا یملکه ثمّ اشتراه و لا ینفذ عتقه السابق الذی هو أحد التصرّفات فی الملک ، کما فی بیع ما لیس عندک .

و فی تلک الروایات أیضاً : لا صدقة إلّا فی ملک ، و أنّه لو تصدّق بشیء ثمّ اشتراه فلا تنفذ صدقته السابقة ، و الصدقة نوع تملیک و تصرّف فی الشیء و لا یصحّ إلّا بعد الملک .

و لیس مفاد الروایات نفی فعلیّة العتق و الطلاق و الصدقة ، بل فی مقام نفی فعلیّة الإنشاء السابق بعد تحقّق الملک و النکاح ، و أنّه لا اعتداد بذلک الإنشاء فیکون الملک من شروط الصحّة لا من شروط الوجود . فإنشاء المعدوم قبل وجود موضوعه معلّقاً علی وجود الموضوع باطل لا من جهة التعلیق - لأنّ قاعدة التعلیق تقتضی البطلان فی ما کان المعلّق علیه لیس من شروط الصحّة ، و أمّا إذا علّق علی أشیاء هی من شروط الصحّة فلا مانع من ذلک - بل من جهة تعبّدیّة اخری ، و من تلک الروایات :

1 - صحیحة الحلبی : عن أبی عبد اللّه علیه السلام - فی حدیث - : « إنّه سُئل عن رجل قال :

کلّ امراة أتزوّجها ما عاشت امّی فهی طالق .

ص:319

فقال : لا طلاق إلّا بعد نکاح ، و لا عتق إلّا بعد الملک » (1).

2 - صحیحة محمّد بن قیس : عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « سألته عن رجل قال :

إن تزوّجت فلانة فهی طالق ، و إن اشتریت فلاناً فهو حرّ ، و إن اشتریت هذا الثوب فهو فی المساکین . فقال : لیس بشیء لا یطلّق إلّا ما یملک ، و لا یعتق إلّا ما یملک ، و لا یصدّق إلّا ما یملک » (2) .

3 - عن النضر بن قرواش : عن أبی عبد اللّه علیه السلام - فی حدیث - قال : « لا طلاق قبل نکاح ، و لا عتق قبل ملک ، و لا یُتْم بعد إدراک » (3) .

4 - معتبرة سماعة : قال : « سألته عن الرجل یقول : یوم أتزوّج فلانة فهی طالق .

فقال : لیس بشیء إنّه لا یکون طلاق حتّی یملک عقدة النکاح » (4) . 5 - عن الحسین بن علوان : عن جعفر ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام أنّه کان یقول :

لا طلاق لمن لا ینکح ، و لا عتاق لمن لا یملک .

قال : و قال علیّ علیه السلام : و لو وضع یده علی رأسها » (5) .

6 - موثّقة معمّر بن یحیی بن سالم : « إنّه سمع أبا جعفر علیه السلام یقول : لا یطلّق الرجل

ص:320


1- 1) ب 12 / أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه / ح1 . رواه الصدوق بإسناده عن حمّاد عن الحلبی .
2- 2) ب 12 / أبواب مقدّمات الطلاق / ح2 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی نجران ، عن عاصم بن حمید ، عن محمّد بن قیس .
3- 3) ب 12 / أبواب مقدّمات الطلاق / ح4 . رواه الکلینی عن محمّد بن جعفر الرزّاز ، عن أحمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن النضر بن قرواش . « النظر مهمل » .
4- 4) ب 12 / أبواب مقدّمات الطلاق / ح5 . رواه الکلینی عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، و عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عثمان بن عیسی ، عن سماعة .
5- 5) ب 12 / أبواب مقدّمات الطلاق / ح7 . رواه عبد اللّه بن جعفر فی قرب الإسناد ، عن الحسن بن ظریف ، عن الحسین بن علوان .

إلّا ما ملک ، و لا یعتق إلّا ما ملک ، و لا یتصدّق إلّا بما ملک » (1).

و کلّ هذه الروایات نافیة لفعلیّة الطلاق و العتاق و الصدقة السابقة علی الزواج و الملک بعدهما .

7 - صحیحة منصور بن حازم : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله :

لا طلاق قبل نکاح ، و لا عتق قبل ملک » (2) .

8 - صحیحة علیّ بن جعفر : فی کتابه عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : « سألته عن رجل یقول : إن اشتریت فلاناً فهو حرّ ، و إن اشتریت هذا الثوب فهو صدقة ، و إن نکحت فلانة فهی طالق ، قال : لیس ذلک بشیء » (3) .

9 - صحیحة منصور بن حازم : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله :

لا رضاع بعد فطام . . . لا طلاق قبل نکاح ، و لا عتق قبل ملک . . . » الحدیث (4) .

10 - روایة سلیمان بن صالح : عن أبی عبد اللّه علیه السلام - فی حدیث - : « إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله نهی عن ربح ما لم یضمن » (5) .

أی: نهی عن المعاملة علیه ، سواء کانت بیعاً أم جعالة ، فتملیک هذا الربح الذی

ص:321


1- 1) الباب المتقدّم / ح11 . رواه الشیخ عن علیّ بن الحسن ، عن محمّد و أحمد ، عن أبیهما ، عن ثعلبة بن میمون ، عن معمر بن یحیی بن سالم .
2- 2) ب 5 / أبواب العتق / ح1 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن منصور بن حازم .
3- 3) ب 5 / أبواب العتق / ح7 ، و لصاحب الوسائل سند صحیح إلی کتاب علیّ بن جعفر .
4- 4) ب 5 / أبواب ما یحرم بالرضاع / ح1 . رواه الکلینی عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن منصور بن یونس ، عن منصور بن حازم .
5- 5) ب 10 / أبواب أحکام العقود / ح5 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن محمّد بن الحسین ، عن علیّ بن أسباط ، عن سلیمان بن صالح(و الظاهر أنّه المرادی ، و لم یرد فیه توثیق).

لم یضمن بأیّ عنوان معاوضی ممنوع ، باعتبار أنّ الربح الذی لا یضمن هو مال لکنّه معدوم ، و حیث أنّ حذف المتعلّق یفید العموم ، فمفاد الروایة النهی عن مطلق المعاملة علی مطلق ما لا یمکن .

11 - موثّقة عمّار : عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله رجلاً من أصحابه والیاً ، فقال له : إنّی بعثتک إلی أهل اللّه - یعنی أهل مکّة - فانههم عن بیع ما لم یقبض ، و عن شرطین فی بیع و عن ربح ما لم یضمن » (1).

12 - صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : « سألت أبا الحسن عن رجل یقول له الرجل : أشتری منک المتاع علی أن تجعل لی فی کلّ ثوب أشتریه منک کذا و کذا ، و إنّما یشتری للنّاس و یقول : اجعل لی ربحاً علی أن أشتری منک ، فکرهه علیه السلام » (2) .

و« علی أن أشتری » هو العمل الذی علّقت علیه الجعالة ، و الربح هو الجعل ، و لیس مملوکاً قبل الجعالة ؛ لأنّه ربح الشراء ، و الکراهة تستعمل فی الحرمة ، إلّا أن تأتی قرینة تدلّ علی الترخیص ، و هذا المورد أحد مصادیق النهی عن ربح ما لم یضمن .

و یمکن التأمّل فی ذلک بأنّ الربح مقدور حین لزوم الأداء و التملیک إنّما تعلّق بالکلّی ، فلیس الربح غیر مضمون فی المقام ، نظیر ما ورد من روایات : « بع مالی بعشرة فما زاد فهو لک » (3) ، فلعلّ وجه الکراهة فی الروایة غیر ما نحن فیه ، و هو صدق التحایل عرفاً من المشتری الدلّال الوسیط للمشتری الحقیقی .

13 - حدیث المناهی ، عن الحسین بن زید : عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه علیهم السلام فی مناهی النبیّ صلی الله علیه و آله ، قال :

ص:322


1- 1) ب 10 / أبواب أحکام العقود / ح6 . رواه الشیخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علیّ بن فضال ، عن عمرو بن سعید ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمّار .
2- 2) ب 10 / أبواب أحکام العقود / ح7 . رواه الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجّاج .
3- 3) ب 10 / أبواب أحکام العقود .

« و نهی عن بیع ما لم یضمن » (1).

و هی و إن کانت ضعیفة لشعیب بن واقد و الحسین بن زید ، إلّا أنّ تضمّنها لمناهی جامعة کلّیة معمول بها فی الأبواب ممّا یعطیها الوثوق بالصدور بالاعتضاد مع روایات اخر ، حیث إنّ مضمونها موجود فی کثیر من الروایات ، فتصیر حجّة معاضدة و مؤیّدة لا مستقلّة .

و المستفاد من هذه الروایات - إن لم تکن فی صدد توسعة القاعدة لکلّ إنشاء علی موضوع غیر موجود - أنّ فی خصوص الملک و المعاوضة علیه ، بیعاً کانت أو صلحاً أو إجارة أو جعالة ، لیس الملک من شرائط الوجود ، بل هو من شرائط الصحّة التأهّلیّة خلافاً لظاهر کلام الشیخ الأنصاری رحمه الله ، مع أنّه لو بنینا علی ظاهر کلام الشیخ رحمه الله من أنّه من شرائط الوجود لا شرائط الصحّة التأهّلیّة فلا ضیر فی ما نحن فی صدده من بحث حکم المضاربة أو التملیک الذی فی ضمن الشروط ؛ إذ لیس المدّعی هو فسادهما من رأس کما فی الخلل فی شرائط الصحّة التأهّلیّة ، بل المطلوب إثبات عدم الصحّة الفعلیّة لتضمّنهما تملیک الشیء المعدوم ، و هذا یتمّ لو قلنا بمقالة الشیخ رحمه الله ؛ لأنّ فیهما تملیک للربح الذی لم یظهر ، کما هو الحال فی الودائع البنکیّة ، فلا یکون ذلک العقد فی الحیل المزبورة مشمولة ل(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و یستطیع المتعاقد حینئذٍ أن یرجع أی وقت شاء .

و الوجه فی المختار : أنّ ظاهر روایات « لا طلاق إلّا بعد نکاح » ، و « لا عتق إلّا فی ملک » أنّه لا عبرة بالإنشاء السابق أصلاً کما هو تقریب ذلک .

و الشیخ رحمه الله فی بحث الفضولی و شرط القدرة علی التسلیم ذکر روایات فی ذلک الصدد و بحث فی أنّ(العندیّة)هل هی شرط الوجود أو شرط الصحّة التأهّلیّة ؟

ص:323


1- 1) ب 10 / أبواب أحکام العقود / ح8 . رواه الصدوق بإسناده عن شعیب بن واقد ، عن الحسین بن زید .

و قال : إنّ الأخبار لا تدلّ علی بطلان بیع الفضولی لو باع ما لیس له ثمّ ملکه ثمّ أجازه . و ما ذکره لا یتناسب مع شرط الوجود ؛ لأنّ شرط الوجود بعد تحقّقه لا تحتاج المعاملة إلی الإجازة ، فإنّه بمجرّد حصول الشرط تتحقّق الفعلیّة بالإنشاء السابق . فما ذکره یتناسب مع شرط الصحّة التأهّلیة ؛ إذ فی موارد شروط الصحّة التأهّلیة لا بدّ من الإجازة ؛ لأنّ الإجازة بمنزلة إنشاء جدید أو رضی إنشائی جدید بإنشاء سابق ،و الإنشاء لا یفسد من حیث هو تکلّم و تلفّظ .

فمراد الشیخ رحمه الله لو کان شرط الوجود لما بنی فی بیع الفضولی علی لزوم الإجازة لمن باع شیئاً لیس له ثمّ ملکه ، فلو کان الملک الفعلی شرط الوجود ، کما فی القبض فی الرهن أو فی الهبة ، فبعد أن یقبض لا حاجة إلی الإجازة ، فما التزم به هناک شاهد علی کون مراده شرط الماهیّة ، و أنّ عبارته موهمة لغیر ذلک ، و لزیادة التوضیح نقول :

إنّ فی العقد ثلاثة مراحل : مرحلة شرائط صحّة ما یتلفّظ به(صحّة الإنشاء فی نفسه کإنشاء لا کمنشئ)، و مرحلة شرائط الصحّة التأهّلیّة للمنشأ و مرحلة شرائط الوجود .

و الظاهر أنّ مراد الشیخ رحمه الله هو أنّ تلک الأخبار لا تفید کون الملک من شرائط صحّة الإنشاء مثل العربیّة کما اشترطت فی الطلاق و إنّما هو من شرائط المنشأ ، و الأمر فیه سهل بلحاظ الإجازة المتعقّبة ، و هما بخلاف شرائط الوجود ، فإنّها بعد انوجادها لا تحتاج إلی إجازة . هذا هو تحقیق مرام الشیخ رحمه الله .

فتحصّل أنّ القاعدة عامّة ببرکة « نهی عن ربح ما لم یضمن » ، فتملیک المعدوم فاسد ، و الإنشاء علی الموضوع المعدوم لیس بصحیح .

أضف إلی ذلک أنّ الموارد التی ذکرها الشیخ رحمه الله ، و التی صحّح فیها البیع هی : بیع الرهن ما یملکه بعد البیع(الفضولی)، و بیع العبد الجانی عمداً ، و بیع المحجور هی غیر ما نحن فیه ؛ لأنّ فی تلک الموارد الملک فعلیّ للبائع . غایة الأمر أنّ هذه الملکیّة متعلّقة بحقّ الغیر ، اللّهمّ إلّا أن یفسّر الشیخ رحمه الله : « لا تبع » ب « ما لا تقدر » ، و لا بدّ حینئذٍ من إجازة ذی الحقّ من باب تقدیم أدلّة حقّ المجنی علیه أو حقّ المرتهن علی أدلّة

ص:324

صحّة البیع أو نفوذ سلطنته ، فهذه الموارد لیست من أمثال القاعدة . و المانع من صحّة البیع لیس من باب ما لیس عنده ، بل من باب تقدیم أدلّة حقّ الجنایة و أدلّة بقیّة العقود علی أدلّة صحّة نفوذ البیع أو سلطنة المالک .

مضافاً إلی أنّ هذه الموارد لیست منصوصة کی یفترض أنّ الخلل فیها هو من ناحیة شرط ما لیس عنده ، بل لأجل أدلّة تلک الحقوق المانعة عن نفوذ البیع کما تقدّم .

نعم ، قد یقال إنّ تصحیح البیع فی تلک الموارد لدی الأصحاب بعد إجازة ذی الحقّ قرینة علی مفاد القاعدة ، فافهم ، فإنّ أدلّة تلک الحقوق غایة ما یستفاد من مانعیّتها أنّها مانعة عن فعلیّة البیع لا عن صحّته التأهّلیّة .

الجهة السابعة : هل أنّ مفاد « لا تبع » هو مفاد « نهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن بیع الغرر » أو لا ؟

ممّا لا إشکال فیه أنّ بین المفادین اختلافاً بنحو العموم من وجه ، فإنّه لو باع مبیعاً موجوداً عنده لکن من دون أن یذکر أوصافه فی البیع ، فلا یکون مورداً لقاعدة « لا تبع » ، لکنّه مورد لقاعدة « نهی النبیّ عن بیع الغرر » ، و لو باع العین الشخصیّة التی هی متوفّرة فی السوق بکثرة و لم یبع العین بنحو الکلّی ، و إنّما باع عیناً شخصیّة لجاره یوجد فی السوق مثیلاتها ، فإنّها مثلی یوجد أمثاله ، و البیع و إن کان شخصیّاً إلّا أنّه لو لم یستطع توفیره لما کان عند المشتری منازعة بأداء بدله المثلی ، فهاهنا لیس البیع غرریاً لکنّه بیع ما لیس عنده .

و هناک موارد للتصادق کما لو باع عیناً شخصیّة لا یکون فی السوق مثیلها موجوداً ، فالمبیع قیمی لا مثلی ، و لا یستطیع أن یوفّرها ، فهاهنا غرر و عدم العندیّة ، و یبطل البیع من کلّ زاویة غیر الزاویة الاُخری ، و الأعلام فی شرط القدرة علی التسلیم استدلّوا بهذین الدلیلین .

فلو رفعنا الید عن خصوصیّة قاعدة « لا تبع » أمکننا الاستعانة لمنع صحّة بین المعدوم بقاعدة نهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن الغرر ، و لا یخفی أنّ نهی النبیّ عن بیع الغرر

ص:325

قد رواه الصدوق بأسانید متعدّدة فی عیون الأخبار (1).

و أمّا النهی عن الغرر فی مطلق المعاملة فلم یثبت ، إلّا أنّه قد ذکر أنّ هذه القاعدة عقلائیّة ، و لذلک عمّمناها إلی المعاوضات الاُخری ، فلو بنی علی عدم تعمیم « لا تبع ما لیس عندک » إلی غیر البیع یمکن الاستعانة بقاعدة منع الغرر بناءً علی أنّها عامّة کما هو الصحیح .

هذا تمام الکلام فی القاعدة .

و تلخّص : أنّ التعلیق إذا کان فی الإنشاء علی ما لا یعلّق علیه العقلاء أو الشرع فهو لیس ممتنعاً عقلاً ؛ لأنّ الإنشاء خفیف المئونة لکن الوجه فی المنع هو أنّ التعلیق علی شیء معیّن معناه أنّ ذلک الشیء دخیل فی وجود المنشأ فی الإنشاء ، فکأنّه من شرائط الصحّة ، فهو نوع من التقنین الجدید و التشریع فی عالم العقلاء ، و المتعاقدان و إن کان بالاختیار فی أن یقنّنا تقنیناً جدیداً فی عالم اعتبارهما الخاصّ ، و لکنّ العقلاء لا یعتبرونه و لا یعتدّون به ؛ لأنّه خارج عن دائرة التقنین العقلائی ، و کذلک الحال بالنسبة إلی الشرع ، و اختلاف الأقوال ناش من هذه النکتة . و هذه النکتة لا تختلف بین أن یکون الإنشاء لعقد ابتداءً مثل : « وهبتک إن جاء زید من السفر » ، أو یکون الإنشاء فی ضمن عقد آخر کشرط فی ضمن عقد آخر ؛ لأنّ هذا الإنشاء المعلّق علی شیء من هذا النحو یتحقّق فیه نفس المحذور من أخذ شیء فی الصحّة لیس مأخوذاً عند العقلاء أو الشرع ، و یکون تقنیناً مغایراً لهما .

فإذن لا فرق فی التعلیق فی الشروط أو التعلیق فی العقود الابتدائیّة خلافاً للمحقّق النائینی رحمه الله ، حیث فصّل بین التعلیق فی العقود الابتدائیّة ، و قال : هذا هو القدر المتیقّن من الإجماع ، و بین أن یکون التعلیق فی الشروط . و التزم أکثر أعلام العصر بأنّ التعلیق

ص:326


1- 1) الوسائل / ب40 / أبواب آداب التجارة / ح3 ، عن عیون الأخبار . و ب 12 / أبواب عقد البیع و شروطه / ح13 ، عن معانی الأخبار .

فی الشروط لا مانع منه ، و لکن لا فرق بینهما ما دام التعلیق علی أمر لیس مأخوذاً عند العقلاء فی وجود المنشأ بجعله دخیلاً فی وجوده و صحّته ، فسواء أن أنشأ الهبة ابتداءً أو فی ضمن البیع لا یصحّ فیها التعلیق المزبور .

ثمّ إنّه لا بدّ من التنبیه علی أنّ ما ذکرنا من جواز التعلیق علی شرائط الصحّة إنّما هو بلحاظ التعلیق فی نفسه لا بلحاظ العناوین الطارئة الاُخری ،کما لو صدق علی التعلیق علی شرط الصحّة الغرر بسبب عدم العلم بوقت تحقّقه ، فهذا محذور آخر .

ثمّ إنّه لا بدّ من إمعان النظر فی مقتضی الوجه الذی بنینا علیه ، و أنّه هل یقتضی صحّة التعلیق علی شرائط الصحّة مطلقاً ، أم لا بدّ من التفصیل فی شرائط الصحّة ؟ إذ لا یخفی أنّ شرائط الصحّة بعضها یرجع إلی شرائط أصل الماهیّة ، و بعضها یرجع إلی شرائط الوجود ، کما أنّ شرائط الوجود بعضها مقوّم رکنی بمنزلة شرائط الماهیّة ، و بعضها غیر رکنی ، و من ثمّ فُصّل فی أصالة الصحّة بین القسمین .

و لا ریب أنّ التعلیق علی ما هو من قبیل شرائط الماهیّة مع فرض أنّ الشرط غیر متحقّق ، و أنّ تحقّقه فی المستقبل لا یصحّح إنشاء العقد ، فلا یعتبر المنشأ موجوداً بوجود إنشائی معلّق ؛ لأنّ بدون شرط الماهیّة لا یصدق عنوان الماهیّة ، و من ثَمّ لا یکون العقد فعلیّاً بعد تحقّق المعلّق علیه ، و أمّا شرط الوجود الذی هو من القسم الأوّل - أی ما یکون رکناً - فالظاهر أنّه بمنزلة شروط الماهیّة فی تقنین العقلاء ، و لعلّه لذلک لم یصحّحوا البیع الفضولی فی من باع ما لا یملک فضولیّاً ، ثمّ ملکه ، و بنوا علی لزوم الإجازة .

هذا بلحاظ ما بعد تحقّق المعلّق علیه ، أمّا قبله فلا ریب فی عدم لزوم العقد ؛ إذ هو فرع الفعلیّة ، و من ثَمّ جاز الرجوع فی الجعالة و الوصیّة قبل تحقّق المعلّق علیه .

فتحصّل التفصیل فی شرائط الصحّة غیر الموجودة حین الإنشاء بین ما لم یکن شرطاً وجودیّاً غیر رکنی و بینه بالصحّة فی الأخیر دون الأوّل .

و بالجملة أنّ تملیک المعدوم غیر ممکن لا بنحو الفعلیّة ؛ لأنّه تملیک ما لیس

ص:327

عنده ، و لا بنحو التعلیق ؛ لما مرّ ، فی ما کان المعلّق علیه شیئاً لیس من شروط الصحّة ، و أمّا إن کان المعلّق علیه أمراً من شروط الصحّة نظیر القدرة علی وجود المملوک ، فقد عرفت أنّ شروط الصحّة الرکنیّة من قبیل شروط الماهیّة إذا علّق علیها و لم تکن موجودة التعلیق علیها مندرج فی التعلیق الباطل . نعم ، فی إیقاع الجعالة علیه نصّ خاصّ قد تقدّم .

* * *

و بعد الفراغ عن هاتین القاعدتین نعود إلی ما کنّا فیه ، و قد بنی السیّد الخوئی رحمه الله علی کون المضاربة خلاف مقتضی القاعدة ؛ لأنّ التملیک من مالک المال لعامل المضاربة إمّا أن یکون تملیکاً تعلیقیّاً - یعنی یملک مالک المال عامل المضاربة ، الربحَ بعد وجوده لکی لا یکون تملیکاً للمعدوم و لا تملیکاً لما لیس عنده - و إمّا أن یملّکه فعلاً ما هو معدوم ، فأمّا الشقّ الأوّل فهو من التعلیق الباطل ، و أمّا الشقّ الثانی فهو منافٍ للقاعدة ، فإنّ تملیک المعدوم باطل .

فإذا تبیّن أنّ المضاربة تکون علی خلاف القاعدة فلا یتوسّع فیها إلی موارد اخری ، بل یقتصر علی مواردها المنصوصة .

أقول : قد وافقناه فی المدّعی فی کون المضاربة علی خلاف القاعدة ، لکن لا بهذا البیان ؛ لأنّ التملیک معلّقاً علی ما هی شرائط الصحّة لو بنینا علی صحّته مطلقاً ، فالملک الفعلی للربح من شرائط صحّة تملیک المالک للعامل ، فیدخل آناً ما بعد وجود المضاربة فی ملک المال ثمّ ینقل إلی عامل المضاربة فیعلّقه علی وجود الملک لنفسه ، ثمّ یملّک غیره .

هذا لا إشکال فیه من جهة التعلیق لو بنی علی صحّة التعلیق علی شرائط الصحّة مطلقاً ، لکن فی هذه الصورة إشکال آخر ، و هو أنّ قاعدة(لا تبع ما لیس عندک)شاملة لها ؛ لأنّ ظاهر تلک القاعدة عدم صحّة ذلک البیع مطلقاً ، سواء بنحو التعلیق أو بنحو الفعلیّة ؛ إذ لیس الشرط(کون المبیع عند البائع أو ملکاً له)فیها بنحو شرط الوجود

ص:328

لیکون التعلیق جائزاً ، و بتحقّق الشرط بعد ذلک یتحقّق البیع ، بل هو من قبیل الشروط التأهّلیّة ، فلا یصحّ التعلیق حینئذٍ ؛ لأنّ البیع المنشَأ یکون فاقداً للشرائط المقوّمة للماهیّة .

و أمّا ما ذکره السیّد السبزواری من أنّ العقلاء یعتدّون بتملیک المعدوم إذا کان قریب الفعلیّة و الوجود ، فهذا خلاف قاعدة « نهی عن ربح ما لم یضمن » مطلقاً ، سواء بجعالة أو بغیرها ، و أمّا تسویغ الشارع فی الجعالة و الشراء و بیع الثمار قبل ظهورها ، فهذا من باب تخصیص عموم القاعدة . و کذلک نقضه بالإجارة ، فإنّ النقض بها إنّما یتمّ بناءً علی أنّ الإجارة هی تملیک المنفعة ، و أمّا إذا قلنا بأنّ الإجارة هی تملیک العین علی وجه مخصوص ، فالنقض غیر وارد .

و لو قلنا إنّها تملیک المنفعة فهاهنا المنفعة و لو کانت بالدقّة العقلیّة تُری بالقوّة لا بالفعل وجوداً ، إلّا أنّ العرف یری أنّها بالفعل وجوداً ، و هذا لیس تصرّفاً و تخصیصاً فی القاعدة المتقدّمة ، و إنّما هو تصرّف فی المصداق بالنظر العرفی یعتبره موجوداً ، و لک أن تقول بأنّ التملیک فی الإجارة من باب التخصیص لتلک القاعدة بالأدلّة المستفیضة علی صحّة الإجازة ، بل قد یقال : إنّ الإشکال بالإجارة مبنیّ علی عموم القاعدة لمطلق تملیک المنافع و الأعیان - أی مطلق المنع عن الإنشاء علی موضوع مقدّر الوجود غیر محقّق - بخلاف ما لو خصصناها بتملیک الأعیان ، فلا تشمل المنافع ، و منها الإجارة بخلاف المضاربة ، فإنّها مشمولة للقاعدة علی کلا التقدیرین ، لا سیّما و أنّ المضاربة - کما ذکرنا - لیس فیها تعلیق ؛ لأنّ الربح من أوّل وجوده هو من ملک العامل لا أنّه من ملک المالک ، ثمّ ینتقل إلی العامل ، فهی من باب التملیک الفعلی لما هو معدوم ، فهی کالتخصیص للقاعدة .

و أمّا ما ذکره المرحوم الصدر (1)فی الودائع البنکیّة - بناءً علی أنّ البنک وسیط فی

ص:329


1- 1) بعد تنقیح الکلام فی قاعدة التعلیق و قاعدة بیع ما لیس عنده ، یتّصل الکلام مرّة اخری

المضاربة بین أصحاب الأموال المودعین و بین أصحاب العمل المستقرضین - بأنّه تملیک للربح بالشرط ، أی معلّق علی ظهور الربح و التعلیق علی ظهور الربح لا مانع منه ، و حینئذٍ نستطیع أن نصوّر الأموال الموجودة فی البنوک أن تکون ودائع ، فأصحاب الأموال لا یملّکون المال للبنک قرضاً ، بل یوکّلونه فی التعامل مع أصحاب الأعمال ، و یشترط البنک علیهم بانّ الربح یوزّع بالنسبة بین الأطراف معلّق علی تملّکهم له من باب الشرط ، و أنّ التعلیق فی الشرط لا بأس به ، و بذلک نستطیع أن نحافظ علی کون الأموال ودائع .

ففیه مضافاً إلی الإشکالات التی تقدّمت فی محلّه (1)أنّ هذا الشرط معلّق علی تحدید مفاد القاعدتین ، و قد تقدّم أنّ التعلیق علی شرط الصحّة الرکنی غیر الموجود من التعلیق الباطل . هذا من ناحیة التعلیق ، و لو أغمضنا العین عن هذا المحذور [ و بنینا علی الصحّة من هذه الجهة ، و أنّ التعلیق - علی وجود الربح و دخوله فی ملک أصحاب الأموال ، ثمّ تملیک أصحاب الأموال لذلک الربح الذی دخل فی ملکهم للبنک ، إلّا ما استثنی من قدر لهم - صحیح] ، ففیه محذور آخر من ناحیة القاعدة الثانیة ، و هو تملیک ما لم یوجد ، و لو کان التملیک تعلیقیّاً کما اتّضح فی ذیل القاعدة الثانیة ، فتلک الحیلتین یشکل علیهما بهذین المحذورین ، فلا یصحّ ما صوّره الصدر .

هذا تمام الکلام فی الحیل المذکورة فی کتبنا .

ص:330


1- 1) فی ذیل الحیلة العاشرة ، و کان عمدتها أنّ الأموال التی یجری التعامل بها فی الابتداء و الانتهاء کلّها فی الذمم ، فلا موضوع للودیعة فی البین ، فلاحظ بسط الکلام فی محلّه .

بقی الکلام فی الحیل المذکورة عند العامّة

الاُولی : حیلة تسمّی ببیع المرابحة للآمر بالشراء

، و هذه متّخذة فی البنوک الإسلامیّة الموجودة فی الخلیج ، و صورتها هکذا : بأن یأتی الشخص الذی یرید أن یستقرض من البنک ، و فی الغالب یرید أن یستقرض من البنک لأجل شراء بیت أو سیّارة أو شیء معیّن ، فحینئذٍ بدل الاستقراض من البنک و أخذ البنک بدلاً زائداً فیکون رباً محرّماً ، یتوصّل إلی الزیادة بهذه الطریقة بأن یأمر هذا العمیل - الذی یتعامل مع البنک - البنک بشراء هذا الشیء - البیت أو السیّارة - ثمّ یکون بینهما وعداً علی أنّه لو اشتراه البنک أنّ الآمر یشتریه مرّة اخری من البنک بأزید من القیمة ، بسعر أعلی و بنحو تقسیط الثمن ، فیقوم البنک بشراء تلک الحاجة ثمّ یبیعها علی صاحب الحاجة بثمن أعلی ، فیصل البنک إلی نفس الربح ، و مع ذلک لم یرتکب القرض الربوی ، و هذا یمارس بشکل کثیر و بنطاق واسع فی تلک البنوک .

و هذه الطریقة بهذا المقدار لا إشکال فیها ، إلّا أنّهم واجهوا إشکالاً فنیّاً مالیّاً فی بعض الموارد ، و هو عدم شراء الآمر و صاحب الحاجة - أی عدم وفائه بالوعد الابتدائی - فلا یشتریها من البنک ، فتظلّ العین علی کاهل البنک ، فبناءً علی أنّ الوعد الابتدائی واجب الوفاء یتمّ دفع الإشکال عند بعض العامّة و الخاصّة ، و أمّا بناءً علی عدم وجوب الوفاء بالوعد الابتدائی فرمّمت هذه الحیلة بعقد آخر . و علی أیّة حال ، هذه الحیلة لا إشکال فیها ، بل هی نفس حیلة العینة المذکورة فی أخبار العینة لدینا ، إلّا أنّ فی تلک الأخبار عدّة أنحاء لها ، بعضها تداول العین بین صاحب الحاجة و الطرف الآخر مرّتین و أنحاء اخری .

الثانیة : المضاربة

، و قد مرّت ، إلّا أنّ فیها ثلاث نکات فنیّة منضمّة لتکوّن حیلة .

و هذه النکات شروط لا تتنافی مع شرعیّة المضاربة ؛ لأنّ منشأ المعضلة المالیّة فی

ص:331

المضاربة و منشأ عدم إقدام أصحاب الأموال علی المضاربة هو أنّ صاحب المال عند ما یعطی عامل المضاربة المال لا یطمئنّ بتحفّظ العامل علی المال و عدم تبذیره له ، و لا یتعامل مع المال کما له فی الحرص علیه ، و تحرّی مظانّ التجارة المربحة ، فضمّوا إلی المضاربة هذه الشروط ، و هی لا تتنافی مع الشرائط العامّة لصحّتها ؛ إذ لیست هی من قبیل شرط الضمان الموجب لانقلابها قرضاً ، و الشروط کالتالی :

1 - إنّه یقوم البنک أو مالک المال بدراسة أوضاع العمیل(المضارب)من الناحیة الأخلاقیّة و العملیّة ، فإذا اطمأنّ إلیه و إلی جدوی المشروع دفع المال إلیه . و هذا لا إشکال فیه .

2 - أن یشترط مالک المال علی عامل المضاربة أن یجعل علیه رقیباً ، ما یسمّی الآن بمدقّق الحساب ، فیجعل له رقیباً یراقب العامل فی کلّ مراحل العمل .

و هذا لا إشکال فیه أیضاً ، و لا ینافی أمانة العامل ، بل ربّما یشترط علیه عدم إمضاء أیّة معاملة إلّا بإذن هذا المشیر و هذه نکتة عملیّة لأجل الاحتیاط .

3 - یشترط مالک المال أنّی لا اعطیک رأس المال دفعة ، و إنّما اعطیک شیئاً فشیئاً .

و هذا لا إشکال فیه أیضاً ، نظیر ما ذکره الفقهاء فی باب المضاربة أنّه یجوز إدخال مضاربة فی مضاربة ، أو یجوز توسعة رأس المال الذی بید عامل المضاربة ، فبمقتضی هذا الشرط کأنّما یتّسع موضوع المضاربة أو یضمّ موضوع إلی موضوع و رأس المال هو موضوع المضاربة . و بهذه النکتة یتفادی البنک الخسارة ، أو الخیانة ، أو عدم الاهتمام و عدم الخبرة نوع من الوقایة عنها .

و بهذه النکات تتلافی المشکلات من ناحیة عملیّة .

الثالثة : التمویل بالمشارکة

، و هذا فی الواقع شرکة بتمام معنی الکلمة ، کلّ من الشریکین یضع ماله و یضمّه إلی مال الآخر ، غایة الأمر أحدهما ذو مال أکثر ، و الآخر ذو مال قلیل ، و هذه الحیلة لا إشکال فیها . إلّا أنّه فیها نکات فنیّة لا بأس بها ، مثل

ص:332

شروط توزیع الربح بالنسبة ، و شروط تتعلّق بالتصفیة و أسالیب التمویل بالمشارکة .

و الشرکة عندهم علی أقسام ، تارة مشارکة ثابتة ، فإنّ صاحب الخبرة یضع مالاً قلیلاً بینما صاحب المال یضع مالاً کثیراً ، و صاحب المال الکثیر لا یکون له العمل الکثیر ، و لکن صاحب المال القلیل یأتی بالعمل الکثیر ، فحینئذٍ یقسّم الربح بالنسبة .

و هذه الشرکة دائمة تارة ، و محدودة تارة اخری ، و متناقضة أو منتهیة بالتملیک تارة ثالثة ، و بموجب المشارکة الثابتة یقوم البنک بامتلاک حصّة ما فی المشروع و یبقی شریکاً دائماً إلی أن تنتهی مدّة الشرکة بالتصفیة الاختیاریّة أو غیرها ، و یتحمّل البنک طیلة فترة المشارکة نتائج الشرکة ربحاً أو خسارة ، و تأخذ هذه المشارکة إشکالاً قانونیّة متعدّدة تخضع لضوابط قانون الشرکات فی البلد المُقام به المشروع ، و تندرج تحت هذا النوع من المشارکة الکثیر من الأنشطة التجاریة و الاستثماریّة ، و المشارکة المحدّدة هی مشارکة محدّدة بزمن أو صفقة أو عملیّة معلومة ، و تنتهی تلک المشارکة بانتهاء الزمن أو الدورة المالیّة أو العملیّة المحدّدة کمقاولة بناء أو إنشاء .

و یتصدّون بالمتناقصة أنّ البنک الحکومی - مثلاً - اذا أراد أن یرفع المستوی المالی لأفراد المجتمع ذوی الخبرة ممّن لا مال لهم فیشارکهم فی بعض المشارکات ، و یقرّر فی هذه المشارکة أنّ صاحب الخبرة یشترط علی البنک فی مشروع تجاری بأنّ له الحقّ أن یشتری کلّ سنة هذا المقدار من سهم البنک و یتملّکه . فحینئذٍ لا تمضی عشر سنین إلّا و صاحب الحاجة قد تملّک کلّ أسهم البنک ، فالبنک یدخل شریکاً و هو یعلم أنّ الشریک الآخر سوف یحلّ محلّه و ذلک بشراء حصص البنک تدریجیّاً ، أی کلّ شهر حصّة ، و ما دام البنک شریکاً فإنّه یتحمّل نتائج العمل ربحاً أو خسارة بنسبة ما یملک .

و یمکن الاتّفاق علی أنّ یشتری الشریک حصص البنک من ربح العملیّة ذاتها طبقاً لدراسة فنیّة ارتضی بها تحدید الطرفان عند التعاقد ، و توفّرت لدیهما القناعة بجدوی المشروع ، أمّا تحدید القیمة البیعیّة لحصص البنک فتتمّ بطریقتین :

الاُولی : أن یبیع البنک حصصه بسعر السوق فی تاریخ شراء الشریک الحصص .

ص:333

الثانیة : الاتّفاق علی البیع بقیمة یتّفق علیها فی العق بین الطرفین .

الرابعة : الإجارة المنتهیة إلی التملیک،

و فی هذه الحیلة یتمّ التوصّل لزیادة القرض عبر الاُجرة فی مدّة الإجارة ، ثمّ یشتری المستأجر الشیء الذی یحتاج إلیه من الموجر ، کمن أراد أن یسکن بیتاً أو یقیم مشروعاً تجاریاً ، فیکون القرض للاستثمار و المقرض ، سواء کان تاجراً أم بنکاً ، یقوم بتملّک المشروع التجاری أو البیت ، و المستقرض یکون أجیراً فی ذلک المشروع ، و یعطی البنک اجرة بالغة ، و یشترط المستأجر علیه أن تکون الإجارة منتهیة إلی التملیک یسمّونها الإجارة المنتهیة إلی التملیک ، بمعنی أنّ للأجیر حقّ أن یشتری أسهم هذا المشروع . فبهذه الحیلة لا تکون کلّ الأرباح صافیة للمستقرض(لبّاً)و لا یعطی التاجر أو البنک المقرض قرضاً من دون ربا ، فیتضرّر البنک ، بل المقرض یشتری المشروع و المستقرض یکون مدیراً أو مشرفاً علیه بالإجارة ، و یشترط فی عقد الإجارة أنّ له حقّ أن یتملّک أسهم ذلک المشروع شیئاً فشیئاً .

هذا فی ما إذا کان القرض لأجل الاستثمار .

و إذا کان القرض لأجل الحاجة و الاستهلال ، کالبیت أو السیّارة ، فیتوصّل إلی تملّکها کالتالی : یقوم البنک بشراء البیت فیکون ملکاً له ، و یوجره بإجارة معیّنة مدّة سنین بحیث یکون البنک قد أخذ الأرباح ، ثمّ یشتریه صاحب الحاجة بنفس القیمة السابقة ، فیکون البنک قد حصل علی القرض و الأرباح ، غایة الأمر بنحو التقسیط ، و هذا لا إشکال فیه أیضاً ، فهاهنا جمع بین أغراض صاحب المال و صاحب الحاجة بحلول شرعیّة وسط .

ص:334

و هنا نرجع إلی متن المسائل المستحدثة :

مسألة 2: لا یجوز إقراض البنک بشرط الحصول علی الفائض المسمّی فی عرف الیوم بالایداع ،

بلا فرق بین الایداع الثابت الذی له أمد خاصّ (1)بمعنی أنّ البنک غیر ملزم بوضعه تحت الطلب ، و بین الإیداع المتحرّک المسمّی بالحساب الجاری ، أی أنّ البنک ملزم بوضعه تحت الطلب (2) .

نعم ، إذا لم یکن الإیداع بهذا الشرط فلا بأس به .

حکم ما یدفع إلی البنک هو عدم جواز اشتراط الزیادة بعد ما کان قرضاً لا ودیعة ؛ إذ أنّ الودیعة و الأمانة تتقوّم بوجود ، و بقاء العین التی تؤتمن ، بینما فی المعاملة البنکیّة لا تبقی العین ، بل یتصرّف فیها البنک تصرّف المالک ، فلذا کان التعامل الجاری فی ما یسمّی بالإیداع أو الائتمان فی الحسابات البنکیّة هی قرض حقیقة ، و قد تقدّم البحث عن إمکانیّة تصویر الودیعة مع ذلک فی الأبحاث السابقة .

نعم ، هو إیداع بالمعنی الأعمّ اللغوی بمعنی مطلق الحفظ للمالیّة ، و هو یشمل القرض حیث یکون أحد أغراض و فوائد القرض هو حفظ مالیّة المال و إیداعها فی ذمّة البنک و ائتمان البنک علیه ، کما لو کان إنسان فی بلاد مخطورة و لا یأمن أن یحتفظ بالمال فی یدیه ، فحینئذٍ یقرض ذلک المال شخصاً آخر معتمداً و یشترط علیه التسلیم فی بلد آخر ، فهذه الثمرة ممکنة الحصول من القرض من کون استبدال العین بالذمّة أءمَن لصاحب المال .

و سیأتی فی المسألة(5)فی بحث البنوک الحکومیّة طریق من السیّد الخوئی رحمه الله

ص:335


1- 1) الذی یسمّی ب(سپردۀ مدّت دار).
2- 2) مثل القرض بشرط المدّة و لا بشرط المدّة ، ففی الأوّل له إسقاط حقّ الطلب ، فلیس له حقّ المطالبة إلّا بعد هذه المدّة ، و فی الثانی هو الحساب الجاری ، أی فی أی وقت طلب ماله من الدین علی البنک یمکن له أخذه .

للتخلّص عن حرمة اشتراط الزیادة ، و أنّ هذه الحیلة تعمّ الاقراض کإیداع و الاقتراض من البنک ، مثلاً : إذا تعامل مع البنوک الحکومیّة فی النظام غیر الإسلامی ، فإنّ بالإمکان الایداع فیها من دون قصد اشتراط الزیادة بدرجة القصد الجدّی ، و إن الزم بإملاء الاستمارة(الفرم)و کتابتها ، حیث أنّ فی العرف المقرّر التعاملی لدیهم اشتراط الزبون علی البنک أخذ الزیادة ، و الوجه الذی ذکره للتخلّص ثمّة هی بأن یودع المال فی البنک لکن من دون إنشاء جدّی لشرط الزیادة ، و إن أقدم الزبون علی توقیع ورقة التعامل التی بینه و بین البنک المتضمّنة لشرط أخذ الزیادة ؛ و ذلک بأن یبنی فی نفسه علی أنّ البنک لو لم یدفع إلیه الفائدة لم یطالبها منهم ، فلو دفع البنک الفائدة جاز له أخذها لا من باب الأخذ بالشرط و العمل به ، بل بقصد وضع الید علی مجهول المالک - علی القول بعدم ملکیّة التصرّف للدول الوضعیّة - أو بقصد جواز التملّک من بیت المال علی القول الآخر ، بمعنی أنّه یبنی فی نفسه علی العدم ، و إن کان یبرز الاشتراط صورة ، إلّا أنّه لا یعزم بالإرادة الجدّیة علی الاشتراط ، فیخفی فی باطن نفسه علی أن لا یطالب و لا یلزم البنک بالزیادة ، فحینئذٍ یکون هذا الإقراض للبنک صحیحاً و جائزاً تکلیفاً و وضعاً .

أمّا وضعاً فهو إمّا لأنّ القرض لا تتأثّر صحّته بشرط الزیادة ، أو لأنّ الربا غیر موجود فی البین . علی تقدیر تمامیّة هذه الحیلة . و أمّا تکلیفاً فلأنّه إمّا تصرّف فی مجهول المالک أو فی بیت المال ، و هو جائز بهذا المقدار .

و خصّ رحمه الله هذه الحیلة بالبنک الحکومی و لم یعمّمها للبنک الأهلی مع أنّه تتأتّی فی کلا الموردین ؛ لأنّ الحیلة المزبورة تعتمد علی انتفاء موضوع اشتراط الزیادة فی القرض و المحرّم للربا ، و ذلک بانتفاء الجدّ و القصد فی الإنشاء ، و هو ممکن تعمیمه لبقیّة الموارد - علی فرض صحّة و تمامیّة الطریق بالنسبة إلی مقام الإنشاء دون أخذ الزیادة - و ذلک الطریق لم یتفرّد به السیّد الخوئی ، بل ذکره عدّة من الأعلام المتأخّرین فی عصرنا .

ص:336

أمّا بالنسبة إلی أخذ الزیادة فی البنک الأهلی فحیث بنی السیّد الخوئی رحمه الله علی کونه مالکاً بخلاف الحکومی فیشکل أخذ الزیادة و لو بعنوان آخر . و هذا بخلاف مقام الإنشاء مع البنک الأهلی ، حیث أنّ الزبون و إن اشترط الزیادة علی نفسه صوریّاً إلّا أنّ بنائه أن لا یشترط الزیادة کعزم جدّی فی باطن نفسه ، فلا تقع المعاملة باطلة و لا محرّمة لا أقلّ من طرف واحد ، و إن کان من الطرف الآخر - البنک الأهلی - تقع محرّماً ، فبهذه الحیلة یتخلّص من الحرمة فی مقام الإنشاء دون مقام أخذ الزیادة فی المعاملة مع البنک الأهلی فتقع المعاملة معه من دون نفوذ الشرط ، و لا یسوغ له أخذ الزیادة و إن کان قد تخلّص من الحرمة التکلیفیّة و الوضعیّة للمعاملة ، لکنّ الزیادة حرام أخذها مورداً و شرطاً .

أمّا مورداً ، أی فی مورد الإیجاب الذی هو عین مورد القبول ، فکما لو کانت الزیادة فی متن المعاوضة القرضیّة کأن یقول : « أقرضتک مائة بمائتین » ، و أمّا الشرط فکما لو جعل الزیادة خارجة عن المعاوضة القرضیّة بأن قال : أقرضک مائة بشرط الزیادة ، و علی کلا التقدیرین فلا یسوغ أخذ الزیادة . نعم ، بین الصورتین فارق ما حیث أنّه فی الصورة الاُولی لا یکون تطابقاً بین الإیجاب و القبول - عند ما لا یقصد الزبون إنشاء الزیادة بالإرادة الجدّیة فی فرض هذه الحیلة - بخلاف الصورة الثانیة ، فإنّ عدم التطابق إنّما هو فی الشرط ، و هو أهون إشکالاً منعدم التطابق فی الإیجاب و القبول ، لکن هذه التفرقة مبنیّة علی أنّ أخذ الزیادة فی الإیجاب و القبول فی مقام الإنشاء لا ترجع لبّاً إلی اشتراط الزیادة ، أی تکون داخلة فی متن المعاوضة لبّاً ، و قد تقدّم عدم دخولها فی متن المعاوضة المعنویّة ، و إن کانت فی الصورة اللفظیّة للإنشاء مأخوذة کمورد للإیجاب و القبول .

أمّا وجه الإشکال فی أخذ الزیادة مع أنّ القرض وقع صحیحاً مع المالک الشرعی - سواء کان البنک الأهلی أم غیره - فلأنّ الفرض أنّ المالک لا یدفعها إلّا بذلک العنوان ، و لا یصحّ أخذها بذلک العنوان لأنّه الربا المحرّم ، و لا بعنوان آخر ؛ لأنّ المالک

ص:337

لم یقصده ، و لا یتوهّم أنّ المالک مملّک الزیادة تملیکاً مجّانیّاً ، غایة الأمر بداعی الوفاء بالشرط الربوی و تخلّف الداعی لا یخلّ فی قصد التملیک و الزبون یتملّکه لا بقصد ذلک الداعی .

و أنّ العمل بالشرط من قبیل الدواعی ، و الدواعی لا یضرّ تخلّفها ، و إنّما المهمّ قصده لماهیّة المعاملة و هی التملیک المجّانی ؛ و ذلک لأنّ الوفاء بالشرط لیس من قبیل الدواعی نظیر شراء اللحم من القصّاب بداعی الضیوف ، فلو لم یحضروا فی بیته لما أضرّ بالبیع ؛ و ذلک لأنّ الشرط عبارة عن الالتزام القانونی المعاملی و إنشاؤه للتملیک لیس تملیکاً ابتدائیّاً و برضی مستقلّ بالتملیک ، بل هو بتبع رضاه بأصل الاشتراط (الاشتراط الربوی)، و لیس هو بإنشاء للرضا بطیب خاصّ ، بل أنّه یتبع الالتزام بالشرط ، فحینئذٍ یکون التملیک غیر صحیح .

و بعبارة اخری : أنّ هذا التملیک لیس تملیکاً مجّانیّاً بعنوان الهدیة ، بل هو تملیک بعنوان الربا الذی هو أحد العناوین المحرّمة ، و قد خصّص من عمومات صحّة الهبة و الهدیة ، فلا یصحّ وقوع هذا العنوان .

ص:338

بحث البنوک

البنک الحکومی

مسألة 3 : لا یجوز التصرّف فی المال المقبوض منه بدون إذن من الحاکم الشرعی أو وکیله

لبناء السیّد الخوئی علی عدم ملکیّة الدول الوضعیّة - أی عدم ملکیّتها للتصرّف فی الأموال العامّة ، و عدم إمضاء الشارع لتلک التصرّفات ، فلا تقع تصرّفاتها نافذة ، فتختلط الأموال المملوکة بحوزة تلک الدول ، فتکون مجهولة المالک - و أمّا بناءً علی ما هو الصحیح (1)من الملکیّة بمعنی إمضاء الشارع تصرّفات تلک الدول الواقعة عبر المعاملات المشروعة فی ذاتها ، کإذن تسهیلی لعموم المؤمنین ، لا من باب شرعیّة تصدّی تلک الدول الوضعیّة .

فلیس المراد من ملکیّة تلک الدول أنّها مالکة ، بل الملکیّة لبیت المال ، و قد قرّر الشارع کون بیت المال مالکاً ، غایة الأمر تتصرّف هذه الدول باعتبار أنّها ولیّ قیّم علی بیت المال(الخزینة الوطنیّة)، و تلک التصرّفات لیست صحیحة بمقتضی القاعدة ، لکنّ الإمام علیه السلام الذی هو المالک الحقیقی للتصرّف یمضی تعاملات المؤمنین مع تلک الدول تسهیلاً علیهم ، و الملکیّة هی لبیت المال لا لتلک الدول ، أمّا تصرّفاتها فی بیت المال فیمضیه الولیّ الحقیقی من دون أن یرفع الإثم عن الوالی غیر الشرعی ، فمن ثمّ بنینا علی جواز المعاملة مع تلک الدول من دون حاجة إلی الإذن من الحاکم الشرعی .

فلا یفترق الحال بین البنک الحکومی و الأهلی ، کما ذهب إلیه السیّد رحمه الله . هذا و یرد علی التفرقة فی هذه المسألة و المسألة الثانیة إشکال ثانٍ :

و ذلک أنّ البنوک لها نظام خاصّ یسمّی بالنظام المرکزی و البنوک الفرعیة نظیر العین

ص:339


1- 1) کما بحثنا عنه مفصّلاً فی کتاب ملکیّة الدول الوضعیّة .

و روافدها ، أی أنّ البنک المرکزی - کما هو المصطلح الدراج فی بعض الدول - أو المؤسّسة النقدیّة الوطنیّة - کما هو المصطلح فی دول اخری - یکون هو البنک الاُمّ و بقیّة البنوک - سواء الأهلیّة أم الحکومیّة ، الأجنبیّة أم الوطنیّة - تکون کزبائن متعاملة مع ذلک البنک الاُمّ ، أی فیکون لکلّ بنک حساب خاصّ فی البنک المرکزی أو مؤسّسة النقد ، و یکون رأس مال تلک البنوک مودعاً فی الحساب الذی یخصّه لدی البنک المرکزی ، و إن کان کلّ بنک له نظام خاصّ فی التعامل مع زبائنه ، و لکن یصحّ القول بأنّ تلک البنوک تکون بمنزلة شعب للبنک المرکزی لا بقول مطلق ، بل بنحوٍ نسبی بنسبة ما حیث أنّ البنک المرکزی أو مؤسّسة النقد الوطنیّة یقومان بفرض شروط علی تلک البنوک و أنشطتها فی ذلک البلد بما یخدم المصلحة الاقتصادیّة و المالیّة فی تلک البلاد .

و الوجه فی اضطرار البنوک لفتح الحساب فی البنک المرکزی الحکومی أو مؤسّسة النقد الوطنیّة هو أمران :

الأوّل : احتیاج البنوک للسیولة النقدیّة بنحو مستمرّ ، و لا یمکن توفیرها إلّا بالسیولة الموجودة بحوزة الدولة .

الثانی : إجبار الدولة سائر البنوک علی هذا النظام لحفظ المصالح المالیّة و الاقتصادیّة للبلاد ، و حفظ الرقابة علی الحدود الجمرکیّة المالیّة بحسب الوارد و الصادر .

و علی طبق ذلک النظام البنکی تستقی البنوک سیولة یومیّة من البنک ، کما أنّها ترجع فی نهایة الیوم ، أو عدّة من الأیّام ، الفائض النقدی إلی البنک المرکزی . ففی الحقیقة البنوک یکون تعاملها مع زبائنها واقعاً علی الأموال التی لها فی حساب البنک المرکزی فی الجملة ، سواء فی شکل السیولة النقدیّة أم الذمّة الاعتباریّة ، فالنظام المرکزی خزینته أحد شعب خزینة الدولة ، و بیت المال من قبیل العین و بقیّة البنوک تکون من قبیل الجداول ، و یکون المال متحرّکاً من الجدول إلی العین و من العین إلی الجدول

ص:340

بنظام مذکور فی الکتب التخصّصیّة المالیّة و البنکیّة . و هذا النظام عامّ للبنوک .

و لو کان ذلک البنک الأهلی أجنبیّاً فهناک نوع من التعامل و السیولة المتحرّکة بشکل یومی کلّ فائض من البنوک الفرعیّة تذهب إلی البنک المرکزی و النقص فی السیولة یُملأ من المرکزی ، و علی ضوء ذلک فالودائع و الأموال التی تخزن فی البنوک الأهلیّة تکون فی خزینة البنک المرکزی و إن کانت أرباح البنک الأهلی مستقلّة .

و یتحصّل من ذلک أنّ حکم الأموال فی البنک الحکومی و الأهلی متّحد لا فرق بینهما ؛ لما عرفت من أنّ أموال البنک الأهلی مصدرها غالباً سیولة البنک المرکزی التی هی من جهول المالک علی مبنی الماتن .

لا یقال إنّه غایة ذلک أنّ بعض أموال البنک الأهلی مجهولة المالک و بعضها ملک شخصی له ، فلا مانع من التعامل معها ؛ لأنّ یده ید الملکیّة ، فهی أمارة الملکیّة و أمارة أنّه ملک و لیس بمغصوب ، إلّا إذا حصل الابتلاء بجمیع أمواله للعلم الإجمالی بوجود المغصوب ؛ لأنّه لا صغری معتدّ بها للأموال الاُخری لأنّه ما یدور فی البنوک الأهلی و ما یکون فیها من السیولة غالبها الأعظم من البنک المرکزی ، و إن کان قسط منها یحصل لدیه من التعامل مع المشترین ، إلّا أنّها ترجع کسیولة إلی البنک المرکزی ، و هو یعاود أخذها کسیولة من البنک المرکزی بعد کون خزینته الأصلیّة عند البنک المرکزی ، أی أنّ معاملاته مختلطة بنحو الإشاعة بأموال البنک المرکزی .

و لو غضضنا عن هذه الإشاعة فإطلاق فرض صحّة المعاملة معه لیس فی محلّه ، أمّا المعاملات الجاریة فی الذمم فإن کانت بلحاظ ما للبنوک من دوین و ودائع فی البنک المرکزی و مؤسّسة النقد فهی تقع باطلة علی القول بعدم ملکیّة الدولة لعدم اعتبار ذمّة البنک المرکزی .

و إن لم تکن بلحاظها - أی بلحاظ ذمّة تلک البنوک الأهلیّة ذاتها - فتقع صحیحة .

و من هذا الإشکال الثانی یتّضح مورد آخر لتطبیق الإشکال فی ما سیأتی ، و هو التعامل مع البنوک الأجنبیّة ، حیث جوّز الماتن التعامل معها ؛ إذ تلک البنوک إن کانت

ص:341

فی البلدان الإسلامیّة فالإشکال السابق یرد علیه من أنّ أمواله مختلطة بمجهول المالک بخلاف ما إذا کانت فی بلادهم .

و بالجملة أنّ الوجه التخلّصی المزبور من الربا الذی یتأتّی لأجل رفع الحرمة التکلیفیّة أو الوضعیّة علی القول بها فیما إذا کان الطرف البنک الأهلی أو المالک الشخصی ، حیث یشترط البنک علی نفسه الربا ، أنّ ذلک الوجه لا یدفع الإشکال من جهة أخذ الزیادة الربویّة لوجهین : إمّا لأنّ رضاه مقیّد أو لأنّ التملیک بعنوان الربا فی الدین عنوان صنفی من الهدیة خارج عن عموم صحّتها ، و قد یتأمّل فی الوجه الأوّل من جهة أنّ تملیک الزیادة من قبیل شرط الفعل لا شرط النتیجة کی یبطل ببطلان المشروط فیه ، و هو المعاملة الأصلیّة أو ببطلان نفس الاشتراط ؛ و ذلک لأنّ أداء شرط الفعل یتمّ بإنشاء مستقلّ ، غایة الأمر للمشروط علیه خیار الفسخ بعد عدم لزوم الوفاء بالشرط ، و لکن یمکن دفعه بأنّ الشرط فیما نحن فیه لیس شرط الفعل ، بل هو شرط النتیجة ؛ لأنّ فی القرض الربوی تشترط الزیادة بنحو تملیک شرط النتیجة و ینشأ تملّک المقرض للزیادة ، و تکون فی ذمّة المقترض ، فیکون فی ذمّته أصل الدین و الزیادة ، فتملّک الزیادة من قبیل شرط النتیجة التی یحصل أثرها بمجرّد اشتراط و بفساد الشرط یفسد تملّکها ، و ما یعطیه لاحقاً إنّما هو کأداء للزیادة المملوکة فی الذمّة .

فلا یصحّ تقاضی الزیادة لأنّها لا تعطی بقصد إنشاء مستقلّ نظیر شرط الفعل ، بل أداؤها مبنی علی الإنشاء السابق الفاسد .

مسألة 4 : لا یجوز الاقتراض منه بشرط الزیادة

اشارة

(1)

لأنّه رباً ، بلا فرق بین کون الاقراض مع الرهن أو بدونه . نعم ، یجوز قبض المال منه بعنوان مجهول المالک لا القرض بإذن الحاکم الشرعی أو وکیله ، و لا یضرّه العلم بأنّ البنک یستوفی الزیادة منه قهراً ، فلو طالبه البنک جاز له دفعها حیث لا یسعه التخلّف .

ص:342


1- 1) من البنک الحکومی .

حکم هذه المسألة بناءً علی ملکیّة الدولة - و لو بالمعنی الذی ذکرنا من التسهیل من قِبل الولیّ الحقیقی(الإمام)- و علیه یکون التعامل مع البنک الحکومی نافذاً صحیحاً ، و إن کان البنک فی الدول غیر الشرعیّة ، فمن ثمّ الاقتراض منه بشرط الربا حرام .

و هذا بخلاف الحال علی القول بعدم الملکیّة ، فإنّ المعاملة معه صوریّة باطلة ، حیث لا یملک البنک التصرّف ، و تکون ما بحوزته من الأموال المملوکة لأصحابها التی انتقلت إلی حوزته باقیة علی ملکیّة أصحابها ، فلا تنتقل إلی المقترض . فعلی هذا القول قد یستشکل فی حرمة إنشاء القرض الصوری الربوی ، و هو محلّ ابتلاء و حاجة کثیر من المکلّفین و المقلّدین ، حیث أنّ بناء البیت أو الأشیاء الاُخری الضروریّة للمعاش ، لا یتمکّن أکثر النّاس من توفیرها إلّا باقتراض من البنوک .

هذا تقریب الإشکال علی المتن ، لکنّ الصحیح هو الذی بنی علیه الماتن من الحرمة حتّی بناءً علی مجهول المالک ، و الوجه فی ذلک :

1 - إنّ حرمة الربا حیث أنّها مغلّظة فیستفاد منها حرمة الربا فی المعاملة الحقیقیّة و المعاملة الصوریّة أیضاً ، بقرینة شدّة مبغوضیّة الربا للشارع .

و لکنّ هذا المبنی علی استظهار ذلک من الأدلّة .

2 - إنّ إنشاء هذه المعاملة یحقّق إنشاء المعاملة الربویّة عرفاً فیتحقّق موضوع الحرمة .

و توضیحه : أنّ موضوع حرمة الربا لیس هو القرض الصحیح ، بل القرض الربوی بوجوده العرفی ؛ لما قد تقدّم مراراً من أنّ أدلّة الصحّة یمتاز موضوعها فی العمومات المعاملیّة عن موضوع أدلّة اللزوم بأنّ موضوعها المعاملة بوجودها العرفی ؛ لأنّ المعاملة الصحیحة شرعاً لا معنی لأن یصحّحها الشارع ، و هو تحصیل للحاصل لو جعل موضوع أدلّة الصحّة المعاملة بوجودها الشرعی ، بل الصحیح العرفی یصحّحه الشارع ، و هذا بخلاف أدلّة اللزوم ؛ إذ لا معنی لأن یوجب الشارع لزوم المعاملة العرفیّة التی لیست بصحیحة عنده ، فلا بدّ أن یکون موضوع أدلّة اللزوم المعاملة

ص:343

الصحیحة شرعاً .

و کذلک الحال فی أدلّة الفساد ؛ إذ لا یمکن أن یفسد الشارع المعاملة بوجودها الشرعی - أی الصحیحة عنده - فلا بدّ أن یکون موضوع أدلّة الفساد المعاملة بوجودها العرفی .

إن قلت : إنّه و إن سلّم أنّ موضوع أدلّة الفساد هو المعاملة العرفیّة لا الشرعیّة الصحیحة ، و لکن الموضوع هو المعاملة العرفیّة التی لیست لها مُفسد شرعی لو لا الربا ، و أمّا المعاملة التی لها مفسدات غیر الربا فلا تشملها حرمة الربا .

قلت : ما المرجح و ما المعیّن فی أن یکون المفسد جهة اخری لا هذه الجهة الربویّة ، نظیر الموانع المجتمعة کلّ منها یصحّ نسبة بطلان الصلاة إلیها ؛ إذ هی فی عرض واحد تعرض علی موضوع واحد ، و الأدلّة المختلفة لفساد المعاملة موضوعها واحد ، و هی المعاملة العرفیّة فی عرض واحد ، کما أنّه لصحّة المعاملة یستدلّ بعدّة عمومات ، و لا یعدّ ذلک لغواً .

فمن جهة انطباق العقد علیه هو موجب لصحّتها ، و من جهة انطباق البیع علیها یشملها (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) من جهة انطباق الشرط أیضاً یشملها « المؤمنون عند شروطهم » فتصحّح المعاملة البیعیّة من حیثیّات مختلفة بلا مانع من ذلک ، فهذا الوجه تامّ .

و یترتّب علی ذلک أنّ عموم حرمة الربا شاملة للمعاملة الربویّة التی ینشئها المحجور علیه ، فلا یقال : إنّ المحجور لا محصّل لمعاملاته و الربا المنشأ صوری ؛ لأنّ معاملته الإنشائیّة جدّیة بحسب العرف ، فتکون رباً فی النظر العرفی ، و إن کانت صوریّة غیر ممضاة بحسب النظر الشرعی و الأدلّة لابتلائها بمانع ، و قد عرفت أنّ موضوع أدلّة الفساد هو المعاملة بحسب النظر و افق الوجود الاعتباری العرفی ، مضافاً إلی أنّ حرمة الربا أو حرمة المعاملات الفاسدة شرعاً إنّما هو لأجل الزجر عن الجری العرفی العقلائی الموجود ، و الفرض أنّ البناء العرفی متداول و موجود ، و إن کانت

ص:344

الدولة مجهولة المالک بحسب القانون الشرعی علی القول بعدم ملکیّة الدولة أو و إن کانت من جهة اخری المعاملة فاسدة لموانع اخری ، إلّا أنّ الجری الربوی متداول به فی البناء ، و المفروض أنّ الحرمة الشرعیّة هی للسدّ عن تداول هذا البناء .

3 - تلازم الحرمة الوضعیّة و التکلیفیّة ، و المفروض أنّ فی المعاملة الربویّة المبتلاة بالفساد من جهات اخری کعدم الولایة و نحوها هی فاسدة و باطلة وضعاً من جهة مانعیّة الربا عن الصحّة ، و إذا کانت الحرمة الوضعیّة للربا عامّة شاملة للفرض فکذلک الحرمة التکلیفیّة لأنّ دلیلهما واحد بلسانٍ متّحد .

و أمّا قوله : « نعم ، یجوز قبض المال فیه بعنوان مجهول المالک لا القرض » ، فهو مبنیّ علی صحّة الحیلة التخلّصیّة ، و هی ما لو أودع و أقرض البنک الحکومی أو الأهلی ، حیث أنّ من قوانین التعامل البنکی اشتراط الزیادة علی نفسه ، لکنّ المقرض لا یأتی بذلک بنیّة جدّیة ، فلا ینوی اشتراط الزیادة علی البنک و إن کان البنک یتشارط معه فی مقام اللفظ علی ذلک ، لکن هاهنا أصل القرض الذی هو ربوی غیر منوی بالإرادة الجدّیة ، فیتخلّص منه لا بعدم الإرادة الجدیّة للشرط ، بل بعدم الإرادة الجدّیة فی أصل القرض .

و قد یُبدی تساؤل عن النکتة فی جعل الماتن الوجه التخلّصی فی الاقتراض من البنک الحکومی هو عدم الإرادة الجدّیة فی أصل القرض و لم یجعله فی عدم الإرادة الجدّیة فی الاشتراط ؟ بینما فی إقراض البنک الحکومی و الایداع فیه جعل وجه التخلّص عدم نیّة الشرط لا عدم نیّة أصل الاقراض ؟ فما الفرق بینهما ؟

و لعلّ وجهه أنّ أحد الشرائط العامّة لصحّة المعاملة هو التطابق فی أصل ماهیّة العقد و فی شرائطها ، و لا بدّ من التطابق فی الشرائط التی تشترط فی ضمن المعاملة بین الموجب و القابل .

أمّا التطابق فی الماهیّة فلا بدّ منه بلا إشکال ، و أمّا التطابق فی الشرائط فهل ضرورة التطابق هو من کلا الطرفین أو من طرف واحد ؟ ذهبوا إلی أنّ الضرورة من طرف واحد

ص:345

(و هو المشروط علیه)بمعنی أنّه لو اشترط من له الشرط علی المشروط علیه فلا بدّ للمشروط علیه أن یقبل الشرط ، و إلّا فلا یحصل التطابق ، و أمّا إذا أنشأ المشروط علیه شرطاً و لم یُرده المشروط له بالإرادة الجدّیة ، فلا یخلّ ذلک بالتطابق فی البین ؛ و ذلک لأنّ المشروط له إذا لم ینشئ الشرط فغایة الأمر أن یکون ذلک بمنزلة إسقاط الشرط ، و المفروض أنّ إسقاط الشرط من حقّه ، فکذلک إنشاؤه للحقّ لنفسه علی المشروط علیه له أن لا ینشئه .

فصورة الحال تکون حینئذٍ کالتالی : أنّ المشروط علیه یرید أن یجعل حقّاً زائداً للمشروط له ، و المشروط له لا یرید إنشاء ذلک و لا مانع منه ، و هذا بخلاف العکس ، أی إذا ما اشترط الشارط شرطاً و لم ینشئ المشروط علیه ذلک الشرط فالتطابق فی الشروط الضمنیة فی المعاملة إنّما هو من قبل المشروط علیه بأن یتابع و یطابق المشروط له ، و أمّا متابعة المشروط له للمشروط علیه فلیست بلازمة .

و هکذا الحال فی التعامل مع البنک إذا أراد الزبون أن یقرض البنک و یودع فیه مالاً ، فإنّ البنک یشترط علی نفسه الزیادة ، لکنّ الزبون لا ینویها ، و لا یخلّ ذلک بالتطابق ؛ لأنّ الزبون هو المشروط له ، أمّا إذا کان الزبون مقترضاً من البنک فشرط الزیادة علیه لا له ، فإذا لم یرض بالشرط فلن تتحقّق المطابقة بینه و بین ما أنشأه البنک الموجب ، و من ثمّ جعل الماتن الوجه التخلّصی هاهنا فی أصل القرض لا خصوص الاشتراط .

و هذا بخلاف صورة إقراض البنک و الایداع فیه (1)، فإنّ التلخّص یمکن بعدم نیّة الزبون شرط الزیادة ؛ لأنّه مشروط له لا علیه .

فالحلّ فی المسألة 4 بأن لا ینوی أصل القرض و لا الشرط الذی علی نفسه من قِبل البنک الحکومی ؛ لأنّ مال البنک هو مجهول المالک فیأخذه بذلک العنوان .

لکنّ ذلک کلّه مبنیّ علی صحّة الوجه التخلّصی المزبور ، أی مبنیّ علی إخفاء عدم

ص:346


1- 1) فی المسألة 5 .

الإرادة الجدّیة و إظهار الإرادة الصوریّة و التفکیک بینهما ، فیمکن لنا التخلّص من الإنشاءات المحرّمة بأن لا ننوی جدّاً الإنشاء ، بینما إذ الإرادة الجدّیة أمر باطن فلا ینشئها فی افق النفس ، و لکن فی الظاهر تنشئ النفس الإرادة الصوریّة ، مع عدم نصب أی قرینة علی عدم الإرادة الجدّیة . و سیأتی الکلام مبسوطاً حول هذه القاعدة فی التفکیک بین الإرادتین .

ص:347

استواء التصرّف فی الأموال العامّة : علی مجهول المالک مع القول بالملکیّة

کما أنّه لا یخفی أنّ هذه الحیلة فی المقام إنّما تتمّ بناءً علی مجهول المالک ، و أمّا بناءً علی ملکیّة الدولة فقد یخدش فیها ؛ لأنّ المال ملک الخزینة الوطنیّة(بیت مال المسلمین)، فلا یصحّ وضع الید علیه ، و لا یجوز أکله من دون سبب معاملی مشروع ، کما حکی ذلک عن عدّة من الأعاظم فی العصر الأخیر . لکنّنا قد ذکرنا فی محلّه (1)أنّ الاستفادة من بیت المال المزبورة بمقدار لا ینطبق علیه الفساد و الإضرار بالصالح العام جائزة و مأذونة ، کما هو مفاد الروایات المعلّلة ذلک بأنّ(له فی بیت المال نصیباً)، فعلی ذلک تتمّ هذه الحیلة بناءً علی الملکیّة أیضاً .

و قد یقال : إنّ البنک جهة مالیّة ذات شخصیّة مستقلّة فیملک المال بنفسه و باسمه لا بعنوان الوکالة عن غیره أو الولایة علیه کی یتوقّف نفوذ تصرّفه و تملّکه علی إثبات الوکالة أو الولایة ، و علی هذا فلا یتوقّف تملّک البنک للمال علی أی مقدّمة وراء عنوان نفسه ؛ و ذلک لأنّ عنوانه قابل لأن یتملّک الأشیاء بأسباب الملک المقرّرة ، فعنوانه یخالف عنوان الحکومة و الدولة ، فإنّ عنوانهما آلیّان بعنوان الوکالة عن الاُمّة أو بعنوان الولایة علیهم . أی إمّا أن تکون وکیلاً من قِبلهم جمیعاً أو أنّها والیة علیهم نفوذ جمیع تصرّفاتها بما فیها من المعاملات المالیّة و المعاوضات یتوقّف علی أحد الأمرین المزبورین .

و فیه : أنّ جمیع مؤسّسات الدولة و ممتلکاتها من قبیل البنوک و المصانع و المجمّعات التعاونیة و الشرکات و غیرها من أصناف العناوین و المؤسّسات المالیّة

ص:348


1- 1) ملکیّة الدول الوضعیّة / التنبیهات .

و التجاریّة و الزراعیّة و الصناعیّة و إن کانت من حیث أنّها عناوین حقوقیّة قابلة لأن تکون مالکاً للأموال فیقال إنّ المؤسّسة الفلانیّة تملک کذا رصیداً من المال ، و تملک قطعاً من الأراضی و مجموعة من الأبنیة و نحو ذلک ، إلّا أنّ تلک العناوین علی نمطین فی الاعتبار و التقنین العقلائی :

النمط الأوّل : یکون مملوکاً هو أیضاً لمالکین ذوی شخصیّة حقیقیّة ، و لو بترامی الوسائط ، نظیر الشرکات و المؤسّسات السهامیّة ، و نظیر العبد الرقّ المالک لأمواله ، فإنّه بدوره أیضاً مملوک للمالک الحرّ ، ففی هذا النمط العناوین ذات الشخصیّة الحقوقیّة و إن کانت مالکة و قابلة لأن تتملّک ، إلّا أنّها لیست المالک النهائی و الأخیر ، فمن ثمّ حکم ملکیّتها و ولایتها تتبع ملکیّة و ولایة من هو ورائه .

و النمط الثانی من العناوین ذات الشخصیّة الحقوقیّة لا یکون له مالک ورائها نظیر عنوان المسجد ، فإنّه یتملّک الأموال و الأعیان کالعقارات ، و لکن لیس له مالک وراء نفسه ، و کذلک الحال بلحاظ عنوان(بیت مال المسلمین)فإنّه یتملّک کثیراً من الأرصدة المالیّة من منابع مختلفة فی الفقه ، کالزکاة ، و خراج الأراضی المفتوحة عنوة ، و ردّ المظالم ، و غیر ذلک ، لکن لیس له مالک ورائه و إن کان مصرفه آحاد المسلمین الواجدین لصفات معیّنة .

و هذا النمط من العنوان و إن کان مالکاً نهائیاً ، إلّا أنّه لمّا کان عنواناً حقوقیاً جامداً لیس بالحیّ الشاعر العاقل کان لا محالة محتاجاً إلی لولیّ قیّم علیه یدبّر اموره و أمواله نظیر الصبی الحرّ المالک القاصر ، فإنّه و إن کان مالکاً للأموال إلّا أنّه یحتاج إلی ولیّ یدبّر شئون أمواله .

فتحصّل أنّ کلا النمطین من العناوین الحقوقیّة المالکة لا بدّ من فرض ولیّ لها یدبّر شئونها المالیّة ، إمّا لأنّه المالک النهائی کما فی النمط الأوّل أو لاضطرار العنوان الجامد لقصوره إلی ولیّ یتصرّف فی أمواله بما فیه من مصلحته .

إذا عرفت ذلک فعناوین المؤسّسات المضافة إلی الحکومة و الدولة من العناوین

ص:349

الحقوقیّة من النمط الأوّل ، أی مملوکة لمالک نهائی ورائها و ذلک المالک لیس هی الحکومة و الدولة ، بل هو بیت مال المسلمین(الخزینة الوطنیّة)، و الدولة و الحکومة موضعها موضع القیّم و الولیّ ، سواء کان شرعیّاً أم غیر شرعی ، أی الولیّ الذی یتصرّف فی شئون أموال عنوان بیت مال المسلمین - و من أمواله و ممتلکاته سائر العناوین الحقوقیّة الاُخری من المصانع و الشرکات و البنوک و غیرها - فنسبة الدولة و الحکومة مع عنوان بیت مال المسلمین(الخزینة الوطنیّة)نسبة الولیّ مع النمط الثانی من العناوین ، و نسبة الحکومة و الدولة مع العناوین الاُخری المملوکة لبیت المال هی نسبة الولیّ مع العناوین من النمط الأوّل .

و بالحقیقة أنّ المالک النهائی هو بیت مال المسلمین(الخزینة الوطنیّة)، و عنوان الدولة و الحکومة و إن کان عنواناً ذات شخصیّة حقوقیّة ، إلّا أنّه لا یعتبر فی التقنین العقلائی الوضعی عنواناً مالکاً للأموال ، بل عنواناً مالکاً للتصرّف و لولایة الاُمور العامّة ، و إن کانوا یقسّمون الأموال العامّة إلی قسمین :

الأوّل : أموال الدولة و الحکومة ، و الثانی : أموال الشعب و الاُمّة(الخزینة الوطنیّة بیت مال المسلمین)، إلّا أنّه لیس غرضهم من ذلک التقسیم الإسناد الحقیقی ؛ لأنّ الأموال العامّة کلّها ملک الخزینة الوطنیّة(بیت مال المسلمین)، بل غرضهم أنّ أعیان الأموال العامّة تارة حکمها هو جواز تصرّف الدولة بنقلها و المعاوضة علیها و علی منافعها ، أی مطلقة العنان فی التصرّف فیها ، و إن کانت عوائدها هی تصرّف فی الصالح العامّ و اخری حکمها المنع من التصرّف فی أعیانها بالنقل و الانتقال ، بل تتصرّف فی منافعها فی ما هو الصالح العامّ .

فتحصّل أنّ العناوین ذات الشخصیّات الحقوقیّة ، کالبنوک و المصارف الحکومیّة و المصانع و الشرکات الحکومیّة و إن کانت عناوین قابلة للملکیّة ، إلّا أنّها مملوکة لبیت المال ، و علی أی تقدیر ، فولیّ التصرّف فیها هی الحکومة و الدولة فی النظام الاجتماعی القائم لدی العقلاء ، سواء کانت الدولة شرعیّة بحسب فقه الشریعة أم

ص:350

لیست شرعیّة ، و إن کانت شرعیّة بحسب القانون الوضعی أم لیست شرعیّة بحسبهما .

و بالتالی فتصرّفات البنک الحکومی أو أی مؤسّسة و شرکة حکومیّة فی الأموال حکمه حکم تصرّفات الدولة لا تفکیک بینهما ، و إن کانت تلک العناوین قابلة لأن تتملّک کما هو الحال فی بیت مال المسلمین ، فإنّه لم ینازع أحد من الفقهاء فی مالکیّته ، و إنّما اختلف فی نفوذ تصرّفات الحکومة و الدولة غیر الشرعیّة فی أمواله ، و بالتالی اختلاطهم مع أموال آحاد المالکین من النّاس . فمنهم من بنی علی مجهول المالک لعدم نفوذ تصرّفات الدولة لا لعدم مالکیّة بیت مال المسلمین و لا لعدم مالکیّة العناوین الاُخری ذات الشخصیّة الحقوقیّة(الشرکات و المؤسّسات)، و منهم من بنی علی نفوذ تلک التصرّفات تسهیلاً من المعصوم ، الولیّ الحقیقی لعامّة المؤمنین و حفظاً للنظام الاجتماعی عن الهرج و المرج (1)لا لشرعیّة تلک الدول غیر المنصوبة من قِبل الشارع .

فالکلام لیس فی مالکیّة العنوان و لا فی مالکیّة الحکومة کی یتخلّص من الورطة المزبورة بتصویر عنوان المالک ، بل أنّ ذلک أمر مفروغ عنه ، و هو بیت مال المسلمین (الخزینة الوطنیّة)و العناوین الطولیّة الاُخری ، کما أنّ عدم ملکیّة الدولة للأموال أمر مفروغ عنه بین القولین ، و إنّما الکلام فی ملکیّتها للتصرّفات فی الأموال ، أی نفوذ تلک التصرّفات . هذا أوّلاً .

و ثانیاً : أنّ مشروعیّة الحکومة و الدولة فی مذهب الإمامیّة منحصرة فی الولایة النیابیّة عن المعصوم ، و لیس التوکیل و الوکالة عن الاُمّة موجباً لمشروعیّة الحکومة ؛ لأنّ ولایة الأمر لیست بید الاُمّة و الناس ، و إنّما هی بید اللّه (إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ لِلّهِ) (2)(الْوَلایَةُ لِلّهِ الْحَقِّ) (3)(إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ

ص:351


1- 1) لاحظ کتاب ملکیّة الدول الوضعیّة.
2- 2) سورة الأنعام 6 : 57 .سورة یوسف 12 : 40 و 67 .
3- 3) سورة الکهف 18 : 44 .

اَلصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ) (1)فتدبیر امور العامّة هی حقّ اختصاص للّه تعالی ، و من ثمّ للرسول صلی الله علیه و آله ، و من ثمّ للأوصیاء علیهم السلام .

و علی ذلک فلو فرض وجود الحکومة منتخبة من قِبل جمیع الاُمّة بحیث کان اختیار تلک الحکومة تمام خیار الحریة للنّاس لما أوجب ذلک مشروعیّة و نفوذ تصرّفات تلک الحکومة .

مسألة 5 : لا یجوز إیداع المال فیه بعنوان التوفیر بشرط الحصول علی الربح و الفائدة

لأنّه ربا (2) ، و یمکن التخلّص منه بإیداع المال بدون شرط الزیادة بمعنی أنّه یبنی فی نفسه علی أنّ البنک لو لم یدفع له الفائدة لم یطالبها منه ، فلو دفع البنک له الفائدة جاز له أخذها بعنوان مجهول المالک بإذن الحاکم الشرعی أو وکیله (3) .

و من هنا یظهر حال البنک المشترک ، فإنّ الأموال الموجودة فیه داخلة فی مجهول المالک ، و حکمه حکم البنک الحکومی .

إن حکم الماتن علی البنک المشترک بمجهول المالک یعزّز الإشکال الذی ذکرناه سابقاً من أنّ البنوک الأهلیّة حتّی الأجنبیّة فی أیّة دولة أموالها مشترکة مع الأموال الحکومیّة ؛ إذ لا یمکن أن تعزل نفسها عن حرکة المال بینه و بین البنک المرکزی فتختلط الأموال ، فالبنک الأهلی مشترک و حکمه حکم المشترک ، إلّا أنّ الماتن لم یساو بینهما .

و توضیح ذلک : أنّ الید المتولّیة فی البنک المشترک لیست هی ید المالک المحضة ، بل هی ید مشترکة(ید مالکة و ید الحکومة الوضعیّة)، و هی ید لا ولایة

ص:352


1- 1) سورة المائدة 5 : 55 .
2- 2) الکلام هو الکلام فی البنک الأهلی طبعاً ، و لا یجوز أخذ الزیادة حتّی بناءً علی صحّة التفرقة بین البنک الأهلی و الحکومی .
3- 3) للدلیل المذکور فی المسألة 2 .

شرعیّة لها بضمیمة ید لها ولایة ، و هذا بخلاف البنک الأهلی ، فإنّ الید فیه متمحضة فی الید المالکة شرعاً ، و حینئذٍ نقول : لو کانت الید المالکة فی البنک الأهلی مصحّحة لأماریّة الملکیّة مع العلم الإجمالی بوجود کثرة مجهول المالک ، و مع ذلک تجری أمارة الید ، لکان الحال فی البنک المشترک کذلک ؛ لأنّ الاشتراک هو بالنسبة ، فبقدر نسبة الید المالکة یکون ذلک القدر مجری لأماریّة الید و القدر الآخر مشکوک أو مجهول المالک ، مثلاً : لو کانت نسبة الاشتراک بنحو المناصفة المئویّة ، فالخمسون مجهول المالک ، و الاُخری مملوکة ، فلا یحکم بأنّ مجموع المال المقبوض من البنک المشترک مجهول المالک ، بل لا بدّ من تقدیر ذلک بحسب سهام الدولة و الحکومة فی ذلک البنک ؛ إذ الید لیست أمارة تأسیسیّة من الشارع بل إمضائیّة ، و لا ریب أنّ العقلاء إذا علموا بأنّ مالکاً خاصّاً غالب ما فی دکانه مغصوب فلا یجرون معه معاملة ذی الید و المالک ، و لا یجرون أمارة الید مع العلم الإجمالی الکبیر الإشاعی .

و علی ذلک فلا تکون الید فی البنک الأهلی و لا المشترک مجری لقاعدة الید ؛ و ذلک لما عرفت من أنّ غالب السیولة المتحرّکة فی تلک البنوک مصدرها و مآبها إلی البنک المرکزی بنحو یومی .

هذا فی البنوک الإسلامیّة .

و أمّا البنوک غیر الإسلامیّة (1)- أهلیّة کانت أم غیرها - فلا مانع من قبض المال منها لا بقصد الاقتراض بلا حاجة إلی إذن الحاکم الشرعی ، و أمّا الایداع فیها فحکمه حکم الایداع فی البنوک الإسلامیّة ، انتهی .

جواز قبض أموال البنوک الأهلیّة لا سیّما إذا کان فی البلدان غیر الإسلامیّة لکونها

ص:353


1- 1) مراد الماتن من البنوک الإسلامیّة و غیر الإسلامیّة لیس المعنی الدائر هذا الیوم من کون نظام البنک علی الطریق الإسلامیّة المحلّلة أو المحرّمة ، بل مراده قدس سره کونه فی البلاد الإسلامیّة المؤسّس من قِبل المسلمین بخلاف المؤسّس من قِبل الکفّار .

غیر مجهولة المالک ، بل أموال الکفّار کلّها فیء للمسلمین .

و لکن قد ذکرنا قبل قلیل أنّ البنک غیر الإسلامی إذا کان فی البلد الإسلامی فلا یصحّ التمییز بینه و بین البنک الإسلامی الحکومی ؛ لوجود الاختلاط القهری فی السیولة المالیّة مع البنک المرکزی(أو مؤسّسة النقد الوطنیّة)، فبناءً علی عدم ملکیّة الدولة و کون أموالها مجهولة المالک یحتاج القبض إلی الإذن ، کما مرّ ، و أمّا بناءً علی الملکیّة و عدم مجهول المالک فلا حاجة إلی الإذن ، و أصل الاقتراض صحیح و إنّما یحرم الشرط للربا .

نعم ، یتمّ کلام الماتن فی البنک الأجنبی إذا کان فی دار الکفر .

و قد مرّ فی صورة الایداع عدم جواز أخذ الزائد إذا کان قد أودع ماله بنکاً أهلیّاً من حیث یکون الزبون مقرضاً و یبنی فی نفسه علی أن لا یأخذ الزیادة فی مقام إنشاء القرض و الایداع ، و لا إشکال فی ذلک باعتبار أنّ المشروط له لا یقصد بنحو الإرادة الجدّیة الاشتراط علی المشروط علیه ، فلا یتحقّق الاشتراط للشرط الربوی المحرّم من المقرض و صحّة القرض لا تجوز أخذ الزیادة ؛ لأنّ البنک الأهلی یُعطیها مبنیّاً علی الاشتراط الربوی لا بتملیک جدید مستقلّ ، بل أداء للتملیک السابق الذی هو بنحو شرط النتیجة .

هذا حکم الزیادة فی البنک الأهلی المسلم ، و أمّا الأجنبی فیجوز أخذ الزیادة بعنوان وضع الید علی الفیء و استنقاذه من ید الکافر ، و أمّا اشتراط الزیادة علیه فسیأتی جوازه لجواز أخذ الربا من الکافر ، و من ثمّ یجوز أخذ الزیادة بعنوان استیفاء الشرط أیضاً .

و للسیّد السیستانی - حفظه اللّه تعالی - تفصیل فی خصوص هذا الفرض ، حیث قال :

مسألة 4 : لا یجوز الایداع فی البنوک الأهلیّة بمعنی إقراضها مع شرط الزیادة ،

و لو فعل ذلک

ص:354

صحّ الایداع و بطل الشرط (1)، فإذا قام البنک بدفع الزیادة لم تدخل فی ملکه (2) ، و لکن یجوز له التصرّف فیها إذا کان واثقاً من رضا أصحابه (3) بذلک حتّی علی تقدیر علمهم بفساد الشرط و عدم استحقاق للزیادة شرعاً ، کما هو الغالب ، انتهی .

هذا الاستثناء نظیر ما ذکره الفقهاء فی بحث المقبوض بالعقد الفاسد فی البیع من أنّ المقبوض بالعقد الفاسد لا یجوز التصرّف فیه ؛ لأنّ العقد قد فسد .

إلّا أن یعلم القابض أنّ المالک راضٍ بتصرّفه فی العین و إن فسد العقد شرعاً ؛ لأنّ الفرض أنّه رضا آخر ابتدائی ، لا رضا منبثق من العقد .

و فی ما نحن فیه أیضاً الرضا حیث کان غیر منوط بالشرط بالفاسد ، و إنّما هو رضا ابتدائی فیجوز له التصرّف فی الزیادة ، و لکنّ الصحیح العدم ، و الوجه فی ذلک هو : أنّ الرضا تارة و إن لم یکن منوطاً بالشرط الفاسد من قِبل الشرط ، أی لیس منوطاً بصحّة الشرط عند الشرع ، و لکنّه منوط بالشرط بحسب وجوده فی افق الاعتبار العقلائی ، أو قد یکون منوطاً بالشرط بحسب وجوده فی افق اعتبار المتعاقدین و إن لم یعتبره العقلاء موجوداً کما فی الشروط الفاسدة العقلائیّة ، و هذا لا یسمّی رضاً ابتدائیّاً ، بل هو رضی بمقتضی الشرط الربوی ، غایة الأمر أنّ رضاه غیر منوط بالإمضاء الشرعی .

و تارة اخری یکون رضاً مبتدأ حقیقة غیر منوط بالشرط لا بحسب الوجود الشرعی(الصحّة الشرعیّة)و لا بحسب الوجود العقلائی(الصحّة العقلائیّة) و لا بحسب الوجود فی افق اعتبار المتعاقدین ، فحینئذٍ لا یکون هذا الرضا علی مقتضی العمل بالشرط الربوی ، و یکون التصرّف سائغاً جائزاً شرعاً ؛ لأنّه لیس عملاً

ص:355


1- 1) بناءً علی أنّ شرط الربا لا یُفسد القرض ، کما هو الصحیح .
2- 2) إذ أخذ الزیادة نوع من استمرار العمل بالربا .
3- 3) أصحاب البنک الأهلی .

بالرضا ، و هذا بخلاف الصورة الاُولی ، فإنّ التصرّف حیث أنّه بمقتضی الالتزام الربوی فی افق الاعتبار العرفی فإنّه یکون محرّماً ؛ إذ قد عرفت أنّ أدلّة الفساد و الحرمة موضوعها الأمر الإنشائی ، و المعنی بحسب الوجود العرفی لا الشرعی ، و الغالب فی رضی المتعاقدین عند علمهم بالفساد إنّما هو الصورة الاُولی لا الثانیة ؛ إذ لا تکون الدواعی فی باب المعاوضات علی الإذن المجانی ، فما ذکره السیّد من عدم إناطة الرضا بصحّة الشرط الشرعیّة لا ینفی إناطة الرضا بالشرط بحسب الوجود العرفی العقلائی الذی هو موضوع أدلّة الحرمة و الفساد .

و لک أن تقول : إنّ الذی ذکروه فی بحث المقبوض بالعقد الفاسد من أنّ صاحب العین إذا کان لدیه رضاً بالتصرّف فی العین حتّی علی تقدیر فساد العقد ، إنّما هو فی العقد الفاسد المبتلی بمجرّد مانع وضعی ، لا ما إذا کان مبتلی بمانع وضعی و تکلیفی معاً .

مثلاً : تارة یکون البیع فاسداً بسبب عدم الکیل و عدم معلومیّة العوضین ، و اخری یکون فاسداً للمانع الوضعی و التکلیفی معاً ، و فی الصورة الثانیة لم یذهبوا إلی صحّة التصرّف بالرضا ، و الوجه فی ذلک ما أشرنا إلیه فی البحث السابق من أنّ أدلّة الحرمة موضوعها المعاملة بوجودها العرفی لا الشرعی ، فحینئذٍ رضا المعطی للزیادة بعنوان الربا لا ربط لها بالهبة ، و إنّما یُعطی الزیادة جریاً علی الاشتراط الربوی ، و هو یعلم أنّ هذا الاشتراط لیس بصحیح شرعاً ، لکن یراه صحیحاً عرفاً و یجری علیه ، و یلتزم به فی البناء العرفی ، و الشارع إنّما حرّم البناء و الجری العرفی سدّاً لأبواب أمثال هذه المعاملات عن التداول بها .

و الفرض أنّهم غالباً یجرون علی الاشتراط الذی وقع لا أنّهم یفترضونها کهدیّة مستقلّة ، و التحریم الشرعی ناظر إلی الوجود العرفی ، فعدم إناطة الرضا بالصحّة الشرعیّة لا یوجب الجواز ، فالتفصیل فی غیر محلّه ، فلا یسوغ أخذ هذه الزیادة ؛ لأنّ الحال فی المعاملة الربویّة أشدّ ، و لیس من قبیل بقیّة المعاملات الفاسدة بشروط

ص:356

فاسدة أو بمانع وضعی فقط .

بل إنّ عدّة من الفقهاء ذکروا أنّ فی المعاملة الفاسدة بمانع وضعی مجرّد ، فضلاً عن المانع الوضعی و التکلیفی أیضاً لا یجوز الالتزام بالبناء العرفی ، و لا یجوز الجری علیه ، و إن کان المتعاقدان یوطّنان أنفسهما علی أنّ البیع شرعاً لیس بواقع ، و إنّما هو موجود فی افق اعتبار العرفی ؛ و ذلک لکونه أکلاً للمال بالباطل ، و المفروض أنّ الرضا مقیّد بمقتضی تلک المعاملة المفروض فسادها و عدمها فی الاعتبار الشرعی ، کما أنّ غرض الشارع من اعتبار فساد المعاملة هو سدّ باب التداول بها .

و من الغریب حینئذٍ التعلیل بأنّ رضا المتعاقدین موجود فی الفرض ؛ إذ رضاهما لیس موجوداً بغضّ النظر عن البیع الفاسد ، و إنّما هو مقیّد و منوط بالبیع الذی قد أبطله الشرع .

و معنی إبطال الشرع لمعاملة غیر واجدة للشرائط هو افتراض أنّ العوض باقیان علی حالهما السابق ، و لم یحدث النقل و الانتقال فی البین ، و یکون تصرّف الغیر فیه غصباً ، و المفروض عدم وجود رضیً مبتدئا بالتصرّف المجّانی . فالحرمة التکلیفیّة هاهنا بلحاظ التصرّف فی مال الغیر من دون إذنه ؛ إذ الإذن المقیّد بالمعاملة قد اعتبر کالعدم فی اعتبار الشارع بخلاف الحرمة التکلیفیّة فی المعاملات المحرّمة ، فإنّ هناک حرمة اخری هی الحرمة الخاصّة بتلک المعاملة .

و الذی ذکره الفقهاء هی صورة ثالثة ، و هی ما إذا کان رضاهما غیر مرهون بالمعاملة ، فحینئذٍ یجوز التصرّف ؛ لأنّه تملیک مجّانی ، و الشارع و إن اعتبر الرضا المقیّد بالمعاملة کالعدم ، إلّا أنّ الرضا الابتدائی غیر مقیّد بالمعاملة .

و لک أن تقول بعبارة ثالثة : بأنّ الصحّة الشرعیّة مأخوذ فی موضوعها الرضا ، فکیف یحتمل تارة إناطة الرضا بالصحّة الشرعیّة ، و اخری عدم إناطته بها ؟ بل هو یناط دائماً بذات الماهیّة لا بقید الوجود الشرعی ، و لا بقید الوجود العرفی و لا الوجود فی افق اعتبار المتعاقدین .

ص:357

الإرادة الظاهریّة و الجدّیة فی المعاملات

اشارة

و الوجه فی الخوض فی هذا البحث أنّ الحیلة التخلّصیّة السابقة تبتنی علی التفکیک بین الإرادة الظاهریّة المبرزة و الإرادة الجدّیة الباطنة مع ضمیمة ثانیة ، و کون کون المعاملة منوطة بالإرادة الجدّیة و إن کانت باطنة ، فمؤدّی تلک الحیلة أنّه إذا کانت معاملة ما محرّمة شرعاً تکلیفاً و وضعاً ، أو شرط معیّن محرّم تکلیفاً و وضعاً ، فطریق التخلّص من تلک المعاملة المحرّمة هو عدم الإرادة الجدّیة فی الباطن لتلک المعاملة .

مثلاً : البنک الحکومی الذی لا یجوز الاقتراض منه بشرط الزیادة علی مبنی مجهول المالک لا بدّ من کون الإنشاء للاقتراض من البنک صوریاً بأن یکون فی نیّته و إرادته الجدّیة أنّه وضع بالید علی المال بعنوان المجهول المالک ، فیجری الحیلة فی أصل الاقتراض .

و کذلک الحال فی الإقراض بشرط الزیادة صوریاً بأن لا یقصد الربا جدّاً ، فلا یکون مرتکباً للحرام . و البحث فی المقام هو فی وقوع الإنشاء صوریّاً غیر جدّی إذا لم ینو فی الباطن ، و إن ظهر فی الصورة و العلن الإرادة الجدّیة ، و تلفّظ و أنشأ و أمضی ورقة العقد و لم ینصب أیّة قرینة مخالفة لا بدءاً و لا نهایة ، فهل یعدّ هذا إنشاءً صوریّاً أو جدّیاً ؟

و قبل الخوض فی هذا البحث لا بدّ من الإلفات إلی نکتة معترضة ، و هی أنّه بمجرّد أن یوطّن نفسه بأن لا یطالب بالزیادة یغایر توطین نفسه علی عدم الالتزام بالشرط ، و لأجل ذلک لم یعبّر بعض الأجلّة بمثل عبارة الماتن بقوله :

یجوز الایداع فی البنوک الأهلیّة بمعنی إقراضها مع عدم اشتراط الحصول علی الزیادة ، بمعنی عدم إناطة القرض بالتزام البنک بدفع الزیادة(المقرض لا یقول اقرضک بشرط أن لا تلتزم لی)لا بمعنی أن یبنی فی نفسه علی أنّ البنک لو لم

ص:358

یدفع الزیادة لم یطالبها منه ، فإنّ البناء علی المطالبة یجتمع مع عدم الاشتراط ، کما یجتمع البناء علی عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبی عن الآخر .

انتهی .

و الوجه فی المغایرة أنّ البناء علی عدم المطالبة یجتمع مع الاشتراط ؛ لأنّ حقیقة توطین للنفس علی عدم استیفاء الشرط لا أنّه توطین للنفس علی عدم الاشتراط .

کما أنّ البناء علی المطالبة یجتمع مع عدم الاشتراط فیبنی علی الاستیفاء ، و إن لم یتمّ الشرط مثلاً ، أی یستوفیه غصباً ، فالبناء علی الاستیفاء و عدم الاستیفاء لا ربط له بالاشتراط و عدمه ، فلا یکفی فی عدم قصد الاشتراط أن یوطّن نفسه علی عدم الاستیفاء ، بل لا بدّ أن لا ینیط إنشاء القرض علی الالتزام ، بل إنّ توطین النفس علی عدم الاستیفاء مبنیّ علی الاشتراط .

إلّا أنّ الکلام أنّه کیف یفکّک القرض عن الشرط ؟ هل بعدم إناطته لفظاً أو بعدم إناطته فی مقام الإرادة الجدّیة الباطنة ؟ فبدل أن یبنی علی عدم الاستیفاء یجعل الإرادة الجدّیة متوجّهة إلی عدم الالتزام بالشرط .

و نعود إلی أصل البحث : من أنّ ما یبرزه من إنشاء الشرط علی المشروط علیه من دون إظهار عدم الإرادة الجدّیة ، بل الظاهر دالّ علی الإرادة الجدّیة ، و لکن یبنی فی نفسه علی أنّه لا یرید ذلک الشرط ، فحینئذٍ لا یکون هذا الإنشاء نافذاً ، فهو ینشئ شیئاً و لا یظهر أی مخالفة له ، و مع ذلک لا یرید المنشَأ .

و هذا البحث قبل أن یکون تعبّدیاً هو بحث تقنینی عقلائی ، و فی الموجود الاعتباری لدیهم ، و أنّ حقیقة الإنشاء التی هی مرهونة و منوطة بالإرادة الجدّیة بأی معنی ، و فی أی رتبة منها ؟ و یساهم فی اکتشاف البناء العقلائی بحوث القوانین الوضعیّة لا بالنظر إلی تقنیناتهم ، بل بما هی بناءات عقلائیّة .

و قد ذکر فی هذا الصدد الدکتور عبد الرزاق السنهوری فی کتابه(الوسیط)أنّ اشتراط الإرادة الجدّیة فی العقود یفسّر بقولین : قول یمیل إلی النزعة الباطنیّة ، و قول

ص:359

یمیل إلی النزعة الظاهریّة ، أی أنّ الأوّل یجعل المدار علی الإرادة الباطنیة ، و الثانی علی الظاهر .

و یستدلّ للقول الثانی بأنّه إذا بنی علی الإرادة الباطنیّة من دون أی موضوعیّة للظاهر فحینئذٍ لا ثوابت فی التعامل الظاهری ، مع أنّ الضرورة قاضیة بجعل ثوابت منضبطة معیّنة و لا یتوهّم أنّ هذا الدلیل هو بلحاظ مقام التخاصم و النزاع و الاختلاف ، فإنّ ذلک مقام آخر یُفصَل بالطرق المقرّرة فی القضاء ، بل البحث فی مقوّمات وجود المعاملة و مدی موضوعیّة الظواهر فی ذلک ؛ إذ بالظواهر تتقرّر الثوابت للتعامل و بدونها لا ینضبط التعامل و التعاقد الإنشائی ، ثمّ إنّ السنهوری یختار قولاً وسطاً بکون المدار علی کلّ منهما معاً .

ثمّ إنّ تنقیح الحال فی کیفیّة الإرادة الجدّیة فی الإنشاء یتمّ باستعراض الأقوال فی حقیقة الإنشاء ، و أبرزهما مسلکان :

الأوّل : قول المشهور من أنّ الإنشاء إیجاد للمعنی باللفظ .

الثانی : إنّ الإنشاء إبراز للمعنی فی الذهن و الحکایة عمّا فی الضمیر ، و قد ذهب إلی ذلک المحقّق النهاوندی فی تشریح الاُصول ، و المحقّق العراقی و السیّد الخوئی .

فالإنشاء لدیهم لیس علّة لإیجاد المعنی المُنشَإ ؛ إذ المنشأ لیس موجوداً تکوینیّاً ، بل اعتباریّاً ، و لا یکون الإنشاء منزّلاً منزلة العلّة التکوینیّة ؛ لأنّه لا أثر لذلک التنزیل ، فعلی هذا المسلک الإرادة الجدّیة المتعلّقة بالإبراز و المتعلّقة بالمبْرَز موجودتان .

و أمّا علی المسلک المشهور ، فالإرادة الجدّیة بالمنشإ و بنفس التلفّظ بالإنشاء موجودة ، غایة الأمر الإرادة المتعلّقة بنفس التلفّظ ممهّدة للإرادة المتعلّقة بالمنشإ ، فإذا کان المتکلّم یقدم علی التلفّظ بالإنشاء أو إبراز الإرادة ، فهذا الإقدام لا محالة جدّی ، و إلّا لم یصدر منه التلفّظ و الإبراز ، کما لا ریب فی أنّ الإرادة الجدّیة بالتلفّظ و الإبراز معلولة و ولیدة الإرادة الجدّیة المتعلّقة بالمبرز و المنشأ ، فإنّ المتکلّم فی نفسه یرید المنشأ أوّلاً أو یرید المبرَز - کالبیع - و من ثمّ یرید إنشاءه أو إبرازه .

ص:360

نعم ، لو نصب قرینة علی الخلاف لکانت الإرادة الجدّیة بالإبراز ولیدة إرادة اخری من الإکراه أو الهزل أو غیر ذلک من الدواعی ، و لیس المراد من نصب القرینة و عدم نصبها بیان الطریقیّة المحضة للقرینة و طریقیّة ألفاظ الإنشاء ، بل المراد بیان موضوعیّة آلة الإنشاء و بیان تغایر أدوات الإنشاء بعضها مع بعض ، فإنّ أداة الإنشاء و الإیجاد للمعانی المعاملیّة تختلف عن أداة إنشاء و إیجاد الهزل ، کما أنّها تختلف عن أداة الإنشاء فی حالة الإکراه ، و عن أداة الإنشاء فی الدعاء و بقیّة العناوین و الحالات الإنشائیّة ، و لکنّ الفرض أنّه مختار لا مکره ، و الإرادة الجدّیة بإنشاء البیع موجودة ، فمع وجودها لا تتخلّف الإرادة المتعلّقة بالمبْرَز أیضاً ، حیث أنّ الذی یُظهر الإنشاء و یُظهر آلة الإنشاء و یُظهر اللفظ لا محالة له إرادة جدّیة فی الإبراز و فی التلفّظ باللفظ ، إلّا أنّ الکلام فی الداعی لذلک ، أی فی الإرادة وراء الإرادة ؛ لأنّه لو لم تکن لدیه إرادة جدّیة فی الإبراز لما وقع منه التلفّظ و لما أبرز شیئاً .

و الإرادة الجدّیة للإبراز و الإظهار مترتّبة و متأخّرة و ولیدة لإرادة اخری ، فهل تلک الإرادة الاُخری هی الإرادة غیر الجدّیة من قبیل إرادة الهزل أو إرادة الاستغفال و استنقاذ الأموال و نحوها من العناوین ، أو هی الإرادة الجدّیة لأصل المعنی ، باعتبار المعنی فی الذهن ، فیعتبر الشیء فی ذمّته ، ثمّ تتولّد له إرادة جدّیة اخری لإظهار ذلک المعتبر ؛ إذ الفرض أنّه أظهر آلة إنشاء معیّنة تنشئ و توجد اللفظ ، و لم ینصب أیّة قرینة ممانعة دالّة علی عدم إرادة المعنی ، بل کلّ ما أبرزه من القرائن دالّة علی إرادة المعنی .

و علاوة علی ذلک أنّه یجری عملاً علی الالتزام بمفاد الشرط أیضاً ، و هو علی علم من نفسه بأنّه سوف یجری عملاً علی مفاد الشرط ، فکیف یکون عنوان الإرادة الثانیة استنقاذ الأموال و استغفال الطرف الآخر ، و نحو ذلک ، و مع کلّ ذلک فکیف یمکن تصوّر القول بأنّ هذا لیس إنشاءً جدّیاً ؟

و قد ینقض بالمستهزئ أو المکره ؛ إذ کلّ منهما لا یرید البیع جدّاً ، و إنّما یتلفّظ بألفاظ الإنشاء ظاهراً ، أو الذی یلقلق لسانه لأجل التدرّب علی التلفّظ و التعلّم لصیغة

ص:361

الإنشاء فإنّه لیس له إرادة جدّیة للشرط ، و إنّما هو تلفّظ ظاهری ، فما ذکره الأعلام لا غرابة فیه .

ففی مورد التقیّة الحال أوْلی بتخلّف الإرادة الجدّیة من دون نصب قرینة علی الخلاف ، بل ینصب قرینة علی الوفاق مع أنّ الإرادة الجدّیة متخلّفة و لا یستبعد ذلک فی باب التقیّة ، و ما نحن فیه من هذا القبیل أیضاً .

و هذه فی حین کونها نقوضاً من أدلّة علی تمامیّة کلام الأعلام فی تلک الحیلة أیضاً .

و الجواب أنّ هذه النقوض تختلف عن المقام و مغایرة لما نحن فیه ، بل تلک الأمثلة شاهد لنا لا علینا .

و الوجه فیه : أمّا بالنسبة للمستهزئ أو المتدرّب الذی یتابع الآخر فی التلفّظ لقصد التعلّم أو یقلّد الآخر استهزاءً به ، فالقرینة الحالیة واضحة علی الاستهزاء أو التعلیم .

غایة الأمر ربّما لا یلتفت الطرف الآخر المخاطب ، لکنّ العقلاء حیث یلتفتون إلی مجلس التخاطب الذی یستهزئ فیه بالطرف الآخر ، یطّلعون علی القرائن الحالیة ، و هذا غیر ما نحن فیه ، حیث لا توجد فی البین قرینة أبداً ، و هل یمکن أن یتعقّل استهزاء من دون قرینة و لو حالیة خفیّة ؟

و کیف یکون هذا استهزاءً بحیث لا یلتفت إلیه أحد إلی نهایة المطاف ؟ أی لا تکون هناک قرینة عقلائیّة و لو حالیة علیه ، أی بحیث یتقیّد فی البناء العملی بکلّ الآثار ، فهل هناک معنی للإرادة الجدّیة وراء ذلک ؟ و نظیر هذا البحث أثیر فی الکلمات فی مسألة التشهّد بالشهادتین ، فقد ذکر الشهید الثانی و جماعة أنّها طریق و أمارة علی الإسلام القلبی ، فمع العلم بنفاق المقرّ بالشهادتین أو عدم اعتقاده القلبی ینکشف عدم إرادته الجدّیة فی الإنشاء ، فلا یرتّب الأثر علی إقراره بهما .

و لکنّ ظاهر المشهور الاعتداد بإقراره ، و هو الصحیح ، کما حرّرنا ذلک فی مبحث نجاسة الکافر و مطهّریة الإسلام ؛ و ذلک لأنّ هناک نمطین من الإرادة الجدّیة وراء الإرادة المتعلّقة بالإنشاء و التلفّظ و الإبراز ، إحداهما الإرادة البنائیّة و ما یطلق علیها فی

ص:362

القانون الوضعی إرادة التعاقد و الالتزام العملی بمقتضی العقد أو الإیقاع أو الإقرار و الإنشاء ، و الثانیة الإرادة المنبعثة من ملائمة ذلک الشیء المراد ، و المیل إلیه ، و الاستئناس به ، و الانجذاب إلیه . و ما هو اللازم فی باب الإنشاء إنّما هو النمط الأوّل ، أی الإرادة البنائیّة التعاقدیّة و إرادة التقیید العملی بمقتضی العقد أو الإقرار أو الإنشاء لا الإرادة من النمط الثانی التی هی موضوع الآثار الاُخرویّة التکوینیّة أو بعض الآثار الاعتباریّة الشرعیّة فی هذه النشأة ، و لعلّ سبب الخلط بین الإرادتین هو اشتراط الصحّة فی العقود التجاریة أو غیرها بصدورها عن رضی ، فجعل ذلک الرضا معنی للإرادة الجدّیة مع أنّ الإنشاء بتمام مراحله الشاملة للإرادة الجدّیة مغایر لمنشإ صدوره عن رضی تارة أو عن إکراه و تقیید التجارة بصدورها عن تراضٍ فی الأدلّة ، و کذا تقیید عناوین بقیّة المعاملات و الایقاعات بصدورها عن رضی فی الأدلّة شاهد علی أنّ تلک العناوین فی وجوداتها الإنشائیّة غیر متقوّمة برضی و الإرادة الناشئة عنه .

و من ثمّ یعتدّ بالإنشاء الظاهری و الإقرار بالشهادتین ما دام المقرّ یرید التقیید بأحکام الدین إجمالاً و إن کان الداعی له خوف سطوة السیف .

و هذا الخلط بین النمطین من الإرادة وقع أیضاً فی بیع المکره و المضطرّ ، بل مطلق عقودهما و إیقاعاتهما ، حیث استشکل الشهید الثانی - للتمسّک لعدم نفوذ عقدهما بأدلّة الرفع - بعدم الحاجة إلی أدلّة الرفع ؛ و ذلک لقصور إنشائهما فی نفسه بعد عدم الإرادة الجدّیة ، و تابعه علی ذلک جماعة من المحقّقین من محشّی المکاسب ، کالسیّد الیزدی و الشیخ الاصفهانی ، و الحال أنّ المکره و المضطرّ له إرادة بنائیّة تقیّدیّة بمقتضی العقد ، و لو بسبب الإکراه أو الاضطرار . نعم ، لیس لهما إرادة من النمط الثانی .

و الحال فی المضطرّ بالتقیّة کذلک فی الجملة ، حیث أنّه یرید المنشأ بإرادة بنائیّة تعاقدیّة ، أی ینوی التقیّد بالعمل بمقتضی إنشائه و لو بسبب الخوف ، کما أنّه لا ینافی الإرادة الجدّیة من النمط الأوّل صدق القضیّة التعلیقیّة المخالفة ، ففی مثال المکره

ص:363

أو المضطرّ أو الخائف فی التقیّة یصدق التعلیق التالی بأنّه لو لا الإکراه و الاضطرار و الخوف لما تقیّدوا بمقتضی العقد أو الإنشاء نظیر لو لا خوف السیف لما أقرّوا بالشهادتین ، و لو لا خوف السیف بقاءً لما بقوا متقیّدین و ملتزمین بأحکام الإسلام ، فإن صدق هذه القضیّة التعلیقیّة بعد عدم تحقّق التالی فیها لعدم تحقّق المقدّم لا ینافی وجود الإرادة الجدّیة من النمط الأوّل المضادّة ، و هذا شأن المتضادّین ، حیث یتلائم وجود أحد الضدّین الفعلی مع إمکانیّة وجود الضدّ الآخر .

فکذلک الحال فی مثال اشتراط الربا ، فإنّ الزبون و العمیل عند ما یقترض من البنک و یشترط علی نفسه الزیادة للبنک مع عدم نصب أی قرینة علی الخلاف و تقیّده عملاً بدفع الزیادة و لو بسبب إلزام القانون الوضعی ، فإنّ هذا منه إرادة بنائیّة تعاقدیّة بالتقیّد بالعمل ، و إن کان بنحو التعلیق لو لم یُلزم لما دفع فالإرادة الجدّیة من النمط الأوّل صادقة ، و إن لم تصدق الإرادة الجدّیة من النمط الثانی .

فکیف یکون هذا استهزاءً عند العقلاء ؟ أو یعدّ عندهم أنّ لدیه إرادة جدّیة علی الخلاف من دون نصب قرینة علی ذلک .

نعم ، قد تکون القرینة لا یلتفت إلیها المستهزئ به غالباً کما أنّنا لسنا فی صدد نفی القرائن مختلفة الصنف عند العقلاء ، کما فی موارد التوریة ، المُورّی علیه لا یلتفت ، و لکنّ المورّی یتعمّد بنصب القرینة الخفیّة علی الخلاف ، و لذلک قالوا : إنّ المورّی إذا لم ینصب أیّة قرینة لا شخصیّة و لا نوعیّة فکلامه یعدّ کذباً و لیس بتوریة .

و أمّا مثال المتدرّب الذی یتعلّم کیفیّة التلفّظ فهو أیضاً لدیه إرادة إیجاد اللفظ تکویناً و إن لم یکن له إرادة إیجاد المعنی ، و مجرّد إیجاد الصوت لا یعتبر کلاماً ، فهو یختلف عن المورّی ، حیث أنّه فی التوریة یقصد المعنی باستعمال اللفظ فیه ، أی الإرادة الاستعمالیة ، کما یقصد إفهام ذلک المعنی ، لکنّه لا یریده جدّاً بشرط أن ینصب قرینة خفیّة علی ذلک ، و إلّا لعدّ کلامه کذباً .

فالإرادة الاستعمالیّة و الإرادة التفهیمیّة لا بدّ منهما ، بل قد یکون المتعلّم للتکلّم له

ص:364

الإرادة الاستعمالیّة و التفهیمیّة أیضاً دون الجدّیة ، و لا یتوهّم أنّ فی مثال المقام أو التقیّة أو التوریة و نحوها قد یکون مجرّد لقلقة لسان من دون إرادة المعنی استعمالاً و لا تفهیماً ؛ و ذلک لأنّه خلاف الغرض من إیجاد الصوت بصورته الکلامیّة و الداعی لذلک هو تداعی المعنی لدی المخاطب ، و فهمه لذلک المعنی ، و هذا معنی الإرادتین المزبورتین ؛ إذ غرض المتکلّم تجاوب المخاطب معه .

و لذلک قال المحقّق العراقی بأنّ الارتباط بین اللفظ و المعنی ، حتّی المعنی الاستعمالی ، صار بقاءً کالعُلقة التکوینیّة بمنزلة السبب و المسبّب ، فحین ما تتلفّظ باللفظ مع عدم نصب أیّة قرینة علی الخلاف کأنّک أوجدت أمراً تکوینیّاً ملازماً مع مسبّب تکوینی لا یتخلّف عنه .

أمّا بحث الوضع ، فالعلقة بین اللفظ و المعنی صارت علقة تکوینیّة ، و إن کان بدؤها اعتباریاً ، فإرادة إیجاد أحد المتلازمین یلازم إرادة إیجاد الملازم الآخر ؛ لأنّهما لا ینفکّان تکویناً ، فلا یمکن دعوی عدم وجود الإرادة الاستعمالیّة فی البین . هذا بالنسبة إلی الإرادة الاستعمالیّة .

و أمّا بالنسبة إلی الإرادة التفهیمیّة فهی موجودة أیضاً ؛ لأنّه یرید التجاوب من السامع و المخاطب الذی لا یتحقّق إلّا بانتقال ذهنهما إلی المعنی ، و هو معنی إرادة التفهیم بعد فرض أنّه لم ینصب قرینة علی عدم الافهام ، و الإرادة التفهیمیّة بحسب الطبع الأوّلی هی طبق الإرادة الجدّیة ، إلّا أن یکون هناک باعث فعلیّ مغایر بینهما ، و الفرض عدمه ؛ إذ لیس فی البین إلّا الباعث و الداعی الشأنی اللولائی ، و قد عرفت أنّ الإرادة الجدّیة لیست شیئاً وراء ذلک ، و تخیّل ما عدا ذلک توهّم و خلط بین نمطی الإرادة الجدّیة ، فهذه شواهد ثلاثة معاضدة للمطلوب :

الأوّل : ما قیل فی بحث التوریة .

الثانی : ما فی بحث الوضع .

الثالث : ما فی بحث الإنشاء .

ص:365

و أمّا النقض بموارد التقیّة و الإکراه ، ففی التقیّة توجد قرینة نوعیّة أیضاً و إن لم تکن القرینة الشخصیّة بموجودة ، یعنی الملتفت من أبناء نوع هذا المتکلّم من مذهبه أو بلده ، یلتفت إلی أنّ المتکلّم فی مقام المداراة للطرف الآخر و لیس هو فی صدد الإرادة الجدّیة ، و الإرادة التفهیمیّة موجودة ، و إلّا لا یمکن تحقیق التقیّة بمجرّد الإرادة الاستعمالیّة ، فلا بدّ أن یُفهِم الطرف الآخر کی یتخلّص من شرّه .

و نفس سطوة العدوّ علی المتکلّم هی قرینة حالیة ، و کذا تهدید العدوّ ، و هذا یختلف عمّا نحن فیه ، حیث لا تکون قرینة فی البین أبداً ، بل الصحیح فی موارد التقیّة هو ما ذکرنا سابقاً من وجود الإرادة الجدّیة من النمط الأوّل ، و إنّما المنتفی هی الإرادة الجدّیة من النمط الثانی ، و هذه القرائن الحالیة المذکورة إنّما هی لنفی الإرادة الجدّیة من النمط الثانی ؛ إذ لو لم تفرض الإرادة الجدّیة من النمط الأوّل - أی إرادة التقیّد العملی بما أنشأه تقیّة ، و ترتیب الآثار علیه - لم یتحقّق أداء التقیّة و لاختلّ غرض التقیّة ، فهذه القرائن دالّة علی تخلّف الإرادة الجدّیة الناشئة من طیب النفس و الرضا التی هو مورد الأحکام التکلیفیّة الاُخری ، و قد ذکرنا أنّ منشأ الخلط بین الإرادة الجدّیة المقوّمة للإنشاء مع الإرادة الناشئة من الطیب هو اشتراط الطیب و الرضا فی صحّة المعاملات و الایقاعات الإنشائیّة .

و أمّا موارد الإکراه ، فقد ذکر جماعة فی بحث بیع المکره فی وجه عدم صحّة بیعه :

أنّ المکره لیس له إرادة جدّیة و لا تفهیمیّة ، فبیعه من الأصل لیس بتام الشرائط ، فلا حاجة إلی إقامة دلیل علی عدم الصحّة ، ذکر ذلک الشهید الثانی ، فهو فی نفسه غیر تام لعدم وجود الإرادة الجدّیة و الإنشاء بدونها لیس بإنشاء ، فالبیع لیس بمنشإ و ما وقع مجرّد تلفّظ بالبیع أو إفهام البیع من دون إرادة جدّیة بإنشائه ، و النقوض السابقة فی ما نحن فیه من قبیل إشکال الشهید الثانی ، کما تقدّم .

و هذا التقریب ولّد إشکالاً آخر فی بحث بیع المکرَه علی المشهور ، حیث ذهبوا - بناءً علی صحّة بیع الفضولی - إلی صحّة بیع المکره إذا جاز المکرَه بقاءً فتصحّ

ص:366

المعاملة الإکراهیّة عندهم و لو بالرضا اللاحق .

مع أنّه علی تقریب الشهید حیث یفرض انتفاء الإرادة الجدّیة لم یتحقّق أصل البیع کی یُمضی ، و قد تصدّوا لإجابة إشکال الشهید بوجوه متعدّدة :

منها : أنّ الإرادة الاستعمالیّة لا ریب فی تحقّقها ، و کذلک الحال فی الإرادة التفهیمیّة ؛ إذ غرض المتکلّم أن یدفع إکراه المکرِه ، و لا یندفع إلّا بإفهامه ، و من ثمّ فالإرادة الجدّیة موجودة أیضاً ؛ لأنّ المتکلّم یرید إفهام المکره بالبیع الإنشائی لا الخبری و التزامه و تقیّده البنائی به ، فیکون نصاب الإنشاء تامّاً .

نعم ، لو التفت المکرَه إلی أنّه بإمکانه أن لا یبنی جدّاً فی مقام العمل علی البیع لکان إشکال الشهید تامّاً ، فلا حاجة فی خصوص هذه الحالة من معاملة المکرَه و بیعه لإقامة دلیل علی البطلان ، إلّا أنّ نوع المکرَهین لیس لدیهم التفات إلی إمکان تخلّف الإرادة الجدّیة ، أمّا لعدم استحضار التوریة فی ذلک الوقت أو لرؤیة نفسه ملجأً علی البناء العملی علی المعاملة ، فیری أنّ البناء العملی علی العمل المترتّب(الملجأ إلیه)فی المعاملة ملزم له ؛ لأن یرید جدّاً و یحدث الإرادة الجدّیة .

و لو سلّمنا بما ذکره الشهید ثمّة فلا نسلّم به فی المقام ؛ لأنّ بحث المکره یغایر ما نحن فیه ؛ لأنّ الإکراه قرینة حالیّة کموارد التقیّة ، و فرض المقام فی مورد عدم وجود القرینة بتاتاً لا نوعیّة و لا شخصیّة لا حالیّة و لا مقالیّة ، بل القرائن علی وفاق ما أنشأه موجودة . نعم ، فی مورد المکرَه البناء العملی ملزم له علی الإرادة الجدّیة البنائیّة بالالتزام العملی .

إلّا أنّها لیست الإرادة الجدّیة الناشئة من طیب الخاطر ، فلا یصدق القول بنفی الإرادة الجدّیة مطلقاً ، و ما ذکروه ثمّة نافع فیما نحن فیه بطریق أوْلی ؛ إذ لیس فی البین إکراه و عدم طیب ، و مع ذلک یعلم بوقوع البناء العملی علی الإنشاء من دون تخلّف ، بل هو موطّن نفسه علی العمل بمقتضی الشرط ، غایة الأمر و لو بسبب الالزام القانونی فالإلجاء العملی یتناسب مع الإرادة الجدّیة لا مع عدمها ، فهذه النقوض شواهد

ص:367

لما نحن فیه .

و الحاصل : أنّ الإرادة الاستعمالیّة موجودة کما نقّح فی بحث الوضع أخیراً فی علم الاُصول من التلازم بین اللفظ و المعنی ، و إن کان اعتباریّاً فی البدء ، إلاّ أنّ مآله إلی التلازم التکوینی و إرادة أحد المتلازمین إرادة للآخر ، و لا مانع من ذلک .

و کذا الحال فی الإرادة التفهیمیّة ؛ لأنّ المنشئ یرید أن یفهم الطرف الآخر المتعاقد معه و لا ینصب أیّة قرینة علی الخلاف . و هذا معنی إرادته للإفهام کما ذکر ذلک عدّة من متأخّری المحقّقین فی بیع المکره ، و فی مبحث الإنشاء أیضاً .

و هذا الإنشاء بهذا القدر متوسّط بدرجة الإنشاء التفهیمی ، فهو ناقص لیس بتامّ النصاب ، إلّا أنّ الإرادة الجدّیة موجودة أیضاً فی البین ، و أنّ توهّم أنّ المتکلّم یبنی علی العدم أو یبنی علی أنّه مجهول المالک ؛ و ذلک لأنّ ضابطة الإرادة الجدّیة أن لا ینصب قرینة خفیّة و لا جلیّة و لا مقالیّة و لا حالیّة و لا نوعیّة و لا شخصیّة ، بل ینصب قرائن علی الوفاق مع فرض علمه بأنّه سوف یبنی علی الجری العملی بمقتضی الإنشاء . و الخواطر الباطنة التی لا تجد طریقاً إلی البروز فی مقام العمل و لا تتنزّل إلی الأفعال لا یعبأ بها ، و الإرادة الجدّیة لیست شیئاً وراء الإقدام و العلم بإیقاع العمل علی طبق مفاد المنشأ .

فالصحیح أنّ الإرادة الجدّیة متحقّقة کالإرادة التفهیمیّة و الاستعمالیة ، ففی مثل هذه الحیلة التخلّصیة یکون نصاب الإنشاء تامّاً ، فعلی القول بعموم حرمة إنشاء الربا علی أموال مجهول المالک تکون الحرمة فعلیّة لفعلیّة الموضوع ، فهذه الحیلة لا تفید التخلّص من الحرمة .

نعم ، لو فرض فی تلک الموارد وجود قرائن حالیّة دالّة علی عدم الإرادة البنائیّة بمقتضی المنشأ لانتفی الإنشاء التامّ و انتفت الحرمة .

تنبیه : یجب الالتفات فی موارد التطبیق و الصغریات إلی أنّه قد توجد قرائن خفیّة نوعیّة حالیة موجودة و إن لم تکن قرائن جلیّة ، و قد یقال فی موارد مجهول المالک

ص:368

أو موارد التعامل مع الحربی بأنّ المورد نفسه یصلح قرینة خفیّة نوعیّة حالیّة ، کما فی موارد التقیّة ، فتکون قرینة علی عدم الإرادة الجدّیة . غایة الأمر خفیّة حالیة نوعیّة لمذهب المتکلّم ، و لیست شخصیّة بالنسبة إلی السامع ، فإذا بنی فی موارد علی أنّ المال مجهول المالک فالمعاملة من جهة الشرع غیر تامّة ، و إن کان الجری و البناء العقلائی علیها متصوّراً فی موارد للمجهول المالک ، و یمکن أن یتّکئ المتکلّم علی مثل تلک القرینة الحالیّة فیکون تلفّظه أو إنشاءه لیس منبعثاً من الإرادة الجدّیة .

لا یقال : إنّ الإرادة الجدّیة متوفّرة و لیست هناک قرینة منصوبة علی عدمها ؛ لأنّ القرینة هی نفس التعامل مع أهل الحرب بعد البناء علی أنّهم لا یملکون ، فالتعامل معهم لیس تعاملاً حقیقیّاً ، بل من باب استنقاذ المال ، فهی قرینة عند نوع العقلاء عند ما یطّلعون علی مثل هذه النکات الحالیة من کون المتکلّم لا یری السامع المتعاقد معه مالکاً لکونه حربیّاً أو مجهول المالک ، فیرون أنّ تعامله لأجل التوصّل إلی استنقاذ مجهول المالک أو لاستنقاذ الفیء من ید الحربی .

نعم ، لا یتأتّی ذلک فی موارد البنک الأهلی أو الشخص المعیّن ، بأن یقرضه و ینشئ اشتراط الزیادة و یوطّن نفسه علی عدم أخذها ، فإنّ ذلک الإنشاء لا مسوّغ له ، کما ذکره الماتن رحمه الله ؛ إذ لا قرینة فی البین نافیة للإرادة الجدّیة .

هذا ، و لکن قد عرفت أنّ المنفی فی تلک الموارد بتلک القرائن إنّما هی الإرادة الجدّیة الناشئة من طیب النفس و نحوه لا نفی الإرادة الجدّیة الالتزامیّة البنائیّة علی التقیّد العملی ، کما هو الحال فی موارد التقیّة و الإکراه ، و التی بها یتمّ نصاب الإنشاء ، فبهذا المقدار لا ینتفی موضوع حرمة إنشاء الربا و حرمة العمل به ، و من ثمّ ورد النصّ و أفتی المشهور بجواز اشتراط الربا علی الکفّار و بحرمة اشتراط الربا لهم مع أنّ أموالهم فی کلتا الصورتین فیء للمسلمین ، لا سیّما و أنّ أدلّة الحرمة فی المعاملات ناظرة إلی إیقاف الجری العملی المعاملی عند العرف فی تلک القنوات ، فلا ینفع فی ذلک افتراض المتعامل فی باطن نفسه بعض العناوین التی لا تجد طریقها إلی الالتزام

ص:369

العملی فی الخارج .

هذا تمام الکلام فی تلک الحیلة ، و أنّ الضابطة فی جریانها وجود قرینة علی تخلّف الإرادة الجدّیة ، و أمّا إذا لم تکن قرینة فإجراؤها محلّ إشکال ، کما اتّضح ممّا سبق .

هذا ، و قد طبّقوا هذه الحیلة فی المحتاج إلی الاقتراض و بأنّه یجوز له الاقتراض ، و إن شرط علیه البنک الحکومی الزیادة الربویّة ؛ إذ القرض فی نفسه صحیح ، و الشرط باطل ، و أمّا إقدامه علی إنشاء هذا الشرط الذی هو محرّم فیتخلّص منه بهذه الحیلة ، و هذه الحاجة محلّ ابتلاء غالب المؤمنین المتوسّطین فی الوضع المالی ، فضلاً عمّن دونهم . نعم ، بالنسبة إلی البنوک الأهلیّة لا یسوّغ ذلک ، و لم یفترض الماتن حلّاً فی التعامل معهم ، و هذا بخلاف صورة الإقراض و الإیداع فیها کما تقدّم بیانه مفصّلاً .

و أمّا قوله : « نعم یجوز قبض المال منه بعنوان مجهول المالک لا القرض بإذن الحاکم الشرعی . . . » .

فهو تامّ علی مسلک عدم الملکیّة فی فرض الاقتراض ؛ إذ بناءً علی مجهول المالک یبنی المقلّدون علی ذلک ، فتکون قرینة خفیّة حالیة علی أنّ إنشاءهم بدون الإرادة الجدّیة ، و قد خصّص الماتن الجواز بما إذا تخلّفت الإرادة الجدّیة عن أصل إنشاء الاقتراض دون ما إذا أنشأ الاقتراض و تخلّفت الإرادة الجدّیة عن خصوص الشرط ؛ و ذلک لوقوع الخلل فی التطابق فی الإنشاء بین طرفی العقد حینئذٍ حیث لا بدّ من مطابقة المشروط علیه للمشروط له فی ما أنشأ ، فکما یشترط التطابق فی ماهیّة العقد لا بدّ منه فی الشروط الضمنیّة أیضاً من جهة المشروط علیه .

و أمّا علی مسلک من یری نفوذ تصرّفات الدولة تسهیلاً علی المؤمنین ، فهل یجوز الاقتراض مع اشتراط البنک الحکومی للزیادة ؟

قد ذکر بعض الأعلام - ممّن یبنی علی نفوذ التصرّفات - تأتّی الحیلة التخلّصیّة المتقدّمة بأن لا یقصد الشرط بنحو الجدّ ، فالکلام فی تصویر قرینة حالیة فی البین دالّة

ص:370

علی تخلّف الإرادة الجدّیة عن الاشتراط ؛ إذ الحاجة إلی الاقتراض - کما ذکرنا - محلّ ابتلاء عامّة المؤمنین و تصویرها کالتالی : أنّ ید ذلک الحاکم الوضعی بعد عدم کونها شرعیّة ، فالشارع یمضی التعامل معه بقدر و حدود الماهیّة المعاملیة المشروعة فی نفسها دون المعاملة المحرّمة فی نفسها ، أو الشرط المحرّم ، و الفرض أنّ العمیل و الزبون لا یرید أن یوقع الماهیّة المعاملیة المحرّمة ، بل یرید أن یوقع المحلّلة ، و هی الاقتراض من دون ربا و الاقتراض من بیت المال من حقوق المؤمن ، لا سیّما أنّه یقترض عبر مؤسّسة البنک الحکومی ، و هی أحد أنحاء استثمار بیت المال ، و استثمار بیت المال فی نفسه مشروع بالطریق المحلّل لا المحرّم ، إلّا أنّ المتولّی الوضعی(غیر الشرعی)لبیت المال یتقیّد و یلتزم و یُلزم بالتعامل غیر الشرعی . فیمکن أن یقال : إنّ نفوذ تصرّف البنک الحکومی حیث کان محدوداً بأصل القرض دون اشتراط الزیادة الربویّة ؛ إذ ذلک التصرّف محرّم غیر نافذ من قِبل الولیّ الحقیقی ، کاشتراط الزیادة ، فللمتعاقد أن ینشئ الاقتراض بالإرادة الجدّیة دون شرط الزیادة بعد ما کان طرف تعاقده حقیقة هو الولی الحقیقی دون المتولّی الصوری ، و یکون ذلک قرینة علی تخلّف الإرادة الجدّیة عن إنشاء الشرط المحرّم .

و هذه القرینة واضحة ؛ لأنّ طرف التعامل لیس هو فی الواقع الولیّ غیر الشرعی ، و أنّ إنشاء الاشتراط المزبور لیس من حقّ الولیّ غیر الشرعی ، بل لیس من حقّه أن ینشئ المعاملة المحلّلة فضلاً عن المحرّمة ؛ لأنّ ذلک غصب لمسند الولایة العامّة و تصرّفاتها ، بل نفس التصدّی لهذا المسند محرّم و لیس له ولایة کی یشترط أو لا یشترط ، ینشئ أو لا ینشئ ، و إنّما طرف التعامل الحقیقی هو المعصوم علیه السلام .

فتلخّص أنّه علی مسلک الملکیة توجد قرینة حالیة أیضاً علی تخلّف الإرادة الجدّیة عن اشتراط الزیادة فیقترضون و یبنون علی تلک القرینة من أنّ ید البنک المتصرّفة لیس هو طرف التعامل حقیقة ، فینشأ الاقتراض فقط ، و هو محلّل مع بیت المال دون شرط الزیادة ، فیجوز الاقتراض من البنک الحکومی علی کلا القولین .

ص:371

لکنّ هذا کلّه بناءً علی تمامیّة الحیلة التخلّصیّة المزبورة ، و عدم ورود الإشکال بوجود الإرادة الجدّیة البنائیّة علی الجری العملی ، و أنّ المتخلّف هی الإرادة الناشئة من طیب النفس و نحوها ، التی تقدّمت مفصّلاً .

فإذن الضابطة فی إجراء هذه الحیلة - بناءً علی تمامیّتها و عدم التفکیک بین الإرادتین الجدّیتین - هو وجود القرینة و لو حالیة خفیّة نوعیّة فی البین و الاعتماد علیها بحیث یلتفت کلّ من یطّلع علی ملابسات الإنشاء من القرائن الحالیة إلی تخلّف الإرادة الجدّیة .

نعم ، الالتفات إلی عدم الإرادة الجدیّة إنّما یتمّ بالاطّلاع علی کلّ القرائن ، و لذا ذکرنا أنّ المخالفین حیث علموا منّا مثل هذه المبانی یعلمون بتخلّف الإرادة الجدّیة لدینا عن المعاملة المحرّمة و الشرط المحرّم ، و هذا بعینه یثبت القرینة الحالیة .

فی ذیل هذا البحث ذکر السیّد الخوئی بحثاً آخر قال :

هذا فی البنوک الإسلامیّة ، أمّا البنوک غیر الإسلامیّة ، أصلیّة کانت أم غیرها ، فلا مانع من قبض المال منها لا بقصد الاقتراض بلا حاجة إلی إذن الحاکم الشرعی ، انتهی .

استثنی الماتن من حکم البنوک ، البنوک الأجنبیّة لإمکان تصویر القبض منهم لا بقصد الاقتراض ، بل بعنوان الاستیلاء باعتبار أنّ أموال الکافر الحربی هی فیء للمسلمین ، تُملک بالاستیلاء ، فحینئذٍ یمکن أن لا یقصد المکلّف الاقتراض الحقیقی اعتماداً علی هذه القرینة الحالیّة ، و هی التملّک بالاستیلاء ، و قد ذکرنا إشکالاً علی الاستثناء المزبور بالنسبة إلی شعب البنوک الأجنبیّة الموجودة فی البلاد الإسلامیّة ، أنّ الأموال التی بحوزتها لیست کلّها من مال الحربی ؛ لأنّ البنک الأجنبی المتواجد فی بلد المسلمین المعیّن لا بدّ له من الارتباط بالبنک المرکزی الإسلامی فی حرکة سیولة الأموال الیومیّة ، فتکون أمواله حینئذٍ مختلطة ، و بغضّ النظر عن هذا الإشکال لا بدّ من البحث فی جواز التعامل الربوی مع الکافر بأخذ المسلم الزیادة منه .

ص:372

التعامل الربوی مع الکافر

المشهور بل ادّعی الإجماع علی جواز أخذ الربا من الکافر الحربی و لم ینقل خلاف (1)إلّا من المحقّق الأردبیلی استضعافاً للروایات الواردة فی الباب ، و وافقه الماتن علی ذلک . و من ثمّ ذکر الحیلة التخلّصیة المزبورة توصّلاً إلی جواز المعاملة بالزیادة مع الکافر بالإنشاء الصوری لا الحقیقی بنیّة الاستنقاذ لا الإرادة الجدّیة الحقیقیّة للتعامل معه .

هذا ، و احتمل صاحب الجواهر رحمه الله أنّ المشهور الذاهب إلی جواز إنشاء الربا علی الکافر للمسلم لیس مرادهم إنشاء القرض حقیقةً ، بل استنقاذ هذا الفیء و الاستیلاء علیه ، فلیس بإنشاء حقیقی للربا ، و یشیر إلی القاعدة المسلّمة بین المسلمین المستفادة من قوله تعالی :(وَ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَی رَسُولِهِ) (2) و اعتمد فی هذا الاستظهار علی عدّة قرائن :

الاُولی : تنصیص الأصحاب علی أنّ هذه المعاملة التی یشترط فیها الحربی علی نفسه الربا ، هی حرام علیه و فاسدة ، بینما هی جائزة من طرف المسلم ؛ لأنّ الربا تسالمت الأدیان السماویّة علی تحریمه کما فی قوله تعالی :(وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ) (3) .

و کلامهم هذا دالّ علی أنّه لیست المعاملة حقیقیّة ؛ لأنّها إنّما تکون بالصحّة من الطرفین لا من طرف واحد ؛ إذ لا یعقل أن تصحّ المعاملة من طرف واحد .

الثانیة : إنّ الأصحاب فی المستثنیات ذکروا أنّ الربا من الطرفین جائز(فی الوالد و الولد ، و هکذا)أمّا فی الکافر فلم یذکروا إلّا من طرف المسلم .

ص:373


1- 1) و ذکر السیّد فی الانتصار أنّه من خصائص و متفرّدات الإمامیّة .
2- 2) سورة الحشر 59 : 6 .
3- 3) سورة النساء 4 : 161 .

و من ثمّ قال صاحب الجواهر رحمه الله : الحکم بالجواز عند الأصحاب تخصّصی لا تخصیصی ؛ لأنّه لیس فی الواقع إنشاء حقیقی و لا إرادة جدّیة ؛ لأنّه فیء للمسلمین یملک بالاستیلاء ، و لا یحتاج إلی المعاملة ، فهو من باب الخروج عن الربا موضوعاً .

الثالثة : ما قاله المشهور من أنّه یجوز اشتراط الزیادة للمسلم علی الکافر الحربی ، و أمّا الذمّی فلا یسوغ الاشتراط علیه و لا الاشتراط له ، حیث إنّ الذمّی محترم ماله و لا یتملّک بالاستیلاء بخلاف الکافر الحربی .

و تردّد فی شمول کلماتهم للمعاهد من جهة أنّ ماله محترم ، فیکون کالذمّی ، و من جهة أنّه لم یستثنوه ، فکالحربی ، فما أفتی به المشهور من الجواز نظیر قولهم بجواز شراء ابن الکافر من أبیه ؛ إذ هو لیس شراء حقیقاً لعدم ملکیّة الکافر لابنه ، بل الشراء توصّل لأجل الاستیلاء علی الابن و استرقاقه .

و قال صاحب الجواهر رحمه الله : إنّ المعاملة حرام علی الکافر - لو کانوا مکلّفین بالفروع - لأنّ الثمن لا یجوز له أخذه ، سواء فی المعاملة الربویّة أم فی شراء ابنه ، هذا و لیس فی کلمات المشهور تصریح بما ذکره .

و أمّا أدلّة المشهور أو المجمعین فهی ما روی فی أبواب الربا :

1 - عن عمرو بن جمیع عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام :

لیس بین الرجل و ولده رباً و لیس بین السیّد و عبده ربا » (1).

2 - بهذا الإسناد ، قال : « قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : لیس بیننا و بین أهل حربنا رباً ، نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ، و نأخذ منهم و لا نعطیهم » (2) .

ص:374


1- 1) ب 7 / أبواب الربا / ح1 . رواه الکلینی عن حمید بن زیاد ، عن الخشّاب ، عن ابن بقاح(ابن رباح أو ابن ریاح فی التهذیب)، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جمیع . « ابن بقاح » و« معاذ بن ثابت » لم یوثّقا ، و« عمرو بن جمیع » بتریّ ضعیف .
2- 2) ب 7 / أبواب الربا / ح2 .

3 - عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لیس بین الرجل و ولده و بینه و بین عبده ، و لا بین أهله رباً ، إنّما الربا فیما بینک و بین ما لا تملک .

قلت : فالمشرکون بینی و بینهم رباً ؟ قال : نعم .

قلت : فإنّهم ممالیک . فقال : إنّک لست تملکهم ، إنّما تملکهم مع غیرک ، أنت و غیرک فیهم سواء ، فالذی بینک و بینهم لیس من ذلک لأنّ عبدک لیس مثل عبدک و عبد غیرک » (1).

و عمل المشهور بروایات یس الضریر فی مسألة حدّ المطاف حول الکعبة ، و کفّارة الجمع فی إفطار الصوم ، و غیرهما ، و هو صاحب کتاب قد رواه عنه عدّة من الثقات و الأجلّاء ، فحاله مستحسن بل فوقه ، و لیس فیه طعن ، و قد اعتمد المشهور علی روایاته ، فالعمل بروایاته سهل .

و الروایة معارضة لما سبق ، و لکنّ المشهور حملوها علی الذمّی ، و سیأتی الشاهد علی هذا الجمع .

4 - مرسلة الصدوق ، قال : قال الصادق علیه السلام : « لیس بین المسلم و بین الذمّی رباً ، و لا بین المرأة و بین زوجها رباً » (2) .

و مراسیل الصدوق کما ظهر لنا بالتتبّع غالباً هی عین الروایات التی ذکرها الکلینی و الشیخ مسندة ، و بناءً علی أنّ الشهرة جابرة للسند فهی منجبرة بالشهرة . و الشهرة موجودة ، بل الاتّفاق مطبق حتّی فی زمن المحقّق الأردبیلی ، إلّا أن یوجّه بتوجیه صاحب الجواهر رحمه الله من أنّه لیس من باب ترتیب الأثر ، بل من باب الاستنقاذ .

و الصدوق نصّ علی الذمّی ، و هو خلاف المشهور ؛ لأنّ المشهور لم یجوّز الربا

ص:375


1- 1) ب 7 / أبواب الربا / ح3 . رواه الکلینی عن محمّد بن یحیی ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عیسی ، عن یس الضریر ، عن حریز ، عن زرارة .
2- 2) ب 7 / أبواب الربا / ح5 .

بین المسلم و الذمّی .

أمّا بالنسبة إلی القول الآخر ، أی من یبنی فی الربا بین المسلم و الکافر الحربی علی الاستنقاذ ، فلا یحتاج إلی الأدلّة المذکورة ، فیطرح مرسلة الصدوق لأنّها خلاف القواعد ؛ إذ مال الذمّی محترم لا یجوز أخذ الربا منه ، و هذه قرینة علی دعوی الجواهر من أنّ مراد المشهور استنقاذ المال ، و لذا لم یعملوا بمرسلة الصدوق . و قال فی الروایة الاُولی أنّ المعاملة مع الکافر الحربی صوریّة ، و الثالثة محمولة علی الذمّی و طرح المرسلة .

إن قلت : إنّ وحدة السیاق تقتضی أن یکون القصد للقرض و الزیادة فی المعاملة جدّیاً بقرینة الوالد و الولد .

قلت : السیاق أضعف القرائن ، و القرینة الحالیّة المخالفة موجودة فی البین ، و هی التفرقة التی أقرّ بها المشهور بین الذمّی و الحربی ، و بین المعاهد و الحربی ، فالتفرقة لا تتمّ إلّا بإرادة الاستنقاذ فی الکافر ، و أنّ مال الذمّی محترم .

و أمّا علی القول الأوّل من جواز أخذ الربا حقیقة من الکافر لا من باب الاستنقاذ ، بل من باب ترتیب الأثر فی المعاملة ، فلا بدّ من إقامة الأدلّة ، فعلی القول بالجبر فی السند بالشهرة للبناء فی باب حجّیة الخبر علی الوثوق بالصدور لا علی خصوص خبر الثقة ، فتراکم الظنون یولّد وثوقاً بالصدور ، فتکون جابرة و کاسرة (1)و فی خصوص المقام الشهرة عظیمة ، بل من مختصّات الإمامیّة - کما ادّعاه السیّد المرتضی - فهی سیرة عند الإمامیّة و دلیل مستقلّ لا أنّها جابرة فقط ، فیمکن جعل الدلیل الأوّل هو السیرة القطعیّة أو الإجماع الراجح إلیها ، أی إلی سیرة المتشرّعة ، ما لم تتمّ قرائن

ص:376


1- 1) و نقاش السیّد الخوئی رحمه الله فی الجبر بالشهرة لیس کبرویاً ، بل صغروی ، مع أنّه یقرّ بالحجّیّة إذا تولّد الاطمئنان بالجبر أو الکسر ، و القائل بالجبر و الکسر بالشهرة لا یدّعی أنّ الشهرة التی لا تولّد الاطمینان النوعی أو الوثوق حجّة ، بل یخصّ الحجّیة بالتی تولّد الاطمئنان و الوثوق ، فالبحث مع السیّد رحمه الله صغروی ، و إن عنونه کبرویاً ، أی بَحَثَ فی حجّیّة الشهرة المستقلّة .

صارفة لکلمات القوم عن ظاهرها بإرادتهم أنّه من باب الاستنقاذ . و الشاهد علی حمل الروایة الثالثة علی الذمّی امور :

الأوّل : لفظ « أهل حربنا » فی الروایة الثانیة المجوّزة مقیّد ، و لفظ « المشرکون » مطلق فی الروایة الثالثة الناهیة ، و المقیّد یقدّم علی المطلق .

الثانی : إنّ أهل الحرب فیء لکلّ المسلمین لا لواحد دون واحد ، و لکن بالاستیلاء لا یتملّک المسلمون مع المستولی ، بل یتملّک هو وحده ، فینطبق عقد الجواز فی الروایة علی الحربی ، و إن لم یذکر فی النصّ ؛ إذ المستولی أحقّ من غیره .

و بعبارة اخری : أنّ أهل الذمّة هم الذین یستوون فیه المسلمون ؛ لأنّ الذمّة مقابل الجزیة ، و هی إمّا فی الرءوس أو فی الأراضی تضرب علی شیء معیّن ، فهذه الجزیة لا یملکها شخص بخصوصیّة ، فالروایة الثالثة فی عقد النهی(ذیلها)مناسبة للذمّی و منطبقة علیه ، فمسلک المشهور تامّ ، أمّا مرسلة الصدوق فلم یفت بها المشهور . هذا تخریج لفتوی المشهور بحسب الروایات .

الثالث : قوله فی روایة زرارة : « إنّما الربا فیما بینک و بین ما لا تملک » ، یفید ضابطة عامّة مقتضاها جواز الربا مع الحربی و حرمته مع الذمّی ؛ و ذلک لأنّ المراد بالملک إمّا الملکیّة بالفعل أو بمعنی التسلّط و السیطرة ، بقرینة أمثلة « ما تملک » « الرجل و ولده » أو « عبده » أو « أهله » .

و لذلک تبادر للراوی المشرکون فی ذیل الروایة ، حیث أخرج الإمام علیه السلام المشرکین لأنّهم علی شرکة بینه و بین غیره قرینة واضحة علی أنّهم لیسوا هم أهل الحرب ، و إنّما هم أهل الذمّة ؛ لأنّ أهل الحرب لیسوا بنحو الشرکة فیما بینه و بین غیره ، بل بالاستیلاء یصیر ملک المستولی لا ملک غیره .

و بعبارة اخری : أنّ أهل الذمّة هم الذین لنا سیطرة علیهم بالفعل ، حیث أنّهم مقهورون بدفع الجزیة ، و هذا بخلاف أهل الحرب ، فإنّهم لیسوا تحت أیدینا بالفعل ، فالظاهر أنّ ذهن الراوی قد انصرف فی سؤاله عن المشرکین إلی خصوص أهل الذمّة

ص:377

لکون الید علیهم فعلیّة ، أو یکون سؤاله عن عامّة المشرکین - أهل حرب کانوا أم أهل الذمّة - لأنّ القسم الأوّل لنا یَد علیهم بجواز تملّکهم و الاستیلاء علیهم ، و القسم الثانی بقهرهم علی أخذ الجزیة منهم ، إلّا أنّه علیه السلام استثنی القسم الثانی لکون الید مشترکة بنحو الإشاعة و الحقّ المشترک .

الرابع : صحیحة علیّ بن جعفر : « أنّه سأل أخاه موسی بن جعفر علیه السلام عن رجل أعطی عبده عشرة دراهم علی أن یؤدّی العبد کلّ شهر عشرة دراهم ، أ یحلّ ذلک ؟ قال : لا بأس » (1).

حیث اشتملت علی عنوان العبد بجواز التعامل الربوی معه نظیر ورود العنوان المزبور فی مصحّحة زرارة(الروایة الثالثة)و ذلک بإدراج أهل الحرب فی عنوان العبد و إن لم یکونوا عبیداً بالفعل ، فیندرج فی الضابطة لأنّهم عبید بالقوّة باعتبار أنّهم یملکون بالاستیلاء ، و حقّ الاستیلاء و التملّک نوع من التولّی علیهم ، نظیر حقّ السرقفلی و حقّ التحجیر ، فلهم نمط من العبودیّة و المملوکیّة بالإضافة لنا ، و من ثمّ یطلق علیهم و علی أموالهم : الفیء ، أی الملک الراجع(فاءَ یَفیء ، أی: رجع).

و بمقتضی هذه القاعدة(أنّهم فیء للمسلمین)یتعامل معهم بأحکام کثیرة فی الأبواب المختلفة ، مثل باب الدیات و أحکام الأموال و الأنفس ، فلیس عنوان الفیء مجاز کما قد یتوهّم ، فهم بالقوّة القریبة و الاستیلاء یملکون ، و بهذا اللحاظ یتعامل معهم فی کثیر من الأحکام ، و هی من آثار حقّ الاستیلاء . و الحقّ هو ملکیّة مخفّفة أو ضعیفة ، و هذا الأمر یعاضد بقوّة الأمر الثالث .

الخامس : إنّ التعلیل الوارد فی أدلّة حرمة الربا لا ینطبق علی أهل الحرب ، حیث ورد فی الآیات قوله : (فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) (2) ،

ص:378


1- 1) ب 7 / أبواب الربا / ح9 . رواه الصدوق بإسناده عن علیّ بن جعفر .
2- 2) سورة البقرة 2 : 279 .

حیث یظهر منها أنّ أحد مناشئ و حِکَم تشریع حرمة الربا هو الظلم من جانب المقرِض علی المقترض ، فمورد الربا فیما کان ظلماً علی المقترض ، فإذا لم یکن المقترض محترماً ماله ، و إن لم یکن قد استولی علی ماله بالفعل فلا یتصوّر تحقّق الظلم الربوی و غیره فی حقّه حینئذٍ ؛ إذ تحقّق الظلم إنّما هو فیمن له حرمة و حقّ ، و قد جعل الشرع لماله حرمة ما ، فإذا تُعدّی علی تلک الحرمة یقع الظلم ، و متی لم یجعل الشارع الحرمة و الحقّ لماله أو لشئونه الاُخری فینتفی الظلم ، و لأجل ذلک قالوا إنّ الظلم إنّما یتصوّر بعد فرض نوع من الحقّ و الحدّ للطرف الآخر .

و لذلک حصلت شبهة عند بعض الأعلام ، و هی أنّ الظلم إنّما یتولّد بعد تحدید الحقوق ، و الحقوق جعول اعتباریّة ، فإذن الظلم موضوعه اعتباری فضلاً عن محموله ، و هو القبح ، فلیس حینئذٍ بحقیقی تکوینی ، فهو من المشهورات لا من الیقینیّات ، هذه شبهة بنی علیها المرحوم باقر الصدر ، و لدینا جواب ذکرنا فی کتابنا العقل العملی .

و الحکمة و إن لم تکن کالعلّة تخصّص و تعمّم إلّا أنّها توجب لا أقلّ عدم إجراء مقدّمات الإطلاق ، و یؤیّد کون حکمة حرمة الربا فی المقام هی عدم الظلم أنّه من البعید أنّ هذه الحرمة المغلّظة یستثنی منها الربا بین الوالد و الولد ، و بین الزوج و الزوجة ، و السیّد و عبده ، و أنّ الظلم حرام إلّا فی هذه الموارد .

فجواز الربا فی هذه الموارد قرینة علی کون الربا محرّماً ؛ لأنّه من أنواع الظلم و عدم حرمته فی المستثنیات لعدم وقوع الظلم فیها ؛ إذ لیس علی السیّد لعبده حقّ مالی کی یفرض ظلم متولّد من الربا ، بل للسیّد حقّ علی عبده ، و کذا بین الزوج و الزوجة ، و الوالد و الولد ، فخروج هذه الموارد لتخلّف حکمة حرمة الربا ، أی أنّ أخذ ما لا تملک ظلم بخلاف أخذ ما تملک ، فالشخص فی العناوین الثلاثة المستثناة یستطیع أن یأخذ من الطرف الآخر بدون الربا ، فالربا المحرّم حینئذٍ غیر متصوّر فیها ، فما ذکر من ضابطة فی مصحّحة زرارة ، قرینة معاضدة للتعلیل الموجود فی الآیات الکریمة

ص:379

(لا تَظْلِمُونَ) ، فالإطلاق منصرف عن تلک الموارد و مقتضی الحرمة قاصر .

و بهذه الاُمور ، بل الوجوه ، یتّضح عدم حرمة الربا بقصد الأثر الجدّی فی المعاملة الربویّة مع الحربی ، و الأدلّة المتعاضدة تکشف عن حقیقة واحدة و دلالاتها المختلفة تتّفق علی ذلک المعنی الواحد .

و أمّا ما ذکره صاحب الجواهر من أنّ مراد الأصحاب من تجویز الربا بین المسلم و الحربی هو استنقاذ المال لا ترتیب أثر المعاملة بقصد جدّی ، و إنّما هی معاملة صوریّة لأجل ذلک .

ففیه : أوّلاً : إنّه خلاف ظاهر العنوان فی کلام الفقهاء(جواز أخذ الربا)؛ إذ ظاهره جواز هذه المعاملة بقصد ترتیب الأثر ، و لو کان مرادهم المعاملة الصوریّة بقصد استنقاذ المال لما ذکروه فی ذیل باب الربا لأجل التوصّل إلی استنقاذ المال ، بل لذکروه فی المکاسب المحرّمة ؛ لأنّ کلّ معاملة ، محلّلة أو محرّمة ، مخترعة أو جدیدة ، یتوصّل بها للاستیلاء علی مال الحربی فهی جائزة ، لا أن یخصّ ذلک بالربا و إرادة الربا الصوری و الظهور الأوّلی للاستثناء هو کونه متّصلاً لا منقطعاً .

ثانیاً : إنّ هناک فرقاً بین تملّک مال الحربی بالاستیلاء و بین تملّکه بالربا ؛ إذ الاستیلاء هو وضع الید علیه ، أمّا فی الربا فالتملّک هو بالعقد و التملّک بالعقد مقدّم رتبة علی الاستیلاء ، و مقتضی عبائرهم أنّه بنفس العقد یتملّک فی ذمّته و أنّ هذا التملّک بالعقد جائز لا التملّک الحاصل بعد الاستیلاء .

ثالثاً : إنّ الفرق بین الذمّی و الحربی لیس هو فی الاستنقاذ ، بل ما ذکرنا من أنّ فی الحربی لا یتصوّر ظلم ، فخروج الذمّی لأجل تصوّر الظلم فی حقّهم بعد عقد الذمّة معهم ، فالوجه فی التفرقة هو ذلک لا ما ذکره صاحب الجواهر .

مع أنّ التفرقة بینهما هی فی التملّک بالعقد لا بالاستیلاء ، کما هو ظاهر کلمات الأصحاب ، و هو سابق علی وضع الید .

و منشأ حمل صاحب الجواهر لکلامهم علی الاستنقاذ هو استبعاده لوقوع التعامل

ص:380

الحقیقی مع المملوک ، و لکنّ هذا الاستبعاد فی غیر محلّه ؛ لأنّه نظیر ما ذکروه فی بیع السلاح من أهل الحرب أنّه جائز فی غیر حالة وقوع الحرب معهم ، و کذلک کثیر من العقود التی نصّوا علی جواز إیقاعها مع أهل الحرب .

و نظیر ما جری من سیرة الرسول صلی الله علیه و آله قبل الذمّة و الهُدنة من اقتراضه منهم و معاملاته الاُخری معهم .

نعم ، لو أنّ أهل الحرب مملوکین بالملکیّة الفعلیّة ، لکان لذلک الاستبعاد مجال ؛ إذ هم لا یملکون إلّا بالاستیلاء ، و الحال فی المقام هو فرض الملکیّة بمجرّد العقد الربوی أو عقد البیع ، و لذا لو اشتری مسلم من کافر متاعاً معیّناً و لم یقبضها منه - أی لم یستول علیها کی یقال إنّه تملّک بالاستیلاء - تملّک بمجرّد عقد البیع ، فلا یجوز للمسلم الآخر وضع الید علیه ، مع أنّ المسلم الأوّل لم یستول علی المتاع ، بل عَقَد البیع علیه مجرّداً ، فلو بنی علی کون العقد صوریاً لا یتملّک العین إلّا بالاستیلاء ، فیجوز للمسلم الآخر أن یستولی علیها و یتملّکها .

رابعاً : لو کان أخذ الزیادة الربویّة من الحربی هو من باب الاستیلاء و الاستنقاذ لا التعاقد لکان ذلک جائزاً حتّی فی الذمّی و المعاهد ؛ لأنّ عقد الذمّة و المعاهدة لا یشمل الموارد التی یلزم أهل الذمّة أنفسهم بأحکام ضرریّة علی أنفسهم - « الزمهم بما ألزموا به أنفسهم » - فالتفرقة بینهما و بین الحربی عند الأصحاب لا بدّ أن تکون مبنیّة علی افتراق حکم ذات العقد لا حرمة ذات أموالهم ، فالذمّی و المعاهد الذی یقدم علی التعامل الربوی هو قد ألزم نفسه بذلک ، و ألغی حرمة ماله ، فتجری حینئذٍ قاعدة الالزام لو کان الربا صوریّاً .

هذا تمام الکلام فی جواز أخذ الربا من البنوک الکافرة .

ص:381

الاعتمادات

1 - اعتماد الاستیراد

و هو أنّ من یرید استیراد بضاعة أجنبیّة لا بدّ له من فتح اعتماد لدی البنک ، و هو یتعهّد له بتسدید الثمن إلی الجهة المصدّرة بعد تمامیّة المعاملة بین المستورد و المصدّر ، مراسلة أو بمراجعة الوکیل الموجود فی البلد ، و یسجّل البضاعة باسمه ، و یرسل القوائم المحدّدة لنوعیّة البضاعة کمّاً و کیفاً حسب الشروط المتّفق علیها ، و عند ذلک یقوم المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلی البنک لیقوم بدوره بتسلّم مستندات البضاعة من الجهة المصدّرة .

2 - اعتماد التصدیر

اشارة

و هو أنّ من یرید تصدیر بضاعة إلی الخارج أیضاً لا بدّ له من فتح اعتماد لدی البنک لیقوم بدوره - بموجب تعهّده - بتسلیم البضاعة إلی الجهة المستوردة ، و قبض ثمنها وفق الاُصول المتّبعة عندهم ، فالنتیجة أنّ القسمین لا یختلفان فی الواقع ، فالاعتماد سواء أ کان للاستیراد أو التصدیر یقوم علی أساس تعهّد البنک بأداء الثمن و قبض البضاعة .

نعم ، هنا قسم آخر من الاعتماد ، و هو أنّ المستورد أو المصدّر یقوم بإرسال قوائم البضاعة کمّاً و کیفاً إلی البنک أو فرعه فی ذلک البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المقابلة ، و البنک بدوره یعرض تلک القوائم علی الجهة المقابلة ، فإن قبلتها طلبت من البنک فتح اعتماد لها ثمّ یقوم بدور الوسیط إلی أن یتمّ تسلیم البضاعة و قبض الثمن .

ص:382

مسألة 6 : لا بأس بفتح الاعتماد لدی البنک کما لا بأس بقیامه بذلک

جواز فتح الاعتماد یعتمد علی المسائل اللاحقة ، فحقّ هذه المسألة التأخیر أو هی عنوان افتتاحی للمسائل الآتیة ، و إلّا فهی لیست مسألة برأسها ، بل کنتیجة للمسائل الآتیة .

مسألة 7 : هل یجوز للبنک أخذ الفائدة من صاحب الاعتماد إزاء قیامه بالعمل المذکور ؟

الظاهر الجواز ، و یمکن تفسیره من وجهة النظر الفقهیّة بأحد أمرین :

الأوّل : إنّ ذلک داخل فی عقد الإجارة (1)، نظراً إلی أنّ صاحب الاعتماد یستأجر البنک للقیام بهذا الدور لقاء اجرة معیّنة ، مع إجارة الحاکم الشرعی أو وکیله فیما إذا کان البنک غیر أهلی (2) ، و کذا الحال فی المسائل الآتیة .

الثانی : إنّه داخل فی عقد الجعالة ، و یمکن تفسیره بالبیع (3) ، حیث أنّ البنک یدفع ثمن البضاعة بالعملة الأجنبیّة إلی المصدّر ، فیمکن قیامه ببیع مقدار من العملة الأجنبیّة فی ذمّة المستورد بما یعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إلیه ، و بما أنّ الثمن و المثمّن یمتاز أحدهما عن الآخر ، فلا بأس به .

قوله رحمه الله : « إنّه داخل فی عقد الجعالة » ، کأن یقول للبنک : افعل هذا و لک جُعل کذا أو أجعل لک کذا .

و قد یستشکل فیهما بأنّ متعلّق عقد الإجارة و الجعالة غیر موجود فیما نحن فیه ؛ لأنّ متعلّق الإجارة هو أن یدفع البنک من نفسه إلی المصدّر ، ثمّ بعد ذلک یأخذ مقابل

ص:383


1- 1) باعتبار أنّ التسدید و القبض و الاقباض و الوساطة هی عمل ذو مالیّة فتصحّ الإجارة .
2- 2) بناء علی عدم ملکیّة الدول الوضعیّة ، و إلّا فعلی الملکیّة فلا حاجة إلی الإجازة .
3- 3) فی الحقیقة هناک بیعان : بیع بین المستورد و المصدّر ، و بیع العملة بین البنک و المستورد . و هذه المسائل لیست مسائل مستقلّة ، بل هی فی الواقع زوایا من مسألة واحدة ، فإذا لم تتمّ المسألة الثامنة لا تتمّ ما قبلها ، کما أنّ السادسة لا تتمّ إلّا بأن تتمّ السابعة .

ما دفعه من الدین ، و هذا لا یمکن إلّا بعد إقراض البنک للمستورد ، ثمّ دفعه بالوکالة عنه ، فالاعتماد و الإجارة و الدفع متوقّف علی الإقراض ، ثمّ دفع الثمن الذی أقرضه للمستورد بالوکالة عنه ، فمتعلّق التسدید هو الثمن ، و هو لیس بموجود إلّا بعد الإقراض ، فمتعلّق الإجارة غیر مقدور إلّا بالواسطة هی إیجاد و إنشاء عملیّة الإقراض .

و لکنّ هذا الإشکال قابل للجواب بأمرین :

الأوّل : القدرة بالواسطة علی متعلّق الإجارة کافیة ، نظیر ما ذکروه فی(خط لی الثوب من جنس ما هو عندک)فهی متوقّفة علی ابتیاع المستأجر من الأجیر جنس الثوب ، متعلّق الإجارة هی الخیاطة و هی متوقّفة علی ابتیاع الثوب ، فمتعلّق الإجارة مقدور بالواسطة . و ما نحن فیه متعلّق الإجارة - و هو التسدید - فتوقّف علی وجود الثمن ، و هو متوقّف علی الإقراض ، و لکن لا مانع من ذلک ؛ لأنّ متعلّق الإجارة و إن لم یکن موجوداً بالفعل ، إلّا أنّه مقدور بالواسطة .

الثانی : بعدم توقّف عملیة الاعتماد علی الإقراض بأن یقوم البنک بإقراض المستورد و بعد إقراضه یأخذ وکالة و یسدّد الثمن ، بل البنک یدفع للمصدّر مباشرة الثمن لإبراء ذمّة المشتری(المستورد)، فیکون أمر المشتری(المستورد)للبنک بتسدید الثمن أمراً ضمانیاً ، نظیر قول القائل : « ادفع عنّی دَینی » ، و حیث هذا الاتلاف بأمر من شخص آخر ، فأمره یکون ضمانیاً ، أی هو الذی سبّب الاتلاف ، فلا تحتاج الإجارة - و هی تسدید الثمن - إلی عقد القرض .

و ربّما یشکل بأنّ هذه المعاملة حقیقتها التعهّد بالعمل ، و لکنّها لیست کذلک ، بل هی إنشاء التعهّد نظیر إنشاء الضمان ، فلا تنطبق علیها ماهیّة الإجارة و لا ماهیّة الجعالة ؛ لأنّ المتعلّق لیس بعمل و إنّما هو إنشاء البنک التعهّد للمصدّر .

و الجواب عنه أنّ التعبیر الصحیح عن متعلّق العمل هو التعهّد بالعمل لا أنّه مجرّد إنشاء التعهّد ، فالتعبیر الذی ورد فی کلام الماتن هو(تعهّد البنک بأداء الثمن) فهو تعهّد بالعمل .

ص:384

مسألة 8 : یأخذ البنک فائدة نسبیّة من فاتح الاعتماد إذا کان قیامه بتسدید الثمن من ماله

الخاصّ

لقاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلی مدّة معلومة ، فهل یجوز هذا ؟

الظاهر جوازه ؛ و ذلک لأنّ البنک فی هذا الفرض لا یقوم بعملیّة إقراض لفاتح الاعتماد و لا یدخل الثمن فی ملکه بعقد القرض لیکون رباً ، بل یقوم بذلک بموجب طلب فاتح الاعتماد و أمره . و علیه فیکون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الاتلاف لا ضمان قرض .

نعم ، لو قام البنک بعملیّة إقراض لفاتح الاعتماد بشرط الفائدة ، و قد قبض المبلغ وکالة عنه ، ثمّ دفعه إلی الجهة المقابلة لم یجز له أخذها ، إلّا أن یجعلها عوض عمل یعمله له أو جعالة لمثل ذلک ، و کذلک الحال فیما إذا کان القائم بالعمل المذکور غیر البنک ، کالتاجر إذا کان معتمداً لدی الجهة المقابلة .

لا حاجة إلی هذا التوجیه إذا تمّت التوجیهات الثلاث السابقة :(الإجارة و الجعالة و البیع)، فهذه الفائدة التی یأخذها یمکن جعلها فی ضمن عقد الإجارة علی العمل برفع سعر تعهّده بتسدید الثمن ، أی قیمته المالیّة ، و کذلک فی الجعالة و البیع .

وجه إفراز الماتن هذه المسألة عن سابقتها .

إنّ من حیث الموضوع هنا جهتین للبحث ، و فیما تقدّم کان الکلام عن تقاضی المال علی تعهّده بأداء الثمن و تسلیم البضاعة و قبضها ، و ما نحن فیه لیس الکلام فی أداء الثمن و قبض البضاعة ، بل اشتراط أخذ الفائدة فی مقابل تسدید الثمن من دون أخذ المال من المشتری ، فهذه الجهة تغایر جهة البحث فی السابقة من أخذ المال مقابل أداء الثمن و لو من المشتری و قبض البضاعة ، فیکون البنک وسیطاً فی المعاملة ، نفس هذه الوساطة لها قیمة مالیّة و إن لم یدفع البنک من نفسه شیئاً ، بینما فی هذه المسألة یفرض فیها تسدید البنک الثمن من عنده و من ثمّ یأخذ الفائدة الزائدة ، و هی غیر الوساطة الصرفة .

و لکنّ الماتن یستطیع أن یدرج هذه الجهة فی ضمن ما سبق بالصورة التالیة بأن

ص:385

یقول البنک للزبون : أبیعک ملیون مارک آلمانی بثلاثة ملایین و نصف توماناً إیرانی ، و یضیف نصف ملیون آخر إزاء عمله ؛ و ذلک لأنّ المصدِّر الأجنبی یتقاضی ثمن بضاعته بعملة بلده ، و المصدِّر یسدّد فی العادة بعملة بلده المغایرة لعملة البلد الأجنبی ، فیقع التغایر بین عملة المصدِّر و عملة المستورد ، فیُرفع إمّا بعملیّة البیع أو بقبول البنک - الذی تعهّد و دفع الثمن عن المستورد للمصدِّر - التسدید بغیر ما قد غرم ، و علی کلا التقدیرین تقع مبادلة فی البین یمکن للبنک حساب مقدار الفائدة فی ضمنها ، أو یمکن تقاضیه الفائدة فی ضمن عنوان الإجارة أو الجعالة علی أعماله ، و یستطیع البنک أخذ الفائدة علی إقدامه و تعهّده بتسدید الثمن من ماله الخاصّ و تأخیر مدّة استیفاء ما دفعه ، هذا أوّلاً .

و ثانیاً : إنّ الحلّ الذی ذکره الماتن لا یخلو من إشکال قد تقدّم مراراً لأنّه مبنی علی التفرقة بین حکم الزیادة فی عقد القرض و اشتراطها فی دیون العقود الاُخری ، فجوّز اشتراط الزیادة لأنّها لیست زیادة فی عقد القرض ، و إنّما هی فی ضمان الغرامة .

و قد أفتی الماتن بجواز الزیادة : و قد تقدّم سابقاً أنّ الفائدة الربویّة لیست منحصرة بعقد القرض ، و أنّ الزیادة الربویّة فی مطلق الدیون و لو لم تکن بسبب عقد القرض .

و أنّ ربا الفائدة موضوعه الدیون فی الآیة الکریمة ؛ إذ أنّ مورد نزولها کان فی الیهود ، حیث أنّهم یزعمون بأنّ البیع بثمن مؤجّل [ بأجل یتضمّن التأخیر و بنحو یتضمّن الثمن الذی وقع علیه البیع الفائدة التی بإزاء الأجل] یساوی ما إذا وقع البیع بثمن إلی أجل أقصر ، ثمّ زیدَ الأجل فی مقابل الفائدة الربویّة ، أی أنّ تأخیر الدین بفائدة یماثل البیع و التعاقد فی البدء علی الأجل الطویل بثمن یتضمّن مقدار زیادة الفائدة .

ففرّقت الآیة بینهما بحلّیة البیع و تحریم الربا فی الدیون فی مقابل إنکار الیهود الفرق بینهما ، و (قالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا) (1)، أی بیع النسیئة مثل الربا علی

ص:386


1- 1) سورة البقرة 2 : 275 .

تأخیر الدیون ، و ردّ علیهم القرآن (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) (1)، أی إنّ ماهیّة الربا غیر ماهیّة البیع کما بیّناه مفصّلاً فیما سبق .

و هاهنا البنک حین ما یدفع الثمن من ماله الخاصّ ، لا یُقرض المشتری أوّلاً لتکوّن الزیادة فی القرض ، بل یسدّد البنک الثمن - الذی هو دین للمصدِّر - بأمر من المستورد فیکون دین البنک فی ذمّة المستورد بسبب الأمر الضمانی الموجب للاتلاف فیکون دیناً متولّداً من ضمان غرامة الاتلاف بالتسبیب بتوسّط الأمر ، فتکون الزیادة للتأخیر فی ذلک الدین فی غیر عقد القرض ، إلّا أنّ ذلک لا یخرج الزیادة عن کونها فائدة ربویّة .

و یمکن تخریج الاعتمادات بوجوه اخر :

منها (2) : أنّه من باب الجعالة علی أنّه إذا أدّی عنّی دینی أن أدفع له أصل المال و الزیادة المقرّرة ، فیکون التاجر ضامناً للبنک ما دفعه عنه إلی الشرکة و ضامناً له الزیادة المقرّرة المأخوذة بإزاء هذه العملیّة من تسجیل البضاعة باسم البنک و تسجیلها بعد تسلیم المبلغ باسم التاجر و ما یتخلّل ذلک من عملیات توفّر علی التاجر وقته .

و هذا التوجیه لا یخلو من إشکال : لأنّ الجعالة لا تحلّ مشکلة الربا ؛ إذ الربا مشارطة لتأجیل الدین بزیادة ، و الربا باطل ، سواء دخل فی المشارطة العامّة أو دخل فی باب الصلح أو الجعالة ، و هکذا ، و سواء کان متعلّق الصلح أو الجعالة أم شرطاً ضمنیّاً .

فإذا کان متعلّق الصلح أو الجعالة مفاده صریح ماهیّة الربا ، أی تقابل الزیادة الأجل فی الجعالة بأن یجعل متعلّقاً لها أو بعضاً من متعلّقها ، کما قد یجعل متعلّقاً لصلح بأن یقول : « صالحتک علی أن تؤخّر دینی إلی أجل بزیادة » لا کشرط ضمنی فیؤدّی ذلک

ص:387


1- 1) سورة البقرة 2 : 275 .
2- 2) تخریج الفقیه الشیخ حسین الحلّی رحمه الله .

إلی بطلان الجعالة و الصلح ؛ و ذلک لإبطال الأدلّة الشرعیّة ماهیّة الربا و عنوانه مطلقاً ، و لو لم یکن بنحو المشارطة الضمنیّة بقرینة مورد نزول الآیة و النصوص الکثیرة المبطلة للمشارطة المبتدأة غیر الضمنیة علی الربا الواقعة لاحقاً بتعاقد مستأنف عند مطالبة الدائن دینه من المدین .

و من ثمّ استشکلنا فی الإقراض فیما لو دفع جعلاً مقابل عملیة الاقراض بأن یقول :

« من أقرضنی کذا فله کذا » ، حیث ذکرنا أنّ الاقراض و إن کانت له مالیّة و لکن مالیّته لیست وراء مالیّة المال الذی یُقرض .

و من ثمّ أبطلوا الإجارة الواقعة علی الزیادة الربویّة المقابلة بالإقراض ؛ لأنّ الفائدة علی المدّة زیادة علی المقروض ، و من ثمّ یصحّ التعبیر بأنّ الربا الدینی باطل فی کلّ العقود ، بخلاف الربا الکیلی و الوزنی ، فقد وقع الخلاف فی کونه مخصوصاً بالبیع أو فی کلّ العقود ، فالقائلین بالتعمیم یبطلون التفاضل فی الکیل أو الوزن فی العوضین ، سواء کان بعنوان الصلح أم بعنوان أی معاوضة خاصّة اخری ، و کذلک الحال فی الربا الدینی ، فإنّه باطل وجد فی مفاد أی عقد من العقود .

و الربا هو زیادة فی مقابل إنساء الأجل لدین سابق - و لو رتبة - علی المشارطة الربویّة بحیث یکون متعلّق المشارطة أو ذلک التعاقد هو ذلک المفاد ، فالتصویر المذکور لا یخلو من تأمّل (1).

فالصحیح التوجیه بالوجه السابق من أنّ الجعالة تقع للخدمة بزیادة .

ص:388


1- 1) و الظاهر من آخر التقریر أنّ الحلّی رحمه الله أبدی نوعاً من الرجوع عن هذا الوجه .

خزن البضائع

اشارة

قد یقوم البنک بخزن البضاعة علی حساب المستورد کما إذا تمّ العقد بینه و بین المصدّر ، و قام البنک بتسدید ثمنها له ، فعند وصول البضاعة یقوم البنک بتسلیم مستنداتها للمستورد و إخباره بوصولها ، فإن تأخّر المستورد عن تسلّمها فی الموعد المقرّر ، قام البنک بخزنها و حفظها علی حساب المستورد إزاء أجر معیّن ، و قد یقوم بحفظها علی حساب المصدّر ، کما إذا أرسل البضاعة إلی البنک دون عقد و اتّفاق مسبق ، فعندئذ یقوم البنک بعرض قوائم البضاعة علی تجّار البلد ، فإن لم یقبلوها حفظها علی حساب المصدّر لقاء أجر معیّن .

مسألة 9 : فی کلتا الحالتین یجوز للبنک أخذ الاُجرة

لقاء العمل المذکور إذا اشترط ذلک فی ضمن عقد ، و إن کان الشرط ضمنیّاً و ارتکازیّاً ، أو کان قیامه بذلک بطلب منه (1)، و إلّا فلا یستحقّ شیئاً .

و هنا حالة اخری ، و هی : أنّ البنک قد یقوم ببیع البضاعة عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها بعد إعلان البنک و إنذاره ، و یقوم بذلک لاستیفاء حقّه من ثمنها ، فهل یجوز للبنک القیام ببیعها ، و هل یجوز لآخر شراؤها ؟ الظاهر الجواز ؛ و ذلک لأنّ البنک - فی هذه الحالة - یکون وکیلاً من قِبل أصحابها بمقتضی الشرط الضمنی الموجود فی أمثال هذه الموارد ، فإذا جاز بیعها جاز شراؤها أیضاً .

إذ البنک لا یخزّن فی مخازنه إلی أبد الدهر و البضاعة معرّضة للتلف و هی فی

ص:389


1- 1) لأنّ الطلب أمر و هو مضمّن ، فإنّ عملیة التخزین عمل مالی نظیر : ابن لی جداراً .

عهدته و مسئولیّته ، و الغرض قائم بإفراغ المخزن فیقرّر أجل زمنی لذلک نظیر ستّة أشهر و من بعدها یبیع البضاعة و یستوفی حقّ وساطته من ثمنها ، و الزائد یردّه علی صاحبه ، و هذا کشرط ضمنی فی فتح عملیة الاعتماد .

و لا یشکل بامتناع کون البنک وکیلاً ، بأنّ البنک عنوان و لا یکون العنوان وکیلاً عن شخص حقیقی ؛ لأنّ الکلام فیه هو الکلام فی ملکیّة العنوان .

نعم ، تفترق الوکالة عن الملکیّة بأنّها ولایة ، و العنوان و إن تصوّر له الملکیّة إلّا أنّ تصویر الولایة له فی غایة الإبهام و الإجمال بعد کونه جامداً غیر عاقل .

و لکنّ الحلّ أنّ البنک و العنوان له ولیّ(کمدیره أو غیره)، حیث یکون المدیر نائباً عن المالکین للبنک ، حیث أنّ البنک المالک للأشیاء هو مملوک للأشخاص الحقیقیّین ، و هم یولّون شخصاً آخر عنه علی العنوان ، و بالتالی یکون ولیّاً علی البنک و علی کلّ شیء للبنک ولایة علیه ، فولیّ العنوان هو یستلم تلک الولایة .

ص:390

الکفالة عند البنوک

اشارة

یقوم البنک بکفالة و تعهّد مالی من قِبل المتعهّد للمتعهّد له من جهة حکومیّة أو غیرها حینما یتولّی المتعهّد مشروعاً کتأسیس مدرسة أو مستشفی أو ما شاکل ذلک للمتعهّد له ، و قد تمّ الاتّفاق بینهما علی ذلک ، و حینئذٍ قد یشترط المتعهّد له علی المتعهّد مبلغاً معیّناً من المال فی حالة عدم إنجاز المشروع و إتمامه عوضاً عن الخسائر التی قد تصیبه ، و لکی یطمئنّ المتعهّد له بذلک یطالب بنفیل علی هذا ، و فی هذه الحالة یرجع المتعهّد و المقاول إلی البنک لیصدر له مستند ضمان یتعهّد البنک فیه للمتعهّد له بالمبلغ المذکور عند تخلّفه(المتعهّد)عن القیام بإنجاز مشروع لقاء أجر معیّن .

مسائل :

الاُولی : تصحّ هذه الکفالة بإیجاب من الکفیل

بکلّ ما یدلّ علی تعهّده و التزامه من قول أو کتابة أو فعل ، و بقبول من المتعهّد له بکلّ ما یدلّ علی رضاه بذلک . و لا فرق فی صحّة الکفالة بین أن یتعهّد الکفیل للدائن بوفاء المدین دینه ، و أن یتعهّد لصاحب الحقّ بوفاء المقاول و المتعهّد بشرطه .

الثانیة : یجب علی المتعهّد الوفاء بالشرط المذکور

إذا کان فی ضمن عقد عند تخلّفه عن القیام بإنجاز المشروع ، و إذا امتنع عن الوفاء به رجع المتعهّد له(صاحب الحقّ) إلی البنک للوفاء به ، و بما أنّ تعهّد البنک و ضمانه کان بطلب من المتعهّد و المقاول فهو ضامن لما یخسره البنک بمقتضی تعهّده ، فیحقّ للبنک أن یرجع إلیه و یطالبه به .

الثالثة : هل یجوز للبنک أن یأخذ عمولة معیّنة من المقاول و المتعهّد

لإنجاز العمل لقاء

ص:391

کفالته و تعهّده ؟

الظاهر أنّه لا بأس به ؛ نظراً إلی أنّ کفالته عمل محترم فیجوز له ذلک . ثمّ إنّ ذلک داخل - علی الظاهر - فی عقد الجعالة ، فتکون جعلاً علی القیام بالعمل المذکور ، و هو الکفالة و التعهّد ، و یمکن أن یکون علی نحو الإجارة أیضاً و لا یکون صلحاً و لا عقداً مستقلّاً .

من خدمات البنک أنّه یتکفّل الوفاء بالعمل إن لم یفِ المتعاقد بالعمل أو یفی بالشرط(و هو أداء الخسارة)إن لم یفِ المتعاقد بالشرط .

و من الظاهر أنّ الکفالة عقد مستقلّ ، و لذلک یحتاج إلی إیجاب و قبول ، و ظاهر العبارة أنّ البنک تارة یتعهّد - مثلاً - إن لم تبنِ هذه الشرکة هذا البناء ، فهو یتولّی البناء ، أی إن لم یأتِ المکفول بمتعلّق العقد فالبنک یتعهّد بإتیانه ، ففی هذه الصورة لیس فی الکفالة شرط بدفع الخسارة .

و اخری یتعهّد : إن لم یأتِ بمتعلّق العقد فهو یضمن وفاء الشرط ، و هو مال الخسارة .

و تصحّح هذه الکفالة بوجوه :

الأوّل : ما ذکره الفقیه الشیخ حسین الحلّی من إدخالها فی الکفالة الاصطلاحیّة .

و هی ضمان الإتیان بالشخص فیضمن أنّ المنکر لا یفرّ - مثلاً - فهو ضمان إحضار الشخص ، و قد ذهب جماعة إلی تحمّل الکفیل دین المکفول إن لم یحضر ، إمّا بنحو الطولی - یعنی إن لم یأتِ بالمکفول - و إمّا بنحو التخییر ، أی: أنّه مخیّر بین أن یأتی بالمدین المکفول أو یسدّد دینه .

بخلاف القول الآخر الذی ذهب إلیه الکثیر بأنّ الکفیل مسئول بإحضار شخص المکفول و لا شیء وراء ذلک .

و من ثمّ استشکل الحلّی نفسه فی هذا الوجه بأنّه لا اتّفاق فی الکفالة الاصطلاحیّة

ص:392

علی أداء الکفیل الدین .

و یشکل علی هذا التوجیه أیضاً بأنّ فی الفرض المتداول لا یتعهّد البنک بإحضار الشخص ، بینما فی الکفالة لا بدّ من التخییر بین الإحضار و الأداء علی أقلّ تقدیر .

الثانی : إنّ هذه الکفالة تدخل فی ضمان الفعل ، و لذلک تسمّی الکفالة أیضاً بخطابات الضمان فی المحاورات الدارجة ، و قد تقدّم أنّ الضمان علی ثلاثة أقسام أو أکثر : ضمان العقد ، نقل ذمّة إلی ذمّة ، و ضمان الاتلاف أو الغرامة ، و ضمان التعهّد بالفعل .

و ماهیّة ضمان الفعل یُنشئها الضامن بقوله للمضمون له : « إن لم یدفع لک - مثلاً - أو أتلف فلان ، فعَلَیَّ ضمانه » ، أی علَیَّ أن أدفع الثمن ، فلیس هناک دین قائماً بالفعل کی ینقل فی ذمّة المضمون عنه إلی الضامن .

فالضامن لا یتعهّد بکونه مدیناً بدلاً عن المضمون عنه ، بل متعلّق التعهّد ضمان الفعل ، و هو أداء القیمة و دفع مال العین التالفة ، فلیس متعلّق الضمان هو المال بنفسه و أداء المال فعل من الأفعال ، فافترق عن الضمان الاصطلاحی ، فمتعلّقه نقل المال إلی ملک المضمون له ، و من ثمّ کان الضمان الاصطلاحی أشبه بشرط النتیجة ، و أمّا ضمان الفعل فأشبه بشرط الفعل ؛ إذ مفاد شرط النتیجة اشتراط کون الشیء ملکاً للشارط و مفاد شرط الفعل اشتراط التملیک(بشرط أن تملّکنی)، و هو فعل متعلّق بمال و لیس بنفسه مال .

و هناک فرق آخر : أنّ فی ضمان الفعل لا یکون الضامن حین إنشاء الضمان و بعده ، مدیناً للمضمون له ، بل ربّما لا یکون المضمون عنه أیضاً مدیناً للمضمون له ، و ربّما یکون بخلاف الضمان الاصطلاحی ، و إنّما أثر ضمان الفعل ثبوت حقّ الفعل و أدائه للمضمون له .

نعم ، إذا تحقّق ما علّق علیه الفعل مثل عدم إتیان الأجیر بمتعلّق الإجارة ، یصبح الضامن مدیناً علی قول ، و علی قول آخر یصبح للضامن حقّ مالی ، فلو مات قبل وفائه

ص:393

لم یُخرج من ترکته شیء إلّا بوصیّة منه ، و هذا بخلافه علی القول السابق ، فإنّه یخرج من ترکته مقدّماً علی الإرث و إن کانت هذه التفرقة بین القولین لدینا محلّ نظر بعد البناء علی أنّ شروط الفعل ذات مؤدّی وضعی و صفة مالیّة ، و إن اختلفت فی الجملة عن شرط النتیجة .

دلیل مشروعیّة هذا الضمان

الأوّل : إنّه ضمان عقلائی ، و یندرج فی مطلقات الضمان ، أو یندرج فی مطلقات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، و لا یوجد دلیل مفسد له مخصّص للعمومات ، مثل النهی عن الغرر . و العقود فی (أَوْفُوا) لا تنحصر فی العقود المعهودة ، بل تشمل العقود المتجدّدة ، إلّا أنّ تخالف الشرائط العامّة فی العقود بأن لا یکون غرریاً و لا ربویّاً و نحو ذلک ، فهذا عقد جدید یندرج فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، و هی قضیّة حقیقیّة تولّد عقوداً جدیدة بشرط أن یکون حاویاً لشرائط العقود ، و بشرط أن تکون ماهیّة هذا العقد مغایرة لماهیّة العقود المعهودة ، و إلّا لاشترط فیه شرائطها الخاصّة .

الثانی : إنّه منصوص فی موارد ، و قد أفتوا بها ، و المورد لا یخصّص الوارد ، مثل :

الذی یضمن للبائع إقباض الثمن من المشتری فیقول : « بع هذا له ، و إن لم یدفع الثمن فأنا أدفعه » ، مع أنّه لم یقع البیع بعدُ ، فلیس فی البیع دین فعلیّ کی یقال : إنّه ضمان اصطلاحی ؛ لأنّ المشتری مدیناً بالثمن للبائع ، فهذا ضمان الفعل ، و کذلک الضمان فی قوله : « اشتر منه هذا الشیء و أنا ضامن لک بتسلیم المبیع » ، و هو منصوص و مفتی به . و کذا ما فی باب الغصب فی قوله : « اشتر هذا ، فإن ظهر أنّه غصب فأنا أدفع غرامته إلی صاحبه » .

و فی ما نحن فیه : البنک إمّا أن یتعهّد و یضمن بإتیان متعلّق العقد الإیجاری فی صورة عدم إتیان المکفول به ، أو یتعهّد بشرطه إن لم یدفع الخسارة فهو یدفعها ، و کلاهما من قبیل ضمان الفعل ؛ إذ حین الضمان لا یکون البنک مدیناً للمضمون له

ص:394

تعهّده بالفعل معلّق علی شیء ، بل فی الصورة الثانیة المضمون عنه لیس مدیناً بالخسارة بالفعل .

قوله رحمه الله فی المسألة الثانیة : « یجب علی المتعهّد الوفاء بالشرط » ، یمکن تصویر صحّة هذا الشرط بأنّه شرط ابتدائی بالتملیک ، سواء کان بنحو شرط النتیجة أو شرط الفعل ، بأن یشترط أحد المتعاقدین علی الآخر إذا لم یؤدِّ ما علیه من العوض أن یهب للآخر کذا أو یملّکه کذا مبلغاً ، و هذا المال الذی یشترط تملّکه من أحدهما للآخر لیس بإزاء الأجل لیکون رباً ، بل بازاء عدم الوفاء بالمعاملة أو کون حقّ الفسخ و خیار الشرط معلّقاً علی هبة أحدهما للآخر أو جبران للخسارة التی یسبّبها تأخیر الوفاء بالمعاملة فی مال آخر غیر العوضین .

و هذا التصویر و إن کان صحیحاً ، إلّا أنّه لیس حلّاً لکلّ فروض الکفالة ؛ لأنّ کثیراً من فروض الکفالة هی فی مورد الإجارة ، حیث یخاف طروّ العجز علی الأجیر و الإجارة تنفسخ بالعجز ؛ لأنّها مشروطة بالقدرة علی المتعلّق ، فإذا انتفت القدرة حدوثاً أو بقاءً تنفسخ الإجارة ، و إذا انفسخت یرجع ثمن الاُجرة إلی المستأجر ، و هو سبب خوف المستأجر المتعهّد له بأن تنفسخ الإجارة و یسبّب له خسارة فی أمواله الاُخری التی أراد أن ینمیها بما یُحدثه العمل الإجاری فیها ، و مع انفساخ الإجارة للعجز ینتفی شرط التعهّد بالخسارة لانتفاء المشروط ، و هو الإجارة .

نعم ، فی مثل البیوع لا ینفسخ البیع للعجز من قِبل البائع ؛ لأنّه یصبح مدیناً ، فیمکن تصویر بقاء الشرط بخلاف عقود الإجارة ، فمن ثمّ ذکروا لأجل التوصّل إلی بقاء الشرط بإنشاء صلح أو عقد آخر یفرض بقائه مع طروّ العجز ممّا لا یخشی عدم تمامیّته .

قوله رحمه الله : « و یمکن أن یکون علی نحو الإجارة أیضاً ، و لا یکون صلحاً و لا عقداً مستقلّاً » .

هذا التصویر مبنیّ علی أنّ نفس إنشاء الضمان له مالیّة غیر مالیّة مورد الضمان ،

ص:395

و أمّا مورد الضمان ، و هو الدین ، فیرجع الضامن علی المضمون ؛ لأنّ بأمره أقدم علی الضمان . و فی نفس إنشاء الضمان نوع من انتفاع المضمون عنه باعتبار الضامن بغضّ النظر عن مورد الضمان ، فیکون له مالیّة من هذه الجهة ، و مالیّته یستحقّها الضامن علی المضمون بعقد الجعالة أو الإجارة علیه ، فالضامن یتملّک هذه الزیادة بمجرّد إنشاء الضمان لا بعد دفع الضمان کی یتوهّم بأنّ الزیادة ربویّة ؛ لأنّ الزیادة لو کانت تستحقّ للضامن بعد دفعه الضمان للمضمون له ، لکان لذلک التوهّم مجال ؛ لأنّ المضمون عنه یصبح مدیناً للضامن بعد أداء الضامن للضمان ؛ لأنّه کان بأمر المضمون عنه ، فلو کان أخذ الزیادة بعد حصول الدین - أی بعد دفع الضمان - لکانت زیادة علی الدین ربویّة ، بناءً علی عموم موضوع الربا للزیادة علی کلّ دین ، و إن لم یکن قرضاً کما هو الصحیح ، فهذا التصویر لا بأس به .

ص:396

بیع السهام

اشارة

قد تطالب الشرکات المساهمة وساطة البنک فی بیع الأسهم و السندات التی تمتلکها ، و یقوم البنک بدور الوسیط فی عملیّة بیعها و تصریفها لقاء عمولة معیّنة بعد الاتّفاق بینه و بین الشرکة .

مسألة 10 : تجوز هذه المعاملة مع البنک ،

فإنّها - فی الحقیقة - لا تخلو من دخولها إمّا فی الإجارة بمعنی أنّ الشرکة تستأجر البنک للقیام بهذا الدور لقاء اجرة معیّنة ، و إمّا فی الجعالة علی ذلک ، و علی کلا التقدیرین ، فالمعاملة صحیحة و یستحقّ البنک الاُجرة لقاء قیامه بالعمل المذکور .

مسألة 11 : یصحّ بیع هذه الأسهم و السندات ، و کذا شراؤها

نعم ، إذا کانت معاملات الشرکة المساهمة ربویّة ، فلا یجوز شراؤها بغرض الدخول فی تلک المعاملات ، فإنّه غیر جائز ، و إن کان بنحو الشرکة .

نتعرّض لبیع السندات مستقلّاً فیما سیأتی .

و أمّا بیع الأسهم ، فأطلق السیّد رحمه الله الحکم بجوازه ، و لکنّ الإنصاف أنّ بیع السهام علی أقسام مختلفة کثیرة ، نذکر أربعة منها :

الأوّل : إنّ الأسهم لتملّک حصص من مصنع أو شرکة خاصّة ، و لا مانع من صحّة بیعها .

الثانی : بیع أسهم منافع المصنع ، أی منتجاته لمدّة معیّنة ، فلا یقع البیع علی حصص ملکیّة المصنع ، بل یقع علی منافع المصنع أو الشرکة .

الثالث : عند ما ترید الدولة أن تشقّ طریقاً عبر مجامیع بیوت موجودة فی ذلک

ص:397

الموضع فتقوم ببیع أسهم لملکیّة الأراضی الواقعة علی حافّتی الشارع الجدید .

الرابع : تقوم الدولة أو الشرکة الخاصّة المتخصّصة فی مجال خاصّ ببیع أسهم الشرکة الزراعیّة - مثلاً - مع عدم کون المصنع و لا أرضه موجودین و لا بقیّة أجهزة الشرکة ، فتباع الأسهم علی أن تشتری الأرض و المصنع و الأجهزة فیما بعد .

أمّا القسم الأوّل ، فحیث أنّ المصنع موجود و له آلات و البیع لحصص الملکیّة ، فلا مانع من ذلک ، و دلالة البنک و اجرته علیها أیضاً صحیحة .

أمّا القسم الثانی - و هو بیع المنتوجات - و منافع المصنع أو الشرکة ، فالبیع لا یقع علی عین المصنع أو آلاته ، بل علی المنافع المعدومة حین البیع ، فالفرش - مثلاً - لیس بموجود ، فیقع البحث حول متعلّق البیع أو موضوعه ، هل هو بیع ما لا یُملک ؟ و یمکن أن یصحّح بعدّة توجیهات :

1 - إجارة المصنع لمشتری الأسهم ، و یکون مُلّاک المصنع وکلائهم عن المستأجرین فی أخذ أموالهم لشراء مواد المصنع و بیعها عنهم بعد ذلک ، فیتقاضون منها الاُجرة للآلات و یشترون ببقیّة الأموال مواد المصنع ، فیکون المنتوج للمستأجرین مالکی المواد ، و هم الذین یشترون الأسهم و البنک یأخذ الاُجرة فی مقابل إشرافه علی تلک العملیّة ، فبیع الأسهم عبارة عن مجموع الإجارة و عدّة عقود اخری .

2 - قد تکون المواد حاضرة فی المصنع ، فمُلّاک المصنع یبیعون المواد علی مشتری الأسهم و یؤجرونهم المصنع .

3 - أن یبیع ملّاک المصنع جنس المنتوجات بنحو الکلّی فی الذمّة علی أن یقع الوفاء بما ینتجه المصنع ، ثمّ یتوکّل الملّاک فی بیعها و تقسیم الأرباح بحسب الأسهم و نسب المشارکة .

4 - أن یبیعوا جنس المنتوج بنحو الکلّی فی المعیّن من منتوجات المصنع بناءً علی عدم شمول بیع ما لا یملک الکلّی المعیّن .

ص:398

5 - أن یؤاجر ملّاک المصنع آلات و أجهزة المصنع لمشتری الأسهم ، فیملک أصحاب الأسهم منافع الأجهزة و الآلات ، ثمّ یتقاضی أصحاب الأسهم من الملّاک اجرة استخدام تلک المنافع المملوکة فی تصنیع المواد و تلک الاُجرة هی نسبة معیّنة من الإنتاج .

6 - عین ما تقدّم ، إلّا أنّه لا حاجة لتقاضی أصحاب الأسهم الاُجرة ؛ لأنّ العین المنتوجة ملکیّتها مشترکة بین ملّاک المصنع(صاحبی المواد)و بین أصحاب الأسهم (مالکی منافع الآلات)؛ بناءً علی أنّ المادة المتهیّئة بهیئة مالیّة عالیة القیمة تکون مشترکة بین صاحب المادة و صاحب العمل الذی أحدث الهیئة فی المادة ، نظیر ما لو رسم النقّاش شکلاً علی خشبة کانت تعادل قیمة یسیرة فأصبحت تعادل بقیمة باهضة جدّاً ، فإنّ الصحیح أنّ ملکیّتها تکون شرکة بین الاثنین بحسب النسبة ، فعلی هذا یکون المنتوج شرکة بین مالک المادة و مالک منفعة الآلات .

أمّا القسم الثالث و الرابع ، فقد یقال إنّ البیع فیهما فاسد ؛ لأنّه إمّا أن یکون بیع ما لا یملک أو قرضاً ربویّاً ، و لکن یمکن تصحیحهما بعقد المضاربة علی شراء الأراضی مشروطاً بالبناء و إیجاد الشارع أو المزرعة ، و هکذا ، ثمّ تقسّم الأرباح بالنسبة بین عامل المضاربة(و هو الدولة أو الشرکة البائعة للأسهم)و بین مالک المال(و هم أصحاب الأسهم).

ص:399

ملحق

مسألة 1 : تجری المعاوضة فی بعض أسواق الأسهم بتسلیم کلّ من الثمن و الأسهم ،

أو أحدهما و بعض الآخر ، بعد فترة زمنیّة محدّدة ، کالشهر أو الثلاثة أو الأربعة أشهر و نحوها ، و بعد مضیّ مدّة یقوم کلّ من المتعاقدین بالقبض و الإقباض و تصفیة الحساب .

فقد یقال بالصحّة و إن لم یصدق عنوان عقد السلم أو النسیئة علیه ، بل و إن لم یصدق علیه عنوان أحد العقود الخاصّة فی الشریعة لانطباق عموم عنوان : (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (1)علیه ، و کذلک (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

و فیه : أنّه من بیع الدین بالدین ، سواء کان کلّ منهما مؤجّلاً أو أحدهما و بعض الآخر .

و دعوی : أنّه عقد جدید ، ممنوع بصدق ماهیّة البیع علیه . غایة الأمر أنّه من بیع الدین بالدین .

مسألة 2 : قد یقع فی بورصة أسهم بیع الأسهم قبل أن یقبضها تارة ، و قبل أن یشتریها تارة

اخری .

الظاهر الصحّة فی الأوّل و البطلان فی الثانی .

أمّا الصحّة فی الأوّل فلأنّه لا یشترط فی صحّة البیع قبض المبیع إلّا فی المکیل و الموزون ، و بیع أسهم الشرکات و نحوه لیس من قبیل بیع المکیل و الموزون .

نعم ، لو فرض کون الأسهم أسهم الأجناس المکیلة و الموزونة لاشترط القبض

ص:400


1- 1) سورة النساء 4 : 29 .

فیها بما یناسب کلّ جنس و مکان بحسبه .

أمّا البطلان فی الثانی فلأنّه بیع ما لا یملک علی تقدیر التملیک الفعلی أو التعلیق الباطل علی تقدیر التملیک التعلیقی ، و قد تقدّم أنّ محذور بطلان التعلیق لیس عقلیّاً بل عقلائی ، فلاحظ .

مسألة 3 : یجری تداول بیع أسهم الشرکات المساهمة التی رأس مالها حرام أو مختلط

بالحرام

أو التی تتعامل علی الحلال و الحرام أو تُجری معاملات محرّمة . و البیع فی هذه الأقسام یقع تارة بقصد العضویّة فی الشرکة ، و اخری بقصد الاستثمار و الاتّجار بمالیّتها ، أی أنّ البیع یقع لمالیّة الشرکة لا لعینها و لا لمنافعها .

و الحکم فیها کالتالی :

أمّا الصورة الاُولی - و هی التی رأس مالها حرام - فهی محکومة بالبطلان ، سواء وقع البیع بقصد العضویّة - أی بقصد تملّک العین و المنافع و الإقدام علی المعاملات المحرّمة - أو بقصد المالیّة ؛ و ذلک لعدم اعتبار ملکیّة الحرام و نفی مالیّته شرعاً .

نعم ، فی الشرکات الأجنبیّة غیر المسلمة یجوز أخذ الثمن علیها بقصد الاستیلاء علی أموالهم .

الصورة الثانیة - و هی التی رأس مالها مختلط بالحرام - قد یقال بالبطلان مطلقاً ؛ لما تقدّم فی الصورة الاُولی ، لکنّ الصحیح هو التفصیل و الحکم بالصحّة بنسبة القدر الحلال فی الشرکة و بطلان النسبة المحرّمة ؛ لأنّه نظیر بیع ما یملک و ما لا یملک .

الصورة الثالثة - و هی التی تتعامل علی الحلال و الحرام - فقد یقال بالبطلان مطلقاً أیضاً ، و الصحیح هو التفصیل بین الشراء بقصد العضویّة ، بمعنی تملّک المنافع المحرّمة .

الصورة الرابعة - و هی التی رأس مالها حلال ، و لکنّه تُجری معاملات محرّمة - قد یقرّب صحّة ابتیاعها بقصد الاستثمار و الاتّجار بمالیّتها لکون رأس المال من أعیان

ص:401

الشرکة و ممتلکاتها من المال المحلّل ، فیصحّ المعاملة علیها .

أمّا ما تُجریه الشرکة من معاملات محرّمة فلم یقصده مشتری الأسهم ، مضافاً إلی : إمّا عدم علمه بوقوع التعامل المحرّم فی فترة تملّکه للأسهم ، حیث یقدم علی بیعها بعد شرائها بمدّة ، أو لعدم توزیع أرباح التعامل علی الشرکاء(مُلّاک الأسهم) فی تلک الفترة التی یتملّک فیها الأسهم ، لا سیّما إذا لم یکن فی ابتیاع تلک الأسهم اشتراط بتعامل الشرکة بالمحرّم ، أی لم یکن فی برنامج اللوائح المقرّرة فی الشرکة ذلک .

نعم ، لو کان ذلک من مواد اللوائح المقرّرة فی الشرکة ، و بمثابة الشرط فی ابتیاع السهم ، و یکون مجموع مَن یُدیر تلک الشرکة بمنزلة الوکلاء عن أصحاب الأسهم لکان ابتیاع الأسهم لا یخلو من إشکال ، و إن أمکن التأمّل فی الحرمة أو الفساد علی ذلک التقدیر أیضاً ؛ لأنّ غایة ذلک فساد الشرط لإفساد البیع .

مسألة 4 : فی حکم ابتیاع أسهم الشرکات الأجنبیّة ،

سواء المقیمة فی البلاد الأجنبیّة أم فی البلاد الإسلامیّة ، و هی علی صور أیضاً :

1 - فإمّا أن تکون الشرکة تتداول الاستثمارات المحرّمة فقط .

2 - و إمّا المختلطة .

3 - و إمّا المحلّلة فقط .

أمّا حکم الصورتین الأولیتین : فقد یقال : إنّ مقتضی القاعدة هو الفساد و الحرمة لکون المالیّة محرّمة ، مضافاً إلی شرکة مالک الأسهم فی تکوین الأعمال الاستثماریّة المحرّمة ، إلّا إذا کان قصده من الابتیاع التوصّل إلی الاستیلاء علی الأسهم ، و استنقاذها من أیدیهم لا بعنوان الشراء ، فحینئذٍ یتملّکها و یجوز له بیعها .

و فیه : أنّ المال المکتسب من الحرام عند الکافر یجوز لنا تملّکه و علیه وزره ، کما ورد النصّ بذلک فی استیفاء الدین من الکتابی من مال حصّله من بیع الخمر أو

ص:402

الخنزیر (1)و کما فی أخذ مال الجزیة منهم (2) ، فمالیّة الشرکات الأجنبیّة إذا لم تکن من الأعیان المحرّمة تکون محلّلة بالإضافة إلینا ، و بالتالی یکون فرض الصورتین الأولیتین عین فرض الصورة الأخیرة فی المسألة المتقدّمة ، التی تقدّم حکمها .

و لو أغمضنا النظر عن ذلک فقصد الاستنقاذ و الاستیلاء بتوصّل الشراء الصوری لا یحلّل مالیّة الشرکة بعد فرض کونها محرّمة .

أمّا حکم الصورة الثالثة فقد اتّضح ممّا ذکرنا .

ص:403


1- 1) ب 60 / أبواب ما یکتسب به ، و : ب 28/ أبواب الدین .
2- 2) ب 70 / أبواب جهاد العدوّ .

بیع السندات

عُرِّف السند بأنّه وثیقة مالیّة محدّدة فی ذمّة الجهة المصدّرة له ، و تقوم الجهة بإصداره بداعی تمویل مشروع معیّن .

فقد تصدره الدولة لتمویل نفقات خدماتها العامّة بسبب العجز فی المیزانیّة السنویّة ، و قد تصدره المؤسّسات الدولیّة أو الخاصّة ، کالبنوک و الشرکات المختلفة ، لتمیل ما تُقدِم علیه من مشاریع . و لا یخفی أنّ مقتضی هذا التعریف ینطبق علی الصورة الثالثة و الرابعة التی تقدّمت فی أقسام الأسهم .

و علی أی تقدیر ، فالسند صکّ و وثیقة للدین و لیس ورقاً مالیاً ، بل هو سند و وثیقة علی المال ، فمثلاً : الدولة عند ما ترید أن تقدم علی مشروع و ترید أن تأخذ أموالاً من النّاس ، ثمّ ترجعها إلیهم مع الفائدة ، فلو أقدمت علی الاستقراض منهم لم یقدم أحد منهم علی إقراضها ، فلذا تقوم بإصدار صکوک و سندات ، کلّ سند کذا مقدار ، ثمّ تبیعها ، و قد تکون بأقلّ من المقدار المذکور فی السند ، فقد تکون قیمته ألف دینار و تبیعه الحکومة بتسعمائة و خمسین دیناراً ، و یتوسّط فی الغالب البنک و مؤسّسات السمسرة و الدلالة فی بیع السند ، فتباع أوراق السندات بتسعمائة و خمسین دیناراً علی أن یستلم المشتری بعد سنة ألف دینار .

فیقع الکلام و البحث عن حکم بیع هذه السندات ، و عن حکم الاُجرة و العمولة التی یتقاضاها البنک و السمسار علی بیع تلک السندات ، و قد تقدّم أنّ هذه السندات ربّما تصدرها الشرکة الأهلیّة الخاصّة .

و ظاهر الماتن رحمه الله و جماعة القول بجواز بیع السندات ، و أنّه حقیقةً بیع

ص:404

و لیس بقرض ، فحکم المبادلة علی السندات إن کان بیعاً فلا یرد إشکال علیه ؛ إذ هو شراء ألف دینار التی تدفع بعد سنة بتسعمائة و خمسین دیناراً نقداً ، و فی البیع لا إشکال فی تفاوت العوضین إلّا مَن یستشکل فی بیع المعدود عند التفاوت مؤجّلاً بخلاف بیع المعدود مع التفاوت نقداً ، و لکن تقدّم جوازه فی کلتا الصورتین ، فمَن یسوّغ بیع المعدود بالأجل مع التفاوت و لو کان من جنس واحد ، یسوّغ بیع السندات ، لکن قد تقدّم التأمّل فی الصحّة فی بیع الأوراق بمثلها مع أجل - إذا کان من جنس واحد - و السند یکون وثیقة حینئذٍ علی العقد أو المال ، کالکتابة علی العقد ، لا أنّه هو مال ، فبیع السند حقیقته بیع ألف دینار فی المثال .

و إن کان حقیقة السند قرضاً - لا بیعاً - فیکون ربویّاً باطلاً ؛ لأنّ المشتری للسند یُقرض الجهة المصدِّرة له فی مقابل زیادة بعد سنة ، و هذه الزیادة فائدة ربویّة ، إلّا أن تکون الجهة حکومیّة فیأخذه من باب مجهول المالک ، و یکون الشراء صوریّاً ، أو تکون الجهة شرکة کافرة أو حکومة کافرة ، فلا مانع من أخذ الربا منهم .

و علی الجملة : إن کان قرضاً و الجهة المصدّرة حکومیّة ، فالإشکال فیه واضح بناءً علی ملکیّة الدولة ، فیکون قرضاً ربویّاً ، و إن کان بیعاً فتشکل الصحّة فی بیع الأوراق بمثلها مع أجل ، إذا کان من جنس واحد ، فعلی هذین الوجهین یتوقّف فی بیع السندات ، لکن قد ذکرنا فی الصورتین الأخیرتین من بیع الأسهم إمکان انطباق بیع السندات علی المضاربة .

ص:405

التحویل الداخلی و الخارجی

و هنا مسائل :

الاُولی : أن یصدر البنک صکّاً لعمیله

بتسلّم المبلغ من وکیله فی الداخل أو الخارج علی حسابه إذا کان له رصید مالی فی البنک ، و عندئذٍ یأخذ البنک منه عمولة معیّنة (1)لقاء قیامه بهذا الدور ، فیقع الکلام - حینئذٍ - فی جواز أخذه هذه العمولة ، و یمکن تصحیحه بأنّه حیث أنّ للبنک حقّ الامتناع عن قبول وفاء دینه فی غیر مکان القرض فیجوز له أخذ عمولة لقاء تنازله عن هذا الحقّ و قبول وفاء دینه فی ذلک المکان .

الثانیة : أن یصدر البنک صکّاً لعمیله بتسلّم المبلغ من وکیله فی الداخل أو الخارج

بعنوان إقراضه ، نظراً لعدم وجود رصید مالی له عنده . و مردّ ذلک إلی توکیل هذا الشخص بتسلّم المبلغ بعنوان القرض ، و عند ذلک یأخذ البنک منه عمولة معیّنة لقاء قیامه بهذا العمل ، فیقع الکلام فی جواز أخذه هذه العمولة لقاء ذلک .

و یمکن تصحیحه بأنّ للبنک المحیل أن یأخذ العمولة لقاء تمکین المقترض من أخذ المبلغ عن البنک المحال علیه ، حیث أنّ هذا خدمة له ، فیجوز أخذ شیء لقاء هذه الخدمة .

ثمّ إنّ التحویل إن کان بعملة أجنبیّة فیحدث للبنک حقّ ، و هو أنّ المدین حیث اشتغلت ذمّته بالعملة المذکورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة ، فلو تنازل عن

ص:406


1- 1) العمولة : اجرة العمل .

حقّه هذا و قبل الوفاء بالعملة المحلّیة جاز له أخذ شیء منه لقاء هذا التنازل کما أنّ له تبدیلها بالعملة المحلّیة مع تلک الزیادة .

الثالثة : أن یدفع الشخص مبلغاً معیّناً من المال إلی البنک فی النجف الأشرف - مثلاً -

و یأخذ تحویلاً بالمبلغ أو بما یعادله علی البنک

فی الداخل - کبغداد مثلاً - أو فی الخارج - کلبنان أو دمشق مثلاً - و یأخذ البنک لقاء قیامه بعملیّة التحویل عمولة معیّنة منه . و لا إشکال فی صحّة هذا التحویل و جوازه ، و هل فی أخذ العمولة علیه إشکال ، الظاهر عدمه .

أوّلاً : بتفسیره بالبیع بمعنی أنّ البنک یبیع مبلغاً معیّناً من العملة المحلّیة بمبلغ من العملة الأجنبیّة ، و حینئذٍ فلا إشکال فی أخذ العمولة .

ثانیاً : إنّ الربا المحرّم فی القرض إنّما هو الزیادة التی یأخذها الدائن من المدین ، و أمّا الزیادة التی یأخذها المدین من الدائن فهی غیر محرّمة ، و لا یدخل مثل هذا القرض فی القرض الربوی .

الرابعة : أن یقبض الشخص مبلغاً معیّناً من البنک فی النجف الأشرف - مثلاً - و یحوّله

علی بنک آخر فی الداخل أو الخارج ،

و یأخذ البنک لقاء قبوله الحوالة عمولة معیّنة منه ، فهل یجوز أخذه هذه العمولة ؟

نعم ، یجوز بأحد طریقین :

الأوّل : أن ینزل هذا التحویل علی البیع إذا کان بعملة أجنبیّة ، بمعنی أنّ البنک یشتری من المحول مبلغاً من العملة الأجنبیّة و الزیادة بمبلغ من العملة المحلّیة ، و عندئذٍ لا بأس بأخذ العمولة .

الثانی : أن یکون أخذها لقاء تنازل البنک عن حقّه ، حیث أن یحقّ له الامتناع عن قبول ما ألزمه المدین من تعیین التسدید فی بلد غیر بلد القرض ، فعندئذٍ لا بأس به .

ثمّ إنّ ما ذکرناه من أقسام الحوالة و تخریجها الفقهی یجری بعینه فی الحوالة علی

ص:407

الأشخاص ، کمن یدفع مبلغاً من المال لشخص لیحوّله بنفس المبلغ أو بما یعادله علی شخص آخر فی بلده أو بلد آخر ، و یأخذ بإزاء ذلک عمولة معیّنة ، أو یأخذ من شخص و یحوّله علی شخص آخر و یأخذ المحول له لقاء ذلک عمولة معیّنة .

صُوَر التحویل

الصورة الاُولی : مَن له رصید مالی فی البنک

و الفرض أنّ البنک مدین لعمیله ؛ لأنّ العمیل قد أودع فی حسابه مالاً ، و الإیداع فی البنک حقیقته القرض ، فهاهنا یأخذ الزیادة المدین لا الدائن ، و لا إشکال فیه قطعاً ، مضافاً إلی أنّ هذه الزیادة یأخذها البنک مقابل عمله ، و هی الحوالة ، فیصیر قرضاً بشرط الإجارة علی شیء ، و یمکن تصحیحه بما فی المتن ، و هو أخذ الاُجرة مقابل التنازل عن حقّه و إسقاط حقّه .

الصورة الثانیة : من لیس له رصید مالی فی البنک

و الفرض أنّ البنک هو الدائن لعدم وجود مال للعمیل ، و یأخذ الزیادة الدائن ، و یمکن تصحیحه بما فی المتن من کونه عوضاً لقاء هذه الخدمة ، لکنّه لا یخلو من تأمّل . نعم ، لو فرض أنّ المقرض هو البنک الأجنبی خارج البلاد و البنک الداخلی یقوم بخدمتین :

الاُولی : تحصیل المقرض لعمیله فی خارج البلاد .

الثانیة : وساطته فی إیصال تسدید دین عمیله فی الداخل إلی ذلک البنک الأجنبی ، فلا إشکال فی تقاضیه الزیادة علی أصل الدین مقابل خدمته بعد عدم کونه دائناً فی هذه الصورة .

و قیل : إنّ الزیادة التی یأخذها البنک لیس مقابل الإقراض ؛ لأنّه لیس للإقراض مالیّة

ص:408

وراء مال المقرض . ففی الواقع من یأخذ الزیادة علی الإقراض یأخذها علی نفس مال المقرض ، و إنّما یأخذها مقابل توکیل الشخص لأن یجری عقد القرض - عند ما یستلم من بنک آخر - فالبنک یوکّل هذا الشخص بأن یذهب إلی البنک الأجنبی - مثلاً - و یأخذ منه المال بعنوان الوکالة عنه ، ثمّ یُقرض عن البنک نفسه ، و هنا التوکیل له مالیّة .

و فیه : أنّ التوکیل لا مالیة له إلّا بلحاظ الموکّل فیه ، و الموکّل فیه هو الإقراض ، و لا مالیّة فی الإقراض ، إلّا بلحاظ المقرَض فیعود نفس الإشکال .

و أخذ الزیادة مقابل الإقراض أو التوکیل علی الإقراض غیر صحیح .

نعم ، فی العملة الأجنبیّة و اختلاف العملتین توجیه الماتن صحیح من أخذ الزیادة قبال التنازل عن حقّه(و هو إلزام الشخص بالوفاء بنفس العملة)أو أنّه بیع الدولار بالتومان مع الزیادة و لا مانع منه .

و لا إشکال فی هذا التوجیه عندنا إلّا أنّه مشکل علی مبنی السیّد الخوئی رحمه الله فی الزیادة الربویّة ؛ لأنّ الفرض أنّه حین الإقراض من البنک لهذا العمیل یشترط البیع أو إسقاط الحقّ ؛ لأنّ الذی یقع معاملتان فی ضمن معاملة واحدة و هو الإقراض بشرط البیع ، و اشتراط البیع هو فائدة ، و هو غیر سائغ علی مبناه .

و کذا الحال فی اشتراط إسقاط الحقّ بعوض ، فإنّه من الفائدة ، و مبناه منع اشتراط مطلق الفائدة فی القرض بخلاف ما بنینا علیه من منع خصوص شرط الزیادة المالیّة مقابل الأجل دون اشتراط المعاملة ذات الفائدة ، لا سیّما أنّ الفائدة هاهنا مقابل زحمات البنک للتحویل و لیست هی مقابل الأجل .

ثمّ هناک توجیه آخر ، سواء اختلفت العملة أو لم تختلف ، و هو أخذ الزیادة مقابل تنازل البنک عن حقّه فی تسدید الدین فی بلد الإقراض إذا أقرض البنک من بلد آخر غیر بلد المقترض ، فللبنک أن یطالب المقترض بدفع القرض فی نفس بلد الإقراض ، فیتنازل عن حقّه مقابل أخذ الزیادة ، و هی جائزة و لیس مقتضی القرض اختیار

ص:409

المقترض لبلد الدفع .

و استشکل السیّد الصدر علی التوجیه المزبور الذی ذکره السیّد الخوئی رحمه الله فی الصورة الرابعة بأنّ الشرط فیه هو للدائن ، و هو شرط فائدة فلا یسوغ . و الإشکال مبنیّ علی تعمیم الفائدة الربویّة إلی مطلق الفائدة و لو حکمیّة ، و قد تقدّم اختصاصها .

الصورة الثالثة

هی نفس الصورة الاُولی .

و التفسیر بالبیع لم یذکره فی الصورة الاُولی مع أنّه یمکن ذکره فیها فی ما إذا اختلفت العملتین و أنّ الزیادة للمدین ، و هذا أیضاً لم یذکر فی الصورة الاُولی مع أنّه جارٍ فیها .

الصورة الرابعة

و لا بأس بالتوجیهین المذکورین فی المتن عندنا ،

إلّا أنّه یرد الإشکال علی توجیه البیع بحسب مبنی الماتن رحمه الله ، کما أشرنا إلیه سابقاً ، إلّا أن یلتزم الماتن بأنّه بیع ابتداءً لا قرضاً بشرط البیع ، و هذا ممکن فی الصورتین الأخیرتین دون ما تقدّم ، إلّا أنّ عبارة الماتن صریحة فی تنزیل التحویل بالبیع لا تنزیل القرض و التحویل معاً بالبیع ، و إلّا لکان المتعیّن أن تکون العبارة(أن ینزل کلّ من القرض و التحویل علی البیع ابتداءً) و کذلک العبارات السابقة ، فلاحظ .

مسألة 12 : لا فرق فیما ذکرناه بین أن تکون الحوالة علی المدین أو علی البریء ،

و الأوّل کما إذا کان للمحول عند المحول علیه رصید مالی ، و الثانی ما لم یکن کذلک .

و المهم حلّ شبهة الربا بین المحیل و المحال ، فتقع الفروض و الحیول المتقدّمة .

ص:410

جوائز البنک

اشارة

قد یقوم البنک بعملیّة القرعة بین عملائه بغرض الترغیب علی وضع أموالهم لدیه ، و یدفع لمن أصابته القرعة مبلغاً من الماء بعنوان الجائزة .

مسألة 13 : هل یجوز للبنک القیام بهذه العملیّة ؟

اشارة

فیه تفصیل ، فإن کان قیامه بها لا باشتراط عملائه ، بل بقصد تشویقهم و ترغیبهم علی تکثیر رصیدهم لدیه و ترغیب الآخرین علی فتح الحساب عنده جاز ذلک ، کما یجوز عندئذٍ لمن أصابته القرعة أن یقبض الجائزة بعنوان مجهول المالک بإذن الحاکم الشرعی أو وکیله إن کان البنک حکومیّاً أو مشترکاً ، و إلّا جاز بلا حاجة إلی إذن الحاکم ، و أمّا إن کان بعنوان الوفاء بشرطهم فی ضمن عقد کعقد القرض أو نحوه ، فلا یجوز ، کما لا یجوز لمن أصابته القرعة أخذها بعنوان الوفاء بذلک الشرط ، و یجوز بدونه .

قوله رحمه الله : « و إلّا جاز بلا حاجة إلی إذن المالک » .

ذکرنا سابقاً أنّه بناءً علی عدم ملکیّة الدولة ، ففی البنک الأهلی تصیر أمواله من قبیل مجهول المالک ؛ لأنّ البنک الأهلی فی یومنا الحاضر لیست أمواله منعزلة عن السیولة التی فی حوزة البنک المرکزی ، و البنک المرکزی حیث أنّه حکومی ، و هو بمنزلة العین و البنوک الاُخری بمنزلة الروافد لها ، فالتفرقة بین الحکومی و الأهلی من هذه الجهة غیر تامّة .

و قد فصّل الماتن بین ما إذا کان أخذ الجائزة بعنوان الوفاء بالاشتراط أو بدونه ، و الوجه فی بطلان و حرمة الاشتراط أنّه اشتراط فی عقد القرض ؛ لأنّ الإیداع فی

ص:411

البنوک حقیقته قرض ، و من ثمّ یحرم الأخذ و العمل بمقتضی ذلک الشرط ، و قد بنی آخرون الحرمة فی صورة اشتراط القرعة بکونه معاملة قماریّة .

و لا یخفی أنّ هذه المسألة - و هی تخصیص الجوائز من قِبل مؤسّسة مالیّة ، کالبنک أو خیریّة عامّة أو خاصّة أو علمیّة و غیرها - أمر شائع فی الحیاة المعاصرة ، ففی مثال المشاریع الخیریّة تخصّص الجمعیّات الخیریّة جوائز ضخمة تعطی بالقرعة للمساهمین فی بذل المال ، و التبرّع به فی تلک الجهة الخیریة ، کبناء مستشفی أو مرفق من المرافق العامّة ، کما قد تخصّص الشرکات التجاریّة لبیع أجناسها و منتوجاتها ، مثل تلک الجوائز التی توزّع بالقرعة ، و کذلک بعض الشرکات التی تقدّم خدمات متنوّعة تبیع خدماتها ، و تسوّغها بترغیب الزبائن عبر الجوائز المخصّصة .

و بالجملة فالتخصیص بالجوائز أصبح فی المناخ المعاملی المالی الیوم سیاسة مالیّة متّبعة لإیجاد الحافز لدی المشترین للإقدام علی الدخول فی معاملة معیّنة و جذبهم للتعاقد بها .

فالبحث فی مقامین :
1 - لِمَ تحرم القرعة إذا اشترطت ؟
اشارة

2 - لو اشترطت فالأخذ بعنوان الوفاء بالشرط حرام ، فکیف یجوز الأخذ فی صورة الاشتراط لا بعنوان الوفاء ؟

و فی المقام الأوّل توجیهان
الأوّل : إنّ اشتراط القرعة یؤول إلی القمار ،

فتارة یشترط صریحاً مثل : أودع فی البنک بشرط القرعة ، و مع الشرط فقد تسالم الأعلام علی الحرمة ؛ لأنّه نوع قمار ؛ إذ ماهیّة القمار و حقیقته هی أنّ الإنسان یقدم علی فائدة حصولها احتمالی مقابل بذل عوض مالی ، فیمکن أن یتلف عوضه الذی دفعه بالمرّة ، أی لا یقابل بشیء ، فالخاصیّة الممتازة لماهیّة القمار هی إقدام الإنسان علی مشارطة لا یضمن فیها

ص:412

العوض ، و إنّما إقدامه برجاء احتمال النفع ، ففی ما نحن فیه یقدم الزبائن علی الصدقة فی الخیریات بداعی التملّک الاحتمالی بالقرعة . و من ثمّ ذهب الأعلام إلی کون المعاملة صورةً قرعة و حقیقة قمار .

و أشکل علی تقریب الحرمة :

أوّلاً : بأنّ القول المعروف عند الإمامیّة أنّ دواعی العقود لیست محدّدة لحقیقة العقود ، و إنّما صورة الماهیّة فی مقام الإنشاء هو المحدّد و المعیّن للعقود الحاصلة ، فلا اعتداد بالدواعی ، بل الاعتداد بما ینشأ صورة ، و فی ما نحن فیه صورة ما ینشأ لیست من المعاملة القماریّة .

و الجواب : أنّ المدار و إن لم یکن علی الدواعی ، إلّا أنّ المدار لیس علی صورة الألفاظ أیضاً ، بل علی المعانی المقصودة منها ، و حقیقته ماهیّة تلک المعانی ، سواء کان إرادتها بالاستعمال الحقیقی التابع للعلقة الوضعیّة ، أو بالاستعمال المجازی ، أم من باب تعدّد الدالّ و المدلول بتوسّط قرائن الاستعمال أو التفهیم أو الجدّ .

ففی المقام خفی علی المستشکل ذلک ، و أنّ فی بعض الموارد و إن کان المتعاقدان یُنشئان عقداً لفظیّاً صوریّاً إلّا أنّ العرف بلحاظ القرائن و الملابسات یبنی علی أنّ ما انشئ صورةً ینطبق علیه غیر ما تُلفظ به .

و الوجه فی ذلک أنّ حقیقة المعاملة تابعة للمعنی المنشَأ ، فما ینشأ باللفظ قد تکون ماهیّته غیر ماهیّة المعنی الموضوع له اللفظ ، فتنشأ الماهیّة الاُخری فی قالب الألفاظ الاُخری غیر المعهودة بها ، نظیر التلفّظ بلفظ البیع و إرادة الإجارة أو العکس . فالمدار فی العقود لیس علی اللفظ ، بل المهمّ هو ما ارید من الماهیّة بتوسّط اللفظ ، فلا بدّ من لحاظ ماهیّة ما انشئ لا لفظ ما انشئ به ، فإذا کانت ماهیّة ما انشئ ماهیّة القمار و إن کان لفظه بلفظ القرعة المشروطة بالبیع أو الصدقة بشرط القرعة ، فحقیقته قمار محرّم .

و قد عرفت أنّ قوام ماهیّة القمار هو الإقدام علی التملّک الاحتمالی ، و هو هنا متحقّق فی المنشأ ؛ لأنّه لو لم یکن تملّک احتمالی لم یقدم علی الإقراض أو الصدقة ،

ص:413

کما یفیده ذلک الاشتراط .

و ثانیاً : بمنع إنشاء ماهیّة لم یتلفّظ بها ، بل تلفّظ بغیرها ؛ إذ لم یتلفّظ المتعاقدان ب « قامرت » أو « راهنت » ، بل بلفظ « أقرضت » و نحوه بشرط القرعة .

و الجواب : أنّه و إن لم یتلفّظ ب « قامرت » ، و لکن یمکن استخدام اللفظ بقرینة حالیّة لأجل إنشاء ماهیّة اخری .

الإشکال الثالث : إنّ القمار المعهود خاصیّته الذاتیّة الإقدام علی التملّک الاحتمالی ، و علی عوض غیر مضمون مع بذل مال فی معرض التلف فی قبال ذلک التملّک الاحتمالی ، ففی القمار المعاوضة مفروضة . و فی الفرض لا یکون المال فی البنوک معرضاً للتلف ؛ إذ الإعطاء له بعنوان الإقراض فیقرض بشرط القرعة أو یشتری متاعاً بشرط القرعة ، فقد تملک الزجاجة و لم یتلف المال ، و فی الصدقة کذلک ، فهی إعانة علی البرّ ، و قد أتی بموجب الثواب الاُخروی ، ففی المقام لیس من إقدام علی التلف ، أمّا لا إتلاف أو إتلاف فی البرّ .

نعم ، فی قباله تملک احتمالی مفروض ، و هو القرعة ، إلّا أنّ أحد الجزءین لماهیّة القمار غیر متحقّق ، و هو بذل المال فی قبال التملّک الاحتمالی .

و الجواب : أنّه قد تفرض المعاوضة بین مال و مال ، و قد تفرض بین عقد و عقد ، و قد تکون بین عقد و مال ، کما أشار إلیه الشیخ ؟ ؟ فی التنبیه الرابع من المعاطاة .

فتارة یوقع صلح علی طرفین ، و الصلح بنفسه یکون فی قبال مال فی التقدیر السابق ، و هذه المقابلة السابقة هی صلح فوقانی فیقول أحد الطرفین - مثلاً - :

صالحتک علی أن نجری البیع الخاصّ فی مقابل المال الکذائی ، فهو بیع مقابل مال تحت المصالحة الفوقانیّة .

فإعطاء المال فی مقابل الإقدام علی البیع ، و لیس هو عوض المبیع ، بل هو عوض عن الإقدام ، نظیر الجعالة ، من یبیعنی أو من یشتری لی هذه الحاجة - التی عجزت عن تحصیلها - فله کذا ، فهذه الجعالة أحد طرفیها بیع ، و لا غرابة فی أن یکون ما یبذل

ص:414

بازائه المال نفس الإقدام علی معاوضة معیّنة ، و یکون الإقدام عمل مالی له احترام و مالیّة ؛ و ذلک لما فی الترغیب فی الإقدام علی البیع من نفع مالی .

و قد تقدّم فی أوائل هذا الکتاب أنّ هذه تسمّی بالمالیّة القانونیّة ، أی التی توجد بسبب التعاقد القانونی ، و لیست للشیء فی طبیعته الأوّلیّة . و فیما نحن فیه القرض أو الصدقة أو البیع لیس تلفاً للمال ، لکنّ الإقدام علیه جعل فی مقابل التملّک المحتمل ، فلولا التملّک المحتمل لما أقدم ، و المشارطة الفوقانیّة مفروضة فی البین . فالرضاء بالقرض مشروط بالقرعة ، و هو أحد طرفی المعاملة ، و الطرف الآخر لها هو المال المحتمل التملّک ، و الإقدام فی نفسه و إن لم یکن باطلاً ، إلّا أنّ جعله مقابل التملّک المحتمل موجد لماهیّة القمار . فالمشارطة محقّقة لماهیّة المقامرة ، و قد تقدّم أنّ الشرط فی ضمن المعاوضات یؤول إلی معاملة فوقانیّة یقابل فیها بین المشروط و المشروط فیه .

الإشکال الرابع : و هو النقض بالشروط الفاسدة ؛ إذ بعد کون المشارطة عبارة عن التراضی الفوقانی یکون المشروط الفاسد فی طرف مقابل للمعاملة ، و بعد بطلان الشرط الفاسد یبطل المشهور فیه مع أنّه لم یلتزم بذلک .

و الجواب :

أوّلاً : إنّ جماعة من الفقهاء ذهبوا إلی أنّ الشرط الفاسد یبطل المشروط فیه ؛ لأنّ التراضی بالمعاوضة هو بقید الشرط ، أی ضمن التراضی الفوقانی .

ثانیاً : إنّ من لم یبطل المشروط فیه التزم بثبوت الخیار للمشروط له فی المشروط فیه ، و لیس ذلک إلّا لکون الرضا و الالتزام بالمشروط فیه مرتبطاً و معلّقاً علی الشرط ، أی فی قبال المشروط ، فحیث لم یسلم للمشروط لا یُلزَم الطرف الآخر بإبرام المشروط فیه ، فله أن یسترجعه ، أی یزیله ، بالفسخ . غایة الأمر حیث کان المشروط فیه ذا ماهیّة مستقلّة فیمکن له البقاء ، و إن فسدت و زالت المعاملة الفوقانیّة ، و فی ما نحن فیه الحال کذلک ، فإنّ القرض و الصدقة و البیع یصحّ فی ذاته لکن لا یلزم به ،

ص:415

و لا تصحّ تلک المشارطة بالقرعة تکلیفاً و لا وضعاً ، و هو المطلوب .

الإشکال الخامس : إنّه لو کان المدار فی ماهیّة القمار علی مجرّد التملّک الاحتمالی فیشکل الأمر فی کثیر من موارد الشروط التی مفادها التملّک الاحتمالی ، مثل ما لو اشترط فی عقدٍ الهبة المعلّقة علی مجیء زید أو الخیاطة علی تقدیر معیّن ، إلی غیر ذلک من الشروط المعلّقة علی امور محتملة الوقوع ، فلا بدّ أن یکون کلّ هذه الموارد قماراً .

و الجواب :

أوّلاً : إنّ العرف قاضٍ بالتفرقة بین تلک الموارد و القمار ؛ لأنّ القمار یدور مدار الاقتراع . و هذه الموارد لیست معلّقة علی الاقتراع ، بل علی تقدیر معیّن الذی یؤول إلی اشتراط حصّة خاصّة من المشروط .

ثانیاً : إنّ التعلیق فی الشروط صحّته لیست موضع التسالم بینهم .

التوجیه الثانی فی حرمة أخذ الجوائز مع الاشتراط :هو کون القرض بشرط

القرعة قرضاً ربویّاً ،

و هو خاصّ بمثال القرض حیث أنّ هذا الشرط من المقرض (المودع)علی المقترض(البنک أو الشرکة)فیکون رباً ، و الماتن رحمه الله یحتمل إرادته الوجه الأوّل أو الثانی ، و کلاهما محتمل .

المقام الثانی

و هو أنّه لو انشئت تلک المشارطة فالشرط فاسد

لکن ذات المشروط لا یفسد بفساد الشرط .

فحین الوفاء بالشرط هل یجوز لهذا الشارط(و هو المودع العمیل مع البنک) الأخذ لا وفاءً بالشرط ؟ و الماتن سوّغ ذلک بناءً علی عدم ملکیّة الدولة ، و بناءً علی التفرقة بین البنک الحکومی و الأهلی ، لکن حیث أنّ البنک الأهلی له ملکیّة محترمة عند الماتن فکیف یسوّغ الأخذ منه لا بعنوان الوفاء ؟ حیث أنّ المعطی یعطی بعنوان

ص:416

الوفاء ، و الفرض أنّ الشرط فاسد لا یجوز الوفاء به ، و لیس له رضاً مطلق بتملیک المشروط له ، و هو المودع ، سواء بعنوان الوفاء بالشرط أم بغیره ، فلا رضا له فی الأخذ بقول مطلق ، بل مقیّد بالوفاء بالاشتراط السابق ، و من ثمّ فإنّ ما یضم بصحیحه یضمن بفاسده .

و بعبارة اخری : الشرط إمّا شرط نتیجة أو شرط فعل ، فإن کان شرط نتیجة بحیث یقول الجائزة ملک لمن تخرج القرعة باسمه ، فمن الواضح انتفاء النتیجة بفساد الشرط ، فکیف یأخذها المشروط له لا بعنوان الوفاء ، مع أنّها ملک للبنک الأهلی ، و ماله محترم عند السیّد رحمه الله ، و إن کان بنحو شرط الفعل ، فقد یتوهّم أنّه بنحو التملیک المجّانی ، و لکنّه موهون بأنّ البنک الأهلی حیث یری نفسه ملزماً بالتملیک فَرِضاه مقیّد ، و هذا الداعی لیس من قبیل دواعی المعاملات ، و إنّما هو بمعنی تقیید رضاه بالشرط ، فتأمّل .

مضافاً إلی أنّ البنک إنّما یملّکها بماهیّة تملیک فاسد ، أمّا بعنوان القمار أو بعنوان الربا ، فکیف یجوز تملّکها لا بذلک العنوان ؟ فإطلاق قول الماتن رحمه الله فی غیر محلّه .

أمّا فی الحکومی فهو من باب الاستنقاذ لا عدم الوفاء بالشرط ، و قد ذکرنا التأمّل فی التفرقة بین الحکومی و الأهلی .

ص:417

تحصیل الکمبیالات

اشارة

من الخدمات التی یقوم بها البنک تحصیل قیمة الکمبیالة لحساب عمیله ، بأنّه قبل تاریخ استحقاقها یُخطِر المدین(موقع الکمبیالة)و یشرح فی إخطاره قیمتها و رقمها و تاریخ استحقاقها لیکون علی علم و یتهیّأ للدفع ، و بعد التحصیل یقیّد القیمة فی حساب العمیل ، أو یدفعها إلیه نقداً ، و یأخذ منه عمولة لقاء هذه الخدمة ، و من هذا القبیل قیام البنک بتحصیل قیمة الصکّ لحامله من بلده أو من بلد آخر ، کما إذا لم یرغب الحامل تسلّم القیمة بنفسه من الجهة المحال علیها ، فیأخذ البنک منه عمولة لقاء قیامه بهذا العمل .

مسألة 14 : تجوز هذه الخدمة و أخذ العمولة لقاءها شرعاً

بشرط أن یقتصر البنک علی تحصیل قیمة الکمبیالة فقط ، و أمّا إذا قام بتحصیل فوائدها الربویّة ، فإنّه غیر جائز ، و یمکن تفسیر العمولة من الوجهة الفقهیّة بأنّها جعالة من الدائن للبنک علی تحصیل دینه (1).

مسألة 15 : إذا کان لموقع الکمبیالة رصید مالی لدی البنک

فتارة یشیر فیها بتقدیمها إلی البنک عند الاستحقاق لیقوم البنک بخصم قیمتها من حسابه الجاری و قیدها فی حساب المستفید(الدائن)أو دفعها له نقداً ، فمردّ ذلک إلی أنّ الموقع أحال دائنه علی البنک ، و بما أنّ البنک مدین له ، فالحوالة نافذة من دون حاجة إلی قبوله ، و علیه فلا یجوز للبنک أخذ عمولة لقاء قیامه بتسدید دینه .

و اخری یقدّم المستفید کمبیالة إلی البنک غیر محولة علیه ، و یطلب من البنک

ص:418


1- 1) بأن یقول الدائن : « من یحصّل لی قیمة هذه الکمبیالة أو الصکّ فله مبلغ کذا » .

تحصیل قیمتها ، فعندئذٍ یجوز للبنک أخذ عمولة لقاء قیامه بهذا العمل کما عرفت .

و هنا حالة ثالثة ، و هی ما إذا کانت الکمبیالة محولة علی البنک ، و لکنّه لم یکن مدیناً لموقعها ، فحینئذٍ یجوز للبنک أخذ عمولة لقاء قبوله هذه الحوالة .

الموقع المدین کتبت الکمبیالة باسمه ، فهو قد أنشأ الحوالة علی البنک ؛ لأنّ الموقع دائن للبنک إذا کان قد أودع أمواله فی البنک ، فالبنک مدین له و هو مدین لآخر ، فأحال دائنه علی مدینه .

و لیست من الحوالة علی البریء کی یحتاج إلی القبول ، بل الحوالة علی المدین .

و قول الماتن رحمه الله : « و علیه فلا یجوز للبنک أخذ عمولة . . . » .

لأنّ البنک مدین لصاحب الصکّ أو الکمبیالة ، فیجب علیه تسدید الدین ، و لا یجوز له أخذ عمولة للتسدید ، و لکنّ الحکم بعدم الجواز محلّ تأمّل ؛ لأنّ البنک مدین ، و أخذ المال الزائد حرام للداین لا للمدین ، فعدم الجواز فی صورة عدم اشتراط ذلک ، و أمّا إذا اشترط فلا مانع منه ، کأن یشترط البنک علی الموقع عند تحویل الکمبیالة أو الصکّ أن یأخذ قیمة ، فیکون بمنزلة اشتراط المدین فی القرض إبراء الدائن لمقدار من الدین ، و کذلک الحال إذا اشترط ذلک الشرط عند فتح الحساب الجاری کاشتراطه عند إعطاء الکمبیالة ، بل و کذا لو اشترط الإبراء فی غیر عقد القرض ، أی فی عقد آخر .

ثمّ إنّه فی الصورة الثالثة فی الحوالة علی البریء لا بدّ أن یشترط تملّک المال قبل قبوله الحوالة لا بعدها ؛ إذ بعدها یکون المحال علیه دائناً للمحیل ، و أخذ الزیادة یکون ربویّاً ، بخلاف القبل ، فإنّ أخذ الاُجرة هو نفس الإقدام علی قبول الحوالة ، و الإقدام علی الحوالة من البریء له مالیّة .

فتلخّص : أنّ أخذ الزیادة فی الصور الثلاث جائز ، إلّا أنّه فی الاُولی من باب إبراء الدین ، و فی الثانیة کأُجرة علی العمل ، و فی الثالثة فی قِبال الإقدام علی الحوالة .

ص:419

بیع العملات الاجنبیة و شراؤها

اشارة

من خدمات البنک القیام بعملیّة شراء العملات الأجنبیّة و بیعها لغرضین :

الأوّل : توفیر القدر الکافی منها حسب حاجات النّاس و متطلّبات الوقت الیومیّة .

الثانی : الحصول علی الربح منه .

مسألة 16 : یصحّ بیع العملات الأجنبیّة و شراؤها مع الزیادة ،

کما إذا باعها بأکثر من سعر الشراء أو بالتساوی ، بلا فرق فی ذلک بین کون البیع أو الشراء حالاً أو مؤجّلاً ، فإنّ البنک کما یقوم بعملیّة العقود الحالة یقوم بعملیة العقود المؤجّلة .

لا إشکال فی صحّة بیع العملات المزبورة و شراؤها فی الصور المذکورة فی المتن بعد ما لم یکن من بیع الصرف شریطة أن لا یکون التأجیل من کلا الطرفین ، و لو بالأجل الیسیر ؛ لأنّ التقابض فی المجلس و إن لم یشترط إلاّ أنّ عدم التأجیل من أحد الطرفین لا بدّ منه ، و لا یخفی الفرق بین عدم التأجیل و القبض .

ص:420

الحساب الجاری

اشارة

کلّ من له رصید لدی البنک(العمیل)یحقّ له سحب أی مبلغ لا یزید عن رصیده . نعم ، قد یسمح البنک له بسحب مبلغ معیّن بدون رصید نظراً لثقته به ، و یسمّی ذلک بالسحب(علی المکشوف)، و یحسب البنک لهذا المبلغ فائدة .

مسألة 17 : هل یجوز للبنک أخذ تلک الفائدة ،

الظاهر - بل المقطوع به - عدم الجواز ؛ لأنّها فائدة علی القرض . نعم ، بناءً علی ما ذکرناه فی أوّل مسائل البنوک من طریق تصحیح أخذ مثل هذه الفائدة شرعاً لا بأس به بعد التنزیل علی ذلک الطریق .

کلّ الحسابات التی فی البنک عبارة عن دین و إقراض من المودع إلی البنک ، إلّا أنّ (الحساب الجاری)فیه خصائص و اشتراطات غیر اشتراطات التی فی سائر الدیون (الإیداعات)کقرض الحسنة أو الحساب الجامد .

و من الشروط التی یشترط البنک علی نفسه فی الحساب الجاری ، أنّه فی أی وقت یطالب المودع ماله من البنک یؤدّه إلیه ، و کذلک لو أراد المودع زیادة عن دینه فیعطیه البنک بحسب ما للمودع من الاعتبار لدی البنک ، و یقال له فی العرف الجاری (الشرفیّة)و المتداول فی الفارسیّة(اعتبار).

و هو دَین ، و یشترط فیه شروط خاصّة ، فلصاحب المال فی الحساب الجاری أن یستدین من البنک و زیادة ، و یقال له :(السحب علی المکشوف)، أی قد کُشِف الدین ، قد خلی و قد تمّ و استوفی ماله من الدین ، فتصیر ذمّة البنک بالنسبة إلیه مکشوفة ، أی خالیة .

و قوله : « و یحسب البنک لهذا المبلغ فائدة » ، أی یأخذ الربا ، بل أنّ البنوک تعترض علی أصحاب الحسابات الجاریة إذا لم یستفیدوا من الاعتبار .

ص:421

الکمبیالات

اشارة

تتحقّق مالیة الشیء بأحد أمرین :

الأوّل : أن تکون للشیء منافع و خواصّ توجب رغبة العقلاء فیه ، و ذلک کالمأکولات و المشروبات و الملبوسات و ما شاکلها .

الثانی : اعتبارها من قِبل من بیده الاعتبار ، کالحکومات التی تعتبر المالیة فیما تصدره من الأوراق النقدیّة و الطوابع و أمثالها .

مسألة 18 : یمتاز البیع عن القرض من جهات :

الاُولی : إنّ البیع تملیک عین بعوض لا مجّاناً ، و القرض تملیک للمال بالضمان فی الذمّة بالمثل إذا کان مثلیّاً و بالقیمة إذا کان قیمیاً .

الثانیة : اعتبار وجود فارق بین العوض و المعوّض فی البیع ، و بدونه لا یتحقّق البیع ، و عدم اعتبار ذلک فی القرض ، مثلاً : لو باع مائة بیضة بمائة و عشرة ، فلا بدّ من وجود مائز بین العوض و المعوض ، کأن تکون المائة من الحجم الکبیر فی الذمّة ، و عوضها من المتوسّط ، و إلّا فهو قرض بصورة البیع ، و یکون محرّماً لتحقّق الربا فیه .

الثالثة : إنّ البیع یختلف عن القرض فی الربا ، فکلّ زیادة فی القرض إذا اشترطت تکون رباً و محرّمة ، دون البیع ، فإنّ المحرّم فیه لا یکون إلّا فی المکیل أو الموزون من العوضین المتّحدین جنساً ، فلو اختلفا فی الجنس أو لم یکونا من المکیل أو الموزون ، فالزیادة لا تکون رباً . مثلاً : لو أقرض مائة بیضة لمدّة شهرین إزاء مائة و عشر کان ذلک رباً محرّماً ، دون ما إذا باعها بها

ص:422

إلی الأجل المذکور مع مراعاة وجود المائز بین العوضین .

الرابعة : إنّ البیع الربوی باطل من أصله ، دون القرض الربوی ، فإنّه باطل بحسب الزیادة فقط ، و أمّا أصل القرض فهو صحیح .

و غرض الماتن من ذلک بیان أنّ الأوراق النقدیّة هی بنفسها مال ، و لیست وثائق علی المال فی قِبال جماعة اخری ، حیث ذهبوا إلی أنّ الأوراق لیست کالذهب و الفضّة مالاً بذاته ، بل هی کالصکوک وثائق علی المال ، و لکن الأکثر ذهبوا إلی القول الأوّل .

و وجه کون الأوراق مالاً بنفسها قد ذکرناه مفصّلاً فی أوّل بحث البنوک . و ملخّصه :

أنّ الأوراق النقدیّة فیما بین عامّة النّاس بعضهم مع بعض تکون مالاً ، و لکن بین عامّة النّاس و الحکومة ، أو بین نفس الحکومة المصدّرة لهذا الاعتبار و حکومة اخری ، لیست إلّا من قبیل الصکوک و وثائق علی الدین ، و هذا موضع تسالم عند متخصّصی المال و الأوراق النقدیّة .

و من ثمّ لو حفظ الإنسان الرقم المسلسل فی العملات الضخمة و اتّفق احتراقها و تحقّقت الحکومة من صدقه ، فإنّها تلزم بإعطاء العوض لذلک الشخص ؛ لأنّ الأوراق کالوثیقة علی المال ، و علی ذلک فلیست عبارة الماتن رحمه الله تامة علی إطلاقها ؛ لأنه قد افترض مالیّة الأوراق النقدیّة مطلقاً .

فالصحیح أنّ الأوراق النقدیّة إمّا لیست مالاً بل وثائق علی المال ، و لکنّها نزلت منزلة المال باعتبار أنّها وثائق علی دین موجود فی ذمّة الدولة ، فحکمها حکم المال ؛ لأنّ تلفها یوجب تلف الذمّة ، أو هی مال بین عامّة النّاس فقط .

و بعبارة اخری هی مال إذا لم یکن أحد الطرفین المتعاملین بها هو من أصدر اعتبار تلک الأوراق .

و البحث جارٍ فی الطوابع أیضاً کذلک .

و قوله : « الثانیة : اعتبار وجود فارق بین العوض و المعوض فی البیع و عدم اعتبار ذلک فی القرض » . قد ذکرنا فی أوّل بحث البنوک أنّ مدّعی الماتن ، و کذا الإشکالات

ص:423

التی ذکرت علیه غیر تامّة ، و ذکرنا أنّ القرض معاوضة أیضاً ، فلو کان مقتضی المعاوضیّة التغایر بین العوضین ففی القرض أیضاً لا بدّ من التغایر ، فلا فرق بین البیع و القرض من هذه الجهة ، بل الفارق بینهما هو کون العوض فی القرض فی الذمّة و بنحو البدل الواقعی ، و فی البیع بنحو البدل المسمّی و الجعلی ، و هذا هو الفارق ، و تظهر الثمرة فی التعاوض مع الزیادة علی المثل ، فعلی الأوّل قرض ربوی ، و علی الثانی بیع رابحی .

و قوله : « الثالثة : فکلّ زیادة فی القرض إذا اشترطت تکون رباً و محرّمة » . قد تقدّم عدم موافقة الماتن علی عموم هذه القاعدة ، و أنّ صاحب صاحب الجواهر و الوحید و کاشف الغطاء و الماتن ذهبوا إلی أنّ کلّ زیادة فی القرض هی رباً .

و ذکرنا أنّ الزیادات علی ستّة أقسام ؛ اثنین منها مسلّم الربویّة ، و الثالث علی حکم بربویّتها علی الاحتیاط الاستحبابی ، و الباقیة لا إشکال فیها . و قد ذهب إلیه العلّامة الحلّی و السیّد بحر العلوم و المحقّق الکرکی و غیرهم .

و قوله : « فإنّ المحرّم فیه لا یکون إلّا فی المکیل أو الموزون » . قد تقدّم أنّ فی البیع الربوی لیس مطلق الزیادة بحرام ، بل الزیادة علی ستّة أقسام کالقرض .

و قوله : « الرابعة : أنّ البیع الربوی باطل من أصله دون القرض الربوی ، فإنّه باطل بحسب الزیادة فقط » . و هذا هو المشهور و الصحیح ، و ذهب جماعة اخری کالمحقّق الحلّی و بعض أعلام العصر إلی بطلان أصل القرض الربوی ، و بعض السادة من مشایخنا ذهب إلی التفصیل بین ما إذا أُنشئ القرض بصورة « أقرضتک مائة دینار بمائة و عشرة » ، أی جعلت الزیادة فی متن المعاوضة القرضیّة ، فیکون القرض باطلاً ؛ لأنّه قوبل فیه المائة بمائة و عشرة ، و بین ما إذا قال : « أقرضتک مائة دینار بمائة ، بشرط أن تزیدنی عشرة » ، أی جعلت الزیادة شرطاً ضمنیّاً فی المعاوضة لا فی متنه ، فالقرض صحیح و شرط الزیادة باطل بعد کون الشرط المفسد لا یفسد المشروط .

و الوجه فی التفصیل أنّه : إذا قوبل المائة بمائة و عشرة ، فالربا هو نفس المعاوضة ،

ص:424

أی أنّ کلّ دینار قوبل بدینار و نصف فلا یمکن تصحیحه .

و أمّا إذا قوبل مائة بمائة مع شرط الزیادة فهذا الشرط أجنبی عن المعاوضة ، و الشرط الفاسد غیر مفسد للمشروط .

لکن قد تقدّم أنّ حقیقة القرض هو التملیک بضمان البدل الواقعی بخلاف البیع ، فإنّه التملیک بعوض مجعول مسمّی ، فلو قال : « أقرضتک مائة دینار بمائة و عشرة » فلا بدّ أن یقصد ماهیّة القرض المعاوضیّة ، فتکون المائة مضمونة بالبدل الواقعی و الزیادة خارجة عن متن المعاوضة منضمّة ضمیمة الشرط إلیها ، فلا یفرق عن الصورة الاُولی ، فالتفصیل غیر تامّ و یصحّ القرض و یفسد الشرط .

مسألة 19 : الأوراق النقدیّة بما أنّها لیست من المکیل أو الموزون ، فإنّه یجوز للدائن أن

یبیع دینه منها بأقلّ منه نقداً ،

کأن یبیع العشرة بتسعة ، أو المائة بتسعین - مثلاً - و هکذا .

مسألة 20 : الکمبیالات المتداولة بین التجّار فی الأسواق لم تعتبر لها مالیّة ،

کالأوراق النقدیّة ، بل هی مجرّد وثیقة و سند لإثبات أنّ المبلغ الذی تتضمّنه دین فی ذمّة موقعها لمن کتبت باسمه ، فالمشتری عند ما یدفع الکمبیالة للبائع لم یدفع ثمن البضاعة ، و لذا لو ضاعت الکمبیالة أو تلفت عند البائع لم یتلف منه مال و لم تفرغ ذمّة المشتری ، بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدیّة و تلفت عنده أو ضاعت .

قوله : « و لذا لو ضاعت الکمبیالة . . . » . قد ذهب بعض الفقهاء إلی أنّ الصکّ أو الکمبیالة إذا قُبض فإنّه یوجب براءة ذمّة المدین ، و إن ضاع أو تلف ، و هذا لیس بسدید ؛ لأنّ الصک و الکمبیالة وثیقة للدین لا أنّه بنفسه مال .

نعم ، لو فرض أنّ الصکّ أو الکمبیالة مکتوبة باسم(الحامل)- الصکّ المفتوح - وضاع و ذهب شخص آخر و استلم المبلغ ، فحینئذٍ یصحّ أن یقال : إنّ الدائن أتلف هذا

ص:425

المقدار من المال علی مُوقّع الکمبیالة أو الصکّ ، و بالتالی فذمّة الموقّع المدین تصیر بریئة ؛ لأنّ الدائن أتلف ماله ، و الدین یسقط بالتهاتر القهری .

فالصحیح هو التفصیل لا لأجل أنّ الکمبیالة هو مال ، و لکن إذا کانت مکتوبة باسم الحامل فضیاعها إتلاف علی موقع الکمبیالة شریطة عدم تمکّن الموقّع من إیقافها عن أن تسحب و تستوفی ، و علّل حکم الأوراق النقدیّة حکم الصکّ المفتوح ، یعنی کلّ یستطیع أن یتقاضاه و إن لم یکن مالاً فی نفسه ، فهی وثیقة دین علی ذمّة الدولة .

مسألة 21 : الکمبیالات علی نوعین :

اشارة

الأوّل : ما یعبّر عن وجود قرض واقعی .

الثانی : ما یعبّر عن وجود قرض صوری لا واقع له .

أمّا الأوّل : فیجوز للدائن أن یبیع دینه المؤجّل الثابت فی ذمّة المدین بأقلّ منه حالاً ، کما لو کان دینه مائة دینار فباعه بثمانیة و تسعین دیناراً نقداً . نعم ، لا یجوز علی الأحوط لزوماً بیعه مؤجّلاً ؛ لأنّه من بیع الدین بالدین ، و بعد ذلک یقوم البنک أو غیره بمطالبة المدین(موقع الکمبیالة بقیمتها عند الاستحقاق .

و أمّا الثانی : فلا یجوز للدائن(الصوری)بیع ما تتضمّنه الکمبیالة لانتفاء الدین واقعاً و عدم اشتغال ذمّة الموقع للموقع له المستفید)، بل إنّما کتبت لتمکین المستفید من خصمها فحسب ، و لذا سمّیت کمبیالة مجاملة و واضح أنّ عملیّة خصم قیمتها فی الواقع إقراض من البنک للمستفید ، و تحویل المستفید البنک الدائن علی موقعها . و هذا من الحوالة علی البریء ، و علی هذا الأساس فاقتطاع البنک شیئاً من قیمة الکمبیالة لقاء المدّة الباقیة محرّم لأنّه ربا .

و یمکن التخلّص من هذا الربا إمّا بتنزیل الخصم علی البیع دون القرض (بیانه)أن یوکّل موقع الکمبیالة المستفید فی بیع قیمتها فی ذمّته بأقلّ منها

ص:426

مراعیاً التمییز بین العوضین ، کأن تکون قیمتها خمسین دیناراً عراقیاً و الثمن ألف تومان إیرانی مثلاً ، و بعد هذه المعاملة تصبح ذمّة موقع الکمبیالة مشغولة بخمسین دیناراً عراقیاً لقاء ألف تومان ایرانی ، و یوکل الموقع أیضاً المستفید فی بیع الثمن ، و هو ألف تومان فی ذمّته بما یعادل المثمن و هو خمسون دیناراً عراقیّاً ، و بذلک تصبح ذمّة المستفید مدینة للموقع بمبلغ یساوی ما کانت ذمّة الموقّع مدینة به للبنک ، و لکن هذا الطریق قلیل الفائدة ، حیث أنّه إنّما یفید فیما إذا کان الخصم بعملة أجنبیّة ، و أمّا إذا کان بعملة محلّیة فلا أثر له ؛ إذ لا یمکن تنزیله علی البیع عندئذٍ .

و إمّا بتنزیل ما یقتطعه البنک من قیمة الکمبیالة علی أنّه لقاء قیام البنک بالخدمة له کتسجیل الدین و تحصیله و نحوهما ، و عندئذٍ لا بأس به . و أمّا رجوع موقع الکمبیالة إلی المستفید و أخذ قیمتها تماماً فلا رباً فیه ؛ و ذلک لأنّ المستفید حیث أحال البنک علی الموقع بقیمتها أصبحت ذمّته مدینة له بما یساوی ذلک المبلغ .

قوله : « نعم ، لا یجوز علی الأحوط لزوماً بیعه مؤجّلاً » . لم یُفْتِ الماتن رحمه الله بالحرمة للمناقشة فی مفاد الروایات الدالّة علی قاعدة بیع الدین بالدین ، و لها ستّة صور :

1 - دین قبل المعاملة مقابل دین کذلک ، و هذا مقطوع البطلان .

2 - دین بالمعاملة مقابل دین کذلک ، و هذا باطل علی الاحتیاط عند جماعة من أعلام العصر .

3 - دین بالمعاملة مقابل دین قبل المعاملة .

و کلّ منهما إمّا مؤجّلاً أو معجّلاً(حالاً).

و کلّ صور معاملة الدین بالدین معجّلاً لا إشکال فیها ، فإنّها معاملة الکلّی بالکلّی ، و أمّا إذا کان التأجیل فی أحدهما أو فی کلیهما فهو محلّ إشکال .

و فی المسألة مقامان :
اشارة

ص:427

1 - لا یصحّ بیع الکمبیالة الصوریّة لعدم وجود الدین فی البین ، فهو بیع صوری .

2 - لا یصحّ أخذ الفائدة للبنک فی عملیّة تسجیل الکمبیالة الصوریّة .

المقام الأوّل : أقسام صور بیع الکمبیالة الصوریّة
اشارة

بیع الدین الصوری لا یصحّ لعدم وجود دین علی ذمة الموقّع کی یکون مبیعاً ، و من ثمّ یبیع المستفید الدین علی شخص آخر أو علی البنک ، و من ثمّ لو باع إلی شخص بأقلّ من القیمة المعیّنة المسمّاة المکتوبة فیها ، حیث أنّه لیس ببیع حقیقةً بین المستفید و الشخص الآخر ، فیکون نوع إقراض من الشخص الآخر للمستفید البائع ، ثمّ الشخص الآخر(البنک)المقرض یرجع علی الموقّع بأکثر ممّا قد أقرض ممّا یساوی المبلغ المکتوب فی الکمبیالة ، ثمّ یرجع الموقّع علی البائع المستفید بقدر المبلغ المکتوب فیها الذی یغرمه للبنک . فالشخص الآخر و هو البنک دفع و إقراض أقلّ قدراً و أخذ أکثر ، فیکون قرضاً ربویّاً .

و لکن یمکن تصویره بیعاً حقیقة کما هو بیع صورة بالبیان التالی : أنّ موقع الکمبیالة : إمّا له حساب فی البنک و له أموال فیه ، أو لا تکون له أموال فی البنک ، بل له مجرّد حساب و اعتبار عند البنک ، أو لیس له حساب و اعتبار و لا مال فی البنک ، فلا یخلو من أحد الشقوق الثلاثة :

أمّا الصورة الاُولی

فیمکن حمل کتابة موقّع الکمبیالة(أو الصکّ)باسم المستفید علی إذن مطلق منه للمستفید فی بیع ما یمتلک الموقّع فی ذمّة البنک أو فی استلامه من البنک . نعم ، الدین الذی هو ملک للمستفید لیس مفروضاً فی البین کی یبیعها ، و لکن دین الموقّع الکمبیالة(أو الصکّ)موجود فی ذمّة البنک ، فکتابة الکمبیالة فی الحقیقة إذن للمستفید بتصرّفه فی ذلک الدین ، إمّا بالأخذ من البنک ، و إمّا بتصرّفه البیعی فیه ، فإذا باع الکمبیالة لشخص رابع فلا مانع منه ، و لا یکون قرضاً ربویّاً ؛ لأنّ المبیع

ص:428

و هو الدین فی الحقیقة موجود فی البین ، و لکن لا للمستفید بل للموقّع علی ذمّة البنک فبیعه صحیح .

غایة الأمر لا بدّ أن یدخل المعرض من حیث خرج العوض ، فیجب أن یکون هذا المال الأقلّ المقبوض ثمناً عن الکمبیالة للموقّع لا مملوکاً للمستفید ؛ لأنّ العوض لیس ملکاً للمستفید بل ملک موقّع الکمبیالة ، و لا مانع منه بناءً علی ما هو الصحیح تبعاً للشیخ الأنصاری من أنّ قانون المعاوضة هو التبادل فی الموضوع عقلاً ، أی فی من تضاف إلیه الملکیّة .

غایة الأمر حیث أنّ الموقّع إذن بنحو مطلق للمستفید بنحو شامل للتملّک بعد هذا البیع ، فالمستفید یتملّک الثمن بإذن الموقّع ؛ لأنّ الدین الذی للموقّع علی ذمّة البنک لم یعطه للمستفید نقداً ، بل مؤجّلاً بعد شهر ، و لکن اذن له مطلقاً أن یبیعه أو یستلم بعد شهر ، فیستطیع أن یبیعه عنه وکالة ثمّ یقبض الثمن عنه و یقترض الثمن و یمتلکها عنه .

و لا فرق فی ذلک بین أن یبیعه إلی البنک أو إلی الشخص الرابع ؛ لأنّ البنک یتملّک ذمّته المدیونة و المملوکة للموقّع مقابل ثمن أقلّ کبیع الدین علی المدین مقابل الأجل ، و هذا قابل للتصویر .

و المدین(و هو البنک)یمتلک ذمّته إلی أجل فی مقابل إعطائه نقداً ثمناً معیّناً ، فلا یکون تساقطاً ، و لیس إعطاء البنک ثمن الأقلّ للمستفید(النائب عن الموقع من باب الإقراض . نظیر ما ذکروه من جواز بیع الدین المؤجّل علی المدین بأقلّ حالاً حتّی المؤجّل . فیجوز تصویر بیع الدین فی الکمبیالات الصوریّة ، سواء علی البنک أم علی شخص رابع .

بقی أمر ، و هو أنّ الموقّع حیث یرجع إلی المستفید بنفس المبلغ الاسمی المکتوب فی الکمبیالة لا بأقلّ ، فیعود الإشکال من کونه قرضاً ربویّاً بین المستفید و الموقّع .

و یمکن تصویر التخلّص عن القرض الربوی کالتالی :

ص:429

بأن یقوم المستفید بعملیّة بیع هذا النقد بثمن فی ذمّته مع اختلاف العملة ، و أمّا مع اتّحاد العملة فهو بیع - خلافاً للسیّد الخوئی - و لکن لدینا تأمّل آخر ذکرناه سابقاً ، فمن ذلک یبقی الإشکال فی اتّحاد العملتین بین الموقّع و المستفید .

و یمکن حلّ ذلک الإشکال بالطریق التالی : أنّ المستفید حیث یرید الأموال من طریق الکمبیالة الصوریّة لکی یشتری بها شیئاً هو محلّ حاجته ، فیستطیع أن یشتری بثمن الکمبیالة الصوریّة الأشیاء التی یریدها و تلک الأشیاء تقع فی ملک الموقّع ثمّ یبیع تلک الأشیاء لنفسه قبال القیمة المذکورة فی الکمبیالة بقدر الأجل المذکور فی الکمبیالة ، فترجع إلی الموقّع تلک القیمة الاسمیّة فی الکمبیالة و الصکّ .

و دعوی الماتن رحمه الله أنّ هذه الطریقة قلیلة الفائدة فی غیر محلّه ، بل کثیرة الفائدة لجریانها و لو کانت العملتان متّحدتین .

أمّا الصورة الثانیة

إذا لم یمکن للموقع أموال فی البنک ، إلّا أنّ له اعتباراً عند البنک ، فیجوز بیع الکمبیالة ؛ لأنّ البنک عند ما یفتح الحساب لموقع الکمبیالة و یعطیه الاعتبار مقتضاه الإذن للموقّع أن یقترض من ذمّته ، أی یتملّک من ذمّته ، فیکون الموقّع مأذوناً ، و هو أیضاً یأذن للمستفید أن یتعامل علی ذمّة البنک ، و بالتالی فبیع المستفید الکمبیالة هو بیع فی ذمّة البنک من قِبل المأذون عن البنک فی التعامل علی ذمّة البنک ، و البنک لیس مدیناً للموقّع ، و لکن أذن له فی التعامل علی ذمّته ، و حیث أنّ البیع علی ذمّة البنک فیدخل العوض فی ملکه .

و أمّا الصورة الثالثة

إذا لم یکن للموقّع مال و لا اعتبار فی البنک ، فلا یتحقّق البیع ؛ لأنّه لا شیء فی البین کما لم یأذن البنک فی التعامل علی ذمّته .

إلّا أن یقال : إنّ هذا البیع لیس هو بیع الکمبیالة حقیقة ، و إنّما هو بیع الذمّة ، أی یأذن الموقع للمستفید فی التعامل علی ذمّة نفسه و الصکّ سند علی الدین ، و ما فی ذمّة

ص:430

نفسه یسلّم بعد الأجل ، و بالتالی فالموقّع یملک العوض .

و هذا التصویر یمکن فی الصورة الثانیة المتقدّمة أیضاً بأن یأذن فی التعامل علی ذمّته لا علی ذمّة البنک .

ثمّ إنّه إذا باع المستفید علی نفس البنک فی الصورة الثانیة و الثالثة ، فالظاهر أنّه یکون من باب بیع ذمّة الموقّع للبنک ، فیکون مدیناً للبنک .

نعم ، فی الصورة الثانیة - علی التقریب الأوّل فیها - لا یمکن أن یکون المشتری نفس البنک إذ التعامل علی ذمّة البنک ، فیتّحد البائع و المشتری ، و هو غیر ممکن .

و إن قیل بعدم تنزیل هذا البیع الصوری علی البیع الحقیقی ، بل بتنزیله علی القرض بشرط الاتعاب ، لا سیّما فی فرض کون المشتری هو البنک و یکون البنک مقرضاً للمستفید ثمّ یحیله المستفید علی الموقّع بأکثر ، فیکون قرضاً بشرط الاتعاب .

و قد أشکل علیه بأنّ : هذا نوعاً من القرض الربوی ؛ لأنّ تسجیل الدین لیست اجرته ضخمة بمقدار الفائدة الربویّة ، فکیف یؤخذ علیه الحجم الکبیر من الفائدة المترامیة الربویّة ، و یعضد هذا الإشکال أنّ التفاوت إذا کان بمقدار فاحش فهو موجب لقلب ماهیّة المعاملة عن أصلها ، فإذا استأجر بناءً - مثلاً - فی یوم بعشرة ملایین ، فهذا العقد لیس بإجارة بل یعدّ فی العرف نوعاً من الهبة المشروطة لا المعاوضة الإجاریّة ، و قد تقدّم بیان ذلک فی الحیل الشرعیّة .

فعمدة الإشکال علی هذا الحلّ أنّ مع عدم التعادل النسبی المعاوضة غیر صادقة أصلاً .

المقام الثانی و هو فی حکم أخذ البنک الزیادة

، ففی ما لو باع علی الشخص الرابع و أتی ذلک الشخص بعد مدّة لاستلام مبلغ الکمبیالة من حساب الموقّع ، فلا إشکال فی أخذ البنک الفائدة علی سحب الکمبیالة ؛ لأنّه کبقیّة الأعمال البنکیّة التی یأخذ الاُجرة علیها

ص:431

شریطة أن لا یکون القدر المالی زائداً علی مالیّة تلک الخدمات بنحو فاحش .

أمّا فی ما لو باع علی البنک ، فظاهر کلام الماتن - حیث حکم بعدم الجواز - یشیر إلی هذا الفرض ، و یمکن تصویر الجواز لکونه - کما تقدّم - بیعاً حقیقیاً لا صوریّاً ، حیث أنّ المستفید إمّا یبیع ذمّة الموقّع أو ذمة البنک ، أمّا الأوّل فظاهر ، و أمّا الثانی فلأنّه من بیع الدین علی المدیون بأقلّ من دینه .

نعم ، مع اتّحاد العملة الإشکال وارد - کما تقدّم فی المسألة 18 - فی ما إذا اتّحدت ذمّة البائع و المشتری خلافاً للماتن حیث استشکل فی البیع مع اتّحاد العملة مطلقاً .

ص:432

أعمال البنوک

اشارة

تصنّف أعمال البنوک صنفین :

أحدهما : محرّم ، و هو عبارة عن المعاملات الربویّة ، فلا یجوز الدخول فیها و لا الاشتراک ، و العامل لا یستحقّ الاُجرة لقاء تلک الأعمال .

ثانیهما : سائغ ، و هو عبارة عن الاُمور التی لا صلة لها بالمعاملات الربویّة ، فیجوز الدخول فیها و أخذ الاُجرة علیها .

مسألة 22 : لا فرق فی حرمة المعاملات الربویّة بین بنوک الدول الإسلامیّة و غیرها

اشارة

نعم ، تفترقان فی أنّ الأموال الموجودة فی الاُولی مجهولة المالک لا یجوز التصرّف فیها إلّا بإذن الحاکم الشرعی أو وکیله . و أمّا أموال بنوک الدول غیر الإسلامیّة فلا تترتّب علیها أحکام الأموال مجهولة المالک ، فیجوز أخذها استنقاذاً بلا حاجة إلی إذن الحاکم الشرعی أو وکیله ، کما عرفت .

إن قلت : إنّ هذا العامل أو الأجیر کالموظّف أو المتعامل غیر الموظّف لدی البنک إذا تعامل مع البنک ، فإنّ التعامل هو مع أمواله و هی مختلطة بالحلال و الحرام ، و کذلک الموظّف حین ما یأخذ الاُجرة فإنّها من خزینة البنک المختلطة بالحلال و الحرام ، و لازم ذلک عدم التفصیل فی أعمال البنوک ؛ لأنّه علی التقدیر الثانی تقع الحرمة بالتبع بسبب الارتطام بالأموال المحرّمة .

قلت : هذا الإشکال مدفوع بما قرّر فی المکاسب المحرّمة فی بحث الهدایا ، حیث قُسّمت الهدیة من السلطان الجائر - ممّا هو تحت یده من بیت المال المختلطة أمواله بالأموال المغصوبة و الأموال المحلّلة من المنابع العامّة الشرعیّة ، کخراج الأراضی

ص:433

و الزکاة و غیرها - إلی أربعة أقسام ، أحدها - و هو الذی یتّصل بما نحن فیه - هو عدم الابتلاء ببعض أطراف العلم الإجمالی ، فلا یکون منجّزاً ، فتجری قاعدة الید فی المأخوذ منه بلا معارض ، و مثال ذلک : إذا اشتری شخص من صاحب حانوت شیئاً و علم الشخص أنّ المتاع مختلط بالحلال و الحرام ، فتارة یأذن صاحب الحانوت للمشتری بأن یقبض العین حسب ما یشاء من أفراد کلّی العین فی الحانوت ، ففی هذه الصورة یکون العلم الإجمالی منجزاً لابتلائه الفعلی بکلّ أطراف العلم الإجمالی .

و تارة اخری یقوم صاحب الحانوت بإعطائه فرداً خاصّاً من الکلّی ، فلا یکون کلّ ما عنده من الأمتعة محلّ ابتلاء للمشتری ، ففی هذه الصورة یکون المقبوض مورداً لجریان قاعدة الید بلا معارض لعدم جریانها فی الأطراف الخارجة عن محلّ الابتلاء .

إن قلت : شمول قاعدة الید لموارد أطراف العلم الإجمالی محلّ تأمّل .

قلت : بل الظاهر جریانها فی تلک الموارد فی السیرة العقلائیّة ، بل یمکن العثور علی روایات دالّة علی ذلک ، کما فی أبواب القضاء فی مسائل تنازع ملک العین ، فکذلک الحال فی البنک ، فإنّه من قبیل الصورة الثانیة لا الاُولی ؛ لأنّ ما یقبضه البنک یکون مالاً معیّناً ، فتجری فیه قاعدة الید بلا معارض .

و لا یتوهّم بأنّ ید الموظّف الأجیر لدی البنک لیست ید مالکة بالذات ، و إنّما هی ید وکیل ، فلا تجری القاعدة فیها کما هو الحال فی کلّ ید علمنا بأنّها لیست مالکة ؛ و ذلک لجریان القاعدة فی الید المستخلفة - أی ید الوکیل - بلحاظ الموکّل کما تجری فی الید الأصلیّة المالکة .

هذا بناءً علی أنّ البنک مالک و لو کان حکومیاً ، و قد ذکرنا أنّ التفرقة بین البنوک غیر صحیحة ؛ لأنّ الأموال کلّها تتحرّک فی السیولة المالیّة بین البنوک الأهلیّة و البنک المرکزی الحکومی ، فلا میز حینئذٍ بین أموال البنک الأهلی مع البنک الحکومی .

و أمّا بناءً علی مجهول المالک فدفع الإشکال أسهل باعتبار أنّ ما یؤخذ هو نیابة عن الحاکم ، فلا إشکال فی الأجیر عند ما یتقاضی اجرته ، و کذلک فی المتعامل .

ص:434

هذا بالنسبة إلی الموظّف و المتعامل .

و أمّا بالنسبة إلی مُلّاک البنک - أی أصحاب الأسهم التی تُشتَری و تُباع - و هذا الشقّ لم یعنونه الماتن رحمه الله هاهنا ، و لکن الأحری التعرّض له ، و قد تقدّم شطر من الکلام فی بیع الأسهم .

هل یجوز شراء أسهم ملکیّة البنک أم لا ؟

المعروف من الفتاوی الحرمة ؛ لأنّ الأسهم ملکیّة إشاعیّة ، و البنک یتصدّی لأعمال ربویّة و غیر ربویّة ، و لا یصحّ تملّک شرکة أو عنوان اعتباری یتصدّی لبعض الأعمال المحرّمة ، کالتعامل الربوی . و قد نسب إلی الماتن رحمه الله إطلاق حرمة و فساد شراء أسهم البنوک (1)، لکنّه بعد ذلک فصّل فی الحرمة بأنّ شراء الأسهم إن کان بلحاظ ما للبنک من أموال محلّلة فهو صحیح ، و إن کان بلحاظ ما للبنک من أموال محرّمة فلا یصحّ ؛ إذ المالیّة لیست بمضافة إلی البنک ، فشراء الأسهم بلحاظ رأس المال سائغ لا بلحاظ الأموال المحرّمة من رأس المال ، فلیس کذلک ، و یمکن استعلام القدر المحلّل من الأموال عن القدر المحرّم منها ، و ذلک بتوسّط الکشوفات الإحصائیّة لنشاطات البنک و البیانات المالیّة الصادرة دوریّاً .

بل نسب فی فتوی ثالثة للماتن رحمه الله تفصیل آخر منه ، و هو أنّه : إذا کان بعض نشاطها التجاری ربویّاً ، فلا یجوز شراؤها بقصد التعامل (2) ، أی إذا کان فی بدء إحداث البنوک فشراء السهم صحیح ؛ لأنّه لم یتمّ أی تعامل ربوی ، فمالیّة أمواله لا ترتطم بالربا ، و یصحّ حینئذٍ بیعها ، و أمّا إذا اشتراها فی الأثناء ، فإن کان بقصد الاسترباح من أعماله

ص:435


1- 1) هل یجوز المشارکة فی تأسیس بنک ربوی أو معظم معاملاته ربویّة ؟ لا یجوز ذلک .(منیة السائل / 195).
2- 2) إذا کان تمام تجارات المالیّة للشرکة غیر ربویّة ، فلا بأس بشراء الأسهم فیها ، و أمّا إذا کان بعض نشاطها التجاری ربویّاً ، فلا یجوز شراؤها بقصد التعامل .(مسائل و ردود/ 74).

المحرّمة فلا یجوز ، و إن کان بقصد الاسترباح من مالیّة السهم بما هو عند بیعه مرّة اخری فلا إشکال فیه ، أی بداعی الاستثمار و الاتّجار بتداول أسهمها فی الأسواق و الربح من نماء أسعارها الیومی .

هذا مع العلم بأنّ الماتن رحمه الله یبنی علی مجهول المالک .

و ینسب إلیه فتوی رابعة بعدم جواز شراء الأسهم مطلقاً ، إلّا أن یقصد الاستنقاذ بالشراء الصوری باعتبار أنّ أموالها مجهولة المالک فی البنک الحکومی و المشترک .

و قد وافقه علی هذا التفصیل عدّة من تلامذته ، و یمکن توجیه الفتویین الأخیرتین علی طبق القاعدة بأنّ جواز شراء تلک الأسهم عند بدء التأسیس لکون مالیّتها غیر مختلطة بالحرام .

نعم ، ربّما یشکل علیه بأنّ الشرکة أو البنک قد اشترط فی اللائحة الداخلیّة له الإقدام علی الأعمال الربویّة ، فکیف یصحّ الشراء مع هذا الشرط ؟ إلّا أنّه یمکن تصحیح الشراء مع فساد الشرط . هذا إذا کان الشراء فی البدء ، و أمّا إذا کان بعد حیازته للأموال المحرّمة فالملکیّة و إن کانت مبعّضة ، کشراء المبیع الذی بعضه مغصوب و بعضه مملوک - و یستوی فی ذلک مالیّة الأسهم و أرباحها - إلّا أنّ المحرّم یکون حکمه حکم مجهول المالک یصحّ وضع الید علیه من باب مجهول المالک لا من باب صحّة الشراء بخلاف البعض المحلّل ، و کذلک الحال فی الأرباح المأخوذة من تجارات و أنشطة البنک ، و یمکن تعیین النسبة بمراجعة المتخصّصین فی الاُمور البنکیّة . هذا و قد بیّنا الحال مفصّلاً فی بیع الأسهم ، فلاحظ .

تنبیه : أنّ أسهم البنوک علی نمطین .

الأوّل : لتملیک رأس مال البنک .

الثانی : لتملیک نسبة من أرباح البنوک و منافعها أو استثماراتها .

و قد سبق بیان حکم کلّ من النمطین :

قوله فی مسألة 22 : « لا فرق فی حرمة المعاملات الربویّة . . . » .

ص:436

بناءً علی ما ذهب إلیه الماتن رحمه الله من کون التعامل مع الکافر بالربا غیر مستثنی عن عموم حرمة الربا إذا کان بنیّة التعامل الحقیقی دون ما إذا کان بقصد الاستنقاذ خلافاً للمشهور ، حیث سوّغ الأخذ الربوی من الکافر ، و قد تقدّم أنّ الأصحّ ما ذهب إلیه المشهور ، و یقتضی الفرق حینئذٍ بین البنوک الإسلامیّة و الکافرة بصحّة أخذ الربا من الثانیة .

ص:437

الحوالات المصرفیّة

اشارة

و قد مرّ تفصیلها فی بحث(التحویل الداخلی و الخارجی)، فلیس فی المقام بحث جدید ، بل مبنی علی ما تقدّم فی البحث المزبور .

للشخص المدین أن یحیل دائنه علی البنک بإصدار صکّ لأمره ، أو یصدر أمراً تحریریاً إلی البنک بتحویل مبلغ من المال إلی بلد الدائن ، و ذلک کما إذا استورد التاجر العراقی بضاعة من الخارج و أصبح مدیناً للمصدر ، فعندئذٍ یراجع البنک لیقوم بعملیّة تحویل ما یعادل دینه لأمر المصدر علی مراسله أو فرعه فی بلد المصدر و یدفع قیمة التحویل للبنک بنقد بلده ، أو یخصم البنک من رصیده لدیه . و مردّ ذلک قد یکون إلی حوالتین .

أحدهما : حوالة المدین دائنه علی البنک ، و بذلک یصبح البنک مدیناً لدائنه .

ثانیهما : حوالة البنک دائنه علی مراسله أو فرعه فی الخارج أو علی بنک آخر ، و کلتا الحوالتین صحیحة شرعاً .

مسألة 23 : هل یجوز للبنک أن یتقاضی لقاء قیامه بعملیّة التحویل عمولة معیّنة من

المحیل ؟

الظاهر أنّه لا بأس به ؛ و ذلک لأنّ للبنک حقّ الامتناع عن القیام بهذه العملیّة ، فیجوز له أخذ شیء لقاء تنازله عن هذا الحق . نعم ، إذا لم یکن البنک مأموراً بالتحویل المذکور ، و أراد أخذ عمولة لقاء قیامه بعملیّة الوفاء و التسدید لم یجز له ذلک ؛ إذ لیس للمدین أن یأخذ شیئاً إزاء وفاء دینه فی محلّه . نعم ، إذا لم یکن للمحیل رصید لدی البنک ، و کانت حوالته علیه

ص:438

حوالة علی البریء ، جاز للبنک أخذ عمولة لقاء قبول الحوالة ، حیث أنّ القبول غیر واجب علی البریء ، و له الامتناع عنه ، و حینئذٍ لا بأس بأخذ شیء مقابل التنازل عن حقّه هذا .

لا بدّ من إضافة هذه النکتة ، و هی أنّ المدین یجوز له أخذ الزیادة من الدائن مطلقاً - أی و لو لم یکن أخذ الزیادة قبال عمل أو تنازل عن حقّ - فلا حاجة لتوجیه أخذ الزیادة للمدین من قیامه بعمل أو غیره ، فیأخذ من باب شرط إسقاط جزء من الدین ، أو هبة الدائن للمدین ، و هذا فی صورة وجود رصید لدی الشخص فی البنک فیکون البنک مدیناً له .

مسألة 24 : لا فرق فیما ذکرناه من المسائل و الفروع التی هی ذات طابع خاصّ بین البنوک

و المصارف الأهلیّة و الحکومیّة و المشترکة ،

فإنّها تدور مدار ذلک الطابع الخاصّ فی أی مورد کان و أی حالة تحقّقت .

أخذ الفائدة لا بدّ أن یکون قبل عملیّه القرض لا بعدها کی لا تکون فائدة ربویّة ، و أخذ الفائدة لیس بازاء الإقراض ، بل بإزاء قبول الحوالة کما صوّره الماتن رحمه الله .

إلّا أنّه لبّاً هو بازاء الإقراض ، و قد استشکل الماتن فی ما تقدّم فی أخذ الفائدة مقابل الإقراض ، و توضیحه أنّه : تارة تشترط الفائدة فی القرض للدائن علی المدین ، فحینئذٍ تکون فائدة ربویّة ، کما هو واضح ، و اخری تشترط الفائدة فی حین إیقاع القرض فیقابل بین نفس عملیّة القرض ، کالتراضی علی أن یقرض بعوض ، أی عوض إنشاء القرض ، فلیس العوض داخلاً فی ماهیّة القرض ، بل فی المشارطة الفوقانیّة .

و إشکاله : بأنّ الإقراض لا ماهیّة له سوی نفس المال المقترض ، فالعوض لبّاً لا یکون بإزاء الإقراض ، و إنّما هو زیادة علی الدین مع أنّه صحّح ذلک فی المقام .

قد یقال : إنّ ما نحن فیه مغایر لحیلة بذل الفائدة مقابل الإقراض ، حیث أنّ المقام

ص:439

لیس مجرّد إقراض ، بل حوالة ، أی التزام بنوع من الضمان مع طرف آخر ثمّ بعد ذلک یرجع البنک إلی الآمر بالضمان ، أی المحال علیه علی المحیل ، ففی الحوالة نحو من الالتزام ، و العهدة غیر الإقراض ، و هو عمل له مالیّة مستقلّة ؛ إذ ینطوی علی نحو من الجهد و تحمّل المسئولیّة و التعهّد بتسلیم الدین فی بلد المضمون له ، و هذا یغایر ماهیّة التزام القرض فیتمّ ما فی المتن .

تمّ بحث البنوک

ص:440

عقد التأمین

اشارة

و هو اتّفاق بین المؤمِّن(الشرکة أو الدولة)و بین المؤمَّن له(شخص أو أشخاص)علی أن یدفع المؤمَّن له للمؤمِّن مبلغاً معیّناً شهریاً أو سنویّاً نُصّ علیه فی الوثیقة(المسمّی قسط التأمین)لقاء قیام المؤمِّن بتدارک الخسارة التی تحدث فی المؤمَّن علیه علی تقدیر حدوثها .

مسألة 25 : التأمین علی أنواع :

علی الحیاة ، علی المال ، علی الحریق ، علی الغرق ، علی السیّارة ، علی الطائرة ، علی السفینة و ما شاکلها ، و هناک أنواع اخر لا تختلف فی الحکم الشرعی مع ما ذکر ، فلا داعی إلی إطالة الکلام بذکرها .

مسألة 26 : یشتمل عقد التأمین علی أرکان :

1 - الإیجاب من المؤمَّن له .

2 - القبول من المؤمِّن .

3 - المؤمَّن علیه : الحیاة ، الأموال ، الحوادث ، و غیرها .

4 - قسط التأمین الشهری و السنوی .

ماهیّة التأمین و نظرة إجمالیّة فی الحکم

قوام التأمین هو تأمین الإنسان نفسه أمام المخاطر ؛ لأنّ کلّ فرد من البشر قد یتعرّض إلی ذهاب کلّ رأس ماله أو بعض أمواله أو ما ینتسب إلیه ، فأی تأمین للإنسان ضدّ المخاطر یسمّی بالتأمین . و قد عرّف بتعریف آخر ، و هو المشارکة الحاصلة من رسامیل الأفراد لأجل التکافل الاجتماعی ، أی أنّ الحصص المجتمعة من زبائن التأمین تجتمع لإعانة المتضرّرین من أفراد المجتمع ، و هذا التعریف - کما یبدو -

ص:441

هو بلحاظ بدایة عملیّة التأمین ، و أمّا التأمین حالیاً فرقعته قد اتّسعت إلی کثیر من حقول الاستثمار ، فیکون فیه نحو من تنشیط عملیّة الاستثمار و تحریک الأموال المجمّدة ، فیکون جبر المتضرّرین من تلک الأرباح .

و لیس التأمین مستحدثاً فی العصر الحدیث کما قد یظنّ ، بل کانت جذوره منذ زمن قدیم ، کما هو الحال فی ضمان العاقلة دیة الخطأ قبل الإسلام ، و فی الدیانات السابقة فحین ما یقدم شخص علی قتل خطأ فأولیاء المقتول یؤمّنون دیته بتحمّل عشیرة القاتل لها ، فهذا نمط من التأمین بالصورة البدائیّة ، و کذلک الحال فی ضامن الجریرة .

و البحث فی البُعد التاریخی للتأمین یثمر فی التعرّف علی کیفیّة إمضاء الشارع له و لو فی ضمن الموارد و الأفراد برفع الخصوصیّة عنه و تعمیمه إلی موارد اخری . فمع اندراج ضمان العاقلة و الجریرة فی التأمین یستفاد إقرار عقد التأمین فی الشرع فی الجملة . ثمّ إنّ تعریفه بعقد یوجب الأمن من الخطر المالی أو أنّه تعامل علی البرّ و الخیر بتقریب أنّ التأمین هو نوع من التکافل بین مجموع المجتمع فی قبال ما یتعرّض له من المخاطر ؛ إذ بإقدام أفراد کلّ المجتمع علی عقد التأمین بتسلیم قسط شهریاً تتجمّع تلک الأقساط بحوزة شرکة التأمین لتکون عطاءً مالیّاً لکفالة آحاد المتضرّرین من وقوع الخسارة أو الحوادث المفاجئة .

فهذا التعریف یفیدنا فی استظهار مشروعیّة التأمین من العمومات باعتبار أنّ التأمین لا ینطوی علی ظلم أو تغریر أو موانع عامّة اخری عن صحّة العقود ، بل فی التأمین أغراض عالیة للتشریع الفقهی ، و هو التعاون علی الخیر و البرّ ، فهذا تقریب لاستظهار الصحّة إجمالاً .

موارد التأمین

موارد التأمین عدیدة ، التأمین علی النفس ، أو علی المال . . و هکذا ، بل بإزاء بعض الأعمال المحترمة ، کوصف نظام للأکل أو الشرب ، حیث إنّ المعیشة البشریّة کلّما

ص:442

تعقّدت ازدادت المخاطر ، فتتولّد الحاجة إلی التأمین بحسبها . و هذا لیس بحثاً فنّیاً صرفاً ، بل یفید الاستظهار من الأدلّة ؛ لأنّ العقود تسوّغ فی الشریعة لأجل تلبیة الحاجات المحلّلة .

وجوه الإمضاء

اشارة

أمّا الوجوه التفصیلیّة لإمضاء التأمین فمتعدّدة و هی تعتمد علی التعرّف علی حقیقة ماهیّة التأمین .

الوجه الأوّل : تقریب أنّ التأمین عقد جدید

اشارة

و أنّها لا تندرج فی الماهیّات المعروفة السابقة کالهبة و الإجارة و غیرهما ، و هذه المقدّمة کصغری تنضمّ إلی کبری إمضاء العقود . و هذه الصغری تتمّ إذا أبطلت الوجوه الاُخری الآتیة ، حیث یقرّب فیها أنّ ماهیّة التأمین مندرجة فی الماهیّات المعهودة و لو بنحو الترکیب ، سواء الماهیّة بصورتها القدیمة أم الجدیدة المستحدثة ، و إذا تمّت تلک الوجوه فلا مجال لهذا الوجه .

و أمّا الکبری فهی عموم قاعدة إمضاء العقود بنحو القضیّة الحقیقیّة الشاملة للعقود المستجدّة المستفادة من قوله تعالی : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) . غایة الأمر أنّ عمومها قد اشترط فیه شرائط عامّة للصحّة ، کأن لا یکون غرریاً - بناءً علی أنّ الغرر لیس شرطاً بالبیع ، کما هو مسلک المشهور ، و هو الصحیح - و الایجاب و القبول و الموالاة و شرائط اخری عامّة فی العقود . و البحث فی الکبری یقع فی کون (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قاعدة عامّة أو خاصّة فی الماهیّات المتعارفة ، قولان :

وجه القول الثانی قرائن عدیدة :

1 - کون(ال)فی(الْعُقُود)عهدیّة ، فتختصّ بالعقود المتعارفة فی ذلک الزمان ، بل أفرط البعض و قال : بأنّ(ال)تشیر إلی کیفیّة تطبیق شرائط الصحّة فی العقود ، أی تنفیذ تلک الشروط بنحو متعارف ، فتشیر إلی کیفیّة وزن العوض الوزنی

ص:443

وکیل العوض الکلّی .

و وجه العهدیّة : إمّا للإجمال ، فالقدر المتیقّن هو العهدیّة أو انسباق(ال)العهدیّة فی ذهن المخاطبین .

قال السیّد الیزدی : المراد هو العقود التی بین الخلق و الخالق ، و بین نفس المخلوقات أیضاً ، فیصیر من أدلّة التکلیف ک (أَطِیعُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ) (1)و یخرج عن کونه دلیلاً إمضائیّاً فی المعاملات .

و لکن لا منافاة بین شموله للعقود - التی بین اللّه و بین المکلّفین ، و بین المکلّفین بعضهم مع بعض - و بین کونه دلیلاً إمضائیّاً ، غایة الأمر(ال)تکون عهدیّة لا حقیقیّة تشیر إلی المواثیق التی بین الخالق و المخلوق أو بین المخلوقین بعضهم مع بعض .

2 - کون الحصر عقلیّاً لماهیّات العقود فی العقود المتعارفة . و هذا من قبیل الضیق و التقیید فی الصغری لتحدید الکبری ، و تقریبه : إنّ التعاوض و التعاقد إمّا یکون علی جوهر أو علی عرض ، فإن کان علی جوهر فهو بیع أو صلح ، و إن کان علی عرض فهو إمّا عرض بلحاظ ثباته ، أی المنفعة کوصف للعین ، فهی الإجارة أو الجعالة ، أو المنفعة لا کوصف ثابت ، بل بما هی متجدّدة ، و هو الانتفاع - کالعاریة - و هلم جرّاً .

فدعوی وجود الماهیّات الجدیدة لا تخرج عن تلک الأقسام .

و قالوا : إنّ العقود الجدیدة ترجع دائماً إلی أحد تلک الماهیّات المحصورة ، أو هی تلفیق منها ، بل أنّ الحال فی الماهیّات المتعارفة - کالمضاربة - کذلک ، فإنّها لیست عقوداً مستقلّة ، بل مرکّبة من عدّة ماهیّات ، فاُمّهات العقود معدودة و البقیّة مؤلّفة منها .

التأمّل فی الوجوه

فقد ردّت هذه الوجوه بأنّ(ال)حقیقیّة و لیست عهدیّة ، و الشاهد علی ذلک أنّ

ص:444


1- 1) سورة آل عمران 3 : 32 .

مقتضی الخطابات التشریعیّة فی الأحکام الشرعیّة من کونها کقضایا حقیقیّة مقدّرة الوجود هو تبادر الجنسیّة من(ال)لا العهدیّة ، و من کون (أَوْفُوا) إشارة إلی العقود التی بین المخلوقین و الخالق لا تنافی ذلک(کون ال حقیقیّة)؛ لأنّها تشمل ما مضی و ما هو حاضر و ما یأتی ، بل أنّ مقتضی شمولها لما بین الخالق و المخلوقین و ما بین المخلوقین بعضهم مع البعض هو العموم فی القضیّة الحقیقیّة لا العهدیّة الخارجیّة المحصورة فی ما سبق .

إن قلت : إنّ المراد من العقود فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المواثیق التی فطر علیها الإنسان ، فأوفوا یعنی أوفوا بمقتضی فِطرَکم ، لا تخالفوا فِطرکم ، و الأمر فی (أَوْفُوا) تکلیفی ، أی: تابع فطرتک و قضاءها و لا تخالفها ، فلا تکون قضیّة تشریعیّة ، سواء(ال)عهدیّة أو جنسیّة .

قلت : إنّ حصر العقود فی العقود التکوینیّة لیس بتامّ ، بل إمّا هو معنی أعمّ أو خاصّ بالقضیّة التشریعیّة ، و الروایات الدالّة علی أنّ المراد من العقود هی المواثیق ، فتکون تکوینیّة لا تنافی إرادة کون القضیّة تشریعیّة ؛ إذ قد ورد فی الروایات أیضاً التمسّک بالآیة بعنوان القضیّة التشریعیّة .

فالروایات الاُولی إمّا من باب التأویل أو بیان الجامع بین العقد التکوینی و التشریعی ، فعلی ذلک تکون (أَوْفُوا) حقیقیّة ، و بمقتضی أنّ المتبادر من التشریع لیس خصوص المخاطبین ، و إنّما تعمّ المکلّفین إلی یوم القیامة .

امّا الوجه الثانی : و هو الحصر العقلی فی العقود ، فهو غیر مسلّم ، و لو سلّم فهو حصر فی موارد العقود لا العقود أنفسها ؛ إذ لا مانع فی کون هذه الموارد تتناوبها عقود مختلفة أو تصنّف العقود بأصناف المنافع .

و مثال ذلک أنّ المضاربة و المساقاة و المزارعة علی قول وجیه هی نوع من الإجارة ، إجارة مالک المال للمضارب أو للمساقی أو للمزارع ، غایة الأمر الاُجرة هی نسبة من الربح و لها أحکامها الخاصّة ، إلّا أنّها متمیّزة عن الإجارة أیضاً . فلا مانع من

ص:445

التعدّد بحسب أصناف موارد العقود ، بل قد یکون عقد یجمع موردین أو أکثر .

و أمّا تتمیم الوجه المزبور بکون العقود المستجدّة مختلفة فی العنوان دون المعنون مع الماهیّات القدیمة ، و فی بعضها تکون مرکّبة منها ، فهو تامّ فی الجملة .

لکن کلّیة هذا المطلب عهدتها علی مدّعیها ، و الاستقراء المدّعی غیر تامّ ، أی مانع من تجدّد العقود الجدیدة بحیث لا ترجع إلی ترکیب الماهیّات القدیمة ؟

إن قلت : مع شمول(أَوْفُوا)للعهود و العقود القدیمة المفردة ، فلا تشمل العقود الجدیدة المرکّبة بالتلفیق منها ؛ إذ لازمه شمول الدلیل للشیء الواحد مرّتین .

قلت : شمول(أَوْفُوا)للعقود الجدیدة یغایر شمولها للمجموع المرکّب ، فهو شامل للأبعاض ، و لکلّ عقد عقد موجود فی الماهیّة المرکّبة ، غایة الأمر یشترط فی العقد الأوّل عقد ثانی ، و فی الثانی عقد ثالث ، و یکون شمول(أَوْفُوا)لکلّ علی حدة ، لکنّ ذلک فی ما إذا رجع العقد الجدید إلی العقود القدیمة ، و لو بالتلفیق و الترکیب بخلاف ما إذا لم یرجع ماهیةً ، و إن کان دیدن الفقهاء غالباً أن یجهدوا أنفسهم أوّلاً فی إرجاع العقود الجدیدة إلی العقود القدیمة ، فإن لم یمکن قرّروا للعقد المستحدث ماهیّة جدیدة ، فالکبری - علی أی تقدیر - تامّة و هی عمومیّة(أَوْفُوا) لکلّ العقود .

تنبیهان
الأوّل : هل العقود المرکّبة هی عقود متعدّدة مزدوجة ،
اشارة

غایة الأمر قد اشترط فی ضمن الأوّل عقد ثانی . . . و هکذا ، أو أنّها ماهیّة بسیطة واحدة تفید مفاد مجموعة من العقود ؟

ذهب البعض إلی الثانی ، و أنّ اشتراک المفاد لا ینفی بساطة العقود المستجدّة ، و من ثمّ قالوا بأنّ تلک العقود - کالتأمین - عقد جدید لا یرجع إلی القدیمة ، غایة الأمر تترتّب ثمرات و آثار عدّة من العقود القدیمة فی قالب عقد واحد .

ص:446

و الصحیح هو التفرقة بین ما إذا کان إنشاء العقد الجدید إنشاءً وحدانیّاً لماهیّة واحدة ، غایة الأمر تنطبق علی موارد مختلفة بإنشاء واحد ، فتفید ثمرات العقود المختلفة ، و بین ما إذا کان إنشاءً مرکّباً لعناوین متعدّدة و لمشارطة فی ما بین بعضها البعض ، فعلی التقدیر الأوّل تکون بسیطة ، غایة الأمر یمکن استبدال تلک الماهیّة الجدیدة بعقود مختلفة ، إلّا أنّه لا یعنی أنّ الماهیّة الجدیدة لیست واحدة بسیطة کما هو الحال فی موارد اخری ، حیث یمکن الوصول إلی الأغراض التجاریّة تارة بعقد البیع ، و اخری بعقد الصلح ، أو بعقد ثالث ، إلّا أنّه لا یستلزم عدم مغایرة عقد الصلح مع عقد البیع .

فالصحیح هو النظر إلی وحدة الإنشاء و ترکّبه من ماهیّات مشروط بعضها بالبعض ، و من ثمّ لا تکون ماهیّة جدیدة ، بل راجعة إلی العقود القدیمة .

بخلاف الماهیّة الواحدة البسیطة الجامعة المنشأة بإنشاء واحد ، المؤثّرة لمثل آثار العقود المتعدّدة ، فإنّها تکون ماهیّة جدیدة .

ترکّب الماهیّات المعاملیّة و بساطتها

و یمکن تمثیل المقام بما هو مقرّر فی صناعة التحلیل و الترکیب من علم المنطق و الدمج و التفصیل فی المعانی التی یقوم بها العقل بحسب خلّاقیّة أنشطته الذهنیّة المذکور فی مبحث الوجود الذهنی فی علم المعقول ، و هو أحد الأقوال فی المعنی الحرفی فی علم الاُصول ، و ملخّصه : أنّه بإمکان و قدرة العقل البشری أن یدمج معانی کثیرة مفصّلة متعدّدة فی وجود معنی وحدانی بقالب ذهنی واحد ، کما هو الحال فی معنی « الإنسان » ، فإنّ الذهن یلتفت إلیه و یلحظه کمعنی وحدانی ، و بإمکانه تحلیل ذلک المعنی و تفصیله إلی معانی متعدّدة « کجوهر نفسانی ، بدنی ، نامٍ ، حسّاس ، متحرّک بالإرادة ، ناطق ، میّت » ، فکلّ هذه المعانی المتعدّدة بإمکان الذهن أن یرکّبها و یؤلّفها تکویناً فی وجود واحد اندماجی ، و هذا هو الترکیب و الدمج فی مقابل

ص:447

التحلیل و التفصیل و التعدیل ، و هناک من یری أنّ غالب أسماء الأفعال من المعانی الاندماجیّة ، کما أنّ الحال فی الحدود مع المحدود فی باب التعاریف هو التفصیل و الدمج .

إذا تقرّر ذلک فنقول : إنّه فی الآثار التکوینیّة جملة منها لا یختلف الحال فیها لدورانها مدار وجود أصل المعانی ، سواء بنحو الدمجی أم بنحو التفصیلی ، فاندراج المعنی تحت جنس معیّن لا یختلف الحال فیه بین وجود تلک المعانی بنحو دمجی أو بنحو مفصّل متعدّد ، و فی جملة اخری من الآثار التکوینیّة یختلف الحال بین وجود المعنی بنحو اندماجی اتّحادی و بین وجوده بنحو تفصیلی ، و ذلک کما فی صور الأنواع ، فإنّ الجمادیّة لا تنطبق علی الجسم المندمج فی المعنی النامی ، کما لا ینطبق النبات علی النامی المندمج فی الحسّاس ، و هکذا .

و إذا کان الحال فی الآثار التکوینیّة کذلک ففی عالم الاعتبار و آثاره لا بدّ من التفصیل أیضاً ؛ إذ من المقرّر أنّ الاعتبار علی وزان التکوین و الضابطة فیه هو بالتفرقة بین الأثر المترتّب علی المعنی بوجوده الأعمّ من الجنسی و النوعی ، و بین الأثر المترتّب علی المعنی بوجوده النوعی أو الصنفی ، و إحراز صغریات هذه الضابطة یحتاج إلی شیء من التأمّل و التروّی فی کلّ أثر و حکم شرعی بحسبه .

الثانی : قد ذهب السیّد الیزدی رحمه الله فی عقد المضاربة و المزارعة و المساقاة إلی أنّه إذا
اشارة

لم تتحقّق شرائط صحّتها فهی فاسدة من ناحیة تلک الشرائط

، إلّا أنّه لا مانع من دخولها فی عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و یترتّب علیه آثار مطلق العقد دون الآثار الخاصّة المختصّة بعقد المضاربة أو المزارعة أو المساقاة .

فمثلاً : لو أنشأ صاحب المال مع عامل المضاربة تقدیر الربح بینهما لا بالنسبة الکسریّة ، بل بقدر معیّن لأحدهما و الباقی للآخر ، أو فی ما إذا تعاقدا علی کون نسبة من الربح لثالثٍ أجنبی ، أو فی ما إذا کان مورد المضاربة لیس عمل التجارة ، أو فی ما لم یکون مورد المضاربة النقدین - علی القول باشتراطهما - إلی غیر ذلک من موارد

ص:448

فقد شرائط الصحّة الخاصّة بعقد المضاربة ، و کذا الحال فی المزارعة و المساقاة ، بل فی أیّ عقد ، کالبیع و الهبة و الإجارة ، إذا افترض وقوع الخلل فی شرائطه الخاصّة ، فإنّ تلک العقود و إن لم تصحّ بالأدلّة الخاصّة لکلّ عقد المختصّة به و لم تندرج فی تلک الأدلّة ، و لم تترتّب علیها الآثار الخاصّة ، إلّا أنّه بالإمکان اندراجها فی الأدلّة العامّة لصحّة العقود ، و ترتّب الآثار العامّة لصحّة العقود .

فالمتعاقدان لم یُنشِئا المضاربة فی الفرد الصحیح الخاصّ ، بل قصدا و أرادا من الأوّل إنشاء المضاربة الکذائیّة الفاقدة لصفة الصحّة الخاصّة ، فقصدهما تعلّق بالطبیعی فی ضمن الفرد الفاسد ، و لکنّه لیس فاسداً مطلقاً ، بل فاسد بالقیاس إلی الأدلّة الخاصّة الواردة فی المضاربة ، و صحیح بالنسبة إلی الأدلّة العامّة الواردة لتصحیح مطلق العقود ، فهذا العقد و إن لم یندرج تحت الأدلّة الخاصّة لبیان صحّة عقد المضاربة ، لکنّه صحیح بالقیاس إلی أدلّة العقود العامّة ؛ إذ لم یتخلّف فیه شرائط الصحّة للعقد العامّ کمعلومیّة العوضین و الایجاب و القبول و عدم الغرر و بلوغ المتعاقدین و رشدهما ، و غیر ذلک ، فتترتّب علیها أثر مطلق العقود کخیار الشرط دون خیار المجلس .

هذا مسلک السیّد الیزدی فی کلّ عقد حتّی البیع ، فلا یترتّب علیه آثار البیع الخاصّة ، إذا لم تتوفّر فی البیع شرائط الصحّة الخاصّة بالبیع ، لکن یندرج تحت الأدلّة العامّة لمطلق العقود ، إذا توفّرت فیه شرائط الصحّة العامّة و تترتّب علیه الآثار العامّة .

و قد یشکل بأنّ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) دلیل اللزوم و موضوعه الصحیح الشرعی ، فکیف یندرج الفاسد تحت هذا الدلیل ؟

و یدفع بجوابین

1 - یتّضح ممّا تقدّم فی التقریب من أنّ هذا العقد فاسد شرعاً بالإضافة إلی الأدلّة الخاصّة لا بالإضافة إلی الشرائط العامّة فی العقد ، فهو صحیح شرعاً بلحاظ الشرائط

ص:449

العامّة للعقد ، و فاسد بالإضافة إلی الأدلّة الخاصّة ، فلم ینخرم موضوع العموم .

2 - إنّ (أَوْفُوا) لیس دلیل اللزوم فقط - کما حرّر فی محلّه - بل له مفادان : أنّ کلّ عقدٍ صحیح شرعاً ، و هو لازم أیضاً ، و تفصیله فی کتاب البیع ، و بالتالی فهو دلیل الصحّة أیضاً ، فهو متضمّن لمدلولٍ مطابقی - و هو دلیل اللزوم - و مدلولٍ التزامی - و هو دلیل الصحّة - و هذا المدلول الالتزامی متقدّم رتبة و إن کان متأخّراً دلالة و کشفاً ؛ لأنّ الدلالة الالتزامیّة بعد المطابقیّة ، فیستفاد من (أَوْفُوا) دلیل الصحّة أیضاً . هذا تمام تقریب السیّد الیزدی رحمه الله .

و لکنّ الصحیح : هو قول المشهور من أنّه إذا فسد عقد بلحاظ الأدلّة الخاصّة ، فلا یمکن أن یصحّح بلحاظ الشرائط العامّة ، و إن کان تقریب السیّد الیزدی لا یخلو من مداقّة صناعیّة .

و الوجه فی ذلک یظهر بعدّة نکات :

أحدها : أنّ الشارع عند ما اشترط شرائط خاصّة تأسیساً - لأنّها لم یتفطّن إلیها العرف فهی شرائط شرعیّة - فی هذه الماهیّة لیس مفاد ذلک الاشتراط مقتصراً علی أنّ تلک الشرائط هی شرائط لصحّة تلک الماهیّة لأجل ترتیب الآثار الخاصّة للبیع فقط - کما ادّعاه السیّد الیزدی - بل ثمرتها ما بُیّن فی الأحکام الوضعیّة من أنّ کلّ تشریع من تشریعات الشارع - الوضعیّة أو التکلیفیّة - رُوعی فیها توخّی المصالح و تجنّب المفاسد ، فتشریعه علی ضوء الملاکات فی المتعلّقات و الموضوعات فأحد حِکَم اشتراط شرائط خاصّة فی ماهیّة البیع هو أنّ ماهیّة البیع - فی صورة عدم توفّر تلک الشرائط فیها - تؤدّی إلی مفاسد وضعیّة فی عالم المعاملات ، فتخلّف تلک الشروط یؤدّی إلی تلک المفاسد التی أراد الشارع أن یتفاداها لا أنّ اشتراط الشارع لتلک الشروط حکمته منحصرة فی ترتیب الآثار الخاصّة ؛ لأنّ کلّ ماهیّة لا بدّ أن تحکم بضوابط کی لا تؤدّی إلی المفاسد و اختلاط الحقوق .

فهی شرائط فی الطبیعی الکلّی لهذه الماهیّة ، فلا یتقرّر وجود ماهیّة البیع فی

ص:450

الاعتبار الشرعی بدون تلک الشرائط ، فلا یتصوّر التعدّد فی وجود ماهیّة البیع و أنّ أحدهما لترتیب الآثار الخاصّة و الآخر لترتیب الآثار العامّة .

و ثانیها : إنّ أدلّة الشرائط ناظرة إلی موضوع الصحّة التی هی کحکم یقع موضوعاً لأحکام اخری ، و هی الآثار الخاصّة ، فکیف تجعل أدلّة الشرائط ناظرة إلی موضوع الآثار الخاصّة التی هی قضیّة متأخّرة رتبة عن القضیّة الاُولی ، و هی موضوع الصحّة ، فمثلاً : « لا تبعه حتّی تکیلَه » (1)لیس ناظراً إلی الآثار و الأحکام الخاصّة المترتّبة علی صحّة البیع ، بل مفاده أنّ ماهیّة البیع بلا کیل فی المکیل لا وجود لها فی الاعتبار الشرعی ، فهو ناظر لموضوع حکم الصحّة ، و من ثمّ تکون الصحّة موضوعاً للآثار الخاصّة ، فدعوی السیّد الیزدی رحمه الله المتقدّمة - من کون أدلّة الشرائط ناظرة إلی موضوع الآثار الخاصّة - لا تخلو من مصادرة ، و مثال الآثار الخاصّة « البیعان بالخیار ما لم یفترقا » ، أی: البیعان - فی بیع صحیح - بالخیار ما لم یفترقا ، فالخیار مأخوذ فیه صحّة البیع ، نظیر ما قیل فی الفرق بین أدلّة اللزوم و بین أدلّة الصحّة من أنّ أدلّة الصحّة موضوعها الصحیح العرفی و أدلّة اللزوم موضوعها الصحیح الشرعی ، فالآثار الخاصّة من قبیل حکم اللزوم ، أی فی عرضه و رتبته متأخّرة عن حکم الصحّة ، و علی ذلک فأدلّة الشرائط الناظرة إلی الصحّة مطلقة غیر مقیّدة بلحاظ ترتیب الآثار الخاصّة .

و ثالثها : لزوم اللغویّة فی أدلّة الشرائط لو کانت بلحاظ ترتیب الآثار الخاصّة فقط لا بلحاظ ترتیب الآثار العامّة ؛ و ذلک لأنّ الآثار الخاصّة لیست بمثابة الآثار العامّة أهمیّة ، و أهمّ أثر فی الماهیّة : صحّتها و لزومها ، و هما من الآثار العامّة ، فیترتّبان بالأدلّة العامّة و إن تخلّفت الآثار الخاصّة التی لیست بخطیرة بالقیاس إلی الصحّة و اللزوم ؛ لأنّ العمدة فی الماهیّة مضمونها ، و هی مبادلة المال بالمال فی البیع مثلاً ، فإذا کان المضمون یتحقّق لأنّ صحّة العقد معناها انوجاد مضمون العقد ، فالصحّة عند

ص:451


1- 1) ب 5 / أبواب عقد البیع / ح4 .

الشارع بمعنی الوجود فی افق اعتباره ، أی وجود مضمونها ، و بالتالی لزومها ، و هما أهمّ شیء فی المعاملة ، و الآثار الاُخری هی بالتبع .

و رابعها : إنّ أدلّة الشرائط الخاصّة للبیع أو الهبة کما هی مخصّصة لأدلّة الآثار الخاصّة فهی مخصّصة لعموم أدلّة الصحّة و اللزوم أیضاً ، فنسبتها مع دلیل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) نسبة المخصّص ، و بالتالی فلا یندرج العقد الفاقد للشرائط فی ذلک العموم کما لم یندرج فی أدلّة الصحّة الخاصّة ؛ لأنّ أدلّة الشرائط دلیل مخصّص لکلا النمطین من الأدلّة ، مثلاً : « لا بیع إلّا فی ملک » یخرج بیع غیر المملوک من (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و کذلک « لا بیع إلّا بکیل » یخرج بیع ما لم یکل من (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) کما یخرج کلا البیعین من الأدلّة الخاصّة لصحّة البیع ، و الاقتصار فی ملاحظة نسبة التخصیص مع الأدلّة الخاصّة دون الأدلّة العامّة تحکّم ؛ إذ البیع الواجد للشرائط الخاصّة ذو الآثار الخاصّة أیضاً مندرج فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و مع افتراض اندراج البیع الفاقد للشرائط فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بحسب الدلالة الأوّلیة تتصرّف أدلّة الشرائط الخاصة بإخراج الفاقد دون الواجد فلا محالة من کون أدلّة الشرائط ناظرة إلی مفاد (أَوْفُوا) و نحوه من الأدلّة العامّة مخرجة لبعض أفرادها ، و هو معنی التخصیص ، فما ذهب إلیه السیّد غیر تامّ .

فتحصّل من الوجه الأوّل صحّة کلّیة کبری قاعدة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) للعقود المستحدثة شریطة کون عقد التأمین غیر راجع إلی العقود المعهودة ؛ لأنّه إذا رجع إلیها فحینئذٍ من اللازم توفّر شرائط تلک العقود فی عقد التأمین .

و من فوائد عموم کبری (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) عدم حصر الحقوق المشروعة بالحقوق المعهودة القدیمة ، بل تکون الحقوق المستجدة مشروعة أیضاً علی تقدیر شمول الدلیل لها ، و بیانه سیأتی فی بحث حقّ السرقفلیّة .

فالوجه الأوّل تامّ إلّا أنّه متوقّف علی تمامیّة الصغری . و النکتة المهمّة التی حرّرناها فی الصغری هی تمییز کون العقد الجدید یأتلف من عقود قدیمة کمزدوج مجموعی

ص:452

بسیط ، أو أنّه عقد جدید مؤتلف من العقود السابقة بنحو التعدّد ، أی الضابطة عند الدوران المزبور هی کون الماهیّة المنشأة جامعة تؤثّر آثار العقود القدیمة ، فتکون جدیدة بخلاف ما إذا کان المنشأ عدّة ماهیّات ، فیکون إنشاء لتلک العقود لا لعقد جدید ، و تحریر انطباق الصغری سیأتی فی الوجوه اللاحقة .

الوجه الثانی لتصحیح عقد التأمین

وجه عامّ و کلّی هو الصلح

بأنّه مصالحة بین شرکة التأمین و الأفراد ، و مفاده التعویض بأداء الخسارة ، و جهات الخسارة غالباً هی الملحوظة فی عقد التأمین . نعم ، قد یکون التعویض لجهات اخری کالمحافظة و التعلیم و غیرهما . و الصلح ک (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) یتمسّک به غالباً لإدخال العقود الجدیدة فی مستجدّات مسائل المعاملات لأجل تنقیح الحال لا بدّ أن یلتفت إلی أنّ عقد الصلح هو إنشاء للتراضی بالذات ، و بهذا القید یفترق عن بقیّة العقود ، حیث أنّ کلّ عقد متضمّن للتراضی أیضاً ، فالبیع - مثلاً - لا بدّ فیه من تراضی المشتری و البائع ، و لا یکون البیع بذلک صلحاً و بیعاً ، و کذلک الهبة و الإجارة و بقیّة العقود .

ففی الفارق بین عقد الصلح و بقیّة العقود ذکر الاصفهانی و السیّد الیزدی أنّ التراضی فی عقد الصلح یُنشأ بالذات ، بینما التراضی فی بقیّة العقود مُنشأ بالتبع ، فبالأصالة لا ینشئ البائع الرضا الإنشائی ، بل بتبع ماهیّة البیع ، فلیس مفاد قول البائع :

« بعتک » و قول المشتری : « قبلت » هو إنشاء الرضا ، بل إنشاء تملیک عین بمال صادر عن رضا ، فمفاد « بعت » بالدلالة الالتزامیّة دالّ علی إنشاء الرضا و إبرازه و طیب نفسه بالبیع .

و هناک تفریق آخر ذکره جماعة اخری ، و هو أنّ الصلح إنّما یکون فی مورد لقطع النزاع ، إمّا النزاع الفعلی أو النزاع المحتمل بإسقاط حقّ أو بإبراء ذمّة أو غیرهما ، فحینئذٍ لا یمکن للصلح أن یعمّ العقود الجدیدة غالباً ؛ لأنّه لا بدّ من افتراض نزاع

ص:453

- و لو محتمل - فحینئذٍ یمکن إنشاء التراضی .

و هذا التعریف لم یرتضه کثیر من المتأخّرین ، فالصلح عندهم هو إنشاء للتراضی ، سواء کان هناک نزاع أم لم یکن .

و القول بأنّ الصلح لیس عقداً مستقلّاً و إنّما هو عقد یتبع بقیّة العقود مردّه القول السابق من أنّ الصلح لا بدّ أن یکون فی مورد قطع التنازع الفعلی أو المحتمل ، فلا محالة یتبع بقیّة العقود ، و لا ماهیّة مستقلّة له ، و إنّما یؤدّی مؤدّی البیع أو الإجارة ، و علیه فلا بدّ من تصویر أنّ ماهیّة العقد فی نفسها هی ماهیّة أوّلیّة صحیحة ، ثمّ یعرض الصلح علیها ، أی تنشأ بصیغة الصلح نظیر ما قرّر فی الشروط ، فإنّ الشرط یشبه الصلح من وجوه ، و لهما وزان واحد فی الروایات ، مثل أنّ شرط الصحّة فیهما :

« کلّ صلح خالف کتاب اللّه » « کلّ شرط خالف کتاب اللّه » ، و کذلک الحال فی کونها غیر مشرّعة ، و إنّما أمضیت صحّتها بعد الفراغ عن صحّة ماهیّة المشروط ، فماهیّة المشروط لا بدّ فیها من الحلیة و الصحّة فی الرتبة السابقة علی ورود الشرط ، فکذلک الحال فی الصلح قد أخذ فی مورده الصحّة فی الرتبة السابقة ، و نظیر ذلک فی النذر ، و من ثمّ أدرج الثلاثة فی سیاق واحد فی الأدلّة ، فیتبیّن من ذلک أنّ حال الصلح حال الشروط ، حیث یجب أن تکون ماهیّة المشروط بنفسها صحیحة ، سواء کانت ماهیّة شرط النتیجة أم شرط الفعل ، فدلیل الصلح و الشرط لیس وجهاً مستقلّاً لتصحیح الماهیّات الجدیدة ، بل لا بدّ أن تندرج الماهیّات الجدیدة فی الماهیّات الصحیحة أوّلاً ، و من ثمّ تقرّر بالصلح وجوداً و لزوماً .

هذا کلّه علی القول بالتبعیّة فی الصلح ، و أمّا علی القول بأنّ ماهیّة الصلح مستقلّة و لا ربط لها ببقیّة الماهیّات المعاملیّة کما لا تختصّ بتلک الموارد ، فلا مانع من کون دلیله وجهاً بحیاله لتصحیح الماهیّات الجدیدة ، غایة الأمر لا بدّ أن یکون الصلح متوفّراً علی الشرائط العامّة للعقود کأن لا یکون تملیکاً لمعدوم أو لا یکون فیه غرر و . . . و یکون الصلح هذا مؤدّاه مطلق التعهّد نظیر مفاد الشرط .

ص:454

و جملة من الفقهاء الذین صحّحوا التأمین بالوجه الأوّل السابق بنوا علی تصحیحه بهذا الوجه ، فقرّروا بأنّ عقد التأمین صلح علی أن یدفع المشتری أو المتعامل مع شرکة التأمین قسطاً شهریّاً مقابل أن تدفع الشرکة خسارته .

هذا و لتمامیّة هذا الوجه علی التقدیر الثانی لا بدّ من تحریر الصغری فی کبری دلیل الصلح ، و هی واجدیّة الصلح فی مورد التأمین للشرائط العامّة فی العقود ، و هو الذی تتکفّله الوجوه الآتیة کتضمّن هذا التعهّد لشبهة الربا ، و لإشکال أنّه تعهّد بما لم یجب أو أنّ فیه الغرر و غیر ذلک .

الوجه الثالث لتصحیح عقد التأمین

اشارة

کونه هبة مشروطة ،

و قد التزم بذلک الماتن رحمه الله و تقریبه : أنّ المتعامل یهب لشرکة التأمین هبة نجومیّة مشروطة ، إمّا بنحو شرط النتیجة و إمّا بنحو شرط الفعل - بأن تؤدّی شرکة التأمین العوض أو الخسارة حین تلف العین المؤمَّن علیها ، فیکون بنحو شرط الفعل لا بنحو شرط النتیجة ، فتندفع عدید من الإشکالات الواردة علی شرط النتیجة - و إلی هذا الاحتمال یشیر قول الماتن :

مسألة 28 : یجوز تنزیل عقد التأمین - بشتّی أنواعه - منزلة الهبة المعوّضة ،

فإنّ المؤمن له یهب مبلغاً معیّناً من المال فی کلّ قسط إلی المؤمّن ، و یشترط علیه ضمن العقد أنّه علی تقدیر حدوث حادثة معیّنة نصّ علیها فی الاتّفاقیّة أن یقوم بتدارک الخسارة الناجمة له ، و یجب علی المؤمّن الوفاء بهذا الشرط ، و علی هذا فالتأمین بجمیع أقسامه عقد صحیح شرعاً .

و قد یشکل أنّ عقد التأمین اخذ فیه احتمال الخسارة - احتمال دفع شرکة التأمین للخسارة - و هو غیر منضبط من ناحیتین : لا من ناحیة درجات الخسارة التی تدفعها شرکة التأمین ، و لا من ناحیة درجة احتمال وقوع الخسارة ، أی لا من جهة الاحتمال

و لا من جهة المحتمل .

ص:455

فیجاب : بأنّ هذا الغرر أو الجهالة یندفع بتحدید مورد التأمین بالدقّة ، فالمحتمل منضبط و محدّد ، لا سیّما أنّ علم التأمین علم قائم برأسه الآن فی تحدید درجات الخسارة و مقادیر الضرر و الربح ، و هذا العلم یدرّس فی الشرکات المختصّة بالتأمین و الجامعات الأکادیمیّة .

و أمّا الغرر من زاویة الاحتمال - لا المحتمل - فلیس کلّ درجة احتمال هی غرر کما هو الحال فی عقد ضمان العهدة و ضمان الفعل ، فإنّ الضمان فیهما احتمالی ، و لیس من المؤکّد أنّ الضامن سوف یبذل بسببه المال ؛ لأنّه ضمان العین علی تقدیر التلف ، و مع ذلک فإنّه لا یؤدّی إلی الغرر ، فکذلک هاهنا . و کذلک الحال فی المضاربة ، حیث أنّ ربح العامل أو خسارته احتمالی ، و إقدامه علی الاحتمال ، و کذلک فی المزارعة و المساقاة ؛ إذ قد لا تثمر و لا تحصد أصلاً ، و مع ذلک لا تکون هذه الماهیّات غرریّة ، مضافاً إلی أنّ أحد تخریجات عقد التأمین - کما سیأتی - هو ضمان العهدة أو ضمان الفعل .

مسألة 27 : یعتبر فی التأمین تعیین المؤمّن علیه و ما یحدث له من خطر ،

کالغرق و الحرق و السرقة و المرض و الموت ، و نحوها ، و کذا یعتبر فیه تعیین قسط التأمین ، و تعیین المدّة بدایة و نهایة .

قوله رحمه الله : « و کذا یعتبر فیه تعیین قسط التأمین » علی تقدیر تخریج التأمین من باب الهبة قد یستشکل فی لزوم تعیین قسط التأمین ؛ لأنّه فی الهبة لا یشترط فیها معلومیّة المال لا من الواهب و لا من الموهوب له ، فما وجه اعتبار تعیین المال و الأقساط ؟ و ظاهر الماتن رحمه الله فی کتاب الهبة عدم الاشتراط ، إلّا أن یقال حیث أنّ قسط التأمین یرجع إلی نجوم من الأموال ، أی إلی هبات متعدّدة اخری تشترط فی الهبة الاُولی علی الواهب کما یشترط علی الموهوب له تعهّد الخسارة ، فتعیین القسط هو تعیین للشرط الذی علی الواهب و تعیین لمورد التأمین و لمورد الخسارة .

نعم ، علی الوجوه الاُخری فی تخریج التأمین لا بدّ من هذا التعیین .

ص:456

هذا تمام الکلام فی تقریب الوجه الثالث ، و تمامیّة هذا التخریج موقوفة علی کون الماهیّة التی تُنشأ فی عقد التأمین هی ماهیّة الهبة ، و إلّا فهذا التخریج یعدّ حلّاً بدیلاً للماهیّة التی تنشأ حالیاً فی الأسواق فی عقد التأمین ؛ إذ علی تقدیر التغایر لا یمکن تفسیر عقد التأمین بالهبة المشروطة و هما لا یقصدانها ، و من ثمّ هناک مؤاخذة فی الحلول التی تبدی بأنّ اللازم فیها تطابقها مع الماهیّة القائمة فی السوق المالی أو التجاری ؛ إذ علی تقدیر التغایر مع الماهیّة القائمة لا یکون هناک فائدة فی الحلّ ، إلّا بأن ینبّه المقلّدون إلی إنشاء الماهیّة البدیلة کحلّ مباین للتعامل الجاری ، فالأوْلی فی التخریجات و الحلول تطابقها مع الماهیّة القائمة الجاریة فی السوق ، و بالتالی فمنهجة البحث فی الماهیّات المستحدثة فی مقامین :

1 - تحرّی و تحلیل الماهیّة الموجودة من کونها قدیمة أو جدیدة حقیقةً .

2 - و هو فی طول الأوّل بأن لم یتمّ الحلّ فیه فیلتجئ إلی تخریج ماهیّة بدیلة مستأنفة مع تنبیه سائر المکلّفین بقصدها بدلاً عمّا هو قائم .

و علی ذلک فقول الماتن رحمه الله : « یجوز تنزیل . . . » مجمل بین کون العقد القائم فی السوق هو هبة أو أنّ الهبة المشروطة استبدال لما هو قائم ، فکان علی الماتن رحمه الله التنبیه علی مثل ذلک ، فالأحری أن یکون التعبیر هکذا : یجوز استبدال التأمین بالهبة . . . ، و لا یخفی أنّ هذه المؤاخذة بعینها جاریة فی الوجه الأوّل و الثانی المتقدّمة ، و الظاهر أنّ الحلول الثلاثة بعیدة عن واقع ماهیّة التأمین الجاریة حالیاً فی الأسواق ، فهی غیر مفیدة فی العمل المتبادل فی الأسواق من جهة أنّ الممارس خارجاً لیس هو ذلک البدیل ، و لا یسوّغ الإفتاء بجوازه و صحّته کون عقد الهبة المعوضة أو عقد الصلح ینتج نتیجة الماهیّة الممارسة فی الأسواق ، و یفید أثرها لما تقدّم بیانه من أنّ الاشتراک فی بعض الآثار لا یعنی الاتّحاد فی کلّ الآثار ، و هذه ملاحظة فنیّة یجب مراعاتها فی تحریر جمیع المسائل المستحدثة المعاملیّة ، فکون البدیل ینتج نفس الأثر لا یکون دلیلاً علی انطباقه علی المعاملة الحدیثة الجاریة بین النّاس .

ص:457

الوجه الرابع

اشارة

کونه من الضمان بالعوض

و یعضد هذا الوجه - و لعلّه أقوی الوجوه - أنّ التأمین متضمّن للتعهّد بجبر الخسارة ، و هذا التعهّد ممکن الانطباق مع مفهوم الضمان ؛ إذ فیه یلتزم الضامن و یجعل عهدته مشغولة بجبر خسارة الشیء بعد تلفه ، و جمیع أقسام الضمان مشترکة فی أنّه جبر خسارة علی تقدیر التلف . و هو الذی أشاروا إلیه من أنّ الضمان معنی تعلیقی فی نفسه و ذاتی معناه التعلیق ، کالتعلیق فی الجملة الشرطیّة المطویّ فی مؤدّاها ، فالتأمین عقد ضمانی ، غایة الأمر هو بعوض ، و العوضیّة و المقابلة هی بین إنشاء الضمان و العوض ، لا بین بعض مفاد الضمان و العوض ، أی لا بین جبر الخسارة علی تقدیر التلف و بین العوض ، بل بین إنشاء الالتزام و التعهّد مع ذلک العوض ؛ لأنّ الإقدام علی الضمان یُرغّب فیه عقلائیاً ببذل العوض .

بل لو کانت المعاوضة و المقابلة بین بعض مضمون الضمان و العوض لکان الضمان متضمّناً لمعنی المخاطرة و القماریّة ؛ لکونه بذل عوض لجبر الخسارة علی تقدیر غیر معلوم ؛ لأنّ المعاوضة مقابلة بین المالین ، إلّا أنّه فی القمار المال الثانی محتمل غیر معلوم التحقّق ، لا سیّما أنّ فی المقام مقدار الجبر أیضاً غیر معلوم ، و الحادث الذی سیقع علی السیّارة أو علی البیت مردّد القدر التلف و الخسارة فیه ، فیکون الضمان علی التقدیر الثانی من قبیل تملیک مال بمال غیر معلوم القدر علی تقدیر غیر معلوم التحقّق ، و هذه خاصیّة غالب موارد القمار الشائعة ، و من ثمّ أشکل بعض العامّة علی التأمین بأنّه قماری ، و هذا الإشکال کما تبیّن ناشئ من ملاحظة التعاوض بین المالین ، و سیأتی مزید من البحث عنه فی الإشکالات العامّة علی التأمین .

مشروعیّة ضمان العهدة و الفعل

ثمّ لا بدّ فی هذا التخریج من تمییز الضمان - المدّعی انطباقه علی التأمین - هل هو من الضمان الاصطلاحی ، و هو نقل ذمّة إلی ذمّة اخری ، أو هو ضمان الغرامة بالاتلاف

ص:458

و ضمان الید بأن یستولی الإنسان علی مالٍ غیر مأذون فیه أو هو ضمان العهدة أو ضمان الفعل ؟ و لا یخفی انتفاء الاحتمالین الأوّلین ، و لا بدّ فی تعیین أحد الاحتمالین الأخیرین من بیان ماهیّة کلّ منهما بعد کونهما مستحدثین ألحقهما متأخّرو الأعصار بباب الضمان ، فضمان العهدة ضمان و تعهّد ابتدائی بجبر الخسارة علی تقدیر التلف ، فالضمان فعلی و أثره - أی جبر الخسارة - تعلیقی ، فیغایر الضمان الاصطلاحی - الذی هو نقل دین من ذمّة إلی ذمّة اخری - المتوقّف علی کون الذمّة مشغولة بدین لینقل إلی اخری بخلاف ضمان العهدة ، فإنّه یکفی فیه احتمال اشتغال الذمّة لاحقاً کما هو الحال فی الجعالة فإنّ ماهیّتها بعد الایجاب فعلیّة ، لکن مضمونها و مؤدّاها و أثرها تعلیقی .

نعم ، لو عُلّقت الجعالة علی تعلیق زائد علی التعلیق الذاتی فی ماهیّتها تبطل ، و مثاله : لو أقدم المتبایعان علی بیع خطیر من ناحیة کلّ من العوضین ، فإنّ کلّاً منهما أو أحدهما إذا أراد أن یطمئنّ علی العوض الذی یبذله ، أی علی سلامة المعوّض له ؛ إذ قد یکون المبیع سرقة و کذلک الثمن ممّا یؤدّی إلی ذهاب العوض و تلفه بأکله و تمایل الطرف الآخر فیطالب کلّ منهما أو أحدهما بجلب ضامن یلتزم بعهدة الثمن أو المثمن ، فیُنشئ الضامن الضمان للطرف الآخر بقوله : « أنا ضامن لک ثمنک أو مبیعک » ، فهاهنا الثمن لیس دَیناً علی الضامن ؛ إذ قد یکون المبیع حقیقة للبائع ، فلا سبب لأداء الضمان حینئذٍ ، و مع ذلک فالضمان متحقّق فعلاً .

هذا ، و مفاد الأدلّة و العمومات فی باب الضمان هو القسم الأوّل ، فلا بدّ من إقامة دلیل آخر علی القسم الثالث .

ثمّ إنّ هذا الضمان لا ینفی الدین عن المضمون عنه ، لو کان البائع لا یملک المبیع ، و قد اخذ الثمن فإنّه یکون مدیناً للمشتری ، فهاهنا الضامن و إن کان یضمن الثمن للمشتری و لکنّ ذمّة البائع - الذی قد غصب المبیع و تحایل لبیع المبیع بعنوان أنّه ملکه - لا تفرغ ذمّته من الدین فی الواقع شرعاً ، و هذا هو الفارق الثانی بین الضمان الثالث ، و ما تقدّم من الضمان .

ص:459

و أمّا القسم الرابع من الضمان ، فلم یشر إلی تطبیقه الأعلام کحلّ فی المقام ، و ضمان الفعل لیس تعهّداً بجبر الخسارة ، و إنّما هو التزام بدفع مال مقیّداً بتقدیر معیّن ، نظیر شرط الفعل فهو فعل ساذج و ضمان الفعل هو شرط الفعل بخلاف ضمان العهدة ، فإنّ التعهّد بجبر الخسارة علی تقدیر التلف ، بعد التلف تکون ذمّة الضامن مشغولة ، و أمّا فی ضمان الفعل فلا تکون ذمّته مشغولة ، و علی تقدیر التلف یتوجّه إلی الضامن خطاب تکلیفی من وجوب الوفاء بالشرط و أداء الفعل ، کما هو مقتضی شرط الفعل فی الفعل الساذج ، فضمان العهدة نظیر شرط النتیجة ، و غایة ما قرّب فی شرط الفعل فی بحث الخیارات أنّ الشرط یوجب حقّاً لا ملکاً .

الوجوه التی اقیمت لصحّة ضمان العهدة
الأوّل : إنّه عقلائی مشمول لعمومات الضمان ،

و تشمله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

الثانی : الروایات الواردة فی الأبواب المتفرّقة ،

و قد أفتی بها مشهور الفقهاء فی مواردها و إن لم یعنونوه فی باب الضمان .

و مفاد تلک الروایات هو هذا الضمان ، و لا خصوصیّة لمواردها ، و من ثمّ تکون ماهیّة مستقلّة عن بقیّة أنواع الضمان ، و تلک الموارد المنصوصة هی :

1 - الضامن الذی یضمن البائع أو المشتری ، و یسمّی بضمان الدرک فی کتاب البیع .

2 - ضمان الدلّال الذی یدلّل وکالة لبضاعة معیّنة ، کعامل المضاربة - الذی هو دلّال بأُجرة عقد المضاربة لا بعقد الاُجرة - و هی فی کتاب المضاربة و البیع .

3 - ضمان الأجیر ، حیث أنّ للمستأجر أن یضمن الأجیر مع کونه أمیناً مأذوناً ، حیث یخاف المستأجر أن یدّعی الأجیر تلف المال لکی یسرقه کما یقع حالیاً فی النقل البحری ، و قد بُحث هذا فی کتاب الإجارة ، فالدلّال و الأجیر لیست ذمّتهما مشغولة ، و لکن صحّ فیهما هذا الضمان .

ص:460

4 - ضمان المستعیر ، کما فی کتاب العاریة ، حیث وردت روایات تجوّز تضمین المستعیر و لا ینطبق ذلک الضمان علی ضمان الغرامة لأنّ یده مأذونة ، کما تقدّم فی الأجیر .

5 - ضمان الودعی فی الودیعة مع کونه مأذوناً فی وضع یده .

6 - ضمان نفقة الزوجة المستقبلیّة .

و مقتضی هذه الروایات فی تلک الموارد هو صحّة هذا الضمان لا سیّما و أنّه عقلائی .

الثالث : خصوص الآیة الکریمة من قوله تعالی : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِکِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِیرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِیمٌ)

(1).

و تقریب دلالتها أنّ الجَعل المُنشأ المذکور فی الآیة لیس منجّزاً ، بل تعلیقی ، و مع ذلک یصدق علیه الضمان و إنشاء المتکلّم فی الآیة وکالة عن یوسف علیه السلام ، و فی روایة نبویّة : « کلّ زعیم غارم » ، أی کلّ منشئ للضمان یغرم .

الرابع : ضمان الجریرة

، حیث أنّه لیس من نقل الدین من ذمّة إلی ذمّة اخری ،و لا هو من قبیل ضمان الغرامة ، و صورته : تعاقد شخصین علی دفع الدیة بشرائطها علی تقدیر الاتلاف و جنایة الطرف الآخر ، فضمان الدیة فی الجریرة لیس غرامة بالفعل مع کونه ضماناً بالفعل ، و لا اختصاص لذلک الضمان بذلک المورد .

و قد یخرّج التأمین بأنّه نحو من شرط الفعل ، و لعلّ ضمان العهدة و الفعل أقرب مضموناً إلی ماهیّة التأمین ، و کذلک فی تخریجه بضمان العهدة ؛ و ذلک لأنّ التأمین تعهّد الشرکة بجبر الخسارة عند التلف مقابل أقساط شهریّة أو سنویّة یدفعها المؤمّن له .

إلّا أنّ عدّة من الأعلام قالوا : إنّ هذا الضمان بعوض ، و إن کان أقوی الوجوه ، إلّا أنّ

ص:461


1- 1) سورة یوسف 12 : 72 .

الأصحّ أنّه عقد جدید یتمسّک له ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ؛ و ذلک لوجوه :

الأوّل : إنّ التأمین فی معناه اللغوی إنشاء الأمان لا إنشاء الضمان ، غایة الأمر الأمان یستحصل بالضمان .

بعبارة اخری : أنّ ماهیّة التأمین هی رفع الخطر ، و یتوصّل لرفعه بالتعهّد بجبر الخسارة علی تقدیر التلف ، فلیس مفاده بالذات ضمان العهدة ، بل إنشاء للأمان و لرفع الخطر ، فلا یتمّ التخریج الرابع .

الثانی : إنّ ضمان العهدة لا یمکنه الانطباق علی کلّ أنواع التأمین ، فلدینا أنواع لا تندرج فی ضمان العهدة ، کما أنّ الخسارة قد لا تکون فی الأعیان مثل تأمین المرض فی الإنسان ، حیث أنّ المرض لا یتموّل فی الإنسان الحرّ ، و التأمین فی المرض بلحاظ ما قد ینتابه ممّا قد یحتاج إلی عملیّة مکلّفة ، فلا یکون جبر خسارة لتلف عین ، و کذا الحال فی التأمین فی موارد الإجارة ، فالجامع بین موارد التأمین هو إنشاء الأمان لا ضمان العهدة ، و أنّ ماهیّة التأمین مغایرة لماهیّة الضمان بالعوض و مغایرة لماهیّة جبر الخسارة أیضاً .

الثالث : إنّ ضمان العهدة بعوض یقابل فیه الضمان و العقد بمال ، فالضمان یقع طرفاً للعوض ضمن معاملة و معاوضة فوقانیّة ، و لا بدّ أن تکون المعاملة الفوقانیّة شیئاً آخر غیر ضمان العهدة . و التأمین هو تلک المعاملة الفوقانیّة ، فهو غیر ضمان العهدة ، و تصحیح المعاملة الفوقانیّة هو ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) کما تقدّم فی الوجه الأوّل .

الجواب عن الإشکالات الثلاث

أمّا الأوّل : فلا مانع من کون ماهیّة العقد فی بعض الأبواب هی الماهیّة المسبّبیّة و لو بوسائط عدیدة لکن تسمیة عقد التأمین بالتأمین لیس من هذا القبیل ، فإنّ بعض الماهیّات العقود تسمّی بعناوین تؤخذ من غرض المعاملة أو من الآثار المهمّة لتلک المعاملة ، مثلاً : تسمیة قِسم من النکاح الجاهلی بالشغار - الباطل فی الشریعة - بلحاظ أنّه کلّ یشغر مکان الآخذ ، فهذا النکاح لم تنقلب ماهیّته إلی ماهیّة الشغار ، و إنّما سمّی

ص:462

بذلک لانتهائه إلی ذلک الأثر ، و صورته : أنّ الطرفین یتشارطان بقول أحدهما للآخر :

« زوّجنی ابنتک أو اختک علی أنّ ازوّجک ابنتی أو اختی » من دون فرض مَهر ، بل تکون معاوضة کلّ منهما بالآخر ، فکلّ نکاح یقع فی قبالة الآخر فماهیّته نکاح مع المعاوضة ، و من ثمّ سمّی بالشغار .

مثال آخر : تسمیة بیع السلَم بالسلَم ، فإنّ ماهیّة البیع لم تنقلب فتصیر سلماً ، بل التسمیة هی بلحاظ شرطه بأن یسلَّم ، و کذا الحال فی المضاربة ، فإنّ الضرب فی الأرض هو أحد لوازمها ، و غیرها من العناوین المعاملیّة التی لا تطابق فیها بین مضمون العناوین و ماهیّاتها ، بل إطلاق التسمیة بها بلحاظ الآثار أو الأغراض .

نعم ، مقتضی الطبع فی التسمیة أن یکون بلحاظ ما هو ماهیّة المعاملة ، و لکن لا یمتنع أن تکون بلحاظ الآثار .

و لا یخفی أنّ التأمین من أغراضه الأمان و دفع الخطر لا أنّ ذلک نفس ماهیّته ، و کذلک ما ذکروه من أنّ فلسفته التعاون ، فإنّ عقد التأمین یعدّ منافساً للبنک فی الأنشطة المالیّة و الاقتصادیّة ؛ لأنّ فی شرکات التأمین تجتمع الرسامیل ، و هذا یزاحم نشاط البنک الذی یعتمد علی استثمار الرسامیل المتجمّعة لدیه و صار عقد التأمین هو ظاهرة صحّیة لإنقاذ الطبقات الضعیفة فی قبال أعمال البنوک التی تعدّ مخالباً لامتصاص أموال طبقات الدانیة ، فالتأمین نوع من الحمایة و الوقایة أمام العملیات البنکیّة الربویّة .

فمن جهة الداعی فی دفع الأقساط هو دفع للخطر ، و من جهة جبران التأمین لخسارة المتضرّرین برسامیل الآخرین هو إعانة ، فللتأمین أغراض تُنافِس أغراض و أنشطة البنک ، فالتأمین إنشاء التعهّد بجبر الخسارة ، و الغریب أنّ فی تحریر الوسیلة عرّفه بهذا التعریف ، و مع ذلک قال : « الأظهر أنّه مستقلّ لیس من باب ضمان العهدة » ، فإنّ حقیقة التعهّد بجبر الخسارة هو الضمان ، و لیس ضمان العهدة إلّا ذلک .

أمّا الثانی - و هو شمول التأمین لموارد لیس فیها ضمان العهدة ، مثل التأمین علی

ص:463

الأمراض أو علی الحیاة - فهو لا یخلو من قوّة .

و الجواب عنه : أن نلتزم بالتفصیل ، ففی موارد التأمین التی هی إجارة نلتزم بذلک فیها ، و فی موارد التأمین الضمانیّة نلتزم بذلک فیها . و أمّا التفصیل فی تلک الموارد فی الضمان بأنّ هناک ضمان عهدة و ضمان غیر عهدة فهو غفلة عن معنی ضمان العهدة ، فإنّه شامل لکلّ هذه الموارد ، فکما یشمل التعهّد بجبر الخسارة فی التجارة کذلک یشمل التعهّد بجبر الخسارة فی التداوی . نعم ، ضمان شخص الحرّ فی عمره لیس من ضمان العهدة ، و سیأتی الکلام عنه فی تنبیه مستقلّ ، فإنّ فی ماهیّته اختلافاً .

فالقول بأنّ مطلق التأمین هی ضمان العهدة مطلقاً لیس فی محلّه ، بل بعض الموارد هی عین الإجارة و لیس شیئاً آخر .

نعم ، إذا أمکن تصوّر معنی ماهوی جامع للتأمین غیر ضمان العهدة بحیث یتصادق مع ضمان العهدة فی بعض الموارد و یتخالف معه فی موارد اخری فهو وجه وجیه و لا مَحید عن الالتزام به ، و أمّا هذا المقدار من تصویر الإشکال الثانی فهو قابل للتأمّل ، و لو قیل فی تعریف التأمین بأنّه تعهّد بجبر الخسارة أو بعمل لکان جیّداً و هو نحو من التصحیح للوجه الرابع .

و أمّا الإشکال الثالث : فصورته الصناعیّة متینة ، و لکنّه فی عین متانته لا یدفع أنّ عقد التأمین ضمان أو إجارة .

و لا ینافی هذا الإشکال تمامیّة الدعوی ، و الوجه فی ذلک أنّ المعاملة الفوقانیّة نقرّ بأنّها معاملة اخری غیر الضمان ، إلّا أنّه لا ینفی أنّ أحد طرفی المعاملة الفوقانیّة هو الضمان ، فیجب ترتیب الآثار علیه بلحاظ ذلک الطرف ، فیرتّب علیه آثار الضمان ، و یرتّب علی المعاملة الفوقانیّة آثار مطلق العقود .

و تصویر المعاملة الفوقانیّة غیر منقّح فی الکلمات مع أنّ(الباء)فی(الضمان بعوض)ظاهرة فی المعاوضة الفوقانیّة ، إلّا أنّ فی الکلمات یجعل مفادها(بشرط العوض)و لم یصوّروا المعاملة الفوقانیّة . و قد تقدّم أنّ مطلق الشرط الضمنی یرجع

ص:464

إلی المعاملة الفوقانیّة و التعاوض بین طرفین - المعوّض هو المشروط فیه ، و العوض هو ذات الشرط - مع ذکر تفاصیل و شقوق فی ذلک ، فلاحظ . و ذکرنا أنّ أحد الفذلکات المهمّة لتصویر المعاملة الجدیدة هو بتصویر المعاملة الفوقانیّة .

فالإشکال الثالث و إن کان وجیهاً فی نفسه ، إلّا أنّه لا یدفع الوجه الرابع ، بل یتمّمه ، و یکون التأمین معاوضة ضمان العهدة بعوض .

الوجه الخامس فی تصحیح التأمین

و هو فی الحقیقة دلیل علی الوجه الرابع ،

لکن لمّا کانت دلالته بالخصوص افرز وجهاً خامساً ، و بیانه : أنّ التأمین لیس عقداً جدیداً ، بل معاملة بشریّة قائمة لدیهم منذ العهود الماضیّة ، غایة الأمر أنّها استوسعت حالیّاً - کما هو الحال فی البیع و الإجارة و غیرهما - حیث استوسع إلی الحمل البری و البحری ، و کون المتعاملین شرکات و دول ، فإذا احرز إمضاء الشرع لعقد التأمین فی صیغته البدائیّة ، فهو إمضاء لعقد التأمین المتّسع حالیاً .

ذکر بعض الأفاضل أنّ ضمان دیة العاقلة و ضمان ولاء العتق و ضمان الجریرة هی نحو من التأمین الطولی ، ففی المرتبة الاُولی جعل الشارع التأمین بضمان العاقلة للدیة إذا جنی الشخص خطأ ، و حیث أنّ العاقلة هی التی ترث ذلک الشخص فکأنّما الشارع جعل معاوضة قهریّة بین إرثهم للشخص و ضمانهم للخسارة الواقعة له ، و هذه معاوضة قهریّة لا تعاقدیّة .

و إذا قدّر عدم العاقلة فی البین فتصل النوبة إلی ضمان مولی العتاق ، فهو کما یرثه یضمن دیته ، فیقرّر ذلک بالمعاوضة القهریّة من قِبل الشارع لا التعاقدیّة الاختیاریّة ، ثمّ إذا قدّر عدم المولی العتق أیضاً فتصل النوبة إلی ضامن الجریرة و ضمانه بعوض الإرث ، و الضمان هاهنا تعاقدی بالاختیار بأن یتعاقد شخص مع شخص آخر علی أن یضمنه مقابل أن یرثه .

ص:465

و هناک مرتبة رابعة إذا قدّر عدم ضامن الجریرة ، و هو تأمین قهری و معاوضة قهریّة بین إرث الإمام علیه السلام لهذا الشخص الذی لا وارث له مقابل ضمان لدیته ، و قد نصّ علی هذه المقابلة فی روایات الإرث .

تتمیم : قد ورد النصّ علی ضمان الدرک (1)و هو نوع من التأمین ، کما هو الحال فی ضمان العهدة المنصوص علیه فی عدّة موارد ، فإنّه نحو من التأمین مثل ضمان المبیع للبائع ، غایة الأمر لا ینحصر المبیع المضمّن بالعین الجزئیّة الخاصّة ، بل یشمل المبیعات الحدیثة ذات الکمیّات الهائلة الکبیرة المحمولة فی البرّ و البحر و الجوّ ، و کذا الحال فی ضمان الودیعة ، فإنّ الغرض منه هو دفع الخطر ، و کذا الحال فی ضمان العاریة ، فإنّ الشارع قد حکم علی المستعیر فی بعض الموارد بالضمان إذا تلفت و لو من غیر تقصیر ، و فی البعض الآخر بالشرط .

الإشکالات الواردة علی عقد التأمین

اشارة

و غالب تلک الإشکالات أبداها جملة من فقهاء المذاهب الاُخری المعاصرین :

الأوّل : اشتماله علی الجهالة و الغرر ، حیث أنّ المؤمِّن(شرکة البیمة)لا یعلم بوقوع الحادثة التی یأخذ فی قبالها أقساطاً شهریّة من المؤمَّن له أو لا وقوعها . فلربّما لا تقع الحادثة مدّة التأمین سنین مدیدة ، فتذهب أموال الزبون هباءً منثوراً ، فالمعاوضة فی التأمین منطویة علی الجهالة و الغرر ، لا سیّما و أنّ حاصد أموال التأمین المدفوع شهریاً قدر خطیر من الأموال .

و الثانی : کونه بمثابة المَیْسر و القمار ، و هذا الإشکال فحوی الإشکال المتقدّم ، و بیانه : أنّ المؤمَّن له یدفع الأموال تدریجیّاً برجاء أن یحصل علی أموال أکثر فیما لو تلفت السیّارة المؤمَّنة - مثلاً - حیث ستدفع شرکة البیمة قیمة السیّارة بکاملها أو بالقدر

ص:466


1- 1) ب 19 / أبواب أحکام العقود ؛ ب 29 - 30 / أبواب الإجارة .

المتّفق علیه ، بینما قدر المال المدفوع شهریاً علی التناوب لا یبلغ قیمة السیّارة التی تدفعها شرکة التأمین عند الحادثة ، فحقیقة التأمین هو الإقدام علی دفع الأموال فی قبالة احتمال و رجاء الحصول علی غنیمة مالیّة أکبر ، و الإقدام و التعاوض الاحتمالی هو من خاصیّة القمار .

الثالث : إنّه نوع من الربا ؛ لأنّ المؤمَّن له یدفع قسطاً شهریّاً علی التناوب ، و بعد ذلک تدفع شرکة التأمین له عند الحادثة کلّ المبلغ ، و هی زیادة ربویّة .

لا سیّما بالنظر إلی النظام الداخلی المالی لشرکات التأمین ، فإنّ دفعها و جبرها للخسائر تقتطعه من المال المتجمّع لدیها من الأقساط الشهریّة من المشترکین ، و حیث أنّ الفائض منها یزید علی مقدار العهدة المالیّة التی یقع تکفّلها من الشرکة فی حوادث المشترکین فتقوم الشرکة باستثمار هذا الفائض تجاریّاً ، فیکون ما تعطیه من جبر الخسائر إنّما هو من رَیع ذلک الفائض ، و علی ذلک فیکون واقع حال تلک الشرکات أنّها تجمع رسامیل لأجل التجارة بتوسّط القروض من المشترکین فی قبال وفائها بذلک الدین مع زیادة ربویّة عند الحوادث ، فالتعامل الجاری فیها بمثابة القرض الربوی ، و خیر مثال صریح فی ذلک تأمین الحیاة و تأمین الممات ، فتؤمّن الشرکة - مثلاً - علی عشر سنوات من حیاة المشترک ، و عند انتهاء المدّة تقوم شرکة التأمین بدفع الأموال التی دفعها المؤمّن له طیلة عشر سنوات و زیادة .

تقییم الإشکالات السابقة

اشارة

و العمدة منها الإشکال الأوّل .

قاعدة فی عموم مانعیّة الغرر

و هو مبنی علی عموم مانعیّة الغرر فی العقود و عدم اختصاصه بالبیع ، أی علی تمامیّة تلک الکبری ، فقد وقع الکلام عن الدلیل علی ذلک ؛ إذ النصّ الوارد المعتبر

ص:467

إنّما هو « نهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن بیع الغرر » . و لیس « نهی النبیّ عن الغرر » کی یعمّ . و لم یعثر علی روایة و لو مرسلة فیها التعمیم و إن ادّعی البعض العثور علیها ، فغایة ما ثبت « نهی النبیّ عن بیع الغرر » . نعم ، استظهر البعض عدم خصوصیّة البیع ، و أنّ النهی أعمّ و إن ورد فیه .

و الصحیح أنّ الغرر مانع فی کلّ العقود لا فی خصوص البیع ، و الوجه فی ذلک هو البناء العقلائی علی مانعیّة الغرر فی بقیّة العقود ، خلافاً لما قیل من : أنّ الغرر لیس من الشرائط العامّة فی صحّة کلّ العقود ، فلا نسلّم بمانعیّته فی عقد التأمین .

و لا یخفی أنّ أدلّة الصحّة فی العقود موضوعها المعاملة العقلائیّة العرفیّة ، مثلاً :

(وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ) کدلیل للصحّة أخذ فی موضوعه البیع العرفی لا الشرعی ، و إلّا لکان تحصیلاً للحاصل .

و هذا البیع العرفی الذی یصحّحه الشارع یجب أن یکون فی الرتبة السابقة واجداً للشرائط العقلائیّة العرفیّة ؛ إذ بدونها لا یکون البیع فی نظرهم موجوداً ، فلا یکفی فی البیع توفّر الشرائط الشرعیّة التأسیسیّة فقط .

نعم ، العرف هاهنا بمعنی لغة القانون البشری الوضعی ، و هذا باب ینفتح منه اعتبار الشروط فی المعاوضات و إن لم یرد فیه نصّ خاصّ . نعم ، قد یفرض أن یضیف الشارع بعض الشرائط أو یلغی بعضها ، و هذا تقدیر آخر .

و مانعیّة الغرر عند العقلاء غیر مخصوصة بالبیع ، بل فی مطلق ماهیّة المعاوضة ؛ إذ التعاوض نوع مساواة مالیّة بین الطرفین و لا تتمّ المعاوضة و المساواة بین المالین إلّا بالعلم بذات و قدر الطرف الآخر و تقرّره ، فلا بدّ من الإحاطة بکلّ من الطرفین کی یتمکّن من عملیّة المعاوضة بینهما ، و إلّا لم تکن معاوضة ، بل هبة مبتدأ أو شبهها أو صلحاً لا یبتنی علی التعاوض ، بل علی التقابل بالرضا .

و لذلک قیل بجواز هدیة المجهول ، مثل : « وهبتک ما فی الکیس » ، و کذا فی الوقف ، و فی المضاربة ، و غیرها من العقود الإذنیّة ، و هذا بخلاف المعاوضات .

ص:468

و لا نقصر الکلام فی الإحاطة و العلم بالعوضین علی خصوصیّتهما أو مالیّتهما ، بل الکلام فی مطلق جعل التقابل بینهما ، فمثلاً : فی البیع عند ما یقابل بعوض مالی ، معیار هذه المقابلة هی الموازنة و المساواة المالیّة ، و لو بحسب اختیار المتعاقدین ، و من ثمّ فلو لم تکن مساواة بحسب الواقع لا یبطل البیع ، بل غایة الأمر یثبت خیار الغبن ، فالمقابلة قائمة علی التوزین المالی ، و هو متوقّف علی معرفة العوض کی تجری فیه المعاوضة و المساومة و المساواة ، فثبوت خیار الغبن لا ینافی اعتبار مانعیّة الغرر ، بل یتوقّف علیها ؛ إذ لا یمکن فرض الغبن و خیاره إلّا مع عدم الغرر .

بیان ذلک : أنّ کلّاً من المتعاقدین یوازن و یقابل العوضین عالماً بالمقابلة ، و إن لم یعلم القیمة الواقعیّة ، فالمقابلة معلومة فی البین ، و من ثمّ تُقایَس مع القیمة الواقعیّة کی یُتبیّن وجود الغبن أو عدمه ، فتصویر الغبن و عدمه مبتن علی معلومیّة أصل المقابلة ، و ظهور الغبن لا ینافی کون البیع الواقع خالیاً من الغرر ؛ إذ لیس انتفاء الغرر و الجهالة هو بحسب الإحاطة و العلم بذات العوض علی ما هو علیه فی الواقع بجمیع صفاته و خصوصیّاته ، بل هو بحسب أحد صفات العوض المهمّة التی یمکن ضبط بقیّة صفاته الاُخری - و إن کانت مجهولة - بها ، فیکفی فی تحقّق المقابلة فی المعاوضات العلم بالمقابلة بحسب أحد الصفات المهمّة ، فمدار انتفاء الغرر و عدمه لا ینافی وقوع الجهل بصفة المالیّة الواقعیّة ، فلا ینافی تصویر خیار الغبن ؛ و لذلک اشترطوا فی البیع عدم الغرر مع قولهم بخیار الغبن فیه ، و لم یعدّ ذلک تهافتاً لإمکان تصوّر وقوع البیع الصحیح الخالی عن الغرر الموجب مع ذلک لخیار الغبن ، و أنّ الغرر ینتفی بالعلم بالمالیّة الجعلیّة المسمّاة بحسب المقابلة لا بخصوص العلم بالمالیّة الواقعیّة و تسمیة المالیّة هی عین المقابلة بخلاف المالیّة الواقعیّة ، فالغبن قائم علی حیثیّة تختلف عن الحیثیّة التی تقوم علیها المقابلة .

ص:469

تذییل بنکتة

إنّ طبیعة المعاوضات من المعانی التشکیکیّة ، کما هو الحال فی الغرر ، و الجهالة أیضاً ، فالمعاوضة فی البیع قائمة علی المقابلة بنمط دقیق لوقوع نقل رقبة العین فیه ، و حیث أنّ العین بتمامها تُنقل فیتشدّدون فی إبعاده عن الغرر ، فالغرر بحسب البیع یتفاوت مع الغرر بحسب الشرکة أو القرض مثلاً ، و کذا الحال فی الإجارة ؛ لأنّ المنقول فیها المنفعة فقط ، و إن اشتهر أنّ الإجارة صنو البیع ، و هذا التفاوت لا ینافی اعتبار عدم الغرر فی مطلق المعاوضات ، إلّا أنّه فی کلّ عقد بحسبه لاختلاف درجات المعاوضات .

فتحصّل تمامیّة کبری مانعیة الغرر فی العقود ، و علیه فالتأمین إمّا ضمان أو ماهیّة مستقلّة ، و علی کلا التقدیرین فهی معاوضة ، فیشترط فیه عدم الغرر .

لکن یبقی الکلام صغرویاً بحسب الخارج فی کون عقد التأمین یستلزم الغرر - کی یتأتّی الإشکال الأوّل - أو لا ؟

و الجواب : أنّ علم التأمین بحسب أدواته الحدیثة قد أوجب انخفاض نسبة الجهالة و تصاعد النسبة الاحتمالیّة إلی درجة متّفقة عند العقلاء ؛ إذ بات علماً یدرس فی الجامعات ، فیعیّن فیه درجة الخطورة و درجة الثمن الذی یقابل الخطر ، و مدّة التأمین ، و البلد الذی یجری فیه عقد التأمین ، و الحرَف التی یجری علیها البیمة ، و هلم جرّاً .

فهناک آلات الإحصاء بدرجة تخمینیّة تقارب الواقع ، فتُدرس کلّ هذه الزوایا و یحدّد جمیعها فی عقد التأمین ، و مع کلّ هذه الدراسات و البرامج لا مجال لدعوی الغرر فی عقد التأمین ، بل المتداول منه حالیاً یجری مع نسبة کبیرة من إبصار الواقع بالأدوات و الدراسات الحدیثة . نعم ، إشکال الغرر کان متأتّیاً فی الأزمان السابقة لعدم إمکان الاحصائیّات الدقیقة .

و من هذا القبیل المسألة الواقعة فی البیع فی العصر الحاضر بدائرة وسیعة ، لا سیّما

ص:470

فی البیوعات الخطیرة و ذات الکمّیات الکبیرة ، حیث یتمّ التصافق علی بیع الأشیاء بوجودها الشخصی بقیمة یوم التخلیص من الجمرک أو بقیمة یوم القبض ، فقد أفتی جملة من أعلام العصر ببطلان هذا البیع لعدم تحدید الثمن فیه ، و هذا النمط من البیع هو الرائج حالیاً فی بیع النفط و الغاز و غیرها من المنتوجات الطبیعیّة لکلّ بلد من بقیّة المعادن أو الزراعات أو المنتوجات المصنّعة .

و تنقیح الحال فیها : أنّ الجهالة و الغرر بحسب سوق المال و التجارة العصریّة یقرّرونه فی تعیین الثمن فی مثل هذه الموارد حیث أنّ تعیینه لا یُعلم فیه مدی اجور الکلفة التی سوف تقع علی عاتق البائع ، کما أنّ فی تعیینه بحسب وقت التعاقد لا یحصل العلم بنسبة الربح و الخسارة ؛ و ذلک لأنّ الأسعار فی مثل هذه الموارد تُعیّنها أسواق البورصة ، و بیاناتها فی القیمة إنّما هو بلحاظ السعر الحاضر الفعلی لا القیمة المستقبلیّة ، و بالتالی فیعدّ تعیین البائع الثمن فی عدد معیّن هو بمثابة اللاتعیین و اللاتحدید ، بخلاف ما لو حدّد الثمن بقیمة البورصة أو السوق یوم التقابض ، فإنّ هذا القید الزمنی أضبط تحدیداً و أدقّ تعییناً للقیمة من العدد و الحساب الکمّی ، و کذلک الحال فی جانب المشتری ، و هذا التبدّل فی ضوابط التعیین و التحدید ، و فی نحو تقرّر وجود الغرر و الجهالة هو بسبب تغیّر عالم الأسواق المالیّة وبیئة التعامل التجاری ، فهو من التغییر فی المصادیق لا فی المفاهیم و المعانی ، و لا ریب أنّ تقرّر وجود المصادیق إنّما هو بحسب الأنظار العقلائیّة و العرفیّة الجاریة .

و علی کلّ تقدیر ، فیمکن الإجابة عن الإشکال الأوّل أیضاً بما سیأتی فی الجواب عن الإشکال الثانی .

امّا الجواب عن الإشکال الثانی

فبأنّ الذی یُجعل عوضاً لیس هو المال الذی یتملّکه عند حدوث الحادثة ، بل العوض هو نفس الضمان لا متعلّقه ، و نفس الضمان کالتزام و تعهّد بجبر الخسارة علی

ص:471

تقدیر وجودها لیس عوضاً تقدیریّاً أو غیر متیقّن الحصول ، بل هو ذو مالیّة بنفسه ، فلا یقدم علیه النّاس ابتداءً بل یرغبون فیه إذا بذل بإزائه المال ؛ إذ لا یکلّف الشخص نفسه بالتعهّد علی جبر خسارة آخر ابتداءً ، و بالتالی فالمالیّة مخصّصة لنفس التعهّد و الضمان بالجبر لا لمتعلّقه ، و هذه المالیّة مقرّرة و ثابتة ، سواء وقع المتعلّق أم لم یقع ؛ لأنّ الغرض من المعاوضة و بذل المال منصبّ و قائم بنفس التعهّد لما یوجبه من استقرار و راحة بالٍ للمضمون له ، و لو علی تقدیر عدم وقوع الحادثة ، فمنشأ الإشکال الخلط بین متعلّق الضمان و نفس الضمان لعدم تصوّر المعاملة الفوقانیّة التی أحد طرفیها معاملة اخری خاصّة مستقلّة(ضمان العهدة)، و العوض مقابل لها ، فالمعاملة الفوقانیّة هی مبادلة ضمان بعوض نظیر مبادلة طلاق بعوض ، و هو الخلع .

هذا مع أنّ مجرّد احتمالیّة المتعلّق لا یجعله معاملة قماریّة ؛ إذ عدّة من المعاملات متقوّمة بالاحتمالیّة بلحاظ النتیجة کالمضاربة ، حیث أنّ عامل المضاربة أعماله محتملة للتعویض و لعدمه ، مع أنّ المضاربة - علی قول - عقد إجارة خاصّة ، فصاحب المال یوجر العامل بربح کسری من أرباح المال مقابل عمله ، فقد یتاجر العامل مدّة مدیدة بالأموال و لا یربح شیئاً ، فالاحتمالیّة متقرّرة فی المضاربة .

و کذا الحال فی المزارعة و المساقاة ، فقد لا یبقی الزرع إلی أوان الحصاد ، أو قد لا تثمر الشجرة ، ففیهما الاحتمالیّة أیضاً متقرّرة ، و مع کلّ ذلک فلم تکن الاحتمالیّة موجبة لصدق المیسر علی تلک العقود ، فلا محالة من تمیّز المیسر و القمار بخاصیّة اخری غیر وجود الاحتمال ، و کذا الحال فی ضمان الجریرة ، فإنّه نوع تأمین عقدی و هو احتمالی من کلا طرفیه ؛ لأنّ هذا الضمان بدفع الدیة مقابل الإرث مع احتمال أن یموت الضامن قبل المضمون فلا یتحقّق الإرث ، و کذا الحال فی ضمان العاقلة الذی هو ضمان بعوض قهری غیر عقدی ، فتحصّل أنّ طرف الضمان فی التأمین هو الضمان لا متعلّقه ، فلا یرد محذور الغرر و الجهالة ، کما لا یرد محذور القمار و المیسر ، و نفس الضمان الذی هو طرف المعاوضة هو شیء معلوم ذو قیمة مالیّة متعیّنة بخلاف متعلّقه .

ص:472

و أمّا الجواب عن الإشکال الثالث

فإنّ الربا غیر مفروض فی المقام ؛ إذ وجود الربا بتبع الدین - سواء الدین الحاصل من القرض أم غیره - بینما فی التأمین دفع المال فی مقابل الضمان و کلّ من العوضین قد تمّ حصوله للطرف الآخر ؛ إذ لم یکن بذل العوض فی مقابل متعلّق الضمان کما هو الحال فی القرض ؛ إذ قد لا تحدث أی خسارة و لا یرجع أیّ مال للمؤمّن له ، و مجرّد جبر الخسارة علی تقدیر لا یوجب کون الجبر طرفاً للمعاوضة ، و لا یوجب صدق رجوع المال المبذول عوضاً مع الزیادة ، کما هو الحال فی القرض الربوی .

نعم ، بعض موارد التأمین المستجدّة ، کالتأمین علی الحیاة مدی العمر أو مدّة معیّنة ، أو التأمین علی الممات ، سیأتی فی تنبیه مستقلّ أنّهما من أنواع الربا ، و یختلف عن بقیّة أنواع التأمین .

فتلخّص أنّ الأصحّ کون عقد التأمین الدارج هو الضمان بالعوض ، إلّا فی بعض موارده ، فإنّها من قبیل الإجارة و نحوها .

و لو تنزّلنا عن ذلک الصحیح أنّه عقد جدید لا هبة معوضة و لا صلح ، و قد تقدّم أنّ الهبة المعوضة و الصلح هما من قبیل البدیل الموصل لنتیجة عقد التأمین و لیسا تحلیلاً ماهویّاً و لا بیاناً لعقد التأمین الموجود المتداول ، فلا تصل النوبة إلیهما إلّا بعد تعیین ماهیّة عقد التأمین الدارج و بیان حکمها .

تنبیهات فی التأمین

التنبیه الأوّل : فی التأمین علی الحیاة و علی الممات و أنّه رباً

الضمان علی الحیاة هو أن یدفع أقساطاً معیّنة ، و بعد انتهاء مدّة التأمین یسترجع کلّ المبالغ التی دُفِعَت و زیادة ، فلیس إرجاع و دفع شرکة التأمین معلّقاً علی الخسارة ، بل بمجرّد انتهاء المدّة .

ص:473

نعم ، لو مات المؤمّن له خلال تلک المدّة فإنّ شرکة التأمین ملزمة بدفع مقدار دیته لورثته ، و لکنّ الجهة السابقة فی هذا التأمین ملحوظة أیضاً .

و التأمین علی الممات هو أن یدفع المؤمَّن له أقساطاً فتدفع شرکة التأمین بعد موته کلّ الأقساط و زیادة إلی الورثة .

و إذا کان حقیقة هذین التأمینین کما تقدّم ، فهما أقرب بالقرض الربوی ؛ لأنّ ما یدفع من أقساط یسترجع مع الزیادة ، فلا تکون الأقساط فی مقابل الضمان ؛ إذ لا یقرّر فیهما ضمان لجبر الخسارة و استرجاع ما دفع و زیادة بعد انتهاء المدّة مفروض فیهما علی کلّ تقدیر ، و بالتالی فتنطبق ماهیّة القرض الربوی من ضمان نفس المدفوع مع الزیادة .

و کذلک الحال فی التأمین علی التقاعد ، فإنّ الموظّفین یقتطع من اجرتهم کلّ شهر مقداراً یدفع لشرکة التأمین ، و بعد تقاعدهم یسترجعون ما دفعوه و زیادة بنحو نجومی کلّ شهر بنحو اجرتهم فی زمن التوظیف السابق ، فعلی تقدیر کون هذا التأمین بهذه الصیاغة فالزیادة ربویّة لا محالة .

و لو ارید استبدال هذه الموارد من التأمین بالهبة المعوضة فلا یخلو من إشکال أیضاً ، و إن کان قد تقدّم صحّة الهبة المعوضة کبدیل ، و وجه الفرض بین ما تقدّم و هذه الموارد أنّ التعویض فی ما تقدّم لم یکن منجّزاً ، بل هو معلّق علی تقدیر الخسارة بخلافه فی المقام ، فإنّه منجّز بانتهاء المدّة ، فلا یکون هناک افتراق ماهوی بین الهبة المعوضة و القرض الربوی ، و الاختلاف یکون بمجرّد الألفاظ .

هذا إذا کان شرط التعویض فی الهبة المعوضة بنحو شرط النتیجة ، و أمّا إذا کان بنحو شرط الفعل فهو و إن کان دافعاً للإشکال المزبور علی القول بأنّ أثر شرط الفعل تکلیفی محض ، إلّا أنّ الأصحّ - کما تقدّم - إیجاب الشرط مطلقاً للاستحقاق الوضعی .

هذا ، و قد ذکر البعض أنّ تأمین التقاعد لا یشتمل علی الزیادة ، بل هو مجرّد استرجاع ما اقتطع و اخذ منه ، و علی تقدیر کونه کذلک فیندفع محذور الربا ، و ذکر

ص:474

بعض آخر حلّاً لدفع محذور الربا فیهما بأنّ ماهیّة القرض لم تقصد ، و أنّ قصد المتعاقدین هو ماهیّة التأمین ، و قد ذکرنا سابقاً أنّ الضابط فی الحیل الشرعیّة هو اختلاف الماهیّات المنشأة - و إن اتّحدت نتائجها - لا اختلاف مجرّد الألفاظ .

و المفروض فی المقام هو الوحدة بحسب التحلیل الماهوی .

التنبیه الثانی : فی التأمین التبادلی أو تأمین المشترک

و حقیقته أنّ یشترک جماعة فی وضع رأس مال بینهم علی أن یستثمر رأس المال و یکون جبر خسارة کلّ من الأعضاء المتشارکین من رأس المال المزبور ، الخسارة التی تحدث له فی الأموال الاُخری الخاصّة به ، دون الخسارة التی تحدث فی المال المشترک بسبب التجارة .

و هذا التعاقد صحیح ؛ لأنّ حقیقته شرکة و مضاربة من الأطراف ، و تسمّی الشرکة فی المضاربة أو الشرکة علی نحو المضاربة ، و لا إشکال فی اشتراط الضمانین المزبورین .

أمّا الأوّل : فإنّه نحو من التأمین ، و أمّا الثانی : فبناءً علی أنّ ضمان رأس مال المضاربة إذا کان من ضمان الفعل فإنّه لا یوجب قلب الماهیّة إلی القرض ، لکن تقدّم الإشکال فی ذلک للنصّ و لمقتضی القاعدة ، فلاحظ .

التنبیه الثالث : ترامی التأمین

قد یقوم الضامن لجبر الخسارة بعوض - و هو شرکة التأمین - بتأمین نفسه عند ضامن آخر أکثر قدرة فی المال ، و ذلک إذا کانت شرکة التأمین الاُولی تتوقّع الإفلاس ، فتضطرّ إلی تأمین نفسها عند شرکة تأمین أکبر ، و هذا من قبیل ترامی العقود الصحیحة ، غایة الأمر تکون شرکة التأمین الثانیة ضامنة علی تقدیر إفلاس شرکة التأمین الاُولی لا علی تقدیر إفلاس و خسارة المتعاملین مع شرکة التأمین الاُولی ، فالمعلّق علیه مختلف .

ص:475

ضمیمة : قد تقوم شرکة التأمین الثانیة بجبر الخسارة عند خسارة المتعاملین مع الشرکة الاُولی ، و هذا لیس من الترامی الطولی ، بل من تکثّر التأمین العرضی علی مورد واحد ، و هو ممکن ، غایة الأمر یقوم المتعامل مع شرکة التأمین الاُولی بأخذ الضمان منها لجبر خسارته مقابل العوض و تأخذ الشرکة الاُولی الضمان من الشرکة الاُخری بجبر الخسارة التی تنتابها بسبب جبرها للخسارة علی المتعامل ، و ذلک مقابل العوض ، و لا تخفی الصحّة فی هذه الصورة أیضاً ، و أنّ المضمون له یختلف فی الضمانین .

التنبیه الرابع

قد یشترط فی عقد التأمین دفع أرباح من شرکة التأمین إلی المؤمَّن لهم

فی ما لو ربحت شرکة التأمین من رأس مالهم .

و أشکل علیه بأنّه رباً ؛ لأنّ عوض التأمین مضمون مع الزیادة ، و الصحیح أنّه لا یمکن إطلاق القول بصدق الربا ؛ و ذلک لأنّ الربح المشروط لیس ربحاً محرزاً ، بل معلّق علی ربح شرکة التأمین فی تجارتها ، فهو أشبه بالمضاربة بشرط الضمان علی القول بصحّة ضمان رأس المال فی المضاربة ، فلا إشکال فی صحّته .

غایة الأمر قد اشترط فی المضاربة المزبورة جبر خسارة مالک المال التی تحدث له فی أموال اخری جبرها من رأس مال المضاربة ، فلا ینافی أحکام عقد المضاربة ؛ لأنّ العامل لا یضمن خصوص مال المضاربة بخلاف الأموال الاُخری ، فهی مضاربة بشرط ضمان العامل - شرکة التأمین - لأموال اخری ، و هذه صورة رائجة فی أسواق المال حالیّاً .

نعم ، لو اشترط فی عقد التأمین أرباح منجّزة بأن تدفع شرکة التأمین الزیادة علی تقدیر الربح و عدمه لکان نوعاً من الربا .

مسألة 29 : إذا تخلّف المؤمن عن القیام بالشرط

ثبت الخیار للمؤمّن له ، و له - عندئذٍ -

ص:476

فسخ العقد و استرجاع قسط التأمین .

مسألة 30 : إذا لم یقم المؤمّن له بتسدید

(قسط التأمین کمّاً و کیفاً ، فلا یجب علی المؤمن القیام بتدارک الخسارات الناجمة له ، کما لا یحقّ للمؤمّن له استرجاع ما سدّده من أقساط التأمین .

مسألة 31 : لا تعتبر فی صحّة عقد التأمین مدّة خاصّة ،

بل هی تابعة لما أنفق علیه الطرفان (المؤمِّن و المؤمَّن له).

مسألة 32 : إذا اتّفق جماعة علی تأسیس شرکة یتکوّن رأس مالها من أموالهم علی نحو

الاشتراک

و اشترط کلّ منهم علی الآخر فی ضمن عقد الشرکة أنّه علی تقدیر حدوث حادثة(حدّد نوعها)- فی ضمن الشرط - علی ماله أو حیاته أو داره أو سیّارته أو نحو ذلک أنّ الشرکة بتدارک خسارته فی تلک الحادثة من أرباحها وجب علی الشرکة القیام بذلک .

قوله رحمه الله فی المسألة 29 : « ثبت الخیار » لتخلّف الشرط الضمنی و الارتکازی ؛ لأنّ التزام کلّ من المتعاملین هو بازاء التزام الآخر ، فإذا تخلّف الآخر عن التزامه فللأوّل أن یرجع عن التزامه أیضاً ، و لک أن تقول : إنّه لا حاجة إلی تصویر خیار الشرط ؛ لأنّ الالتزام فی العقد لیس بمطلق ، بل معلّق علی الالتزام الآخر ، فلا حاجة إلی تصویر شرط خیار تخلّف الشرط بنحو الشرط الضمنی ، و حیث أنّ المعلّق علیه - هو التزام الآخر - لم یقع ، فللأوّل أن لا یلتزم ؛ لأنّ الواجب علیه لیس إلّا حصّة من الالتزام لم یتحقّق موضوعها .

قوله رحمه الله فی المسألة 30 : « الناجمة له » بمقتضی تقابل الالتزامین کما مرّ .

و أمّا قوله فی ما بعد : « کما لا یحقّ . . . » ، فهو مبنیّ علی کون التأمین هبة معوّضة ، فلا یحقّ أن یسترجع ؛ لأنّ الهبة المعوضة لازمة ، لکن بناءً علی کونه ضماناً بعوض أو أنّه عقد جدید معاوضی أو صلح أو إجارة ، ففیه تأمّل ؛ إذ یجوز للآخر الامتناع عن

الدفع مع امتناع الطرف الأوّل عن دفع عوضه کاملاً ، إلّا أنّ الکلام یقع فی أنّ الطرف

ص:477

الآخر الذی قبض من الأوّل نصف العوض - مثلاً - هل یسوغ له إبقاء ما قد قبضه أو أنّه یجب علیه إرجاعه إلی الأوّل ؟ الصحیح هو التفصیل ، فإن کان الطرف الآخر القابض لنصف العوض من الأوّل یرید أن یمضی المعاملة و یبنی علیها ، فله إبقاء ما استلمه و إلزام الطرف الأوّل بإتمام المعاملة ، و بالتالی فلا یحقّ للطرف الأوّل استرجاع نصف العوض الذی أعطاه ، بل الواجب علیه النصف الباقی ، و أمّا إذا بنی الطرف الآخر القابض علی فسخ المعاملة و عدم إعطاء العوض الذی علیه - أی الذی من جانبه - فلا یجوز له إبقاء النصف الذی استلمه ، و هذا الذی ذکرناه هو من خواصّ و أحکام القبض و التقابض فی کلّیة المعاوضات ، فلا یشذّ عنه الهبة المعوضة أیضاً ، بل الصحیح فی الهبة المعوضة عدم اللزوم ما لم یتحقّق التقابض ، فللواهب أن یرجع فی هبته قبل إتیان الموهوب له بالشرط ، و قد بنی الماتن رحمه الله علی ذلک فی باب الهبة ، فما أطلقه فی المقام غیر تامّ ، إلّا أن یفرض أنّ العین(الأقساط الشهریّة)غیر قائمة علی حالها .

ص:478

السرقفلیّة - الخلو

اشارة

من المعاملات الشائعة بین التجّار و الکسبة ما یسمّی السرقفلیّة ، و هی إنّما تکون فی محلات الکسب و التجارة ، و الضابط فی جواز أخذها و عدمه هو أنّه فی کلّ مورد کان للمؤجّر حقّ الزیادة فی بدل الایجار أو تخلیة المحل بعد انتهاء مدّة الایجار ، و لم یکن للمستأجر الامتناع عن دفع الزیادة أو التخلیة لم یجز أخذها ، و التصرّف فی المحلّ بدون رضا مالکه حرام . و أمّا إذا لم یکن للمالک حقّ زیادة بدل الایجار و تخلیة المحل ، و کان للمستأجر حقّ تخلیته لغیره بدون إذن المالک جاز له - عندئذٍ - أخذ السرقفلیّة شرعاً ، و یتّضح الحال فی المسائل الآتیة :

مسألة 33 : قبل صدور قانون منع المالک عن إجبار المستأجر علی التخلیة أو عن الزیادة

فی بدل الایجار ، کان للمالک الحقّ فی ذلک ،

فإن کانت الإجارة قد وقعت قبل صدور القانون المذکور و لم یکن هناک شرط متّفق علیه بین الطرفین بخصوص الزیادة أو التخلیة ، إلّا أنّ المستأجر استغلّ صدور القانون فامتنع عن دفع الزیادة أو التخلیة ، و قد زاد بدل إیجار أمثال المحل إلی حدّ کبیر ، بحیث أنّ المحلّ تدفع السرقفلیّة علی تخلیته ، فإنّه لا یجوز للمستأجر - حینئذٍ - أخذ السرقفلیّة ، و یکون تصرّفه فی المحلّ بدون رضا المالک غصباً و حراماً .

مسألة 34 : المحلات المستأجرة بعد صدور القانون المذکور قد یکون بدل إیجارها

السنوی مائة دینار مثلاً ،

إلّا أنّ المالک - لغرض ما - یؤجّرها برضًا منه و رغبة بأقلّ من ذلک ، و لکنّه یقبض من المستأجر مبلغاً کخمسمائة دینار - مثلاً -

ص:479

و یشترط علی نفسه فی ضمن العقد أن یجدّد الإیجار لهذا المستأجر أو لمن یتنازل له المستأجر سنویاً بدون زیادة و نقیصة ، و إذا أراد المستأجر التنازل عن المحلّ لثالث أن یعامله نفس معاملة المستأجر ، فحینئذٍ یجوز للمستأجر أن یأخذ لقاء تنازله عن حقّه مبلغاً یساوی ما دفعه إلی المالک نقداً أو أکثر أو أقلّ ، و لیس للمالک مخالفته حسب الشرط المقرّر .

السرقفلیّة من الحقوق الجدیدة المتداولة ، و الماتن رحمه الله فصّل بین وقوع الإجارة قبل صدور القانون - قانون منع المالک عن إجبار المستأجر علی التخلیة أو الزیادة - من الدولة ، و بین وقوعها بعد الصدور .

ففی الصورة الثانیة أجاز أخذ المال بازاء الحقّ المزبور ، سواء من مالک العین أو من المستأجر الأوّل أو الثانی بعد فرض شرائه لذلک الحقّ من مالک العین ، بخلاف الصورة الاُولی ، فلیس من حقّ المستأجر أن یأخذ مالاً من المستأجر الثانی قبال حقّ الخلو ؛ لأنّه لا یستطیع أن یُجبر و یلزم المالک الأوّل علی تجدید الإجارة ، و لا علی إبقاء ثمنها بعقود لاحقة ، فأخذه المال بإزاء حقّ السرقفلیّة أکل للمال بالباطل .

و تخریج هذا التفصیل هو : أنّه مع عدم صدور القانون المزبور لا یوجد بناء ارتکازی عقلائی علی اشتراط الشرط المزبور ، فلا یتولّد للمستأجر حقّ یسمّی بالخلو ، و من ثمّ لا یجوز له إلزام المالک بالمکث فی العین المستأجرة و تجدید الإجارة ، أو عدم زیادة ثمن الإجارة فی العقود اللاحقة ، بخلاف ما إذا صدر القانون من الدولة ، فإنّه یوجب تولّد نحوٍ من البناء الارتکازی و الشرط الضمنی . و الظاهر من الماتن رحمه الله تخریجه من جهة الشرط ، و یمکن تخریج حقّ السرقفلیّة بوجوه اخری .

ص:480

تخریج الحقوق المستجدّة

الوجوه التی استدلّ بها علی مشروعیّة هذا الحقّ :

الوجه الأوّل

و هو مطّرد فی حقّ التألیف و الامتیاز و الطبع و غیرها من الحقوق المستجدّة ،هو

اعتبار العرف

و جعله لها ، فهی موجودة فی عالم اعتبار العرف العقلائی و إن لم تکن موجودة فی اعتبارات الشرع أصالة و ابتداء ، و بالتالی فتتولّد لها مالیّة لدیهم ، فیتّصف ذلک الحقّ بأنّه مال من الأموال ، و یقع التعارض علیه ؛ لأنّ موضوع المعاوضات هو المال ، و علی ذلک فیصحّ بیعها ، فکلّ حقّ جدید إذا اعتبره العرف فی عالم أنظاره یقع صغری للمعاوضات الشرعیّة .

و العرف هاهنا لم یتصرّف فی أحکام الشرع ، و إنّما أوجد موضوعات للأحکام و القضایا الشرعیّة ، فالمحمول الشرعی ثابت ، إلّا أنّ العرف یخلق لذلک المحمول مصادیق جدیدة . و الحقوق الجدیدة فی الحقیقة إیجاد لمنافع جدیدة ، فهی إیجاد لمال من الأموال العرفیّة ، و المال العرفی موضوع لماهیّات المعاملات و الأحکام الشرعیّة ، فهو - مثلاً - موضوع للبیع ، و البیع موضوع للحکم الشرعی .

و هذا البیان من جهة متین ، و لکنّه لا یخلو من خلل فی جهات کثیرة ، أمّا ما هو متین فیه فهو أنّ وصف المالیّة لیس باختراع من الشرع ، و إنّما صفة المالیّة هی بإیجاد و استحداث من العرف العقلائی ؛ لأنّ المالیّة تتبع رغبات العقلاء(المال من المیل ، بمعنی الرغبة ، أی: یُمال إلیه).

ص:481

نعم ، قد یسلبها الشرع ، کما فی المیتة و العذرة و الخمر ، و کذلک حال ما مرّ فی الوجه من أنّ إیجاد صفات جدیدة فی العین هو بیدهم لا بتوسّط الحکم المتعلّق بالعین .

أمّا الخلل فی الوجه المزبور فهو أنّ بعض الاعتبار و الإنشاء و إنّ فوّض إلی العرف کإیجاد العین أو منافعها تکویناً ، و کصفة المالیّة سواء کانت تکوینیّة أم اعتباریّة ممزوجة بالتکوین - أی منشؤها التکوین ، و هو الحاجة - إلّا أنّ الحقّ لیس أمراً اعتباریاً ، کصفة المالیّة أوکَلَها الشارع إلی العرف ، بل هو من سنخ الحکم أو الملکیّة ، و اللازم فیه اعتبار الشرع أو إمضاؤه ، و لا أقلّ من عدم ردعه ، و الفرض أنّ هذه الحقوق المستجدّة لم تکن معاصرة للشارع کی یعلم عدم ردعه عنها ، فهی من سنخ الحکم أو الملکیّة ، و من أنحاء اعتبار الحکم الشرعی و ماهیّة الحقّ ملکیّة ضعیفة علی الأصحّ فی الأقوال ، و القول الآخر أنّه من سنخ الحکم و الاعتبار ، کما ذهب إلیه الماتن رحمه الله ، و یختلف عن الحکم بأنّه قابل للاسقاط و النقل و الانتقال .

فالأقوال فی ماهیّة الحقّ مختلفة ، و لیس وزانها وزان صفة المالیّة ، بل من نمط الأحکام ، و الصفة المالیّة لو سلّم أنّها کذلک فلا محذور من ناحیتها فی المقام ؛ لأنّها معاصرة للشارع و لم یردع عنها .

و قد یشکل بأنّ الملکیّة اعتبار من العرف أیضاً ، غایة الأمر أنّ الشارع یُمضیها أو یردع عنها ، فلیس اعتبارها من الشرع فقط . و الصفة المالیّة فی الأموال التی کانت معاصرة لدی الشارع ممضاة ، و أمّا التی فی الأموال المستجدّة فهی لم تُعاصِر الشارع ، فلا تکون ممضاة ، إلّا أن یقال : إنّ عدم ردع الشارع لیس بلحاظ تلک الأموال الخاصّة ، بل لنوع صفة المالیّة ، و لو المستجدّة فی أنواع أموال اخری ، فضلاً عن المستجدة فی أفرادٍ من نفس النوع ، فاللازم هو تحدید مصبّ عدم ردع الشارع و إمضاءه للمالیّة من أنّها النوعیّة فی تلک الأموال و لنوع تلک الأموال أم هی الفردیّة فی أفراد الأموال ؟

هذا و الإشکال المزبور یمهّد لوجه ثانٍ لمشروعیّة هذا الحقّ ، و یشترک مع الوجه

ص:482

الأوّل فی کثیر من مقدّماته ، فالأحری الخوض فی الوجه الثانی .

الوجه الثانی

اشارة

یتضمّن نفس مقدّمات الوجه الأوّل

من أنّ الحقوق الجدیدة بِید العرف و اعتباره ، و الصفة المالیّة من العرف ، و یضاف إلی ذلک : توسعة حجّیة الارتکازات العقلائیّة و اعتباراتهم - التی هی فی الحقیقة تقنیناتهم - لما هو متجدّد منها غیر معاصر للشارع ، و علی ذلک فیکون اعتبار و تقنین الحقوق المستجدّة ممضی من قِبل الشارع .

أمّا بیان تلک التوسعة فهو أنّ التقنین العقلائی غیر مردوع عنه و ممضی ، سواء هو عاصر الشارع أم لا ، إلّا ما ثبت عن الشارع أنّه ردعه ، و ذلک نظیر ما قد قیل فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، فإنّ العقود التی أمضاها الشارع شاملة للسابقة و لما یستجدّ منها ، غایة الأمر أنّ الشارع جعل شروطاً عامّة لصحّتها و موانع عنها ، فبحسب ما ضیّق الشارع من ماهیّة العقود یؤخذ به ، و ما عدا ذلک فیتمسّک بإرسال الطبیعة الشامل لاعتبار العقلاء لماهیّات جدیدة ، و إن کان اعتباراً مستقلّاً مبتدأً منهم بحسب المصالح و الظروف المعاملیّة المتغیّرة لدیهم ، فکما یقرّر ذلک فی اعتبار العقود یقرّر نظیره فی بقیّة الاعتبارات العقلائیّة ، کباب اعتبار الحقوق ؛ و ذلک بتقریب أنّ النواهی العامّة ، سواء الوضعیّة أم التکلیفیّة ، و الشروط العامّة فی باب الأموال و الأعیان المملوکة هی بمثابة حدود عامّة و تضییقات للاعتبار العقلائی و تقنینهم ، فیؤخذ به و یبقی الباقی من اعتباراتهم و لو المستجدّة غیر مردوع عنه ، فالضابطة أن لا یتصادم تقنینهم مع الحدود الشرعیّة من النواهی و الشروط العامّة ، فیکون الاعتبار العقلائی بمثابة العنوان و القالب الممضی بقیود و شروط نظیر ما هو الحال فی (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، و هذا من باب تغطیة الشریعة و إحاطتها بمختلف الأعراف العقلائیّة علی مرّ العصور ممّا یقتضی أبدیّة الشریعة و إبقائها ، و تفصیل هذا البحث موکول إلی بحث الاعتبار فی علم الاُصول .

ص:483

و یترتّب علی ذلک فی المقام أنّه حیث لم یمنع الشارع عن الاعتبار المستجدّ فی الحقوق فیجوز الأخذ به کما هو الحال فی الملکیّة العقلائیّة ، مثلاً : الاحیاء فی المباحات الأوّلیة ، و إن لم تکن أرضاً ، حیث لم یمنع عنه الشارع ، فیستفاد الإمضاء لکونه سبباً للملکیّة .

و کذا الحال فی الاستیلاء و الحیازة فی المباحات الأوّلیّة الذی هو سبب عرفی لم یردع عنه ، و کذلک شمول الإرث للأموال و الحقوق المستجدّة بعموم « کلّ ما کان للمیّت فهو للوارث » .

و یعضد هذا الوجه أنّ أسباب الملکیّة الاُولی غالبها إمضائی لا تأسیسی ، مثل : « من أحیا أرضاً فهی له » و« من سبق إلی ما لم یسبقه إلیه أحد فهو له » ، فالحال فی الحقوق کذلک ، لا سیّما و أنّها أخفّ وطأة من الملکیّة .

تقییم هذا الوجه

و یثار علی هذا الوجه إشکال عویص و هو : أنّ غایة ما قرّب فی هذا الوجه هو عدم نهی الشارع عن هذه المعاملة لا الالزام بها ، و لا یکفی فی ذلک إلزام العرف العقلائی وحده ما لم یعتبر الشارع ما قرّروه وضعاً و تکلیفاً .

و بعبارة اخری : إنّ ما یقال من أنّ الشارع حدّد حدوداً عامّة و الباقی جعلها مرسلة و مباحة وضعاً أو تکلیفاً ، فمن أین للعرف أن یُلزِم ما جعله الشارع مباحاً وضعاً أو تکلیفاً ؟ إذ معنی الحقّ أن یُلزم الشیء لذی الحقّ علی مَن علیه الحقّ و الالتزام لما هو مباح مخالف للشرع .

و بعبارة ثالثة : هذه الکبری فی الاعتبار مشکلة من قصر المخالفة فی ما إذا خالف الاعتبار العقلائی ما قد وضعه الشارع ، أی المخالفة للشرع فی إباحة الالزامیّات الوضعیّة أو التکلیفیّة دون مخالفته فی الإلزام بالمباحات الشرعیّة ، و هذا بحث قد اضطربت فیه کلماتهم عند البحث فی الشرط المخالف للکتاب و السنّة ، لا سیّما فی المقام ، حیث أنّ فی الوجه المزبور یراد تقریر ذلک لا بالشرط و الالتزام ، بل بجعل

ص:484

العقلاء و تقنینهم ، و الشیخ رحمه الله بعد کلام طویل له ثمّة ذهب إلی أنّه موکول إلی نظر الفقیه ، بحسب الموارد . و تحریر هذا البحث إمّا فی الشروط المعاملیّة أو فی مبحث الاعتبار فی الاُصول . فبهذا المقدار الوجه المزبور غیر تامّ ، و لا بدّ من مزید تنقیح فی الموضع المناسب له .

نعم ، هذه الکبری مهمّة جدّاً ، و یستفاد منها فی کثیر من أبواب الفقه ، منها بحث الفقه السیاسی فی باب الجهاد و القضاء و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و غیرها من الأبواب التی تتعلّق بالحکم و سیاسة المجتمع ، حیث قیل بأنّ ما حدّده الشارع من حدود تکلیفیّة أو وضعیّة سیاسیّة یؤخذ بها ، و الباقی یتّبع فیه الاعتبار العقلائی کتطبیق صغروی لتلک الکلّیات الشرعیة ، کصیانة نظام الدولة بشکل الملکیة و الجمهوریّة و المجالس النیابیّة و الأداة القضائیّة و سائر تدبیرات و شئون النظام السیاسی و الاجتماعی ، فکلّ ما کان من تدبیرات المجتمع العقلائیّة ممّا لم ینه عنها الشارع فهی مرسلة عند الشارع تکلیفاً و وضعاً .

و تکون الإلزامیّات التکلیفیّة أو الوضعیّة فی باب الأحکام السیاسیّة و الحکومیّة کضوابط عامّة کبرویّة ، و ما بقی یکون مطلق العنان ، أی فی مقام تطبیق تلک الکبریات ، و قد نسب هذا القول إلی بعض الأعاظم من أساطین الفقه ، فیکون الاعتبار العقلائی نحو تعیین صغروی لکبریات الاعتبار الشرعی ، هذا هو التأمّل الأوّل علی الوجه الثانی .

التأمّل الثانی علی الوجه المزبور

التفرقة بین الاعتبارات العقلائیّة(السیرة العقلائیّة)المعاصرة لعصر النصّ و بین الاعتبارات المستجدّة بأنّ الاُولی یکفی فیها عدم الردع بخلاف الثانیة ، فلا بدّ فیها من الإمضاء الإثباتی ، ففی الاُولی یکفی فیها عدم المخالفة و الثانیة لا بدّ فیها من الموافقة .

و الوجه فی ذلک : إنّ الثانیة و لو کانت عقلائیّة لکن حیث لم یلزم بها الشارع فلا مؤاخذة علی المکلّف فی عدم الالتزام بها ، و عدم الردع لیس بکافٍ فی إحراز

ص:485

اعتبار الشرع للحقّ المستجدّ ، بخلاف ما لو کان الحقّ العقلائی معاصراً لعصر النصّ ، فإنّه یُحرَز بذلک تعاطی الشارع به ، و یکون عدم الردع ثمّة دالاّ علی الإمضاء و إلزام الشرع بما ألزم به العقلاء ، فبعد عهد حضور المعصوم علیه السلام - کما فی زمن الغیبة - لا یحرز إلزام الشرع بالحقوق المستحدثة التی یلزم العقلاء بها ؛ إذ لا یخفی الفرق بین الأحکام العقلیّة المستقلّة و الاعتبارات العقلائیّة ، حیث إنّ الحقوق المستجدّة من قبیل الثانی و الاعتبارات العقلائیّة لا بدّ من إدراجها تحت عموم فوقانی مُلزِم یکون إمضاءً لها ، نظیر (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و« المؤمنون عند شروطهم » ، و غیرهما من العمومات الفوقانیّة التی غیر المقیّدة بمفاد معیّن من الشرط أو العقد .

الوجه الثالث

اشارة

و هو شامل لکلّ العقود و الحقوق المستجدّة إذا توفّرت فیه الشرائط العامّة ،

و ذلک بالتمسّک بعموم « المؤمنون عند شروطهم » ، و یکون مصدراً لتولّد الحقوق العدیدة المستجدّة ، حیث أنّه نُقّح فی بحث الشروط أنّ مؤدّی الشرط لیس تکلیفاً محضاً ، بل هو متضمّن للحقّ الوضعی ، حیث أنّ الشرط إلزام لأحد الطرفین علی الآخر ، و التعبیر ب(اللام)لبیان الاختصاص الحقّی ، و من ثمّ کان للمشروط له أن یُسقط الشرط ، بل یتمّ هذا الوجه ، و لو بنینا علی القول الآخر فی الشرط من أن مؤدّاه حکم تکلیفی محض ؛ إذ یصبح للمشروط له - کما فی مثال المقام و هو المستأجر - بسبب الشرط إمّا حقّاً علی صاحب العین أو وجوباً تکلیفیّاً لنفعه یَسقط بالإسقاط ، و هی خصیصة من خصائص الحقّ ، حیث أنّ غالب الحقوق بلحاظ اختصاص المنافع أو نقلها - کما هو الحال فی السرقفلیّة علی تصویر الماتن رحمه الله - فیشترط المستأجر علی المؤجّر و مالک العین أن یجدّد الایجار(کشرط الفعل)للمستأجر أو لمن یتنازل له المستأجر سنویاً بدون زیادة و نقیصة أو بزیادة تحت ضابطة معیّنة بحیث لا تساوی تلک الزیادة قدر مالیّة منافع الأملاک غیر السرقفلیّة ، فبتوسّط هذا الشرط یمکن للمشروط له إلزام

ص:486

الطرف الآخر بالوفاء ، فیکون الاشتراط موجباً لتولّد الحقّ للمشروط له الوضعی أو التکلیفی القابل للاسقاط ، و أن یبذل بازاء إسقاطه المال .

نعم ، لا بدّ فی المشروط أن لا یکون مخالفاً للشرع بعموم(کلّ شرط جائز إلّا شرط خالف کتاب اللّه و سنّة نبیّه)، و المفروض فی المقام أنّ تجدید الایجار لیس مخالفاً للکتاب و السنّة ؛ لأنّه مندرج تحت سلطنة مالک العین ، فیکون واجداً لقیود الصحّة العامّة فی الشرط و نافذاً ، و بالتالی موجباً لتولّد حقّ للمشروط له .

و نظیر ذلک یقرّر و یقرّب فی حقّ التألیف ، و الغریب أنّ الماتن یصحّح حقّ السرقفلیّة بهذا الوجه و یعدّها من الحقوق المستجدّة التی تصحّح بعموم « المؤمنون عند شروطهم » ، مع أنّ هذا الوجه بنفسه یتأتّی فی حقّ التألیف و حقّ الامتیاز و حقّ الطبع ، إلّا أنّه لم یصحّحها ، و تقریبه فی حقّ الامتیاز و حقّ الطبع أن یشترط البائع علی المشتری أن لا یطبع علی هذه النسخة ؛ إذ الطبع و الاقتباس منها من منافعها ، و یکون هذا الشرط بمنزلة قوله : « بعتک هذه النسخة مسلوبة المنفعة الخاصّة » ، أی استثناء حصّة خاصّة من منافعها ، و لا ریب أنّ الاقتباس و الطباعة علی النسخة من المنافع الهامّة لکلّ نسخة .

فیتأتّی الوجه المزبور فی حقّ التألیف و حقّ الامتیاز و حقّ الطبع بنحو أوضح ؛ لأنّ متعلّق الشرط هو استثناء منفعة و إبقاؤها علی ملک البائع بخلاف السرقفلیّة ، فإنّها نقل سلطنة علی العین و منافعها من مجموع الملکیّة .

و قد یشکل علی جریان الوجه المزبور فی الحقوق المزبورة بأنّ المشتری عند ما یبیع هذه النسخة لشخص آخر لا یشترط علیه ذلک الشرط ، فحینئذٍ یسوغ للمشتری الثانی الاقتباس من هذه النسخة .

و فیه : إنّ المفروض أنّ البائع الأوّل باشتراطه علی المشتری الأوّل استثناء حقّ الاقتباس عن منافع هذه النسخة و إبقائها فی ملکیّته ، فتکون النسخة مسلوبة منفعة الاقتباس منها عند نقلها للمشتری الثانی ، کما فی بیع الدار مسلوبة المنفعة لمدّة

ص:487

أشهر ، و من ثمّ لا یستطیع المشتری الجدید التصرّف فی الدار المبیعة فی الأشهر الاُولی ؛ لأنّ المنفعة باقیة علی ملک مالک الدار السابق ، و کذلک الحال عند ما یتصدّی المشتری الأوّل لبیع هذه الدار لثانٍ ، فإنّه ینقلها إلیه مسلوبة المنفعة أیضاً ؛ لأنّ الأوّل لم یملکها فلم ینقلها إلی الثانی .

و الحال فی الکتاب و حقّ الامتیاز أیضاً کذلک ، فإنّ الأوّل لا یملک منفعة الاقتباس من هذا الکتاب ، و کذلک من یتعاقب من المشترین علی ملکیّة الکتاب ؛ إذ هم یبیعون إلی الطبقة اللاحقة الکتاب مسلوبة منفعته الخاصّة ، فحقّ الامتیاز و الطبع و التألیف هو استثناء المنفعة المزبورة و اشتراط إبقائها خاصّة - من عین الکتاب و منافعه أو من عینٍ مصنّعة معیّنة - علی ملک المالک الأوّل ، و علی ذلک فالحقّ یتولّد من عموم « المؤمنون عند شروطهم » و مالیّة هذا الحقّ فی کثیر من الأوقات أعلی من قیمة نفس نسخة الکتاب ، و لا مجال للإشکال بأنّ حقّ الاقتباس منفعة اعتباریّة وهمیّة لا مالیّة لها ، و أنّه لا بدّ من تعلّق جعل الشارع لها ؛ و ذلک لأنّ هذه المنافع تکوینیّة و لیست جعلیّة اعتباریّة من الشارع کی تتوقّف علی جعل الشارع أو معاصرتها له ، کما لا غرابة فی تفوّق مالیّة المنفعة التکوینیّة للعین علی مالیّة نفس العین مسلوبة المنفعة ، و إلّا فمالیّة المنفعة جزء و شعبة من مالیّة العین بلحاظ مجموع منافعها ، و بهذا الوجه ینفتح الباب لشرعیّة سائر أنواع الحقوق المستجدّة .

و یبقی الکلام فی أنّ نمط هذا الحقّ هو مقتضی شرط الفعل أو أنّه مقتضی شرط النتیجة ؟ و علی کلا التقدیرین فللمشروط له أن یُجبر المشروط علیه بالشرط ، لا سیّما علی القول بثبوت الحقّ علی الأوّل أیضاً .

فتلخّص أنّ فی إجراء قاعدة « المؤمنون عند شروطهم » لا بدّ من ملاحظة أمرین :

الأوّل : أن یکون ذات الشرط لقیود الصحّة العامّة .

الثانی : تعیین مفاد الشرط المزبور أنّه بنحو شرط النتیجة أو شرط الفعل ؟

و هنا نضیف نکتة ثالثة و هی : أنّ صیاغة هذا الحقّ المستجدّ یمکن تصویرها بعدّة

ص:488

تصویرات ، فیجب التفطّن إلی الصیاغة الأنسب کی یکون واجداً لامتیازات ذلک الحقّ بتمامه الجاری عند العرف .

فی المنهاج ذکر أنّ حقّ الخلو هو حقُّ شرط أن یجدّد مالک العین للمستأجر الأوّل أو لمن یتنازل له کعنوان کلّی شامل للمصادیق المتعاقبة من المستأجرین ، و علی ذلک فهو من شرط الفعل ، بینما ذهب جماعة من الأعلام منهم الشیخ الحلّی إلی تصویر حقّ الخلو بنحو شرط النتیجة بأن یشترط المستأجر علی مالک العین أن یکون وکیلاً عنه فی عقد الإجارة لنفسه أو لمن یتنازل له ، أی یکون وکیلاً فی تجدید الإیجار أو وکیلاً فی توکیل من یتنازل له لیوقع الإجارة لنفسه . فمن یتنازل له یکون وکیلاً فی عقد الإیجار ، و تکون الوکالة الاُولی لازمة ، و بالتالی لا یمکن فسخ الوکالات المترامیة ؛ لأنّ الوکالة الاُولی من قبیل شرط النتیجة ، أی اشتراط أن یکون وکیلاً لا أن یوکّله .

فالشرط هو المعنی المسبّب الوضعی ، و هو الوکالة فی إیقاع عقد الإجارة ، فیفترق عن تصویر الماتن بکونه شرط نتیجة یترتّب علیه الأثر الوضعی بمجرّد العقد بخلاف تصویر شرط الفعل ، فإنّه لا بدّ من الإلزام بإیقاع الایجار ، و إذا لم یفِ المشروط علیه بذلک فغایة الأمر یکون عاصیاً تکلیفاً لا غاصباً لملک الغیر ، بخلافه علی تصویر شرط النتیجة ، فإنّ منفعة العین لا تکون باقیة لمالک العین بعد إیقاع عقد الإجارة من الوکیل ، فلو وضع مالک العین یده علیها یکون ضامناً لمنافعها للمستأجر أو لمن یتنازل له .

نعم ، بناءً علی الصحیح فی شرط الفعل من تقرّر نحو حقّ فیه یکون لشرط الفعل مالیّة یضمنها المشروط له للمشروط علیه لو فوّت الشرط . و لا یخفی أنّ بعد تقرّر حقّ الخلو فاتّصافه بالمالیّة هو بجعل من العرف لا من الشارع ، لا سیّما و أنّ مقتضی هذا الشرط هو جواز نقل المستأجر حقّه إلی مستأجر آخر ، فیصحّ التعاوض علیه بالمال .

فرع : لو تبدّل مالک العین بنقلها إلی مالکٍ ثانٍ فهل یبقی الشرط و یبقی حقّ الخلو للمستأجر أو لا ؟

ص:489

قد یشکل البقاء علی تصویره بشرط الفعل ؛ لأنّ شرط أن یجدّد الإیجار للمستأجر الأوّل أو لمن یتنازل له کان علی عهدة مالک الأوّل للعین لا علی رقبة العین کی یبقی علی عهدة المالک الجدید لها ، و المفروض أنّ المالک الجدید لم یشترط علی نفسه الشرط المزبور ، فیستلزم ذلک زوال حقّ الخلو ، و الحال أنّ حقّ الخلو الجاری کما هو متّسع بلحاظ المستأجرین ترامیاً ، فهو متّسع دائرةً بلحاظ الملّاک أیضاً .

نعم ، یتمّ فی تصویر الماتن رحمه الله الجهتان السابقتان ، و هی المالیّة و التعاوض علی الشرط ؛ لأنّ للشرط مالیّة ، و یمکن نقله لآخر ثمّ إنّه لا بدّ من الإلفات إلی أنّ ورثة المستأجر یمکن شمول الشرط لهم بجعل العنوان « من یخلف عنه » .

و أمّا علی تصویره بالوکالة بنحو شرط النتیجة ، فیرد الإشکال من زوایا متعدّدة ، فإنّ الحقوق الجدیدة المرتبطة بالمنافع کحقّ الطبع قابلة بسهولة لتصویر الصغری فیها بعموم « المؤمنون عند شروطهم » ، کما مرّ ، و إنّما الکلام فی الحقوق الجدیدة التی لا ترجع إلی تملّک المنافع ، هل یشملها عموم « المؤمنون عند شروطهم » ؟ إذ هی شعب الولایة علی العین و السلطنة علیها ، مثل حقّ الخلو ، فهو نوع من الولایة علی تجدید الایجار و صالح للنقل إلی آخر بنحو الترامی ، حیث أنّ فی ذلک التصویر المستأجر یشترط علی مالک العین أن یکون وکیلاً فی تجدید الایجار و من یخلفه ، سواء بسبب قهری کالوارث للمستأجر أو بسبب اختیاری کالمستأجر الثانی ، و یدّعی فی هذه الوکالة أنّها لازمة بعروض عنوان ثانوی علیها ، و هو « المؤمنون عند شروطهم » ، فلا یستطیع مالک العین أن یعزل المستأجر الأوّل الوکیل ، و لا من یترامی فی الوکالة ، و تلک الإشکالات هی :

الأوّل : إنّ لزوم الوکالة بالشرط محلّ کلام بینهم ، بدعوی کون شرط النتیجة فی الوکالة خلاف الکتاب و السنّة ، بحیث لا یستطیع الموکّل فسخ الوکالة ؛ لأنّ الوکالة عقد جائز .

و هذا الإشکال مبنائی ، و قد أجاب عنه المحقّق الهمدانی رحمه الله فی کتاب الرهن فی

ص:490

مسألة(أنّ المرتهن لو شرط لنفسه الوکالة عن الراهن مالک العین فی بیع العین المرهونة عند حلول الأجل)، و کذا قبله صاحب الجواهر ، و بعده الشیخ الحلّی .

الثانی : بطلان الوکالة بموت الموکّل مالک العین و انتقالها إلی ورثته ، و کذا بموت الوکیل ؛ لأنّ الوکالة نیابة أو إذن ، و یتقوّم بشخص الآذن المنوب عنه و المأذون النائب ، فمع انعدام أحدهما تبطل النیابة و ینعدم الإذن ، فلا یبقی بتبدّل أحد الطرفین ، و بالتالی سیبطل حقّ الخلو . و نظیر هذا الإشکال مرّ علی تصویر شرط الفعل ، و کذا الحال لو انتقلت العین إلی مالک جدید بنقل اختیاری ، فإنّ المستأجر لم یتوکّل عن المالک الجدید .

الثالث : عدم انتقال الوکالة إلی ورثة المستأجر و لا إلی المستأجر الجدید ، لا بالسبب القهری و لا بالسبب الاختیاری ، و نظیر هذا الإشکال یرد علی التصویر السابق - و هو شرط الفعل - و دعوی أنّ الشرط وکالة المستأجر و من یتنازل له غیر دافعة للإشکال ، فإنّ الوکالة تعلیقیّة ، و هذا الإشکال موجود بعینه فی وکالة المرتهن بیع العین ، فإنّه إذا مات الراهن و انتقلت العین إلی ورثته فیستشکل فی بقاء ذلک الحقّ للمرتهن ، و کذلک فی بقائه لو مات المرتهن أیضاً .

الجواب عن الإشکالات
أمّا الإشکال الأوّل

فقد تقدّم أنّه مبنائی ، و قد أجابوا عن عدم منافاة لزوم الشرط لجواز الوکالة الذاتی بأنّ دلیل الجواز فی الوکالة ناظر للوکالة بما هی ، فحکمها الأوّلی الجواز ، أمّا لزومها الآتی من « المؤمنون عند شروطهم » هو لزوم الوکالة لا بما هی ، بل بعنوان أنّها شرط من الشروط ، فلا تنافی بین الحُکمین ؛ إذ قد یکون الشیء بلحاظ العنوان الأوّلی (کصلاة اللیل)نافلة ، و لکن بطروّ النذر یکون واجباً بالعنوان الثانوی ، و لا یخالف الحکم الثانوی الحکم الأوّلی کی یکون الاشتراط و النذر خلاف الکتاب و السنّة

ص:491

و العناوین الثانویّة(کالشرط و النذر و الصلح و طاعة الوالدین)، و إن کانت مقیّدة بأن لا تکون خلاف الکتاب و السنّة ، إلّا أنّ اللزوم الآتی من طروّها لا یخالف الطبیعة الأوّلیّة للأشیاء .

و اجیب عنه ثانیاً : بأنّه لو سلّمت المعارضة بین عموم ما دلّ علی الجواز فی الوکالة ، و عموم ما دلّ علی اللزوم فی « المؤمنون عند شروطهم » فیقدّم « المؤمنون » ؛ لأنّه دلیل حاکم .

و ثالثاً : بأنّ اللزوم فی الوکالة بالشرط لیس بمعنی کون الوکالة لازمة کی یکون منافیاً لجوازها ، بل اللزوم بمعنی الثبات و الاستمرار وصف للاشتراط لا لذات المشروط ، و مؤدّاه أنّه قد اشترط علی المشروط علیه أن یوجد الوکالة بنحو مستمرّ ، أی الایجاد لها مستمرّاً ، فلو رجع و عزل الوکیل یُجبَر علی الاستمرار فی التوکیل ، فالاشتراط المزبور إیجاد للوکالة فی القطعات الزمانیّة الاُولی و الثانیة و اللاحقة ففی قطعات الزمان اشترطت إیجاد الوکالة ، إمّا بنحو شرط النتیجة أو بشرط الفعل فاللزوم و الثبات و الاستمرار هو فی الاشتراط لا فی ذات المشروط ، فلا یکون الشرط مخالفاً للکتاب و السنّة . و هذا جواب أدقّ ممّا تقدّم کما لا یخفی .

و قد اثیر نظیر هذا الإشکال فی توکیل الزوجة فی الطلاق بکونه مخالفاً لعموم :

« الطلاق بید من أخذ بالساق » . هذا و قد یصاغ الإشکال المزبور بنحو آخر ، و هو أنّ لزوم الوکالة مبدّل لماهیّة الوکالة الإذنیّة إلی ماهیّة ولایة للوکیل فی مورد الوکالة ، و بالتالی فیکون اشتراط الوکالة بنحو شرط النتیجة نقل ولایة من الموکّل إلی الوکیل ، فتسمیته بالوکالة مسامحة ؛ إذ الوکالة حقیقتها بالإذن ، و الإذن قوامه ولایة الآذن دون المأذون ، فإن دلّ الدلیل علی جواز نقل تلک الولایة و السلطنة علی التصرّف فی السلطنة فهو ، و إلّا فلا یکفی فی الصحّة عموم أدلّة الوکالة .

و أمّا الإشکال الثانی و الثالث :

فقد أجابوا عنهما فی بحث الرهن ، و أفاد صاحب الجواهر : أنّه بالنسبة إلی ورثة

ص:492

الموکّل فیشترط الموکّل علی نفسه التوکیل للمستأجر فی الایجار ، و أنّ هذه الوکالة باقیة بعد موته . غایة الأمر هذا القید - و هو بعد موته - یکون وصیّة ، أی من الوصیّة العهدیّة علی الوارث أن یوکّلوا الوکیلَ السابق له فی أن یؤجّر لنفسه فی العین و هی نافذة .

و یرد علی جوابه رحمه الله :

أوّلاً : إنّ فی نفوذ الوصیّة العهدیّة خارج الثلث فی ما کانت العین أکثر من الثلث وجهان .

ثانیاً : إنّ الجواب المزبور مختصّ بتبدّل مالک العین لو کان وارثاً ، أمّا لو کان مالکاً بالشراء و المعاوضة فلا یعمّه الجواب المزبور ، إلّا أن یتمّم بصیاغة الشرط بالنحو التالی ، بأن یشترط علی المالک الأوّل أن یوکّل و أن یشترط علی المالک الجدید فیما إذا نقلها أن یوکّل المستأجر .

لکن هذا من باب شرط الفعل ، فلو خالف المالک السابق و لم یشترط علی الجدید فلا یُلزم المالک الجدید بالشرط و لا بحقّ الخلوّ . بینما حقّ الخلوّ الدارج حالیاً لا یتخلّف وضعاً فی مثل ذلک ، فهذا التصویر لا یتمّ مع تبدّل مالک العین الموکّل ، فهو تصویر لحقّ الخلوّ ما دام الموکّل و الوکیل باقیین .

فملخّص الإشکال عدم تطابق هذا التصویر مع حقّ الخلوّ بالدقّة ، و کذا الحال فی الوصیّة العهدیّة فإنّها تکلیفیّة قد لا یلتزم بها الورثة ، و لو لم نَقُل بکونها محدودة فی الثلث .

هذا کلّه من ناحیة تبدّل الموکّل ، أمّا من ناحیة الوکیل فانتقال الوکالة لمن یتنازل له إمّا بنحو التعلیق أو بنحو انطباق طبیعی عنوان « من یتنازل له » علی المصادیق المتعاقبة أو طبیعی عنوان « الوارث » ، و علی کلّ تقدیر ، فلا یندفع الإشکال من هذه الناحیة ، أمّا الأوّل فظاهر ، و أمّا الثانی فلأنّ فی باب الوکالة لا بدّ من تشخیص الوکیل - إذا بنی علی أنّها عقد لا إذن محض - و أمّا الثالث ، فمضافاً إلی ما تقدّم فی الثانی ، فالوارث

ص:493

غیر معیّن أیضاً ؛ إذ قد یکون من الطبقة الاُولی أو الثانیة أو غیرهما .

و قد أجاب الشیخ الحلّی عن الإشکال الثالث فی ناحیة الوکیل بأنّ الوکالة صارت لازمة بسبب الشرط ، و هذا الحقّ قابل للانتقال إلی الوارث أو إلی المشتری أو إلی المستأجر الجدید ، و یشمله عموم « کلّ ما ترک المورِّث من مال أو حقّ فهو لوارثه » ، فمقتضی القاعدة فی باب الإرث جواز انتقاله إلی الوارث ، أمّا بالنسبة إلی المستأجرین الآخرین فحیث أنّه قابل للانتقال فیصحّ نقله إلیهم ، و هذا الجواب محلّ تأمّل .

أوّلاً : لعدم التسالم علی کون القاعدة الأوّلیة فی الحقوق قابلیّتها للانتقال ، فهناک من یری أنّ الأصل عدم الانتقال و آخر فصّل بین الناقل القهری کالإرث فینتقل لعموم دلیله و بین الناقل الاختیاری ، و ثالث ذهب إلی أنّ طبیعة الحقّ کونه قابل الانتقال ، فما ذکره من الجواب مبنائی .

و ثانیاً : لو سلّم أنّ الأصل فی الحقوق هو الانتقال ، إلّا أنّ ما نحن فیه هو من الموارد التی تستثنی من هذا الأصل ؛ و ذلک لأنّ بعض الحقوق بلحاظ متعلّقها غیر قابلة للنقل و الانتقال ، بل البعض منها غیر قابل للإسقاط أیضاً ، نظیر حقّ المضاجعة مع الزوجة ، فإنّ متعلّق الحقّ فعل خاصّ بالزوج ، و سبب ذلک الحقّ خاصّ أیضاً ، و هو الزوجیّة ، فلا یکون سببه هو السبب الناقل ، و کذلک الحال فی ما نحن فیه ، فإنّ الوکالة معنی متقوّم بالوکیل و الموکّل ، و لا یسری إلی غیرهما إلّا بإنشاء وکالة جدیدة لا بانتقال تلک الإضافة الخاصّة إلی ثالث و رابع .

ثمّ إنّه رحمه الله قد اعتمد علی هذه الإجابة فی دفع الإشکال الثانی أیضاً ، أی فی ما إذا مات الموکّل أو انتقلت العین إلی آخر بتقریب أنّ العین علی کلا التقدیرین تنتقل محفوفة ، أی مرتهنة بحقّ المستأجر أن یکون وکیلاً فی تجدید الایجار کما هو الحال فی العین المتعلّقة لحقّ الخمس أو الزکاة ، فلا تکون رقبة العین و لا ملکیّتها طلقة .

و قد ظهر ممّا تقدّم التأمّل فیه ؛ و ذلک لأنّ هذا الحقّ متقوّم بطرفین شخصیّین ، کما قد عرفت ، فمع تبدّل أحد الطرفین لا یبقی ذلک المعنی و الإضافة بینهما . فتبیّن أنّ

ص:494

الوجه الثالث فی مشروعیّة حقّ الخلوّ تامّ کبرویّاً لعموم « المؤمنون عند شروطهم » إلّا أنّه محلّ تأمّل صغرویّاً ، أی بلحاظ تصویر صغری الشرط .

و ربّما یرمّم بأنّ المستأجر وکیل فی عقد الإیجار و وکیل فی أن یوکّل ، فله وکالة مطلقة فینحلّ شطر من الإشکال من ناحیة الوکیل باعتبار أنّ المستأجر له أن یوکّل ورثته أو یوکّل من یجدّد لهم الإیجار بوکالة مطلقة ، و یعبّر عن هذه الوکالة المطلقة بالتفویض . و هذا الترمیم مع اقتصاره علی حلّ الإشکال من ناحیة الوکیل لا الموکّل ، لا یخلو عن تأمّل أیضاً ؛ لأنّ هذا التفویض المطلق هو نوع من التولیة لا الوکالة المصطلحة ، فلا تشملها أدلّة الوکالة .

هذا ، و للمحقّق الهمدانی تقریب آخر لدفع الإشکال عن هذا الوجه بأن : یشترط تولیة المالک للمستأجر و حقّ السرقفلیّة فی الواقع عبارة عن اشتراط تولیة المالکِ المستأجرَ ، أی جعل الولایة له .

الوجه الرابع ملازمة التجدید فی الحقوق للتجدید فی ماهیّة المعاملات

اشارة

الوجه الرابع :

تخریج هذه الحقوق الجدیدة بنقل مالک العین بعض ملکیّة و شعبة من سلطنته المطلقة لآخر ،فیکون للآخر حقّ فی العین ، حیث أنّ للمالک سلطنة علی العین ، فینقل شعبة من شعب سلطنة العین إلی المستأجر ؛ إذ کما یمکن نقل الملکیّة برمّتها کما فی البیع أو فی الهدیة ، فله أن ینقل شعبة من شعب السلطنة علی رقبة العین إلی المستأجر ، فیجعل ولایة تأجیر العین للمستأجر الذی یأخذ حقّ السرقفلیّة ، فهو یؤجّر إمّا لنفسه أو لغیره ، و هذه الولایة هی الاُخری قابلة للانتقال .

و توضیح ذلک کالتالی : أنّ أحد الأقوال فی باب الإجارة ، و هو الذی اختاره الآخوند : أنّ الإجارة نقل العین ، لکن علی وجه خاصّ « تملیک العین علی وجه خاصّ » فلیس مؤدّی الإجارة السلطنة التامّة علی العین ، بل سلطنة ناقصة علی العین

ص:495

لأجل الانتفاع ، ففی الواقع السلطنة علی المنافع سلطنة علی العین لأجل المنافع ، فکما فی الإجارة تنقل شعبة من شعب السلطنة - کما هو الصحیح ثمّة - فکذلک الحال هاهنا ، و نظیر ذلک أیضاً حبس المنفعة فی السکنی و الرقبی و العمری(ثلاث أقسام وقف المنفعة)هی فی الواقع نقل و إعطاء شعبة من شعب السلطنة علی العین إلی طرف آخر ، و فیما نحن فیه أیضاً لا نقل ملکیّة العین برمّتها ، و إنّما ینقل شعبة من شعبها ، و هناک أنحاء عدیدة لنقل السلطنة و شعبها ، و حیث تکون السلطنة قابلة للنقل برمّتها أو لشعبة خاصّة من شعبها ، کنقل السلطنة علی العین لأجل منافعها فی الإجارة ، فلا المانع من القول بتقرّر سلطنة جدیدة بلحاظ منافع مستجدّة ، و تکون تلک السلطنة قابلة للنقل ، و هذا النقل الجدید ماهیةً - بتبع تجدّد السلطة بسبب تجدّد المنفعة - و إن لم تصدق علیه الإجارة و لا سائر الماهیّات المعاملیّة المعهودة ، یصحّ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و بعموم المعاوضات ، ک (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (1).

و هذا التقریب یفتح باباً واسعاً فی أنحاء نقل السلطنة علی العین ، و لا یرد علیه الإشکالات المتقدّمة و لا المتوهّمة الاُخری ، نظیر ما یقال : من أنّ أدلّة الشروط لیست أدلّة دالّة علی جعل النتیجة ، فلا یقتضی الشرط النتیجة ، و هذا الإشکال إمّا بلحاظ کلّی شرط النتیجة ، فالکلام فیه مبنائی ، أو فی خصوص هذه النتیجة لمنع صلاحیّة المالک لجعل السلطنة المستجدّة لنفسه ؛ إذ جعل السلطنة من صلاحیة المعتبر و الشارع لا المالک . نعم ، له نقل السلطنة لا جعلها .

و هو مندفع أیضاً ؛ لأنّ المالک لا یجعل الملکیّة لنفسه و لا لحدود سعتها ، بل هو ینقل شعبة منها من دون أن یکون جاعلاً لها ابتداءً ، بل انوجادها هو بتبع تجدّد المنافع الخاصّة بحسب الأزمان و الظروف المختلفة ، نظیر تجدّد نماءات العین ، فإنّه بسبب تجدّد وجودها تتجدّد أنحاء من السلطنة ، و بالتالی تتّسع دائرة

ص:496


1- 1) سورة النساء 4 : 29 .

الملکیّة باتّساع المملوک .

و بعبارة اخری : کما فی الإجارة « له أن یؤجّر » بلحاظ السلطنة الموجودة المتقرّرة هو ناقل لها لا جاعل ، فکذلک فی المقام و التعبیر ب « جعل الولایة » فی کلام المحقّق الهمدانی رحمه الله مسامحة ، و الصحیح التعبیر ب « اشتراط نقل الولایة » .

کما لا یرد علی التقریب المزبور ما یقال من أنّ شرط النتیجة له أسباب خاصّة لیس النقل فی المقام منها ؛ و ذلک لأنّ نقل الملکیّة و شعبها لا یقتصر فیه علی أسباب خاصّة ، بل یمکن بنفس الاشتراط بعد ما عرفت من صحّة الماهیّات الجدیدة فی نقل المستجد من شعب السلطنة .

کما لا یرد الإشکال بأنّ المعهود هو نقل السلطنة برمّتها أو نقل المنافع لا نقل السلطنة المستجدّة لعدم تقریرها من قِبل الشارع و لا دلیل علی إمضائها .

و بعبارة اخری : النقل نحو جعل للولایة ، و غایة الأمر ثبت جعل الولایة من المالک لآخر إذا کانت مطلقة أو لخصوص ملکیّة المنافع ، و أمّا جعل شعبة جدیدة من السلطنة فلا دلیل علیه ، فالنقل بإنشاء الملکیّة للغیر لا یثبت إلّا فی الموارد المعهودة من قِبل الشارع .

و هذا الإشکال مندفع أیضاً ؛ لأنّ مجموع السلطنة قابلة للنقل ، و کذا أیّ شعبة منها نظیر المنافع المختلفة ، لا سیّما و أنّ المنافع فی الإجارات مختلفة جدّاً ، فتارة المنفعة هی السکونة ، و اخری کونها تحت یده ، کما فی إجارة الذهب و الفضّة لا للاستعمال و الزینة ، بل لأن تکون عنده لازدیاد الاعتبار المالی ، فالنقل فی المقام یمکن رجوعه إلی نوع إجارة لیست لها مدّة محدودة ، و إن کان الصحیح عدم رجوعها إلی الإجارة لتقوّمها بالمدّة ، و لکنّها نظیر الإجارة من جهة أنّ النقل فیها لشعبة من السلطنة التامّة علی منفعة خاصّة ، و المنافع بحسب الأغراض و الحاجات مختلفة تتجدّد و تتعدّد بحسب تطوّر المعیشة البشریّة ، فتعدّ السلطنة علی المنفعة الجدیدة سلطنة جدیدة ، و فی الحقیقة التجدّد هو للمنفعة لا للسلطنة ، و غایة الأمر حینئذٍ أنّ هذه المنفعة إن

ص:497

نقلت إلی مدّة معلومة فیکون إجارة ، و إن لم تلحظ فیه المدّة المعلومة فلیس بإجارة ، بل یکون نظیر الرقبی أو البیع لحصّة مشاعة فی العین ، و الإشاعة لیست فی الأجزاء بما هی هی ، بل بلحاظ المنافع المعیّنة ، فالإشکال بکون النقل ماهیّة جدیدة غیر وارد لکونه نقلاً للسلطنة علی المنافع المتجدّدة ، و لا فرق بین المنافع فی نقل السلطنة علیها ، فمتعلّق السلطنة جدید لا نفس السلطنة .

و نقل شعبة من شعب السلطنة و إن لم یکن شرکة فی أصل رقبة العین بحیث یکونا شریکین علی استواء فی کلّ المنافع ، لکنّها شرکة بینهما فی المنافع فی الجملة ، فالأوّل یختصّ ببعض المنافع و الآخر بمنافع اخری .

و إذا أمعنا النظر و التحلیل فی الحقوق الجدیدة ، فإنّ جلّها - إن لم تکن کلّها - متولّدة من الملکیّة بلحاظ أطوار المنافع المتجدّدة ، و الملکیة هی جامعة لحُزم سلطنات عدیدة علی العین ، فهی مجموعة شعب السلطنة علی العین تجمعها رباط الملکیّة ، لا سیّما علی تعریف السیّد الیزدی رحمه الله فی الحقّ من أنّه ملکیّة ضعیفة ، و هو أمتن التعاریف .

و هذا الوجه أسدّ من تصویر المحقّق الهمدانی رحمه الله فلا حاجة إلی التشبّث بذل کبری « المؤمنون عند شروطهم » و هذا الوجه الرابع لیس تصویراً صغرویاً للکبری المزبورة ، بل هو فی نفسه کبری مستقلّة ، و هی أنّ الحقوق کلّها فی الواقع عبارة عن نقل سلطنة من سلطنات العین ، فکلّ ما لم یرد نهی عام عن نقل مثل ذلک الحقّ کردع من الشارع یکون نقل ذلک الحقّ المستجدّ بمقتضی القاعدة - بعد کون نقل الملکیّة برمّتها هو الأصل فی باب الأملاک - فضلاً عن تقریر أصل ذلک الحقّ ، فإنّه یتمّ بتقریر أصل الملکیّة علی العین بلحاظ منافعها المختلفة .

مثلاً : الأجیر یوجر نفسه لأنّه متسلّط علی منافع نفسه ، فینقل السلطنة الاعتباریّة مع وجود السلطنة التکوینیّة . نعم ، الأجیر الحرّ لا یستطیع أن یُرِقّ نفسه لکن یمکنه نقل بعض حقوقه مثل منافعه ، و علی ذلک لو اتّسع حقّ السرقفلیّة إلی حقّ سرقفلیّة

ص:498

الأشخاص فلا مانع منه ، و الظاهر وجوده فی الأعراف و الاُمم حالیاً ، و القوانین الوضعیّة کما فی النوابغ ذوی التخصّص فی العلوم ، و کما فی بعض مهرة المِهَن الفنیّة کشراء امتیاز اللاعب الریاضی المعیّن ، کما هو الحال فی مِنَح التعلیم ، حیث تشترط الدول علی رعایاها من طلبة العلوم الجامعیّة الخدمة فی مجال معیّن لمدّة معیّنة بعد فراغ الطالب الجامعی من تخصّصه ، و إلّا فعلیه شراء حقّ سرقفلیّته ، و إن کان یطلق علیه تسمیة اخری ، ففی الحقیقة نقل الحقوق تفکیک لحزمة سلطنة الملکیّة .

بقی إشکال علی الوجه الرابع ، بناءً علی أنّ السلطنة علی العین یقتطع منها بعض الأبعاض فینقله إلی الآخر ، و مجموع السلطنة أو الملکیّة التی لدی الشخص علی العین هی التی تقتطع منها الحقوق شیئاً فشیئاً ، فینقله إلی الآخرین و یکون الحقّ المتولّد للآخر منقول من مالک العین ، و هذا موجب ظهور الحقوق الجدیدة ، إلّا أنّ لازم هذا التصویر هو سلطنة النّاس علی أحکام أموالهم ، أی علی أحکام تصرّفاتهم فی أموالهم ، و لا تقتصر سلطنتهم علی الأموال ، أی علی التصرّف فی الأموال ، و هذه التوسعة فی السلطنة لا دلیل علیها ، و هذا هو الذی ذکره الأعلام فی بحث « النّاس مسلّطون علی أموالهم » کالسیّد الیزدی و المحقّق الاصفهانی و الآخوند رحمهم الله عند التعرّض إلی عموم « النّاس مسلّطون علی أموالهم » و سائر المحقّقین من المحشّین علی مکاسب الشیخ الأنصاری رحمه الله .

و لبیان الإشکال ذکروا مقدّمة و هی أنّ فی الأعیان المملوکة عدّة جهات منها العین المملوکة ، و منها المنفعة المملوکة ، و منها الملکیة ، و منها السلطنة علی الملکیة ، فمثلاً : ما فی الروایة النبویّة : « النّاس مسلّطون » هو اعتبار للسلطنة « علی أموالهم » لا علی مطلق الأموال ، أی الأموال المضافة إلیهم ، و هذه الإضافة إضافة الملکیّة أو الحقّیة .

فالنّاس لهم اعتبار السلطنة علی أموالهم أی علی ملکیّتهم ، و من ثمّ فتکون السلطنة أمراً وراء الملکیّة ، فلربّما تکون الملکیّة موجودة و السلطنة معدومة ، کالمحجور

ص:499

لسفه أو فلس ؛ لأنّه لا یستطیع التصرّف فی أمواله ، فتکون السلطنة هی ولایة التصرّف نظیر ما بین الأب و المولّی علیه الصغیر ، فالأب له سلطنة التصرّف فی ملکیّة الصبی ، فولایة التصرّف هی السلطنة و الحجر یقابل ولایة التصرّف من دون منافاة مع الملکیّة ، و من ثمّ اشترطوا فی صحّة المعاملات کالبیع و غیره أن لا یکون المتعاقد محجوراً علیه ، أی له ولایة التصرّف ، فهی معنی وضعی وراء الملکیّة و فوقها بمعنی أنّ الملکیّة متعلّقة للسلطنة ، و هذا هو الذی ذهب إلیه المشهور و أعلام المحشّین علی المکاسب ، إلّا أنّ المحقّق الاصفهانی خالف فی ذلک و منع عن وجود مثل هذا الاعتبار و الحکم الوضعی ، و ذهب إلی أنّه منتزع من الجواز التکلیفی للتصرّفات ، و من نفوذ تلک التصرّفات أو عدمه ، فینتزع من نفوذ التصرّفات الولایة و ینتزع من عدمه الحجر ، فلا یکون الحجر و الولایة أمراً سابقاً علی التصرّفات و نفوذها .

و استدلّ علی ذلک بأنّ اعتبار السلطنة و الولایة مع اعتبار النفوذ ، و کذا اعتبار الحجر السابق علی التصرّفات مع عدم نفوذها لغو .

فمحصّل ما ذهب إلیه أنّ السلطنة علی الأموال لیست بمعنی الملکیّة ، بل بمعنی نفوذ التصرّفات ، و مفاد الحدیث : « النّاس مسلّطون » ، أی الناس نافذة تصرّفاتهم الاعتباریّة علی أموالهم أو جائزة تکلیفاً .

فتحصّل ممّا ذکروا أنّ الملکیّة هی التسلّط علی العین ، أمّا القدرة علی هذه السلطنة بأن ینقلها أو یبقیها فسلطنة علی السلطنة ، کما تقرّر ذلک فی کلماتهم ، فالسلطة علی العین سلطنة متعلّقة مباشرة بالعین ، فیستطیع أن ینتفع منها ، و یقلّبها تقلّبات تکوینیّة ، و أمّا القدرة علی نقل هذه القدرة و السلطنة إلی الغیر فهی سلطنة وراء السلطنة التی علی العین . و لا ریب أنّ التصرّف فی الملکیّة تصرّف فی العین ، إلّا أنّه لیس تصرّفاً مجرّداً فی العین مباشرة .

و یتلخّص فی مفاد الحدیث و قاعدة « النّاس مسلّطون » أنّهم متمکّنون من کلّ من التقلّبات التکوینیّة و التصرّفات الاعتباریّة فی ملکیّتهم من البیع و الشراء و الهبة و غیر

ص:500

ذلک ، و السلطة علی الملکیّة تغایر السلطة علی العین فی الفعل الذی هو متعلّق لهما ، فالفعل فی الاُولی کالتملیک فعل متعلّق بالملکیّة ، و نقل العین لیس نقلاً خارجیاً لها ، بل لملکیّتها و تعریف البیع ب « تبدیل عین بمال » هو فی دقیق النظر لیس تبدیل عین بل تبدیل إضافة العین أوّلاً ، و بالذات و بالتبع تبدیل للعین ، و کالحجر فإنّه لیس منعاً عن کلّ التقلّبات حتّی الخارجیّة لافتراض ملکیّة المحجور ، بل عن خصوص التصرّفات فی الملکیّة ، و هذا شاهد لکون الحجر أمراً وراء الملکیّة و لتغایر متعلّقهما .

و لا یتوهّم انعدام الثمرة لهذه الملکیّة التی قد منع الشارع عن التصرّفات فی متعلّقها و هی العین ، للاکتفاء فی تصویر الثمرة بدخول مالیة العین و نماءاتها فی حوزة المحجور دون غیره ، و نلاحظ هذه التفرقة بین السلطنتین فی القوانین الوضعیّة المتداولة أیضاً .

و علی کلّ تقدیر ، فهناک قولان فی السلطنة علی الملکیّة :

الأوّل - و هو مذهب المشهور - اعتبار هذه السلطنة ، و الآخر - و هو قول المحقّق الاصفهانی رحمه الله - أنّه اعتبار غیر أصیل منتزع من اعتبار آخر ، و هو صحّة التصرّفات الاعتباریّة و نفوذها ، فبتبع التصرّف فی العین بنقلها اعتباراً تنعدم الملکیّة و بإبقائها تبقی الملکیّة .

و هذا کلّه مقدّمة لصیاغة الإشکال علی الوجه الرابع فی تخریج حقّ السرقفلیّة و نحوه من الحقوق .

أمّا بیان الإشکال علی کلا القولین السابقین أنّه إن کان الحقّ الجدید المتولّد من منفعة جدیدة عبارة عن نقل المنفعة و نقل ملکیّتها فلا بأس فی ذلک ، مثل حقّ الامتیاز و الطبع .

و أمّا إذا کان الحقّ الجدید لیس عبارة عن الملکیّة و السلطنة علی المنفعة الجدیدة فی العین ، بل هو عبارة عن شعب السلطنة علی الملکیّة فی العین ، مثل أن یشترط المستأجر علی الموجر أن یؤجّر العین ، أی القدرة علی الإیجار أو عدمه ، فالمشروط

ص:501

لیس منفعة جدیدة ، بل سلطة علی التصرّفات الاعتباریّة فی العین ، أی سلطة علی ملکیّة المنافع ، فعلی القول الأوّل یکون هذا الاشتراط سلطنة للغیر علی ملکیّة المالک للمنافع ، فیکون مخالفاً لعموم « النّاس مسلّطون علی أموالهم » ؛ إذ السلطنة علی ملکه قد جعلها الشارع له و لم یجعل له إیجاد السلطنة للغیر علی ملکه . هذا إذا قلنا بأنّ السلطنة فی طول الملکیّة و هو القول الأوّل ، و أمّا إذا قلنا بالثانی الذی ذهب إلیه المحقّق الاصفهانی رحمه الله فالإشکال أوضح ؛ لأنّ إنفاذ التصرّفات و عدمه بید الشارع لا بید المالک ، فلیس له أن یجعل نفوذ التصرّفات للغیر .

و علی ذلک فلا بدّ من القول بالتفصیل بین الحقوق المتعلّقة بالمنافع ، أی ملکیّة المنفعة - و هذا هو القسم الأوّل من الحقوق - و بین الحقوق التی هی من السلطنة علی التصرّف فی ملکیّة العین و ملکیّة المنافع - و هو القسم الثانی من الحقوق - فالقسم الأوّل من نمط الملکیّة المتعلّقة بالعین أو المنافع ، و القسم الثانی من قبیل السلطنة الطولیّة المتعلّقة بالعین ، أو المنافع ، و القسم الثانی من قبیل السلطنة الطولیّة المتعلّقة بالعین ، أی التصرّف فی الملکیّة بالنقل و الإعدام .

فعلی کلا القولین المتقدّمین فی قاعدة « النّاس مسلّطون علی أموالهم » لا محیص من هذا التفصیل ؛ و ذلک لأنّ للمالک حقّ التصرّف فی الملکیّة و فی العین بنقلها و نحوه ، و لیس له مع إبقاء العین و ملکیّته لها أن یوجد سلطنة اخری للغیر فی عرض سلطنته علی الملکیّة ، بل ذلک بید الشارع و المعتبر و المقنّن ، و لأجل ذلک فلیس لأحد أن یجعل الغیر ولیّاً علی نفسه ؛ لأنّ ذلک تشریع ثابت للشارع ، فالسلطنة علی ولایة نفسه لیست بیده ، بل بید الشارع ، فهو الذی یجعل الولیّ علی الصبی - مثلاً - کما أنّ الشارع ألغی ولایة الصبی علی ملکه نظیر المحجور ، فما تقدّم من المحقّق الهمدانی رحمه الله - تبعاً لصاحب الجواهر رحمه الله فی بحث التوکیل فی بیع العین المرهونة - هو من جعل الولایة للمرتهن فی بیع العین ، أی الولایة فی ملکیّة العین ، و الجعل المزبور من مالک العین الراهن عبارة عن السلطنة علی السلطنة علی ملکیّة العین ، و تلک

ص:502

السلطنة فی الرتبة الثالثة مختصّة بالشارع و المقنّن .

فالنّاس مسلّطون علی أموالهم یتناول السلطة علی العین و السلطة علی ملکیّة العین ، و لیس مفاده علی السلطة علی الملکیّة ، و هو ما یعبّر عنه فی الکلمات بأنّ النّاس مسلّطون علی أموالهم لا علی أحکام التصرّفات فی أموالهم ، فلا بدّ من التمییز بین النمطین من الحقوق ، أی التمییز بین النمطین من التصرّفات .

و یتّضح ذلک بأمثلة النمط الأوّل ، مثل أن یوجر المالک العین المملوکة ، فإنّ ذلک سلطنة علی ملکیّة المنفعة بنقلها إلی الغیر ، و یسمّی تملیک المنفعة - سواء بنینا علی أنّه تصرّف فی العین أو المنفعة ابتداءً ، و بتبعه یکون تصرّفاً فی ملکیّة العین و ملکیّة المنفعة أم بنینا علی العکس من أنّه تصرّف فی ملکیّة العین و المنفعة ، و بتبعه التصرّف فی ذات المنفعة - .

و مثل أن یعیر المالک الغیر ، فإنّ العاریة تسلیط علی المنافع لا علی ملکیّة العین و المنافع ، و نظیر الهدیة فإنّها تسلیط علی ملکیّة العین بنقلها إلی الطرف الآخر فیتصرّف فی الملکیّة بنقلها و إعدامها .

و الحقوق المستجدّة المتولّدة من هذا النمط من التصرّفات لا غبار علی صحّتها و تقریرها .

أمّا النمط الثانی من التصرّفات فهو نظیر أن یجعل للغیر السلطنة و الولایة علی ملکیّة المنفعة أو العین بأن للغیر أن یوجرها أو یبیعها ، فهذا الجعل عبارة عن نقل سلطنته علی الملکیّة إلی الغیر مع بقاء ملکیّة مالک العین ، و هو ما یعبّر عنه بتسلّط الغیر علی الاستیجار ، فهذا الجعل من السلطنة علی السلطنة علی الملک و حقّ السرقفلیّة و نحوه من بعض الحقوق المستجدّة من هذا القبیل لا من القبیل السابق .

و نظیر ذلک أیضاً اشتراط وکالة الزوجة فی الطلاق ، بل اشتراط مطلق الوکالة - سواء بنحو شرط النتیجة أم بنحو شرط الفعل - بحیث لا یستطیع الموکّل أن یرجع فی الوکالة ، فاستشکل فیها لا من حیث أنّ طبع الوکالة جواز الرجوع بعد کون اللزوم آتٍ

ص:503

من الشرط ، بل من جهة أنّ اللزوم مقتضاه جعل الولایة لاستلزامه جواز تصرّف الوکیل من دون إرادة الموکّل .

و هذا بخلاف حقیقة الوکالة ، فإنّها استنابة فی التصرّف ، فالغرض المتوخّی من اشتراط الوکالة هو إنفاذ تصرّفات الوکیل و لو لم یُرِدْها الموکّل ، و هی من خواصّ الولایة دون الوکالة ، فضلاً عن الخاصیّة السابقة ، و هی جواز رجوع الموکّل عن وکالته ، و لا یخفی التغایر بین الخاصیّتین ؛ إذ خاصیّة تحکّم الموکّل فی تصرّفات الوکیل لا یستلزم إبطال الوکالة ، و إنّما تحدید موردها ، فشرط الوکالة فی کثیر من الأبواب المعاملیّة مثل وکالة المرتهن فی بیع العین المرهونة عن الراهن ، و وکالة الزوجة فی الطلاق ، الغرض منه هو إنفاذ تصرّفات الوکیل رغماً علی کراهة الموکّل ، و هو من لوازم الولایة دون الوکالة ، و من ثمّ استشکل فی شرط الوکالة فی الموردین السابقین ؛ لأنّ الوکیل فعله منزّل منزلة فعل الموکّل ، و الاستنابة هی تطابق إرادتهما ، و لم یتعرّض المحقّق الهمدانی رحمه الله فی تصویره شرط الوکالة فی المثال الثانی إلی هذا الإشکال ، و هو أشکل من الاعتراض بتبدّل الوکالة الجائزة إلی اللازمة بالشرط ، فجعل الوکالة للوکیل بنحوٍ یتصرّف دون إرادة الموکّل هو فی الحقیقة جعل ولایة .

و قد صرّح البعض بمثل هذا الإشکال فی اشتراط وکالة الزوجة عن الزوج فی الطلاق ، و هو سیّال فی سائر الأبواب ، فیقرّب حینئذٍ الإشکال الأصلی الذی تقدّم فی مفاد « النّاس مسلّطون علی أموالهم » من أنّ الزوج له ولایة فی الطلاق و لیس له السلطنة علی ولایة الطلاق کی یُنقِل شعبةً منها للزوجة ، أی أنّ له ولایة الطلاق لا الولایة فی جعل ولایة الطلاق . و کذا فی مثال الرهن ، فإنّ مالک العین - و هو الراهن - له سلطنة علی ملکیّة العین و لیس له سلطنة علی السلطنة المزبورة ؛ لأنّ النّاس مسلّطون علی أموالهم لا علی سلطانهم علی أموالهم ، فلا یستطیع جعل الولایة لغیره .

فملخّص هذا البحث : هو أنّ الحقوق المستحدثة علی قسمین ، فإن کانت مرتبطة بمنافع العین فلا بأس بها ؛ لأنّ مرجع هذه الحقوق إلی الملکیّة و شعب من نفس الملکیة

ص:504

للمنافع ، و النّاس مسلّطون علی ملکیّتهم فی العین ، فیستطیع المالک أن یشرّح الملکیّة ، مثلاً : حقّ الطبع أو الامتیاز فی الواقع منفعة علی هذا الکتاب ، و مالک المنفعة یستطیع أن ینقلها إلی غیره من دون مانع ، فالحقوق إن کانت متعلّقة بمنافع العین المملوکة للمالک فهو مسلّط علی ملکیّتها ، و یستطیع أن یقسّمها أو ینقلها .

و أمّا القسم الآخر من الحقوق التی ترجع فی الواقع إلی تجزئة سلطنته علی ملکیّة العین فهذه لا دلیل علی أنّ المالک مسلّط علی ذلک . نعم ، هو مسلّط علی ملکیّة عینه لا علی سلطان ملکیّته للعین ، و کذا حقّ أن یوجر العین ، فإنّ الایجار یعنی فصل و تجزئة ملکیّته علی المنافع و سلطانه علی تجزئة ملکیّته للمنافع هو أن یملّک منفعة العین ، و لکن هذا السلطان لیس له سلطان علی کی ینقله إلی غیره ، و الذی هو مفاد و حقیقة حقّ السرقفلیّة . فحقّ الخلوّ لیس متعلّقاً بالعین مباشرة ، بل سلطان علی ملکیّة المنافع ، لکنّ هذه التجزئة لا دلیل علیها ، و مفاد « النّاس مسلّطون علی أموالهم » أنّهم مسلّطون علی ملکیّة أموالهم لا علی سلطان ملکیّتهم علی أموالهم .

و هذا الإشکال لا یندفع بما ذکرناه سابقاً فی تصویر مشروعیّة الحقوق المستجدة المنبثق من ملکیّة المالک للعین بأنّ له أن یجزّئ ملکیّة عینه و ینقلها إلی غیره ، فیکون للغیر حقّ فی تلک العین بنحو من الأنحاء ؛ لأنّ مؤدّی الحقوق من النمط الثانی - کما عرفت - هو تجزئة فی السلطنة علی ملکیّة العین .

و للجواب عن الإشکال المزبور نبدأ بذکر بعض الأمثلة المسلّمة الصحیحة التی ثبوتها لا غبار علیه ، مع أنّ ظاهرها تجزئة للسلطنة علی الملکیّة لا التجزئة فی ملکیّة العین .

المثال الأوّل : نفس إنشاء الرهن ، فإنّ معنی الرهن هو أنّ المالک للعین لا یستطیع أن یبیع العین عند ما یرهن عینه لدی الدائن و المرتهن فمعناه حجر تصرّفاته ، مع أنّ ملکیّة العین لا زالت باقیة من دون أن ینتقل شیئاً و شعبة من ملکیّة العین إلی المرتهن ، فملکیّة العین بتمامها علی ملکیّة الراهن ، إلّا أنّه بإنشاء الرهن یضیق سلطانه علی

ص:505

ملکیّته علی العین .

ففی الإجارة نقل ملکیّة المنفعة و عدم بقائها ، و فی الرهن الملکیّة باقیة ، و من ثمّ فالإجارة تجزئة فی ملکیّة العین لا فی السلطنة علی ملکیّة العین أوّلاً ، و بالذات ، بل بالتبع ؛ إذ المستأجر الذی ملک شیئاً من المنافع بالتالی یملک سلطانه ، و إذا انتقلت ملکیّة المنفعة لشخص آخر فالسلطنة علی ملکیّة تلک الحصّة من المنفعة لم تبق للمالک .

لکن فی الرهن و العین المرهونة لا ینقل شیء من ملکیّة العین أو منافعها ، لکن یجزّئ سلطان المالک ، و یجعل رهن إشارة المرتهن ، فهذا نوع من إعطاء السلطنة للمرتهن .

المثال الثانی : حقّ الزکاة و الخمس ، فإنّ جماعة کثیرة ذهبوا إلی أنّ کیفیّة تعلّق الزکاة و الخمس بالأموال لیست بنحو الملک ، بل بنمط الحقّ فی مالیّة العین ، فأصحاب الزکاة و الخمس لیسوا شرکاء فی الملک ، بل یستحقّون حقّاً فی مالیّة تلک العین التی هی متعلّقة للزکاة أو الخمس ، فعلی هذا القول - علی اختلافٍ فی تصویر الحقّ - ملکیّة العین و المنافع باقیة علی ملک المالک ، إلّا أنّ سلطانه ضُیّق ، فلا یستطیع أن یبیع مقدار الخمس من العین ، و لا یستطیع أن یتصرّف فی کلّ المال مع بقاء العین علی ملکیّته ، فهاهنا لم یُنقل من ملکیّة المالک أی شعبة منها ، و لم تقع تجزئة فی ملکیّة العین ، بل التجزئة فی سلطان و سلطنة المالک ، فهذا مثال للتجزئة فی السلطان علی الملک لا فی نفس الملک العین . و هو تضییق اعتبره الشارع خارجاً عن ذات الملکیّة لنفع الغیر و إن لم یکن من قبیل الولایة .

المثال الثالث : ما یظهر منهم من التسالم علی صحّة شرط الوکالة اللازمة ، و قد عرفت أنّه یرجع إلی جعل الولایة ، لا سیّما فی الوکالة المطلقة المفوّضة التی هی نوع من التولیة . فالملکیّة باقیة لکن هناک تجزئة فی السلطنة علی الملک و لیست تجزئة فی نفس الملک .

ص:506

المثال الرابع : الوقف ، کحبس السکنی و الرقبی و العمری ، فإنّ ملکیّة العین باقیة علی المالک ، و کذلک ملکیّة المنافع ، غایة الأمر أنّ المنافع المملوکة یتصدّق بها المالک بنحو التدریج علی الموقوف علیه بحسب تجدّد وجود المنافع ، و من ثمّ سمّیت صدقة جاریة ، أی تتابعٌ و جریانٌ فی حدوث الصدقة بالمنافع ، و لذا قیل فی تعریف الوقف أنّه حبس العین و تسبیل المنفعة ، فهو نوع من تحجیر سلطنة المالک علی ملکیّته .

و قبل الخوض فی تحلیل هذه الأمثلة و نحوها و استخراج الجواب منها ینبغی الالتفات مرّة اخری إلی الفرق بین التجزئة فی السلطنة تبعاً للتجزئة فی الملک - کما فی الإجارة ، حیث أنّ المالک یجزّئ ملکیّته علی المنافع و ینقل شعبة منها إلی المستأجر ، فهذه الشعبة من ملکیّة المنافع المنقولة للمستأجر ، سلطانها له بتبع التجزئة للملکیّة و لیس هذا محلّ الکلام - و بین التجزئة التی تکون فی السلطنة مع بقاء الملکیّة علی حالها ؛ إذ یمکن التجزئة فی السلطنة علی الملک بتبع التجزئة فی الملک هی مفاد « النّاس مسلّطون علی أموالهم » ؛ لأنّ موضوعه هو الملک ، فإذا انوجد للغیر بعض منه فینوجد له بعض السلطان بمقتضی ذلک العموم ؛ لأنّ المنفعة مال من أمواله ، و ملکیّتها من أملاکه ، فله سلطان علی ملکیّته فهو من باب إعدام الموضوع و إیجاده لشخص آخر ، فینوجد المحمول ، و هو السلطنة فی القضیّة الشرعیّة التی موضوعها الملک .

أمّا فی مثل حقّ السرقفلیّة ، فالمالک للدکان لا یُعدم ملکیّته لمنافع العین ، و هی باقیة فی حوزته و ملکیّته ، لکنّ السلطنة علی الملکیّة یعطیها للغیر الذی یشتری حقّ السرقفلیّة ، فیجزّئ السلطان من دون تجزئة الملک ، و یجعل ولایة للغیر علی ملک نفسه ، و هذا هو الإشکال الذی عبّروا عنه برجوعه إلی التشریع ؛ لأنّ الوارد من الشارع هو أنّ النّاس لهم السلطنة علی ملکیّتهم لا علی أن یجعل للآخرین سلطنة علی ملکیّتهم من دون إیجاد موضوع السلطنة ، فیکون تشریعاً للمحمول بدون موضوعه ، و هذا هو القسم الثانی من الحقوق المستجدّة التی تخلق سلطنة للغیر مع بقاء الملک .

ص:507

و تحلیل تلک الأمثلة کالتالی : حیث أنّ تلک الأمثلة منبّهة لخلق سلطنة للغیر علی الملک مع بقائه للمالک فلیس الغرض من ذکرها النقض بها بقدر ما هو تحلیلها و الاستفادة منها لموارد اخری .

أمّا مثال الرهن :

فَیُنشأ فیه سلطان الغیر علی ماله ، و هو نحو تجزئة فی السلطان ، و هل الذی یُنشأ أوّلاً و بالذات هو تجزئة السلطنة کما قاله البعض فی تعریف الرهن ، نحو من تحجیر المالک علی نفسه و إعطاء السلطنة للغیر .

أو أنّ الرهن إنشاء وثیقة علی الدین ، و بتبع ذلک تحدث تجزئة السلطنة علی الملک - کما ذهب إلیه المشهور - و هو الأصحّ ، لا أنّه بالذات یُنشئ تجزئة السلطنة علی الملک ، بل الوثیقة علی الدین ، و مقتضاه جعل تلک العین سداداً للدین فی صورة امتناع المالک عن التسدید ، فمقتضاه إبقاء العین بنحو لا یتصرّف فیها المالک و لا ینقلها إلی أن تحصل نهایة مدّة الدین ، فإن لم یسدّد فیتمّ التسدید بتلک العین . فهو لیس بتجزئة فی السلطان بالذات ، بل اشتراط عدم تصرّف المالک بأن لا یبیعها و لا ینقلها ، و الإذن فی ما إذا حلّ أجل الدین بأن تباع فی تسدیده فیتمّ بذلک نحو استیثاق للدین و العقد و إن کان مشارطة من الطرفین متقابلة ، إلّا أنّه لا مانع من کون مؤدّاه مثل هذا المفاد فی ماهیّة الرهن .

و کذلک الحال فی الحبس المقابل للوقف ، کحبس السکنی أو الرقبی أو العمری ، فإنّه نحو من التحجیر من المالک(کما قیل فیه : حبس العین و تسبیل المنفعة و إن کان ذلک تعریفاً لکلّ موارد الوقف)، فحبس العین هو أنّ العین تقف و تسکن فی ملک المالک لا تنتقل و لا تُنقل ، لکنّ المنافع المتجدّدة ، کالماء المتجدّد من العین الجاریة و مورد الوقف یجعل کسبیل و مجری لها ، فهو نحو من تحجیر سلطنة المالک علی الملک ، و من ثمّ کانت القاعدة الأوّلیّة فی الوقف هو بقاء العین علی ملک الواقف ، فهو تحبیس العین بلحاظ المنفعة .

لکن یمکن أن یقال : إنّ مؤدّی الوقف أوّلاً و بالذات تملیک منافع العین لا فی وقت

ص:508

محدود ، بل منافع العین ما دام عمر العین ، و بتبع ذلک تجزئة السلطنة و التحجیر علیها ، فالعین التی تملک منافعها إلی الأبد تسبل ، و لا یتوهّم لغویّة بقاء اعتبار ملکیّة العین للمالک إذا ملّکت منافع العین إلی الأبد أو سبّلت بدعوی أنّ مالکیّة العین بلحاظ منافعها ، فلا تبقی الملکیّة للواقف ؛ و ذلک لأنّ ثمرتها هو جری الثواب للواقف بکون التصدّق بنحو الصدقة الجاریة لکون منافع العین متولّدة بنحو التدریج من العین ، و من ثمّ تکون العین بمثابة عین جاریة ینبع منها ماء المنافع ، فکلّما تتولّد المنافع من العین یحصل التصدّق الجاری و المستمرّ من مالک العین علی الموقوف علیهم .

فالوقف أوّلاً و بالذات صدقة جاریة و بتبعه حبس للعین ، و هذا هو مؤدّی الوقف فی سائر موارده ، فلیس حبس العین أوّلاً و بالذات و إن کان یوهمه تعریف المشهور ، بل هو تملیک المنافع بنحو الدوام و بتبعه تکون سلطنة المالک علی العین محدودة ؛ لأنّ المالک الذی یملک مجرّد ذات العین دون أی شیء من منافعها هو بمنزلة ما نحن فیه من حقّ الخلو ، فإنّ مالک المنفعة أکثر سلطاناً من مالک العین .

فهناک نحو تشابه بین الوقف و حقّ الخلوّ ، ففی الوقف تملیک بنحو الاستمرار و فی حقّ الخلوّ تجدید التملیک مقرّر أیضاً .

أمّا مثال الزکاة و الخمس

ففی کیفیّة تعلّق الزکاة و الخمس بالعین بحث عریض فی کلمات الأصحاب ، و کذا فی کیفیّة تصرّف المالک فی العین . و السبب فی ذلک أنّ بعض الأحکام و الآثار المترتّبة لأصحاب الزکاة و الخمس تتوافق مع المُلّاک و کونهم شرکاء ، فمن ثمّ ذهب البعض إلی أنّ الزکاة نوع من الشرکة بإجبار من الشارع ، و کذلک الخمس ، و لا سیّما و أنّ الزکاة صدقة ، فهی نوع من التملیک القهری علی المالک ، فأصحاب الزکاة و الخمس مُلّاک شرکاء مع المالک ، و من ثمّ لا یجوز للمالک أن یتصرّف فی مقدار الخمس أو الزکاة ، و لو باعه فبیعه فضولی ، و هذا ممّا یترتّب علی الشرکة المزبورة .

ص:509

و جماعة منعوا کون أصحاب الزکاة و الخمس مُلاکاً شرکاء ؛ و ذلک لأنّ أصحابهما لا یفرزون سهمهم باختیارهم ، بل باختیار مالک العین ، فَهُم من قبیل أصحاب حقّ ، و الحقّ سلطنته أدون و أدنی من الملک ، إلّا أنّ القائلین بکونهما حقّاً اختلفوا فی تعیین ماهیّته .

و قد أجاب البعض مثل صاحب العروة عن ذلک بأنّ تلک الأحکام یمکن التوفیق بینها و بین الملک ؛ لأنّ الملک علی أقسام ، فمنه ملک بنحو الکلّی الإشاعی و أنّ الشریک یملک کلّ جزء جزء من العین المشترکة مع شریکه ، و منه ملک بنحو الکلّی فی المعیّن ، بأن لا یملک مع الآخر من کلّ جزء جزء ، بل یملک علی نحو التعیین أو علی البدل قدراً من العین ، فللمالک أن یتصرّف فی کلّ الصبرة ما عدا صاع منها ، و تعیین الصاع لیس بید المشتری بل هو بید البائع ؛ لأنّ البائع لم یملکه بنحو الإشاعة لیکون شریکاً له فی کلّ جزء جزء ، بل بنحو الکلّی فی المعیّن ، فلا ینازع المشتری سلطان البائع .

و ذهب بعض إلی أنّهما ملک لا بنحو الشرکة و لا الکلّی فی المعیّن ، کما أنّه لیس بحقّ ، غایة الأمر هذا الملک لیس علی النحو المتعارف کالکلّی فی الذمّة ، و الشخص الخارجی و الکلّی فی المعیّن ، و الکلّی الإشاعی ؛ لأنّ الملکیّة لا تنحصر فی تلک الأقسام .

و نَقَضَ علی السیّد الیزدی فی قوله بالکلّی المعیّن بأنّ مقتضاه وجوب دفع الصاع من نفس الصبرة ، بینما فی الخمس و الزکاة یجوز لمالک العین أن یستبدل الدفع منها بما یعادل القیمة من النقد ، و ظاهر ذلک الجواز أنّه أداء لنفس الخمس و الزکاة ، فتعلّقهما هو بنحو الملک لا کالملک المتعارف ، بل ملک آخر جدید بلحاظ النسبة المالیّة .

و بهذا المقدار من بسط کلمات الأعلام فی بابی الزکاة و الخمس یتبیّن أنّ حقّ الزکاة و الخمس هو ملک بلحاظ النسبة المالیّة ، أی أنّ خمس مالیّة هذه العین مملوکة

ص:510

لأصحاب الخمس أو عشرها مملوکة لأصحاب الزکاة . و التعبیر بأنّ أصحاب الخمس و الزکاة یشارکون المالک فی مالیّته - نظیر تعبیر الماتن بأنّه حقّ فی مالیّة العین ، فهو حقّ مالی - لیس المراد منه تملّک المالیّة بملکیّة مغایرة لملکیّة العین ؛ لأنّ المالیّة صفة تابعة للعین ، و مَن یملک العین بتبعه یملک المالیّة ، بل بأن تکون المالیّة محفوفة ؛ لأنّ الحقّ هو نوع من الملکیّة یتعلّق بالمالیّة لا بمعنی أن تربط مالیّة العین بالآخر من دون ربط العین ؛ لأنّ المالیّة صفة تابعة للعین ، فلا تجزّأ ملکیّة العین عن ملکیّة المالیّة و إن کانت المالیّة صفة کلّیة لا شخصیّة ، کما تقول : « هذا الکتاب قیمته مأتا تومان » لیس المائتان الشخصیّة ، بل کلّی المائتین تُقابل مالیّة هذه العین کصفة کلّیة .

فلیس الحقّ یرتبط بالمالیّة من دون تعلّقه بالعین لتکون العین مخلّاة السرب دون المالیّة ، بل المراد من الحقّ المالی الذی هو نوع من الملک - بعد عدم افتراق ملکیّة العین عن ملکیّة المالیّة - هو الافتراق فی المنافع ، فإنّ ملکیّتها ولیدة و تابعة لملکیّة العین بنحو المقتضی لا بنحو العلیّة التامّة ، فمن یملک العین یملک المنافع بالتبع بنحو المقتضی ، و یمکن إیجاد المانع بالنقل و الإیجار و نحوهما ، و أمّا الملکیّة فی مالیّة العین فهو نحو ملکیّة فی العین ، لکن لا بنحو الإشاعة و لا الکلّی فی المعیّن ، و لا الکلّی فی الذمّة و لا الشخصی ، بل ملک یُستعلم و یُشخّص بنسبة و قدر من مالیّة العین .

و هذا النحو من الملک واقع بعد تعبّد الشارع به ، و هو أضعف من الملک الإشاعی ، کما أنّ الملک بنحو الکلّی فی المعیّن أضعف من الإشاعی ؛ إذ فی الإشاعی کلّ من الطرفین لا یجوز له التصرّف فی المال المشارع إلّا بإذن صاحبه ، و فی المعیّن یجوز لأحدهما دون الآخر ، بل الکلّی فی الذمّة أضعف من الکلّی الإشاعی بدرجات ، و الکلّی فی المعیّن أقوی من الکلّی فی الذمّة ، و الکلّی بنسبة فی المالیّة (حقّ الزکاة و الخمس)أقوی من الکلّی فی الذمّة ، و لکن أدون من الکلّی فی المعیّن ؛ لأنّ فی المعیّن لا بدّ من الإعطاء من نفس الصبرة ، بخلافه فلیس یجب أن یؤدّیه

ص:511

من نفس العین ، فیجوز له أن یعطیه بما هو مصداق آخر لصفة مالیّة العین الکلّیة . نعم ، لا یستطیع أن یتصرّف فی العین من دون إعطاء ما یقابل الحقّ من المالیّة ، فمن ثمّ کان أقوی من الکلّی فی الذمّة لعدم ارتباطه بالعین .

فتحصّل أنّ هذه التصویرات المختلفة للحقّ فی العین هو درجات و أقسام من الملکیّة فی العین ، کحقّ الرهانة و حقّ القصاص و الضمان فی العبد إذا جنی ، فالمجنی علیه یکون له الحقّ فی العبد و إن کان العبد مملوکاً لشخص آخر ، و حقّ الحبلی فی العتق و غیرها من الحقوق التی استعرضوها فی باب الزکاة و الخمس ، فإنّها یمکن أن ترجع إلی درجات و أقسام الملک فی العین بعد کون الحقّ ملکاً ، غایة الأمر هذا الملک فی تلک الحقوق لیس علی نسق الملک الإشاعی و لا الکلّی فی المعیّن ، و لا الکلّی فی الذمّة ، و لا الملک الشخصی ، بل هو ملک بصیغ مختلفة تسمّی بالحقوق فی العین ، فالحقّ نوع من الملکیّة الضعیفة فی العین ، و المتعلّق هو العین ، و هذه الملکیّة فی الحقّ هی نحو آخر لا کسائر الملکیّات المعهودة ، نظیر تعلّق الکلّی فی الذمّة بالعین ، کما إذا أصبح المالک المدیون محجوراً أو مفلّساً یُحجر علی عینه فیؤدّی الکلّی فی الذمّة منه ، ممّا یشهد بأنّ للکلّی فی المعیّن نحو تعلّق ضعیف بالأعیان و الحقوق المشار إلیها ، کحقّ الرهن و غیره ، هی درجة برزخیّة بین الکلّی فی الذمّة و بین بقیّة أقسام الکلّی ، متوسّطة بین أصناف الملک التی ترتبط بالعین ، فهی ملکیّة فی الأعیان برزخ بین الکلّی فی المعیّن ، و الکلّی فی الذمّة ، فنکتة تسمیة الملک الضعیفة حقّاً فی تلک الموارد هو کونه أضعف من الملک الکلّی فی المعیّن .

و أقوی أنواع الملک هو الملک الشخصی التامّ ، ثمّ تلیه الملکیّة فی الکلّی الإشاعی ، ثمّ یلیه الملک بنحو الکلّی فی المعیّن ، ثمّ تأتی رتبة الملکیّة الموجودة فی الحقوق ، و التی هی علی درجات کثیرة جدّاً .

و من ثمّ ذهب البعض إلی أنّ الملکیّة فی الکلّی فی الذمّة لیس هو ملکیّة الکلّی الذهنی الفرضی بما هو هو ، بل هو حقّ للدائن أن یدفع له المدین هذا القدر من المال

ص:512

بأن یملّکه مالاً جزئیّاً ، فهو حقّ ؛ لأنّه ملک ضعیف لا یرتبط بعین معیّنة ، بل مجرّد حقّ أن یملّکه مالاً شخصیّاً جزئیّاً ، فهو أضعف عن الحقوق التی ترتبط بالعین ، و سبب تسمیة هذه الملکیّات بالحقّ هو تنزّل و نحو ضعف فی درجة و لون الملکیّة ، فلون الملکیّة القوی فی الملکیّة الشخصیّة یتنزّل و یضعف شیئاً فشیئاً حتّی تصبح کالحقّ مع کون کلّ تلک الدرجات ملکیّة فی العین .

فحقیقة تلک الأمثلة کحقّ الرهانة و الثلاثة الاُخری هو نوع من التملیک للعین ، لکنّه تملیک ضعیف و تعلیقی تقدیری . و کذلک الحال فی الوقف ، فإنّ سلطان الموقوف علیه أقوی من سلطان الواقف مع أنّه مَلک المنافع دون العین ، لکن التأبید فی المنافع المتعلّقة بملکه صیّر سلطانه أقوی من سلطان الواقف ، فهو نوع من المشارکة فی الملک فی المنافع الأبدیّة لا المنافع المؤقّتة کالمستأجر ، بل الحال فی المستأجر من فترة تملّکه للمنافع کذلک ، فإنّ سلطانه أقوی من سلطان المالک ، و من ثمّ عرّفت الإجارة بأنّها تملیک العین فی جهة خاصّة ، أی لینتفع بها ، فالملکیّة فی الإجارة نوع من المشارکة فی السلطنة علی العین بتبع المشارکة فی الملک .

فتحصّل أنّ مثال الرهن و الوقف و الزکاة و الخمس أمثلة منبّهة علی أنّ تحدید السلطنة علی الملک و تجزئتها - بالنظر البدوی - لیس فی واقعه تحدید للسلطنة مجرّدة عن الملک لما تقدّم من أنّ الرهن هو : وثیقة علی الدین و یتبع ذلک تحجیر سلطنة المالک و حقّ الزکاة ، إمّا هو ملک اصطلاحی إشاعی لترتّب آثار الملک علیه ، أو أنّه حقّ لانتفاء بقیّة آثار الملک ، أو هو کلّی فی المعیّن أو غیرها من أنماط الملک المتدرّجة فی الضعف إلی أن تنتهی إلی الکلّی فی الذمّة الذی هو أضعف أنواع الملک و أضعف أنواع الحقّ ارتباطاً بالعین .

کما تبیّن أنّ ماهیّة الإجارة مثال خامس لتحدید السلطنة علی الملک تبعاً بحدوث نمط من الملک الضعیف فی العین و یجدر فی المقام توضیحه .

فإنّ الأقوال فی الإجارة متعدّدة :

ص:513

أحدها : إنّها تملیک منفعة بعوض ، و الآخر أنّها تملیک عین علی وجه خاصّ ، و لا یخفی أنّ فی الإجارة ملکیّة العین تبقی علی ملک مالکها ، فالمراد من تملیک العین فی التعریف الثانی و إن کان یستلزم وجود المالکین علی مملوک واحد إلّا أنّ بینهما فرقاً ، فالأوّل مالک العین فی کلّ وجوهها ، و أمّا المستأجر فهو مالک للعین علی جهة المنفعة فقط ، و یستشهد للقول الثانی بأنّ الإیجاب فی الإجارة لیس بإسناد « آجرت » إلی المنفعة ، بل بإسناد « آجرت » إلی العین أو الدار مثلاً ، فتتعلّق مادّة و ماهیّة الإجارة بنفس العین ، غایة الأمر علی وجه خاصّ .

و علی القول الثانی یتمّ تصویر ملکیّةٍ تتعلّق بالعین لا علی نسق الملکیّة الشخصیّة ، و لا علی نسق الملکیّة الإشاعیّة ، و لا علی نسق الملکیّة بنحو الکلّی فی المعیّن ، و لا علی نسق الکلّی فی الذمّة ؛ إذ أنّ هناک أقساماً اخری فی الملکیّة المتعلّقة بالعین .

و توارد الملکیّات علی مملوک واحد یمکن تصویره علی هذا النحو ، و فی کثیر من روایات الإجارة ورد التعبیر ب « بعت العین إلی مدّة معلومة » ، و هو تعبیر عن الإجارة بالبیع ، لکن بتقیید المدّة المعلومة ، و هو ممّا یدلّ علی نحو تعلّق بالعین لکن إلی أمد معلوم ، و أنّ نحواً من الملکیّة تتعلّق بالعین یغایر الأقسام الأربعة المعروفة ، فهو قسم آخر یتبعه نحو من السلطنة ففی ظرف الإجارة سلطان العین بید المستأجر .

و هذا یفتح الباب أمام تصوّر ملکیّات عدیدة فی العین لا علی الأنحاء المعهودة الأربعة ، کما هو الحال فی حقّ الخمس و الزکاة الذی هو حقّ مالی عند الماتن رحمه الله ، و هو ملکیّة ترتبط بالعین لا أنّ أصحاب الخمس یملکون جزءاً من المالیّة من دون تعلّق بالعین ؛ إذ صفة المالیّة لیست من المنافع لیمکن تجزئتها نظیر باب الإجارة علی القول الأوّل المتقدّم فیها ، فصفة المالیّة تتبع العین ، فالقول بأنّ أصحاب الخمس لهم تعلّق بمالیّة العین لا بنفس العین لبّاً غیر سدید ؛ إذ لا یمکن الارتباط بالمالیّة من دون الارتباط بالعین لکونها صفة تابعة للمتبوع ، و هو العین ، و مع کون العین ملکاً خالصاً لِمَن علیه الزکاة أو الخمس لا یصحّ تجزئة المالیّة عنها فی الملک و التفکیک غیر

ص:514

منسجم ، فالصحیح أنّ فیه نحو تعلّق بالعین و تشخیص و صیاغة هذه الملکیّة المرتبطة بالعین هو بتوسّط تحدید النسبة المالیّة کما هو الحال فی الإشاعة ، حیث لها أحکام و ضوابط ، و کذا الکلّی فی المعین له ضوابط خاصّة به ، و کذا الکلّی فی الذمّة ، کذلک الحال فی الملکیّة التی هی بدرجة الحقّ ، فترتبط بالعین ، و لها صیاغة خاصّة ، فهی ملکیّة من صنف خاصّ مرتبطة بالعین و تحدّد بالنسبة المالیّة .

و من آثار هذه الملکیّة أنّ صاحب العین لا یستطیع نقل العین تماماً قبل إخراج الخمس مع أنّ صاحب الصبرة فی الکلّی فی المعین یستطیع أن یتصرّف فیما عدا الصاع ، و هو الذی یشخّص ذلک الصاع بخلاف الکلّی الإشاعی . فالاختلاف فی الملکیّة بنحو الحقّ المالی و سائر الملکیّات أمر متصوّر ، و صاحب الملکیّة بنحو الحقّ المالی له حقّ ملکیّة فی العین بنحو یستوفیها من مالیّة العین ، و لیس له أن یضع یده علی العین ، و إنّما هی بإرادة مالک العین ، و مَن علیه الخمس ، نظیر الملکیّة فی الکلّی فی المعیّن ، فإنّ التعیین یتمّ بإرادة من یملک الصبرة و هو البائع ، لا بإرادة المشتری ، و هاهنا أیضاً التشخیص لیس بید أصحاب الخمس و الزکاة ، بل بید من علیه الحقّین .

غایة الأمر فی الکلّی فی المعیّن لا بدّ من تشخیصه فی العین ، و فیهما یمکن تشخیصهما فی العین أو فی البدل النقدی المالی ، و هو یمثّل أیضاً نفس الحقّ الموجود . فهذا یقودنا إلی وجود أقسام من الملکیّة غیر الأقسام الأربعة ، و هذا مطلب کثیر الفائدة نافع جمّ فی الحقوق المستجدّة و فی الماهیّات المعاملیّة المستحدثة ، و کذا فی التعرّف علی حقیقة الحقوق المعهودة السابقة المنتشرة فی أبواب الفقه .

فإذا تبیّن ذلک ظهر أنّ هذه الأمثلة منبّهة إلی الحلّ فی القسم الثانی من الحقوق المستحدثة التی هی تصرّف و تجزئة فی السلطنة علی الملک فی الظاهر ، و هو أنّ واقعها نقل أنحاء حزمة خیوط الملکیّة المتعلّقة بالعین ؛ لأنّ « النّاس مسلّطون علی أموالهم » و الإضافة فی « أموالهم » هی الملکیّة فکما ینقلون الملکیّة برمّتها فی البیع قد ینقلون شعبة منها فی الإجارة و قد ینقلون شعبة منها فی الرهن أو الوقف فالوقف

ص:515

أو الرهن أو غیرهما نُقولات فی الملکیّة أیضاً ، لکن بأقسام جدیدة للملکیّة غیر الأربعة المعروفة ، و هی تسبّب و توجب تحجیر و تقیید سلطنة المالک علی الملک لانعدام خیط من خیوط حُزمة الملکیّة و انتقاله إلی شخص آخر ، فسلطان ذلک الخیط من الملکیّة ینتقل إلی الشخص الآخر أیضاً .

فالملکیّة التی هی حُزم من خیوط السلطنة طریقة التجزئة و النقل فیها یتمّ علی أنحاء ، و بتبع ذلک تنتقل السلطنة ، فلا ینحصر أنحاء نقل الملکیّة و السلطنة فی البیع و الإجارة ، بل هناک أقسام عدیدة من أنحاء نقل خیوط الملکیّة و بتبعها ینتقل السلطان علی الملکیّة إلی شخص آخر .

فإذا تبیّن کلّ ذلک نقول فی المقام فی حقّ السرقفلیّة أنّ مفاده فی الظاهر و إن کان القدرة علی تجدید الإیجار(له أن یؤجر)و هو تجزئة للسلطنة علی الملکیّة ، و لکن حقیقة بیع حقّ الخلوّ یرجع إلی تملیکٍ من مالک العین ، و نقل شعبة من الملکیّة إلی مشتری حقّ الخلوّ فلا ینقل ملکیّة العین برمّتها کما فی البیع ، بل علی وجه خاصّ - نظیر ما ذکره الآخوند فی الإجارة - و لا یصادم ذلک بقاء ملکیّة العین المطلقة لمالکها ، و هذه الشعبة من الملکیّة التی فی حقّ الخلوّ ، و التی هی علی وجه خاصّ هی القدرة علی أن یؤجر . فهذه الملکیّة فی الحقّ المزبور لیست من الأقسام الأربعة المعهودة ؛ إذ هناک أقسام عدیدة التزم بها فی الفقه و وردت بها الروایات ، و هی کثیر من الحقوق التی هی نحو من الملکیّة فی العین و سلطان علی العین علی وجه خاصّ نظیر حقّ العتق لاُمّ الولد الحُبلی ، و حقّ جنایة العبد و غیرهما ، و لا یصحّ المطالبة بترتّب آثار الملکیّة الإشاعیّة أو الملکیّة بنحو الکلّی فی المعیّن علی أنحاء الملکیّة المختلفة فی الحقوق ؛ لأنّ الملکیّة لا تنحصر بهما ، کما عرفت . فالحقوق المزبورة هی توارد الملکیّتین علی مملوک واحد ، لکن کلّ علی وجه غیر الآخر ، و من ثمّ تنتقل السلطنة .

فهذا بیان تمام الکبری فی الوجه الرابع فی الحقوق المستجدة و لا حاجة بنا إلی

ص:516

کبری « المؤمنون عند شروطهم » و إن کان ذلک تخریجاً متیناً فی نفسه - المتقدّم فی الوجه الثالث - و تقرّر أنّ الحقوق المستجدّة کلّها ترجع إلی تجزئة ملکیّة العین - إمّا ملکیّة أنواع المنافع الجدیدة المتولّدة أو ملکیّة غیر المنافع أی شعب ملکیّة العین فی صور جدیدة ، و یتولّد بتبع ذلک سلطنة و ملکیّة للأشخاص بنحو جدید و الحقوق برمّتها إمّا من القسم الأوّل من الحقوق کحقّ الطبع ، أو من القسم الثانی کحقّ الخلوّ ترجع إلی تجزئة الملکیّة علی وجه خاصّة مختلفة .

فتح باب جدید للحیل الربویّة

إشکال : بأنّ لدینا أسباباً معیّنة ، کالبیع و الإجارة و الوقف و غیرها ، کما أنّه لدینا أقسام من الملکیّة عدیدة فی الفقه ، لکن لا دلیل علی وجود أسباب غیر معهودة لنقل و تملیک الأصناف الجدیدة من الملکیّة ، و هی الحقوق الجدیدة التی هی أنحاء جدیدة - حسب الفرض - فی الملکیّة ، فلا دلیل علی اعتبار الشارع لهذه الملکیّات الجدیدة .

دفع : بأنّ عموم « النّاس مسلّطون علی أموالهم » مقتضاه سلطة النّاس علی ملکیّة أموالهم ، فلهم السلطنة فی نحو التصرّف فی ملکیّتهم و إن کان جملة من الأعلام ذهبوا إلی أنّ مفاده تسلّط النّاس علی ملکیّة أموالهم ، لا علی أسباب نقل ملکیّة أموالهم باستحداث أسباب جدیدة ، و لا علی سلطة ملکیّة أموالهم ؛ لأنّ ذلک لا یخدش فی المطلوب ؛ لشمول إطلاق السلطنة علی ملکیّة أموالهم لنقل حصّة منها بعد کون الملکیّة تحت سلطنته ، فالکلام لیس أوّلاً و بالذات فی النقل و أسبابه ، بل هو أوّلاً و بالذات فی نفس المنقول ، و أنّه لیس هو المنقول المعهود فی صیاغاته الأربعة المعروفة ، بل هو نمط جدید ، فکما للشخص أن ینقل الملکیّة بالنحو المعهود فی الأقسام الأربعة ، فله أن ینقل الملکیّة بنحو ملکیّة الزکاة أو الخمس ، فیبیع صاحب الخمس خمسه فی المال أو یبیع غیره بقوله : « أبیعک خمس مالی بنحو حقّ الخمس » ، فلا یستطیع البائع أن یتصرّف فی العین بدون إذن المشتری ؛ إذ للمشتری

ص:517

ملکیّة فی العین بنحو الملکیّة فی المالیّة ، فهو یملک العین بنسبة تقدّر بالمالیّة بنحو یکون أثر هذه الملکیّة أن یبذل البائع مالاً قدر ملکیة المشتری فی العین فیخلّص العین عن تلک الملکیّة .

و لا یخفی أنّ هذا النمط من المشارکة فی الأموال و الرسامیل ، أی مشارکة الملکیّات المصطلحة المعهودة مع جملة من الحقوق المعهودة أو الجدیدة یفتح باباً واسعاً للحیل الشرعیّة و للطرق القانونیّة للتخلّص عن القرض الربوی ، و عن قیود أحکام باب المضاربة ، فإنّ مالک العین - مثلاً - یشارکه باذل المال فی مالیّة العین بنحو الحقّ المالی لا المشارکة بنحو الشرکة المعهودة ، فلا یزاحم إطلاق العنان لمُلّاک الرسامیل و تصرّفاتهم التجاریّة فیها ، بل غایة الأمر ینمو حصّته المالیّة بنموّ رأس المال ، و لا تنال الخسارة فی رأس المال ، و لو قُدّر تلف رأس المال بتمامه کما هو الحال فی حقّ الخمس الزکاة .

فالحریّ فی بحوث الحیل الشرعیّة و الربویّة دراسة و تحلیل الحقوق المعهودة و الجدیدة ، و بیان ما لها من الآثار و الأحکام ، لتکون أبواباً و طرقاً تقع علیها الرغبات المختلفة بحسب أطوار و مناخ سوق المال و التجارة المصرفیّة . و هذا باب جدید للحیل الشرعیّة للتخلّص عن الربا یشتمل علی فصول عدیدة ، فاللازم استطراقه و العطف بالبحوث التحقیقیّة تجاهه ، و لا یخفی أنّ عدد أنماط الحقوق المعهودة لدینا فی أبواب الفقه لا تنتهی إلی عدد یسیر ، بل هی جملة وافرة عدیدة جمّة جدّاً ، کما هو ظاهر للمتتبّع المُتَحذْلِق فی أبواب الفقه ، فدراستها تستدعی جَرْد کامل لها فی الرتبة الاُولی مع بیان آثار کلّ منها و بیان الآثار المشترکة فی ما بینها ، و هو نمط من التألیف یختلف عن تألیف القواعد الفقهیّة ، کما یختلف عن نمط تدوین الفقه الاستدلالی الدارج ، و قد أفرز کعلم مستقلّ فی العلوم القانونیّة الحدیثة ، و هو المسمّی ب « علم الحقوق » .

و علی کلّ تقدیر ، فإنّ البحث فی الحقوق بحث موضوعی لأحکام باب

ص:518

المعاملات ، و إن کان هو محمولیّاً بلحاظ موضوع الموضوع فی المعاملات ، أی بلحاظ ماهیّة المعاوضات المعاملیّة ، فعلی ذلک لا بدّ من إفراز و تمییز البحث فیه عن البحث الحکمی لما أشرنا إلیه من فتح قنوات عدیدة من الحلول فی البحوث المستجدّة الربویّة و المعاملیّة .

هذا فضلاً عن الفوائد الاُخری المترتّبة علی منظومة الحقوق من المسائل المستجدّة الاُخری المحتدمة فی بحوث حقوق الإنسان و حقوق الفرد و الدولة و غیر ذلک .

ثمّ إنّه لا یخفی أنّه من المقرّر فی باب الخمس أنّه لو مات المکلّف بالخمس فأمواله محفوفة للخمس ، غایة الأمر للورثة إمّا أن یعطوا خمس الترکة أو أن یعطوا مالاً بقدر مالیّة خمس الترکة .

فمقتضی شمول عموم « النّاس مسلّطون علی أموالهم » لهذا المثال صحّة شموله لمثال الأوّل المتقدّم ، غایة الأمر لا بدّ من تحدید نمط الملکیّة ؛ إذ مقتضی عموم السلطنة أنّ له أن یتصرّف فی أنحاء الملکیّة بعد توجّه قصده إلی نحو من الأنحاء .

و هناک وجه آخر علی صحّة هذه النقول فی نمط تلک المنقولات بأن یقال : إنّ الملکیّة المنقولة لا دلیل علی حصر أسباب نقلها بمثل البیع ، و لا بکیفیّة خاصّة فی النقع البیعی ، فقد التزم جماعة بأنّ مَن علیه الخمس - مثلاً - إذا باع العین من دون إذن من الحاکم الشرعی و من أصحاب الخمس ، تکون العین البدیلة متعلّقة لحقّ الخمس بنفس النمط ، و علی ذلک فیکون أصحاب الخمس قد عاوضوا المشتری بنفس المعاوضة البیعیّة ، أی فیکون البیع بالإضافة إلی حقّ الخمس کیفیّة نقله تختلف عن کیفیّة نقل مجمل العین المزبورة .

و بعبارة اخری : لم یؤخذ فی تعریف أسباب النقل تحدید لملکیّة معیّنة فی النقل ، مثلاً : عند ما یذکر هذا التعریف للبیع بأنّه تبدیل مال بمال فی الملکیّة ، لم یعیّن للتبدیل کیفیّة لملکیّة معیّنة ، و هکذا فی الإجارة ، فلم یعیّن فیها نمط خاصّ من المنافع ، و بالتالی فلم یعیّن نمط خاصّ فیها من ملکیّة تلک المنافع ، بل هی شاملة لمختلف

ص:519

أنماط الملکیّات بتبع اختلاف منافع العین ، و کذا الحال فی الهبة التی هی تملیک مال لم یعیّن فیه نوع المال و نمطه ، فیشمل العین الشخصیّة و الکلّی الإشاعی و الکلّی فی المعیّن أو فی الذمّة و غیرها من الأقسام .

فتبیّن إطلاق تعاریف ماهیّات المعاملات و عدم تقیّدها بملکیّة معیّنة ، فهی شاملة لمطلق الملکیّة المراد نقلها بتلک الأسباب ، أی لمطلق أنحاء المشارکة .

فالحقوق المستحدثة إمّا هی نقل منافع ، أی نقل ملکیّتها ، و هو لا مئونة فیه - مثل حقّ الامتیاز ، و حقّ الطبع ، و حقّ النشر بعد کونه تملیک منفعة ، و کونه حدیثاً ، إنّما هو استحداث لنمط المنفعة لا فی أصل النقل ، حیث لم تکن هذه المنفعة فی السابق محلّ حاجة العقلاء و استجدّت حاجتهم و رغبتهم حالیاً - .

و إمّا هی من النمط الثانی من قبیل نقل الصلاحیات أو السلطنة علی الملک ، فیمکن درجها فی التملیک للعین علی نحو خاصّ ، أی إعطاء زمام رقبة العین و ملکیّتها فی جهة معیّنة ، و لا مانع من تجزئة و تحصیص الملکیّة الواحدة للعین کما هو الحال فی تجزئتها للملکیّة الإشاعیّة و للکلّی فی المعیّن و غیرهما ، لا سیّما و أنّ لتجزئة الملکیّة التی فی القسم الثانی من الحقوق نظائر ، مثل : تجزئة الملکیّة فی أصحاب الخمس مع مالک العین المحقوقة للخمس ، و ملکیّة مالک العین المحقوقة للزکاة ، و أصحاب الزکاة .

و مثل : حقّ الجنایة للمجنیّ علیه من العبد ، فإنّ له حقّ أن یستوفی دیته من العبد مع أنّ العبد مملوک لآخر ، و الحرّ المجنی علیه قد ملک من العبد بمقدار دیته ، لکن بنحو تکون ملکیّة مالک العبد أقوی من ملکیّة المجنی علیه ، حیث إنّ مالک العبد یستطیع أن یدفع المال و یخلّص عبده من ذلک الحقّ ، کما هو الحال فی من علیه الخمس ، فحقّ الجنایة نمط من الملکیّة للمجنی علیه ، غایة الأمر هی ملکیّة أضعف من الملکیّة الإشاعیّة ، کما هو حال الملکیّة فی الکلّی فی المعیّن ، فالحقوق طرّاً ترجع إلی أنحاء الملکیّة ، لا سیّما علی القول بأنّ الحقّ ملکیّة ضعیفة ، و هی تنقسم إلی ملکیّة المنافع

ص:520

و إلی ملکیّات فی رقبة العین بنحو ضعیف .

و بعد کلّ ذلک یتّضح الحال فی حقّ السرقفلیّة ، فإنّ فی هذا الحقّ مالک السرقفلیّة یعتبر کالمالک للعین له سلطنة فی رقبة العین بنحو لا تعدم سلطنة المالک الأصلی ، و لکن تضعفها ، کما هو الحال فی الملکیّة الإشاعیّة ، حیث تضعف ملکیّة الشریک الأوّل ، و کما هو الحال فی الکلّی فی المعیّن ، حیث تضعف ملکیّة مالک الصبرة ، فلا یستطیع أن یتصرّف فی جمیع الصبرة لوجوب فرز الصاع للمشتری ، فکذلک الحال فی حقّ السرقفلیّة هو نمط من الملکیّة للعین . و یشهد لذلک أنّ مالیّة حقّ الخلوّ التی یباع بها تصل إلی قدر قریب من قیمة مالیّة العین ، و أنّ العین التی بیعت سرقفلیّتها لا یبقی من مالیّتها إلّا قدر قلیل من أصل القیمة ممّا یدلّل علی أنّ صاحب السرقفلیّة قد شرک فی ملکیّة العین ، و أنّ صاحب العین قد ملّکه رقبة العین بنمط و حصّة خاصّة لا بنحو الشرکة الإشاعیّة و لا الشرکة الکلّی فی المعیّن و لا الکلّی فی الذمّة ، بل بنمط مغایر من الشرکة ، فمن ثمّ اعتبر تلک الملکیّة الخاصّة أنّها من الحقّ ، و أنّ حال الملکیّة فی حقّ السرقفلیّة یمتاز عن الملکیّة فی الشرکة الإشاعیّة ، بأنّ فی الإشاعة الاختیار فی التصرّف فی العین علی استواء للمتشارکین بخلاف ما هو الحال فی حقّ السرقفلیّة ، فإنّ مالک العین لیس له صلاحیّة فی الإیجار .

فالملکیّة فی الحقّ المزبور من ناحیة هی أقوی من الإشاعیّة ، و من النواحی الاُخری أضعف منها ، فتمتاز الإشاعة عنه أنّ الشرکاء فیها یتقاضی کلّ منهم قسطاً من المنفعة بخلاف الحال فی الحقّ المزبور .

فتحصّل : أنّ الحقوق المعروفة فی أبواب الفقه المعهودة المسلّم بها ، فضلاً عن المستجدّة المستحدثة قسم منها مرتبط بمنافع العین ، فهی ملکات ضعیفة فی منافع العین - مثل حقّ الموقوف علیهم بنحو السکنی أو الرقبی - و قسم منها متعلّق برقبة العین بأنحاء مختلفة من الملکیّة المتعلّقة بالرقبة ، و حقّ الخلوّ من هذا القبیل الثانی .

و بهذا الحلّ نستطیع أن نجیب عن الإشکالات الواردة فی مثل حقّ الخمس

ص:521

و حقّ الجنایة بأنّه إن کان ملکاً فلِمَ لا یترتّب علیه آثار الملک المعهودة الأربعة ، و إن کان لیس بملک ، فلا نجد حقّاً یضاهیه و یناظره .

فجوابه : بأنّ التردید لا مجال له ، و لا کلّ حقّ نرجعه إلی الملکیّة المعهودة ، کما لا ضرورة قاضیة بمقایسته بالحقوق الاُخر ؛ إذ کلّ حقّ له نمط من الملکیّة الخاصّة .

فبهذا الحلّ یفتح لنا التعرّف علی کثیر من الحقوق و أنماط الملکیّات فی أبواب الفقه .

و بما مرّ یتّضح لنا الجواب عن السؤال - عن إمکان أن یجعل المالک الولایة لغیره - بأنّه لیس یمکن ابتداءً ، بل یمکن تبعاً بتبع تملیک من یجعل له نمط من الملکیّة فی العین ، أی شطر من الولایة علی العین . فما ذکره المحقّق الهمدانی رحمه الله لا یتمّ به الحلّ ، بل لا بدّ أن یجعل و ینشأ التملیک للغیر أوّلاً ، و بتبعه یکون له ولایة بیع العین فی مثال الرهن ؛ إذ السلطنة و الولایة تتبع الملکیّة ؛ لأنّها موضوعهما ، لا أن یجعل له الولایة ابتداءً ، فمن دون تحقّق الموضوع لا یمکن جعل الولایة ، و بالتالی یکون ذلک الشرط خلاف الکتاب و السنّة لکون النّاس مسلّطین علی غیر أموالهم ، أو أنّ النّاس غیر مسلّطین علی أموالهم . و بذلک یتبیّن أنّ جعل الولایة فی الموارد التی لیس فیها نقل الملکیّة لا یمکن و لو تبعاً ، مثل : جعل الزوج ولایة الطلاق للزوجة ، حیث أنّ ولایة الطلاق جعلها الشارع لمن أخذ بالساق ، و هو الزوج ، و من یجعل له ولایة علی الشیء لا یجعل له الولایة علی جعل الولایة علی شیء ، و لیس فی الطلاق عین قابلة للنقل و التملیک حتّی تنتقل ملکیّتها و بتبعها ینقل ولایتها ، فإذا کان اشتراط الوکالة فی الطلاق یرجع لبّاً إلی جعل الولایة ، کما ذکر ذلک جماعة کثیرة ؛ لأنّه لا یستطیع الموکّل أن یعزل الوکیل للزوم شرط النتیجة ، فیکون من باب جعل الولایة من دون إیجاد ما هو الموضوع لها ، بل قد عرفت امتناع إیجاده فی مثل الطلاق بخلافه فی الأعیان المملوکة بنقل شعبة من شعب الملکیّة و بتبعه تجعل الولایة .

ترمیم وجه الماتن رحمه الله و هو شرط الفعل بأن یشترط علی نفسه أن یجدّد الإیجار لهذا المستأجر أو لمن یتنازل المستأجر سنویاً بدون زیادة و نقیصة ، حیث قد تقدّم أنّ فیه

ص:522

إشکالات متعدّدة منها أنّ شرط الفعل لا یلزم المُلّاک الآخرین الذین تنتقل إلیهم العین و منهم الوارث .

و ترمیم هذا الوجه فی بعض الصور هو بأنّ الاشتراط یولّد الحقّ و إن کان بنحو شرط الفعل ، و إن لم یکن الاشتراط شرط النتیجة ذو المفاد الوضعی مطابقةً ، أی و إن کان مفاده المطابقی مفاداً تکلیفیّاً من وجوب الوفاء بالشرط و اللزوم التکلیفی ، و هو تکلیف محض لا یتضمّن أمراً وضعیّاً ، بخلاف شرط النتیجة ، فإنّ مفاده وضعی ؛ لأنّه نتیجة عقود اخری ، و شرط الفعل « بشرط أن تخیط لی » أو « أن تُوکّلنی » أو « تَبیعَنی » و غیرها هو أنّ یوقع فعل الإیجاب و القبول لا نتیجة العقد .

إلّا أنّه مع کلّ ذلک فهناک أمر وضعی أیضاً فی شرط الفعل - کما ذهب إلیه جماعة من أعلام هذا العصر - و أنّ مفاده متضمّن للحقّ ، و الشاهد علی ذلک تمکّن المشروط له من أن یسقط الشرط ، فلا یجب علی المشروط علیه الوفاء به ، و الإسقاط شاهد علی أنّه حقّ لا حکم تکلیفی محض ، مثلاً : الأب الذی یجب علیه نفقة الابن - لو أذن الابن أن لا ینفق علیه - فلا تسقط النفقة عن العمودین بالإسقاط ؛ لأنّها حکم تکلیفی بخلاف النفقة علی الزوجة ، فإنّها حکم تکلیفی مترتّب علی الحکم الوضعی ، و هو ملکیّة الزوجة النفقة فی ذمّة الزوج ، فلو أسقطت الزوجة النفقة أو أذنت أو أبرئت فتسقط ، فیسقط الحکم التکلیفی بالتبع ممّا یدلّ علی افتراق النفقة فی الزوجة عن النفقة فی الرحم ، فالنفقة فی الرحم حکم تکلیفی بحت لا یسقط بالإذن ، و إن کان الحکم التکلیفی فی الرحم ینفع من یؤدّی له الحکم أو یتعلّق به الحکم ، و هو ضرر علی من علیه الحکم ، فهو ضرر من جهة ، و نقع من جهة ، لکن لا یسقط بإسقاطه .

و المشاهد فی الشرط النحو الثانی من السقوط بالإسقاط ممّا یشهد علی کونه حقّاً لا حکماً تکلیفیّاً بحتاً ، و تمام هذا البحث لطول ذیله فی بحث الشروط .

و یترتّب علی کونه حقّاً أن یتّصف بالمالیّة ، و أن یبقی بعد موت من علیه الحقّ فیطالب به بقاءً الورثة ، کما یمکن تصویر بقائه فی المالک الجدید أیضاً ؛ لأنّ العین

ص:523

تنتقل إلیه محفوفة بعد اشتراط أن توجر هذه العین علی المالک الأوّل ، فذلک الحقّ و إن کان علی ذمّة مالک الأوّل ، إلّا أنّ له ارتباطاً بالعین أیضاً ، فتکون محفوفة ؛ و ذلک لأنّ الحقّ علی المالک الأوّل إنّما یتمّ الوفاء به بتوسّط العین ، فکلّ من العین و ذمّة المالک الأوّل و رهینتان بالحقّ ، و الحقّ علی ذمّة المالک الأوّل متعلّق بالعین باقٍ تعلّقه بها ، و إن انتقلت إلی المالک الثانی ، سواء کان الوارث أم غیره .

و لا یرد علی هذا التصویر بأنّ الشرط علی المالک أن یؤجر لا علی غیره ، فکیف یجب علی الوارث أو علی المالک الثانی ؟ و ذلک لأنّ الشرط یرجع مفاده إلی الحکم الوضعی ، و هو الحقّ لا المفاد التکلیفی البحت کی یخصّ المالک الأوّل و یقتصر علیه ، سواء اشترط المالک الأوّل ذلک الشرط عن الملّاک الآخرین أم لم یشترط .

و ذلک الحقّ مرتبط بالعین فتکون محفوفة ، فللشروط له حقّ متعلّق بالعین علی المالک الأوّل ، و لا موجب لسقوطه بتبدّل المالک ما دامت العین باقیة .

و بذلک یتمّ ترمیم الوجه المزبور ، و الظاهر أنّ الشیخ الحلّی رحمه الله یبنی علی ذلک ، کما تقدّم کلامه ، و بذلک تتمّ الکبری السابقة ، و هی عموم المؤمنون عند شروطهم کتخریج للحلّ فی الحقوق الجدیدة ؛ لأنّ الاشتراط نفسه هو الاحقاق ، و الاشتراط بنفسه جعل للحقّ و نوع من إنشاء الحقّ ، غایة الأمر یُجعل متعلّق الشرط هو متعلّق الحقوق الجدیدة ، فتکون الحقوق الجدیدة نافذة بعموم « المؤمنون عند شروطهم » الذی هو نفس إنشاء الحقّ و الجعل للاستحقاق فیکون متعلّق الحقّ هو متعلّق الشرط .

نعم ، قد یتأمّل فی هذا الترمیم فی تطبیق کبری « المؤمنون » علی خصوص المورد ، أی حقّ الخلو - و إن کان ذلک الترمیم تامّاً متیناً فی نفسه - و ذلک لأنّ هذا الحقّ فی الشرط - و إن سلّمنا بکونه متعلّقاً بالعین من جهة و متعلّقاً بالمالک الأوّل من جهة اخری ، و أنّه لا یسقط - إلّا أنّه یقتضی لزوم أدائه علی خصوص الوارث ، کما هو الحال فی بقیّة دیون المورث - کالحقوق التی علی الأب ، مثل الخمس ، فإنّه حقّ علی الأب فی العین لأصحاب الخمس و کذلک الزکاة - دون المالک الثانی غیر الوارث ، و إن کان

ص:524

الحقّ المزبور مرتبطاً بالعین . لکن یمکن دفعه علی التصویر المذکور فی الخمس ، حیث تکون العین محفوفة به و بالزکاة ، فإنّها إذا انتقلت إلی المالک الثانی فیجب علیه أداء ما فیها من الخمس و الزکاة ، و إن کان فی البدایة التکلیف متوجّه إلی من علیه الخمس خاصّة ؛ و ذلک لأنّ الخمس و الزکاة لیست من أموال المالک الأوّل ، فیلزم المالک الثانی ردّهما من باب ردّ العین المغصوبة إلی مالکها .

الوجه الخامس :

و هو تخریج لخصوص حقّ الخلوّ ،

و ذلک بدعوی أنّ هذا الحقّ لم یخترع فی البشریّة حدیثاً ، بل کان منذ القِدم ، و قد وردت النصوص فی بعض الموارد کالذی ورد فی بیع الأرض الخراجیّة أو أرض أهل الذمّة أو الأرض التی أسلم أهلها علیها و نحوها ، فإنّ مفادها جواز البیع بین المسلمین بعضهم لبعض ، مع أنّ هذا البیع لیس بیعاً لرقبة العین و الأرض بعد کون الأرض الخراجیّة ملکاً لکلّ المسلمین ، بل إنّما تستأجر من بیت المال و یدفع المؤجر الاُجرة لبیت المال ، و کذلک الحال فی الأرض التی أسلم أهلها علیها أو أرض أهل الذمّة لبقاء الملکیّة لهم أو للمسلمین علی الخلاف فی ذلک . فعلی کلّ من القولین لا تکون ملکاً لشخص خاصّ ، فابتیاعها و نقلها لا یقع علی رقبة العین ، بل إنّما هو بیع لحقّ أن یؤجر الحاکم الأرض علیه فیبیع حقّ الاستیجار ، و هو نفس حقّ الخلوّ . فإذن فالروایات الواردة فی أبواب الجهاد و عقد البیع دالّة علی جواز بیع حقّ الشخص فی أن یوجر علیه و هو عین حقّ الخلوّ .

منها : صحیحتی محمّد بن مسلم و زرارة أو صحیحة الفضلاء : عن أبی عبد اللّه علیه السلام و أبی جعفر علیه السلام « أنّهم سألوهما عن شراء أرض الدهاقین من أرض الجزیة ، فقال :

إذا کان ذلک انتزعت منک أو تؤدّی عنها ما علیها من خراج . قال عمّار : ثمّ أقبل علیّ و قال : اشترها فإنّ لک من الحقّ ما هو أکثر من ذلک » (1).

ص:525


1- 1) ب 21 / أبواب عقد البیع / ح1 .

حیث أنّ أراضی العراق کانت مفتوحة عنوة و(دهاقین)معناه(کدخدا بالفارسیّة)، و یسمّی فی العربیّة ب(المختار)فهی ملک للمسلمین ، فلذلک وقع السؤال عن شراء هذه الأراضی حیث لا یشتری رقبتها .

و قوله علیه السلام : « أو تؤدّی » ، أی إلّا أن تؤدّی .

و قوله : « اشتر » لا یراد منه شراء رقبة العین ، بل یشتری من الدهقان حقّه بأن یوجر ، و قوله : « اشترها » و إن اسند إلی العین ، إلّا أنّ المراد هو شراء الحقّ الذی فیها ، و هو لیس إلّا حقّ الخلوّ ؛ لأنّ الدهقان لیس مالکاً لرقبة العین ، بل مالک أن یوجر فیشتری منه حقّ الخلوّ .

و بنفس التقریب یتمّ فی معتبرة زرارة (1)بناءً علی أنّ أهل الذمّة لا یملکون العین ، و أنّها ملک للمسلمین ، فتکون الروایة شاهدة علی ما نحن فیه .

و مثلها : صحیحة علاء بن رزین ، عن محمّد بن مسلم (2) ، و صحیحة الحلبی :

قال : « سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجمیع المسلمین لمن هو الیوم و لمن یدخل فی الإسلام بعد الیوم و لمن لم یخلق بعد .

فقلت : الشراء من الدهاقین ؟ قال : لا یصلح إلّا أن تشتری منهم علی أن یصیّرها للمسلمین ، فإذا شاء ولیّ الأمر أن یأخذها أخذها .

قلت : فإن أخذها منه ؟ قال : یردّ علیه رأس ماله و له ما أکل من غلّتها بما عمل » (3) .

و قوله علیه السلام : « یردّ علیه رأس ماله » أی المال الذی بذله بعنوان حقّ الخلوّ تنبیهاً علی أنّ حکمها کحکم الوقف فی تلک الأراضی ، فیبقی للحاکم أن ینتزعها من دون إهدار حقّ الخلوّ قیمته . فالصحیحة المزبورة أظهر دلالة علی حقّ الخلوّ ، و هی شاهد علی أنّ

ص:526


1- 1) ب 21 / أبواب عقد البیع / ح2 .
2- 2) ب 21 / أبواب عقد البیع / ح3 .
3- 3) ب 21 / أبواب عقد البیع / ح4 .

حقّ الخلوّ نوع ملکیّة فی العین .

و مثلها : روایة أبی الربیع الشامی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : قال : « لا تشتر من أرض السواد شیئاً إلّا من کانت له ذمّة ، فإنّما هو فیء للمسلمین » (1).

و المراد بأرض السواد أرض العراق ؛ لکثرة النبات فیها . و الروایة صریحة فی المفاد المزبور .

و قوله علیه السلام : « إلّا من کان له ذمّة » أی من کان یعطی الخراج فیکون مستأجراً لا غاصباً ، فرقبتها فیء للمسلمین ، فالاستثناء یکون بمعنی حقّ الاستیجار .

و مثلها : صحیحتی محمّد بن مسلم أیضاً (2) ، و کذا سائر الروایات فی الباب ، و ما روی فی أبواب جهاد العدوّ (3) فلاحظ ، و لا حاجة للتعرّض إلی متونها ؛ لأنّ المفاد واحد .

هذا و قد فصّل الماتن بین صدور القانون الوضعی و عدمه قانون منع المالک عن إجبار المستأجر علی التخلیة أو عن الزیادة فی بدل الایجار ، حیث کان للمالک قبل صدوره أن یخرج المستأجر ، فإن کانت الإجارة قد وقعت قبل صدور القانون المذکور و لم یکن هناک شرط متّفق علیه ، و امتنع المستأجر عن التخلیة ، أو دفع الزیادة ، فلا یجوز للمستأجر أخذ السرقفلیّة و مالیّتها ؛ لأنّه لم یشترها من المالک لا بالمشارطة و لا بالشراء ، أمّا بعد صدور القانون فیسوغ ذلک و إن لم یشترط تصریحاً ؛ إذ بعد صدور القانون هناک شرط یتقرّر الشرط الارتکازی المغنی عن الشرط الصریح .

نعم ، لو کان المتعاقدان غافلَین عن الشرط الارتکازی ، فلا یکون اشتراطاً فی البین فی ما لو فرض عدم غَرز الارتکاز عندهما ؛ لأنّه لیس المدار علی الالتفات

ص:527


1- 1) ب 21 / أبواب عقد البیع / ح5 .
2- 2) ب 21 / أبواب عقد البیع / ح 7 و 8 .
3- 3) ب 72 .

التفصیلی ، فصدور القانون کقرینة موجبة للشرط الارتکازی و التفات المتعاقدین إلیه و لو ارتکازاً و إجمالاً .

مسألة 35 : المحلّات التی تؤجر بلا سرقفلیّة ، إلّا أنّه یشترط فی عقد الإجارة ما یأتی :

1 - لیس للملاک إجبار المستأجر علی التخلیة ، و للمستأجر حقّ البقاء فی المحلّ .

2 - للمستأجر حقّ تجدید عقد الإجارة سنویاً بالصورة التی وقع علیها فی السنة الاُولی .

فإذا اتّفق أنّ شخصاً دفع مبلغاً للمستأجر ازاء تنازله عن المحلّ و تخلیته فقط حیث لم یکن له إلّا حقّ البقاء ، مع أنّ للمالک - بعد التخلیة - الحریّة فی إیجار المحلّ ، و الثالث یستأجر المحلّ من المالک ، فعندئذٍ یجوز للمستأجر أخذ المبلغ المذکور ، و تکون السرقفلیّة لقاء التخلیة فحسب لا بازاء انتقال حقّ التصرّف منه إلی ثالث .

قوله رحمه الله : « المحلات التی توجر بلا سرقفلیّة » عدّ الماتن رحمه الله هذا من حقّ السرقفلیّة بنحو آخر ، و هذا الحقّ و إن کان غیر قابل للانتقال لکنّه قابل للاسقاط بأن یدفع إلیه مبلغاً ازاء تنازله عن هذا الحقّ ، و الضمیر فی « لم یکن له حقّ البقاء » یرجع إلی المستأجر الأوّل لا الثانی ، و المراد من « الثالث » هو المستأجر الثانی .

ص:528

التضخّم النقدی

اشارة

السیّد محمّد حسن الرضوی

ص:529

المقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد للّه ربّ العالمین ، و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطاهرین ، و لعنة اللّه علی أعدائهم أجمعین ، و بعد ؛

فهذا الکتاب من سلسلة الأبحاث المستجدة فی فقه الحیاة المعاصرة قد ألقاها سماحة الاُستاذ العلّامة آیة اللّه الشیخ محمّد السند البحرانی أدام اللّه أیّام إفاداته ، فی یومی الخمیس و الجمعة من کلّ اسبوع فی المسائل المستحدثة جاعلاً محور بحثه ما کتبه المرحوم السیّد الخوئی قدس سره فی ذلک ؛ لاشتماله علی الفروع المهمّة ، و قد قمت بإعدادها و تنسیقها عسی أن یعمّ نفعها ، و تقع موضعاً للقبول.

و ألتمس من القارئ الکریم غضّ البصر عمّا یقع فیه القلم من سقطات أو زلّات ؛ لأنّ العصمة لأهلها. و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمین .

قم المقدّسة / 1420 ه

محمّد حسن الرضوی

ص:530

أوراق الیانصیب

و هی أوراق تبیعها شرکة بمبلغ معیّن ، و تتعهّد بأن تقرع بین المشترین ، فمن أصابته القرعة تدفع له مبلغاً بعنوان الجائزة ، فما هو موقف الشریعة من هذه العملیّة و تخریجها الفقهی ، و هو یختلف باختلاف وجوه هذه العملیّة .

الأوّل : أن یکون شراء البطاقة بغرض احتمال إصابة القرعة باسمه و الحصول علی الجائزة ، فهذه المعاملة محرّمة و باطلة بلا إشکال ، فلو ارتکب المحرّم و أصابت القرعة باسمه ، فإن کانت الشرکة حکومیّة فالمبلغ المأخوذ منها مجهول المالک ، و جواز التصرّف فیه متوقّف علی إذن الحاکم الشرعی أو وکیله ، و إن کانت أهلیّة جاز التصرّف فیه ؛ إذ الشرکة راضیّة بذلک ، سواء أ کانت المعاملة باطلة أم صحیحة .

الثانی : أن یکون إعطاء المال مجّاناً و بقصد الاشتراک فی مشروع خیری لا بقصد الحصول علی الربح و الجائزة ، فعندئذٍ لا بأس به ، ثمّ إنّه إذا أصابت القرعة باسمه ، و دفعت الشرکة له مبلغاً ، فلا مانع من أخذه بإذن الحاکم الشرعی أو وکیله إن کانت الشرکة حکومیّة ، و إلّا فلا حاجة إلی الإذن .

الثالث : أن یکون دفع المال بعنوان إقراض الشرکة بحیث تکون مالیّتها له محفوظة لدیها ، و له الرجوع إلیها فی قبضه بعد عملیّة الاقتراع ، و لکنّ الدفع المذکور مشروط بأخذ بطاقة الیانصیب علی أن ترفع الشرکة له جائزة عند إصابة القرعة باسمه ، فهذه المعاملة محرّمة ؛ لأنّها من القرض الربوی .

ص:531

فی الصورة الاُولی جعل الاقتراع فی متن المعاملة ، و فی الصورة الثالثة جعل شرطاً ، فإن کان فی ضمن المعاملة - أی علی النحو الأوّل - فالعوض محرّم و باطل ، لا من جهة الغرر و عدم العمل بتحصیل المعوض ؛ إذ لا یلزم من ذلک الحرمة التکلیفیّة ، بل من جهة أنّه رهان قماری ، حیث إنّ المعاوضة فی الصورة الاُولی هی بذل عوض فی مقابل احتمال عوض آخر خطیر أو غیره . و حقیقة القمار و المیسر هی الرهان علی عوض معلّق علی اللعب بآلة أو بالقرعة و نحوها ، بل لو سلّم عدم صدق القمار علیه فلا ریب فی صدق الرهان علیه ، فیکون حراماً وضعاً و تکلیفاً ، أو وضعاً فقط ، علی الخلاف فی الحرمة التکلیفیّة فی الرهان إذا کان بغرض صحیح غیر اللهوی ، بل فی تصوّر صغری الغرض الصحیح فی المقام تأمّل و نظر .

ثمّ إنّ بإدراج الصورة الاُولی فی القمار یشکل الفرق بین الصورة الاُولی ، و هی کون ماهیّة الرهان فی متن المعاملة الأصلیة کعوض ، و بین کون الرهان شرطاً فی ضمن معاملة اخری ، کما هو الحال فی الصورة الثانیة علی أحد الشقّین لها ؛ إذ بطلان الرهان و القمار لا یفرّق فیه بین التقدیرین ، و کذا الحال فی الصورة الثالثة ، إلّا أنّ الماتن رحمه الله حرّمها من جهة القرض الربوی ، و قد ذهب بعض الأعلام إلی الحرمة فی الشقّ الثانی من الصورة الثانیة أیضاً ، و إن لم یکن اشتراط فی البین ، بل بمجرّد الداعی ، و الظاهر أنّه بناءً علی حرمة مطلق اللهو ، و إلّا ففی صدق الرهان فضلاً عن المقامرة فی هذا الشقّ تأمّل بعد عدم وجود الالتزام المعاملی ببذل العوض المحتمل فی البین .

نعم ، لو بنی علی تعریف القمار بأنّه الإقدام علی إتلاف المال فی مقابل العوض المحتمل ، و لو بنحو الداعی ، لشملت الحرمة جمیع الصور و الشقوق ، و قد یوجّه ما ذهب إلیه الماتن رحمه الله من حصر القمار فی الصورة الاُولی بأنّ فی ما عداها لا تتحقّق الخسارة و الربح الاحتمالیّتان و لا المعرضیّة لهما ، کما لو اشتری الزبون مبیعاً من تلک الجهة أو الشرکة و اشترط فی ضمن ذلک الشراء ورقة الیانصیب ، فإنّ إقدامه علی الشراء لا یوجب تضرّره ؛ إذ قد تملک عین المبیع فی مقابل المال الذی بذله کثمن ،

ص:532

سواء کانت العین مورداً لحاجته أم لا ، فمن ثمّ تنتفی ماهیّة الرهان فی أمثال هذه الصورة ، و لا تکون الحرمة من ناحیة القمار ، بل من ناحیة الربا أو غیره .

و فیه : أنّ الصحیح لدینا أنّ کلّ شرط ضمنی ، و کلّ مشارطة فی عقد ، تؤول إلی معاولة فوقانیّة ، أحد طرفیها المعوّض ، و هو المعاملة المشروط فیها ، و الطرف الآخر هو ذات الشرط . فالمشارطة عبارة عن التزام بإیقاع البیع - مثلاً - فی مقابل ذات الشرط ، و بالتالی فلیس لدینا فی البین معاملة واحدة و هی البیع و أنّ من توابعه الشرط و ذات الشرط ، بل هناک معاملة فوقانیّة البیع أحد طرفیها ، غایة الأمر هو الطرف الأصلی ، و هو المعوض و العوض هو ذات الشرط نظیر الجعالة علی الإقراض أو الجعالة علی البیع ترغیباً للبائع للإقدام علی البیع أو کالصلح علی الإجارة فی مقابل إسقاط المستأجر لبعض حقوقه علی المؤجر مالک العین ، فحقیقة المشارطة ترجع إلی ربط الالتزام البیعی - مثلاً - بالالتزام بذات الشرط ، فمن ثمّ کان هذا الربط فوقانیّاً بالإضافة إلی ذات البیع و ذات الشرط هذا ، و إن کان نفس البیع أیضاً مشتملاً علی التعاوض بین المبیع و الثمن .

و لتوضیح ذلک لا بدّ من ذکر مقدّمات :

الاُولی : إنّ المعروف أنّ للشرط قسطاً من الثمن ، فهو بمنزلة الوصف ، و هو فی الصیاغة الإنشائیّة فی غالب المعاملات ، و إن لم یکن عوضاً فی مقابل العوض - و هو المشروط فیه - لکنّه من الواضح أنّ المتعاقدین لا یقدمان علی المشروط فیه ، إلّا بقید کون الشرط هو بمنزلة البقیة المتمّمة لمجموع المعاملی ، بحیث أنّ المتعاقدین إذا تبیّن لهم عدم سلامة الشرط یحقّ للمشروط له فسخ المعاملة من رأس . فالغرض الأصلی متقیّد و منصبّ علی الشرط ، فالدواعی التقییدیّة فی المعاملات تنصبّ علی الشرط ، کما تنصبّ علی المشروط فیه .

الثانیة : إنّ المعاملات علی قسمین : مرکّبة و بسیطة ، فالمعاملات المرکّبة تترکّب من عدّة معاملات ، فیفرض فی البین معاملة فوقانیّة ، عوضاها معاملتان ، مثل :

ص:533

أن یصالح الآخر علی بیع سیّارته بکذا ، صالحه علی أن یبیعه منزله بکذا ، فهذا العقد هو الصلح ، و لکن طرفیه البیعان ، بل أنّ البیع و غیره من المعاوضات التی تشتمل علی التعاوض من الطرفین لیست معاملات بسیطة فی الحقیقة ، بل هی من المقابلة بین التملیکین ؛ إذ کلّ تملیک مفرد هو معاملة و عقد برأسه . فالبائع یملک المبیع و یقبله المشتری فی مقابل تملیک المشتری الثمن و قبول البائع لذلک ، فکلّ منهما موجب و قابل ، إلّا أنّ معاقدة البائع علی المبیع أصلیّة ، فتسمّی المعوض و معاقدة المشتری تبعیّة فتسمّی الثمن .

و کذلک الحال فی الإجارة و المضاربة و غیرهما من المعاوضات المشتملة علی العوضین ، بخلاف مثل الهبة و العاریة و الوکالة و نحوها ممّا لم یشتمل علی عوضین .

و قد ذکرنا غیر مرّة أنّ تجدّد المعاملات بحسب الأعصار المختلفة غالباً یکون - إن لم یکن دائماً - بترکّب المعاملات بعضهم مع بعض ، فیستحدث للمعاملة المرکّبة الجدیدة اسماً جدیداً .

الثالثة : ذهب السیّد الیزدی فی بحث البیع و الشروط إلی التمسّک بعموم « المؤمنون عند شروطهم » فی صحّة العقود و البیع ، و قال إنّه لیس منحصراً بالشروط الضمنیّة ، بل یشمل کلّ التزام و لو کان مبتدئاً مرتبطاً بالالتزام الآخر ، کما فی العقود أو غیر مرتبط کالوعد الابتدائی ، و ما ذکره متین بالنسبة إلی أصل معنی الشرط ، و هو یقتضی ربط الالتزام التعاوضی بین المشروط فیه و ذات الشرط ، بل قد عرفت أنّ المعاوضة فی العقود لیست إلّا الالتزام بالمعوض مشروط فیه التزام بالعوض .

و إذا اتّضح ذلک یظهر أنّ البیع بشرط الاقتراع أو القرض بذلک الشرط هو من المشارطة المقابل فیها بین البیع أو القرض و ذات الشرط ، حیث أنّ النظر الأصلی مرکّز علیها ، أی أنّ التقیید معاملی حاصل بالمقابلة بینهما ، فتلک المشارطة هی المعاملة الاُمّ الفوقانیّة و أحد طرفیها البیع أو القرض أو الإهداء أو الصدقة و نحوها من التبرّعات الخیریّة ، و الطرف الآخر العوض ، و هو الاقتراع علی الجائزة أو الهدیة المالیّة ،

ص:534

فالإقدام علی البیع أو القرض أو نحوهما فی مقابل احتمال الربح الذی هو عوض ،سواء فی الصورة الاُولی أو الثالثة ؛ إذ المشارطة فی العقود لیست تبعیّة بمعنی کونه التزاماً مجرّداً فی ضمن معاملة اخری من دون أن یکون هناک مقابلة بین المشروط فیه و الشرط .

نعم ، هو تبعی بمعنی أنّه عوض و لیس بمعوض ، و أنّ القصد أوّلاً فی المعاوضات موجّه إلی المعوض و إلی العوض بتبعه .

إن قلت : المبیع له مالیّة بخلاف الإقدام علی البیع أو الإجارة أو الإقراض و إیجادهم الإنشائیّة له مالیّة بذاته .

قلت : نمنع عدم المالیّة لها ، فإنّ المالکیّة - کما حرّر فی مباحث البنوک - کصفة للأشیاء علی أقسام ثلاثة :

الأوّل : ما کانت له مالیّة بسبب المنافع الطبیعیّة الواجد لها ، کما فی الأعیان الموجودة الطبیعیّة التی یقضی العقلاء وطرهم للانتفاع منها تکویناً .

الثانی : ما کانت مالیّته بسبب الاعتبار نظیر الورق النقدی و أوراق المستندات و نحوها ممّا لم تکن لها منافع طبیعیّة تکوینیّة ، بل منافعها اعتباریّة بسبب القانون و الاعتبار .

الثالث : ما کانت مالیّته حکمیّة ناشئة من التعاقد علیه نظیر منافع الحرّ ، فإنّ منافعه لا تضمن بالاتلاف ؛ لعدم مالیّتها المبتدئة ،بل مالیّتها تنشأ من الاستیجار له ، فلو أتلفت بعد ذلک لکانت مضمونة ، و هذا بخلاف القسمین الأوّلین ، و ما نحن فیه من قبیل القسم الثالث ، و من ثمّ تنشأ الجعالة علیه کأن یقول : « من یقرضنی بکذا فله کذا » ، أو « من یبتاع منّی کذا فله کذا » ، فبذل المال لحصول الرغبة فیه التی هی السبب الأصلی لحدوث الصفة المالیّة . نعم ، هو من دون بذل سابق لیس بذی مالیّة ، کعمل الحرّ .

و أمّا فی المقام فنفس البیع أو القرض موصوفان بالمالیّة للالتزام بذات الشرط فی مقابلهما ، و هو احتمال الربح ، و هو معنی المعرضیة للخسران أیضاً . فعلی ذلک تکون

ص:535

المعاملة الفوقانیّة الرهان القماری ، أحد طرفیها البیع أو القرض أو غیرهما ، و الطرف الآخر معرضیة الربح أو الخسران ، فیتمّ تصویر الحرمة القماریّة فی الصورة الاُولی و الثالثة .

أمّا فی الصورة الثانیة فقد سوّغها الماتن رحمه الله لعدم الاشتراط فی البین ، فینتفی الرهان و القمار ، إلّا أنّه قد یدّعی أنّ المیسر فی اللغة هو صرف التقابل الوجودی الخارجی و لو بنحو الوعد الابتدائی غیر المشارطی ، بل یکفی المعرضیّة و حصول الداعی إلی ذلک ، و إن لم یکن داعیاً مبرزاً کقید معاملی ، نظیر ما یقال فی الهبة المعوضة أنّها تتحقّق و لو من غیر اشتراط فی الابتداء بأن یهب الموهوب بقاءً بقصد العوض عن الهبة الاُولی ، فالشخص الأوّل هبته عقد بسیط ابتداءً ، و أمّا الآخر فهبته حیث کانت بقصد المقابلة للهبة الاُولی ، فتکون هبة تعاوضیّة ، و کذلک الاُولی بقاءً ، فیترتّب أحکام الهبة المعوضة علیها ، و هذه الدعوی تحتاج إلی مزید من التأمّل فی الاستعمالات اللغویة للقمار ، فإنّ بینه و بین الرهان عموماً و خصوصاً من وجه لغة و إن لم یکن کذلک تعبّداً .

ثمّ إنّ فی کلام الماتن رحمه الله ملاحظتین :

الاُولی : إنّ تقییده لجواز التصرّف فی تلک الجوائز المأخوذة من الجهة الحکومیة أو المشترکة بإذن الحاکم الشرعی أو وکیله مبنیّ علی مجهول المالک ، و أمّا المبنی الآخر من ملکیّة بیت المال للأموال العامّة و إذنهم علیهم السلام للمؤمنین فی التعامل فلا مجال لهذا القید .

الثانیة : قوله : « و إن کانت أهلیّة جاز التصرّف فیه ؛ إذ الشرکة راضیة بذلک ، سواء أ کانت المعاملة باطلة أو صحیحة » لا یخلو من إشکال ، بل منع ، حیث أنّ رضاها مقیّد بالمعاملة العرفیّة ، و إنّما رضاها غیر مقیّد بالصحّة الشرعیّة للمعاملة ، أی سواء کانت المعاملة باطلة شرعاً أو صحیحة ، و هذا الرضا المقیّد بهذه المعاملة لا اعتداد به ، حیث أنّه من العمل بالمعاملة المحرّمة ، کما هو الحال فی المعاملات الربویّة ، فإنّ رضی

ص:536

باذل الربا غیر مقیّد بالصحّة الشرعیّة ، أی و إن کانت باطلة شرعاً إلّا أنّه مقیّد بالمعاملة بوجودها العرفی ، و الشاهد علی تقیّد الرضا بالمعاملة العرفیّة کون البذل لیس مجّانیّاً ، و الرضا لیس ابتدائیّاً ، و لو بنی علی الجواز بمجرّد الرضا بالمعاملة بوجودها العرفی دون وجودها الشرعی لکانت الأدلّة الناهیة عن المعاملات المحرّمة لغو محض .

و بعبارة اخری : أنّ موضوع الأدلّة الناهیة هی المعاملات بوجودها العرفی لا بوجودها الشرعی ، و إلّا لزم التناقض ، حیث ینهی الشارع عمّا اعتبره موجوداً و صحیحاً ، بل أنّ هذا البیان یتأتّی فی ما لو کان رضی المتعاقدین بالعقد بحسب اعتبارهما الثنائی ، أی لم یکن رضاهما مقیّداً بالعقد بحسب الوجود العرفی و لا الشرعی ، کما یتصوّر ذلک فی المعاملات التی یحکم العرف العقلائی العامّ ببطلانها ، فإنّ المتعاقدین یبنیان علی الجری علی العقد بحسب وجوده فی افق اعتبار المتعاقدین الذی هو أخصّ من وجود الاعتبار العقلائی العامّ ، کما فی ثمن الفجور ، فإنّه تعاقد ثنائی و رضی مقیّد به ، سواء أ کان باطلاً عرفاً و شرعاً أم لا ، و مع ذلک لا یمکن البناء علی الجواز ، فإفساد الشارع أو العرف لمعاملة مقتضاه النهی عن البناء علیها و لو بحسب البناء فی افق المتعاقدین ، فکون الرضا غیر مقیّد بالوجود الشرعی أو العرفی لا یسوّغ الإباحة بعد کونه مقیّداً بالعقد و لو بحسب المتعاقدین .

و منه یظهر النظر فی عبارة صاحب الجواهر بعد ما حکم ببطلان الصدق فی غیر الموارد المنصوصة ، و أنّه جائز بدون العقد کفعل مجرّد تکوینی ، قال : « بل لا یبعد جواز إباحتهما العوض علی ذلک و الوعد به مع استمرار رضاهما به لا علی أنّه عوض شرعی ملتزم » .

نعم ، لو کان تملیک الشرکة غیر مقیّد بالقرعة و نحوه من العقود الفاسدة أصلاً ، بل هبة أو إباحة مبتدئة لتمّ الجواز ، لکنّ هذا غیر ما هو الدارج الغالب من کون الرضا مبنیّاً و مقیّداً بالمعاوضة ، فاللازم تقیید الجواز بما إذا لم یکن مبنیّاً علی المعاوضة العقلائیّة و لا بحسب المعاوضة فی افق المتعاقدین .

ص:537

تضخم النقود

اشارة

ابتدأت إثارة هذا البحث فی الدیون و المهور ممّا یتعارف فیها التأخیر فی الدفع و الأداء ، فقد یقدّر للمهر بنقد معیّن یعادل شراء بیت أو أرض ، و بعد مدّة مدیدة حینما یدفع و یستوفی بعد ثلاثین سنة - مثلاً - فلا یشتری به إلّا سلعة رخیصة جدّاً لا تساوی عُشر قیمة البیت ، فهل یکون الزوج ضامناً لهذا الفارق القیمی .

و کذا الحال فی الدیون المیّتة ، أی التی طالت مدّتها جدّاً ، و فی تلک المدّة الطویلة اختلفت القوّة الشرائیّة بفارق شاسع ، فهل یکون المدین ضامناً لهذا الفارق ؟ لأنّه إجحاف فی حقّ الدائن ، بل إنّا نری فی یومنا أنّ الفارق فی قیمة النقد لا یحتاج إلی مرور أعوام ، بل من خلال شهور - و ربّما أیّام - نری فرقاً فاحشاً فیها ، فإنّ الدولة التی تعطی اعتبار المالیّة لنقد معیّن قد تتلاعب کثیراً بقیمة النقد ، إمّا بإصدار الورق النقدی زیادة علی الغطاء المنتوج و الثروة الوطنیّة أو بإغراقها فی بحر الدیون للدول الاُخری ، أو غیر ذلک من الأسباب .

و هذه الظاهرة لیست مقتصرة علی هذا الزمن ، بل کانت منذ قدم القرون الماضیة أیضاً ، حیث کان المَلِک أو السلطان یعتبر الدراهم أو الدنانیر ، و یجعلها سکّة ، فأمر اعتبارها أو إسقاطها بیده ؛ لأنّ مالیّتها غیر ناشئة من المائدة فقط ، بل لها من جهة ضرب السکّة أیضاً . و قد اشیر إلی هذه الظاهرة فی الروایات ، حیث کانت عشرة دراهم تقابل دیناراً واحداً ، و بتغیّر الظروف تتغیّر هذه المعادلة ، فتقابل ثمانیة دراهم بدینار واحد انخفاضاً فی الدینار ، أو تقابل اثنی عشر درهماً صعوداً فی الدینار ، بل قد فرض فی بعض الروایات مقابلة ثمانیة عشر درهم بدینار ، و هذا التغییر لیس بیسیر ، خصوصاً

ص:538

فی المبالغ الضخمة .

هذا و قد ورد فی تلک الروایات نفی الضمان فی ذلک و حصر ثبوته فی ما إذا أسقطت الجهة المصدّرة المعتبرة فی النقد - الملک أو السلطان - اعتبار النقد بالکلّیة ، و هذا بخلاف الاضطراب فی قیمة النقد ، فلا ضمان فیه و إن کان کبیراً حادّاً .

و علینا أن ندرس الحالة المالیّة و الاقتصادیّة فی عهد النصوص کی نتعرّض علی المطابقة أو المغایرة للوضع المالی و النقدی لهذا الیوم ، فعلی الأوّل تکون دالّة علی عدم الضمان فی التضخّم المالی الذی هو التغیّر و التزلزل و عدم الثبات فی قیمة النقد .

و بعبارة اخری : لا بدّ من البحث فی الصور و التقدیرات الموجودة فی النصوص الشرعیّة المنفی فیها الضمان فی التضخّم المالی ، هل هو مطلق التضخّم أو ذو الأسباب و العلل الخاصّة ؟ و من ثمّ هل تلک الأسباب و العلل الخاصّة هی نفس الأسباب و علل التضخّم الموجود فی هذا الیوم ؟

و لا بدّ من الالتفات إلی أنّ البحث الفقهی فی فهم الروایات الواردة فی أی باب یتوقّف علی الماع و إمعان النظر فی ماهیّة الموضوع فی ذلک الباب أو المسألة ، و لو بالاطّلاع الإجمالی علی البحوث التخصّصیّة المرتبطة بذلک الموضوع ، و ستأتی الإشارة إلی ذلک إن شاء اللّه تعالی .

أمّا الأقوال فی المسألة فأهمّها أربعة :

الأوّل : نفی الضمان مطلقاً ،

إلّا إذا أسقط اعتبارها عن رأس ، کما هو مفاد الأخبار الواردة .

الثانی : ثبوت الضمان فی الفارق الفاحش ،

مثل ما حدث لبعض العملات فی عصرنا الحاضر ، بخلاف الفارق غیر الفاحش ، و هو نظیر ما التزم به فی کلماتهم من أنّ إنساناً لو استقرض مقداراً من الماء فی صحراء قفر من شخص فإنّه لا تبرأ ذمّته بتسلیم الماء فی البلاد المعمورة المتبذل فیها الماء بوفرة ؛ لأنّ مالیّة الماء فی الصحراء أضعاف مالیّة الماء فی البلد ، و هذا شبه المتّفق علیه فی کلمات الفقهاء ، و هو دالّ إجمالاً علی

ص:539

لحفاظ الصفة المالیّة فی الأسواق .

و أیضاً لو استعار شخص سیّارة من صاحبها و تلفت بالاصطدام ، فهو ضامن لقیمة السیّارة بتمامها ، مع أنّ الباقی من هیئة السیّارة و أجزائها المکسّرة ذو قیمة مالیّة قد تعادل سدس القیمة الأصلیّة ، لکن حیث أنّها لا تقاس بالقیمة الکاملة الصحیحة فیغرم الضامن مجموع القیمة .

الثالث : ضمان فارق فی القیمة إذا کان بسبب ضعف القوّة الشرائیّة للنقد ،

دون ما إذا کان الفارق من جهة العرض و الطلب . و هذا قول عدّة من الأجلّة ممّن لهم اطّلاع بآراء المالیّین و النقدیّین فی مجال الاقتصاد ، فإنّ الرأی المعروف لدی المتخصّصین فی القضایا البنکیّة و الاقتصادیّة هو ذلک ، و إن لم یدوّن کقانون بین الدول .

و من المعروف أنّ الدولة البریطانیّة فی الحرب العالمیة الثانیة قد خرجت بدیون طائلة تفرّدت بها ، إلّا أنّ تلک الدیون کانت بعملتها فقامت بإسقاط قیمة عملتها إلی النصف ، و بذلک أسقطت نصف الدیون التی علیها و لم تتملّک الدول الدائنة لها بإلزامها بشیء من الناحیة القانونیّة ممّا أوجب مداولة هذه الظاهرة فی الوسط التعاملی الدولی ، فلم یستمرّ الاستدانة بین الدول بعملة الدولة المستدینة ، بل إمّا بعملة الدولة الدائنة ، أو بعملة دولة ثالثة ، أو بمقادیر بوحدة للمنابع الطبیعیّة للدولة المستدینة کالنفط و غیرها .

ثمّ لا یخفی أنّ القوّة الشرائیّة للعملة النقدیّة إنّما هی باعتبار الغطاء للعملة النقدیّة ، و هو المنشأ الحقیقی لقیمة العملة ، و هو شیء یجعل داعماً لها و یسمّونه رصیداً فی البنک المرکزی ، أو فی مؤسّسة النقد و الخزینة الوطنیّة .

و العرف السائد النقدی بعد الستّینات المیلادیّة صار یتوسّع فی الغطاء الداعم من الذهب إلی مختلف المنتجات من المنابع الطبیعیّة أو الصناعیّة ، بل و غیرها من خدمات الدولة ، فکلّ ثروات الدولة و منابعها و قوّتها المالیّة یکون رصیداً للعملة النقدیّة ، و هو الذی یؤثّر فی القوّة الشرائیّة کلّما کان الداعم أکثر و أقوی کانت العملة

ص:540

النقدیّة قوّتها فی الشراء أکثر ، فالمقدار الغطاء الداعم أو اعتبار الدولة هو المؤثّر فی القوّة الشرائیّة ، و من ثمّ کانت طباعة الدولة للعملة النقدیّة الورقیّة الزائد علی انتاجها موجب لتنزّل القیمة المالیّة للمال و سقوطه عن درجته للتعادل ، و قد یصبح للعملة صعود و نزول لا لأجل زیادة کمّیة فی الرصید ، بل لأجل ارتفاع القیمة المالیّة للصناعات و المنتوجات الوطنیّة و غیرها ، و هذا النزول و الصعود لیس بسبب القوّة الشرائیّة ، و إنّما هو لغلاء نفس السلّاع و رخصه فی بعضها ، و التفکیک بین هاتین الحالتین أمر دقیق و عویص فی مقام المحاسبة للتضخّم النقدی ، و إن کان المتخصّصین فی أسواق البورصة النقدیّة و بنوک الاعتماد و غیرها ترصد تغییر القیمة الناجم من کلّ من الحالتین .

فمحصّل القول الثالث التفصیل بین التغیّر فی القیمة الناشئة من القوّة الشرائیّة و بین المسبّب من العرض و التلف .

الرابع : التفصیل بین ما إذا جری التعاقد علی النقد بنحو الموضوعیّة ،

فلا ضمان ، و بین ما إذا جری التعامل علیه کطریق و مرآة للقیمة و المالیّة فیکون التضخّم المالی مضموناً ، و هذا هو الغالب فی المهور ، و قد اختاره الشیخ الأراکی قدس سره .

و المراد بالطریقیّة و المرآتیة هو جعل النقد مؤشّر و علامة لدرجة الوحدة المالیّة و الصفة القیمیّة فی الأشیاء ، فإذا کان کذلک فالنقد یکون طریقاً للدرجة المالیّة ، و فی المهور غالباً بنحو الطریقیّة ، کذا الحال فی مقدار من النقد ممّا یمکن به شراء بیت أو سیّارة مطلوبة ، و حینئذٍ فالنقد فیه یکون طریقاً إلی شراء البیت و نحوه و قیمتهما ، فلو تنزّلت قیمة النقد بحیث لا یمکن معه شراء بیت أو غیره فلا بدّ من الجبران و التدارک .

و أمّا فی تقدیر الموضوعیّة فیعتبر النقد بما هو نقد و له موضوعیّة خاصّة ، حیث أنّ النقود تختلف قوّة حافظیّتها بعضها عن بعض ، فالقیمة المالیّة و درجتها فی ضمن الدولار - مثلاً - أحفظ من القیمة المالیّة فی ضمن الدینار - مثلاً - فمیزان الحفاظ و الثبات فی الصفة المالیّة ممّا یرغب إلیه و یوجب الموضوعیّة لنقد خاصّ ، فهاهنا

ص:541

التفاوت لا یضمن ، و لأجل معرفة حقیقة الحال من الضمان و عدمه لا بدّ من معرفة حقیقة موضوع التضخّم و هو النقد .

حقیقة النقد

و إنّه ما الفرق بین نقدیّة الذهب و الفضّة و بین نقدیّة الورق ؟ و ما هی الصفة النقدیّة . . و کیفیّة نشوء هذا النقد الورقی ؟

عرّفت الصفة المالیّة تارة بالرغبة ، و اخری بمعرف الرغبة ، أی ما یبذل بإزاء المرغوب عنه ، و النسبة بین المال و الملک عموم من وجه ، و النقد جعل شیئاً وسطیّاً فی الدرجة المالیّة بین الأشیاء کعیار و میزان ، فکأنّما تجعل الصفة المالیّة التی تعرض النقد هی نوع من التوزین و القدر و التقدیر للصفة المالیّة فی أشیاء اخری .

و ذهب بعض فی تعریف النقد إلی أنّه لا یبذل بإزائه المال ، بل هو بنفسه المبذول ، فلا یصدق الصفة المالیّة علی النقد ، فالنقد هو عین المالیّة لا أنّه شیء تعرض له صفة المالیّة ، هو عین البذل ؛ لأنّه یبذل بإزائه .

و فیه : النقد یبذل بإزائه المال ، مع کونه حدّاً للمالیّة و وحدة لها و میزان عند کلّ البلدان ، فإنّ الزارع ربّما یوجد لدیه منتوجات یرید أن یستحصل بها قدراً من النقد لیختزن المالیّة فی الورق النقدی مع وجود الرغبة فیه لاحتمال زیادة القوّة الشرائیّة فیه دون الأعیان المالیّة التی بحوزته ، کما هو الحال قبل ظهور النقد فی التعامل البشری ، فإنّهم کانوا یجعلون بعض المنتجات وسیطاً تعاملیّاً ، فالانتاج الزراعی هاهنا هو الثمن ، فیبذل فی مقابل النقد .

و بعض آخر ذهب إلی أنّ النقد الحقیقی شیء له المال ، کالذهب و الفضّة ، و النقد الاعتباری کالورق النقدی هو عین المال ، و هو أیضاً لیس فی محلّه .

ثمّ إنّ هذه الصفة المالیّة هی مبدأ نشوء النقد الورقی بعد أن کانت فی حالتها البدائیّة تلحظ فی النقد السلعی ، فانتقلت إلی الورق ؛ لأنّه ربّما لا یرغب الطرفان فی سلعة

ص:542

الآخر ، مضافاً إلی أنّ التعاوض بالسلع لا یکون دقیقاً میزانیاً ، فوجدت فکرة النقد المالی المعدنی من الذهب و الفضّة أو النحاس ، و منه إلی الورق لدی البشر ، و بدأت بضرب النحاس الحدیدی ، ثمّ تطوّرت إلی الذهب و الفضّة ، و یعرف بالسکّة ، أی یسکّ و یضرب و یقولب علی الذهب و الفضّة بمهور معیّنة ، فالصفة المالیّة العارضة علی الأشیاء بدأت صفة مستجدّة مستقلّة فی نفس النقد .

و قبل تولّد العملة النقدیّة و استعمالها کوسیط فی المعاملات کان الإنسان القدیم یقضی حوائجه من خلال معاملات کان التداول بها بین جنسین ، فتلک المعاملات کانت تجری غالباً فی الاقتصاد البسیط کمعاملات أفراد قریة واحدة أو قریتین قریبتین ، فکانوا یتعاوضون و یتبادلون ما یحتاجون مقابل حاجات الطرف الآخر ، و ذاک النظام التعاملی یجری الآن فی جملة من المعاملات الدولیّة ، لا سیّما بین البلدان التی تکون العملة النقدیّة الأجنبیّة فیها محظورة وروداً و خروجاً ، أو التی لا ترید تقویة وساطة النقد الأجنبی و نحو ذلک .

و حیث أنّ تلک المبادلات فی العهد القدیم کانت تصاحب مشاکل و معایب عدیدة کعدم وجود معیار للموازنة بین الجنسین و عدم إمکان المبادلات الوسیعة و غیرهما ، فلم یبق هذا النظام فی الأنظمة التجاریّة و لم یروه نظاماً حسناً و مناسباً للتعامل ، فحلّوا مکانه نظاماً آخر و هو استخدام بعض الأجناس المطلوبة کوسیط و معیار فی المعاملات ، و تختلف باختلاف الأمصار .

ففی إیران کانت الغلات مطلوبة ، و فی روسیا الجلود ، و هکذا فمن تلک الأشیاء الوسیطة فی مرّ الأعصار فی الأمصار المختلفة الشاة و الفرس و العبد و الرزّ و الشای و التنباک و النفط و الصدف و الحجر و الحدید و غیر ذلک .

و الخاصیّة المشترکة لهذه الأشیاء کسلع نقدیّة هی المقبولیّة العامّة ، و ذاک النظام أیضاً انقرض سریعاً ؛ لأنّ بعض تلک الأشیاء کانت تفسد فی قلیل من الأیّام و تهدر ، فکان یسقط عن الواسطیّة فأبدلوه بنظام آخر و ذلک باستخدام الفلزّات ، خصوصاً

ص:543

الذهب و الفضّة ، فإنّهما واجدان للرغبة و للمقبولیّة العامّة فی البلدان ؛ لأنّ لهما قیمة ذاتیّة و قابلیّة کثیرة للانعطاف و قبولاً للقوالب المختلفة ، و إمکان الحکّ و السکّ علیهما و عدم فسادهما بتطاول العدّة ، و التحقیقات التأریخیّة تفید أن قبل میلاد المسیح بقرون کانوا یتعاملون بالنقود الذهبیّة .

و من أثرات هذا النظام فی الاقتصاد هو انفکاک التولید عن المصرف ، و إمکان ادّخار النقود و غیرهما ، و مع ذلک خلقت و أوجدت مشاکل جدیدة ، کإمکان الغشّ فیه ، و کثرة اختلاف النقود اعتباراً ، لاختلاف المدائن و اختلاف الضروب و صعوبة حملها و انحفاظها إذا کانت کثیرة ، فخلقت النقود الورقیّة و تلک الأوراق بادئ بدء صدرت من التجّار و الصرّافین بعنوان الحوالة ، ثمّ شاعت أوراق التجّار المعروفین فی المناطق و المدائن المختلفة ، فصار مبدأ لإیجاد البنوک الأوّلیّة .

ففی الحقیقة البنوک الابتدائیّة کانت مصارف معروفة بالحسن و الاعتبار ، و فی تلک المصارف الابتدائیّة شوهد أنّ مراجعات أفراد للمجتمع لیست فی زمان واحد لتبدیل الحوالة بالسکوک الذهبیّة فیبقی دائماً مقدار من النقود الذهبیّة فی الخزانة راکداً و مجمّداً ، فأصدروا بمقدار تلک النقود أوراق جدیدة معتبرة ، و أقرضوه للمقترضین ، و یکون غطاؤها تلک النقود الراکدة ، و کان ذلک سبب خلق النقود الورقیّة البنکیّة الرائجة ، و أوّل من أقدم علی نشر تلک الأوراق فی الغرب هو پالمسترخ مؤسّس بنک استکهلم فی سنة 1650م .

صفات النقد

الصفة الاُولی : أنّه تمثیل و تجسید للمالیّة الموجودة فی الأشیاء

مع أنّه نفسه أیضاً فی النقود الذهبیّة و الفضیّة مال ، و لکنّه تجسّم للصفة المالیّة فی الأشیاء أیضاً ، کالأوزان الصرفیّة فی علم الصرف و الاشتقاق فی اللغة(فعل ، یفعل و هکذا)فإنّها مادة أیضاً ، و لکنّها ممثّلة لکلّ المواد کذلک فی الهیئة و الصیغة .

ص:544

الصفة الثانیة : أنّه یعیّن و یحدّد و یصیّر الدرجة المالیّة ،

و هذه الموازنة الموجودة فی النقد ملازمة للصفة الثالثة ، و هی الواسطیّة .

الصفة الثالثة : أنّه وسیط فی المبادلات المعاملیّة ،

و النقود الذهبیّة و الفضیّة لهما مالیّتان ؛ مالیّة بلحاظ نفس المادّة ، و مالیّة بلحاظ نفس الهیئة ، و بلحاظ أنّهما مسکوک ، فالمالیّة فیهما متولّدة من مجموع المالیّتین بخلاف النحاس فإنّ مالیّته بلحاظ الهیئة فقط ، و لا یعتدّ بمالیّة مادّته لضالّتها ، و من ثمّ السکّة الذهبیّة لا تقابل بمثلها ذهباً من حیث المقدار ، فإنّ للهیئة المضروبة قسطاً من المالیّة ، فإنّ مالیّة السکّة و المسکوک لیست ولیدة المادّة فقط ، بل لأنّ فی المسکوک وثوقاً بالمعیار الذهبی الموجود فیه و خدمة الوساطة التعاملیّة المتوفّرة فیه بذلک .

و الورق النقدی فی بدایته کان بمنزلة الحوالة ، و کان التجّار المعروفون یصدرون ورقة مع إمضائهم بدل أن یعطوا المال أو الذهب و من یحوز هذه الورقة یحقّ له أن یذهب إلی التاجر و یأخذ منه المال أو الدراهم و الدنانیر ، فهذه الورقة کانت حوالة و وثیقة ، غایة الأمر التبادل یجری بما فی ذمّة ذی الحوالة ، أی التاجر المصدر للورقة ، فالمالیّة لیست للورقة ، بل لما فی ذمّته ، و لمّا نشأت الدول فی الصورة الحدیثة ، بدأ ضرب الورق النقدی بحیث تکون الجهة المصدّرة للنقد الورقی هی الدولة ، و کان رصیده و غطاؤه الذهب و الفضّة ، و بعد ذلک اصطلحوا علی جعل الغطاء مطلق الثروات و الانتاجات الوطنیّة ، سواء کانت من المعادن أم النفط أم الخدمات ، کالخدمات السیاحیّة أو الجمرکیّة أو الملاحیّة و غیرها ، فهی مجموعة تکون داعماً لنقد الدولة .

و یذهب علماء النقد إلی أنّ هذا النقد الورقی مال و لیس وثیقة ، و لکنّه مال بین النّاس بعضهم مع بعض ، و أمّا بین الدول فهو وثیقة الدین .

و ما قیل : من أنّ النقد لا یعتبر وثیقة للدین فی أیّة تقدیر ، و إنّما یمکّن الواجد له علی امتلاک ثروات تلک الدولة المصدّرة له ، و یستشهد لذلک بأنّ التضخّم الحاصل

ص:545

فی النقد الورقی لا یکون مضموناً و لا تطالب الدولة الواجدة لعملة دولة اخری بضمانه بشیء معیّن فی ذمّتها مع أنّه لو کان وثیقة الدین فلا بدّ أن لا یکون فیه اضطراب و تغیّر نظیر الصکوک(الشیکات)، فإنّ اعتباره یغایر اعتبار الدین الذی یوثق به ، فنفس التغیّر و التبدّل فی العملة دالّ علی أنّ العملة و النقد الورقی لیس وثیقة علی الدین ؛ لأنّ المفروض أنّ الدین لا یتغیّر بغیر الوثیقة .

مدفوع

أوّلا : بأنّ من لوازم کون النقد الورقی وثیقة علی الدین ثبوت حقّ المطالبة لحامل الوثیقة من المصدر ، و یأخذ منه دینه ، بخلاف ما إذا کان بنفسه مالاً ، فإنّ إعطائه إلی الطرف المقابل المصدر لا یلزمه بأخذه و أداء ما بإزائه .

و الحال أنّ الواقع الخارجی هو التقدیر الأوّل فی النقد الورقی ، فإنّه إذا أعطت دولة مقادیراً من العملة إلی الدولة المصدرة للنقد الورقی الخاصّ فتکون(الدولة المصدرة)ملزمة بالإعطاء من الانتاج الوطنی ، کالنفط أو بما ترضی به الدولة الاُولی من عملة صعبة ، کالدولار ، و هذا شاهد علی أنّ النقود الورقیّة دولیّاً تحسب کوثیقة علی المال .

ثانیاً : إنّ الدولة المصدّرة للورق النقدی إذا أسقطت اعتباره تکون ضمانة لمالیّته ، و لیس ذلک من باب الاتلاف ؛ لأنّه لم تتلف النقود بعد ، و لیس ذلک إلّا من باب أنّه یعتبر کوثیقة فی الذمّة ، فتأمّل .

و ثالثاً : قد ذکرنا أنّ النقد قوّته الشرائیّة و قیمته المالیّة خاضعة و مرتبطة بما یجعل رصیداً و داعماً و غطاءً له ، فقیمة الرصید هی التی تؤثّر فی قیمة النقد الورقی ، فإذا هبطت هبطت قیمة النقد و بالعکس ، فحینئذٍ فالوثیقة ثابتة ، و هی الورق النقدی ، و المتغیّر هو قیمة الرصید و الغطاء ، و هذا لا ینافی کون الورق النقدی وثیقة .

فالتغیّر تارة هو فی مالیّة الورقة النقدیّة ممّا یدلّل علی أنّ الصفة المالیّة هی للورقة النقدیّة بقول مطلق ، و اخری التغیّر فی الواقع لیس لها ، و إنّما لتزلزل القیمة المالیّة

ص:546

للغطاء و الرصید ، فهذا لا ینافی کون الورقة النقدیّة وثیقة ، و إنّما المالیة المتغیّرة هی لجهة الداعم .

نعم ، هناک حالات فرضیّة و مفتعلة فی الأوضاع المالیّة ، فالتغییر فی الورق النقدی مسبّب عن ممارسة نفس الدول المصدّرة عملیّات خاصّة لذلک ، فهی حالات علی خلاف الطبیعة الأولویة للنقد ؛ لأنّ النقد جعل وسیطاً فی المبادلات ، و إذا ابتلی بهذه الحالات تصیر وساطته فاشلة ، فالمالیّة المتغیّرة للغطاء هی فی الحالات السلیمة لا مالیّة الورقة ، و أمّا الحالات السقیمة ، فهی حالات غیر قانونیّة ، و الدولة نفسها تنزّل و تصعّد فی القوّة الشرائیّة للنقد .

فالوحدة القانونیّة من الورق النقدی التی تقابل بکذا مقدار من المنتوج الوطنی هو المقرّر المعیّن فی الحالات السلیمة و وساطة النقد تکون فی هذا المجال ، و من ثمّ بحث فی العدالة المالیّة أنّ المیزان العادل فی الورق النقدی ما هو ؟ و کیف ینشأ التضخّم فی السیولة و هلم جرّاً ؟

و إنّه إذا سحبت السیولة من السوق فتزداد القیمة المالیّة للنقد ، و إذا طبعت مقادیر أکثر فأکثر من الورق النقدی فتتنزّل ، و هذه الحالات لا ربط لها بغیر الغطاء ، بل مرهونة لسیاسات الدول المالیّة و مرهونة بالحوادث العالمیّة کالحرب و السلم و نحوه .

و هناک نمط ثالث فی تغییر العملة تقوم به الدولة المصدّرة بجعل الفئة الواحدة مقابل وحدتین أو نصف الوحدة من الفئة الانتاجیّة الوطنیّة ، فتزداد أو تنقص القیمة النقدیّة ، و هو تغییر فی اعتبار مالیّة النقد . و فی تلک الحال فهل یکون النقصان فی مالیّة النقد بین الدول مضموناً ، و أنّ هذا لا یخلّ بوثیقة الدین ؛ لأنّ الدولة الواجدة لعملة دولة اخری من حقّها أن تطالب بالانتاج الوطنی علی قدر الوحدات السابقة ، فلو تنزّلت القیمة النقدیّة فقیمة الدین لا تتنزل ؛ لأنّ الدولة الثانیة تطالب من الدولة المصدّرة بمقدار من الانتاج الوطنی الداعم للورق النقدی بحسب القرار الأوّل القانونی ، فلن یکن هناک تنزّل بالنسبة إلیها کما هو الحال فی ثبات القرار الأوّل ،

ص:547

و إن ازدادت السیولة ، فإنّ ازدیاد السیولة و إن أوجب نقص القوّة الشرائیّة للنقد و بالتالی نقصان مالیّة النقد فی مقابل السلع و الأعیان المالیّة ، إلّا أنّ ذلک یوجب حدوث قیمتین مالیّتین للنقد ؛ أحدها بحسب الاعتبار و القرار المقابلی عند الدولة بین فئة النقد و وحدته مع فئة و وحدة الثروة الوطنیّة العامّة المنتجة ، و ثانیها بحسب السوق الحرّة بسبب ضعف القوّة الشرائیّة ، إلّا أنّ التعامل النقدی بین الدول یظلّ ثابتاً بثبات الاعتبار و القرار الأوّل ، أم أنّ الصحیح هو التفصیل بین التغیّر الثانی و الثالث ، فمع تبدیل قرار الاعتبار لا تستطیع الدولة القابضة أن تلزمها قانونیّاً کما مرّ فی قضیّة بریطانیا فی الحرب العالمیّة .

ثمّ إنّه قد ذکر شاهداً آخر علی أنّ الورق النقدی مال مطلقاً ، و هو أنّ تلف الوثیقة لا یتلف الدین لا فی القانون الشرعی و لا الوضعی ، بینما تلف العملة النقدیّة یعتبر کتلف المال ، سواء بین الدول أو بین النّاس ، فیدلّ علی أنّه لیس من قبیل الحوالة ، و قرّبوا هذا الوجه فی الصکّ أیضاً و قالوا لیس هو وثیقة علی الدین ، بل مال بنفسه ، و إذا تلف یتلف المال .

و لکنّ هذه التعدیة إلی الصک غفلة ، حیث نری بوضوح أنّ الصکّ إذا تلف لا یتلف الدین ، و أمّا فی الصکّ المفتوح ، فحیث أنّ الشخص الواجد له سوف یأخذ من المخزون فی الحساب المالی من موقع الصک فیکون إتلافاً لمقدار ذلک المال ، و خسارة فی مال الموقّع للصکّ المدیون ، فیضمنه الدائن و یحصل التهاتر ، و أمّا لو کان الصکّ باسم خاصّ فضیاعه لا یکون تلفاً للدین .

فتحصّل أنّ الورقة النقدیّة مال إضافی لا مال بقول مطلق ، یعنی أنّه فی نهایة المطاف هو وثیقة دین علی ذمّة الدولة من جهة ، و هو مال فی التداول بین النّاس من جهة اخری .

مضافاً إلی أنّ هناک شواهد اخری لوثیقة النقد ، کمن تلف بحوزته الورق النقدی أو استطاع أن یثبت لدی الجهة المصدّرة أنّه تلف و أعلمهم بالرقم المسلسل المکتوب

ص:548

علی العملة ، فحینئذٍ تلزم الدولة بالمعاوضة ، و لو کان مالاً بقول مطلق ، فکیف تلزم الدولة بالتعویض فی الصورة المزبورة ، مع أنّه لا مانع فی الحوالة أن یشترط فیها أنّه إذا ضاعت وثیقتها تبرأ ذمّة المدین ، أو إذا حصل کذا تبرأ جزء من ذمّة المدین ؛ لما لهذه الحوالة و السند من فوائد اعتباریّة اخری مالیّة ، فلا مانع من ذلک ، و هذا هو المتّبع فی بدء نشوء الحوالة لدی التجّار لدفع خسارات السرقة و الوضع .

حقیقة واسطیّة النقد بین الأشیاء

إنّ الصفة النقدیّة الاعتباریّة تکون فی ذمّة الجهة المعتبرة لها ، کما هو الحال فی السیولة الورقیّة ، و من هذه الجهة تعتبر دین علی ذمّة المصدّر ، و أمّا صفة واسطیّتها فی المعاملات فتبیانه أنّ فی البدء احتیج فی المعاملات إلی التبادل بین الأعواض ، و قد لا یحتاج أحدهما إلی عوض الآخر ، بل إلی جعل أعواض معیّنة ثابتة لأجل المعاوضة ، فأحد الطرفین رغبته إلی الصفة المالیّة لا الشیء الموصوف بالمال ، فتولّدت الحاجة إلی معیار و حدّ وسطی فی المبادلات یکون معیاراً بین السلع المختلفة أیضاً ، و النقد وظیفته المیزان بین مالیّات الأعواض ، و تعییر الصفة المالیّة فی الجمیع لما فیه من الانضباط فی الدرجة المالیّة ، و لما فیه من سهولة النقل فی السفر و وجدانه فی جمیع البلدان ، و أخیراً انتقل إلی الذمم الممثّلة فی الکارت الاعتباری ، و هو وجود تنزیلی آخر للنقد ، فمقدار النقد الذی فی ذمّة البنک لصاحب الحساب یتمّ ترامی التعامل به کثیراً ، فتجعل ذمّة البنوک هی النقد المتحرّک فی المعاملات ، فصارت السیولة غیر منحصرة فی الصکوک و لا الورق النقدی ، بل توسّع إلی الذمم أیضاً ، فسهولة التناول من خواصّ النقد ، و لذا توسّعت إلی الذمم لأجل هذه النقطة ، مضافاً إلی أنّ للورق النقدی خصیصة ثالثة ، و هی أنّ الإنسان یختزن فیه أشیاء کثیرة بدل أن یختزن نفس تلک الأشیاء المعرضة للتلف و الضیاع و نحوه .

ثمّ إنّ القانون الوضعی للنقد یجعل ضابطة للرصید هی أنّ کلّ فئة من الورق النقدی

ص:549

تقابل فئة من وحدة الانتاج الوطنی .

فالوحدة من الفئة النقدیّة تحاذی مقداراً من النفط مثلاً ، فإذا قوبل بوحدة من وحدات الرصید المالیّة تحاذی مالیّة تلک الفئة وحدة من الانتاج الوطنی الذی هو الرصید ، فتضبط الفئة النقدیّة ، فلا تستطیع أن تلزم الدولة الاُخری بأغلی من ما قدرت و لا دون ما قدرت ، و هذا هو القرار الأوّلی فی مالیّة النقود ، فبدل ما کان فی البدایات بعض الأعواض تتّخذ حالة النقود مثل الشای الذی له حالة النقدیّة فی بعض البلاد استبدل بالورق النقدی بداعمیّة الرصید و الانتاج الوطنی ، و جعل وسیطاً فی المعاملات ، و مالیّة الرصید جعلت عیاراً فی مالیّة الأعواض المعادلیّة ، و مع صعود و نزول الانتاج الوطنی یتغیّر و یتبدّل أیضاً الورق النقدی من حیث القیمة و المالیّة .

هذا هو الطبع الأوّلی فی النقود ، أمّا إذا زادت الدولة طبق الورق النقدی ، فهو نوع من المخالفة للقرار الأوّلی ؛ لأنّ الفرض کذا مقدار من السیولة یحاذی کذا مقدار من الانتاج ، و مع زیادة السیولة یکون هناک اختلال فی المحاذاة ، فتحاذی نفس وحدة المقدار من الانتاج الوطنی فئتین من وحدة النقد الورقی - مثلاً - و إذا انقصت السیولة فیحاذی نفس المقدار من الانتاج الوطنی نصف الفئة من النقد الورقی - مثلاً - و الصورة الاُولی هی فی الحقیقة سرقة من أصحاب الأموال .

فالتضخّم إذا کان بفعل الدولة فهی ضامنة علی حسب القواعد ، فبیت القصید فی واسطیّة النقد أنّ النقد الورقی یکون وسیطاً حقیقیّاً إذا عادل بین مالیّة الانتاج الوطنی و مالیّة السلع الاُخری ، و أمّا إذا لم یعادل فوسطیّته خاطئة و لا یعتدّ بها ؛ لأنّها حینئذٍ علی خلاف ما قرّر وضعه أوّلاً ، و خلاف مهمّة النقد و وظیفته . فالوسطیّة تکون بمعنیین : المعنی الأوّل کونه مرآة لمالیّة الرصید الوطنی مع أموال و أعواض اخری ، و المعنی الثانی کون مالیّة الغطاء الوطنی عیار لمالیّة الأعواض الاُخری فی المقابلة بینها .

و بکلا المعنیین یتضمّن نوع توزین و عدالة مالیّة فی المالیّات ، و وضع النقد لأجل

ص:550

ذلک ، فلا محلّ للتردید فی أنّ النقد هل هو مثلی أو قیمی ؟ لأنّه بلحاظ الصفة المالیّة یکون متمحضاً فی الوسطیّة .

و لبیان الوحدة المقداریّة فی صفة المالیّة فهو مال محض فی لون المالیّة من دون أن یمثّل ذات جوهریّة معیّنة ، و قد اخذ لذلک فی وجوده الاعتباری فی التعهّد و الوضع الأوّل ، فالوسطیّة لا یرفع الید عنها ، و إلّا فلیس هو میزاناً عادلاً .

و أمّا الغطاء الذی یحاذی الورق النقدی هل هو مثلی أو قیمی ؟ فهذا بحث آخر ، و له تأثیر فی النقد ، و إلّا فالنقد فی نفسه یعتبر میزاناً لمالیّات الأشیاء کلّها ، و أمّا بلحاظ دعمه و رصیده فقد یتّصف بالمثلی أو القیمی ، و عدم الثبات فی مالیّة الرصید لا یخلّ بوسطیّة النقد ، و بما أنّ کلّ فئة واحدة من الورق النقدی تقابل فئة واحدة من النفط و یقع التضخم بلحاظ مالیّة الانتاج الوطنی یمکن القول بمثلیّة النقد کما أنّ تصاعد مالیّة الانتاج الوطنی و تنزّلها لا یوجب الإخلال بوسطیّة النقد .

ثمّ إنّ فرض و صورة ما قاله الشیخ الأراکی قدس سره خارجة عن موارد التعامل الدارج الرائج .

ثمّ إنّه إذا أوقع التضخّم فتارة بسبب الدولة ، و اخری بسبب آخر کالتأخیر ، یعنی بسبب المدین ، و ثالثة بسبب أمر فجائی غیر المدین .

فإن کان بسبب تأخیر الأداء من المدیون ، فاللازم فیه الضمان ، لا سیّما إذا کان الفارق المالی بقدر کبیر فاحش ، و المعروف فی الکلمات أنّ الضامن فی غیر الغاصب لا یضمن النقص فی الأوصاف الاعتباریّة و لا فی الدرجة المالیّة و لو کان بسببه . و هذا علی خلاف العرف المالی العقلائی السائد ، و هو محلّ تأمّل ؛ لأنّ الموضوعات فی الأحکام الشرعیّة هی بحسب وجوداتها العرفیّة ما لم یرد تعبّد بخلافه ، و حیث أنّ موضوع الضمان هو أداء العین ، و المفروض هاهنا أنّ إعطاء الفئة النقدیّة مع التضخّم الفاحش لا یکون أداءً ، فدعوی أنّه غیر ضامن محلّ منع .

و ما قیل إنّ المال فی الاقتصاد غیر المال فی النقد فی البحث الفقهی ، فهو غریب ،

ص:551

فإنّ المحمولات الفقهیّة إذا کانت موضوعاتها خاصّة ، فیجب تحلیل ذلک الموضوع من العلم التخصّصی الباحث حوله و ملاحظة أنّ الشارع هل أخذ الموضوع بحدوده الواقعیّة أو غیر ذلک ، و هذا بحث آخر لکن بادئ ذی بدء لا بدّ من التفحّص التخصّصی فی الموضوع .

و بعبارة اخری : أنّ مراحل استنباط الحکم الشرعی الأوّلی - کما هو مقرّر فی علم الاُصول - هو البحث أوّلاً عن الحقیقة اللغویّة ، و هی الرابطة بین اللفظ و مجمل المعنی ، و هو ما الشارحة .

ثمّ عن الحقیقة العقلیّة ثانیاً ، نظیر بحث الصحیح و الأعمّ ، و هاهنا یأتی دور العلوم التخصّصیّة الباحثة فی موضوعات الأبواب الفقهیّة .

و ثالثاً : البحث عن الحقیقة الشرعیّة فیما لو کان للشارع معنی مستحدث للفظة .

و رابعاً : البحث عن المعنی المستعمل فی الألفاظ الواردة فی الأدلّة بحسب القرائن الخاصّة ، فقد یرفع الید عن کلّ ما سبق بتوسّط القرائن الخاصّة ، هذا فضلاً عن ما لو کان فی الأدلّة عنواناً لفظیّاً آخر عن موضوع الحکم ممّا یوجب عدم حصر البحث حول اللفظ الأوّل ، و لا بدّ من التنبّه إلی أنّ فی البحث الثانی من الرجوع إلی المتخصّصین فی الموضوع المراد الرجوع إلی أهل الخبرة الکاملین فی ذلک التخصّص من ذوی الدرجة العالیة لا المراهقین فی المستوی العلمی .

نعم ، قد یحدث بین المتخصّصین اختلاف فی تشخیص الموضوع ، و هذا بخلاف ما إذا اتّفقوا علی تحلیل ظاهرة معیّنة ، فیؤخذ بکلامهم ، إلّا إذا تیقّن خطأهم و هو من باب الرجوع إلی أهل الخبرة و کثیر من الباحثین فی هذا الموضوع استشهدوا بموارد جزئیّة ، و الحال أنّ الموضوع أخذ بُعداً معقداً ، و انتشر فی حیاة المجتمع بشکل عریق ، و لا یمکن البحث عنه بمجمل العرفیات .

ثمّ إنّ فی التضخّم أربع ظواهر و حالات :

الظاهرة الاُولی : أن تقوم نفس الدولة بطبع أوراق أکثر من المقرّر - خلاف القرار

ص:552

الأوّلی - و هذا یسبّب هبوط قیمة العملة ؛ لأنّ الانتاج الوطنی - الذی هو غطاء النقد - محدود ، بینما العملة ازدادت کمّیة عددها فیختلّ التعادل بینهما .

الثانیة : أن یتصاعد نفس المال أو یتنازل نتیجة کثرة الطلب علی النقد أو لصفة الثبات فی قیمته أو غیر ذلک من الأسباب ، و هذا لیس خلاف القرار ، فلا تکون الدولة ضامنة .

الثالثة : أن یقلّ الانتاج ، فهذا خلاف القرار الأوّلی فهی ضامنة .

الرابعة : زیادة قیمة المنتوج الوطنی ، فهی ضرر علیها لا علی الواجد للنقد ، و لیس خلاف قرارها الأوّل علی نفسها ، فهی منفعة للغیر .

ثمّ یقع الحدیث فی الصفة الاُخری فی النقد ، و هی اختلاف حافظیّة أنواع النقد للقیمة المالیّة ، و علیه فإنّ تنزّل الورق النقدی و تصاعده ما دام المتعامل غافلاً عن هذه الصفة فی النقد ، و هی قوّة حافظیّته للقیمة المالیّة و ثباتها ، فیکون تحمّل التضخّم بسبب نفسه لا من المدیون ؛ إذ یجب علی الدائن أن یدین المدین بشیء و نقد یحفظ المالیّة ، ففی مورد الزواج - مثلاً - یلاحظ أنّ أولیاء البنت إذا کانوا حذّاقاً فی الاُمور المالیّة یشترطون فی المهر الأرض أو الذهب لا الورق النقدی ، حیث أنّ الفطن فی المعاملة یقرّر عوضه فی شیء احفظ للمالیّة و أبقی للصفة المالیّة علی درجتها أو یوجب نموّ الصفة المالیّة لا العکس .

فهذه الصورة من التضخّم لا یتحمّل مسئولیّتها المدین ، حیث یمکن للدائن أن یتبادل بالدولار بدل أن یتبادل بالدینار مثلاً - الذی لیس له ثبات - إذ العلاقة بین ذوات الأشیاء و الصفة المالیّة هو أنّ الذوات حافظة للصفة المالیّة بلحاظ منافعها ، إن زادت المنفعة تزداد الصفة المالیّة فیها ، و کذا العکس ، فیجب أن یتحرّی المتعاقد فی أی عقد فرض ، شیئاً یحفظ الصفة المالیّة بنحو الثبات أو علی التزاید ، و لکنّ هذه الصفة یمکن مراعاتها فیما إذا کان الثبات و عدم الثبات مشخّص لدی نوع التعامل فی ذلک الظرف لا ما کان خارجاً من الحسبان عند الکلّ ، فیعزی إلی القضاء و القدر ، فلا یمکن

ص:553

الأخذ به مطلقاً ، و الحافظ للصفة المالیّة لیس هو النقد ، بل هو مالیّة الشیء الداعم ، فإذا جعل العوض نقداً معیّناً ، فقد جعل العوض المالیّة فی الغطاء و الداعم .

و لا ینقض - علی حیثیّة الوثیقة فی الورق النقدی بأنّ لازم ذلک جواز دفع عملة مکان اخری فی مقام الوفاء ، و استبدال ورق بورق آخر کالدینار بالدولار ، و الحال أنّه لیس کذلک ، فیتّضح أنّ النقد مال بنفسه - لأنّ هذا لا ینافی وسطیّته ، و عدم کونه مالاً فإنّه مال بالذات بین النّاس و وثیقة بین الدول . إنّ الذی یأخذ الفئة الخاصّة من الدولار یلزم حفظ مالیّة ماله فی ضمن غطاء خاصّ أقوی و أشدّ ثباتاً من غطاء الورق النقدی الآخر ، فلا یمکن الإلزام فی مقام الوفاء بالاستبدال لأنّه فرق کبیر بین الغطاءین .

ثمّ یقع الکلام فی کون مالیّة الأشیاء بلحاظ المنافع ، و أنّ المال - و هو صفة للعین - لها حیثیّة تعلیلیّة و هی المنافع ، لکنّها لیست حیثیّة تقییدیّة ، و من ثمّ المالیّة تقابل العین لا فی قبال المنافع ، و إن کانت المنافع حیثیّة تعلیلیّة لاتّصاف العین بالمالیّة مع أنّهم یقرّرون فی الحیثیّة التعلیلیّة للوصف أنّ له قسطاً من الثمن و لا یراد منه أنّ الأوصاف تقابل المالیّة ، بل العین إنّما تقابل المالیّة ، و کذلک یقرّرون أنّ المنافع لها قسط من الثمن .

و هناک حالة ملحوظة فی الأعیان ، فإنّ بازدیاد المنافع تزداد المالیّة ، و بنقصها تنقص المالیّة ، فهناک ترابط بین درجات الصفة المالیّة و درجات المنفعة الملحوظة .

و هذا هو تفسیر الفتوی بأنّه إذا استقرض الثلج فی الصیف أو الماء فی البریّة و أتاه به فی الشتاء أو فی العمران ، فهو ضامن لقیمته لا عینه ، و کذلک الماء فی الصحراء و البلد ؛ لأنّ منافعه إمّا تنعدم أو تقلّ بدرجة کبیرة ، و کذا ما یقال إذا تلفت سیّارة مستأجرة فأصبحت سیّارة مستهلکة للغایة أو من الحدید المهمل ، فهو ضامن للقیمة مع أنّ للمکسورات الباقیة مالیّة .

هذه الظاهرة العرفیّة من تناسب القیمة المالیّة للعین مع المنافع الموجودة لها ، فکلّما قلّت المنافع قلّت قیمة العین بنحو العلاقة الطردیّة ، و إن کانت المنافع حیثیّة

ص:554

تعلیلیّة لاتّصاف العین بالقیمة المالیّة فالتلف من المنافع یقلّل القیمة المالیّة ، فالمالیّة علاقتها مع العین لیست بالتقابل ، إلّا إذا افرضت المنفعة فی عقد إجاری ، و إلّا المالیّة دائماً هی فی مقابل العین لا المنافع و الأوصاف ، و لکن فی الأوصاف و المنافع علاقة طریّة کحیثیّة تعلیلیّة متناسبة تماماً بالدقّة مع درجة المالیّة .

نعم ، بالنسبة إلی بعض الأوصاف کالهیئة ، فقد أصرّ العلّامة السمنانی علی أنّ مالک الهیئة یکون شریکاً لمالک المادة ، و العرف القضائی الوضعی فی هذا الیوم یقرّر ذلک ، و هو متین فی الجملة ، و المعروف فی الکلمات أنّ الهیئة لا تقابل بالمالیّة قد یکون ذلک تامّاً بحسب البیئة و الحیاة الاقتصادیّة القدیمة ، و لکن الآن تقابل بالمالیّة بلا ریب ، فإذا کانت بعض الأوصاف تقابل بالمالیّة ، فکیف لا تکون جملة الأوصاف تؤثّر فی المالیّة ، و لو بنحو الحیثیّة التعلیلیّة کما هو الحال فی المنافع .

ثمّ إنّ هناک مقولة اخری فی عالم المال ، و هی أنّ المال و المالیّة اللذین فی الأعیان عمل مکتنز ، أی أنّ العمل المبذول فی عین ما لا یذهب سُدی و إنّما یظهر أثره فی درجة المالیّة لتلک العین ، کذلک الحال فی المنافع ، فإنّ المالیّة المکتنزة فی العین هی بلحاظ المنافع و درجتها متناسبة مع درجة المالیّة .

فالمحصّل أنّ هناک علاقة طردیّة بین الأوصاف و المنافع مع درجة المالیّة للعین ، فمن ثمّ إتلاف الوصف أو المنفعة یوجب تلف فی قیمة العین .

هذا إلّا أنّ ظاهر المشهور أنّ الغاصب یؤخذ بأشدّ الأحوال کضمان تنزل القیمة المالیّة دون غیره من أفراد الضمان ، مع أنّهم یذهبون إلی الضمان عند کون الفارق فی تنزّل القیمة فاحشاً کما فی مثال الماء و الثلج و السیّارة .

و علی ضوء ما تقدّم یتّضح أنّ مقولة المثلی و القیمی لیس المدار فیها علی مثلیّة المثلی أو قیمة القیمی ، فلا یظنّ أنّ الظواهر المالیّة تبقی علی حالها فی کلّ الأزمنة ؛ إذ تتغیّر أحکامها ، فالمعروف أنّ المثلی یضمن بالمثل ؛ لأنّه أکثر تحفّظاً علی ضمان الشیء من القیمة ؛ لأنّ أداء العین له مراتب :

ص:555

الاُولی : أداءها بشخصها .

الثانیة : أداءها بصفاتها النوعیّة ، و إن لم یحفظ شخصها .

الثالثة : أداءها بقیمتها المالیّة ، و هو حفظ للعین فی صفة واحدة ، و هی المالیّة .

ففی العین جهات : الصفة المالیّة و الصفات النوعیّة و الشخصیّة ، و هی أکثر تحفّظاً علی المالیّة ، إلّا أنّنا الآن نری فی بعض الموارد انعکس الأمر ، فلیست المثلیّة أکثر تحفّظاً علی العین من القیمة ، کما فی النقد الحالی الموجود ، حیث تحفظ الصفة المالیّة بنحو أکثر ثباتاً من حفظها فی ضمن الصفات النوعیّة فی المثل .

و المحصّل أنّه فیما إذا کان الورق النقدی لاقی تضخّماً ، فتارة هو بسبب الدولة ، و تارة لیس بسببها ، فالورق علی حاله الأوّلی و إنّما نفس مالیّة الشیء الداعم تغیّرت لاختلاف الرغبة بحسب تطاول المدّة و تغیّرات البیئات المختلفة المالیّة و الاقتصادیّة ، فیقل الطلب له ، فالفارق فی القیمة بسبب تقصیر المدین و تأخیره ، و تارة لا بالتأخیر و لا بسبب الدولة ، و إنّما بسبب العرض و الطلب فی السوق فی الظرف الزمنی الواحد ، ففیه ثلاث حالات :

أمّا فی الحالة الاُولی : التی هی بسبب الدولة ، فهل یکون المدیون ضامناً للدائن أو لا ؟ و مورد البحث هو فیما إذا لم یکن هناک شرط ضمنی علی التقدیر بقدر مالی معیّن و لم یکن التعاوض بقدر مالی کواسطة للشیء الآخر الذی هو قول و فرض الشیخ الأراکی .

ثمّ إنّ النقد ، سواء عدّ مثلیاً أو قیمیاً ، فهو یعبّر عن مالیّة الغطاء ، و هو فی نفسه مثلی ، إلّا أنّه نری فی الحیاة المعاشة أنّ القیمة قد تکون احفظ للشیء من جهة المثلیّة ، فمن ثمّ لا یجب ضمان المثلی بالمثل دائماً .

و أمّا الحالة الثانیة : فالصحیح هو الضمان فی القسم الثانی ؛ لأنّ الصفة المالیّة ولیدة صفات العین ، فکما یقرّر الضمان بلحاظ صفات الشیء المغصوب للغاصب ، و کما فی العین التالفة بلحاظ غالب منافعها ، تالفة درجة من المالیّة ، و قد أفتوا بالضمان کما

ص:556

فی الماء لدی البحر و فی الصحراء ، فکذلک یقرّر الضمان فی المقام کما تقدّم تفصیله .

و أمّا وجه قولهم بالضمان فی المثلی بالمثل ، فباعتبار أنّه أحفظ للشیء من القیمة ، و من شیء آخر مغایر ، و من ثمّ قد یصوّر فی ضمان المثلی بالقیمة ، ففی النقد المثل فیه هو النقد من نفس العملة اتّحدت الفئة أم اختلفت بعد کون المجموع متّحد - إلّا فی بعض الموارد - و الفئة الجدیدة منها لیست احفظ لها من باقی الأشیاء ، بل لا بدّ فی حفظها و ثباتها أن تضمن مالیّتها فی ضمن شیء آخر ثابت المالیّة حتّی لا یتلف شیء منها .

و المالیّة هی صفة ممثّلة للصفات ، و المفروض أنّه هناک ضمان للصفات ، فهناک ضمان للمالیّة . و ما ذکرنا من الأمثلة فی فتاوی المشهور هی الشاهد علی الضمان فی هذا القسم و تبیانها بنفس النکتة التی ذکرناها .

إشکالات و تقریبات

ثمّ لا بدّ من بیان الإشکالات الواردة فی المقام و الجواب عنها :

الأوّل : المفروض أنّ المثلی یحفظ بالقیمة ، و لکنّ القیمة النقدیّة أیضاً معرّضة للتغیّر ، و الفارق المالی فهی بنفسها بعد ما کانت ملجأ صارت موجبة للاضطراب بعدم الثبات .

و فیه : أنّ الصفة المالیّة لیست هی عین ذوات الأشیاء ، و إنّما هی صفة تعرض علی السلع ، و لها تقدیر و تواجد حقیقی ، سواء کان نقد فی البین فی الاجتماع البشری أم لم یکن . فالصفة المالیّة لها وجود و تقدیرها أیضاً له وجود ، فلذا ذکرنا أنّ النقد لیس إلّا عیاراً و میزاناً لتلک الصفة لا أنّه عین تلک الصفة ، و لذا لو فرضنا أنّ کلّ النقود کانت معرّضة للتغیّر و عدم الثبات ، فلا یعنی ذلک أنّ القیمة و التقدیر المالی و وحداته لیست لها ثبات ، و لا أنّ ذلک یستلزم عدم تعیّن وحدة القدر فی المالیّة فی نفس الأمر ، کما هو الحال لو لم یکن هناک وحدة قیاسیّة للمساحة لا یعنی ذلک أنّ المساحة لیست

ص:557

بموجودة ، أو لیس لها تقدیر فی متن الواقع ، بل هی فی متن الواقع لیست شیئاً مبهماً ، بل لها تعیّن و تقدیر فی متن الواقع ، و المالیّة أیضاً هکذا .

فالقیمة المالیّة التی تعرض علی الأشیاء لها وجود واقعی و لیست رهینة بالنقود ، و لذلک عند اضطراب قیمیّة النقود تبقی الصفة المالیّة ذات ثبات و تقدیر واقعی ، و هذا کاشف عن أنّ النقد لیس بمیزان للصفة المالیّة بنحو مطلق ، حتّی لو قلنا بأنّ النقود عین المالیّة لکنّه لا یستلزم وحدته مع المالیّة التی فی الأشیاء الاُخری ، و إنّما النقد میزان و عیار لمالیّة تلک الأشیاء ، فالمالیّة ولیدة الصفات طرداً و عکساً لا ولیدة النقد .

فالضمان للمالیّة فی الحقیقة ضمان لتلک الصفات التی تمثّلها الصفة المالیّة ، و الصفة المالیّة نفسها مضمونة ، فإنّ المال صفة ولیدة للصفات الاُخر و درجتها معلومة طرداً و عکساً لدرجة الصفات الموجودة فی العین ، و الصفة المالیّة لها وجود کبقیّة صفات العین - و إن کانت اعتباریّة - مثل أنّ العین لها لون معیّن ، فهی لیست مرتبطة بالنقد لما تقدّم من حقیقة الصفة المالیّة أنّها ولیدة الرغبة و المیل للشیء ، و هذه الرغبة من جهة الصدور صفة قائمة بنفوس العرف العام ، و من جهة التعلّق و الإضافة صفة قائمة بالعین و الشیء المرغوب فیه ، و الرغبة عبارة عن المیل الحادث عند العقلاء ، و یسمّی الصفة المالیّة ، فهذا المیلان له تواجد حقیقی عند العقلاء ، و هو الصفة المالیّة نفسها .

الثانی : یفرّق الفقهاء بین باب الضمان فی الغصب و باب الضمان فی غیر الغصب ، کالإتلاف لا عن عمد ، و أنّ باب الضمانات غیر الغرامات الجنائیّة ، حیث یؤخذ الغاصب بأشدّ الأحوال ، و أمّا فی باب الضمان الغرامی غیر الغصب لا یؤخذ المتلف بأشقّ الأحوال ، و إنّما یؤخذ بقیمة یوم الأداء أو یوم التلف حسب اختلاف القولان ثمّة .

و الضمان فی المعاوضات لیس مداره علی الأداء أو التلف ، بل المدار فیه علی ما تعاقدا علیه ، و الغالب فیها بلحاظ القیمة حین التعاقد کما أنّ المفروض فی الأعواض فی المعاوضات أنّها بنفسها تجعل حافظة للدرجة المالیّة لا أنّ التعاوض یجری علی الصفة المالیّة کما هو فرض الشیخ الأراکی قدس سره المتقدّم ، بل یجری علی الشیء ذی

ص:558

الصفة المالیّة .

فحینئذٍ بناء المعاوضات علی تحرّی کلّ من المتعاقدین عوضاً حافظاً بقوّة للدرجة المالیّة أو موجب لزیادتها ، کما أنّ تنافس و مهارة الاتّجار قائم علی الوصول إلی ذلک العوض الحافظ عبر المبادلات المختلفة ، و بالتالی فإنّ عروض هبوط الدرجة المالیّة فی العوض و ما یسمّی بالتضخّم أمر أقدم علیه المتعاقد الدائن بنفسه ، فلا یکون علی عهدة المدین .

و الحاصل أنّ الدائر بین المتعاقدین أنّه کلّما کان ذا فطنة أکثر بظروف السوق و الانتاج یجعل عوضه عوضاً أکثر تحفّظاً علی الدرجة المالیّة ، فلا مجال للقول بضمان التضخّم فی العقود المعاوضیّة فیما إذا جری التعاوض و الضمان بین الدائن و المدیون بسبب العقود المعاوضیّة لا بسبب الغرامات کالغصب ، و لا بسبب غیر الغصب من بقیّة الجنایات ، بل بسبب الدین الذی منشؤه بیع أو إجارة أو صلح أو قرض ، و لا یتمّ التعاقد علی التقیّد بالطبیعة المالیّة من حیث هی ، و إنّما الطبیعة المالیّة الخاصّة الموجودة فی النقد ، و بالتالی بالدقّة بالصفة المالیّة الموجودة فی غطاء النقد ، فتبدّل تلک الصفة المالیّة لا یوجب الضمان .

و فیه : أنّ الإشکال وجیه من جهة ، و لکنّه غیر تامّ من جهة اخری ، حیث أنّ فی ظاهرة الارش فی خیار العیب یلاحظ ضمان صفات العین أو منافعها ، بل و کذا الصفات الاعتباریّة التی تتأثّر القیمة المالیّة بها .

و بعبارة اخری : أنّ مقتضی ما ورد من أدلّة خاصّة و عامّة علی ثبوت ارش فی العیب مقتضاه ضمان الفارق فی القیمة المالیّة للأعیان و إن لم یتلف منها جزء خارجی ، أی و إن کان السبب فی الاختلاف فی القیمة هو الصفات التی لا تقابل بها ، لکنّها حیثیّة تعلیلیّة لها و لبعض درجاتها ، و هذا إجمالاً ممّا یدفع إطلاق القول النافی لضمان الفارق فی القیمة ما دامت العین لم یتلف من أجزائها شیء .

لکن تلک النکتة لا تنافی دعوی المستشکل فی الإشکال الثانی ؛ لأنّ الضمان

ص:559

المعاوضی یجری فیه التعاوض علی الأعیان و الصفات الأصلیّة . و أمّا فی خیار العیب فقد تخلّفت الصفة المالیّة و الصفة الأصلیّة أیضاً ، و هی الانتفاع منه و من تلک الصفة ، فخیار العیب لا یکون نقضاً علی هذا المطلب ، و لا ینافی هذا الإشکال حقیقة تلک النقطة و إن کانت المالیّة ولیدة الصفات الأصلیّة ، و لکن إذا بنی المتعاقدان و رضیا علی عدم المداریة للصفة المالیّة ، بل علی الصفة الأصلیّة فلا ینافی تلک النقطة .

هذا و الإشکال لا یرد علی ما نحن فیه أیضاً ، و إن کان ما فصّله المستشکل صحیحاً ، و لکن ما ادّعاه فی الضمان المعاوضی أجنبی عمّا نحن فیه ، حیث أنّنا لسنا فی صدد بیان التضخّم فی الأعیان المعاوضیّة ، و إلّا لکان الإشکال فی محلّه ، حیث أنّ ما ذکره وجیه جدّاً من أنّ التعاوض فی الأعیان و السلع لیس علی لحاظ الصفة المالیّة الطبیعیّة بقول مطلق ، بل علی لحاظ حافظیّة الأشیاء لتلک الصفة المالیّة ، و لم یقل أحد بالضمان فی الأعیان إذا حصل التضخّم فی الأعیان ، و محلّ البحث بیان ضمان التضخّم الذی هو بسبب المدین فی النقد لا فی الأعیان ، و المفروض فی النقد لحاظ القیمة لا لحاظ المنافع الأصلیّة للشیء المعیّن ، و ذکرنا أنّ بعض المالیّین قالوا إنّ النقد مجسّماً للصفة المالیّة ، فهو ممثّل للصفة المالیّة تنزیلاً ، و المراد أنّه الذی یتعامل بالنقد لیست بغیته إلّا طبیعة الصفة المالیّة بقول مطلق ، فإذن یکون ضامناً للقیمة .

الثالث : هو أنّ حافظیّة الصفة المالیّة تختلف فی الأعیان ، و نستطیع أن نسحبها حتّی علی النقود ، فإنّ حافظیّة النقود للصفة المالیّة مختلفة لما هو مقدّر فی النقود من أغطیة و دواعم مختلفة ، فهی واقعاً الحاملة للصفة المالیّة لا الورق النقدی .

و بعبارة اخری : حافظیّة النقود و العملات للقیمة المالیّة هی فی الحقیقة حافظیّة الأغطیة للقیمة المالیّة المتّصفة بها ، فإذن حافظیّة النقود تختلف کما نشاهد بالعیان الیوم فی الدولار و الدینار و الریال ؛ لاختلاف حافظیّة الأغطیة للجهة المالیّة .

صحیح أنّ هناک فرقاً بین الذی یرید أن یتملّک عیناً و بین الذی یرید أن یتملّک نقداً معیّناً و الصفة المالیّة ملحوظة متجسّدة ، و مع ذلک تختلف النقود فی الحافظیّة أیضاً

ص:560

لما تبیّن من أنّ مالیّتها نابعة من مالیّة الغطاء و الأرصدة ، فمن ثمّ الحافظیّة فی النقود تختلف .

و علی ضوء ذلک یظهر أنّ لنوعیّة العملة و النقد موضوعیّة ، و أنّ کلّ عملة ملحوظة بما لها من حافظیّة خاصّة تختلف عن بقیّة العملات و النقود و إن کانت حافظیّتها تبعیّة و بالعرض لتبعیّة الغطاء الداعم لها ، فلا مجال لدعوی طریقیّة العملة و النقد لمطلق طبیعة الصفة المالیّة کی یترتّب علیه ضمان تضخّم النقد .

و فیه : أنّه قد ذکرنا أنّ فی التضخّم حالات ثلاث ، فکون الورق جعل واسطة للمالیّة الموجودة فی الغطاء و الحافظ له الجهة المالیّة لا ینافی کون التضخّم بسبب التأخیر من المدیون ، و ذکرنا أنّ الصفة المالیّة ولیدة للصفات الاُخر ، و هی من قبیل الانتفاعات ، فإذا کان الفارق معتدّاً به عند العقلاء فیکون نوعاً من إذهاب بعض المنافع للعین ، و المفروض أنّ التأخیر کان بسببه . نعم ، قد یکون الفارق طبیعیّاً بحسب الوقت المقرّر لا بسببه للعرض و الطلب ، فهذا بحث آخر ، و لکن الفرض أنّ المدین یسبّب الفارق بسبب تأخیره ، یوعز إلیه ذهاب الصفة ، و أنّ الصفة المالیّة هی عبارة عن صفة ممثّلة ولیدة للمنافع الموجودة فی العین و نقصان القیمة متولّد من ذهاب الصفات المعتدّ بها فی العین ، فهو بمنزلة تسلیم العین علی غیر النحو الأوّل ، فإنّ الواجب فی الأداء هو أداء عین ما اخذ بنحو تتوفّر فیه کلّ الصفات و المنافع ، و نقصان القیمة کاشف عن نقصان نفس ما یؤدّی به ، فإذا کان الفارق معتدّاً به فیری العقلاء أنّ الأداء حینئذٍ ناقص .

الرابع : لازم هذا الکلام أنّه یسوغ الربا - سواء الربا فی النقد الورقی أم فی النقد المسکوک من الذهب و الفضّة - لأنّ القرض أو الدین وقع علی عشرین دیناراً ، و بعد تأخیر المدین الأداء صار الفارق إلی الثلث مثلاً ، فهو إن کان ضامناً لهذا القدر المالی ، فیجب علیه إرجاع و دفع الزائد علی عشرین دیناراً ، و هذا نوع من الربا ، و کذلک فی النقد الحقیقی المسکوک من الذهب و الفضّة ، و هو کما تری .

و فیه : أنّ فی صورة المثال الزیادة واقعة فی مقابل تأخیر المدّة بخلاف المفروض

ص:561

فی محلّ الکلام ؛ لأنّ التعامل قد وقع علی المالیّة المتقدّرة و الورق النقدی لیس إلّا بمثابة الواسطة أو وثیقة علی تلک المالیّة ، فهو نظیر ما إذا کان لدی الإنسان وثیقة لأن یعطی عشرین کیلاً من الحنطة ثمّ طرأ علی الوثیقة أن اعتبرت فی قبال خمسة عشر کیلاً من الحنطة ، فیلزم حینئذٍ أن یضمّ معها وثیقة اخری کی یستلم الدائن عشرین کیلاً من الحنطة و لا یتصوّر هنا الربا .

لا یقال : إنّ الربا علی أیّة حال موجود فی البین ؛ و ذلک لأنّ الدین وقع علی عشرین کیلاً من الحنطة ، غایة الأمر المدین یعطی للدائن وثیقة لیستلم هذا الکیل ، و المفروض تبدّل هذه الوثیقة حیث لا یعطی بها إلّا بحسب الاعتبار .

هذا و فی الورق النقدی قد سبق أنّ التعامل بین النّاس و إن درج علی هذه الفئة الورقیّة بما هی مال ، و لکن بالنسبة بینهم و بین الدولة أو بین الدولتین بقیت علی حالة الوثیقة ، أی بقیت صفة النقدیّة و الوسطیّة فی الورق النقدی ، فالتعامل به لیس متمحّضاً فی صفة الحافظیّة للمالیّة التی هی صفة موضوعیّة ذاتیّة ، بل یلحظ فیه صفة اخری بلحاظ تقدیر آخر ، و هو کونه بما هو واسطة و وثیقة ، فتقع المعاملة علی القدر المالی ، فإذا ذهبت مالیّته بشکل معتدّ به فحینئذٍ لیس زیادة العدد الکمّی للنقد من باب الزیادة فی نفس الدین ، و إنّما هو الزیادة فی ما یستوفی به الدین ، فنقص صفة المالیّة یعنی نقص المؤدّی ، و أمّا فی الذهب و الفضّة فالإشکال غیر وارد ؛ لأنّ مطلق التضخّم غیر مضمون فی مالیّة الذهب و الفضّة ؛ إذ لیست مالیّتهما واسطة و مرآة إلی شیء آخر ، بل تعود إلی نفس مادة الذهب و الفضّة ، و الحافظیّة لهما بالذات ، فلا یمکن الزیادة فیهما حتّی لو کان التأخیر قد سبّب فارقاً فی القیمة .

و لکن هذا الجواب یوجب إشکالاً علی جوابنا فی النقد الورقی ، و هو أنّه إذا افترضنا أنّ النقد الورقی واسطة و مرآة إلی وحدات الغطاء و الانتاج الوطنی فحینئذٍ یکون الدین واقعاً حقیقة إلی الغطاء و المستقرض مدیون بوحدات من الغطاء ، و هی و إن تبدّلت الصفة المالیّة فیها بسبب تأخیر المدین فی الأداء ، إلّا أنّ المالیّة إنّما تضمن

ص:562

باختلاف المناع ، و لکنّ المفروض عدم اختلاف تلک المنافع ، بل الطارئ هو قلّة العرض و الطلب ، فلا یقال تبدّل المالیّة ممثّلة لتبدّل المنافع ، فیکون ضامناً لعوض صفات العین کما هو ضامن لنفس العین ، بل هذا اختلاف فی الصفات الاعتباریّة خارجة عن منافع العین .

و الجواب : أنّ فی موارد عدم تبدّل الصفات العینیّة للعین و طروّه علی خصوص الصفات الاعتباریّة المحضة للعین ، مثل العرض و الطلب قد حکموا بالضمان إذا کان الفارق کثیراً ، مثل مثال المال فی الصحراء و فی البلد ، ففی هذا المورد الصفات العینیّة لم تتبدّل ، إلّا أنّ الحاجة و الطلب للعین قلّ ، و مع ذلک حکموا بالضمان .

نعم ، القدر المتیقّن من الضمان فی موارد الفرق الناشئ من الصفات الاعتباریّة هو فیما إذا کان الفارق قدراً معتدّاً به أو فاحشاً ، و أی فرق بین تبدّل نصف القیمة و کلّ القیمة بحسب رأی العقلاء إذا کان الفارق فاحشاً ، و أمّا إذا کان یسیراً فالضمان محلّ تأمّل و إن لم یمکن نفیه جزماً ، و الالتزام بالضمان أحوط .

الخامس : الالتزام بضمان التضخّم مبنیّاً علی واسطیّة الورق أو ضمان الفارق القیمی فی الأعیان مطلقاً یسبب عدم ثبات التقدیر فی المعاوضات و الدیون ؛ لأنّه فی العقود یقدّر بشیء ، و إذا صار هناک فارقاً فی المالیّة فیقدّر بشیء آخر غیر معلوم لدی المتعاقدین لجهالتهما غالباً بوحدات الغطاء الداعم للعملة النقدیّة ، و حینئذٍ لا یرسی التعاقد علی عوضین ثابتین ، بل یکونان فی حالة تردید و تبدّل بین الغطاء و الورق النقدی و لم یعلم أنّ الثمن قدّر بالورق أو بالزائد منه لأجل التضخّم الذی یحدث بسبب تأخیر المدین ، فلا یعلم کمیّة الثمن فی الحقیقة ، و هل هو العدد المسمّی فی التعاقد أو أنّه یزید بسبب عدم الثبات .

و فیه : الفرض أنّه لا یرفع الید عن موضوعیّة النقد ، و إنّما الکلام فی موارد اضطراب الوظیفة التی یؤدّیها النقد کعیار منضبط للمالیّة ، و هی حالة التضخّم ، أی فیما إذا تنزّلت قیمته و کان تنزّل القیمة بسبب تأخیر المدین ، و هذه الموارد منضبطة

ص:563

یمکن أن یحسب التضخّم و فارق القیمة ؛ لأنّ التضخّم الذی بسبب تأخیر نفس المدین قابل للمحاسبة بسهولة و التمییز عن التضخّم الذی یحدث بأسباب اخری عبر الرصد المالی فی بورصات البنوک و المؤسّسات التجاریّة و الصناعیّة .

و قد ورد فی الروایات المتعلّقة بالمقام وقوع الفارق الکثیر بین الدرهم و الدینار ، و مع ذلک لم یذکر أو یشار فیها أنّه أمر غیر منضبط و غیر مقدّر ، و یسبّب جهالة العوض ، و لا یمکن التعاوض علیه . فعدم الثبات فی التقدیر النقدی موجود حتّی فی النقد الحقیقی کما هو المفروض فی الدرهم و الدینار الواردَین فی الروایات ، فالصحیح أنّ هذا الفارق قابل للتقدیر و الحسبان ، لا سیّما الذی یحدث بسبب تأخیر المدین .

و العمدة فی ضمان المدین إذا کان الفارق بسببه هی نکتة أنّ الصفة المالیّة ممثّلة للصفات و المنافع الاُخری ، فتغیّر الصفة المالیّة تدلّل علی تغیّر المنافع أو الصفات - و لو الاعتباریّة - التی فی العین ، و أنّ النقد الورقی له خاصیّة الکاشفیّة عن المالیّة فی عین کونه میزاناً ، و ذکرنا أنّه من غیر المستبعد أن یقع التعاوض علی المالیّة ، غایة الأمر المالیّة حیث أنّها لا توجد منفردة ، بل دائماً توجد عارضة علی الشیء ، و إلّا لو أمکن وجودها منفردة لوقع التعاوض علیها علی الوحدة المالیّة نفسها ، فالنقد دوره الکشف عن الوحدة المالیّة ، فیمکن التعاوض علی هذا التقدیر ، غایة الأمر ذکر ذوات معیّنة معروضة للصفة المالیّة من باب تواجد و استیفاء الصفة المالیّة و من باب تعیین حافظ معیّن للصفة المالیّة ، فإذن هذه الجهات لا بدّ أن تلحظ .

و ذکرنا أنّه یظهر من فتاوی الفقهاء فی غیر مورد تقدّم أنّهم یراعون الجهة المالیّة فی الأشیاء ، و لعلّ التأمّل فی کلماتهم فی مطلق التغیّر السوقی ، حیث لا یقولون بالضمان و لو بسبب تأخیر المدین ، لیس مؤدّاه عدم ضمان الصفة المالیّة إلّا إذا اختلفت بفارق فاحش ، بل لعلّه ناظر إلی أنّه فی موارد عدم الاختلاف الفاحش لا یعلم أنّ التفاوت هل هو من القسم الأوّل أو الثانی أو الثالث ، بخلاف ما إذا کان الاختلاف و التفاوت فاحشاً

ص:564

جدّاً ، و کان ظاهراً فیه أنّه بسبب المدین ، و أنّه هو الضامن .

ثمّ إنّه قد ذکرنا أنّ للنقد خمس صفات : المالیّة و النقدیّة و الواسطیّة و الحافظیّة و العلاقة الطردیّة بین المالیّة و الأوصاف ، و ملخّص المدّعی أنّه إذا وقع التعاوض علی شیء و تضمینه فالتضمین یکون من باب المعاوضات تارة ، و من باب الغرامات اخری ، غصباً أو غیر غصب ، ففی باب الغصب أداء الشیء أوّلاً و بالذات هو بأداء العین المغصوبة ، ثمّ بأداء مثلها ، ثمّ بأداء قیمتها ، و القیمة حفظ للصفة المالیّة للشیء ، و المثل حفظ الطبیعة النوعیّة ، و بتدبّر هذه النکتة مع الفروعات الفقهیّة التی ذکرناها نلتفت إلی قاعدة هی أنّ الصفة المالیّة ملحوظة و مضمونة بلحاظ أنّها تمثّل صفات العین ، فإذا کانت صفات العین یجب أن تؤدّی ، فالصفة المالیّة یجب أن تؤدّی ، فمقتضی القاعدة کتقنین عقلائی هو ضمان و لزوم أداء صفات العین و بالتالی أداء صفة المالیّة ، و لعلّ لذلک یؤخذ الغاصب فی الکلمات بأعلی القیم ، فهو ضامن للتضخّم فی حال تلف العین .

و مقتضاه أنّ الاختلاف و التفاوت فی القیمة السوقیّة مضمون حتّی فی المثلی فیما إذا تنزّلت القیمة السوقیّة ، و هذا شاهد علی أنّ المالیّة ملحوظة فی ضمان الشیء لا ما یقال إنّ المالیّة و إن تغیّرت غیر ملحوظة و المهمّ هی الحافظیّة ، بل إغفال المالیّة لیس أداء له ، سیّما إذا کان تغیّر الصفة المالیّة بسبب المدّة الزمانیّة ، و إن کانت حافظیّة النقد علی حالها ، و من ثمّ یحکم فی الارتکاز العقلائی بأنّ المدین أضرّ بالدائن ، و إن کان الإضرار أعمّ من الضمان و الظلم أعمّ من الضمان فی المالیّات ، و لکن هذا مؤیّد لتقریر نکتة فی البین ، و هی أنّه بعدم الأداء یحصل الضرر و الظلم بالدائن .

نعم ، صفات الشیء أحفظ للشیء من الصفة المالیّة ، فهی فی الدرجة الثالثة ، أوّل الدرجات هو الشیء نفسه ، ثمّ صفاته المثلیّة ثمّ المالیّة ، و قد تکون الصفة المالیّة أحفظ للشیء من الصفات النوعیّة فی بعض الموارد .

نعم ، قد یکون الغرض مع ذلک قائماً بنفس الصفات فیمتنع الدائن من قبول القیمة

ص:565

و یصرّ علی المثل الواجد للصفات النوعیّة لغرض عقلائی ، فالصفات النوعیّة تتعلّق الرغبة بها کما تقوم الرغبة بالصفة المالیّة التی تکون أکثر مالیّة أحیاناً من الصفة النوعیّة ، و علی أی تقدیر لا یصحّ إطلاق القول بأنّ الصفات النوعیّة أحفظ لذات الشیء من الصفة المالیّة .

هذا ، و من جانب آخر لا نغفل الاختلاف بین باب الغصب و باب الغرامات الاُخری و الضمانات التعاقدیّة ، فإنّ الغاصب یؤخذ بأشقّ الأحوال ، و لکنّ الضمان هو بحسب ما وضع علیه الضمان ، سواء فی باب الغصب أم غیره ، و سواء قرّر من العقلاء أو الشرع أو المتعاقدین ، و مقتضی ذاتی الضمان أداء الشیء أو أداء مالیّته ، فکما أنّ أصل المالیّة متعلّق للضمان فکذلک درجات المالیّة ، مثلاً : لو أشاع شخص شائعة علی مال معیّن ، کالمشروبات الغازیّة ، أنّها مسمومة و نحو ذلک ، فلا ریب أنّه ضامن للخسران بحسب العرف العقلائی فی العصر الحاضر حیث أنّه مسبّب لعدم المالیّة .

و قد ذهب صاحب الجواهر رحمه الله فی بعض الموارد التی تسقط فیه نقدیّة النقد فی الذهب و الفضّة ، فضلاً عن النقد الاعتباری إلی أنّ المدین ضامن لنفس النقد و إن أسقطت نقدیّته وفقاً لبعض الروایات - و هو و إن کان یبنی علی هذه الروایة دون الروایات الاُخری الواردة فی النقد الرائج الذی أسقط السلطان اعتبارها - إلّا أنّه قال :

لا یبعد القول بأنّ للدائن خیار العیب ؛ لأنّ هذا عیب لا یعلم ، کما لو تعاقد البائع مع المشتری علی مائة ألف دینار ذهبی ، ثمّ أسقطها السلطان عن النقدیّة ، فیثبت خیار العیب ؛ لأنّ البائع إنّما تعاقد علی الدینار أو الدرهم بما هو دینار و درهم ، أی الذهب و الفضّة المسکوکین اللذین لهما مالیّة اعتباریّة کهیئة حقوقیّة ، مضافاً إلی المالیّة الحقیقیّة .

و بنی صاحب الجواهر علی أنّ العیب الطارئ قبل التسلیم یجری فیه خیار العیب أیضاً ، و المفروض أنّ هذا العیب وقع و حدث قبل التسلیم لا قبل التعاقد ، حیث أنّ الدینار و الدرهم لهما مالیّة حقیقیّة و مالیّة اعتباریّة .

ص:566

و ما ذهب إلیه من ثبوت خیار العیب دالّ علی أنّ الاختلاف و التفاوت فی الصفة المالیّة نقص فی الصفات ، و أنّ الصفة الاعتباریّة یعتدّ بها کالصفة الحقیقیّة ، و هذا هو الذی ذکرنا أنّه یعتبر و یلاحظ عقلائیّاً ، و ذکرنا بأنّ تصرّف العقلاء فی عصرنا الحاضر فی الضمان لیس من باب التصرّف فی المجعول و التشریع لکی یقال إنّ تقنیناتهم لیست بحجّة ، بل من باب التصرّف فی الموضوع المالی ، و منه یتولّد و تترتّب المحمولات الشرعیّة ، و یعتبرون الصفات الاعتباریّة منافع و مالیّة الشیء من منافعه ، و لذلک تسالم الفقهاء فی باب البیع علی أنّ إسقاط المالیّة بید الشارع ، و لکن إیجادها بید العقلاء ، فالمالیّة موجود موضوع عقلائی ، و یوجد باعتبارهم و تشخیص المنافع أیضاً و الاعتداد بها بید العقلاء .

نعم ، للشارع أن یسقط المنفعة أمّا نفس الاعتداد بالمنفعة مع عدم نهی الشارع ، فهو بید العقلاء ، و لا یکفی فیه إباحة الشارع ، بل لا بدّ من اعتدادهم أنفسهم بین بعضهم البعض ، فإذن المالیّة من صفات الشیء و الاختلاف و التفاوت المالی من صفات الشیء ، فعدم عنونة الفقهاء لهذه المسألة لیس فیه استیحاش بعد کون طبیعة البیئة المالیّة التجدّد و التغیّر و استحداث مفردات لم تکن فی العرف المالی القدیم ، و قد استجدّ فی الموضوعات المالیّة الکثیر من مفردات المال ، فضلاً عن إشکال العقود و التعامل ، فتری أنّ بعض الأشیاء أصبح له من المالیّة خطب عظیم بسبب صفة اعتباریّة أو منفعة حکمیّة أو مادة معیّنة . و هذا لیس استجداد و تجدّد المحمول الفقهی ، و إنّما تجدّد فی الموضوع مع أنّه قد أوردنا شواهد من فتاوی القدماء دالّة علی التزامهم بنفس النکتة ، غایة الأمر أنّ النکتة توسّعت الیوم فی عصرنا الحدیث ، و نظیر أنّ الاقتباس من الکتب له قیمة مالیّة یعتدّ العقلاء بها الیوم ، فیشمله قوله تعالی : (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ) (1).

ص:567


1- 1) سورة البقرة 2 : 188 .

فعمدة الدعوی فی ضمان المدین إذا کان الاختلاف ، و الفارق بسبب تأخیره فی أداء دینه أنّ الصفة المالیّة مضمونة ، و هی ذات درجات ، و تلک الدرجات مضمونة حتّی لو قلنا إنّ الفئات النقدیّة مثلیّة فی الوحدات الانتاجیّة ؛ لأنّ أداء المثلی فی المثلی من حیث أنّه أحفظ للشیء فإذا کان أداء القیمة و الصفة المالیّة أحفظ للشیء فلا ریب فی وجوب أداء قیمته .

هذا تمام البحث فی القسم الثانی بحسب مقتضی القواعد العامّة .

أمّا القسم الثالث فواضح أنّه لا ضمان علی أحد قطعاً ؛ لأنّ الفارق حصل بسبب القضاء و القدر . هذا کلّه بحسب مقتضی القاعدة .

و أمّا بحسب الروایات الخاصّة فقد یستدلّ علی عدم الضمان بالصحیح إلی ابن أبی عمیر : عن یوسف بن أیّوب ، عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، قال فی الرجل یکون له علی رجل دراهم فیعطیه دنانیر و لا یصارفه فتصیر الدنانیر بزیادة أو نقصان ، قال : له سعر یوم أعطاه » (1).

و موثّق إسحاق بن عمّار ، قال : « قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : الرجل یکون له علی الرجل الدنانیر فیأخذ منه دراهم ثمّ یتغیّر السعر .

قال : فهی له علی السعر الذی أخذها یومئذٍ ، و إن أخذ دنانیر و لیس له دراهم عنده فدنانیره علیه یأخذها برءوسها متی شاء » (2) .

و موثّق إبراهیم بن عبد الحمید عن عبد صالح علیه السلام ، قال : « سألته عن الرجل یکون له عند الرجل الدنانیر أو خلیط له یأخذ مکانها ورقاً فی حوائجه و هی قبضها سبعة و سبعة و نصف دینار ، و قد یطلبها الصیرفی و لیس الورق حاضراً ، فیبتاعها له الصیرفی بهذا السعر سبعة و سبعة و نصف ، ثمّ یجیء یحاسبه و قد ارتفع سعر الدنانیر ، فصار باثنی

ص:568


1- 1) ب 9 / أبواب الصرف / ح5 .
2- 2) ب 9 / أبواب الصرف / ح3 .

عشر کلّ دینار ، هل یصلح ذلک له ، و إنّما هی له بالسعر الأوّل یوم قبض منه الدراهم فلا یضرّه کیف کان السعر ؟ قال : یحسبها بالسعر الأول فلا بأس » (1).

و تقریب الاستدلال بها : أنّه لم یجعل علیه السلام المدار علی سعر یوم التداین الثانی کما لم یجعل المدار علی سعر یوم تسویة الحساب و إنّما علی سعر یوم القرض ، کما أنّ أسئلة الرواة فرضت التغایر بین سعر یوم الأخذ مع سعر یوم تسویة الحساب ، و مع ذلک جعل علیه السلام المدار علی سعر یوم الأخذ ممّا یدلّ علی أنّ التضخّم لیس مضموناً ، هذا تحلیل تلک الروایات الثلاثة الدالّة علی عدم ضمان التضخّم .

و أشکل علی دلالتها أوّلاً : بأنّ فی النقد الحقیقی لا الاعتباری ، فمن ثمّ یجب التفصیل .

ثانیاً : إنّ الفارق و الاختلاف حتّی فی النقد الحقیقی علی نحوین ، فإنّ النقد و إن کان من حیث المادة حقیقیّاً ، إلّا أنّه من جهة السکّة اعتباری ، فالفارق الذی بلحاظ الجهة الاعتباریّة فی النقد الحقیقی - و هو الاختلاف فی الصفة - یمکن القول بالضمان فیه ، و هذا علی أی تقدیر بخلاف ما إذا کان الفارق فی النقد الاعتباری ، حیث أنّ قوامه کلّه بالصفة و لا یقاس أحدهما بالآخر ؛ لأنّ فی النقد الحقیقی الفارق فی الصفة قد یکون عیباً ، أمّا فی النقد الاعتباری فالاختلاف و الفارق فی الصفة ، اختلاف فی أصل الشیء فی الحقیقة ، فلا یمکن قیاسه علیه .

نعم ، عند التلف یمکن أن یقاس علی النقد الحقیقی ، و أمّا عند اختلاف القیمة فقط فلا یمکن ذلک ؛ لأنّ النقد الاعتباری لا زال علی حاله ، و لکنّه تضخّم ، و فی النقد الحقیقی الاختلاف و التفاوت فی الجهة الاعتباریّة یکون فارقاً فی المثل و فی الصفة بخلاف النقد الاعتباری إذا صار التضخّم فیه فلا یوجب فارقاً فی الصفة فیه .

و الحاصل : أنّ الاختلاف القیمی فی النقد الحقیقی لا یوجب التغیّر إلّا فی الصفة ،

ص:569


1- 1) ب 9 / أبواب الصرف / ح4 .

فغایته أن یکون بحکم العیب ، و هذا بخلاف النقد الاعتباری ، فإنّ الاختلاف بمنزلة تلف الأجزاء و نقص العین لا نقص الصفة .

لکن کلا الإشکالین قابل للجواب :

أمّا الأوّل : فصحیح أنّ النقد الحقیقی فیه جهتان : جهة المالیّة الحقیقیّة - و هی مادّته - وجهة المالیّة الاعتباریّة - و هی السکّة - فإن کان الحکم فی الروایات من زاویة المادة فلا یقاس النقد الاعتباری علی النقد الحقیقی ، و أمّا إذا کان مورد السؤال عن الجهة الاعتباریّة فیقاس علیه ، و ظاهر الروایات فی اختلاف السعر أنّ التغیّر فی مالیّة السکّة لا فی جهة المادة فی الدینار و الدرهم ؛ لأنّ السائل فی الروایات لم یورد عنوان الفضّة أنّها زادت علی الذهب ، و إنّما قال : الدرهم و الدینار ، فالجهة الاعتباریّة ملحوظة ، فما دام الجهة الاعتباریّة ملحوظة فی مفاد الروایات فیقاس علیه .

و أمّا الإشکال الثانی فجوابه : أنّ المالیّة إن کانت تصلح للمقابلة فی المعاوضات مع الأعیان ، فلا یفرق الحال فیها حینئذٍ بین أن تکون مستقلّة فی المقابلة المعاوضیّة أو منضمّة مع مادة عینیّة اخری ، کالذهب و الفضّة ، غایة الأمر یکون العوض فی الصورة الثانیة متعدّداً مشترکاً ، فإذا کان التغیّر فیه مضموناً فی الصورة الاُولی فکذلک فی الثانیة ، فافهم فإنّه قد یفرق بمثل المنفعة فی عقد الإجارة و عقد البیع حیث تکون ضمیمة للعین تابعة لها .

و یمکن الجواب تارة اخری عن التفریق بأنّ الصفة المالیّة فی النقد الحقیقی غایة الأمر فیها أن تکون صفة للعوض مؤثّرة نقصها فی سلامة العوض و عیبه ، و فی العیب یثبت الارش ، فإذا لم یقرّر الضمان فی الارش فی التغیّر فیلازم عدم الضمان فی الصفة المالیّة فی النقد الاعتباری أیضاً لکشف الروایات عن عدم تحمّل التغیّر فی القیمة المالیّة .

أو لک أن تقول : إنّ النقد الحقیقی یقع عوضاً بما هو مسکوک و متصوّر بالصفة الاعتباریّة المالیّة ، أی بما هو دینار و درهم . فالمالیّة الاعتباریّة مقوّمة له و لیست

ص:570

من التوابع الملحوظة ثانویاً ، و الشاهد علی ذلک أنّ السکّة عند ما تسقط عن الاعتبار تقلّ قیمتها المالیّة بفارق غیر مغتفر فی التعامل المالی .

لکن الصحیح عدم تمامیّة دلالة الروایات علی نفی ضمان التضخّم ؛ و ذلک لأنّ موردها إمّا تغیّر القیمة بسبب العرض و الطلب أو بسبب کثرة طبع الجهة المصدّرة المسکوک و نحو ذلک ، أی لا بسبب تأخیر المدین ، و قد عرفت أنّ فی غیر تلک الصورة مقتضی القاعدة عدم ضمان المدین ، بل سیأتی تقریب دلالتها علی ضمان التضخّم ، و الأوْلی التعرّض لجمیع الروایات الواردة فی تغیّر الصرف(العملة النقدیّة)و التدبّر فی مفاداتها المختلفة .

الروایات الواردة فی المقام

اشارة

و الوجوه المستخرجة منها للضمان

الوجه الأوّل : التعامل بالنقد مرآتیاً و ذاتیاً

1 - حسنة عبد الملک بن عتبة الهاشمی : قال : « سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن رجل یکون عنده دنانیر لبعض خلطائه فیأخذ مکانها ورقاً فی حوائجه ، و هو یوم قبضت سبعة و سبعة و نصف بدینار ، و قد یطلب صاحب المال بعض الورق ، و لیست بحاضرة فیبتاعها له الصیرفی بهذا السعر و نحوه ، ثمّ یتغیّر السعر قبل أن یحتسب حتّی صارت الورق اثنی عشر بدینار ، هل یصلح ذلک له ، و إنّما هی بالسعر الأوّل حین قبض کانت سبعة و سبعة و نصف بدینار ؟ قال : إذا دفع إلیه الورق بقدر الدنانیر فلا یضرّه کیف کان الصروف ، فلا بأس » (1).

و ظاهر مفادها هو حصول التهاتر فی الدین إذا کان مقدار ما أخذه الدائن من ورق

ص:571


1- 1) ب 9 / أبواب الصرف / ح1 .

نقد الفضّة بقدر الدنانیر بحسب سعر یوم القبض ، و مقتضاه ملاحظة القیمة المالیّة للدنانیر یوم حصول التهاتر ، و هو یوم أداء الدین لا ملاحظة القیمة المالیّة لها یوم استقراضها ، و لازم ذلک نفی ضمان التضخّم ، لکن کما تقدّم فی الروایات السابقة لیس فیها إطلاق لصورة تسبیب المدین لذلک بتأخیره .

2 - موثّق أو صحیح إسحاق بن عمّار : قال : « سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الرجل یکون لی علیه المال فیقبضنی بعضاً دنانیر و بعضاً دراهم ، فإذا جاء یحاسبنی لیوفینی یکون قد تغیّر سعر الدنانیر ، أی السعرین أحسب له ، الذی کان یوم أعطانی الدنانیر ، أو سعر یومی الذی احاسب ؟ فقال : سعر یوم أعطاک الدنانیر ، لأنّک حبست منفعتها عنه » (1).

و ظاهر المفاد أنّ السعر ، أی القیمة المالیّة التی تشتغل به ذمّة المدین للدائن هو السعر ، و القیمة یوم القرض و یوم إعطاء الدائن الدنانیر فمهما حصل تغیّر و تضخّم فی سعرها القیمی فلا یتلف ذلک علی الدائن ، و علی ذلک یکون مقتضی مفادها ضمان التضخّم .

و قد علّل علیه السلام ذلک بأنّ المدین حبس منفعة الدنانیر عن الدائن و یمکن أن یقرّر معناه علی نحو ینطبق علی قاعدة من له الغنم ، فعلیه الغرم ، و حیث أنّ المدین ینتفع بالدنانیر فعلیه غرم تغیّر السعر و تضخّمه للدنانیر .

و یمکن تقریر معناه بأنّ المدین تملّک الدنانیر فما یطرأ علیها من تلف فی الصفة أو الأجزاء یکون قد حدث فی ملکه ، و أمّا الدائن فقد تملک فی ذمّة المدین سعر و قیمة الدنانیر بلحاظ یوم الإعطاء .

هذا ، و قد یقرّر ظهورها بأنّ المدین حینما یدفع و یؤدّی دینه بالعملة ، فإنّه یحسب السعر بلحاظ یوم القبض لا یوم المحاسبة ، و علی أی تقدیر ، لا تخفی دلالتها علی

ص:572


1- 1) ب 9 / أبواب الصرف / ح2 .

ثبات القیمة بلحاظ یوم القبض .

3 - موثّق آخر لإسحاق بن عمّار : قال : « قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : الرجل یکون له علی الرجل الدنانیر فیأخذ منه دراهم ، ثمّ یتغیّر السعر .

قال : فهی له علی السعر الذی أخذها یومئذٍ ، و إن أخذ دنانیر و لیس له دراهم عنده فدنانیره علیه یأخذها برءوسها متی شاء » (1).

و هذه الموثّقة و إن تقدّم تقریبها لنفی الضمان لکن ظاهر صدر الجواب یتّفق مع الروایة السابقة للراوی فی کون السعر الذی تشتغل به ذمّة المدین هو قیمة یوم القرض و یوم إعطاء العملة ، و مقتضاه ضمان التضخّم ، لکن ذیل الجواب ظاهره أنّ المدین إذا أدّی الدین بنفس العملة التی استقرضها فیؤدّی بنفس المقدار العددی لرءوس العملة المستقرضة من دون أن یکون ضامناً لتغیّر السعر و القیمة المالیّة ، بل قد یقرّر صدر الروایة بأنّ سعر الدراهم المقبوضة من المدین التی قبضها الدائن هی للمدین علی السعر الذی أخذها الدائن .

و علی أی تقدیر ، فلا تخفی دلالتها علی ثبات قیمة المقبوض من العملة بسعر یوم القبض فیما إذا ارید حسابها بلحاظ الصفة المالیّة و الضمان القیمی بخلاف ما إذا ارید ضمانها بالمثل ، و سیأتی محصّل لهذه الاحتمالات .

4 - موثّق إبراهیم بن عبد الحمید عن عبد صالح علیه السلام : قال : « سألته عن الرجل یکون له عند الرجل الدنانیر أو خلیط له یأخذ مکانها ورقاً فی حوائجه ، و هی یوم قبضها سبعة و سبعة و نصف بدینار ، و قد یطلبها الصیرفی و لیس الورق حاضراً ، فیبتاعها له الصیرفی بهذا السعر سبعة و سبعة و نصف ، ثمّ یجیء یحاسبه و قد ارتفع سعر الدنانیر ، فصار باثنی عشر کلّ دینار ، هل یصلح ذلک له ، و إنّما هی له بالسعر الأوّل یوم قبضت منه الدراهم فلا یغیّره کیف کان السعر ؟

ص:573


1- 1) ب 9 / أبواب الصرف / ح3 .

قال : یحسبها بالسعر الأوّل فلا بأس به » (1).

و تقریب الدلالة فیها بما مرّ فی سابقتها .

5 - روایة یوسف بن أیوب عن أبی عبد اللّه علیه السلام : قال « فی الرجل یکون له علی رجل دراهم فیعطیه دنانیر و لا یصارفه ، فتصیر الدنانیر بزیادة أو نقصان ، قال : له سعر یوم أعطاه » (2) .

و هذه الروایة و إن تقدّم تقریبها لنفی ضمان التضخّم ، لکن یتأتّی تقریب دلالتها علی الضمان کما تقدّم فی الروایتین السابقتین بأنّ للدائن سعر و قیمة یوم القرض أو یوم وفاء دینه ، فالدنانیر التی اعطیت کوفاء للدین یحسب السعر بلحاظ یوم الإعطاء لا یوم المحاسبة .

و الملاحظ فی مفاد هذه الروایة و ما سبقها من الروایات أنّ اللحاظ فی دفع العملة إن کان مرآتیّاً للقیمة و السعر ، فالمدار هو یوم تملک العملة ، سواء کان التملّک بعنوان استیفاء دین أو استقراض أو غیرهما ، و هذا اللحاظ المرآتی یتحقّق عند مقابلة العملة بغیر جنسها ، فیکون التضخّم مضموناً ، و هذا بخلاف اللحاظ الذاتی و الضمان بالمثل من جنسها ، فإنّ مقدار العدد لرءوس النقد یکون ملحوظاً ذاتاً ، فلا یکون التضخّم ملحوظاً .

6 - صحیح الحلبی : قال : « سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یکون لی علیه دنانیر ؟

فقال : لا بأس بأن یأخذ ثمنها دراهم » (3) .

و فی هذه الصحیحة تقریر لإمکان لحاظ القیمة المالیّة للعملة و النقد من دون لحاظها ذاتیّاً .

ص:574


1- 1) ب 9 / أبواب الصرف / ح4 .
2- 2) المصدر المتقدّم / ح5 .
3- 3) ب 3 / أبواب الصرف / ح1 .

7 - صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی الرجل یکون له الدین دراهم معلومة إلی أجل فجاء الأجل و لیس عند الذی حلّ علیه دراهم ، فقال له : خذ منّی دنانیر بصرف الیوم ، قال : لا بأس » (1).

و فی هذه الصحیحة لوحظ سعر و قیمة الدراهم یوم الأداء لا یوم القرض . و یمکن أن یقال : إنّه لوحظ سعر و قیمة الدنانیر یوم تملیکها بدلاً و وفاءً عن الدراهم . و الصحیح أنّه لا یظهر ممّا تقدّم من الروایات لحاظ سعر العملة یوم القرض ، بل لحاظ سعرها یوم استیفاء القرض بعملة اخری قبل المحاصبة التی هی عبارة عن مراجعة و کشف عن حصول الوفاء و عدمه ، إلّا أنّ التأخیر و المدّة المتخلّلة هی بإذن من الدائن .

8 - صحیح محمّد بن مسلم : قال : « سألته عن رجل کانت له علی رجل دنانیر فمال علیه رجلاً آخر بالدنانیر ، أ یأخذها دراهم ؟ قال : نعم إن شاء » (2) .

و هذه الصحیحة أیضاً تقرّر إمکان لحاظ القیمة المالیّة للنقد ، و هو الحاصل عند تبدیل أنواع العملات بعضها ببعض .

9 - صحیحة منصور بن حازم عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « أنّه سئل عن رجل اتّبع علی آخر بدنانیر ثمّ أتبعها علی آخر بدنانیر ، هل یأخذ منه دراهم بالقیمة ؟ فقال: لا بأس بذلک إنّما الأوّل و الآخر سواء » (3) . و هی کالسابقة فی الدلالة .

10 - صحیح زیاد بن أبی غیاث عن أبی عبد اللّه علیه السلام : قال : « سألته عن رجل کان علیه دین دراهم معلومة ، فجاء الأجل و لیس عنده دراهم و لیس عنده غیر دنانیر ، فیقول لغریمه : خذ منّی دنانیر بصرف الیوم ؟ قال : لا بأس (4) . و تقریبها کما تقدّم .

ص:575


1- 1) ب 3 / أبواب الصرف / ح2 .
2- 2) ب 3 / أبواب الصرف / ح3 .
3- 3) ب 3 / أبواب الصرف / ح4 .
4- 4) ب 3 / أبواب الصرف / ح5 .

11 - صحیح الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : قال : « اشتری أبی أرضاً و اشترط علی صاحبها أن یعطیه ورقاً کلّ دینار بعشرة دراهم » (1).

و هی أجنبیّة عن بحث المقام ، بل من اشتراط بیع عملة بعملة .

12 - مصحّح علیّ بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام : قال : « سألت الرجل له علی رجل دنانیر فیأخذ سعرها ورقاً ؟ فقال : لا بأس » (2) .

و قد تقدّم تقریب نظائرها .

الوجه الثانی : سقوط العملة و التضخّم

13 - صحیح یونس : قال : « کتبت إلی الرضا علیه السلام : أنّ لی علی رجل ثلاثة آلاف درهم ، و کانت تلک الدراهم تنفق بین النّاس تلک الأیّام ، و لیست تنفق الیوم ، فلی علیه تلک الدراهم بأعیانها ، أو ما ینفق الیوم بین النّاس ، قال : فکتب إلیَّ : لک أن تأخذ منه ما ینفق بین النّاس کما أعطیته ما ینفق بین النّاس » (3) .

و هذا الصحیح نصّ فی ضمان مالیّة النقد الاعتباریّة و إن بقیت من مالیّته بمقدار المالیّة الحقیقیّة ، و ممّا یدلّ علی ثبوت الضمان عند سقوط اعتبار العملة ، بل و کذا عند حصول التضخّم باختلاف کبیر .

14 - صحیح یونس : قال : « کتبت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام أنّه کان لی علی رجل دراهم ، و أنّ السلطان أسقط تلک الدراهم ، و جاءت دراهم أعلی من الدراهم الاُولی ، و لها الیوم وضیعة ، فأیّ شیء لی علیه : الاُولی التی أسقطها السلطان ، أو الدراهم التی أجازها السلطان ؟ فکتب : لک الدراهم الاُولی » (4) .

ص:576


1- 1) الباب المتقدّم / ح6 .
2- 2) الباب المتقدّم / ح7 .
3- 3) ب 20 / أبواب الصرف / ح1 .
4- 4) ب 20 / أبواب الصرف / ح2 .

و ظاهر هذا الصحیح یعارض المتقدّم ، و الظاهر أنّهما روایة واحدة ، فالراوی واحد و المروی متّحد .

و الصحیح عدم المعارضة بین الروایتین لاختلاف الفرض فی کلّ منهما ، فإنّ الاُولی فی صورة سقوط و انعدام التعامل بالعملة من رأس و إن بقیت مادّتها ، و الثانیة فی صورة بقاء التعامل بها و إن أسقط السلطان(الجهة المصدرة للاعتبار اعتبارها .

غایة الأمر ، هذا الإسقاط أوجب نقیصة وضیعة فی مالیّتها الاعتباریّة لا بسبب تأخیر من المدین ، فلا یکون ضامناً ، بل بسبب تصرّف من الدولة و الجهة المصدرة للاعتبار بخلاف الصورة السابقة ، فإنّه یعدّ تلفاً للعملة و إن بقیت من مالیّتها بقدر مالیّة المادّة ، لکنّه لا ینافی التلف نظیر تلف السیّارة عند الاصطدام - مثلاً - أو الإناء بالکسر ، و إن بقیت منهما ما له مالیّة ، و لکن لا ینافی صدق التلف ، فیکون المدین حینئذٍ ضامناً .

فتحصّل من مجموع الصحیحین ما ینطبق علی التفصیل الذی ذکرناه فی مقتضی القاعدة فلاحظ ، کما أنّ هذا الجمع بین مفادیهما لعلّه المراد من قول الصدوق « کان شیخنا محمّد بن الحسن رضی الله عنه یروی حدیثاً فی أنّ له الدراهم التی تجوز بین النّاس ، قال : و الحدیثان متّفقان غیر مختلفَین ، فمن کان له علیه دراهم بنقد معروف ، فلیس له إلّا ذلک النقد ، و متی کان له علیه دراهم بوزن معلوم بغیر نقد معروف فإنّما له الدراهم التی تجوز بین النّاس » ، و إن کان الأظهر إرادته التفصیل بین الموضوعیّة و المرآتیّة فی اللحاظ التعاملی الواقع علی الدراهم .

15 - صحیح عبّاس عن صفوان : قال : « سأله معاویة بن سعید عن رجل استقرض دراهم من رجل و سقطت تلک الدراهم أو تغیّرت ، و لا یباع بها شیء ، أ لصاحب الدراهم الدراهم الاُولی أو الجائزة التی تجوز بین النّاس ؟ فقال : لصاحب الدراهم الدراهم الاُولی » (1).

ص:577


1- 1) ب 20 / أبواب الصرف / ح4 .

و فرض هذه الروایة عین فرض الصحیح الثانی دون الصحیح الأوّل ، فاتّحد الحکم فیهما ، و الشاهد علی ذلک فرض الراوی فی مقابل الإسقاط تغیّر القیمة ، فلا بدّ حینئذٍ من حمل قوله : « و لا یباع بها شیء » علی قلّة الرغبة فیها ، و قلّة العرض و الطلب علیها ، لا انعدام التعامل بها من رأس ؛ لأنّ تغیّر قیمة العمل لا یوجب انعدام التعامل من رأس ، کما هو واضح .

فلا تقوی هذه الروایة علی معارضة ما تقدّم بعد أن ردّد الراوی بین الإسقاط و التغیّر ، فغایة الأمر هی مجملة ، و أیضاً تنکیر لفظة الدراهم فی فرض السؤال یشعر بقلّتها لا أنّها من قبیل الاختلاف الفاحش فیتحصّل أنّ الفارق إذا کان فاحشاً فیثبت الضمان .

فروایات هذا الباب(20)دالّة علی ضمان المدین الفارق فی مالیّة النقود علی التفصیل المتقدّم .

الوجه الثالث : استثناء نقد بآخر

16 - روایة حمّاد عن أبی عبد اللّه علیه السلام : قال : « یکره أن یشتری الثوب بدینار غیر درهم ؛ لأنّه لا یدری کم الدینار من الدرهم ؟ » (1).

قوله : « بدینار غیر درهم » ، أی إلّا درهم ، حیث لا یعلم أنّه کیف یتغیّر السعر ؟ فربّما تکون عشرة دراهم مقابل الدینار ، و ربّما اثنا عشر درهماً مقابل الدینار ، و ربّما سبعة مقابله ، کما تقدّم فرضه فی الروایات ، بل فی بعض الروایات (2) مقابلة الدینار بستّة و عشرین درهماً . و هذا هو معنی التضخّم الموجب للجهالة فیما إذا کان لأجل .

17 - موثّقة السکونی عن علیّ علیه السلام : « فی رجل یشتری السلعة بدینار غیر درهم

ص:578


1- 1) ب 23 / أبواب أحکام العقود / ح1 .
2- 2) ب 2 / أبواب الصرف / ح15 .

إلی أجل ، قال : فاسد ، فلعلّ الدینار یصیر بدرهم » (1).

و هی صریحة فی وجود ظاهرة التضخّم فی النقد الحقیقی فی عصر النصّ .

18 - روایة وهب عن جعفر ، عن أبیه علیهما السلام : « إنّه کره أن یشتری الرجل بدینار إلّا درهم ، و إلّا درهمین ، نسیئة ، و لکن یجعل ذلک بدینار إلّا ثلثاً و إلّا ربعاً و إلّا سدساً أو شیئاً یکون جزءاً من الدینار » (2) .

قول : « نسیئة » إشارة لی احتمال التغییر فی مالیّة النقد ، و أمّا الشراء نقداً فلا بأس به ؛ لأنّ القیمة منضبطة بحسب سعر یوم التعامل .

19 - روایة حمّاد بن میسر عن جعفر ، عن أبیه علیهما السلام : « إنّه کره أن یشتری الثوب بدینار غیر درهم ؛ لأنّه لا یدری کم الدینار من الدرهم » (3) .

وجه الاستشهاد بروایات هذا الباب هو صراحتها فی کون العملة ملحوظة فیها وساطتها للقیمة ، و أنّ التعامل بالنقد مرآة للقیمة ، ففی فروض أسئلة الروایات لم تکن المعاملات بالنقد تحدیداً للقیمة ، و لیس للنقد فی تلک المعاملات مرآتیة و واسطیّة للقیمة بالتحدید ؛ لأنّه قد یصعد السعر و قد ینزل مع امتداد المدّة الزمانیّة ، فالسعر غیر معلوم ، و الثمن هو القدر المالی المحکی بالدینار و الدرهم لأنفسهما .

فإذا لم یحک الدینار و الدرهم عن الثمن الحقیقی ، فالمعاملة مجهولة من هذه الجهة ، و البطلان من جهة جهالة الثمن ، و لو کان النقد حکمه حکم بقیّة الأعیان ، و النظرة له ذاتیّة موضوعیّة لما نشأت الجهالة ؛ إذ الجهالة ولیدة واسطیّة النقد إلی القیمة و المالیّة ، و المطلوب بالذات فی الثمن هو المالیّة ، فالنقد یلحظ فیه حکایته عن المالیّة و من ثمّ نشأت الجهالة فی تلک المعاملة المفروضة فی الأسئلة .

ص:579


1- 1) ب 23 / أبواب أحکام العقود / ح2 .
2- 2) ب 23 / أبواب أحکام العقود / ح3 .
3- 3) المصدر المتقدّم / ح4 .

فهذه الطائفة من الروایات تدلّ بوضوح علی أنّ الملحوظ فی النقد هو القیمة ، و تولد الجهالة فی المناسبة بینهما ، و هذا المفاد الذی استحصلنا علیه مقتضاه فی بحث التضخّم ، الضمان کما فی بعض المعاوضات ، حیث تتغیّر القیمة بتغیّر سعر النقد ، فلیس للمدین أن یقلّل من قیمته ؛ لکون الملحوظ فیها الواسطیّة إذا کان المدین تأخّر فی أداء الدین إلی ذاک الوقت ، و حافظیّة القیمة و إن جعلت فی النقد المعیّن لکن قیّدت بأجل محدود ، و أمّا ما بعد الأجل فلم یعلّق السعر الواقعی علی حافظیّة النقد ، و إنّما المدار علی القیمة کیوم الوفاء مثلاً .

تقریب آخر لهذه الروایات : أنّ هذه الجهالة غیر المغتفرة لکون التغییر أمراً لا یغتفر و معتدّ به ، هی منشأ العیب ، و العیب موجب للضمان .

الوجه الرابع : التضخّم و المرابحة

20 - مصحّح إسماعیل بن عبد الخالق : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّا نبعث بالدراهم لها صرف إلی الأهواز فیشتری لنا بها المتاع ، ثمّ نلبث فإذا باعه وضع علیه صرف ، فإذا بعناء کان علینا أن نذکر له صرف الدراهم فی المرابحة و یجزینا عن ذلک ؟ فقال : لا بل إذا کانت المرابحة فاخبره بذلک ، و إن کانت مساومة فلا بأس » (1).

توضیح مفاد الروایة کالتالی : أنّ الراوی السائل قد اشتری المتاع بدراهم معیّنة ، و کان لها سعر معیّن ، ثمّ أراد أن یبیع هذا المتاع بربح ، ففی المساومة لا یقول بکم اشتراه ؟ و إنّما یحدّد سعر البیع فقط بخلاف المرابحة ، ففیها تعیین الربح و تعیین القیمة المشتری بها ، و فی صورة التخلّف عن الواقع للمشتری خیار الفسخ .

فاذا کان صرف الدراهم کلّ عشرة دراهم بدینار حین اشتری المتاع ، و بعد ذلک ارتفعت الدراهم فصارت کلّ ثمانیة دراهم بدینار ، فحینئذٍ بإمکان البائع استغلال

ص:580


1- 1) ب 24 / أبواب أحکام العقود / ح1 .

التضخّم فی العملة و إخبار المشتری بقیمة الشراء بالدراهم و إجراء البیع بالدینار بحسب صرف یوم البیع ، فیتمکّن بذلک من أخذ کلّ من الربح و من ارتفاع القیمة للدراهم ، و کلّ منهما باسم الربح فی المرابحة فیقول : هذا المتاع قد کلّفنی مائتا درهم و ارید أن أربح فیه کذا ، فیربح ربح المتاع و ربح ارتفاع سعر الدراهم .

فأجابه علیه السلام بأنّ البیع إن کان مرابحة فلا بدّ من إخبار المشتری بفارق التضخّم و اختلاف سعر الصرف کی یتمیّز الربح عن التضخّم ، و إن کان البیع مساومة فلا بأس فی ترک الأخبار و ترک تحدید التضخّم .

و هذا شاهد علی ما نحن فیه من جهة أنّ النقد الملحوظ فیه المرآتیّة و فی باب الأثمان النقد لیس إلّا مرآة لتشخیص نفس المالیّة کالصفة و لها تقدیر ، فإذن النقد لا یلحظ فیه المثلیّة بل الواسطیّة ، و حکایته عن قیمة الثمن الواقعی ، فتلک الصفة له بما أنّ لها وحدات و قدر ، و النقد قد یزید عن تلک الوحدات و قد یقلّ ، لا أنّ الصفة مرهونة بالنقد ، بل هی بنفسها لها وجود اعتباری أو انتزاعی معیّن ، و المالیّة لیست مرتهنة بالنقد ، بل هی موجودة فی کلّ الأشیاء کالصفة ، و إنّما النقد جعل لتقدیر تلک الصفة بحسب الرغبة إلیه .

فالمقصود أنّه من الواضح فی هذه الروایة أنّ الدرهم لا ینظر إلیه بمثله ، بل بما هو مقدّر لمالیّة الأشیاء ، و إنّما ینظر إلیه هکذا ، فیجب أن یلحظ فیه التضخّم لا أنّه یلحظ و یغمض عن التضخّم .

و قد فصّل علیه السلام بین حساب التضخّم و بین حساب المالیّة فی نفس المتاع ، و هذا یدلّ علی أنّ التضخّم محطّ النظر و ملحوظ و معتدّ به ، و النقد یلحظ بما هو مرآة و واسطة لتقدیر المالیّة لا أنّ له موضوعیّة .

و هذه الروایة فی باب المرابحة صریحة فی ملاحظة و محاسبة ظاهرة التضخّم .

و نحن إذ نتابع فرض التضخّم فی المسائل العدیدة فی أبواب الروایات نلاحظ أنّ غالب أسباب التضخّم موجودة فی أبواب المعاملات ، مثلاً کثرة الطلب للدراهم

ص:581

توجب ارتفاعها و قلّة الطلب لها توجب نزولها ، و کذلک کثرة ضرب السلطان السکوک یزید فی قلّة المالیّة و غیر ذلک ، موجود فی أبواب الصرف و أبواب أحکام العقود ، و قد فرض فی الروایات حصول نسبة الثلث و النصف أو ثلاثة أضعاف من التضخّم .

ثمّ إنّ القوام الأساسی فی المعاوضات هی المالیّة ؛ لأنّه یوزن بین العوضین بتوسّط المالیّة ، فلا یمکن أن تکون صفة المالیّة غیر ملحوظة . هذا ، و التضخّم من العیوب المهمّة المخلّة فی معادلة المعاوضات .

و تقریر ضمان الارش فی العیب فی بقیّة العیوب إنّما یقدّر بتوسّط النقد و الصفة المالیّة ، فإذا کان إنّما یعدّ و یقرّر العیب عیباً ، و یضمن له ارش مالی ، فی ما إذا کان له فارق فی المالیّة و العیب یقرّر أنّه عیب إذا أوجب اختلافاً فی المالیّة ، فإذا کان الاختلاف و التفاوت فی المالیّة فی الأشیاء یوجب العیب فکیف فی النقد لا یوجبه ؟ و ما الذی فارق و خالف النقد عن غیره فیه ! لا سیّما أنّه أوْلی بالمرآتیة من غیره ؛ لأنّ الأشیاء الاُخری لیست مرآة لأشیاء غیرها ، و إنّما هی موضوعة و تمثّل الصفات الذاتیّة لذات نفسها ، و نلحظ العیب بلحاظ نقصها فی الصفة المالیّة عن الصفات الذاتیّة لنفسها ، و مع ذلک عند ما تتفاوت فی الجهة المالیّة نقول : إنّها عیب ، و لا نقول به فی تفاوت الصفات الذاتیّة من دون التفاوت فی الصفة المالیّة ، حینئذٍ إذا کان شیء هو أوْلی بالمرآتیّة و تتفاوت فیه المالیّة فکیف لا یلتزم بأنّه حدث فیه عیب مضمون .

الوجه الخامس : التضخّم و شرائط البیع

21 - صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّه قال : « فی رجل ابتاع من رجل طعاماً بدراهم فأخذ نصفه ثمّ جاءه بعد ذلک و قد ارتفع الطعام أو نقص فقال : إن کان یوم ابتاعه ساعره بکذا و کذا فهو ذلک ، و إن لم یکن ساعره فإنّما له سعر یومه » (1).

ص:582


1- 1) ب 26 / أبواب حکم العقود / ح1 .

« ارتفع الطعام » أی سعر الطعام ، و هذا هو التضخّم کأنّه یقول علیه السلام : إن لم تحدّد الثمن ، حیث إنّ أحد صفات النقد الحافظیّة فی عین أنّ فیه مرآتیّة ، فإذا اشتری طعاماً و لم یساعره ، أی لم یجعل الثمن فی ضمن نقد حافظ ، أی من دون أن یجعل المالیّة فی ضمن نقد حافظ ، و إنّما أوقع البیع بثمن یکون محقّقاً لمالیّة الطعام بما له من المالیّة ، فلن تتقدّر مالیّة الطعام بعده فی ضمن نقد حافظ معیّن .

و الفرض أنّ مالیّة الطعام فی حالة التغییر و هو قد باع الطعام بما له من المال ، کأنه یقول : اشتریت منک المتاع أو الطعام بما له من المالیّة فی یوم القبض ، و المعروف فی الفتاوی أنّ البیع بهذه الصورة مشتمل علی غرر و جهالة ، و قد یظهر من تلک الروایة صحّة تلک المعاملة .

و فی الآونة الأخیرة انتشرت فی سوق التبادل التجاری صیغة بیع لتفادی التضخّم یسأل عنها الفقهاء ، و هی أنّ التاجر یستورد بضاعة من الخارج و لا یدری أنّ کلفة البضاعة و کلّ الثمن الذی یبذل مع الزحمة حین ما یستلم البضاعة کم تکون بحسب المتغیّرات الشدیدة و السریعة لسوق التصنیع و التسویق و سوق الحمل و الضرائب الجمرکیّة و غیرها من الأسواق المؤثّرة علی سعر البضاعة النهائی ، فهو یشتری البضاعة من الشرکة الأجنبیّة فی الخارج بکذا ، و لکن لا یدری أنّ الجمرک سوف یأخذ کم مقداراً من الضرائب علی هذه البضاعة ، و لا یدری عملیّة اجرة التلخیص کم سوف تکون ، و لا یدری سعر هذه البضاعة بحسب سوق العرض و الطلب فی یوم الاستلام کم یکون و ربحه أی مقدار یکون ؟

و هذه المحاسبات معتدّ بها بین التجّار بعضهم مع البعض ، فیری أحدهم أنّ البضاعة الفلانیّة فی کساد و هی باقیة فی الباخرة ، فیقول لصاحبها : أشتری منک هذه البضاعة قبل أن تتنزّل أکثر ، و لعلّ المشتری یلتفت إلی أنّه سوف یکون إقبالاً علیها أکثر . و التاجر البائع لا یعلم بالمقدار النهائی لکلفة البضاعة ، فإنّه لا یحسب الثمن فقط الذی أعطاه للشرکة الأصلیّة الأجنبیّة ، و إنّما یحسب تکالیف الاُجرة و الزحمات التی

ص:583

وقعت علی تلک العین فی الحمل و الاختزان و الجمرک و هکذا .

مضافاً إلی عدم ثبات سعر البضاعة فی السوق المحلّی ، فلکی لا یقعون فی الخسارة استحدث فی التبادل التجاری هذه الصیاغة من البیع ، و هی بیع البضاعة بسعر یوم التخلیص من الجمرک ، و هذا البیع لیس علی مبیع کلّی کی یکون من بیع الکالی بالکالی و الدین بالدین ، بل المبیع شخصی أو من الکلّی فی المعیّن ، کما أنّ هذا التقدیر فی الثمن بیوم القبض ککلّی مقدّر لا شخصی مجهول الصفات و القدر .

لکن غالب أعلام العصر ذهبوا إلی أنّه غرری مجهول غیر معلوم العوض ؛ و لذلک المعاملة باطلة ، بینما فی التبایع السوقی الحالی تحدید السعر بقدر نقدی معیّن یعدّ غرریاً فی مثل هذه الموارد و نحوها من الصفقات الکبری الواقعة علی النفط و المعادن و المحاصیل الزراعیّة و الصناعیّة فی التجارة الدولیّة ، بخلاف ما إذا یحدّد السعر بیوم الاستلام فیکون کلّ من البائع و المشتری مطمئنّاً ، فالفتوی بالبطلان مشکلة جدّاً ، فإنّ الغرر و الجهالة فی قبال الرشد و المعلومیّة یتبدّل مصادیقها بحسب البیئات المختلفة المالیّة و المدار لیس علی هویة المصداق بناءً علی « خذ الغایات و اترک المبادئ » فی المعانی و المفاهیم و العناوین .

و علی کلّ حال ، فالتضخّم یلحظ بشدّة فی کلّ المعاملات ، و عدم لحاظه یوجب غرریّة المعاملة فی یومنا هذا ، و الروایة أیضاً ظاهرة فی صحّة تلک المعاملة و البیع ، و إنّما له سعر یومه ، یعنی أنّه متملک بمقتضی العبد السابق فی ذمّته سعر یوم القبض ، فالمواجبة تامّة ، و تخریج الحکم فی هذه المسألة مبتنٍ علی ظاهرة التضخّم و مبنیّة علیه ، و إن لم یکن الغرض المطابقی للروایة هو فی أصل بحث التضخّم و لا عینه ، بل مبنیّة علیه .

ثمّ إنّ هذه المسألة المستحدثة دالّة علی المقام باعتبار أنّه تارة یحدّد الثمن بنقد و تارة اخری یحدّد بالمالیّة بسعر یوم القبض ممّا یدلّ علی أنّ النقد إن جعل عوضاً فی العقود فلیس له موضوعیّة بقول مطلق ، و إن کانت الحافظیّة قد تلحظ له ، لکن تبدّل

ص:584

السعر أیضاً ملحوظ ، فإذا لم یحدّد بالنقد کحافظ یجعل سعر یوم القبض هو المیزان ، فیدلّ علی أنّ المالیّة بما هی هی ملحوظة و النقد مرآة لها ، فإذا صار التبدّل فی المالیّة التی تلحظ بالأساس و تکون محطّ الغرض الأصلی فکیف لا یکون الفارق فی المالیّة بسبب أحد المتعاوضین و تأخیره محطّ النظر و لا یضمن فهو محطّ نظر قطعاً .

22 - صحیحة الحلبی الاُخری عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی رجل ابتاع من رجل طعاماً بدراهم فأخذ نصفه و ترک نصفه ، ثمّ جاءه بعد ذلک و قد ارتفع الطعام أو نقص ، قال :

إن کان یوم ابتاعه ساعره أنّ له کذا و کذا فإنّما له سعره ، و إن کان إنّما أخذ بعضاً و لم یسمِّ سعراً فإنّما له سعر یومه الذی یأخذه فیه ما کان » (1).

مضمونها عین سابقتها ، و البحث فیه کسابقه ، و وجه التقریب هو اختلاف السعر و الاعتداد بفارق السعر ، و التضخّم هو أمر معتدّ به .

23 - صحیحة جمیل عن أبی عبد اللّه علیه السلام : « فی رجل اشتری طعاماً کلّ کرّ بشیء معلوم ، فارتفع الطعام أو نقص ، و قد اکتال بعضه فأبی صاحب الطعام أن یسلّم له ما بقی ، و قال : إنّما لک ما قبضت ، فقال : إن کان یوم اشتراه ساعره علی أنّه له ، فله ما بقی ، و إن کان إنّما اشتراه و لم یشترط ذلک ، فإنّ له بقدر ما نقد » (2) .

و هذه الروایة تفسّر الروایة التی سبقت ؛ لأنّ البیع وقع علی مقدار ما نقد إن کان إنّما اشتراه و لم یشترط ذلک یعنی البیع لزم بقدر ما نقد ، و هذا التفصیل جدواه و ثمرته مبتنیة علی الاعتداد بالتضخّم .

الوجه السادس : التضخّم و ماهیّة البیع و الإجارة

24 - صحیحة محمّد بن یحیی : قال : « کتب محمّد بن الحسن إلی أبی محمّد علیه السلام :

ص:585


1- 1) ب 26 / أبواب حکم العقود / ح2 .
2- 2) المصدر المتقدّم / ح3 .

رجل استأجر أجیراً یعمل له بناء أو غیره ، و جعل یعطیه طعاماً و قطناً و غیر ذلک ، ثمّ تغیّر الطعام و القطن من سعره الذی کان أعطاه إلی نقصان أو زیادة ، أ یحتسب له سعر یوم أعطاه أو بسعر یوم حاسبه ؟ فوقّع علیه السلام : یحتسب له بسعر یوم شارطه فیه إن شاء اللّه ، و أجاب علیه السلام فی المال یحلّ علی الرجل فیعطی به طعاماً عند محلّه و لم یقاطعه ثمّ تغیّر السعر ، فوقّع علیه السلام : له سعر یوم أعطاه الطعام » (1).

و هذه الروایة فی عقد الإجارة إلّا أنّها ادرجت فی أبواب أحکام العقود ؛ لأنّ صاحب الوسائل رأی فی مفادها جهة عامّة مشترکة مع بقیّة الروایات ، و هی جهة تضخّم النقود ، و لذا أدرجها فی باب واحد .

ثمّ إن کان الضمیر « فیه » یرجع إلی العمل ، فالمراد أنّه یحتسب بسعر یوم التعاقد و لا مجال لأن یقال بأنّ الاُجرة من الأوّل جعلت فی الطعام ، بل جعل النقد أوّلاً ثمّ تبدّل إلی الطعام ، و لذا قال الراوی : « و جعله یعطیه طعاماً » و إن کان الضمیر یرجع إلی الطعام ، فالمراد یوم الصلح علی الانتقال من النقد إلی الطعام .

و علی أی تقدیر ، فإنّ فرض الروایة منبّه لاستشهاد للمقام ببحث شائع فی باب البیع و الإجارة من أنّه لا یصحّ تبدیل عین بعین فی البیع و تبدیل عمل بعین فی الإجارة ، بل لا بدّ من تبدیل عین بمال فی البیع و تبدیل عمل بمال فی الإجارة ، و هذا لیس بحثاً إثباتیّاً یستحصل من أقوال اللغویّین ، بل هو بحث تحلیلی تخصّصی فی ماهیّة المعاملتین ، بل و یشیر فی الواقع إلی اختلاف ثبوتی ، حیث إنّا إذا قلنا إنّ البیع هو تبدیل عین بمال فیعنی أنّ المقابلة و الموازنة فی البیع یجب أن تکون بین نقد و عین .

و أمّا إذا قلنا إنّ النقد لیس دخیلاً ، فتجعل العین مقابل العین ، فتکون المعاوضة لیست موازنة فی المالیّة بحسب القصد الأصلی الأوّلی ، بل هی مقابلة شیء مرغوب فیه بالذات مقابل أخذ شیء آخر مرغوب فیه بالذات أیضاً بلحاظ منافعه الذاتیّة من

ص:586


1- 1) ب 26 / أبواب حکم العقود / ح4 .

دون کون النظر بالأصالة إلی الصفة المالیّة فی کلا الطرفین و إن کانت ملحوظة بالتبع و بنحو ثانوی لتشخیص و تحدید موضوع المعاوضة .

و عدم کون النظر الأصلی إلی الصفة المالیّة فی الطرفین یکون شاهداً علی أنّ الموازنة لیست علی أساس النقد و السعر و المالیّة ، بل علی أساس سدّ الرغبة و الحاجة المتبادلة .

ففی الواقع هذا البحث ماهوی یرجع إلی کنه دقیقة البیع ، فالذی یدّعی أنّ البیع أعمّ ماهیّة یبنی علی أنّ البیع تارة یلحظ فیه التعدیل المالی بالأصالة و لو من طرف البائع ، و اخری یلحظ فیه المنافع الذاتیّة بالأصالة فی کلا الطرفین ، و هما نحوان من اللحاظ متباینان ، و کذلک فی الإجارة .

و هذا البحث فی البیع لیس بحثاً عقدیّاً من حیثیّة التعهّد و الالتزام ، بل بحثاً ماهویّاً من جهة و حیثیّة المالیّة و هو شاهد علی ملاحظة التعدیل المالی فی المعاوضات ، و سؤال الراوی دالّ علی أنّ القیمة تختلف بلحاظ الأیّام بسبب الرغبة فیها ، فالصفة المالیّة و الفارق فیها أمر معتدّ بها و ملحوظ ، فکیف لا یکون ضامناً ؟ و لو لم یکن الفارق و التفاوت فاحشاً جدّاً .

الوجه السابع : التضخّم و حکم الدیون

25 - حسنة أبی العطّار : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : اشتری طعاماً فیتغیّر سعره قبل أن أقبضه ، قال : إنّی لاُحبّ أن تفی له کما أنّه إن کان فیه فضل أخذته » (1).

و وجه الشاهد أنّ التراضی بینهما هو علی سعر غیر یوم التقابض ، فهذا التغیّر فی السعر و إن کان معتدّاً به و لکنّه لیس أحدهما ضامناً له فی طرف النقیصة کما هو الحال فی طرف الزیادة ، فلو زاد فالربح له أیضاً کما کانت الخسارة علیه فی الصورة الاُولی ،

ص:587


1- 1) ب 26 / أبواب حکم العقود / ح6 .

فلیس هنا ما یوجب الضمان ، فالربح و الخسارة و التضخّم و إن کانت محلّ نظر السائل الدالّ علی أنّ التضخّم فی القیمة محلّ اعتداد به ، غایة الأمر حیث کان بمقتضی التعاقد صفة الحافظیّة للنقد هی محطّ نظر أصلی فلا یلتفت إلی الفارق و التفاوت . و أمّا إذا لم تکن هویة النقد و حافظیّته الخاصّة ملحوظة بنحو الإطلاق بمقتضی التعاقد ، فالفارق المالی محطّ نظر أصلی و یعتدّ به فی الضمان .

ثمّ إنّ هناک مسألة مذکورة فی أبواب الدین و القرض ممّا لها صلة بالمقام و موضوعها مطلق الدین المتولّد من أی عقد و لو غیر القرض لأحد علی آخر ، أنّه یجب علی من علیه الدین المقترض أو غیره من المدیونین بقاء النیّة و العزم علی أداء الدین ، و إذا لم ینو ذلک ، بل بنی علی العدم یکون غاصباً آکلاً للمال بالباطل ، کما أنّه عند ضرب الأجل إذا ماطل و نیّته عدم الأداء یکون غاصباً ، و التضخّم مضمون علی الغاصب ؛ إذ یؤخذ بأشقّ الأحوال ، بخلاف ما إذا کان عنده نیّة الأداء و لکن ماطل فقد ارتکب أمراً محرّماً أیضاً ؛ لأنّه نحو من الظلم و إن کان لیس بغاصب ، فإنّ عدم أداء حقوق الآخرین تضییع لحقّهم و هو موجب للضمان لأنّه فوّت حقّ الآخر و ملحق بالغصب ، فإذا تضخّم الدین فهو ضامن للفارق المالی أیضاً .

26 - موثّق إسحاق بن عمّار : قال : « قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : تکون للرجل عندی الدراهم الوضح فیلقانی فیقول : کیف سعر الوضح الیوم ؟ فأقول له : کذا و کذا ، فیقول :

أ لیس لی عندک کذا و کذا ألف درهم وضحاً ؟ فأقول : بلی ، فیقول لی : حوّلها دنانیر بهذا السعر و أثبتها لی عندک ، فما تری فی هذا ؟

فقال لی : إذا کنت قد استقصیت له السعر یومئذٍ فلا بأس بذلک .

فقلت : إنّی لم أوازنه و لم اناقده ، إنّما کان کلام منّی و منه .

فقال : أ لیس الدراهم من عندک و الدنانیر من عندک ؟

قلت : بلی .

ص:588

قال : فلا بأس بذلک » (1).

لیس موضع الشاهد فی جهة السؤال الأصلیّة فی الروایة ، بل فی فرض السؤال من أنّ الدراهم الوضح لها سعر یتبدّل ، و هو یدلّ علی أنّ النقد لیس ینظر إلیه نظرة موضوعیّة ، بل نظرة مرآتیّة إلی القیمة و المالیّة و السعر ، إن لم تکن الروایة صریحة فی کون النقد قیمیّاً ؛ لأنّ فی المثلی قد یلحظ السعر أیضاً ، لکنّ الکلام فی أنّ النقد هو مرآة للمالیّة و هذه المالیّة یطرأ علیها التغیّر .

ثمّ إنّ فی کلماتهم فی کتاب الغصب أنّ الغاصب إذا ردّ العین لا یکون ضامناً للفارق فی القیمة السوقیّة ، و هذا الحکم کأنّه متّفق علیه ، و لعلّه فی بادئ النظر هذا الحکم یتناقض مع الضمان فی التضخّم .

و لکنّ الصحیح عدم التنافی ؛ لأنّ ما ذکره الفقهاء مخصوص بمورد فارق القیمة السوقیّة من جهة اختلاف رغبات النّاس و ما یسمّی فی العرف المعاصر مناسبات العرض و الطلب ، و هنا لا یضمن بخلاف الفارق المالی الناشئ من نفس صفات العین أو من تأخیر الغاصب .

و قد تقدّم تقسیم مناشئ الاختلاف فی المالیّة من أنّه تارة من الجهة المصدّرة لاعتبار النقد کالسلطان و الدولة ، و اخری من المدین ، و ثالثة من اختلاف رغبات النّاس و کثرة العرض و الطلب و القضاء و القدر . ففی الأوّل الجهة المصدّرة للاعتبار ضامنة ، و فی الثانی المدین ، و فی الثالث لا یثبت الضمان علی أحد .

الوجه الثامن : التضخّم و الغرر المعاوضی

ثمّ إنّ ممّا له صلة بالمقام أیضاً البحث الجاری فی منشأ اشتراط عدم الغرر فی المعاوضات ، و ما هو دلیل اعتبار عدم الغرر فیها ، فإنّ الحدیث الوارد هو النهی عن

ص:589


1- 1) ب 4 / أبواب الصرف / ح1 .

بیع الغرر لا عن الغرر حتّی یشمل جمیع المعاوضات .

فاستدلّ علیه بأنّ البناء و التقنین العقلائی هو الدلیل ؛ لأنّ المعاوضات مبنیّة علی عدم التسامح و علی الفحص و التدقیق ، فنفس قوامها مأخوذ فیه عدم الجهالة و معرفة توزین المالیّة و سعر الطرفین من قوام ماهیّة المعاوضة ، فمن ثمّ أخذ عدم الغرر بعنوان شرط عقلائی فی صحّة المعاوضة .

و هذا البحث یفیدنا فی المقام ، فبعد کون العلم مأخوذاً فی الارتکاز العقلائی فی المعاوضات ، و کذلک عدم الغرر یمکن تقریب أهمّیة احتساب التضخّم کصفة خطیرة فی الأشیاء بأنّ التضخّم حاصل بشکل ممیّز فی البیئة المالیّة و التبادلیّة المعاصرة ، و عدم اعتباره فی السابق لا یدلّ علی عدم اعتباره الیوم ، و إذا کان من أنحاء العلم بالشیء فی العوضین فی الماضی نحواً معیّناً ؛ لأنّ الرغبات التی فی العوضین تستعلم بنمط خاصّ ، و الآن اختلفت الحاجیات المعیشیّة فی العوضین ، و تغیّرت طریقة الاستعلام إلی طریقة اخری ، فاستعمال الطریقة السابقة قد تؤدّی إلی الجهالة ؛ لأنّ الغرض من الکیل - مثلاً - هو الاستعلام و نفی الغرر و الجهالة .

فإذا کان هذا الطریق لا یرفع الجهالة ، فهل یمکن أن یقال بأنّه باقٍ علی حاله ؟ أم لا بدّ من طریقة استعلام حدیثة حتّی ترفع الجهالة فی المعاوضات الحدیثة ؟ لأنّ الحاجیات اختلفت ، فلا بدّ من اختلاف و تغییر طریقة الاستعلام ، فاستعلام کلّ شیء بحسبه و رفع جهالة کلّ شیء بحسبه ، و من ثمّ اختلفت البلدان فی المکیل و الموزون ، و القیمی و المثلی ، فربّ مکیل فی بلد هو موزون فی آخر ، و هکذا بحسب اختلاف البیئات المالیّة .

و کذلک الحال فی بحث التضخّم ، فلو فرضنا أنّ التضخّم و الاختلاف المالی لم یکن فی الزمن الماضی من الصفات الخطیرة لکن فی الوقت الحالی هذه الصفة تعتبر من الصفات المعتدّة بها ، و تعتبر صفة مقوّمة ، و لا بدّ من استعلامها ، و تخلّفها و اختلافها یوجب الجهالة ؛ لأنّ الرغبات و الحاجیات متقوّمة بهذه الصفة ، کما أنّ

ص:590

العیب فی الأشیاء المالیّة فی کلّ زمن بحسبه ، فربّما کان عیباً فی الماضی لا یعدّ عیباً الآن ، و کذلک العکس ، فربّ صفة فی الشیء فی الزمن الماضی لا یعدّ عیباً بینما یعدّ الآن و النقص فی الصفات التی تکون متعلّق الحاجة و الرغبة فی کلّ زمن یعدّ عیباً ، و هو یدور مدار الحاجیات و الرغبات و الصفات المرغوبة فیها من الأشیاء ، فلو افترضنا أنّ التضخّم لم یکن موجوداً أو عیباً فی الماضی - مع أنّه یعدّ کما هو ظاهر الروایات و ذکرنا تقریبه - لکنّه یعدّ الآن عیباً فیقع تحت القاعدة العامّة فی العیب و الغرر ، فیضمنه الغاصب و غیره .

الوجه التاسع : التضخّم و الضمان القیمی
اشارة

ثمّ إنّ الشیخ الطوسی فی باب الغصب یذهب إلی أنّ الذهب و الفضّة المسکوکَین أم غیر المسکوکَین یضمنان بالقیمة لا بالمثل ، و هذا شاهد لنا علی أنّ الذهب و الفضّة فی النقد الحقیقی و هو المسکوک ، ضمانهما بالقیمة ، لا أنّه ضمان بالمثل ؛ لأنّه قد یتنزّل أو قد یتصاعد فی الصفة المالیّة الراجعة إلی مالیّته الاعتباریّة ، و هی صفة النقد و کونه مسکوکاً ، و الضمان بالقیمة یستلزم کون التضخّم ملحوظاً فی نظر الشیخ .

و البحث القائم فی تضخّم النقد کلّه مبتن و یدور علی أنّه قیمی أو مثلی ، فإذا کان النقد مثلیّاً فیؤدّی النقد و تبرأ ذمّته ، أو یعطی بدل النقد مثله ، و أمّا إذا کان قیمیّاً فلا بدّ من ملاحظة مالیّتها فیتحقّق الضمان .

ثمّ إنّ هناک مبنی لبعض الأعلام من مشایخنا - السیّد الروحانی قدس سره - علی أنّه لا ضمان مثلی فی الأشیاء إلّا الضمان القیمی ، فعلی هذا المبنی ضمان المثلی أیضاً یکون بالقیمة دائماً ، و یضمن النقد بقیمته أی بدرجة مالیّته ، فالالتزام بضمان التضخّم فی الأشیاء هو ضمان للنقد بالقیمة .

نعم ، لا بدّ أن یتنبّه إلی ما مرّ من اختلاف مناشئ اختلاف المالیّة و القیمة و اختلاف حکم الضمان فیها ، فالقیمة فی القیمیات إذا اختلفت و تغیّرت و کانت من صفات نفس

ص:591

العین لا الناشئة من کثرة العرض و الطلب تبدّلها یکون مضموناً ؛ لأنّ تبدّل صفات العین مضمون .

إشکال و دفع

ثمّ إنّه یرد إشکال فی المقام ، و هو أنّه فی باب الدین و بیع الصرف و المکیل و الموزون یجب أن یوفّی بمثله و عدله و إلّا لصار رباً ، فإذا قلنا إنّ المدین یضمن التضخّم للدائن فیصیر رباً .

و فیه : أنّ الربا مشارطة بحسب نفس التعاقد أو المشارطة بقاءً زائداً علی مقتضی التعاقد القرضی أو المعاوضی فی نفسه لأخذ الزیادة ، أمّا مقابل أصل الاستدانة أو مقابل زمن الاستدانة ، و لکن لیس هاهنا تشارط زائد علی التعاقد ؛ لأصل الاستدانة أو زمنها ، بل الذی وقع علیه التعاقد لیس هو النقد بما هو النقد ، بل القیمة التی فی النقد ، فالقیمة علی حالها لم تحدث فیها زیادة و لا نقیصة .

و أیضاً أنّ الربا هو الزیادة المشروطة علی أصل العقد ، و أمّا الزیادة لضمان ارش العیوب ، فلیست من الزیادة الربویّة ، فهذه الزیادة لیست من باب التشارط ، بل من باب أنّ العیب مضمون . نعم ، العیب فی المالیّة الذی قبله الدائن إلی هذا الأجل لا یضمن ، و أمّا العیب الذی هو بسبب المدین فهو مضمون ، و لا ربط له ببحث الربا .

و أیضاً الزیادة فی الأشیاء لا تلحظ بلحاظ العدد فقط ، بل بلحاظ القیمة أیضاً .

ثمّ إنّه لا یخفی أنّ ما ذکر من صفة الاختلاف فی المالیّة بسبب التضخّم فی النقد ، جارٍ بعینه فی تضخّم قیمة غیر النقد و ضمانه أیضاً علی نهج ما ذکر فی النقد و إن کان بعض الوجوه خاصّة به ، إلّا أنّ بعضها عامّ ، فمثلاً : ما ذکرناه فی القیمة السوقیّة للمضمون إذا کان الاختلاف فی المالیة لیس بسبب العرض و الطلب السوقی ، بل بسبب التضخّم الحاصل فی مدّة تأخیر المدیون عن الأداء ، وجه ضمانه أعمّ من القیمة أو من العین .

ص:592

الفهارس الفنیة

1 - فهرس الآیات الکریمة

البقرة - 2*

188 (وَ لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ 571

*275 (الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إِلاّ کَما یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطانُ 11 ، 37ه ، 161

*275 (إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا 53 ، 162 ، 388

*275 (وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا 11 ، 48 ، 53 ، 81 ، 82 ، 120 ، 154 ، 295 ، 296 ، 346 ، 389 ، 471

*275 (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهی فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَ مَنْ عادَ 11

*276 (یَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ یُرْبِی الصَّدَقاتِ وَ اللّهُ لا یُحِبُّ کُلَّ کَفّارٍ أَثِیمٍ 12 ، 161

*278 (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ 12 ، 161

*279 (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ 12 ، 161

*279 (وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُؤُسُ أَمْوالِکُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ

12 ، 37ه ، 39 ، 162 ، 202 ، 380

*280 (وَ إِنْ کانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَیْرٌ لَکُمْ 161

آل عمران - 3

*32 (أَطِیعُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ 447

*130 (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْکُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً 12 ، 40 ، 48 ، 81 ، 161 ، 162*

*131 (وَ اتَّقُوا النّارَ الَّتِی أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ 12

ص:593

النساء - 4

*29 (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ 402 ، 499

*160 (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِینَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَیْهِمْ طَیِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ 12 ، 55ه 161

*161 (وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَکْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ 55ه ، 12 ، 161 ، 55ه ، 375*

المائدة - 5

أ1 (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ 157 ، 207 ، 295 ، 296 ، 325 ، 396 ، 402 ، 446 ، 448 ، 451 ، 452 ، 455 ، 456 ، 463 ، 465 ، 486 ، 489 ، 499

*55 (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ 353 الأنعام - 6

*57 (إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ لِلّهِ 353

یوسف - 12

*40 (إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ لِلّهِ 353

*67 (إِنِ الْحُکْمُ إِلاّ لِلّهِ 353

*74 (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِکِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِیرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِیمٌ 464

الکهف - 18

*44 (الْوَلایَةُ لِلّهِ الْحَقِّ) 44 ، 353

الروم - 130

*39 (وَ ما آتَیْتُمْ مِنْ رِباً لِیَرْبُوَا فِی أَمْوالِ النّاسِ فَلا یَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ) 13 ، 63 ، 161 ، 162

الحشر - 59

أ6 (وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ) 375

ص:594

2 - فهرس الروایات الشریفة

« احسبه من دینک علیه(فی رجل له دیناً علی رجل و قد . . .)علیّ علیه السلام 160ه ، 165

« إذا اختلف الشیئان فلا بأس به مثلین بمثل یداً بید الباقر علیه السلام 134 ، 188

« إذا أراد اللّه بقوم هلاکاً ظهر فیهم الربا » الصادق علیه السلام 38ه

« إذا اشتریت متاعاً فیه کیل أو وزن فلا تبعه حتّی تقبضه ، إلّا أن الصادق علیه السلام 111ه

« إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاک بخیر منها فلا بأس إذا لم الصادق علیه السلام 164

« إذا تراضیا فلا بأس » -129

« إذا دفع إلیه الورق بقدر الدنانیر فلا یضرّه کیف کان الصروف ، الکاظم علیه السلام 575

« إذا رضی فلا بأس »(الرجل لآخر : علّمنی عملک و أعطیک . . .)الکاظم علیه السلام 18

« إذا طابت . . . » -268

« إذا ظهر الربا - یا یونس - و هذا الربا ، فإن لم تشتره ردّه علیک » الصادق علیه السلام 99

« إذا قدر علی الذی وفّاه » -317

« إذا کان آخر البیع علی الحلال فلا بأس بذلک الصادق علیه السلام 89

« إذا کانا سواء فلا بأس »(سئل المعصوم عن الحنطة . . .)-187

« إذا کان بینهما نحاس أو ذهب فلا بأس الصادق علیه السلام 88

« إذا کان ذلک انتزعت منک أو تؤدّی عنها ما علیها من أحدهما علیهما السلام 528

« إذا کنت قد استقصیت له السعر یومئذٍ فلا بأس بذلک الصادق علیه السلام 592

« إذا لم یشترط و رضیا فلا بأس الکاظم علیه السلام 94

« إذا لم یکن شرط فلا بأس ، و ذلک هو الفضل الصادق علیه السلام 164

ص:595

« إذا وصفت الطول فیه و العرض » -129

« إذا وفّاه الذی اشترط علیه » -317

« اشتری أبی أرضاً و اشترط علی صاحبها أن یعطیه ورقاً کلّ دینار الصادق علیه السلام 580

« أقرضهم الدراهم قرضاً و ازدد علیهم فی نصف القفیز بقدر -169

« أ لیس إن شاء أخذ و إن شاء ترک ؟ الصادق علیه السلام 94

« إلیه قیمة ما دفع إلی صاحب الدین ، و برئ الذی علیه المال الرضا علیه السلام 110ه

« إنّ أبی کان أجرأ علی أهل المدینة منّی ، فکان یقول الصادق علیه السلام 97

« إنّ النّاس لم یختلفوا فی النسیء أنّه الربا ، و إنّما اختلفوا فی -189

« إنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لمّا افتتح خیبر ترکها فی أیدیهم علی النصف الصادق علیه السلام 239

« إن ربحنا فلک نصف الربح » -267

« إن ربحنا فیها فلک نصف الربح » -267

« أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله أعطی خیبر بالنصف أرضها و نخلها الباقر علیه السلام 239

« إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله بعث رجلاً إلی أهل مکّة و أمره أن ینهاهم عن الصادق علیه السلام 55

« إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله کان یکون علیه الثنیّ فیعطی الرباع الصادق علیه السلام 173

« إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله نهی عن ربح ما لم یضمن الصادق علیه السلام 323

« إنّ علیّاً علیه السلام قضی فی رجل باع بیعاً و اشترط شرطین ، بالنقد کذا الصادق علیه السلام 54

« إن کان تضمّن فربّما اشتدّ علیه فعجّل قبل أن تأخذ و تحبس الکاظم علیه السلام 173

« إن کان فیه الوضیعة فلیس علیک شیء » -267

« إن کان معروفاً بینهما فلا بأس ، و إن کان إنّما یقرضه من الصادق علیه السلام 166

« إن کان یوم ابتاعه ساعره أنّ له کذا و کذا فإنّما له سعره ، و إن کان الصادق علیه السلام 589

« إن کان یوم ابتاعه ساعره بکذا و کذا فهو ذلک ، و إن لم یکن الصادق علیه السلام 586

« إن کان یوم اشتراه ساعره علی أنّه له ، فله ما بقی ، و إن کان -589

« إنّما جاء الربا من الشروط » -203

« إنّما حرّم اللّه عزّ و جلّ الربا لکیلا یمتنع النّاس من اصطناع الصادق علیه السلام 41

ص:596

« إنّما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدینار لم یعط ألف درهم الباقر علیه السلام 89 ، 97

« إنّ هذا هو الفضل ، فأعطه إیّاها الباقر علیه السلام 164

« إنّه کره أن یشتری الثوب بدینار غیر درهم؛ لأنّه لا یدری کم الباقر علیه السلام 583

« إنّه کره أن یشتری الرجل بدینار إلّا درهم ، و إلّا درهمین ، الباقر علیه السلام 583

« إنّه لو کان الربا حلالاً لترک النّاس التجارات ما یحتاجون إلیه ، الصادق علیه السلام 41

« إنّی لاُحبّ أن تفی له کما أنّه إن کان فیه فضل أخذته الصادق علیه السلام 591

« أ وَ لیس خیر القرض ما جرّ منفعة الصادق علیه السلام 177

« بعت العین إلی مدّة معلومة » -517

« بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله رجلاً من أصحابه والیاً ، فقال له : إنّی الصادق علیه السلام 324

« بع مالی بعشرة فما زاد فهو لک » -324

« البعیر بالبعیرین ، و الدابّة بالدابّتین یداً بید لیس به بأس الباقر علیه السلام 125

« البیعان بالخیار ما لم یفترقا » -454

« تملیک العین علی وجه خاصّ » -498

« جاء الربا من قبل الشروط ، إما یفسده الشروط -158

« جاء الربا من قبل الشروط ، إنّما یفسده الشروط -163

« الحنطة بالدقیق مثلاً بمثل ، و السویق بالسویق مثلاً بمثل ، الباقر علیه السلام 188

« الحنطة و الشعیر رأساً برأس ، لا یزاد واحد منهما علی الآخر الصادق علیه السلام 187

« خذ منه ما یعطیک ، فکلّ منه و اشرب ، و حجّ ، الباقر علیه السلام 176

« خیر القرض الذی یجرّ المنفعة الصادق علیه السلام 178

« خیر القرض ما جرّ المنفعة الباقر علیه السلام 178

« دراهم بدراهم مثلین بمثل ، و حنطة بحنطة مثلین بمثل الصادق علیه السلام 187

« درهم ربا أشدّ من سبعین زنیة کلّها بذات محرم » الصادق علیه السلام 38ه

« الدقیق بالحنطة ، و السویق بالدقیق ، مثل بمثل ، لا بأس به الباقر علیه السلام 188

« الربا رباءان : ربا یؤکل و ربا لا یؤکل ، فأمّا الذی یؤکل الصادق علیه السلام 63

ص:597

« سعر یوم أعطاک الدنانیر ، لأنّک حبست منفعتها عنه -576

« شرّ المکاسب کسب الربا » النبیّ صلی الله علیه و آله 38ه

« صدقت و اللّه ، لکنّه فرار من باطل إلی حقّ الباقر علیه السلام 89 ، 98

« الطلاق بید من أخذ بالساق » -495

« فاسد ، فلعلّ الدینار یصیر بدرهم علیّ علیه السلام 583

« فإن جاوزها و هلک المال فهو ضامن ، و إن اشتری متاعاً فوضع الصادق علیه السلام 237

« فلا بأس بذلک الصادق علیه السلام 593

« فلا بأس »(یجیئنی الرجل یطلب بیع الحریر و لیس عندی . . .)الصادق علیه السلام 313

« فهی له علی السعر الذی أخذها یومئذٍ ، و إن أخذ دنانیر و لیس الکاظم علیه السلام 572 ، 577

« قد أمرنی بذلک أبی ففعلت » الرضا علیه السلام 90

« قد فعل ذلک أبی و أمرنی أن أفعل ذلک فی شیء -96

« قضی علیّ علیه السلام فی تاجر اتّجر بمال و اشترط نصف الربح فلیس الباقر علیه السلام 238 ، 255

« قل له : لیمنعها أشدّ المنع ، فإنّها باعته ما لم تملکه الکاظم علیه السلام 303

« کان محمّد بن المنکدر یقول لأبی علیه السلام : یا أبا جعفر الباقر علیه السلام 89

« کلّ زعیم غارم » النبیّ صلی الله علیه و آله 464

« کلّ شرط خالف کتاب اللّه » -457

« کلّ شیء یکال أو یوزن فلا یصلح مثلین بمثل إذا کان من جنس الصادق علیه السلام 133

« کلّ صلح خالف کتاب اللّه » -457

« کلّ قرض جرّ منفعة فهو حرام » -203

« کلّ ما ترک المورِّث من مال أو حقّ فهو لوارثه » -497

« کلّ ما کان للمیّت فهو للوارث » -487

« لئلّا یمتنع النّاس من اصطناع المعروف الصادق علیه السلام 41

« لا احبّه(الرجل یأتینی یستقرض الدراهم فاُوطّن نفسی . . .)الکاظم علیه السلام 165

« لا أری بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجاریة » -268

ص:598

« لا أری بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجاریة الکاظم علیه السلام 261

« لا بأس إذا اشترطا ، فإذا کان شرط یخالف کتاب اللّه فهو ردّ إلی الصادق علیه السلام 259

« لا بأس إذا طابت نفس المستقرض الصادق علیه السلام 172

« لا بأس إذا لم یکن بشرط الکاظم علیه السلام 167

« لا بأس(إنّا نعالج هذه العینة ، و ربّما جاءنا الرجل یطلب . . .)الکاظم علیه السلام 313

« لا بأس بالثوب بالثوبین » -129

« لا بأس بالثوب بالثوبین ، یداً بید ، و نسیئة إذا وصفتهما الباقر علیه السلام 126

« لا بأس بالحیوان کلّه یداً بید الصادق علیه السلام 125 ، 127

« لا بأس بالسلف ما یوزن فی ما یکال ، و ما یکال فی ما یوزن علیّ علیه السلام 137

« لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس الصادق علیه السلام 240 ، 245ه

« لا بأس بأن تبیع الرجل المتاع لیس عندک تساومه ثمّ تشتری الصادق علیه السلام 310 ، 318

« لا بأس بأن یأخذ الرجل الدراهم بمکّة و یکتب لهم سفاتج أن علیّ علیه السلام 175

« لا بأس بأن یأخذ ثمنها دراهم الصادق علیه السلام 578

« لا بأس ببیع کلّ متاع کنت تجده فی الوقت الذی بعته فیه الباقر علیه السلام 307

« لا بأس بذلک إن کانت الجاریة للقائل الصادق علیه السلام 261

« لا بأس بذلک إنّما الأوّل و الآخر سواء الصادق علیه السلام 579

« لا بأس بذلک ، إنّما البیع بعد ما یشتریه الصادق علیه السلام 312 ، 319

« لا بأس بذلک قد فعل ذلک أبی رضی الله عنه و أمرنی أن أفعل ذلک الصادق علیه السلام 87 ، 168

« لا بأس بذلک ما لم یکن شرطاً الکاظم علیه السلام 165

« لا بأس بذلک ، و لکن لا یبیعهم مرابحة الصادق علیه السلام 226ه

« لا بأس به إذا لم یکن فیه شرط ، و لو وهبها له کلّها صلح الصادق علیه السلام 163

« لا بأس به إذا وفّاه الذی اشترط علیه الصادق علیه السلام 308

« لا بأس به»(أعطِ الرج ألف درهم قرضاً و أعطه عشرین . . » الصادق علیه السلام 257

« لا بأس به»(الرجل یطلب المتاع بعشرة آلاف درهم و لیس . . . ، الصادق علیه السلام 311

ص:599

« لا بأس به ، إنّما یأخذ دنانیر مثل دنانیره ، و لیس بثوب إن لبسه الباقر علیه السلام 179

« لا بأس به إنّما یحلّ الکلام و یحرّم الکلام الصادق علیه السلام 312

« لا بأس به»(سألته عن رجل أدفع إلیه مالاً فأقول له . . .)الکاظم علیه السلام 258

« لا بأس به»(عن الرجل یرید طعاماً أو بیعاً نسیئاً و لیس عندی . . . الصادق علیه السلام 311

« لا بأس به»(عن الرجل یعطی المتاع فیقال له : ما ازددت . . .)الصادق علیه السلام 226ه

« لا بأس به»(فی الجوز لا یمکّن عدّه فیکال ثمّ یعدّ ما فیه ثمّ . . .)-135

« لا بأس به»(فی الرجل یدخل المعادن و یبیع الجوهر بترابه . . .)الرضا علیه السلام 88

« لا بأس به»(فی الرجل یرشو الرجل علی أن یتحوّل من . . .)الصادق علیه السلام 144

« لا بأس به»(فی هل یستقیم لصاحب المال اذا أراد . . .)الکاظم علیه السلام 258

« لا بأس به ، قد أمرنی أبی ففعلت ذلک الرضا علیه السلام 87 ، 168

« لا بأس»(سألت : الرجل له علی رجل دنانیر فیأخذ سعرها ورقاً الصادق علیه السلام 580

« لا بأس»(سألته عن رجل کان علیه دین دراهم معلومة ، . . . » الصادق علیه السلام 579

« لا بأس »(طلبت منّی مائة ألف درهم علی أن تربحنی . . .)الکاظم علیه السلام 86 ، 180

« لا بأس»(عن الرجل ارید أن أعینه المال أو یکون لی علیه . . .)-181

« لا بأس »(عن الرجل یسلف آخر الدراهم ینقدها إیّاه . . .)الصادق علیه السلام 176

« لا بأس »(عن الرجل یقرض آخر الدراهم الغلّة فیأخذ منها . . .)الصادق علیه السلام 172

« لا بأس »(عن الرجل یکون له علی الآخر الدراهم فیدعوه . . .)الباقر علیه السلام 180

« لا بأس »(عن رجل أعطی عبده عشرة دراهم علی أن یؤدّی . . . الکاظم علیه السلام 380

« لا بأس »(فی استقراض الرغیف کبیراً أو صغیراً و إرجاعه . . .)الصادق علیه السلام 135

« لا بأس »(فی الرجل یبعث بمال إلی أرض فقال للذی یرید . . .)الصادق علیه السلام 175

« لا بأس »(فی الرجل یسلف الرجل الدراهم ینقدها إیّاه . . .)الصادق علیه السلام 175

« لا بأس »(فی الرجل یسلف الرجل الورق و یشترط نقدها . . .)أحدهما علیهما السلام 176

« لا بأس »(فی الرجل یسلف الورق و یشرط علیه نقدها إیّاه . . .)الصادق علیه السلام 173

« لا بأس »(فی الرجل یعطی المتاع فیقول : ما ازددت علَیَّ . . .)الصادق علیه السلام 226

ص:600

« لا بأس»(فی الرجل یکون له الدین دراهم معلومة إلی . . . » الصادق علیه السلام 579

« لا بأس »(فی رجل یکون له علی الرجل المال و لما جاء . . .)الصادق علیه السلام 94

« لا بأس ، ما لم یکن کیلاً أو موزوناً الصادق علیه السلام 132

« لا بأس ، ما لم یکن کیلاً أو وزناً الصادق علیه السلام 125

« لا بأس»(نقرض نفراً و یصرفون إلینا غلّاتهم بأجر و لنا . . .)الصادق علیه السلام 179

« لا بأس»(یدفع إلی الرجل الدراهم فاشترط علیه أن یدفعها . . .)الصادق علیه السلام 175

« لا بأس»(یکون لی علی الرجل دراهم فیقول : اخّرنی بها . . .)الکاظم87 ، 181

« لا ، بل إذا کانت المرابحة فاخبره بذلک ، و إن کانت . . . الصادق علیه السلام 584

« لا بیع إلّا بکیل » -455

« لا بیع إلّا فی ملک » -455

« لا تأخذ إلّا مثل ما أقرضت » -204

« لا تبع الحنطة بالشعیر ، إلّا یداً بید ، و لا تبع قفیزاً علیّ علیه السلام 189 ، 190

« لا تبع ما لیس عندک » -266 ، 318

« لا تبعه حتّی تکیلَه » -454

« لا تشتر من أرض السواد شیئاً إلّا من کانت له ذمّة ، . . . الصادق علیه السلام 530

« لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة ، و لکن بالنصف الصادق علیه السلام 240 ، 245ه

« لا تملّک ما لیس عندک » -266

« لا خیر فی هذا ، أ فلا یجعلون فیها ذهباً لمکان زیادتها الصادق علیه السلام 88

« لا ربا إلّا فی النسیئة -59ه

« لا طلاق إلّا بعد نکاح ، و لا عتق إلّا بعد الملک الصادق علیه السلام 322 ، 325

« لا طلاق قبل نکاح ، و لا عتق قبل ملک النبیّ صلی الله علیه و آله 323

« لا طلاق قبل نکاح ، و لا عتق قبل ملک ، و لا یُتْم بعد إدراک الصادق علیه السلام 322

« لا طلاق لمن لا ینکح ، و لا عتاق لمن لا یملک علیّ علیه السلام 322

« لا عتق إلّا فی ملک » -325

ص:601

« لا ، هذا الربا محضاً الکاظم علیه السلام 63

« لا یباع مختومان من شعیر بمختوم من حنطة ، و لا یباع إلّا. . . الصادق علیه السلام 187

« لا یجوز إلّا مثلاً بمثل الصادق علیه السلام 187

« لا یجوز بیع ما لیس یملک ، و قد وجب الشراء من البائع . . . العسکری علیه السلام 305

« لا یسمّی شیئاً من الحبّ و البقر ، و لکن یقول : ازرع فیها کذا الصادق علیه السلام 79 ، 240

« لا یسمّی له أجلاً إلّا أن یکون بیعاً لا یوجد مثل العنب . . . الصادق علیه السلام 305

« لا یصلح إذا کان قرضاً یجرّ شیئاً ، فلا یصلح الصادق علیه السلام 166

« لا یصلح أن تقرض ثمرة و تأخذ أجود منها بأرض اخری غیر . . . الصادق علیه السلام 165

« لا یطلّق الرجل إلّا ما ملک ، و لا یعتق إلّا ما ملک ، . . . الباقر علیه السلام 323

« لا ینبغی إسلاف السمن بالزیت ، و لا الزیت بالسمن الصادق علیه السلام 136

« لا ینبغی أن تبیع ما لا تجد » -317

« لا ینبغی أن یسمّی بذراً و لا بقراً ، فإنّما یحرّم الکلام الصادق علیه السلام 79

« لا ینبغی أن یسمّی بذراً و لا بقراً ، و لکن یقول لصاحب . . . الصادق علیه السلام 80

« لا ینبغی أن یسمّی شیئاً ، فإنّما یحرّم الکلام الصادق علیه السلام 79

« لا ینبغی(عن الرجل ابتاع منه طعاماً أو متاعاً علی أن لیس . . . » الکاظم علیه السلام 262

« لا ینبغی لهم أن یشهدوا إلّا بالحقّ ، و لا ینبغی لصاحب . . . العسکری علیه السلام 167

« لصاحب الدراهم الدراهم الاُولی -581

« لعن رسول اللّه الربا و آکله و بائعه و مشتریه و کاتبه و شاهدیه » علیّ علیه السلام 38ه

« لک أن تأخذ منه ما ینفق بین النّاس کما أعطیته ما ینفق . . . الرضا علیه السلام 580

« لک الدراهم الاُولی الرضا علیه السلام 580

« له الربح و لیس علیه من الوضیعة شیء ، إلّا أن یخالف عن . . . الصادق علیه السلام 254

« له سعر یوم أعطاه الصادق علیه السلام 572 ، 578

« له سعر یوم أعطاه الطعام العسکری علیه السلام 590

« له نصف الربح » -267

ص:602

« لیس بشیء إنّه لا یکون طلاق حتّی یملک عقدة النکاح -322

« لیس بشیء لا یطلّق إلّا ما یملک ، و لا یعتق إلّا ما یملک ، . . . الباقر علیه السلام 322

« لیس به بأس إنّما یشتریه منه بعد ما یملکه الباقر علیه السلام 313 ، 319

« لیس به بأس(فی رجال قال لآخر : بع ثوبی بکذا ، . . .)الصادق علیه السلام 226

« لیس بین الرجل و ولده رباً و لیس بین السیّد و عبده ربا علیّ علیه السلام 376

« لیس بین الرجل و ولده و بینه و بین عبده ، و لا بین أهله رباً ، . . . الباقر علیه السلام 377

« لیس بین المسلم و بین الذمّی رباً ، و لا بین المرأة و بین زوجها رباً الصادق علیه السلام 377

« لیس بیننا و بین أهل حربنا رباً ، نأخذ منهم ألف درهم . . . النبیّ صلی الله علیه و آله 376

« لیس ذلک بشیء الکاظم علیه السلام 323

« لیس علی الأمین إلّا الیمین » -254

« ما احبّ أن یبیع ما لیس له الکاظم علیه السلام 304

« ما أری بهذا بأساً لو هلک منه المتاع قبل أن تبیعه إیّاه کان من الصادق علیه السلام 313 ، 319

« ما کان من طعام مختلف أو متاع أو شیء من الأشیاء متفاضلاً الصادق علیه السلام 133

« المال الذی یعمل به مضاربة له من الربح و لیس علیه من . . . الصادق علیه السلام 254

« المختلف مثلان بمثل ، یداً بید ، لا بأس -134 ، 188

« من اتّجر مالاً و اشترط نصف الربح فلیس علیه ضمان علیّ علیه السلام 238 ، 255

« من أحیا أرضاً فهی له » -487

« من أقرض رجلاً ورقاً فلا یشترط إلّا مثلها ، فإن جوزی الباقر علیه السلام 166

« من سبق إلی ما لم یسبقه إلیه أحد فهو له » -487

« من ضمن تاجراً فلیس له إلّا رأس ماله ، و لیس له من علیّ علیه السلام 40 ، 229

238 ، 255

« المؤمنون عند شروطهم » النبیّ صلی الله علیه و آله 308 ، 309 ،

346 ، 489 ، 490 ، 491 ، 493 ، 494 ، 495 ، 498 ، 501 ، 520 ، 527 ، 538

« النّاس مسلّطون علی أموالهم » -249 ، 505 ،

ص:603

507 ، 508 ، 510 ، 518 ، 520 ، 522

« نحن نستقرض الجوز الستّین و السبعین عدداً فیکون فیه الکبیرة الصادق علیه السلام 135

« نعم إن شاء» -579

«نعم »(الرجل یطلب منّی بیعاً و لیس عندی ما یرید أن ابایعه . . . الصادق علیه السلام 312

« نعم علیه الوضیعة کما یأخذ الربح الکاظم علیه السلام 262

« نعم ، لا بأس إذا سمّیت الأسنان جذعین أو ثنیّین الصادق علیه السلام 126

« نعم لا بأس به ، قد قبّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله خیبر أعطاها الیهود . . . الصادق علیه السلام 240

« نهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن بیع الغرر » -471

« نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن سلف و بیع ، و عن بیعین فی بیع ، . . . الصادق علیه السلام 305

« نهی عن ربح ما لم یضمن » -326

« و علّة تحریم الربا لما نهی اللّه عزّ و جلّ عنه ، و لما فیه من . . . الرضا علیه السلام 42

« و لا یصلح الشعیر بالحنطة إلّا واحد بواحد الصادق علیه السلام 187

« و ما عدّ أو لم یکل و لم یوزن فلا بأس به اثنان بواحد ، . . . -125

« و نهی عن بیع ما لم یضمن الصادق علیه السلام 325

« و نهی عن بیع ما لیس عندک ، و نهی عن بیع و سلف الصادق علیه السلام 309

« هذا الربا المحض الکاظم علیه السلام 168

« هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بینهما الصادق علیه السلام 237

« هو ضامن و الربح بینهما الصادق علیه السلام 237 ، 238

« هو ضامن ، و الربح بینهما علی ما شرط الصادق علیه السلام 237

« هو لجمیع المسلمین لمن هو الیوم و لمن یدخل فی الإسلام . . . الصادق علیه السلام 529

« هو له حلال إذا أحلّه ، و ما احبّ له أن یفعل الکاظم علیه السلام 180

« هو له ضامن ، و الربح بینهما إذا خالف شرطه و عصاه الصادق علیه السلام 238

« یا علیّ ، إنّ القوم سیفتنون بأموالهم النبیّ صلی الله علیه و آله 52

« یا یونس ، إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال لجابر بن عبد اللّه : کیف الصادق علیه السلام 51 ، 77

ص:604

« یجوز »(فادفع إلیه أکثره قرضاً و الباقی مضاربة)الصادق علیه السلام 258

« یجوز »(هل یجوز القرض یجرّ المنفعة أم لا ؟)-178

« یحتسب له بسعر یوم شارطه فیه إن شاء اللّه العسکری علیه السلام 590

« یحسبها بالسعر الأول فلا بأس الکاظم علیه السلام 573 ، 578

« یردّ الرجل الذی علیه الدین ماله الذی اشتری به من الرجل . . . الباقر علیه السلام 110ه

« یضمن المال و الربح بینهما أحدهما237

« یکره أن یشتری الثوب بدینار غیر درهم؛ لأنّه لا یدری کم الدینار الصادق علیه السلام 582

« یکون مع الذی ینقص الصادق علیه السلام 88

ص:605

ص:606

3 - فهرس الأعلام

رسول اللّه(النبیّ صلی الله علیه و آله): 13 ، 15 ، 16 ، 38ه ، 51 ، 52 ، 55 ، 59ه ، 77 ، 84 ، 114ه ، 132 ، 173 ، 239 ، 240 ، 245 ، 249 ، 303 ، 305 ، 306 ، 309 ، 315 ، 323 ، 324 ، 327 ، 376 ، 383 ، 354 ، 471

الإمام أمیر المؤمنین(علیّ علیه السلام): 13 ، 15 ، 38ه ، 40 ، 54 ، 88ه ، 125 ، 126 ، 137 ، 165 ، 172 ، 175 ، 189 ، 190 ، 229 ، 238 ، 255 ، 322 ، 376 ، 582

الإمام الباقر علیه السلام : 15 ، 40 ، 90 ، 110ه ، 125 ، 129 ، 134 ، 166 ، 176 ، 178 ، 179 ، 180 ، 188 ، 189 ، 190 ، 229 ، 237 ، 238 ، 255 ، 313 ،

319 ، 322 ، 377

الإمام الصادق علیه السلام : 13 ، 14 ، 15 ، 38ه ، 40 ، 41 ، 51 ، 52 ، 54 ، 55 ، 63 ، 77 ، 78 ، 79 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 94 ، 111ه ، 125 ، 126 ، 128 ، 129 ، 133 ، 134 ، 135 ، 136 ، 137 ، 144 ، 160 ، 163 ، 164 ، 165 ، 166 ، 168 ، 171 ، 172 ، 173 ، 174 ، 175 ، 176 ، 177 ، 178 ، 179 ، 180 ، 186 ، 187 ، 188 ، 226 ، 237 ، 238 ، 239 ، 240 ، 245ه ، 254 ، 257 ، 258 ، 259 ، 261 ، 269 ، 305 ، 307 ، 308 ، 309 ، 310 ، 311 ، 312 ، 313 ، 318 ، 319 ، 321 ، 322 ،

ص:607

323 ، 324 ، 376 ، 377 ، 529 ، 530 ، 572 ، 578 ، 579 ، 580 ، 582 ، 583 ، 584 ، 586 ، 589 ، 591 ، 592

الإمام الکاظم علیه السلام : 86 ، 87 ، 90 ، 93 ، 94 ، 127 ، 129 ، 164 ، 165 ، 167 ، 168 ، 173 ، 179 ، 180 ، 181 ، 258 ، 261 ، 303 ، 304 ، 313 ، 323 ، 324 ، 380 ، 572 ، 575 ، 576 ، 577 ، 580

الإمام الرضا علیه السلام : 14 ، 42 ، 87 ، 88 ، 90 ، 93 ، 110ه ، 127 ، 168

الإمام الجواد علیه السلام : 93

الإمام الهادی علیه السلام : 93ه

الإمام العسکری علیه السلام : 167 ، 304 ، 589

الإمام القائم علیه السلام : 93ه

المسیح : 548

یوسف علیه السلام : 464

حرف الألف

الآخوند : 316 ، 498 ، 502 ، 519

الأراکی : 545 ، 555 ، 560 ، 562

أبان : 125ه ، 128 ، 133ه ، 176ه ، 187ه ، 240ه ، 254ه ، 312ه

أبان بن عثمان : 175

إبراهیم بن إسحاق : 169ه

إبراهیم بن عبد الحمید : 572 ، 577

إبراهیم بن عمر الیمانی : 63

ابن أبی عمیر : 41ه ، 87ه ، 89ه ، 92 ، 94 ، 133ه ، 135ه ، 163ه ، 164ه ، 177ه ، 180ه ، 181ه ، 187ه ، 226ه ، 237ه ، 239ه ، 240ه ، 254ه ، 259ه ، 307ه ، 312ه ، 323ه ، 572

ابن أبی نجران : 40ه ، 129 ، 229ه ، 238ه ، 255ه ، 322ه

ابن إدریس : 110ه ، 111ه ، 160 ، 233 ، 262 ، 269

ابن البرّاج : 110ه ، 233

ابن القیّم : 56ه ، 57ه ، 58ه

ابن المنذر : 113ه

ابن بقاح : 376ه

ابن بکیر : 178ه

ص:608

ابن رباح : 376ه

ابن رباط : 125ه ، 129 ، 132ه ، 133ه

ابن رشد : 56ه ، 57ه ، 58ه ، 249

ابن ریاح : 376ه

ابن سعد : 177

ابن سنان : 136 ، 311ه

ابن شهرآشوب : 93 ، 127

ابن عبّاس : 59ه

ابن فضّال : 173ه ، 257ه

ابن قدامة الحنبلی : 177

ابن قولویه : 127

ابن محبوب : 134ه ، 172ه ، 176ه ، 188ه ، 261ه

ابن مسکان ، 79ه ، 133ه ، 134ه ، 175ه ، 176ه ، 179ه ، 240ه

ابن یسار : 136ه

أبو الربیع الشامی : 79 ، 80ه ، 261 ، 269 ، 270 ، 171 ، 172ه ، 530

أبو الصباح الکنانی : 237 ، 254 ، 308

أبو الصباح : 174 ، 175ه ، 239 ، 311

أبو العطّار : 591

أبو المغراء : 254ه

أبو أیّوب(الخزّاز أو الخرّاز)الکوفی (إبراهیم بن عثمان بن زیاد)؛ 177ه

أبو أیّوب : 134ه ، 188ه

أبو بصیر : 88 ، 179 ، 182 ، 187 ، 238 ، 269

أبو جعفر : 238ه

أبو جعفر بن بابویه : 92

أبو جمیلة : 238ه

أبو حمزة : 110ه

أبو حنیفة : 95ه ، 132 ، 258

أبو سعید الخدری : 132ه

أبو شعیب : 238ه

أبو علیّ الأشعری : 87ه ، 126ه ، 164ه ، 168ه ، 173ه ، 187ه ، 189ه ، 254ه

أبو مریم(عبد الغفّار بن القاسم): 173

أبو مریم : 173ه

أبو مسروق : 93

أبو یوسف : 258

أحمد : 95ه ، 113ه ، 322ه ، 323ه

أحمد بن أبی عبد اللّه : 41ه ، 137ه

أحمد بن الحسن بن علیّ بن فضال : 324ه

أحمد بن الحسن بن فضّال : 55ه

أحمد بن حنبل : 57ه

أحمد بن محمّد بن أبی نصر : 187ه

أحمد بن محمّد بن عیسی : 163ه ، 258ه ،

ص:609

261ه ، 262ه ، 303ه

أحمد بن محمّد : 54ه ، 79ه ، 86ه ، 87ه ، 134ه ، 160ه ، 165ه ، 172ه ، 173ه ، 175ه ، 176ه ، 180ه ، 181ه ، 187ه ، 188ه ، 239ه ، 240ه ، 254ه ، 257ه ، 261ه ، 303ه ، 305ه ، 322ه

الأردبیلی : 166 ، 176 ، 245 ، 375 ، 377

اسامة : 59ه

إسحاق : 113ه

إسحاق بن عمّار ، 94 ، 135 ، 165 ، 167 ، 178 ، 179 ، 180ه ، 262 ، 304 ، 305ه ، 572 ، 576 ، 577 ، 592

إسماعیل بن جابر : 175 ، 176 ، 181 ، 182

إسماعیل بن عبد الخالق : 584

الاصفهانی : 114 ، 117 ، 279 ، 296 ، 365 ، 456 ، 502 ، 503 ، 504 ، 505

الأنصاری : ، 142 ، 285 ، 291 ، 292 ، 294 ، 295 ، 296 ، 314 ، 315 ، 320 ، 325 ، 326 ، 432 ، 502

الأوزاعی : 177

الایروانی : 116 ، 314 ، 320

أیّوب بن نوح : 125ه ، 132ه ، 178ه حرف الباء

البجنوردی(المحقّق المیرزا): 176

بحر العلوم : 159 ، 427

البرقی : 54ه ، 303ه

البروجردی : 53

بشر بن مسلمة : 178ه

بشیر بن سلمة : 178ه

بشیر بن مسلم : 178ه

بشیر بن مسلمة : 178

بکار بن أبی بکر : 94

پالمسترخ : 548حرف الثاء

ثابت بن شریح : 133ه ، 165ه

ثعلبة بن میمون : 257ه ، 323ه

ثعلبة : 258ه حرف الجیم

جابر بن عبد اللّه : 51 ، 77

جریر بن حازم : 93

ص:610

الجصّاص : 59ه

جعفر : 134ه ، 322

جعفر بن حیّان الصیرفی : 176ه

جعفر بن هذیل : 176

جعفر کاشف الغطاء : 159

جمیل بن درّاج : 125ه ، 128 ، 179 ، 180 ، 226ه

جمیل : 129 ، 188ه ، 237 ، 589حرف الحاء

حدید بن حکیم : 311

حریز : 144ه ، 226ه ، 313ه ، 319ه ، 377ه

الحسن بن أبی سعید المکاری : 93

الحسن بن جهم : 258ه

الحسن بن صدقة : 88

الحسن بن ظریف : 322ه

الحسن بن علیّ الکوفی : 126ه

الحسن بن علیّ بن عبد اللّه : 87ه ، 168ه

الحسن بن علیّ بن فضّال : 178ه

الحسن بن محبوب : 79ه ، 80ه ، 239ه ، 240ه ، 322ه

الحسن بن محمّد بن سماعة : 125ه ، 129 ، 132ه ، 133ه ، 134ه ، 165ه ، 180ه ، 238ه ، 304ه

الحسین بن زید : 309 ، 324 ، 325ه

الحسین بن سعید : 79ه ، 88ه ، 89ه ، 94ه ، 125ه ، 126 ، 129 ، 133ه ، 134ه ، 144ه ، 166ه ، 167ه ، 175ه ، 176ه ، 179ه ، 180ه ، 188ه ، 189ه ، 190ه ، 226ه ، 237ه ، 240ه ، 305ه ، 310ه ، 311ه ، 312ه ، 313ه ، 318ه ، 319ه ، 320ه

الحسین بن علوان : 322

الحسین بن محمّد : 136ه

الحسین بن مهران : 93

حسین الحلّی : 389ه ، 390ه ، 394

الحکم بن مسکین : 135ه

الحکیم : 203 ، 282 ، 285

حکیم بن حزام : 309

الحلبی : 78 ، 133 ، 134 ، 135 ، 163 ، 164 ، 175ه ، 187 ، 237 ، 239 ، 240 ، 245ه ، 254 ، 259 ، 321 ، 322ه ، 529 ، 578 ، 579 ، 580 ، 586 ، 589

الحلّی : 427

الحلّی(الشیخ): 286 ، 492 ، 494 ،

ص:611

497 ، 527

الحلّی( العلامة): 160

الحلّی( المحقّق): 183ه ، 427

حمّاد بن عثمان : 187ه ، 240ه

حمّاد بن عیسی : 144ه ، 226ه

حمّاد بن میسر : 583

حمّاد ، 133ه ، 135ه ، 163ه ، 164ه ، 237ه ، 239ه ، 240ه ، 259ه ، 313ه ، 319ه ، 322ه ، 582

حمزة بن حمران : 129

حمید بن زیاد : 376ه حرف الخاء

خالد بن الحجّاج : 158 ، 162 ، 163ه ، 312

خالد بن جریر : 80ه ، 172ه ، 261ه

خالد بن نجیح : 312ه

الخشّاب : 376ه

الخوئی : 31 ، 105 ، 106 ، 107 ، 112 ، 115 ، 116 ، 147 ، 203 ، 233 ، 234 ، 241 ، 256 ، 277 ، 280 ، 281 ، 315 ، 330 ، 337 ، 338 ، 339 ، 341 ، 362 ، 374 ، 378ه ، 399 ، 420 ، 412 ، 413 ، 433حرف الدال

داود الأبزاری : 165

داود بن الحصین : 125ه ، 132ه حرف الراء

رشید رضا : 59ه

رفاعة : 261 ، 262 ، 267 ، 269 ، 270

الروحانی : 595حرف الزاء

زرارة : 125 ، 126 ، 127 ، 128 ، 129 ، 136ه ، 176 ، 188 ، 226 ، 377 ، 379 ، 380 ، 381 ، 528 ، 529

زیاد بن أبی غیاث : 133 ، 579

زید الشحّام : 238حرف السین

السبزواری : 203 ، 248 ، 280 ، 331

سعید بن یسار : 126 ، 127 ، 128

السکونی(إسماعیل بن أبی زیاد): 54 ، 175 ، 582

ص:612

سلّار : 54

سلسبیل : 86 ، 180

سلیمان : 305ه

سلیمان الدیلمی : 92

سلیمان بن خالد : 79

سلیمان بن صالح : 305 ، 323

سماعة : 41 ، 129 ، 134 ، 187 ، 188 ، 226ه ، 322

السندی بن الربیع : 88ه

السنهوری : 293 ، 362

سهل بن زیاد : 134ه ، 172ه ، 176ه ، 188ه ، 239ه

سهل : 187ه

السیستانی: 124 ، 127 ، 128 ، 356 ، 358حرف الشین

الشافعی : 95ه ، 113ه

الشریف المرتضی : 375ه

شعیب بن واقد : 309 ، 325 ،

الشهید الأوّل : 247 ، 264 ، 270 ، 292

الشهید الثانی : 245 ، 364 ، 365 ، 368 ، 369حرف الصاد

صاحب الجواهر : 130 ، 159 ، 255 ، 260 ، 263 ، 264 ، 267 ، 268 ، 287 ، 375 ، 376 ، 377 ، 382 ، 427 ، 494 ، 495 ، 505 ، 541 ، 570

صاحب الحدائق : 34 ، 245

صاحب العروة : 234 ، 513

صاحب الوسائل : 306 ، 323ه ، 590

صالح بن خالد : 133ه

صالح بن عقبة : 52ه ، 77ه

الصباح بن سیّابة : 135

الصدر : 109ه ، 115 ، 116 ، 123 ، 138 ، 148 ، 150 ، 154 ، 156 ، 157ه ، 193 ، 196 ، 197 ، 208 ، 210 ، 211 ، 212 ، 213 ، 225 ، 259 ، 270 ، 277 ، 278 ، 280 ، 286 ، 287 ، 288 ، 289 ، 331 ، 332 ، 381 ، 413

الصدوق : 13 ، 14 ، 15 ، 41ه ، 42ه ، 92 ، 93 ، 125ه ، 126 ، 127 ، 128 ، 135ه ، 165ه ، 175ه ، 180ه ، 262ه ، 308ه ، 309 ، 322ه ، 324ه ، 325ه ، 328 ،

ص:613

377 ، 378 ، 380ه

الصفّار : 178ه ، 304

صفوان : 89ه ، 92 ، 94ه ، 126 ، 133ه ، 134ه ، 164ه ، 165ه ، 166ه ، 167ه ، 172ه ، 173ه ، 176ه ، 178ه ، 179ه ، 180ه ، 187ه ، 188ه ، 189ه ، 226ه ، 240ه ، 311ه ، 312ه ، 313ه ، 319ه ، 320ه ، 581حرف الطاء

الطوسی(الشیخ): 52ه ، 54 ، 55ه ، 77ه ، 80ه ، 87ه ، 88ه ، 89ه ، 94ه ، 110ه ، 111ه ، 123 ، 125ه ، 126 ، 127 ، 129 ، 130 ، 131 ، 132ه ، 133ه ، 134ه ، 135ه ، 137ه ، 144ه ، 160 ، 165ه ، 166ه ، 167ه ، 168ه ، 169ه ، 175ه ، 176ه ، 178ه ، 179ه ، 180ه ، 181ه ، 187ه ، 188ه ، 189ه ، 190ه ، 226ه ، 233 ، 237ه ، 238ه ، 239 ، 240ه ، 254ه ، 258ه ، 261ه ، 262ه ، 303ه ، 304ه ، 305ه ، 306 ، 310ه ، 311ه ، 312ه ، 313ه ، 318ه ، 319ه ، 320ه ، 323ه ، 324ه ، 326 ، 377 ، 417 ، 488 ، 595حرف العین

عاصم بن حمید : 40ه ، 189ه ، 190ه ، 229ه ، 238ه ، 255ه ، 322ه

عبّاس : 581

العبّاس( عم النبیّ): 16

العبّاس بن عامر : 125ه ، 132ه

عبد الحمید بن سعد : 313

عبد الرحمن الجزیری : 250 ، 251

عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه : 125 ، 127 ، 128 ، 176 ، 187 ، 312

عبد الرحمن بن الحجّاج : 88 ، 89ه ، 94 ، 97 ، 164 ، 173 ، 189 ، 305 ، 307 ، 309 ، 311 ، 313 ، 319 ، 320ه ، 324

عبد الرحمن : 125ه ، 136ه ، 305ه

الدکتور عبد الرزاق السنهوری : 57ه ، 361

عبد الکریم : 134ه

عبد اللّه بن أبی یعفور : 135

عبد اللّه بن الحسن : 168ه ، 180ه

ص:614

عبد اللّه بن جبلة : 165ه ، 304ه

عبد اللّه بن جعفر الحمیری : 165ه

عبد اللّه بن جعفر : 94 ، 168ه ، 180ه ، 322ه

عبد اللّه بن سنان : 79 ، 136ه ، 240 ، 310 ، 311 ، 318

عبد اللّه بن عبّاس : 56ه ، 57ه ، 59ه ، 82

عبد اللّه بن محمّد : 125ه

عبد الملک بن عتبة الهاشمی : 258ه ، 575

عبد الملک بن عتبة ، 92 ، 164 ، 165ه ، 181 ، 257 ، 258ه ، 261 ، 262ه

عبید اللّه بن علیّ الحلبی : 240ه

عبیس بن هشام : 133ه ، 165ه

عثمان بن عیسی : 41ه ، 126ه ، 127 ، 187ه ، 322ه

العراقی : 362 ، 367

علاء بن رزین : 226ه ، 529

العلاء : 134ه ، 188ه ، 237ه ، 313ه ، 319ه

علیّ : 178

علیّ بن إبراهیم : 40ه ، 41ه ، 87ه ، 89ه ، 94ه ، 125 ، 127 ، 135ه ، 163ه ، 164ه ، 168ه ، 175ه ، 177ه ، 187ه ، 229ه ، 237ه ، 238ه ، 239ه ، 255ه ، 259ه ، 307ه ، 322ه ، 323ه

علیّ بن أبی حمزة البطائنی : 93

علیّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق :

92

علیّ بن أسباط : 305ه ، 323ه

علیّ بن إسماعیل : 165ه

علیّ بن الحسن : 323ه

علیّ بن الحکم : 125ه ، 181ه ، 188ه ، 237ه ، 258ه ، 262ه

علیّ بن النعمان : 79ه ، 166ه ، 173ه ، 175ه ، 254ه

علیّ بن أیّوب : 187ه

علیّ بن جعفر : 63 ، 94 ، 95 ، 129 ، 167 ، 168ه ، 180 ، 323 ، 380 ، 580

علیّ بن حدید : 86ه ، 90 ، 93 ، 180ه ، 311ه

علیّ بن خالد : 134ه

علیّ بن رئاب : 304ه

علیّ بن رباط : 180ه

علیّ بن محمّد : 178

عمّار : 55 ، 324

ص:615

عمّار بن موسی الساباطی : 88

عمر بن یزید : 186 ، 187ه

عمرو بن جمیع : 376

عمرو بن سعید : 55ه ، 324ه حرف الغین

غیاث بن إبراهیم : 160 ، 165

غیاث : 165ه حرف الفاء

فضالة : 133ه ، 134ه ، 188ه ، 240ه ، 312ه ، 313ه

فضل بن شاذان : 164ه ، 189ه

الفضیل : 303ه حرف القاف

القاسم بن محمّد( الجوهری): 303ه

القاسم بن محمّد : 88ه ، 125ه ، 176ه ، 303ه

القاضی : 54حرف الکاف

کاشف الغطاء : 427

الکرکی : 160 ، 247 ، 427

الکشّی : 180ه

الکلینی : 40ه ، 41ه ، 78 ، 79ه ، 86ه ، 87ه ، 89ه ، 94ه ، 125ه ، 126ه ، 132ه ، 134ه ، 135ه ، 136ه ، 160ه ، 163ه ، 164ه ، 165ه ، 168ه ، 172ه ، 173ه ، 175ه ، 176ه ، 177ه ، 178ه ، 180ه ، 187ه ، 188ه ، 189ه ، 229ه ، 237ه ، 238ه ، 239ه ، 240ه ، 254ه ، 255ه ، 257ه ، 259ه ، 261ه ، 307ه ، 322ه ، 323ه ، 376ه ، 377ه

الکنانی : 237ه

الگلپایگانی : 233 ، 277 ، 278 ، 280حرف المیم

الماتن : 343 ، 345 ، 347 ، 348 ، 354 ، 355ه ، 356 ، 360 ، 371 ، 372 ، 374 ، 375 ، 386 ، 387 ، 388 ، 406 ، 412 ، 413 ، 414 ، 419 ، 420 ، 422 ، 426 ، 427 ، 430 ، 433 ، 435 ، 438 ، 439 ، 440 ، 442 ، 458 ،

ص:616

459 ، 460 ، 481 ، 483 ، 485 ، 489 ، 490 ، 492 ، 493 ، 514 ، 517 ، 525 ، 530 ، 531 ، 536 ، 540

مالک : 95ه ، 113ه

المجلسی : 269

المحقّق( محقّق الشرائع): 131 ، 263

محمّد : 323ه

محمّد بن أبی عبد اللّه الکوفی : 93

محمّد بن أبی عبد اللّه : 87ه ، 168ه

محمّد بن أبی عمیر : 93 ، 179ه ، 237ه

محمّد بن أحمد بن یحیی : 55ه ، 135ه ، 169ه ، 187ه ، 305ه ، 323ه ، 324ه

محمّد بن أحمد : 125ه ، 132ه ، 377ه

محمّد بن إسحاق بن عمّار : 86 ، 87 ، 90 ، 92 ، 93 ، 168 ، 180 ، 181

محمّد بن إسحاق : 87ه ، 181ه ، 182

محمّد بن إسماعیل بن بزیع : 52ه ، 77ه

محمّد بن إسماعیل : 164ه ، 189ه ، 254ه

محمّد بن الحسن : 581 ، 589

محمّد بن الحسن الصفّار : 52ه ، 77ه ، 88ه ، 167

محمّد بن الحسین أبی الخطّاب : 52ه ، 77ه

محمّد بن الحسین : 89ه ، 135ه ، 172ه ، 178ه ، 188ه ، 237ه ، 305ه ، 323ه

محمّد بن الفضیل : 110ه ، 237ه

محمّد بن القاسم : 303

محمّد بن جعفر الرزّاز : 322ه

محمّد بن حمران : 226ه

محمّد بن خالد : 303ه

محمّد بن سعید المدائنی : 88ه

محمّد بن سلیمان : 181ه ، 182 ، 187ه

محمّد بن سلیمان الدیلمی : 169ه

محمّد بن سنان : 14 ، 42

محمّد بن عبد الجبّار : 164ه ، 173ه ، 187ه ، 189ه ، 254ه

محمّد بن عبده : 178

محمّد بن علیّ بن محبوب : 178ه

محمّد بن عمران : 226ه

محمّد بن عیسی : 178ه ، 254ه ، 377ه

محمّد بن قیس : 15 ، 39 ، 40ه ، 166 ، 176 ، 182 ، 183 ، 186 ، 189 ، 190 ، 229 ، 231 ، 238 ، 255 ، 273 ، 322

محمّد بن مسلم : 129 ، 134 ، 144 ، 177 ، 178 ، 188 ، 226 ،

ص:617

237 ، 313 ، 319 ، 528 ، 529 ، 530 ، 579

محمّد بن المنکدر : 89

محمّد بن یحیی : 79ه ، 86ه ، 89ه ، 125ه ، 132ه ، 160ه ، 165ه ، 172ه ، 173ه ، 175ه ، 178ه ، 180ه ، 187ه ، 188ه ، 237ه ، 261ه ، 303ه ، 377ه ، 589

محمّد بن یعقوب : 163ه ، 164ه

محمّد الحلبی : 133ه ، 240ه

محمّد علیّ بحر العلوم : 22

السیّد المرتضی : 378

مسعدة : 87ه ، 90 ، 91 ، 92

مسعدة بن صدقة : 87 ، 92 ، 168 ، 181ه ، 182

مصدّق بن صدقة : 55ه ، 324ه

معاذ بن ثابت : 376ه

معاویة بن حکیم : 237ه

معاویة بن سعید : 581

معاویة بن عمّار : 239ه ، 312 ، 313ه

الدکتور معروف الدوالیبی : 60ه

معلّی بن محمّد البصری : 136ه

معلّی بن محمّد : 136ه

معمّر بن یحیی بن سالم : 322

معمر بن یحیی بن سالم : 323ه

الشیخ المفید : 54 ، 93

المقدّس الأردبیلی : 34

منصور : 125 ، 132 ، 133ه

منصور بن حازم : 111ه ، 125ه ، 132ه ، 133 ، 187ه ، 312 ، 319 ، 323 ، 579

منصور بن یونس : 323ه

موسی الخوانساری : 263ه

موسی بن بکر : 311ه

موسی بن سعدان : 165ه حرف النون

النائینی : 202 ، 226ه ، 263 ، 263ه ، 264 ، 265 ، 266 ، 267 ، 289 ، 296 ، 297 ، 298 ، 300 ، 301 ، 306 ، 328

النجاشی : 92 ، 136ه

النخعی : 177

النضر بن سوید : 79ه ، 240ه

النضر بن قرواش : 322

النضر : 189ه ، 190ه ، 310ه ، 318ه ، 322ه

النوفلی(الحسین بن یزید): 54ه ، 175ه

النهاوندی : 362

ص:618

حرف الواو

الوحید البهبهانی : 34 ، 159 ، 427

الوشّاء : 136ه

وهب : 137 ، 583

وهیب : 238ه حرف الهاء هارون بن مسلم : 87ه ، 168ه

هذیل بن حیّان : 176

هشام بن الحکم : 14 ، 41

هشام بن سالم : 14 ، 40 ، 41ه

الهمدانی ، 493 : 498 ، 500 ، 501 ، 505 ، 507 ، 525حرف الیاء

یحیی : 254ه

یحیی بن الحجّاج : 163ه ، 312ه

یحیی بن سعید : 160

الیزدی(السیّد): 114 ، 190 ، 203ه ، 232 ، 233 ، 243 ، 308 ، 365 ، 447 ، 451 ، 452 ، 453 ، 454 ، 455 ، 456 ، 501 ، 502 ، 513 ، 538

یس الضریر : 377ه

یعقوب بن شعیب : 166 ، 172 ، 173

یوسف بن أیّوب : 572 ، 578

یوسف بن عقیل : 166ه

یونس : 52 ، 77 ، 580

یونس بن عبد الرحمن : 180ه

یونس بن یعقوب : 173ه

یونس الشیبانی : 51 ، 52ه ، 77

ص:619

ص:620

4 - فهرس الکتب

أحکام القرآن : 59ه

الإرشاد : 93

الاستبصار : 127 ، 128 ، 303ه

أعلام الموقّعین : 58ه

الانتصار : 375ه

البدایة : 251

بدایة المجتهد و نهایة المقتصد : 58ه ، 249 ، 250ه

البنک اللاربوی : 109ه ، 138 ، 141ه ، 149ه ، 151ه ، 152ه ، 157ه ، 196ه ، 197ه ، 199 ، 200ه ، 206 ، 209ه ، 210ه ، 212ه ، 259ه ، 287ه

تحریر الوسیلة : 466

تشریح الاُصول : 362

التنقیح : 263

التهذیب : 127ه ، 128 ، 129 ، 144ه ، 186ه ، 190 ، 269ه ، 303ه ، 305ه ، 376ه

جامع الأحکام الشرعیّة : 203ه

جواهر الکلام : 130 ، 159 ، 183ه ، 241 ، 255 ، 260 ، 263 ، 264 ، 267 ، 268 ، 271 ، 287 ، 288 ، 375 ، 376 ، 377 ، 378 ، 382 ، 427 ، 494 ، 495 ، 505 ، 541 ، 570

الحاشیة : 234

الحدائق : 245

الدروس : 110ه ، 263 ، 269

الدروس الشرعیّة : 269ه

ردّ المحتار : 95ه

رسائل ابن عابدین : 113ه

السرائر : 262ه

الشرائع : 110ه ، 263 ، 271

شرح الکبیر فی ذیل المغنی : 113ه

شرح الکبیر : 113ه

ص:621

شرح المنهاج : 113ه

صحیح مسلم : 132ه

العروة : 203ه ، 233 ، 234 ، 241 ، 513

العیون : 93ه

عیون أخبار الرضا : 92

عیون الأخبار : 328

الفقه علی المذاهب الأربعة : 250 ، 251ه

القاموس المحیط : 113ه ، 145 ، 240ه

قرب الإسناد : 94 ، 168ه ، 180ه ، 322ه

القواعد : 110ه

القوانین الفقهیّة : 95ه ، 113ه

الکافی : 93ه ، 127ه ، 128 ، 129 ، 303ه ، 312ه

کتاب الجزیری : 251

مجلّة القانون و الاقتصاد : 60ه

مجمع المسائل : 277

المحلّی : 113ه

مختلف : 110ه ، 183ه

المسائل المستحدثة : 31ه

مسائل و ردود : 438ه

المسالک : 271

المستند : 233 ، 234 ، 280

مستند العروة الوثقی : 233ه ، 234ه

مصادر الحقّ فی الفقه الإسلامی : 57ه ، 60ه ، 293

المصباح المنیر : 78ه ، 113ه ، 114ه

معانی الأخبار : 328ه

المغنی : 95ه ، 123ه ، 177ه ، 253

المکاسب : 116 ، 296 ، 309 ، 315 ، 320 ، 365 ، 502 ، 503

ملاذ الأخبار : 269ه

ملکیّة الدول الوضعیّة : 341ه ، 350ه ، 353ه

المناقب : 93ه

من لا یحضره الفقیه : 128 ، 129

المنهاج : 105 ، 106 ، 203

منیة السائل : 438ه

منیة الطالب فی شرح المکاسب : 263ه

الموسوعة الفقهیّة : 95ه ، 113ه ، 114ه

المهذّب :، 248 251 النهایة : 130 نهایة و نکتها : 131ه نهج البلاغة : 52 ، 100 نیل الأوطار : 95ه ، 113ه

وسائل الشیعة : 178ه ، 190ه ، 306 ، 323ه ، 328ه ، 590

الوسیط : 361 الوسیلة : 117

ص:622

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.